الموسوعة
الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة الجنايات
(6/145)
الجنايات
تعريفها:
الجنايات: هي جمع جناية، مصدر من جَنَى الذنب يجنيه جناية، أي: جَرّه
إِليه، وجُمعت وإِنْ كانت مصدراً لاختلاف أنواعها، فإِنها تكون في النفس،
وفي الأطراف، وتكون عمداً وخطأً (1).
وجاء في "المغني" (9/ 318): هي كلّ فِعل عدوانٍ على نفس أو مال، لكنها في
العرف مخصوصة بما يحصل فيه التعدي على الأبدان، وسمّوا الجنايات على
الأموال غصباً ونهباً وسرقة وخيانة وإِتلافاً.
*وقد اصطلحَ الفقهاء على تقسيم هذه الجرائم إِلى قسمين:
القسم الأول: ويسمّى جرائم الحدود.
والقسم الثاني: ويسمّى جرائم القِصاص.
وهي الجنايات التي تقع على النفس، أو على ما دونها من جرحٍ، أو قطع عضو،
وهذه هي أصول المصالح الضرورية التي يجب المحافظة عليها؛ صيانة للناس،
وحِفاظاً على حياتهم الاجتماعية. وقد تقدم الكلام على جرائم الحدود
وعقوباتها، وبقي أن نتكلم على جرائم القصاص* (2).
حُرمة المسلم عند الله تعالى:
قال الله تعالى {ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إِلا بالحقّ} (3).
__________
(1) "سبل السلام" (3/ 437).
(2) ما بين النجمتين من "فقه السنة" (3/ 282).
(3) الإِسراء: 33.
(6/147)
عن أبي بكرة -رضي الله عنه- ذكَر النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قعَد على بعيره وأمسكَ إِنسانٌ
بخِطامه -أو زمامه- قال: أيّ يوم هذا؟ فسَكتنا حتى ظَننّا أنه سيُسمّيه
سِوى اسمه.
قال: ألَيس يوم النَحر؟ قلنا: بلى. قال فأيّ شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننّا أنه
سيُسمِّيه بغير اسمه، فقال: أليس بذي الحجة؟ قلنا بلى.
قال: فإنّ دِماءَكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حَرام؛ كَحُرمِة يومكم هذا، في
شهركم هذا، في بلدكم هذا، لِيبلغ الشاهد الغائبَ، فإن الشاهد عَسى أن
يبلّغَ مَن هو أوعى له منه" (1).
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إِله إِلا الله
وأني رسول الله إِلا بإِحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيِّب الزاني، والمفارق
لدينه التارك للجماعة" (2).
وعن عبد الله بن عمرو أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"لزوال الدنيا أهون على الله من قَتْل رجل مسلم" (3).
وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا
في دم مؤمن؛ لأكبّهم الله في
__________
(1) أخرجه البخاري (67) ومسلم (1679).
(2) أخرجه البخاري (6878) ومسلم (1676) وتقدّم.
(3) أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي" (1126) وابن ماجه "صحيح سنن ابن
ماجه" (2121) والنسائي "صحيح سنن النسائي" (3722) وصححه شيخنا -رحمه الله-
في "غاية المرام" (439).
(6/148)
النار" (1).
ونظر عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يوماً إِلى الكعبة فقال: "ما أعظمك
وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمةً منك" (2).
وعن عبد الله -رضي الله عنه- قال النبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "أول ما يقضى بين الناس في الدماء" (3).
جزاء من سَنّ القتل:
قال الله تعالى {مَن قَتَل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل
الناس جميعاً} (4).
قال ابن كثير -رحمه الله- في "تفسيره": "أي: ومَن قَتَل نفساً بغير سبب؛ من
قِصاص، أو فسادٍ في الأرض، واستحلّ قتْلها بلا سبب ولا جناية؛ فكأنما قتل
الناس جميعاً؛ لأنه لا فرْقَ عنده بين نفسٍ ونفس".
وعن عبد الله قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس
مِن نفس تُقتَل ظلماً؛ إِلا كان
__________
(1) أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي" (1128) وصححه لغيره شيخنا -رحمه
الله- في "صحيح الترغيب والترهيب" (2442).
(2) أخرجه الترمذي وابن حبان وغيرهما وحسنه شيخنا -رحمه الله- في "غاية
المرام" (435).
(3) أخرجه البخاري (6533) ومسلم (1678).
(4) المائدة: 32.
(6/149)
على ابن آدم الأوّل كِفلٌ منها (1) لأنه
سَنّ القتل أوّلاً" (2).
وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَن سنَّ في الإِسلام سُنّة حسنة؛ فله أجرها وأجر
مَن عمِل بها من بعده؛ مِن غير أن يَنقُص من أجورهم شيءٌ، ومَن سنَّ في
الإِسلام سنّة سيئة؛ كان عليه وزرها ووزْر من عمِل بها من بعده؛ مِن غير أن
يَنقُص مِن أوزارهم شيء" (3).
تحريم الانتحار وقتل المرء نفسه:
قال الله -تعالى-: {ولا تقتلوا أنفسكم إِنّ الله كان بكم رحيماً} (4).
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قال: "مَن تَرَدّى من جبل فقتلَ نفسَه فهو في نار جهنم يتردّى فيه خالداً
مُخلداً فيها أبداً.
ومن تحسّى سماً فقَتلَ نفسه فسمُّهُ في يده، يَتحساه في نار جهنم خالداً
مُخلداً فيها أبداً.
ومن قتل نفسه بحديدة فحديدتهُ في يده يَجأُ بِها (5) في بطنه في نار جهنم
خالداً مُخلداً فيها أبداً" (6).
__________
(1) الكفل: الحظّ والنّصيب.
(2) أخرجه البخاري (7321) ومسلم (1677).
(3) أخرجه مسلم (1017).
(4) النساء: 29.
(5) يجأ بها: أي يضرب بها.
(6) أخرجه البخاري (5778) ومسلم (109).
(6/150)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "الذي يخنق نفسه يخنقها في
النار، والذي يطعنها يطعنها في النار" (1).
وعن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "كان فيمن كان قبلكم رجلٌ به جُرْحٌ، فجزِع فأخذ سكيناً فحزّ
بها يده، فما رقأ (2) الدم حتى مات، قال الله -تعالى-: "بادرني عبدي بنفسه،
(3) حَرّمتُ عليه الجنة" (4).
وعن ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه- أنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من قَتَل نفسه بشيء في الدنيا؛ عُذّب به يوم
القيامة" (5).
أنواع القتل
القتلُ أنواعٌ ثلاثةٌ:
1 - عمد.
2 - شبه عمد.
3 - خطأ.
__________
(1) أخرجه البخاري (1365).
(2) أي لم ينقطع.
(3) بادرني عبدي بنفسه: أي: استعجل الموت قال العينيّ -رحمه الله- في "عمدة
القاري": "معنى المبادرة: عدم صبْرِه حتى يقبض الله روحه حتف أنفه، يُقال:
بدرني أي سبقني: مِن بَدرت إِلي الشيء أبدُر وبدوراً إذا أسرعت، وكذلك
بادرت إِليه".
(4) أخرجه البخاري (1364، 3463) ومسلم (113).
(5) أخرجه البخاري (6047) ومسلم (110).
(6/151)
القتلُ العَمْدُ (1)
فالقتل العمد؛ هو أن يقصد المكلَّف قتْل
إِنسان معصوم الدم (2)، بما يغلِب على الظنّ، أنه يُقتل به، ولا تتحقّق
جريمة العمد؛ إِلا إِذا توفّرت الأُمور الآتية:
1 - أن يكون القاتل عاقلاً، بالغاً، قاصداً القتل.
أمّا اعتبار العقل والبلوغ فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"رُفع القلم عن ثلاثة؛ عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن
الصبي حتى يكبر" (3).
وأمّا اعتبار العمد؛ فلحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قُتلَ رجل على
عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرُفع ذلك إِلى النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فدفَعه إِلى وليِّ المقتول، فقال
القاتل: يا رسول الله! والله ما أردْتُ قتْله. قال: فقال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للولي: أمَا إِنه، إِنْ كان صادقاً
ثُمَّ قَتَلْتَه دَخَلْتَ النار قال: فخلّى سبيله" (4).
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ... ومن قتل
__________
(1) عن "فقه السنة" (3/ 292) بتصرف وزيادة من "المغني" (9/ 321).
(2) أي لا يستّحق القتل شَرعاً.
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (3698)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن
ماجه" (1660) والترمذي "صحيح سنن الترمذي" (1150)، وصححه شيخنا -رحمه الله-
في "الإِرواء" (297).
(4) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (3775)، والنسائي "صحيح سنن
النسائي" (4403) والترمذي "صحيح سنن الترمذي" (1135) وابن ماجه "صحيح سنن
ابن ماجه" (2178).
(6/152)
عمداً فهو قَوَد (1) ومن حال دونه؛ فعليه
لعنة الله وغضبه، لا يُقبَل منه صَرْف (2) ولا عَدْل" (3).
2 - أن يكون المقتول آدمياً، ومعصومَ الدم أي؛ أنّ دمه غير مباح.
3 - أن تكون الأداة التي استُعملت في القتل، ممّا يُقْتَلُ بها غالباً.
فإذا لم تتوفر هذه الأركان، فإِنّ القتل لا يعد قتلاً عمداً.
أداةُ القتلِ ووسائله:
ولا يشترط في الأداة التي يَقتلُ بها، سوى أنها ممّا تَقْتُلُ غالباً،
سواءٌ أكانت محدَّدة؛ أم متلَفة؛ لتماثلهما في إِزهاق الروح.
قال في "المغني" (9/ 321): "فالعمد ما ضرَبَه بحديدة أو خشبة كبيرة فوق
عمود الفسطاط، أو حجر كبير؛ الغالب أن يقتل مثله، أو أعاد الضرب بخشبة
صغيرة أو فعل به فِعلاً الغالب من ذلك الفعل أنه يُتلِف.
وجملة ذلك أن العمد نوعان: أحدهما أن يضربه بمحدَّد وهو ما يقطع ويدخل في
البدن؛ كالسيف والسكين والسنان، وما في معناه مما يحدد؛ فيجرح من الحديد
والنحاس والرصاص والذهب والفضة والزجاج والحجر والقصب والخشب.
فهذا كله إِذا جرح به جرحاً كبيراً فمات فهو قتْلُ عمدٍ لا خلاف فيه بين
__________
(1) القَوَد: القِصاص وَقَتل القاتل بدل القتيل. "النهاية".
(2) قال في "النهاية": "قد تكررت هاتان اللفظتان في الحديث، فالصّرف:
التوبة وقيل: النافلة، والعَدْل: الفِدْية وقيل: الفريضة".
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (3804)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن
ماجه" (2131)، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (4456).
(6/153)
العلماء -فيما علمناه-.
فأمّا إِنْ جَرحه جرحاً صغيراً كشَرْطة الحجّام أو غَرَزهُ بإِبرة أو شوكة
نظرت؛ فإِن كان في مقتل كالعين والفؤاد والخاصرة والصدغ وأصل الأُذُن فمات؛
فهو عمد أيضاً؛ لأن الإِصابة بذلك في المقتل كالجرح بالسكين في غير
المقتل".
وجاء في "الشرح الكبير" (9/ 320):
1 - " ... أن يجرحه بسكين، أو يغرزه بمسلّة، أو ما في معناه؛ ممّا يحدّد
ويجرح من الحديد والنحاس والزجاج والحجر ... فهذا كله إِذا جرَح به جُرحاً
كبيراً فمات؛ فهو قتلُ عمدٍ لا اختلاف فيه بين العلماء -فيما علمناه-.
2 - أن يضربه بمثقل فوق عمود ... أو حجر كبير، أو يُلقي عليه حائطاً أو
سقفاً، أو يُلقيه من شاهق، أو يكرّر الضرب بصغير، أو يضربه في مقتل أو في
حال ضعف قُوةٍ من مرض أو صِغر أو كِبَر.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- "أن يهودياً رضّ رأسَ جاريةٍ بين حجرين،
فقيل لها: من فَعَل بك هذا؟ أفلان أفلان، حتى سُمّي اليهودي فأومأت برأسها،
فجيء باليهودي فاعترف، فأمَرَ به النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَرُضّ رأسُه بالحجارة" (1).
3 - إِذا جمع بينه وبين أسد أو نحوه في مكان ضيِّق، أو أنهشه كلباً أو
سبعاً أو حية.
4 - إِذا ألقاه في ماءٍ يُغرقه، أو نار لا يمكنه التخلص منها؛ إِمّا لكثرة
الماء
__________
(1) أخرجه البخاري (6884)، ومسلم (1672).
(6/154)
والنار، وإِمّا لعجزه عن التخلص.
5 - إِذا خنقَه بحبل أو غيره، أو سدّ فمه وأنفه، أو عصر خصيته حتى مات.
[جاء في "مجموع الفتاوى" (34/ 144): "عن رجلين تضاربا وتخانقا، فوقع أحدهما
فمات: فما يجب عليه؟
فأجاب: الحمد لله رب العالمين. إِذا خَنقه الخنق الذي يموت به المرء غالباً
وجب القَوَد عليه عند جمهور العلماء؛ كمالك، والشافعي، وأحمد، وصاحبي أبي
حنيفة، ولو ادعى أن هذا لا يَقْتُل غالباً لم يُقبَل منه بغير حُجّة.
فأمّا إِن كان أحدهما قد غشي عليه بعد الخنق، ورفَسَه الآخر برِجله حتى خرج
من فمه شيء فمات؛ فهذا يجب عليه القَوَد بلا ريب، فإِن هذا قاتلٌ نفساً
عمداً؛ فيجب عليه القَوَد؛ إذا كان المقتول يكافؤه بأن يكون حُرّاً مسلماً،
فيُسَلّم إِلى ورثة المقتول؛ إِنْ شاءوا أن يقتلوه، وإنْ شاءوا عفوا عنه،
وإنْ شاءوا أخذوا الدّية".
وفي "مجموع الفتاوى" (ص 144) أيضاً: "وَسئل -رحمه الله- عن رجلين تخاصما
وتقابضا فقام واحد ونطح الآخر في أنفه، فجرى دمه، فقام الذي جرى دمه خنقه
ورفسه برجله في مخاصيه فوقع ميّتاً؟
فأجاب: يجب القَوَد على الخانق الذي رفس الآخر في أنثييه؛ فإِنّ مثل هذا
الفعل قد يَقْتُل غالباً؛ فإِنّ موته بهذا الفِعل دليل على أنه فَعل به ما
يَقْتُل غالباً؛ والفِعْل الذي يَقْتُل غالباً يجب به القَوَد في مذهب مالك
والشافعي وأحمد وصاحبي أبي حنيفه: مثل ما لو ضرَبه في أنثييه حتى مات فيجب
القَوَد، ولو خنقه حتى مات وجب القَوَد، فكيف إذا اجتمعا؟!
(6/155)
ووليّ المقتول مُخيَّر إِنْ شاء قتَل،
وإِنْ شاء أخذ الدِّية، وإِنْ شاء عفا عنه؛ وليس لولي الأمر أن يأخذ من
القاتل شيئاً لنفسه ولا لبيت المال؛ وإِنما الحقّ في ذلك لأولياء
المقتول"].
6 - إِذا حبَسه ومنعه الطعام أو الشراب؛ حتى مات جوعاً وعطشاً؛ في مُدّةٍ
يموت في مِثْلها غالباً.
7 - إِذا سقاه سمّاً، أو خَلطه بطعامه فأكل فمات.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "أنّ يهودية أَتت النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشاةٍ مسمومة فأكل منها، فقيل: ألا نقتلها؟ قال: لا،
فما زلت أعرفها في لَهواتِ (1) رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -" (2).
وفي رواية من حديث أبي سلمة -رضي الله عنه-: "أنّ رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أهدَتْ له يهودية، بخيبر شاةً مصليّة ...
قال: فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري، فأرسل إِلى اليهودية: ما
حَمَلك على الذي صَنعْت؟ فقالت: إِنْ كنتَ نبياً لم يضرَّك وإِن لم تكن
استرحنا منك. فأمَرَ بها رسول الله فقُتلت" (3).
8 - إِذا قتَلَه بسحر يقتُلُ غالباً.
9 - إِذا شهد رجلان على رجل بقتل عمدٍ ... أو رِدّة، فيُقتَل بذلك، ثمّ
يرجعان ويقولان: عَمَدنا قتْله.
__________
(1) لَهَوات: جَمْع لهاة، وهي الَّلحَماتُ في سقف أقصى الفم. "النهاية".
(2) أخرجه البخاري (2617)، ومسلم (2190).
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (3783).
(6/156)
وتقدم قول عليّ -رضي الله عنه-: "لو علمْتُ
أنّكما تعمّدتما لقطعتُكما" (1).
10 - إِذا أمسك الرجل وقتلَه الآخر؛ يقتل الذي قَتَل ويُحبس الذي أمسَك. عن
ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "إِذا أمسَك الرجل الآخر؛ يُقتل الذي قَتَل
ويُحبس الذي أمسَك" (2).
قلت: ويُحمل حبْس الذي أمسَك، إِنْ كان لا يعلم إِرادة تعمُّد القتل عند
صاحبه، أمّا إِن كان يعلم ذلك فإِنه شريكه.
وقد تقدم أثر عمر -رضي الله عنه- " لو تمالأ عليه أهل صنعاء (3) لقتَلْتُهم
جميعاً" (4). والله أعلم.
فائدة:
سألت شيخنا -رحمه الله- عن جماعةٍ دخلوا على بيتٍ لقتْلِ رجل، فقتَلَ منهم
دفاعاً عن نفسه.
فأجاب -رحمه الله-: "لا يقال بأنه قاتل، وإِذا جاء جماعةٌ أرادوا أخْذه
لاستجوابه وهو يعلم ذلك، فلا يجوز أَن يقْتُل".
__________
(1) انظر كتاب "السرقة" (إِذا تراجع الشاهدان في الشهادة بعد إقامة الحدّ).
(2) أخرجه الدارقطني بإِسناد صحيح، وانظر "هداية الرواة" (3415) بتحقيق
شيخنا -رحمه الله-.
(3) تمالأ عليه أهل صنعاء: أي تساعدوا واجتمعوا وتعاونوا. وتقدّم.
(4) تقدم تخريجه.
(6/157)
ماذا يترتّب على قتْل العمد؟
يترتب على قتل العمد القصاص عند وجود المكافئ.
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قال: "العمد قَوَد والخطأ ديَة (1) " (2).
*ولا يرث القاتل من ميراث المقتول شيئاً، لا من ماله، ولا من دِيته؛ إِذا
كان من ورثته، وقاعدة الفقهاء في ذلك: "مَن استعجل الشيء قبل أوانه؛ عوقب
بحرمانه"* (3).
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس للقاتل من الميراث شيء" (4).
وفي رواية: "ليس للقاتل شيء، وإن لم يكن له وارث، فوارثه أقرب الناس إِليه،
ولا يرث القاتل شيئاً" (5).
وجاء في "مجموع الفتاوى" (34/ 153) "وسئل -رحمه الله- عن القاتل
__________
(1) أخرجه أحمد والنسائي وانظر "الصحيحة" (1986).
(2) انظر -إن شئت- "الروضة النديّة" (2/ 639).
(3) ما بين نجمتين من "فقه السنة" (3/ 298).
(4) أخرجه البيهقي والدارقطني وغيرهم وصححه شيخنا -رحمه الله- في "الإرواء"
(1671).
(5) أخرجه البيهقي وأبو داود "صحيح سنن أبي داود" (3818)، وانظر "الإِرواء"
(6/ 117 - 118) تحت الحديث (1671).
(6/158)
ولدَه عمداً؛ لمن ديته؟
فأجاب: وأمّا الوارث كالأب وغيره إذا قتَل مورثه عمداً؛ فإِنه لا يرث شيئاً
من ماله ولا ديته باتفاق الأئمّة، بل تكون ديته كسائر ماله يحرمها القاتل؛
أباً كان أو غيره، ويرثها سائر الورثة غير القاتل".
من حقّ الورثة التنازُل عن القِصاص وطلب الدية أو العفو:
إِذا تنازل الورثة عن القِصاص، فلهم طلب الدِّية.
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَن قُتِل له قتيل؛ فهو بخير النظرين: إِمّا إِن
يودَى (1) وإِما إن يُقاد" (2).
ولهم الصُّلح على زيادةٍ في الدِّية، ولهم كذلك العفو مجّاناً -وهو الأفضل-
لقول الله -تعالى-: {وأَن تعفوا أقرب للتقوى ولا تَنْسَوا الفضل بينكم}
(3).
وقد قال الله -تعالى-: {يا أيها الذِينَ آمنوا كُتِبَ عليكمُ القِصاص في
القتلى الحُر بالحُرّ والعبدُ بالعَبْدِ والأنثَى بالأنثَى فَمَن عُفَي لهُ
مِن أخيه شيء فاتباعٌ بالمعرُوف وأداءٌ إِليهِ بإِحسان ذَلك تخفيفٌ مّن
ربكم ورَحمةٌ فمنِ اعتدَى بعدَ ذلكَ فَلَهُ عذابٌ أليمٌ} (4).
__________
(1) أي: يُعطى الدِّية.
(2) أخرجه البخاري (6880)، ومسلم (1355).
(3) البقرة: 237.
(4) البقرة: 178.
(6/159)
ماذا إِذا عفا أحد الورثة؟
وإِذا عفا أحد الورثة، سقط القِصاص.
فعن زيد بن وهب أن عمر -رضي الله عنه- "أُتي برجل قَتَل قتيلاً، فجاء ورثة
المقتول ليقتلوه، فقالت امرأة المقتول -وهي أخت القاتل-: قد عفوت عن حقي،
فقال عمر: الله أكبر، عُتق القتيل، فأَمَر عمر لسائرهم بالدّية" (1).
وعن زيد بن وهب أيضاً: "أنّ رجلاً دخل على امرأته. فوجد عندها رجلاً
فقتلها، فاستعدى عليه إِخوتها عمر -رضي الله عنه- فقال بعض إِخوتها: قد
تصدقت فقضى لسائرهم بالدية" (2).
وفي رواية: "أنّ رجلاً قتَل امرأته، استعدى ثلاثة إِخوة لها عليه عمر بن
الخطاب -رضي الله عنه- فعفا أحدهم، فقال عمرُ للباقين: خذا ثلثي الدِّية؛
فإِنه لا سبيل إِلى قتله" (3).
القَتْل شبه العمْد:
شبه العمد أحد أقسام القتل، وهو: أن يقصَد ضرْبه بما لا يَقْتُلُ غالباً،
إِمّا لقصد العدوان عليه، أو لقصد التأديب له، فيسرف فيه؛ كالضربِ بالسوط
والعصا والحجر الصغير والوكْز واليد.
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" وانظر "الإرواء" (2222).
(2) أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة وقال شيخنا -رحمه الله- في "الإرواء"
(2225): "وإسناده صحيح على شرط الشيخين".
(3) أخرجه ابن أبي شيبة وقال شيخنا -رحمه الله- في "الإرواء" (2225):
"وإسناده صحيح".
(6/160)
وسائر ما لا يَقْتُل غالباً إِذا قتل؛ فهو
شبه عمد؛ لأنه قصَد الضرب دون القتل، ويُسمّى عمدَ الخطأ وخطأ العمد؛
لاجتماع العمد والخطأ فيه فإِنه عَمَد الفعل وأخطأ في القتل (1).
*ولما لم يكن عمداً محضاً، سقط القَوَد؛ لأن الأصل صيانة الدماء، فلا
تُستباح إِلا بأمر بيّن، ولما لم يكن خطأ محضاً -لأن الضرب مقصود بالفعل
دون القتل- وَجَبَت فيه دِيَة مُغلظة* (2).
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: أنّ النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "عَقلُ (3) شبهِ العمد مُغَلّظ؛ مثل عقْلِ
العمد، ولا يُقتَل صاحبه، وذلك أن ينزو (4) الشيطَان بين الناس فتكون دماء
في عِمّيّا (5) في غير ضغينة (6) ولا حمْلِ سلاح" (7).
__________
(1) "المغني" (9/ 337).
(2) ما بين نجمتين من "فقه السنة" (3/ 295).
(3) العقل: أي: الدّية وأصلُه: أنّ القاتل إِذا قَتَل قتيلاً جمَع الدِّية
من الإِبل فعَقَلها بفِناء أولياء المقتول: أي: شَدّها في عُقُلها
ليُسَلمها إِليهم ويَقبضُوها منه، فسُميت الدِّية عَقلاً بالمصدر. يقال
عَقَل البعير يَعْقله عقلاً، وجمعُها عقُول. وكان أصل الدِّية الإِبل، ثم
قُوّمت بعد ذلك بالذهب والفضة والبقر والغنم وغيرها. "النهاية".
(4) النزو: الوثوب والتسرّع إِلى الشّر؛ انظر "النهاية" و"عون المعبود"
(12/ 200) وسيأتي كلام الحافظ -رحمه الله- قريباً بإِذن الله.
(5) عِمّيّا: -بكسر العين والميم المشددة وتشديد الياء-: أي: في حالٍ يعمى
أمْرُه، فلا يتبين قاتله ولا حالُ قتْله، فحُكمه حُكم قتيل الخطأ؛ تجب فيه
الدِّية "النهاية" -بتصرف يسير-.
(6) الضغينة: الحقد والعداوة والبغضاء.
(7) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (3819)، وانظر المشكاة (3501).
(6/161)
جاء في "عون المعبود" (12/ 201): "والحاصل
أن قتل شبه العمد يحصل بسبب وثوب الشيطان بين الناس، فيكون القتال بينهم من
غير حقد وعداوة ولا حمْل سلاح، بل في حالٍ يعمى أمره، ولا يتبين قاتله ولا
حال قتله، ففي مثل هذه الصورة؛ لا يُقتَل القاتل بل عليه دِيَة مغلظة مثل
دية قتل العمد".
وفي رواية من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أيضاً أنّ رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب يوم الفتح بمكة، ثم قال: "ألا
إِنّ دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا" (1).
ماذا يترتب على قتل شِبْه العمد؟
لا يجب في قتل شبه العمد القِصاص، ويجب فيه الدية المغلّظة على العاقلة
(2).
قال في "المغني" (9/ 337): "فهذا لا قَوَد فيه، والدّية على العاقلة في قول
أكثر أهل العلم .. ".
مسألة: جاء في "مجموع الفتاوى" (34/ 144) "وَسئلَ -رحمه الله- عمن ضرب
رجلاً ضربة فمكث زماناً ثمّ مات، والمدة التي مكث فيها كان ضعيفاً من
الضربة: ما الذي يجب عليه؟
__________
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (3807)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن
ماجه" (2127)، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (4458)، وصححه شيخنا -رحمه
الله- في "الإِرواء" (2197).
(2) انظر "الروضة" (2/ 639).
(6/162)
فأجاب: الحمد لله رب العالمين. إِذا ضربه
عدواناً فهذا شبه عمد فيه دية مغلظة، ولا قَوَد فيه، وهذا إِن لم يكن موته
من الضربة. والله أعلم".
القتل الخطأ (1):
هو أن لا يقصد ضربه، وإِنما قصَد غيره فأصابه، أو أن يفعل ما يجوز له
ويُباح؛ كأن يحفر بئراً؛ فيتردّى فيه إِنسان، أو أن يرمي الصيد، أو يفعل ما
يجوز له قتْله فيؤول إِلى قتْل آدمي، فلا قَوَد عليه ولا قِصاص، وإِنما تجب
الدية مخفّفة؛ كما سيأتي -إِن شاء الله تعالى-.
قال ابن المنذر: "أجمع كلُّ من نحفظ عنه مِن أهل العلم؛ أن القتل الخطأ؛
أنْ يرمي الرامي شيئاً؛ فيصيب غيره، لا أعلمهم يختلفون فيه.
هذا قول عمر بن عبد العزيز وقتادة والنخعي والزهري وابن شبرمة والثوري
ومالك والشافعي وأصحاب الرأي.
فهذا الضرب من الخطأ تجب به الدية على العاقلة والكفّارة في مال القاتل
بغير خلاف نعلمه.
ماذا يترتب على قتل الخطأ؟
تجب الدّية مخفّفة على العاقلة (2) والكفّارة في مال القاتل، وهي عتق
__________
(1) ملتقط من "المغني" (9/ 338) و"الروضة الندية" (2/ 639).
(2) قال في "النهاية": "والعاقلة: هي العَصَبة والأقارب مِن قِبل الأب
الذين يُعْطُون ديَةَ قتيل الخطأ ... وأصلها اسم فاعلة من العقل، وهي مِن
الصّفات الغالبة".
وقال الحافظ -رحمه الله- في "الفتح" (12/ 246): "العاقلة: بكسر القاف جمع =
(6/163)
رقبة مؤمنة فإِن لم يجد فصيام شهرين
متتابعين.
والأصل في وجوب الدِّية والكفّارة قول الله -تعالى-: {ومن قَتَل مؤمناً خطأ
فتحرير رقبة مؤمنة وديِةٌ مُسلَّمة إِلى أهله إِلا أن يصّدقوا} وسواء كان
المقتول مسلماً أو كافراً له عهد لقول الله -تعالى-: المتقدّم {وإِن كان من
قوم بينكم وبينهم ميثاق فدِيَةٌ مسلَّمة إِلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة}.
ولا قِصاص في شيء من هذا لأن الله -تعالى- أوجب به الدية ولم يذكر قصاصاً.
وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنّ الله وضَع عن
أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا
__________
= عاقل وهو دافع الدية، وسُمّيت الدية عقلاً تسميةً بالمصدر؛ لأن الإِبل
كانت تُعْقَل بفناء ولي القتيل، ثم كثر الاستعمال حتى أطلق العقل على الدية
ولو لم تكن إِبلاً.
وعاقلة الرجل قرابته من قبل الأب، وهم عصبته، وهم الذين كانوا يعقلون
الإِبل على باب ولي المقتول، وتَحمُّل العاقلة الدية ثابت بالسنة، وأجمع
أهل العلم على ذلك، وهو مخالف لظاهر قوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} لكنه
خُصّ من عمومها، ذلك لما فيه من المصلحة؛ لأن القاتل لو أُخِذ بالدية لأوشك
أن تأتي على جميع ماله، لأن تتابع الخطأ منه لا يؤمَن، ولو تُرك بغير تغريم
لأهدر دم المقتول.
قلت: [أي: الحافظ -رحمه الله تعالى-] ويحتمل أن يكون السر فيه أنه لو أفرد
بالتغريم حتى يفتقر لآل الأمر إِلى الإِهدار بعد الافتقار، فجعل على
عاقلته؛ لأن احتمال فقر الواحد أكثر من احتمال فقر الجماعة، ولأنه إذا تكرر
ذلك منه كان تحذيره من العود إِلى مثل ذلك من جماعة أدعى إِلى القَبول؛ من
تحذيره نفسه والعلم عند الله -تعالى-. وعاقلة الرجل عشيرته، فيبدأ بفخذه
الأدنى فإِن عجزوا ضم إِليهم الأقرب إِليهم وهي على الرجال الأحرار
البالغين أُولي اليسار منهم".
(6/164)
عليه" (1). ولأنه لم يوجب القِصاص في عمد
الخطأ ففي الخطأ أولى (2).
فائدة:
جاء في "مجموع الفتاوى" (34/ 170): "وإِذا ماتَ منْ عليه الكفّارة ولم
يُكفّر، فليُطعم عنه وليّه ستّين مِسكيناً فإِنّه بدلُ الصيام الذي عَجزت
عنه قوتُه، فإِذا أَطعَم عنه في صيام رمضان فهذا أولى.
والمرأة إِنْ صامت شهرين متتابعين؛ لم يَقْطَع الحيضُ تتابُعَها، بل تَبني
بعد الطهر باتفاق الأئمِّة، والله أعلم".
عمْد الصبيّ والمجنون خطأ تحمله العاقلة:
جاء في "الغني" (9/ 504): "عمْد الصبيّ والمجنون خطأ تحمله العاقلة، وقال
الشافعي في أحد قوليه: لا تحمله؛ لأنه عمد يجوز تأديبهما عليه، فأشبه القتل
مِن البالغ.
ولنا أنه لا يتحقق منهما كمال القصد فتحمله العاقلة كشبه العمد، ولأنه
قتْلٌ لا يوجب القِصاص لأجل العذر، فأشبه الخطأ وشبه العمد، وبهذا فارَقَ
ما ذكروه ويبطُل ما ذكروه بشبه العمد".
قلت: والذي جاء في "المغني" هو الأرجح، وتعليله أقرب للنُّصوص المتصلة
بالموضوع. والله -تعالى- أعلم.
وجاء في "مجموع الفتاوى" (34/ 158): "وسُئل -رحمه الله- تعالى
__________
(1) أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (1664)، وصححه شيخنا -رحمه الله-
في "الإِرواء" (82).
(2) انظر "المغني" (9/ 338) -بتصرف- وانظر "الروضة الندية" (2/ 652).
(6/165)
عن صبيّ دون البلوغ جنى جناية يجب عليه
فيها دِية؛ مثل أن يَكسر سنَّا، أو يَفقأ عيناً، ونحو ذلك خطأ؛ فهل لأولياء
ذلك أن يأخذوا دِيَة الجناية من أبي الصبيّ وحده إِنْ كان موسراً؟ أم
يطلبوها من عمّ الصبي أو ابن عمّه؟
فأجاب: الحمد لله. أمّا إِذا فَعل ذلك خطأ؛ فديته على عاقلته بلا ريب؛
كالبالغ وأولى.
وإِنْ فَعَل عمداً فعمدُه خطأ عند الجمهور: كأبي حنيفة، ومالك وأحمد في
المشهور عنه، والشافعي في أحد قوليه، وفي القول الآخر عنه وعن أحمد أنّ
عمده إِذا كان غير بالغ في ماله".
وفيه (ص 159): "والذي تحمله العاقلة بالاتفاق ما كان فوق ثُلث الدية، مِثْل
قلْع العين، فإِنّه يجب فيه نصف الدِّية. وأمّا دون الثلث، كدِيَة السن؛
وهو نصف عشر الديَة، ودِيَة الأصبع، هي عشر الديَة" (1).
__________
(1) انظر تتمّة كلامه للمزيد من الفائدة ومعرفة رأي الأئمة الأربعة -رحمهم
الله أجمعين-.
(6/166)
|