الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة

الردَّة والزّندقة

(6/91)


الردّة:
الردّة من قولك: ردَدَت الشيء: أرُدُّه؛ كأنّه ردَّه إِلى كُفره فارتدّ، أي: فرجع وردّ نفسه (1).
وقال في "المغني" (10/ 74): "الردّة: هي الرجوع عن دين الإِسلام إِلى الكُفر، قال الله -تعالى-: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} (2).
وقال النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من بدل دينه فاقتلوه" (3).
وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ ومعاذ وأبي موسى وابن عباس وخالد وغيرهم، ولم ينكر ذلك فكان إِجماعاً".
وفيه أيضاً (10/ 74): "فمن أشرك بالله -تعالى- أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته أو قال اتخذ صاحبة أو ولداً، أو جحد نبياً أو كتاباً من كتب الله أو شيئاً منه، أو سبَّ الله -سبحانه وتعالى- ورسوله كَفَر".
*ولا يجوز إِيقاع حُكم التكفير على أيّ مسلم؛ إِلا مَن دلّ الكتابُ والسّنة على كُفره دلالةً واضحة صريحة بيّنة؛ فلا يكفي في ذلك مجرّدُ
__________
(1) "حلية الفقهاء" (198).
(2) البقرة: 217.
(3) أخرجه البخاري (3017).

(6/93)


الشبهة والظنّ.
وقد يَرِد في الكتاب والسّنة؛ ما يُفهم منه أن قولاً ما أو عملاً أو اعتقاداً كُفرٌ؛ مخرجٌ من الإِسلام، لكن ليس لنا أن نكفِّر به أحداً بعينه؛ إِلا إِذا أقيمت عليه الحُجّة؛ بتحقيق الشروط: علماً وقصداً واختياراً وانتفاء للموانع، وهي عكس هذه وأضدادها، وهي الجهل والذهول والإِكراه* (1).
فمن سجد عند صنم وهو لا يعلم أنه صنَم، أو نطق كلمةً مِن كلمات الكُفر وهو في ذهول؛ كأن يقول: اللهم أنت عبدي وأنا ربّك، أو أُكره على ذلك وقلبه مطمئنٌ بالإِيمان فإنه لا يكفُر.
قال الله -تعالى-: {مَن كفَر بالله من بعد إِيمانه إِلا مَن أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإِيمان ولكن من شرح بالكُفر صدراً فعليهم غضبٌ من الله ولهم عذابٌ أليم} (2).
وقد نزلت هذه الآية في عمّار بن ياسر -رضي الله عنه- (3).
وقد يكون المرء حديث عهدٍ بالإِسلام؛ فما وقع منه من بعض الكفر؛ فإِنه يُعذَر؛ حتى يبلغه ذلك.
__________
(1) ما بين نجمتين من "مُجمَل مسائل الإِيمان العلمية في أُصول العقيدة السلفية" (ص 17) بتصرّف يسير.
(2) النّحل: 106.
(3) قال -شيخنا -رحمه الله- في تخريج "فقه السّيرة" (ص 122): " ... نعم إِنما يصحّ منه نزول الآية في عمّار؛ لمجيء ذلك مِن طُرُق؛ ساقها ابن جرير، والله أعلم".

(6/94)


ومن الأمثلة الدالّة على الكفر (1):
1 - إِنكار ما عُلم من الدين بالضرورة، مثل: إِنكار وحدانية الله، وخلقه للعالم، وإِنكار وجود الملائكة، وإِنكار نبوة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن القرآن وحي من الله، وإِنكار البعث والجزاء، وإِنكار فرضية الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج.
2 - استباحة محرّم أجمعَ المسلمون على تحريمه، كاستباحة الخمر، والزنى، والربا، وأكل الخنزير ...
3 - تحريم ما أجمع المسلمون على حله، كتحريم الطيبات.
4 - سبِّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو الاستهزاء به، وكذا سبّ أي نبيّ من أنبياء الله.
5 - سبِّ الدين، والطعن في الكتاب والسّنة، وتفضيل القوانين الوضعية عليهما.
6 - ادعاء فرد من الأفراد، أن الوحي ينزل عليه.
7 - إِلقاء المصحف في القاذورات، وكذا كتب الحديث؛ استهانة بها، واستخفافاً بما جاء فيها.
قلت: وجاء في "الروضة الندية" (2/ 629) تحت عنوان "والساب لله أو لرسوله أو للإِسلام أو للكتاب أو للسُّنة، والطاعن في الدين، وكل هذه الأفعال موجبة للكفر الصريح، ففاعلها مرتدّ حده حده ...
ثم ذكر حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّ أعمى كانت له أمّ ولد،
__________
(1) عن "فقه السنة" (3/ 227) بتصرف.

(6/95)


تشتم النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتقَع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر.
قال: فلمّا كانت ذات ليلة جَعَلت تقع في النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتشتمه، فأخذ المِغْوَل (1) فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتَلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هَناك بالدم، فلما أصبح ذُكِر ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجمع الناس فقال: أنشد الله رجلاً فَعَل ما فَعَل لي عليه حقّ؛ إِلا قام.
فقام الأعمى يتخطى الناس، وهو يتزلزل، حتى قَعد بين يدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلمّا كانت البارحة جَعَلت تشتمك وتقع فيك، فأخذتُ المِغْوَل فوضعْتُه في بطنها، واتكأت عليها حتى قتلْتُها.
فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ألا اشهدوا أنّ دمها هدر" (2).
ثمّ ذكَر حديث أبي برزة قال: كنت عند أبي بكر فتغيّظ على رجل، فاشتد عليه، فقلت: تأذن لي يا خليفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أضرب عنقه؟ قال: فأذهبت كلمتي غضبه.
فقام فدخل فأرسل إِليّ فقال: ما الذي قلت آنفاً؟ قلت: ائذَنْ لي أضرب عنقه، قال: أكنت فاعلاً لو أمرتُك؟ قلت: نعم، قال: لا والله ما كانت لبشر
__________
(1) المِغْوَل: شبه سيف قصير، يشتمل به الرجل تحت ثيابه فيغطّيه، وقيل: هو حديدة دقيقة لها حَدٌّ ماضٍ وقَفَا "النهاية" وتقدّم.
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (3665)، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (3794) وتقدّم.

(6/96)


بعد محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (1)
وقد نقل ابن المنذر الإِجماع على أن من سبّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجَبَ قتْله، ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمّة الشافعية في كتاب الإِجماع؛ أنّ مَن سبّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما هو قذْفٌ صريحٌ كَفَر باتفاق العلماء ....
قال الخطابي: لا أعلم خلافاً في وجوب قتْله إِذا كان مسلماً.
وإِذا ثبت ما ذكَرنا في سبّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبالأولى مَن سبّ الله -تبارك وتعالى- أو سب كتابه، أو الإِسلام، أو طعن في دينه وكفَر، من فعل هذا لا يحتاج إِلى برهان.
قال صاحب "الروضة": "وقريب من هذا مَنْ جَعلَ سبّ الصحابَة شعاره ودثاره، فإِنه لا مقتضى لسبّهم قطّ، ولا حاملَ عليه أصلاً؛ إِلا غشّ الدين في قلب فاعلِهِ وكراهة الإِسلام وأهله، فإِنّ هؤلاء هم أهله على الحقيقة؛ أقاموه بسيوفهم، وحفظوا هذه الشريعة المطهرة، ونقلوها إِلينا كما هي، فرضي الله عنهم وأَرضاهم وأقمأ (2) المشتغلين بثلبهم، وتمزيق أعراضهم المصونة".

التحذير من التكفير:
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أيما رجل قال لأخيه يا كافر؛ فقد باء بها أحدهما" (3).
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (3666)، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (3795).
(2) من القماءة: وهي الذلة والصغار.
(3) أخرجه البخاري (6104)، ومسلم (60).

(6/97)


تجاوز الله -تعالى- عن العبد ما حدّث به نفسه ما لم يعمل به أو يتكلم:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إِن الله تجاوز عن أمّتي ما حدّثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم" (1).
وعنه -رضي الله عنه- قال: "جاء ناس من أصحاب النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألوه: إِنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإِيمان" (2).
وعنه -رضي الله عنه- أيضاً قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يزال النّاس يتساءلون حتى يقال: هذا، خَلَقَ الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجَد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله" (3).

أحكام المرتدّ والمرتدّة واستتابتهم:
قال الإِمام البخاري -رحمه الله-: حُكم المرتد والمرتدة واستتابتهم (4).
قال الله -تعالى-: {إِن الذين كفروا بعد إِيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تُقبل توبتهم وأولئك هم الضالون} (5).
__________
(1) أخرجه البخاري (5269)، ومسلم (127).
(2) أخرجه مسلم (132).
(3) أخرجه مسلم (134).
(4) هذا العنوان من "صحيح البخاري" (كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم) (باب-2).
(5) آل عمران: 90.

(6/98)


وقال ابن عمر والزهري وإِبراهيم: "تُقْتل المرتدة" (1).
وقال -تعالى-: {ومن يرتدِدْ منكم عن دينه فيمُت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} (2).
أمّا العقوبة العاجلة في الدنيا، فهي القَتل.
فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مَن بدَّل دينه فاقتلوه" (3).
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يحِلّ دم امرئٍ مسلم يشهد أن لا إِله إِلا الله وأني رسول الله؛ إِلا بإِحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيّب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة" (4).
وعن عثمان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يحلّ دم امرئ مسلم إِلا بإِحدى ثلاث؛ رجل زنى بعد إِحصان فعليه الرجم، أو قتل عمداً فعليه القَوَد، أو ارتد بعد إِسلامه فعليه القتل" (5).
__________
(1) رواه البخاري معلقاً في "كتاب استتابة المرتدين" (باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم)، وانظر ما قاله الحافظ -رحمه الله- في وصْله في "الفتح".
(2) البقرة: 217.
(3) أخرجه البخاري (3017)، وتقدّم.
(4) أخرجه البخاري (6878)، ومسلم (1686)، وتقدّم.
(5) أخرجه أبو داود والنسائي "صحيح سنن النسائي" (3781) واللفظ له، وغيرهما وانظر "الإِرواء" (7/ 254).

(6/99)


وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- " قال: لما توفي النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستُخلف أبو بكر، وكفَر من كَفر من العرب، قال عمر: يا أبا بكر كيف تُقاتل الناس وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إِله إِلا الله؛ فمن قال: لا إِله إِلا الله عصَم مني ماله ونفسه إِلا بحقه وحسابه على الله".
قال أبو بكر: "والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإِنّ الزكاة حقّ المال، والله لو منعوني عَناقاً كانوا يؤدّونها إِلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقاتلتهم على منعها، قال عمر: فوالله ما هو إِلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال، فعرفْتُ أنه الحقّ" (1).
عن أبي موسى قال: "أقبلتُ إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني، والآخر عن يساري، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستاك، فكلاهما سأل، فقال: يا أبا موسى -أو يا عبد الله بن قيس- قال: قلت: والذي بعثكّ بالحقّ؛ ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إِلى سواكه تحت شفته قلصت، فقال: لن -أو لا- نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى -أو يا عبد الله بن قيس- إِلى اليمن.
ثمّ اتّبَعَه معاذ بن جبل، فلمّا قدم عليه ألقى له وسادةً قال: انزل، فإِذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهودياً فأسلم ثمّ تهوّد، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يُقتَل، قضاء الله ورسوله (ثلاث مرات).
__________
(1) أخرجه البخاري (6924، 6925)، ومسلم (20)، وتقدّم.

(6/100)


فأمر به فقُتلَ، ثمّ تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما: أما أنا فأقوم وأنام، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي" (1).
*وإذا ارتد المسلم ورجع عن الإِسلام؛ تغيرت الحالة التي كان عليها وتغيرت تبعاً لذلك المعاملة التي كان يُعامل بها وهو مسلم، وثبتت بالنسبة له أحكام، نجملها فيما يأتي:

1 - العلاقة الزوجيّة:
إِذا ارتد الزوج أو الزوجة، انقطعت علاقةُ كلٍّ منهما بالآخر؛ لأن ردّة أي واحد منهما موجبة للفرقة بينهما، وهذه الفرقة تُعَدُّ فسخاً، فإِذا تاب المرتد منهما، وعاد إِلى الإِسلام، كان لا بدّ من عقدٍ ومهر جديدَين، إِذا أرادا استئناف الحياة الزوجيّة.

2 - ميراثه:
عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" (2).
وجاء في "السيل الجرار" (4/ 580): "وأمّا كونه يَرثه ورثته المسلمون؛ فلا أعرف لهذا وجهاً، ولا أجد عليه دليلاً، والأدلّة مُصرِّحة بأنه لا توارث بين مسلم وكافر على العموم، ولا يصلح للتخصيص إِلا دليلٌ تقوم به الحُجّة.
ولا حُجّة فيما يروى عن بعض الصحابة، فإِنّ ذلك محمولٌ على الاجتهاد،
__________
(1) أخرجه البخاري (6923)، ومسلم (1733).
(2) أخرجه البخاري (6764) ومسلم (1614).

(6/101)


واجتهاد الصحابي لا يُخصِّص ما ثبَت عن رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلم- بإِجماع المسلمين".

3 - فَقْد أهليته للولاية على غيره:
وليس للمرتد ولاية على غيره، فلا يجوز له أن يتولى عقد تزويج بناته، ولا أبنائه الصغار، وتعدّ عقوده بالنسبة لهم باطلة؛ لسلب ولايته لهم بالرِّدّة* (1).
وقد قال الله -تعالى-: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} (2).

قتل الخوارج والملحدين بعد إِقامة الحُجّة عليهم (3):
وقول الله -تعالى-: {وما كان اللهُ ليضل قوماً بعد إِذ هداهم حتى يبيّن لهم ما يتقون} (4).
قال البخاري -رحمه الله-: "وكان ابن عمر يراهم (5) شرار خلْق الله،
__________
(1) ما بين نجمتين عن "فقه السنة" (3/ 233) بتصرف.
(2) النساء: 141.
(3) هذا التبويب من "صحيح البخاري" (كتاب استتابة المرتدين) (باب - 6).
(4) التوبة: 115.
(5) يعني الخوارج.

(6/102)


وقال: إِنهم انطلقوا إِلى آياتٍ نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين" (1).
وعن علي -رضي الله عنه- إِذا حدثْتكم عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثاً، فوالله لأنْ أخرّ من السماء أحبّ إِليّ من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإِنّ الحرب خُدعةٌ، وإِني سمعت رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "سيخرج قومٌ في آخر الزمان، حُدَّاث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البريّة، لا يجاوز إِيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين؛ كما يمرق السهم من الرَّميَّة، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإِنّ في قتلهم أجراً لمن قتَلهم يوم القيامة" (2).
وانظر ما جاء في "صحيح البخاري" (3) إِن -شئت- (باب من ترك قتال الخوارج للتألّف، وأن لا ينفر الناس عنه) وما قاله الحافظ ابن حجر -رحمه الله-.

الزنديق
تعريفه: الزنديق هو الذي يُظهر الإِسلام ويُبطن الكفر، ويعتقد بطلان الشرائع، فهذا كافر بالله وبدينه، مُرتدّ عن الإِسلام أقبح رِدّة؛ إِذا ظهر منه ذلك بقولٍ أو فِعل (4).
وإِذا اعترف بأنّ القرآن حق وما فيه من ذكر الجنة والنّار حق لكن المراد بالجنة الابتهاج الذي يحصل بسبب الملكات المحمودة، والمراد بالنّار هي الندامة
__________
(1) رواه البخاري معلقاً ووصله الطبري في "مسند علي" من "تهذيب الآثار" بسند صحيح عنه وانظر "الفتح" (12/ 286) ومختصر البخاري (4/ 239).
(2) أخرجه البخاري (6930)، ومسلم (1066).
(3) كتاب استتابة المرتدين (باب - 7).
(4) انظر "الروضة الندية" (2/ 631).

(6/103)


التي تحصل بسبب الملكات المذمومة، وليس في الخارج جنة ولا نار فهو الزنديق (1)، فكلّ من أنكَر الشفاعة، أو أنكر رؤية الله يوم القيامة، أو أنكر عذاب القبر، وسؤال منكر ونكير، أو أنكر الصراط والحساب ... سواءٌ قال: لا أثق بهؤلاء الرواة أو قال: أثق بهم، لكن الحديث مؤول. ثمّ ذكر تأويلاً فاسداً لم يُسمَع ممن قبله؛ فهو الزنديق.
وكذلك من قال في الشيخين أبي بكر وعمر مثلاً: ليسا من أهل الجنّة مع تواتر الحديث في بشارتهما، أو قال: إِن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاتم النبوة ولكن معنى هذا الكلام أنه لا يجوز أن يسمى بعده أحد بالنّبيّ، وأما معنى النبوة وهو كون الإِنسان مبعوثاً من الله -تعالى- إِلى الخلق مفترض الطاعة، معصوماً من الذنوب ومن البقاء على الخطأ فيما يرى فهو موجود في الأئمة بعده فذلك هو الزنديق.
وقد اتفق جماهير المتأخرين من الحنفية والشافعية على قتْل من يجري هذا المجرى والله -تعالى- أعلم (2).
وقال شيخ الإِسلام -رحمه الله- في "الفتاوى" (7/ 471): "ولما كثُرت الأعاجم في المسلمين تكلموا بلفظ "الزنديق" وشاعت في لسان الفقهاء، وتكلَّم الناس في الزنديق: هل تُقبَل توبته في الظاهر إِذا عُرف بالزندقة، ودُفِع إِلى ولي الأمر قبل توبته؟
__________
(1) "الروضة الندية" (2/ 632).
(2) "الروضة الندية" (2/ 633).

(6/104)


فمذهب مالك وأحمد في أشهر الروايتين عنه، وطائفة من أصحاب الشافعي، وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة: أنّ توبته لا تُقبَل والمشهور من مذ هب الشافعي: قَبولها، كالرواية الأخرى عن أحمد، وهو القول الآخر في مذهب أبي حنيفة، ومنهم من فصل.
والمقصود هنا: أن الزنديق في عُرف هؤلاء الفقهاء هو المنافق الذي كان على عهد النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو أن يُظهر الإِسلام ويُبطن غيره، سواء أبطَن ديناً من الأديان كدين اليهود والنصارى أو غيرهم، أو كان مُعطلاً جاحداً للصانع، والمعاد، والأعمال الصالحة.
ومن النّاس من يقول: "الزنديق هو الجاحد المعطل، وهذا يُسمّى الزنديق في اصطلاح كثيرٍ من أهل الكلام والعامّة، ونقَلَة مقالات الناس.
ولكنّ الزنديق الذي تكلم الفقهاء في حُكمه: هو الأول؛ لأنّ مقصودهم هو التمييز بين الكافر وغير الكافر، والمرتد وغير المرتد، ومَن أظهَر ذلك أو أسرَّه.
وهذا الحُكم يشترك فيه جميع أنواع الكفار والمرتدين، وإنْ تفاوتت درجاتهم في الكفر والردة فإِن الله أخبَر بزيادة الكفر، كما أخبر بزيادة الإِيمان بقوله: {إِنْما النسيء زيادةٌ في الكفر} (1)، وتارك الصلاة وغيرها من الأركان أو مرتكبي الكبائر، كما أخبر بزيادة عذاب بعض الكفار على بعض في الآخرة بقوله: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب} (2).
__________
(1) التوبة: 37.
(2) النحل: 88.

(6/105)


فهذا "أصلٌ" ينبغي معرفته فإِنه مهمّ في هذا الباب؛ فإِنّ كثيراً ممن تكلم في "مسائل الإِيمان والكفر" -لتكفير أهل الأهواء- لم يلحظوا هذا الباب، ولم يميزوا بين الحكم الظاهر والباطن، مع أنّ الفرق بين هذا وهذا ثابت بالنصوص المتواترة، والإِجماع المعلوم؛ بل هو معلوم بالاضطرار من دين الإِسلام.
ومن تدبر هذا، علم أن كثيراً من أهل الأهواء والبدع قد يكون مؤمناً مخطئاً جاهلاً ضالاًّ عن بعض ما جاء به الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد يكون منافقاً زنديقاً يُظهِر خلاف ما يبطن.
وقال -رحمه الله- (11/ 405): "وَمن جحَد وجوب بعض الواجبات الظاهرة المتواترة: كالصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق، أو جحَد تحريمَ بعض المحرمات الظاهرة المتواترة: كالفواحش، والظلم والخمر والميسر والزنا وغير ذلك، أو جحد حِلّ بعض المباحات الظاهرة المتواترة: كالخبز واللحم والنكاح. فهو كافر مرتد، يُستتاب فإِنْ تاب وإلا قُتل، وإِنْ أضمَر ذلك كان زنديقاً منافقاً، لا يستتاب عند أكثر العلماء؛ بل يُقتل بلا استتابة، إِذا ظهر ذلك منه". انتهى.

هل يُقتل الساحر؟
لا شكَّ أنَّ السحر من الموبقات والمهلكات.
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله وما هنَّ؟ قال: الشِّرك بالله، والسِّحر، وقتل النَّفس التي حرَّم الله إِلا بالحقّ وأكل الرِّبا، وأكل مال اليتيم، والتَولِّي يوم الزَّحف،

(6/106)


وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" (1).
وقد اختلف العلماء في حدِّ الساحر؛ وقد جاء في "المرقاة" (7/ 116): "في شرح السنَّة: اختلفوا في قتْله، فذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إِلى أنَّه يُقْتل.
ورُويَ عن حفْصة: أنَّ جارية لها سَحَرَتْها فَأَمَرَت بها فقتلتْها، ورُوي أنَّ عمر -رضي الله عنه- كتَب: "اقتلوا كلّ ساحر وساحرة". قال الرَّاوي: فقتلنا ثلاث سواحر (2).
وعند الشافعي: يُقتل إِنْ كان ما يَسحر به كُفراً إِن لم يتب، فإِن لم يبلغ عمله الكفر فلا يُقتل، وتعليم السحر ليس كفراً عنده إِلا أن يَعتقد قلْب الأعيان.
قال القاضي: الساحر إِذا لم يتمّ سحرُه إِلا بدعوة كوكبٍ أو شيء يوجب كفراً؛ يجب قتْله، لأنَّه استعان في تحصيله بالتَّقرُّب إِلى الشيطان مما لا يستقِلّ به الإِنسان، وذلك لا يتسبَّب إِلا لمن يُناسبُه في الشرارة وخُبث النَّفس".
وعن عمرو بن دينار، سمع بجالة يحدِّث عمرو بن أوس وأبا الشعثاء، قال: "كنت كاتباً لِجَزْء بن معاوية، عمّ الأحنف بن قيس، إِذ جاءنا كتاب عمر قبل موته بسَنَة: اقتُلُوا كلَّ ساحر، وفَرِّقوا بين كل ذي مَحْرَم من المجوس،
__________
(1) أخرجه البخاري (6857)، ومسلم (89)، وتقدّم.
(2) وسيأتي تخريجه -إن شاء الله تعالى-.

(6/107)


وانهوهم عن الزَّمْزَمَةِ (1).
فقَتَلْنا في يوم ثلاثة سواحر، وفرَّقنا بين كل رجُل من المجوس وحريمه في كتاب الله، وصنَعَ طعاماً كثيراً، فدعاهم فعرض السَّيف على فَخذه، فأكلوا ولم يُزمزموا ... " (2).
أمَّا حديث: "حدُّ السَّاحر ضرْبةٌ بالسَّيف" فضعيف (3). والصحيح وقفه على جندب -رضي الله عنه- كما قال الترمذي وغيره.
قال شيخنا -رحمه الله-: " ... وقد أخرجه الحاكم (4/ 361) من طريق أشعث بن عبد الملك عن الحسن: "أنَّ أميراً من أمراء الكوفة دعا ساحرًا يلعب بين يدي الناس فبلغ جندب، فأقبل بسيفه، واشتمل عليه، فلمَّا رآه ضربه بسيفه، فتفرَّق الناس عنه، فقال: أيها الناس لن تراعوا، إِنَّما أردت الساحر فأخَذَه الأمير فحبَسه.
فبلغ ذلك سلمان، فقال: بئس ما صَنَعا! لم يكن ينبغي لهذا وهو إِمام يؤتمّ به يدعو ساحراً يلعب بين يديه، ولا ينبغي لهذا أن يعاتب أميره بالسيف".
قلت: وهذا إِسناد موقوف صحيح إِلى الحسن وقد توبع، فقال هشيم:
__________
(1) الزَّمْزَمَة: هي كلامٌ يقولونه عند أكْلهم بصوت خفي. "النِّهاية".
(2) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (2624).
(3) أخرجه الترمذي والدارقطني والحاكم وغيرهم، قال الترمذي: لا نعرفه معروفاً إِلا من هذا الوجه، وإِسماعيل بن مسلم المكِّي يُضعّف في الحديث، ... وانظر "الضعيفة" (1446).

(6/108)


أنبأنا خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي: "أنَّ ساحراً كان يلعب عند الوليد ابن عقبة، فكان يأخذ سيفه فيذبح نفسه، ولا يضره، فقام جندب إِلى السيف فأخذه فضرب عنقه، ثم قرأ: {أَفتأْتُونَ السِّحْرَ وأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} " (1).
وهذا إِسناد صحيح موقوف، صرح فيه هشيم بالتحديث.
وله طريق أخرى عند البيهقي عن ابن وهب: أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود: "أنَّ الوليد بن عقبة كان بالعراق يلعب بين يديه ساحر، وكان يضرب رأس الرجُل، ثمّ يصيح به، فيقوم خارجاً، فيرتدّ إِليه رأسه.
فقال الناس: سبحان الله، يحيي الموتى! ورآه رجُل من صالح المهاجرين، فنظر إِليه.
فلمَّا كان من الغد، اشتمل على سيفه فذهب يلعب لعبه ذلك، فاخترط الرجُل سيفه فضرب عنقه، فقال: إِن كان صادقاً فليحيي نفسه!
وأمر به الوليد ديناراً صاحب السجن -وكان رجلاً صالحاً- فسجنه، فأعجبه نحو الرجُل، فقال: أتستطيع أن تهرب؟ قال: نعم، قال: فاخرج لا يسألني الله عنك أبداً".
قلت (2): وهذا إِسناد صحيح إِن كان أبو الأسود أدرك القصَّة فإِنَّه تابعي صغير، واسمه محمد بن عبد الرحمن بن نوفل يتيم عروة.
__________
(1) أخرجه الدارقطني وعنه البيهقي وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (4/ 19/ 1 و2) والسياق له من طرق عن هشيم به.
(2) الكلام لشيخنا -رحمه الله-.

(6/109)


قلت (1): ومثل هذا الساحر المقتول، هؤلاء الطرقيَّة الذين يتظاهرون بأنَّهم من أولياء الله، فيضربون أنفسهم بالسيف والشيش، وبعضه سحر وتخييل ولا حقيقة له، وبعضه تجارب وتمارين، يستطيعه كل إِنسان من مؤمن أو كافر إِذا تمرّس عليه وكان قويّ القلب، ومن ذلك مسُّهم النار بأفواههم وأيديهم، ودخولهم التنّور.
ولِي مع أحدهم في حلب موقف تظاهر فيه أنَّه من هؤلاء، وأنَّه يطعن نفسه بالشيش، ويقبض على الجمر فنصحْته، وكشفْت له عن الحقيقة، وهددته بالحرق إِن لم يرجع عن هذه الدّعوى الفارغة! فلم يتراجع.
فقمت إِليه وقرَّبت النار من عمامته مهدِّداً، فلمَّا أصرَّ أحرقْتُها عليه، وهو ينظر! ثمَّ أطفأتها خشية أن يحترق هو من تحتها معانداً.
وظنِّي أنَّ جندباً -رضي الله عنه- لو رأى هؤلاء لقتلهم بسيفه كما فعل بذلك الساحر {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} ". انتهى.
وقال الإِمام الترمذي -رحمه الله- عقب أثر جندب -رضي الله عنه- السابق: "والعمل على هذا [أي: الضَّرب بالسيف] عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم، وهو قول مالك بن أنس وقال الشافعي -رحمه الله-: إِنَّما يُقتل الساحر إِذا كان يعمل في سحره ما يبلُغ به الكفر، فإِذا عمل عملاً دون الكفر؛ لم نَرَ عليه قتلا".
__________
(1) الكلام لشيخنا -رحمه الله-.

(6/110)


الكاهن والعرَّاف والمنجِّم:
جاء في "النهاية": الكاهن: هو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزَّمان، ويَدَّعي معرفة الأسرار، وقد كان في العرب كَهَنَة، كَشِقّ وسطيح وغيرهما، فمنهم من كان يزعُم أنَّ له تابعاً من الجنّ ورَئيَّا؛ يُلقي إِليه الأخبار.
ومنهم من كان يزعُم أنَّه يعرف الأمور بمقدِّمات أسبابٍ؛ يستدلّ بها على مواقعها من كلامِ مَن يسأله أو فِعْله أو حاله، وهذا يخصُّونه باسم العرَّاف؛ كالذي يدَّعي معرفة الشيء المسروق، ومكان الضَّالَّة ونحوهما، والحديث الذي فيه: "من أتى كاهناً ... " قد يشتمل على إِتيان الكاهن والعرَّاف والمنجِّم". انتهى.
والحديث الذي أشار إليه هو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أتى كاهنا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزِل على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" (1).
وعن صفيَّة عن بعض أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "منْ أتى عرَّافاً فسأله عن شيء، لم تُقبل له صلاةُ أربعين ليلة" (2).
قال في "النهاية": "أراد بالعرَّاف المنجِّم الذي يدَّعي عِلْم الغيب، وقد
__________
(1) أخرجه البزَّار في مسنده وهو في "الصحيحة" (3387) وانظر شواهده. -إِن شئت- في "غاية المرام" (172 - 284) و"آداب الزِّفاف" (105 - 107).
(2) أخرجه مسلم (2230).

(6/111)


استأثر الله -تعالى- به".
وقال النووي -رحمه الله- في العرَّاف: " [هو] من جملة أنواع الكُهَّان، قال الخطابي وغيره: العرَّاف: هو الذي يتعاطى معرفة مكان المسروق ومكان الضَّالَّة ونحوهما".
والمنجِّم: الذي يدَّعي معرفة الأنباء بمطالع النجوم.
وما قيل في الساحر من حيث القتل يُقال في الكاهن والعرَّاف والمنجِّم؛ إِذا استخدموا في أمورهم هذه ما يبلغون به الكفر؛ أو جرُّوا الناس إِلى الشّرك بالله -تعالى- والخروج من ملَّة الإِسلام والله -تعالى- أعلم. (1)
__________
(1) انظر -إِن شئت- المزيد من الفائدة "الفتاوى" (35/ 166 - 197).

(6/112)