الوجيز
في فقه السنة والكتاب العزيز كتاب الجنائز
(*)
__________
(*) ملخص من كتاب "أحكام الجنائز" للألبانى.
(1/163)
ومن حضره الموت من المسلمين ندب لأهله أن
يلقنوه الشهادة:
عن أبي سعيد الخدرى قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "لقنوا موتاكم
لا إله إلا الله" (1).
وإنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتلقين رجاء أن يكون آخر كلام
الميت لا إله إلا الله: فعن معاذ بن جبل قال: قال رسول - صلى الله عليه
وسلم -:
"من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" (2).
فهذا قضى وأسلم الروح فعليهم عدة أشياء:
1 - 2 أن يغمضوا عينيه، ويدعوا له:
عن أم سلمة قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي أبي سلمة، وقد
شق بصره (*)،
فأغمضه ثم قال: "إن الروح إذا قبض تبعه البصر"، فضج ناس من أهله، فقال: "لا
تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون". ثم قال:
"اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه (* *) في
الغابرين (* * *)، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره، ونوّر
له فيه" (3).
3 - أن يغطوه بثوب يستر جميع بدنه:
عن عائشة "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين توفي سُجي ببرد حبرة"
(4).
__________
(1) صحيح: [الارواء 686]، م (916/ 631/ 2)، د (8/ 386/ 3101)، ت (983/ 225/
2)، جه (1445/ 464/ 1)، نس (5/ 4).
(2) صحيح: [ص. د 2673]، د (3100/ 385/ 8).
(*) شق بصره: شخص، وهو الذي حضره الموت وصار ينظر إلى الشىء لا يرتد إليه
طرقه.
(* *) عقبه: عقبُ الرجلِ ولدُه وولدُ ولدِه.
(* * *) الغابرين: الباقين.
(3) صحيح: [الجنائز 12]، م (920/ 634/ 2)، د (3102/ 387/ 8)، وليس عنده
جملة "إن الروح".
(4) متفق علبه: م (942/ 651/ 2)، هكذا مختصرا، خ (1241/ 113/ 3)، مطولًا.
(1/165)
4 - أن يعجلوا بتجهيزه وإخراجه:
عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أسرعوا بالجنازة، فإن
تك صالحة فخير تقدمونها عليه، وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم" (1).
5 - أن يبادر بعضهم لقضاء دينه من ماله، ولو أتى عليه كله:
عن جابر بن عبد الله قال: "مات رجل، فغسلناه وكفناه وحنطناه، ووضعناه لرسول
الله - صلى الله عليه وسلم - حيث توضع الجنائز، عند مقام جبريل، ثم آذنا
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عليه فجاء معنا خطى، ثم قال:
"لعل على صاحبكم دينا". قالوا: نعم. ديناران، فتخلف، فقال له رجل منا يقال
له أبو قتادة: يا رسول الله هما عليّ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- يقول: "هما عليك وفي مالك والميت منهما برىء" فقال: نعم. فصلّى عليه،
فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لقى أبا قتادة يقول: "ما صنعت
الديناران؟ " حتى كان آخر ذلك قال: قد قضيتهما يا رسول الله، قال: "الآن
حين بردت عليه جلده" (2).
ما يجوز للحاضرين وغيرهم:
ويجور لهم كشف وجه الميت وتقبيله، والبكاء عليه ثلاثة أيام:
عن عائشة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على عثمان بن مظعون وهو
ميت، فكشف عن وجهه ثم أكبّ عليه فقبله، وبكى، حتى رأيت الدموع تسيل على
وجنتيه" (3).
وعن عبد الله بن جعفر "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهل آل جعفر ثلاثا
أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: "لا تبكوا على أخى بعد اليوم ... " (4).
ما يجب على أقارب الميت:
ويجب على أقارب الميت حين يبلغهم خبر وفاته أمران:
__________
(1) متفق عليه: خ (1315/ 182/ 3)، م (944/ 651/2)، د (3165/ 469/ 8)، ت
(1020/ 2)، نس (42/ 4).
(2) صحيح: [الجنائز 16]، كم (58/ 2)، هق (74/ 6).
(3) صحيح: [الإرواء: 693]، [ص. جه 1191]، جه (1456/ 468/ 1)، د (3147/
443/8)، ت (994/ 229/2).
(4) صحيح: [ص. نس 4823]، [الجنائز ص 21]، د (4174/ 245/ 11)، نس (182/ 8).
(1/166)
الأول: الصبر والرضا بالقدر، لقوله تعالى:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ
الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} (1).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بامرأة عند قبر وهي تبكى فقال لها: "اتقى الله واصبري". فقالت: إليك عني،
فإنك لم تصب بمصيبتى قال: ولم تعرفه. فقيل لها: هو رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -! فأخذها مثل الموت. فأتت باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فلم تجد عنده بوابين. فقالت: يا رسول الله، إني لم أعرفك. فقال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: "إن الصبر عند أول الصدمة" (2).
والصبر على وفاة الأولاد له أجر عظيم:
عن أبي سعيد الخدرى: "أن النساء قلن للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اجعل
لنا يوما. فوعظهن وقال: "أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا لها
حجابا من النار". قالت امرأة: واثنان؟ قال: "واثنان" (3).
الأمر الثاني مما يجب على الأقارب:
الاسترجاع، وهو أن يقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون" كما جاء في الآية،
ويزيد عليه قوله "اللهم أجرني في مصيبتى وأخلف لي خيرًا منها":
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله "إنا لله وانا إليه
راجعون" اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها إلا أخلف الله له خيرًا
منها". قالت: فلما
__________
(1) البقرة 155 - 157.
(2) متفق عليه: م (626 - 15 - /637/ 2) وهذا لفظه، خ (1283/ 148/ 3)، د
(3108/ 395/ 8).
(3) متفق عليه: خ (1249/ 118/3)، م (2633/ 2028/ 4).
(1/167)
مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي
سلمة، أول بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ثم إني قلتها،
فأخلف الله لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (1).
ما يحرم علي أقارب الميت:
1 - النياحة: عن أبي مالك الأشعرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"أربع في أمتي من أمور الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في
الإنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة" وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل
موتها تقام يوم القيامة وعليها سِرْبَالٌ من قَطِرَانٍ ودِرْعٌ من جَرَبٍ"
(2).
2، 3 - ضرب الخدود، وشق الجيوب:
عن عبد الله قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا من لطم
الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية" (3).
4 - حلق الشعر: عن أبي بردة بن أبي موسى قال: وجع أبو موسى وجعا فغشي عليه،
ورأسه في حجر امرأة من أهله، فصاحت امرأة من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها
شيئًا فلما أفاق قال: أنا برىء ممن برىء منه رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برىء من الصالقة والحالقة
والشاقة" (4).
5 - نشر الشعر: لحديث امرأة من المبايعات قالت: كان فيما أخذ علينا رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه:
وأن لا نخمش وجها، ولا ندعو بويل، ولا نشق جيبا، وأن لا ننشر شعرا" (5).
__________
(1) صحيح: [ص. ج 5764]، [الأحكام ص 23] م (918/ 631/ 2).
(2) صحيح: [الجنائز ص 27]، [الصحيحة 734]، م (934/ 644/ 2).
(3) متفق عليه: خ (1294/ 163/ 3)، م (103/ 99/ 1)، ت (1004/ 234/ 2)، نس
(19/ 4).
(4) متفق عليه: خ (1296/ 165/ 3)، م (104/ 100/ 1)، نس (20/ 4) والصالقة:
بالصاد والقاف أي التي ترفع صوتها بالبكاء. الحالقة: التي تحلق رأسها عند
المصيبة. الشاقة: التي تشق ثوبها (فتح الباري) (3 ص 165 ط. دار المعرفة).
(5) صحيح: [الجنائز ص30]، د (3115/ 405/ 8).
(1/168)
ما يجب للميت:
ويجب للميت على من حضره من أهله أو غيرهم أربعة أمور: غسله، وتكفينه،
والصلاة عليه، ودفنه.
أولًا - الغسل:
ووجوبه مأخوذ من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به في غير ما حديث:
1 - قوله - صلى الله عليه وسلم - في المحرم الذي وقصته ناقته: "واغسلوه
بماء وسدر ... " (1).
2 - قوله - صلى الله عليه وسلم - في ابنته زينب رضي الله عنها: "اغسلنها
ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا .. " (2).
صفة الغسل:
عن أم عطية "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهن في غسل ابنته:
"ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها" (3).
وعنها قالت: دخل علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن نغسل ابنته فقال:
"اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك. بماء وسدر، واجعلن
في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور، فهذا فرغتن فآذنني. فلما فرغنا آذناه
فألقى إلينا حِقوَهُ (*) فقال: "أشعرنها إياه" (* *) " (4).
__________
(1) متفق عليه: خ (1265/ 135/ 3)، م (1206/ 865/ 2)، د (3222/ 63/ 9)، ت
(958/ 214/ 2)، نس (5/ 195).
(2) متفق عليه: خ (1259/ 132/ 3)، م (939 - 39 - / 647/ 2).
(3) متفق عليه: خ (1255/ 130/ 3)، م (939 - 43 - / 648/ 2).
(4) متفق عليه: خ (1253/ 125/ 3)، م (939/ 646 / 2)، د (3126/ 416/8)، ت
(995/ 229/ 2)، جه (1458/ 468 / 1)، نس (28/ 4).
(*) والمراد بالحقوه الأزار، والحقو في الأصل معقد الأزار وأطلق على الإزار
مجازًا.
(* *) أشعرنها إياه: أي أجعلنه شعارها أي الثوب الذي يلي جسدها.
(1/169)
وعنها قالت: "فضفرنا شعرها ثلاثة أثلاث
قرنيها وناصيتها" (1)
وعنها قالت: "فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها" (2).
من يتولى الغسل:
يتولى غسل الميت من كان أعرف بسنة الغسل، لا سيما إذا كان من أهله وأقاربه،
لأن الذين تولوا غسله - صلى الله عليه وسلم - كانوا من أهله:
عن عليّ قال: غسلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلت أنظر ما يكون من
الميت فلم أر شيئًا، وكان طيبًا حيًا وميتًا - صلى الله عليه وسلم -" (3).
ويجب أن يتولى غسل الذكر الرجال، والأنثى النساء، ويستثنى من ذلك الزوجان
فإنه يجوز لكل منهما أن يتولى غسل الآخر:
عن عائشة قالت: "لو كنت استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسل النبيَّ - صلى
الله عليه وسلم - غيرُ نسائه" (4).
وعنها قالت: "رجع إليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جنارة
بالبقيع، وأنا أجد صداعا في رأسى وأقول: وارأساه. فقال: "بل أنا وارأساه.
ما ضرك لو مت قبلى فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك" (5).
تنبيه: لا يشرع غسل الشهيد قتيل المعركة:
عن جابر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "ادفنوهم في دمائهم -يعني
يوم أحد- ولم يغسلهم" (6).
__________
(1) و (2) متفق عليه: خ (62،1263/ 133، 134/ 3)، م (939/ 646/ 2)، نس (30/
4)
(3) صحيح: [ص. جه 1198]، [الأحكام 50]، جه (1467/ 471/ 1).
(4) صحيح: [ص. جه 1196]، [الجنائز 49]، د (3125/ 413/ 8)، جه (1464/ 470/
1).
(5) صحيح: [ص. جه 1197]، [الجنائز ص50]، جه (1465/ 470/ 1).
(6) صحيح: [ص. نس1893]، [الجنائز ص 54 - 55]، خ (1346/ 212/ 3)، د (3122/
412/ 8)، نس (62/ 4)، ت (1041/ 250/ 2).
(1/170)
ثانيًا- الكفن:
ووجوبه مأخوذ من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به في حديث المُحْرِم
الذي وقصته ناقته: "اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين ... " (1).
والكفن أو ثمنه من مال الميت ولو لم يخلف غيره، لحديث خباب بن الأرت قال:
هاجرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نلتمس وجه الله، فوقع أجرنا على
الله، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئًا، فمنهم مصعب بن عمير، ومنا من
أينعت له ثمرته فهو يَهدِبُها. قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفنه إلا بردة إذا
غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا النبيّ -
صلى الله عليه وسلم - أن نغطي رأسه، وأن نجعل علي رجليه من الإذخر" (2).
والواجب من الكفن ثوب يستر جميع البدن، فإن لم يوجد إلا ثوب قصير لا يكفى
لجميع البدن غطى رأسه وجعل على رجليه من الإذخر، كما في حديث خباب.
ويستحب في الكفن أمور:
1 - البياض، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "البسوا من ثيابكم البياض،
فإنها خير ثيابكم، وكفنوا فيها" (3).
2 - كونه ثلاثة أثواب: لحديث عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
كُفِّنَ في ثلاثة أثوابٍ يمانيةٍ بيضٍ سَحوليةٍ من كُرْسُفٍ ليس فيها قميص
ولا عمامة" (4).
3 - أن يكون أحدها ثوب حبرة إذا تيسر لحديث جابر عنه - صلى الله عليه وسلم
- "إذا توفي أحدكم فوجد شيئًا فليكفن في ثوب حبرة" (5).
__________
(1) سبق قريبا.
(2) متفق عليه: خ (1276/ 142/ 3)، م (940/ 649/ 2)، د (2859/ 78/ 8)، نس
(38/ 4)، ت (3943/ 354/ 5) ومعنى: أينعت: نضجت، فهو يهدِبُها: أي يجتنيها.
والإذخر: نبات معروف طيب الرائحة.
(3) صحيح: [ص. ج 3236]، [الجنائز 62]، ت (999/ 232/ 2)، د (3860/ 362/10).
(4) متفق عليه: خ (1264/ 135/ 3)، م (941/ 649/ 2)، د (3135/ 425/8)، ت
(1001/ 233/ 2)، نس (36/ 4)، جه (1469/ 472/ 1). والسحولية: ثياب تأتي من
مدينة باليمن تسمى سحول. والكرسف: القطن.
(5) صحيح: [ص. ج 455]، [الجنائز 63]، د (3134/ 425/ 8). والحبرة بكسر الحاء
المهملة وفتح الموحدة ما كان من البرود مخططًا.
(1/171)
الصلاة على الجنازة:
الصلاة على الميت المسلم فرض كفاية، لأمره - صلى الله عليه وسلم - بها في
أحاديث:
منها حديث زيد بن خالد الجهني: "أن رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه
وسلم - تُوفي يوم خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فقال: "صلوا على صاحبكم". فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: "إن صاحبكم غَلّ
في سبيل الله". ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يساوى درهمين"
(1).
ويستثنى من ذلك شخصان فلا تجب الصلاة عليهما:
الأول: الطفل الذي لم يبلغ، قالت عائشة رضي الله عنها: "مات إبراهيم بن
النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثمانية عشر شهرا، فلم يصل عليه رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -" (2).
الثاني: الشهيد، عن أنس: "أن شهداء أحد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم، ولم
يصلّ عليهم" (3).
لكن عدم الوجوب لا ينفى مشروعية الصلاة عليهما:
عَن عائشة قالت: "أُتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصبي من صبيان
الأنصار، فصلى عليه .. " (4).
وعن عبد الله بن الزبير: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر يوم أحد
بحمزة فسجى ببردة، ثم صلى عليه فكبر تسع تكبيرات، ثم أُتى بالقتلى يصفّون،
ويصلى عليهم، وعليه معهم" (5).
__________
(1) صحيح: [الجنائز ص 79]، د (2693/ 378/ 7)، جه (2848/ 950/ 2)، نس (64/
4).
(2) حسن الإسناد: [الجنائز ص 80]، [ص. د 2729] د (3171/ 476/ 8).
(3) حسن: [ص. د 2688]، د (3119/ 408/ 8) هكذا مختصرا، ت (1021/ 241/ 2)
مطولًا.
(4) صحيح: [ص. نس1839]، م (2262/ 2050/ 4)، نس (57/ 4).
(5) إسناده حسن: [الجنائز 49]، رجاله كلهم ثقات أخرجه الطحاوي في معانى
الآثار (290/ 1).
(1/172)
وكلما كثر الجمع كان أفضل للميت وأنفع،
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من ميت تصلى عليه أمة من المسلمين
يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه" (1).
وقوله "ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله
شيئًا إلا شفعهم الله فيه" (2).
ويستحب أن يصلوا وراء الإِمام ثلاثة صفوف، وإن قلوا:
عن مرثد اليزني عن مالك بن هُبيرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-: "ما من ميت يموت فيصلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب". قال:
فكان مالك إذا استقل أهل الجنارة جزأهم ثلاثة صفوف، للحديث (3).
وإذا اجتمعت جنائز عديدة من الرجال والنساء: فإن صلى على كل جنازة صلاة
فهذا الأصل، وإن صلى عليها جميعًا صلاة واحدة جاز، ويجعل الذكور -ولو كانوا
صغارا- مما يلي الإِمام، والأناث مما يلي القبلة:
عن نافع عن ابن عمر: "أنه صلى على تسع جنائز جميعًا، فجعل الرجال يلون
الإمام والنساء يلين القبلة فصفهن صفًا واحدًا، ووضعت جنازة أم كلثوم بنت
علي امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له زيد، وضعا جميعا، والإمام يومئذ
سعيد بن العاص، وفي الناس ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة، فوضع
الغلام مما يلي الإمام، فقال رجل: فأنكرت ذلك، فنظرت إلى ابن عباس وأبي
هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة، فقلت ما هذا؟ قالوا: هى السنة" (4) ..
__________
(1) صحيح: [ص. نس 1881]، م (947/ 654/ 2)، ت (1034/ 247/ 2)، نس (75/ 4).
(2) صحيح: [الصحيحة 2267]، م (948/ 655/ 2)، د (3154/ 451/ 8)، جه (1490/
478/ 1) بنحوه.
(3) حسن: [الجنائز 99 - 100]، د (3150/ 448/ 8)، ت (1033/ 246/ 2)، جه
(1490/ 478/1).
(4) صحيح: [ص. نس 1869]، [الجنائز 103]، نس (71/ 4).
(1/173)
أين يُصَلَى على الجنازة:
تجوز الصلاة على الجنازة في المسجد:
عن عائشة قالت: لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي - صلى الله عليه
وسلم - أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه، ففعلوا، فوقف به على حجرهن
يصلين عليه، أخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد، فبلغهن أن الناس
عابوا ذلك وقالوا: ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد فبلغ ذلك عائشة فقالت:
ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به، عابوا علينا أن يمر بجنازة
في المسجد، وما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن بيضاء
إلا في جوف المسجد" (1).
لكن الأفضل الصلاة عليها خارج المسجد في مكان معد للصلاة على الجنائز، كما
كان الأمر على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الغالب على هديه
فيها:
عن ابن عمر: "أن اليهود جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل منهم
وامرأة زنيا، فأمر بهما فرجما قريبا من موضع الجنائز عند المسجد" (2).
وعن أبي هريرة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي في اليوم
الذي مات فيه، خرج إلى المصلى، فصف بهم وكبر أربعًا" (3).
ولا تجوز صلاة الجنازة بين القبور: لحديث أنس: "أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - نهى أن يصلى على الجنائز بين القبور" (4).
أين يقوم الإمام؟
عن أبي غالب الخياط قال: شهدت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل، فقام عند
رأسه، فلما رفع أتى بجنازة امرأة من قريش أو من الأنصار، فقيل له:
__________
(1) صحيح: [ص. نس 1859]، م (973 - 100 - / 668/ 2) وهذا لفظه، ورواه
مختصرا: د (3173/ 477/ 8) نس (68/ 4).
(2) صحيح: [الجنائز 106]، خ (1329/ 199/ 3).
(3) متفق عليه: خ (1245/ 116/ 3)، م (951/ 656/ 2)، د (3188/ 5/ 9)، نس
(72/ 4).
(4) إسناده حسن: [الجنائز 108]، قال الألباني: رواه: طس (1/ 80/ 2).
(1/174)
يا أبا حمزة هذه جنازة فلانة ابنة فلان فصل
عليها، فصلى عليها، فقام وسطها.
وفينا العلاء بن زياد العدوى، فلما رأى اختلاف قيامه على الرجل والمرأة
قال: يا أبا حمزة، هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم حيث
قمت، ومن المرأة حيث قمت؟ قال نعم. قال: فالتفت إلينا العلاء فقال: احفظوا"
(1).
صفة الصلاة:
ويكبر عليها أربعا، أو خمسا، إلى تسع تكبيرات، فيفعل هذا تارة، وهذا تارة:
أما الأربع: فلحديث أبي هريرة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى
النجاشي في اليوم الذي مات فيه خرج إلي المصلى فصف بهم وكبر أربعا" (2).
وأما الخمس: فلحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "كان زيد بن أرقم يكبر على
جنائزنا أربعا، وإنه كبر على جنازة خمسا، فسألته فقال: كان رسول - صلى الله
عليه وسلم - يكبرها" (3).
وأما الست والسبع، ففيها بعض الآثار الموقوفة، ولكنها في حكم المرفوعة لأن
بعض كبار الصحابة أتى بها على مشهد من الصحابة دون أن يعترض عليه أحد: عن
عبد الله بن معقل: "أن على بن أبي طالب صلي على سهل بن حنيف، فكبر عليه
ستا، ثم التفت إلينا فقال: إنه بدرى" (4).
وعن موسي بن عبد الله بن يزيد "أن عليا صلى على أبي قتادة فكبر عليه سبعا،
وكان بدريا" (5).
__________
(1) صحيح: [ص. جه 1214]، د (3178/ 484 / 8)، ت (1039/ 249/ 2) جه (1494/
479/1).
(2) سبق قريبًا.
(3) صحيح: [ص. جه 1222]، م (957/ 659/ 2)، د (3181/ 494/ 8)، ت (1028/
2/244)، جه (1505/ 482/ 1)، نس (72/ 4).
(4) إسناده صحيح: [الجنائز 113]، كم (409/ 3)، هق (36/ 4)
(5) إسناده صحيح: [الجنائز 114]، هق (36/ 4).
(1/175)
وعن عبد خير قال: "كان على رضي الله عنه
يكبر على أهل بدر ستا، وعلى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسًا،
وعلى سائر الناس أربعا" (1).
وأما التسع: فعن عبد الله بن الزبير: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى
على حمزة فكبر عليه تسع تكبيرات ... " (2).
ويشرع له أن يرفع يديه في التكبيرة الأولى:
عن عبد الله بن عباس "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه
على الجنازة في أول تكبيرة، ثم لا يعود" (3).
ثم يضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، ثم يشد بينهما على
صدره:
عن سهل بن سعد قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه
اليسرى في الصلاة " (4).
ثم يقرأ عقيب التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب وسورة:
عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: "صليت خلف ابن عباس رضي الله عنه على
جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده
فسألته؟ فقال: إنما جهرت لتعلموا أنها سنة وحق" (5).
ويقرأ سرًا، لحديث أبي أمامة بن سهل قال: "السنة في الصلاة على الجنازة أن
يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة، ثم يكبر ثلاثًا، والتسليم عند
الآخرة" (6).
__________
(1) إسناده صحيح: [الجنائز 113]، قط (7/ 73/ 2)، هق (37/ 4).
(2) سبق ص 166.
(3) رجاله ثقات: [الجنائز ص 116].
(4) سبق ص 91.
(5) صحيح: [الجنائز 119]. نس (75/ 4)، وأما قراءة الفاتحة فقط فقد رواها: خ
(1335/ 203/3)، د (3182/ 495/8)، ت (1032/ 246/ 2)، جه (1495/ 479/ 1).
(6) إسناده صحيح: [الجنائز 111]، نس (75/ 4).
(1/176)
ثم يكبر التكبيرة الثانية، ويصلى على النبي
- صلى الله عليه وسلم -، لحديث أبي أمامة المذكور أنه أخبره رجل من أصحاب
النبي: "أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإِمام، ثم يقرأ بفاتحة
الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه، ثم يصلى على النبي - صلى الله
عليه وسلم - ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات الثلاث، لا يقرأ في شيء
منهن، ثم يسلم سرًا في نفسه" (1).
ثم يأتي ببقية التكبيرات، ويخلص الدعاء فيها للميت: لقوله - صلى الله عليه
وسلم -: "إذا صليتم على الميت فاخلصوا له الدعاء" (2).
ويدعو فيها بما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من الأدعية، ومنها ما جاء
عن عوف بن مالك قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جنازة فحفظت
من دعائه وهو يقول: "اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله،
ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب
الأبيض من الدنس، وأبدله دار خيرا من داره وأهلًا خير من أهله، وزوجا خير
من زوجه وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار" قال: فتمنيت أن
أكون أنا ذلك الميت" (3).
والدعاء بين التكبيرة الأخيرة والتسليم مشروع: لحديث أبي يعفور عن عبد الله
ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: "شهدته وكبر على جنازة أربعًا، ثم قام ساعة
-يعني- يدعوا ثم قال: أترونى كنت أكبر خمسًا؟ قالوا: لا، قال: إن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - كان يكبر أربعًا" (4).
ثم يسلم تسليمتين مثل تسليمه في الصلاة المكتوبة، إحداهما عن يمينه والأخرى
عن يساره لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "ثلاث خلال
__________
(1) صحيح: [الجنائز 122]،فع في الأم (270/ 1)، هق (39/ 4).
(2) حسن: [الأرواء 732]، [ص. ج 669]، د (3183/ 496/ 8)، جه (1497/ 480/ 1).
(3) صحيح: [الجنائز 123]، م (963/ 662/ 2)، جه (1500/ 481/ 1)، نس (73/ 4).
(4) إسناده صحيح: [الجنائز 126]، هق (35/ 4).
(1/177)
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يفعلهن تركهن الناس، إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة"
(1).
ويجوز الاقتصار على التسليمة الأولى فقط، لحديث أبى هريرة رضي الله عنه:
"أن رسول الله صلى على جنازة فكبر عليها أربعًا، وسلم تسليمة واحدة" (2).
ولا تجوز الصلاة على الجنازة في الأوقات التي
تحرم الصلاة فيها إلا الضرورة
لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلى فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع
الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف
الشمس للغروب حتى تغرب" (3).
فضل الصلاة على الجنازة واتباعها:
عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى على جنازة ولم
يتبعها فله قيراط، فإن تبعها فله قيراطان، قيل وما القيراطان؟ قال: أصغرهما
مثل أحد" (4).
وهذا الفضل في اتباع الجنائز: إنما هو للرجال دون النساء، لنهى النبي - صلى
الله عليه وسلم - لهن عن اتباعها وهو نهى تنزيه، فقد قالت أم عطية رضي الله
عنها: "نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا" (5).
ولا يجوز أن تتبع الجنائز بما يخالف الشريعة، وقد جاء النص فيها على أمرين:
رفع الصوت بالبكاء، واتباعها بالبخور، وذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -
"لا تتبع
__________
(1) إسناده حسن: [الجنائز 127]، هق (43/ 4).
(2) إسناده حسن: [الجنائز 128]، كم (360/ 1)، هق (43/ 4).
(3) سبق ص 64.
(4) صحيح: [ص. ج 6355]، م (945 - 53 - 653/ 2).
(5) متفق عليه: خ (1278/ 144/ 3)، م (938/ 646/ 2)، د (3151/ 449/ 8)، جه
(1577/ 502/ 1).
(1/178)
الجنازة بصوت ولا نار" (1).
ويلحق بذلك رفع الصوت بالذكر أمام الجنازة؛ لأنه بدعة، ولقول قيس بن عباد:
"كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرهون رفع الصوت عند الجنائز"
(2).
ولأن فيه تشبها بالنصارى، فإنهم يرفعون أصواتهم بشيء من أناجيلهم وأذكارهم
مع التمطيط والتلحين والتحزين.
وأقبح من ذلك تشييعها بالعزف على الآلات الموسيقية أمامها عزفًا حزينًا،
كما يفعل في بعض البلاد الإِسلامية تقليدا للكفار. والله المستعان.
ويجب الإسراع في السير بها، سيرا دون الرمل:
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير
تقدمونها عليه، وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم" (3).
ويجور المشى أمامها وخلفها، وعن يمينها ويسارها، على أن يكون قريبا منها
إلا الراكب فيسير خلفها لحديث المغيرة بن شعبه قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -: "الراكب خلف الجنازة، والماشى حيث شاء منها" (4).
لكن الأفضل المشى خلفها؛ لأنه مقتضى قوله - صلى الله عليه وسلم - "واتبعوا
الجنائز".
ويؤيده قول علىّ رضي الله عنه: "المشى خلفها أفضل من المشى أمامها، كفضل
صلاة الرجل في جماعة على صلاته فذا" (5).
ماذا يقول إذا دخل القبور أو مرّ عليها:
__________
(1) حسن: [الجنائز 70]، د (3155/ 453/ 8).
(2) رجاله ثقات: [الجنائز 71]، هق (74/ 4).
(3) سبق ص 159.
(4) صحيح: [ص. ج 3533]، ت (1036/ 248/2)، نس (55/ 4)، د (3164/ 467/ 8).
(5) إسناده حسن: [الجنائز 74]، هق (25/ 4).
(1/179)
عن عائشة قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول
الله؟ قال قولي: "السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله
المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون" (1).
وعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين
والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسال الله لنا ولكم العافية"
(2).
الدفن:
ويجب دفن الميت ولو كان كافرا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن
أبي طالب وقد مات أبو طالب: "اذهب فواره" (3).
والسنة الدفن في المقبرة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدفن
الموتى في مقبرة البقيع، كما تواترت الأخبار بذلك، ولم ينقل عن أحد من
السلف أنه دفن في غير المقبرة، إلا ما تواتر أيضًا أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - دفن في حجرته، وذلك من خصوصياته - صلى الله عليه وسلم -، كما
دل عليه حديث عائشة قالت:
"لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر:
سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا ما نسيته قال: "ما قبض
الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه". فدفنوه في موضع فراشه"
(4).
ويستثنى من ذلك الشهداء في المعركة، فإنهم يدفنون في مواطن استشهادهم، ولا
ينقلون إلى المقابر، لحديث جابر رضي الله عنه قال:
"لما كان يوم أحد، حمل القتلى ليدفنوا بالبقيع، فنادى منادى رسول الله
__________
(1) صحيح: [ص. ج 4421]، [الجنائز 183]، م (974 - 103 - / 669/ 2)، نس (91/
4).
(2) صحيح: [ص. نس 1928]، م (975/ 671/ 2)، نس (94/ 4).
(3) صحيح: [ص. نس 1895]، نس (79/ 4).
(4) صحيح: [ص. ج 5649]، ت (1023/ 242/2).
(1/180)
- صلى الله عليه وسلم -: إن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم" (1).
ولا يجوز الدفن في الأحوال الآتية إلا لضرورة:
1 - عن عقبة بن عامر قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- ينهانا أن نصلى فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى
ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى
تغرب" (2).
2 - وعن جابر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر رجلًا من أصحابه قبض
فكفّن في كفن غير طَائِلٍ وقُبِرَ ليلًا فَزَجَرَ النبي - صلى الله عليه
وسلم - أن يُقْبَرَ الرجل بالليل حتى يُصَلَى عليه، إلا أن يُضْطَرَّ إنسان
إلى ذلك" (3).
فإن اضطروا إلى الدفن ليلًا جاز، ولو مع استعمال المصباح والنزول به في
القبر، لتسهيل عملية الدفن لحديث ابن عباس: "أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أدخل رجلًا قبره ليلًا، وأسرج في قبره" (4).
ويجب إعماق القبر وتوسيعه وتحسينه:
عن هشام بن عامر قال: "لما كان يوم أحد، أصيب من أصيب من المسلمين، وأصاب
الناس جراحات، فقلنا يا رسول الله، الحفر علينا لكل إنسان شديد، فكيف
تأمرنا؟ فقال: "احفروا وأوسعوا، وأعمقوا، وأحسنوا، وادفنوا الاثنين
والثلاثة في القبر، وقدموا أكثرهم قرآنا قال: فكان أبي ثالث ثلاثة، وكان
__________
(1) صحيح: [ص. نس 1893]، د (3149/ 446/ 8)، نس (79/ 4)، ت (1771/ 130/ 3).
(2) سبق ص 64.
(3) صحيح: [ص. نس 1787]، م (943/ 651/ 2)، د (3132/ 423/ 8)، نس (33/ 4)
وقوله: "غير طائل" أي غير كامل الستر
(4) حسن: [الجنائز 141]، ت (1063/ 260/ 2).
(1/181)
أكثرهم قرآنا، فقدم" (1).
ويجوز في القبر اللحد والشق، لجريان العمل عليهما في عهد النبي - صلى الله
عليه وسلم -، ولكن الأول أفضل، عن أنس بن مالك: قال: "لما توفي النبي - صلى
الله عليه وسلم - كان بالمدينة رجل يلحد، وآخر يضرح، فقالوا: نستخير ربنا،
ونبعث إليهما، فأيهما سبق تركناه، فأرسل إليهما، فسبق صاحب اللحد، فلحدوا
للنبي - صلى الله عليه وسلم -" (2).
ويتولى إنزال الميت ولو كان أنثى الرجال دون النساء لأنه المعهود في عهده -
صلى الله عليه وسلم - وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم.
وأولياء الميت أحق لإنزاله، لعموم قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ
بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (3).
ولحديث علىَّ رضي الله عنه قال: "غسلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئًا، وكان - صلى الله عليه وسلم -
طيبا حيا وميتا، وولى دفنه وإجنابه دون الناس أربعة: عليّ والعباس والفضل
وصالح مولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولحد لرسول الله - صلى الله
عليه وسلم - لحدا ونصب عليه اللبن نصبا" (4).
ويجوز للزوج أن يتولى بنفسه دفن زوجته، لحديث
عائشة قالت:
" دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الذي بدىء فيه،
فقلت: وارأساه، فقال: "وددت أن ذلك كان وأنا حىّ، فهيأتك ودفنتك ... " (5).
لكن ذلك مشروط بما إذا كان لم يطأ تلك الليلة، وإلا لم يشرع له دفنها، وكان
غيره هو الأولى بدفنها ولو كان أجنبيا بالشرط المذكور، لحديث أنس قال:
__________
(1) صحيح: [الجنائز 146]، نس (80/ 4)، د (3199/ 34/ 9)، ت (1766/ 128/ 3).
(2) إسناده حسن: جه (1557/ 496/ 1). واللحد: بفتح اللام وبالضم وسكون الحاء
هو الشق في عرض القبر جهة القبلة، والشق هو الضريح وهو أن يحفر إلى أسفل
كالنهر.
(3) الأحزاب (6).
(4) إسناده صحيح: كم (362/ 1)، هق (53/ 4).
(5) صحيح: أ (6/ 144) وهو في "صحيح البخاري" بنحوه (10/ 101 و 102)، ومسلم
(7/ 110) مختصرا، كذا في "أحكام الجنائز" للألباني.
(1/182)
شهدنا ابنة لرسول - صلى الله عليه وسلم -،
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، ثم
قال: "هل منكم من رجل لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله
قال: فأنزل، قال: فنزل في قبرها" (1).
والسنة إدخال الميت من مؤخرة القبر، لحديث أبي إسحاق قال:
"أوصى الحارث أن يصلى عليه عبد الله بن يزيد، فصلى عليه، ثم أدخله القبر من
قبل رجلى القبر وقال: هذا من السنة" (2).
ويجعل الميت في قبره على جنبه اليمين، ووجهه قبالة القبلة، ورأسه ورجلاه
إلى يمين القبلة ويسارها، وعلى هذا جرى عمل أهل الإِسلام من عهد رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا.
ويقول الذي يضعه في لحده: "بسم الله، وعلى سنة رسوله الله، أو ملة رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: عن ابن عمر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم
- كان إذا وضع الميت في القبر قال: بسم الله، وعلى سنة رسول الله" (3).
ولحديث البياضى رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
"الميت إذا وضع في قبره، فليقل الذين يضعونه حين يوضع في اللحد: باسم الله،
وبالله، وعلى ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (4).
ويستحب لمن عند القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثوات بيديه جميعًا بعد
الفراغ من سد اللحد لحديث أبي هريرة "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
صلى على جنازة، ثم أتى الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثًا" (5).
__________
(1) صحيح: [الجنائز 149]، خ (1342/ 208/ 3).
(2) إسناده صحيح: [الجنائز 150]، د (3195/ 29/ 9).
(3) صحيح: [الجنائز 152]، د (3197/ 32/ 9)، ت (1051/ 255/ 2)، جه (1550/
494/ 1).
(4) إسناد حسن: [الجنائز 152]، كم (366/ 1).
(5) صحيح: [الإرواء 751]، جه (1565/ 499/1).
(1/183)
ويسن بعد الفراغ من دفنه أمور:
الأول: أن يرفع القبر عن الأرض قليلًا نحو شبر، ولا يسوى بالأرض، وذلك
لِيَتَميز فَيُصَان ولا يُهَان، لحديث جابر رضي الله عنه "أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - ألحد له لحد، ونصب عليه اللبِن نصبا، ورفع قبره من الأرض
نحوا من شبر" (1).
الثاني: أن يجعل مسنما، لحديث سفيان التمار قال:
"رأيت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - مُسَنَمًا" (2).
الثالث: أن يعلمه بحجر أو نحوه، ليدفن إليه من يموت من أهله، لحديث المطلب
بن أبي وداعة رضي الله عنه قال: لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدفن،
أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حمله،
فقام إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحسر عن ذراعيه، قال المطلب:
قال الذي يخبرني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كأني انظر إلى بياض
ذراعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حسر عنها، ثم حملها فوضعها عند
رأسه، وقال: أتعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلى" (3).
الرابع: أن يقف على القبر يدعوله بالتثبيت، ويستغفر له، ويأمر الحاضرين
بذلك: لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: "كان النبي - صلى الله عليه
وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم، وسلوا له
التثبيت فإنه الآن يسأل" (4).
ويجوز الجلوس عنده أثناء الدفن بقصد تذكير الحاضرين بالموت وما بعده، لحديث
البراء بن عازب قال: "خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل
من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - وجلسنا حوله، وكأن
__________
(1) إسناده حسن: [الجنائز 153]، حب (2160)، هق (410/ 3).
(2) صحيح: [الجنائز 154]، خ (1390/ 255/ 3). ومعنى "مُسَنَّمًا" أي مرتفعا
وتسنيم القبر خلاف تسطيحه.
(3) حسن: [الجنائز 155]، د (3190/ 22/ 9).
(4) صحيح الإسناد: [الجنائز 156]، د (3205/ 41/ 9).
(1/184)
على رؤوسنا الطير، وفي يده عود فجعل ينكت
في الأرض فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، مرتين أو ثلاثًا،
ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة،
نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كان وجوههم الشمس، معهم كفن من اكفان
الجنة، وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجىء ملك الموت
عليه السلام حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة، اخرجى إلى
مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء،
فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في
ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض،
قال: فيصعدون بها، فلا يمرون يعني بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما
هذا الروح الطيب، فيقولون فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه
بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له فيفتح لهم،
فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهى به إلى السماء
السابعة، فيقول الله عَزَّ وَجَلَّ، اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه
إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخري. قال:
فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول:
ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول ديني الإِسلام، فيقولان له: ما هذا
الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقولان
له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي مناد في
السماء: أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا
إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره. قال:
ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي بسرك هذا
يومك الذي كنت توعد. فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير؟ فيقول:
أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتي أرجع إلى أهلي ومالي.
(1/185)
قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع
من الدنيا وإقبال من الأخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم
المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه،
فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجى إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في
جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها، فإذا أخذها, لم
يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح
جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة
إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي
كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له فلا
يفتح له، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ
أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلًونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ
في سَمِّ الْخِيَاطِ} فيقول الله عَزَّ وَجَلَّ: اكتبوا كتابه في سجين في
الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا، ثم قرأ: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَهِ
فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطيْرً أَوْ تَهْوِي
بِهِ الريحُ في مَكَان سَحِيقٍ} فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه
فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدرى. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول
هاه هاه، لا أدرى. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه
هاه، لا أدرى. فينادى مناد من السماء: أن كذب فافرشوا له من النار، وافتحوا
له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتي تختلف فيه
أضلاعه) ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر
بالذى يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت، فوجهك الوجه يجيء
بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث. فيقول: رب لا تقم الساعة. "وفي رواية: ثم
يقيص له أعمى أصم أبكم، وفي يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا، فيضربه
ضربة حتي يصير ترابا، ثم يعيده الله كما كان فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة
يسمعه كل شيء إلا الثقلين" (1).
__________
(1) صحيح: [الجنائز 159]، أ (53/ 74/ 7)، د (4727/ 89/ 13).
(1/186)
التعزية:
وتشرع تعزية أهل الميت بما يظن أنه يسليهم، ويكف من حزنهم، ويحملهم، على
الرضا والصبر مما يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - إن كان يعلمه ويستحضره،
وإلا فبما تيسر له من الكلام الحسن الذي يحقق الغرض ولا يخالف الشرع:
عن أسامة بن زيد قال: "كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسلت إليه
إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا لها في الموت. فقال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -: ارجع إليها فأخبرها: أن لله ما أخذ، وله ما أعطى،
وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب .... " (1).
وينبغي اجتناب أمرين وإن تتابع الناس عليهما:
1 - الاجتماع للتعزية في مكان خاص كالدار أو المقبرة أو المسجد.
2 - اتخاذ أهل الميت الطعام لضيافة الواردين للعزاء.
وذلك لحديث جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -:
"كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت، وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة" (2).
وإنما السُّنة أن يصنع أقرباء الميت وجيرانه لأهل الميت طعامًا يشبعهم،
لحديث عبد الله بن جعفر - رضي الله عنه - قال: لما جاء نعى جعفر حين قتل،
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد أتاهم أمر
يشغلهم، أو أتاهم ما يشغلهم" (3).
__________
(1) متفق عليه: خ (1284/ 150/ 3)، م (923/ 635/ 2).
(2) صحيح: [ص. جه 1308]، جه (1612/ 514/ 1).
(3) حسن: [ص. ج 1015]، د (3116/ 406 / 8)، ت (2003/ 234/ 1)، جه (1610/
514/ 1).
(1/187)
ما ينتفع به الميت:
وينتفع الميت من عمل غيره بأمور:
1 - دعاء المسلم له: لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ
يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا
بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا
رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} (1).
ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب
مستجابة، عند رأسه مَلَكٌ مُوَكلْ، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل
به: آمين ولك بمثل" (2).
2 - قضاء الدين عنه من أي شخص، لما سبق من قضاء أبي قتادة الدينارين عن
ميت.
3 - قضاء النذر عنه صَومًا كان أو غيره: لحديث سعد بن عبادة: "أنه استفتى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر؟ فقال:
اقضه عنها" (3).
4 - ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة:
يقول تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} (4)
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن
ولده من كسبه" (5).
5 - ما خلفه من آثار صالحة وصدقات جارية:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو عِلْم
يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (6).
__________
(1) الحشر (10).
(2) صحيح: [ص. ج 3381]، م (2733/ 2094/ 4).
(3) متفق عليه: خ (2761/ 389/ 5)، م (1638/ 1260/ 3)، د (3283/ 134/ 9)، ت
(1586/ 51/ 3) نس (7/ 21).
(4) النجم (39).
(5) صحيح: [الإرواء 1626]، د (3511/ 444/ 9)، وهذا لفظه، ت (1369/ 406/ 2)،
جه (2137/ 723/ 2)، نس (741/ 2).
(6) صحيح: [ص. ج 793]، م (1631/ 1255/ 3)، د (2863/ 86/ 8)، ت (1390/ 418/
2)، نس (251/ 6).
(1/188)
زيارة القبور:
وتشرع زيارة القبور للاتعاظ وتذكر
الآخرة، شريطة أن لا يقول عندها ما يغضب الرب سبحانه وتعالى، كدعاء المقبور
والاستغاثة به من دون الله تعالى ونحو ذلك: عن أبي سعيد الخدرى قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها
فإن فيها عبرة، ولا تقولوا ما يسخط الرب" (1).
والنساء كالرجال الذي استحباب زيارة القبور لمشاركتهن لهم في العلة التي من
أجلها شرعت زيارة القبور، ولما مر فيما يقال عند الزيارة أن عائشة سألت
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماذا تقول إذا زارت القبور. فعلّمها ماذا
تقول ولم ينهها، ولم يبين لها أن ليس للنساء زيارة.
ما يحرم عند القبور:
1 - الذبح لوجه الله، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا عقر في الإسلام".
قال عبد الرزاق ابن همام:
"كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة" (2).
2 - 6 - ما تضمنه هذا الحديث:
عن جابر - رضي الله عنه - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن
يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبني عليه أو يزاد عليه، أو يكتب عليه"
(3).
7 - الصلاة إليها: لقوله - صلى الله عليه وسلم - "لا تصلوا إلى القبور. .
." (4).
8 - الصلاة عندها ولو بدون استقبال.
__________
(1) صحيح: [الجنائز 179]، كم (374/ 1)، هق (77/ 4)، دون الجملة الأخيرة،
فإنها للبزار (861/ 407/ 1).
(2) إسناده صحيح: [الجنائز 203]، د (3206/ 42/ 9).
(3) إسناده صحيح: [الجنائز 204]، د (32109/ 45/ 9) وهذه رواياته، ورواه
هؤلاء بزيادة ونقص: م (970/ 667/ 2)، ت (1058/ 258/ 2)، نس (86/ 4).
(4) صحيح: [ص. ج 7348]، م (668/ 972/ 2)، د (3213/ 49/ 9)، ت (1055/ 257/
2)، نس (67/ 2).
(1/189)
عن أبي سعيد الخدرى قال: قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -:
"الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" (1).
9 - بناء المساجد عليها: عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا:
"لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه،
فهذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال: وهو كذلك" لعنة الله على اليهود
والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا" (2).
وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي لم يقم
منه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". قالت فلولا
ذاك أبرز قبره غير أنه خشى أن يتخذ مسجدا" (3).
10 - اتخاذها عيدا، تقصد في أوقات معينة، ومواسم معروفة، للتعبد عندها أو
لغيرها لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا
تتخذوا قبري عيدا، ولا تجعلوا بيوتكم قبورا، وحيثما كنتم فصلوا عليّ فإن
صلاتكم تبلغنى" (4).
11 - السفر إليها:
عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تشد الرحال إلا إلى
ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والمسجد
الأقصى" (5).
12 - إيقاد السرج عليها، لكونه بدعة لا يعرفها السلف الصالح، وقد قال - صلى
الله عليه وسلم -: "كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" (6). وفيه أيضا
إضاعة للمال وهو منهى عنه بالنص.
__________
(1) صحيح: [ص. ج 2767] د (488/ 158/ 2)، ت (316/ 199/ 1)
(2) متفق عليه: خ (4444/ 140/ 8)، م (531/ 377/ 1)، نس (40/ 2).
(3) متفق عليه: خ (1330/ 200/ 3)، م (529/ 376/ 1)، نس (41/ 2).
(4) صحيح: [ص. خ 7226]، د (2026/ 31/ 6).
(5) متفق عليه: خ (1189/ 63/ 3)، م (1397/ 1014/ 2)، د (2017/ 15/ 6)، نس
(37/ 2).
(6) سبق ص 145.
(1/190)
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله
كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة
السؤال" (1).
13 - كسر عظامها: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن كسر عظم المؤمن ميتا
مثل كسره حيًا" (2).
* * *
__________
(1) متفق عليه: خ (1477/ 340/ 3)، م (1715/ 1340/ 3).
(2) صحيح: [ص. ج 2143]، د (3191/ 9/24)، جه (1616/ 516/1).
(1/191)
|