الوجيز
في فقه السنة والكتاب العزيز كتاب الحج
(1/233)
فضل الحج والعمرة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله: - صلى الله عليه وسلم - قال:
"العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا
الجنة" (1).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الذنوب والفقر، كما ينفى الكبير
خبث الحديد والذهب والفضة، وليس لحجة مبرورة ثواب إلا الجنة" (2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقول: "من حج لله عَزَّ وَجَلَّ فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه"
(3).
وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الغازي في سبيل الله،
والحاج والمعتمر، وفد الله. دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم" (4).
والحج واجب مع العمرة مرة في العمر على كل مسلم، بالغ، عاقل، حر، مستطيع.
قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي
بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ
مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (5)
__________
(1) متفق عليه: خ (1773/ 597/ 3)، م (1349/ 983/ 2)، ت (937/ 206/ 2)، جه
(2888/ 964/ 2)، نس (115/ 5).
(2) صحيح. [ص. ج 2901]، ت (807/ 153/ 2)، نس (115/ 5).
(3) متفق عليه: خ (1521/ 382/ 3)، م (1350/ 983/ 2)، جه (2889/ 964/2) , نس
(114/ 5) , ت (808/ 153/ 2) إلا أنه قال: "غفر له ما تقدم من ذنبه".
(4) حسن: [ص. جه 2339]، جه (2893/ 966/ 2).
(5) آل عمران (96، 97).
(1/235)
قد فرض عليكم الحج فحجوا". فقال رجل: أكل
عام يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم -؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، ثم قال -
صلى الله عليه وسلم - "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم". ثم قال: "ذرونى ما
تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم، على أنبيائهم،
فماذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" (1).
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "بني الإِسلام على
خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء
الزكاة، وحج البيت وصيام رمضان" (2).
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذه عمرة
استمتعنا بها، فمن لم يكن عنده الهدى فليحل الحل كله فإن العمرة قد دخلت في
الحج إلى يوم القيامة" (3).
وعن الصبى بن معبد قال: "أتيت عمر رضي الله عنه فقلت: يا أمير المؤمنين،
إني أسلمت، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبيْن علي، فأهللت بهما. فقال: هديت
لسنة نبيك" (4).
حج الصبى والعبد:
لا يجب الحج على الصبى والمجنون، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع القلم
عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى
يحتلم" (5).
ولا يجب على العبد لأنه غير مستطيع لانشغاله بخدمة سيده.
__________
(1) صحيح: [مختصر م 639]، م (1337/ 975/ 2)، نس (110/ 5).
(2) سبق ص 57.
(3) صحيح: [الأرواء 982]، م (1241/ 911/ 2).
(4) صحيح: [الإرواء 983]، نس (146/ 5)، د (1722/ 230/ 5)، جه (2970/ 989/
2).
(5) سبق ص 59.
(1/236)
وإذا حج الصبى أو العبد صح حجهما ولا
يجزئهما عن الفريضة إذا بلغ الصبى أو أعتق العبد.
عن ابن عباس: أن امرأة رفعت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صبيا فقالت:
ألهذا حج؟ قال: "نعم ولك أجر" (1).
وعنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيما صبىّ حج ثم بلغ فعليه
حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى" (2).
ما هى الاستطاعة؟
الاستطاعة تتحقق بالصحة وملك ما يكفيه لذهابه وإيابه، فاضلًا عن حاجته
وحاجة من تلزمه نفقته، وبأمن الطريق.
أما اشتراط الصحة فلحديث ابن عباس: "أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله،
إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخا كبيرًا لا يستطيع أن يستوى على
الراحلة، فاحج عنه؟ قال: "حجى عنه" (3).
وأما ملك ما يكفيه فاضلا عن حاجته وحاجة من تلزمه نفقته، فلقوله - صلى الله
عليه وسلم -: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت" (4).
وأما اشتراط الأمن فلأن إيجاب الحج مع عدم ذلك ضرر، وهو منفى شرعا.
حج المرأة:
__________
(1) صحيح: [مختصر م 648]، م (1336/ 974/ 2)، د (1720/ 560/ 1)، نس (20/ 5)
(2) صحيح: [الأرواء986]، هق (156/ 5).
(3) متفق عليه: خ (1855/ 66/ 4)، م (1334/ 973/ 2)، ت (932/ 203/ 2)، د
(1792/ 247/ 5). نس (117/ 5).
(4) صحيح: [الأرواء 989]، د (1676/ 111/ 5).
(1/237)
إذا توفرت شروط الاستطاعة المذكورة في
المرأة وجب عليها الحج كالرجل تمامًا، ألا أنه يشترط في حقها شرط زائد وهو
أن يصحبها زوج أو محرم، فإن لم تجد فليست مستطيعة: فعن ابن عباس قال: سمعت
رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو
محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذى محرم"، فقام رجل فقال: يا رسول الله- صلى
الله عليه وسلم -، إن امرأتى خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا،
فقال "انطلق فحج مع امرأتك" (1).
الحج على الفور:
ويجب على من استطاع المبادرة بالحج، لقوله - صلى الله عليه وسلم -:
"من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة"
(2).
المواقيت:
المواقيت جمع ميقات. كمواعيد وميعاد. وهي مواقيت زمانية ومواقيت مكانية
(3).
المواقيت الزمانية:
قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ
لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} (4).
وقال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} (5).
__________
(1) متفق عليه: خ (3006/ 142/ 6)، م (1341/ 978/ 2) واللفظ له.
(2) صحيح: [ص. جه 2331]، جه (2883/ 962/2).
(3) فقه السنة (549/ 1).
(4) البقرة (189).
(5) البقرة (197).
(1/238)
قال ابن عمر: "أشهر الحج شوال وذو القعدة
وعشر من ذى الحجة" (1).
وقال ابن عباس: "من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج" (2).
المواقيت المكانية:
عن ابن عباس قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل المدينة ذا
الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم،
وقال: هن لهن ولمن أتي عليهن من غيرهنّ ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون
ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة" (3).
وعن عائشة: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل العراق ذاث عرق"
(4).
فمن أراد مكة لنسك فلا يجوز له أن يتجاوز هذه المواقيت حتى يحرم.
ويكره الإحرام قبلها: "وكل ما روى من الأحاديث في الحض على الإحرام قبل
الميقات لا يصح بل قد روى نقيضها، فانظر الكلام على عللها، في "سلسلة
الأحاديث الضعيفة (210/ 212).
وما أحسن قول الإمام مالك - رحمه الله - لرجل أراد أن يحرم قبل ذى الحليفة:
"لا تفعل، فإنى أخشى عليك الفتنة، فقال: وأى فتنة في هذه؟ إنما هى أميال
أزيدها قال: وأى فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول
الله- صلى الله عليه وسلم - إنى سمعت الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ} (5).
مجاوزة الميقات من غير إحرام:
__________
(1) و (2) صحيح الإسناد: [مختصر خ 311 ص 372]، خ (319/ 3) تعليقا.
(3) متفق عليه: خ (1524/ 384/ 3) وهذا لفظه، م (1181/ 838/2)، د (1722/
162/ 5)، نس (123/ 5)
(4) صحيح: [الإرواء 998]، د (1723/ 163/ 5) هكذا مختصرا، نس (125/ 5)
مطولا.
(5) النور (63).
(1/239)
من جاوز الميقات غير محرم "وهو يريد الحج
والعمرة، ثم أحرم بعد مجاوزته فقد أثم بذلك ولا يذهب عنه الإثم إلا أن يعود
إلى الميقات فيحرم منه، ثم يتم سائر نسكه" فإن لم يعد فنسكه صحيح. وقد لحقه
الإثم، ولا دم عليه، لحديث صفوان بن يعلى أن يعلى قال لعمر رضي الله عنه:
أرنى النبي - صلى الله عليه وسلم - حين يوحى إليه. قال: فبينما النبي - صلى
الله عليه وسلم - بالجعرانة -ومعه نفر من أصحابه- جاءه رجل فقال: يا رسول
الله- صلى الله عليه وسلم -، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟
فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - بساعة، فجاءه الوحى، فأشار عمر رضي الله
عنه إلى يعلى، فجاء يعلى- وعلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ثوب قد أظل
به- فأدخل رأسه، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخمر الوجه وهو
يغط، ثم سرى عنه فقال: أين الذي سأل عن العمرة؟ فأتي برجل. فقال: اغسل
الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في
حجتك" (1).
"فهذا الحديث يدل دلالة صريحة على أن من أتى مخالفة أو محظورًا من محظورات
الإحرام فليس عليه إلا أن يدعه فقط؛ لأن الرسول عليه السلام لم يأمر الرجل
لابس الجبة المتضمخ بطيب النساء -وهو الخلوق كما في رواية أخرى- إلا أن
ينزع الجبة ويغسل الطيب، ولم يأمره بذبح هدي الجزاء، ولو كان واجبا لأمره
به؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة والحاجة هنا قائمة" (*).
الإحرام في الميقات:
" فإذا أراد الإحرام، فإن كان قارنا قد ساق الهدى قال: "لبيك اللهم بحجة
وعمرة، وإن لم يسق الهدى -وهو الأفضل- لبى بالعمرة وحدها، ولابد فقال: لبيك
اللهم بعمرة، فان كان لبى بالحج وحده فسخه وجعله عمرة" (2). لأن النبي
__________
(1) متفق عليه: خ (1536/ 393/3)، م (1180/ 836/ 2)، د (1802/ 1803/1804/
265/5)., نس (142/ 5)
(*) إرشاد السارى للوالد الشيخ محمَّد إبراهيم شقرة.
(2) مناسك الحج والعمرة. للألبانى.
(1/240)
- صلى الله عليه وسلم - أصحابه جميعًا أن
يحلوا من إحرامهم، وأن يجعلوا طوافهم وسعيهم عمرة، إلا من كان قد ساق الهدى
منهم مثله - صلى الله عليه وسلم - وغضب على الذين لم يبادروا إلى الاستجابة
لأمر، وأكد ذلك صلوات الله وسلامه عليه بقوله: "دخلت العمرة في الحج إلى
يوم القيامة" فهذا نص أيضًا على أن العمرة صارت جزءًا لا يتجزأ من الحج.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لم أسق
الهدى". وهذا ليس إشعارًا منه - صلى الله عليه وسلم - بمجرد رغبة فاتته
بإحرامه قارنا، بل هو إيذان منه عليه الصلاة السلام بأن التمتع بالحج أفضل
من القران به.
فكل حاج لا بد له من أن يقرن مع حجه عمرة، إما متقدمة عليه لأنه لم يسق
الهدى، وهذا هو التمتع -وإما مقرونة به لأنه ساق الهدى وهذا هو القران-،
فأى الاثنين اختار كان موافقا هدى النبي - صلى الله عليه وسلم - كان التمتع
أفضل من القران كما بيّنا آنفا.
بقى أن نعلم أنه وان قال! واجبا على من حج مفردًا أو قارنا لم يسق الهدى أن
يحل من إحرامه إذا طاف وسعى فإن المحرم بهما قد لا يجد متسعا من الوقت
يتحلل فيه من إحرامه ثم يهلّ بالحج قبل خروج وقت عرفة، وعليه فإنه يجوز لمن
أحرم مفردًا أو قارنا لم يسق الهدي أن يظل محرما، لا يتحلل من إحرامه إلا
بعد رمى جمرة العقبة يوم النحر، إذا لم يتسع وقته للتحلل ثم الإحرام من
جديد.
ومثال ذلك: من قدم مكة ليلة التاسع، وخشى فوات الوقوف بعرفة، لضيق الوقت
واقتراب الفجر، فهذا عليه أن يبادر إلى الصعود إلى عرفة لكيلا يفوته الركن
الذي بفواته يفوت الحج كله، وهو الوقوف بعرفة، فيكون الحج المفرد جائزًا
مشروعا في حدود ضيقة جدًا وإذا حج إنسان مفردا وترك التمتع والقران إيثارا
للإفراد عليهما فهو آثم بهذا؛ لأنه غير مستجيب لأمر النبي - صلى الله عليه
وسلم - حين أمر أصحابه أن يجعلوا حجهم عمرة لكن حجه صحيح" (*).
جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه:
__________
(*) إرشاد الساري للوالد الشيخ محمَّد إبراهيم شقرة.
(1/241)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - علي ضباعة بنت الزبير، فقال لها: "أردت الحج؟
" قالت: والله لا أجدنى إلا وجعة فقال لها: "حجى واشترطي، وقولي: اللهم على
حيث حبستنى" (1).
فمن اشترط ذلك فإنه متى حبسه شيء من مرض أو عدو أو غير ذلك، تحلل ولادم
عليه.
ومن لم يشترط فإنه إذا حُبس لزمه دم، لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} والهدى لا يكون إلا من النعم: الإبل
والبقر والغنم، فإن تيسرت شاة أجزأت، والناقة والبقرة أولي بالإجزاء فإن لم
يتيسر الهدى صام عشرة اأيام قياسا على المتمتع إذا لم يجد الهدى.
* * *
__________
(1) متفق عليه: خ (5089/ 132/ 9)، م (1207/ 867/ 2)، نس (168/ 5).
(1/242)
"خذوا عني مناسككم"
حجة النبي صلي الله عليه وسلم
روى مسلم (1) بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد
الله. فسأل عن القوم حتى انتهى إليّ. فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى
بيده إلى رأسى فنزع زِرِّى الأعلى، ثم نزع زِرِّى الأسفل، ثم وضع كفّه بين
ثدييى وأنا يومئذ غلام شاب، فقال مرحبا بك يا ابن أخي، سل عما شئت، فسألته.
وهو أعمي. وحضر وقت الصلاة، فقام في نِسَاجَة ملتحفا بها، كلما وضعها على
منكبه رجع طرفاها إليه من صغَرِهَا، ورداؤه على المِشْجَب، فصلى بنا، فقلت:
أخبرنى عن حجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بيده فَعَقَدَ
تِسْعًا فقال:
"إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث تسع سنين لمِ يحج، ثم اذَّنَ في
الناس في العاشرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاج، فقدم المدينة
بشرٌ كثير كلهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعمل
مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحُلَيْفَة، فولدت أسماء بنت عميس محمد
بن أبي بكر، فارسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف أصنع؟ قال:
"اغتسلى واسْتَثْفِرى (*) بثوب وأحرمى"، فصلى رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - في المسجد. ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء
نظرتُ إلى مد بصري بين يديه من راكب وماشٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره
مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا،
وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهلّ
بالتوحيد: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك
والملك، لا شريك لك". وأهلّ الناس بهذا الذي يهلّون به، فلم يرد رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -عليهم شيئًا منه، ولزم رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - لبيته.
__________
(1) صحيح: [مختصر م 707]، م (2218/ 886/2).
(*) الاستثفار: هو أن تشد في وسطها شيئًا، وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل
الدم وتشد طرفها من قدامها ومن ورائها في ذلك المشدود في وسطها، وهو شبيه
بثقر الدابة بفتح الفاء (ص. مسلم النووي ج 8 ص 239 ط. قرطبه).
(1/243)
قال جابر رضي الله عنه: لسنا ننوى إلا
الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن، فَرَمَلَ
ثلاثا، ومشى أربعا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ:
{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (1)، فجعل المقام بينه
وبين البيت، فكان أبي يقول: "ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي - صلى الله عليه
وسلم -" كان يقرأ في الركعتين: قل هو الله أحد، وقيل يا أيها الكافرون ثم
رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ {إِنَّ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (2) أبدأ بما بدأ الله به،
فبدأ بالصفا فَرَقِىَ عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحّد الله
وكبّره وقال: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو
علي كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب
وحده". ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا
انصَبَّتْ قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة،
ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة
فقال: "لو أني استقبلت من أمرى ما استدبرت لم اسُقِ الهَدْىَ وجعلتها عمرة،
فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وليجعلها عمرة" فقام سراقة بن مالك بن جعشم
فقال: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم لأبد؟ فَشَبَّكَ رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - أصابعه واحدة في الأخرى وقال: "دخلت العمرة في الحج" مرتين "لا
بل لأِبَد أبَدٍ".
وقدم عليُّ من "اليمن بِبُدْنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجد فاطمة
رضي الله عنها ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت:
إن أبي أمرني بهذا، قال: فكان عليّ يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - مُحَرِّشًا على فاطمة للذى صنعت، مستفتيا لرسول الله
- صلى الله عليه وسلم - فيما ذكرتْ عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها،
فقال: "صدقت صدقت. ماذا قلت حين فَرَضْتَ الحج؟ " قال: قلت: اللهم إني أهلّ
بما أهلّ به رسولك. قال: "فإن معى الهدى فلا تحل" قال: فكان جماعة الهدى
الذي قدم به عليُّ من اليمن والذي أتي به النبي - صلى الله عليه وسلم -
مائة قال: فحلّ
__________
(1) البقرة (125).
(2) البقرة (158).
(1/244)
الناس كلهم وقصروا إلا النبي - صلى الله
عليه وسلم - ومن كان معه هدى، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى مني،
فاهلّوا بالحج، وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلّى بهم الظهر
والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلًا حتي طلعت الشمس، وأمر بقبة
من شَعَر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تشك
قريش إلا إنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية،
فاجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت
له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن
الوادى فخطب الناس وقال:
"إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم
هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمى موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة،
وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد
فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا، ربا عباس ابن عبد
المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان
الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا
تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن
بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم
تسألون عني فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال
بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: "اللهم اشهد، اللهم
اشهد" ثلاث مرات.
ثم أذن. ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئًا.
ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته
القصواء إلى الصَّخَرَاتِ، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم
يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا حتى غاب القرص، وأردف أسامة
خلفه، ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد شنق للقصواء الزمام، حتى
إن رأسها ليصيب مَوْرِكَ رحله، ويقول بيده اليمنى: "أيها الناس السكينة
السكينة" كلما أتي حبلا من الحبال
(1/245)
أرخى لها قليلًا حتى تصعد، حتى أتى
المزدلفة، فصلي بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. ولم يسبّح بينهما
شيئًا، ثم اضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى طلع الفجر، وصلى
الفجر، حين تبين له الصبح بأذان وإقامة.
ثم ركب القصواء. حتى أتي المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله
وحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن
عباس، وكان رجلًا حسن الشَّعْرِ، أبيض، وسيما، فلما دفع رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -مرت به ظُعُنٌ يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - يده على وجه الفضل، فحوّل الفضل وجهه إلى الشق
الآخر ينظر، فحوّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده من الشق الآخر على
وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الآخر حتى أتى بطن مُحَسِّر، فحرك قليلًا، ثم
سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة "الكبرى" حتى أتى الجمرة التي عند
الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصى الخَذْف (1)، رمى من
بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلائا وستين بيده، ثم أعطى عليا فنحر
ما غَبَرَ، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت،
فاكلا من لحمها، وشربا من مرقها.
ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فافاض إلى البيت، فصلى بمكة
الظهر، فأتي بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال: "انزعوا بني عبد المطلب،
فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم" فناولوه دلوا فشرب منه".
قال الإِمام النووي - رحمه الله - في شرح مسلم (170/ 8):
"وهو حديث عظيم، مشتمل على جمل من الفوائد، ونفائس من مهمات
القواعد، قال القاضى قد تكلم الناس على ما فيه من الفقه واكثروا، وصنف فيه
__________
(1) قال الإِمام النووى في شرح مسلم (191/ 8): "وأما قوله: "فرماها بسع
حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصى الخذف" فهكذا هو في النسخ، وكذا نقله
القاضى عياض عن معظم النسخ قال: وصوابه مثل حصى الخذف، قال: وكذلك رواه غير
مسلم، وكذا رواه بعض رواة مسلم. هذا كلام القاضى. قلت: والذي في النسخ من
غير لفظه مثل هو الصواب، بل لا يتجه غيره ولا يتم الكلام إلا كذلك، ويكون
قوله حصى الخذف متعلقا بحصيات، أي رماها بسبع حصيات حصى الخذف يكبر مع كل
حصاة، فحصى الخذف متصل بحصياتِ واعترض بينهما يكبر مع كل حصاة، وهذا هو
الصواب والله أعلم" أهـ.
(1/246)
أبو بكر بن المنذر جزءًا كبيرًا وخرج فيه
من الفقه مائة ونيفا وخمسين نوعا، ولو تقصي لزيد على هذا القدر قريب منه.
أهـ.
الحج عبادة من العبادات، له أركان وواجبات وسنن:
أولًا- سنن الحج:
أ- سنن الأحرام:
ا- الغسل عند الإحرام: لحديث زيد بن ثابت "أنه رأى النبي - صلى الله عليه
وسلم - تجرد لإهلاله
واغتسل" (1).
2 - الطيب في بدنه قبل الإحرام: لحديث عائشة قالت: "كنت أطيب رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - لإحرامه حين يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت" (2).
3 - أن يحرم في إزار ورداء أبيضين: لحديث ابن عباس قال: "انطلق النبي من
المدينة بعد ما ترجل وأدهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه" (3).
وأما استحباب كونهما أبيضين: فلحديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - قال: "البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها
موتاكم" (4).
4 - الصلاة في وادى العقيق لمن مرّ به: لحديث عمر قال: سمعت رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - بوادى العقيق يقول: "أتانى الليلة آت من ربى فقال:
صلّ في هذا الوادى المبارك وقل عمرة في حجة" (5).
5 - رفع الصوت بالتلبية: لحديث السائب بن خلاد قال: قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - "أتانى جبريل فامرنى أن آمر أصحابى أن يرفعوا أصواتهم
بالاهلال أو التلبية" (6).
__________
(1) صحيح: [ص. ت 664]، ت (831/ 163/2)
(2) متفق عليه: خ (1539/ 396/3)، م (1189 - 33 - /846/ 2)، ت (920/ 199/2)،
بزيادة فيه، د (1729/ 196/ 5)، نس (137/ 5)، جه (2926/ 976/2).
(3) صحيح: خ (1545/ 405/ 3).
(4) سبق ص 165.
(5) صحيح: [ص. جه 2410]، خ (534/ 392/3)، د (1783/ 232/ 5)، جه (2976/ 991/
2).
(6) صحيح: [ص. ت 663]، ت (830/ 163/ 1)، د (1197/ 260/5)، جه (2922/ 975/
2)، نس (162/ 5).
(1/247)
ولذلك كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يصرخون بها صراخًا، وقال أبو حازم: كان أصحاب رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - إذا أحرموا لم يبلغوا الروحاء حتى تبح أصواتهم" (1).
6 - التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال: لحديث أنس قال:
"صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن معه بالمدينة الظهر أربعًا
والعصر بذى الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به على
البيداء حمد الله وسبح وكبر، ثم أهل بحج وعمرة" (2).
7 - الإهلال مستقبل القبلة: لحديثَ نافع قال: "كان ابن عمر إذا صلى بالغداة
بذي الحليفة أمر براحلته، فرحلت ثم ركب، فإذا استوت به استقبل القبلة قائما
ثم يلبى ... وزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلِ ذلِك" (3).
ب- سق دخول مكة:
8، 9، 10 - المبيت بذي طوى والاغتسال لدخول مكة ودخولها نهارًا: عن نافع
قال: "كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، ثم
يبيت بذى طوى ثم يصلى به الصبح ويغتسل، ويحدث أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - كان يفعل ذلك" (4).
11 - دخول مكة من الثنية العليا: لحديث ابن عمر قال:
"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل من الثنية العليا، ويخرج من
الثنية السفلى" (5).
__________
(1) صحيح الإسناد: رواه سعيد بن منصور كما في "المحلى" (94/ 7) بسند جيد،
ورواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن المطلب بن عبد الله، كما في الفتح (324/
3) وهو مرسل أهـ من مناسك الألباني (17)
(2) صحيح: [ص. د 1558]، خ (1551/ 411/ 4)، د (1779/ 223/ 5) بنحوه.
(3) صحيح: خ (1553/ 412/ 3).
(4) متفق عليه: خ (1573/ 435/ 3)، وهذا لفطه، ونحوه: م (1259/ 919/ 2)، د
(1848/ 318/ 5).
(5) متفق عليه: خ (1575/ 436/1)، وهذا لفظه، م (1257/ 918/ 2)، نس (200/
5)، حه (2940/ 981/2).
(1/248)
12 - أن يقدم رجله اليمنى عند الدخول إلى
المسجد ويقول:
"أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم.
بسم الله، اللهم صل على محمد وسلم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك" (1).
13 - فإذا رأى البيت رفع يديه إن شاء، لثبوته عن ابن عباس (2)، ودعا بما
تيسر له، وإن دعا بدعاء عمر "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحيّنا ربنا
بالسلام" فحسن لثبوته عنه (3).
جـ- سنن الطواف:
14 - الاضطباع: وهو أن يُدْخِل إزاره تحت إبطه الأيمن ويُردَّ طرفه على
منكبه الأيسر، ويكون منكبه الأيمن مكشوفا. لحديث يعلي بن أمية "أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - طاف مضطبعا" (4).
15 - استلام الحجر الأسود: لحديث ابن عمر قال: رأيت رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف يَخُبُّ
ثلاثة أطواف من السبع" (5).
16 - تقبيل الحجر: لحديث زيد بن أسلم عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي
الله عنه قبّل الحجر وقال: لولا أني رأيت رسول الله قبّلك ما قبّلتك" (6).
__________
(1) صحيح: [الكلم الطيب 65] ..
(2) إسناده صحيح: [مناسك الحج 20]، ش (96/ 3).
(3) إسناده حسن: [مناسك الحج 20]، هق (72/ 5).
(4) حسن: [ص. جه 2391]، د (1866/ 336/ 5)، ت (161/ 175/ 2)، جه (984/
2954/2).
(5) متفق عليه: خ (1603/ 470/3)، م (1261 - 232 - / 920/ 2)، نس (229/ 5).
(6) متفق عليه: خ (1597/ 462/3)، م (1270/ 925/2)، د (1856/ 325/ 5) جه
(2943/ 981/ 2)، ت (862/ 175/ 2)، نس (227/ 5).
(1/249)
17 - السجود عليه: لحديث ابن عمر قال: رأيت
عمر بن الخطاب قبل الحجر، وسجد عليه، ثم عاد فقبّله وسجد عليه ثم قال: هكذا
رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (1).
18 - التكبير عند الركن: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: طاف النبي -
صلى الله عليه وسلم - بالبيت على بعيره كلما أتي الركن أشار إليه بشيء كان
عنده وكبر" (2).
19 - الرمَل في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف الأول: لحديث ابن عمر:
"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول، مل
ثلاثة، ومشى أربعة، من الحجر إلى الحجر" (3).
20 - استلام الركن اليمانى: لحديث ابن عمر قال: "لم أر النبي - صلى الله
عليه وسلم - يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين" (4).
21 - أن يدعو بين الركنين بهذه الدعوة: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" (5).
22 - صلاة ركعتين بعد الطواف خلف المقام: لحديث ابن عمر قال: "قدم رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - فطاف بالبيت سبعا، ثم صلى خلف المقام ركعتين،
وطاف بين الصفا والمروة". وقال "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" (6).
23 - أن يقرأ عند المقام قبل الصلاة {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ
إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}. وأن يقرأ في الركعتين الكافرون والإخلاص، لحديث
جابر "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما
__________
(1) حسن: [الإرواء 312/ 4]، البزار (1114/ 23/ 2).
(2) صحيح: [الإرواء 1114]، خ (1613/ 476/ 3).
(3) صحيح: [ص. جه 2387]، جه (2950/ 983/ 2) وهذا لفظه، وبنحوه: خ (1603/
470/ 3)، م (1261/ 920/ 2)، د (1876/ 344/ 5)، نس (229/ 5).
(4) متفق عليه: خ (1609/ 473/3)، م (1267/ 924/ 2)، د (1757/ 326/ 5)، نس
(231/ 5).
(5) حسن: [ص. د 1666]، د (1875/ 344/ 5).
(6) صحيح: [ص. جه 2394]، خ (1627/ 487/3)، جه (2959/ 986/ 2).
(1/250)
انتهى إلى مقام إبراهيم عليه السلام قرأ
{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ثم صلى ركعتين وكان
يقرأ فيهما {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ... } {قُلْ يَا أَيُّهَا
الْكَافِرُونَ}.
24 - التزام ما بين الركن والباب، بأن يضع صدره ووجهه وذراعيه عليه: لحديث
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جَدّه قال: طفت مع عبد الله بن عمرو، فلما فرغنا
من السبع ركعنا في دبر الكعبة، فقلت ألا تتعوذ بالله من النار؟ قال أعوذ
بالله من النار، قال: ثم مضى فاستلم الركن، ثم قام بين الحجر والباب، فألصق
صدره ويديه وخده إليه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله عد - صلى الله عليه
وسلم - يفعل" (1).
25 - الشرب من زمزم وغسل الرأس به، لحديث جابر أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - فعله.
د- سنن السعى:
26 - استلام الركن على النحو السابق.
27 - قراءة {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ
حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ
بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}. ثم
يقول: نبدأ بما بدأ الله به، وذلك إذا دنا من الصفا للسعى (2).
28 - استقبال القبلة وهو على الصفا وقول: الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر.
(ثلاثًا)، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على
كل شيء قدير.
لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم يدعوا
بما شاء. يفعل مثل هذا ثلاث مرات.
29 - السعى بين العلَمين الأخضرين سعيًا شديدًا.
30 - أن يفعل على المروة كما فعله على الصفا من استقبال البيت والذكر
والدعاء.
__________
(1) سبق في حديث جابر.
(2) كل هذا من حديث جابر.
(1/251)
هـ - سنن الخروج إلى مني:
31 - الإحرام بالحج يوم التروية من منزله (*).
32 - صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء بمنى يوم التروية، والمبيت بها،
حتى يصلى الفجر وتطلع الشمس.
33 - صلاة الظهر والعصر جمعا وقصرا بنمرة يوم عرفة.
34 - أن لا ينفر من عرفة قبل غروب الشمس.
أركان الحج:
1 - النية: لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (1).
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات" (2).
2 - الوقوف بعرفة: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحج عرفة" (3). ولحديث
عروة الطائي قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة حين خرج إلى
الصلاة، فقلت: يا رسول الله إني جئت من جبلى طىء، ممللت راحلتى، وأتعبت
نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف
قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه" (4).
3 - المبيت بمزدلفة حتي مطلع الفجر، وصلاة الفجر بها لقوله - صلى الله عليه
وسلم - لعروة في الحديث السابق: "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع،
وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارا، فقد تم حجه وقضى تفثه" (5).
__________
(*) على أن يلاحظ سنن الإحرام السابقة.
(1) البينة (5).
(2) سبق 31.
(3) صحيح: [ص. جه 2441]، ت (890/ 188/2)، نس (264/ 5)، جه (3015/ 1003/ 2)،
د (1933/ 425/ 5).
(4) و (5) صحيح: [ص. جه 2442]، ت (892/ 188/ 2)، د (1934/ 427/5)،جه (3016/
1004/2)، جه (263/ 5).
(1/252)
4 - طواف الإفاضة: لقوله تعالى:
{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: حاضت صفية بنت حيي بعد ما أفاضت. قالت:
فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أحابستنا هى؟ " قلت:
يا رسول الله، إنها قد أفاضت، وطافت بالبيت، ثم حاضت بعد الإفاضة. قال:
"فلتنفر إذن" (2).
فدل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أحابِسَتُنا هى"؟ على أن هذا الطواف لا
بد منه، وأنه حابس لمن لم يأت به.
5 - السعى بين الصفا والمروة، لسعيه - صلى الله عليه وسلم -، وقوله: "اسعوا
فإن الله كتب عليكم السعى" (3).
واجبات الحج:
ا- الإحرام من الميقات، بأن يتجرد من ثيابه، ويلبس ملابس الإحرام، ثم ينوى
قائلا: لبيك اللهم بعمرة. أو لبيك اللهم حجة وعمرة.
2 - المبيت بمنى في ليالى التشريق، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بات
بها، و"رخص لرعاء الإبل في البيتوتة، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ومن
بعد الغد بيومين ويرمون يوم النفر" (4).
وترخيصه - صلى الله عليه وسلم - لهم دليل الوجوب على غيرهم.
3 - رمى الجمار مرتبا: بأن يرمى يوم النحر جمرة العقبة بسبع حصيات، وبرمى
الجمرات الثلاث في أيام التشريق كل يوم بعد الزوال، كل جمرة بسبع
__________
(1) الحج (29).
(2) متفق عليه: خ (1733/ 567/3)، م (1211/ 964/2)، د (1987/ 486/5)، نس
(194/ 1)، ت (949/ 210 / 2)، جه (3072/ 1021/2).
(3) صحيح (الإرواء 1072)، أ (277/ 76/12)، كم (70/ 4).
(4) صحيح: [ص. جه 2463]، د (1959/ 451/ 5)، ت (962/ 215/ 2)، جه (3037/
1010/2)، نس (573/ 5).
(1/253)
حصيات، يبدأ بالأولى، ثم الوسطى، ثم جمرة
العقبة.
4 - طواف الوداع: لحديث ابن عباس: "أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت،
إلا أنه خفف عن المرأة الحائض" (1).
5 - الحلق أو التقصير:
"ثبت الحلق والتقصير بالكتاب والسنة والإجماع.
قال الله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ
لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ
مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} (2).
وعن عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم ارحم
المحلّقين". قالوا: والمقصّرين يا رسول الله؟ قال: "اللهم ارحم المحلّقين".
قالوا: والمقصّرين يا رسول الله؟ قال: "والمقصّرين".
وقد اختلف جمهور الفقهاء في حكمه: فذهب أكثرهم إلى أنه واجب، يجبر تركه
بدم، وذهبت الشافعية إلى أنه ركن من أركان الحج.
وسبب اختلافهم هو عدم الدليل على هذا أو ذاك، كما أخبرنى بذلك شيخنا
الألباني -حفظه الله-.
__________
(1) متفق عليه: خ (1755/ 585/3)، م (1328/ 963/2).
(2) الفتح (27).
(1/254)
شروط الطواف
(*):
عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الطواف حول البيت مثل
الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير" (1).
فإذا كان الطواف صلاة فإنه يشترط له:
1 - الطهارة من الحدثين، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله صلاة
بغير طهور" (2).
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة وقد حاضت في الحج: "افعلى ما يفعل
الحاج، غير أن لا تطوفى بالبيت حتى تغتسلى" (3).
2 - ستر العورة: لقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ
كُلِّ مَسْجِدٍ} (4).
ولحديث أبي هريرة: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي
أمّره عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل حجة الوداع يوم النحر في
رهط يؤذن في الناس: "ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان" (5).
3 - أن يكون سبعة أشواط كاملة: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف سبعا،
كما قال ابن عمر رضي الله عنهما: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين، وبين الصفا والمروة سبعًا، ولقد
كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.
ففعله هذا - صلى الله عليه وسلم - مبين للمراد بقوله تعالى:
{وَلْيَطَوُّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} فإن ترك شيئًا من السبع ولو
قليلًا لم يجزئه. وإن شك بني على الأقل حتى يتيقن.
__________
(*) فقه السنة (588/ 1)، منار السبيل (263/ 1).
(1) صحيح: (الإرواء 121)، ت (967/ 217/2)، خز (2739/ 222/4)، حب (998/
247)، مى (1854/ 374/1)، كم (459/ 1) هق (85/ 5).
(2) سبق ص 31.
(3) متفق عليه: م (1211 - 119 - /873/ 2)، خ (1650/ 504/3).
(4) الأعراف (31).
(5) متفق عليه: خ (369/ 477/ 1)، م (1347/ 982/ 2)، د (1930/ 421/5)، نس
(234/ 5).
(1/255)
4, 5 - أن يبدأ الطواف من الحجر إلاسود
وينتهى إليه، جاعلا البيت عن يساره، لقول جابر رضي الله عنه: "لما قدم رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - مكة أتى الحجر الأسود فاستلمه ثم مشى عن
يمينه، فرمل ثلاثا ومشى أربعًا".
فلو طاف وكان البيت عن يمينه لا يصح الطواف.
6 - أن يكون الطواف خارج البيت؛ لأن قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا
بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} يقتضى الطواف بجميعه. فلو طاف في الحِجْر لا يصح
طوافه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحجْر من البيت".
7 - المَوالاة: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف كذلك، وقال:"خذوا عني
مناسككم". فإن قطعه ليتوضأ، أو ليصلى المكتوبة التي أقيمت، أو ليستريح
قليلًا، بني على ما مضى، فإن طال الفصل استأنف.
شروط السعى:
يشترط لصحة السعى أمور:
1 - أن يكون سبعة أشواط.
2 - أن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة.
3 - أن يكون السعى في المسعى، وهو الطريق الممتد بين الصفا والمروة. وذلك
لفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، مع قوله: "خذوا عني مناسككم".
محظورات الإحرام:
ويحرم على المحرم:
1 - لبس المخيط: لحديث ابن عمر: "أن رجلًا قال: يا رسول الله، ما يلبس
المحرم من الثياب؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لا يلبس القمص
ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين
فليلبس خفين
(1/256)
وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا من
الثياب شيئًا مسّه زعفران أو ورس" (1).
ويرخص لمن لم يجد إلا سراويل وخفافا أن يلبسهما من غير قطع: لحديث ابن عباس
قال: "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب بعرفات: من لم يجد النعلين
فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل للمحرم" (2).
2 - تغطية وجه المرأة ويديها: لحديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم
- قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين" (3).
ويجوز لها أن تغطى وجهها إذا مرّ بها رجال لحديث هشام بن عروة عن فاطمة بنت
المنذر أنها قالت: "كنا نخمّر وجوهنا، ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبى
بكر الصديق" (4).
3 - تغطية رأس الرجل بعمامة أو نحوها لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث
ابن عمر "لا يلبس القمص ولا العمائم" (5).
ويجوز أن يستظل بخيمة ونحوها، لما مرّ في حديث جابر "أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - أمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة فنزل بها".
4 - الطيب: لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر "ولا تلبسوا من
الثياب شيئًا مسّه زعفران أو ورس" (6).
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في المحرم الذي وقصته ناقته: "لا تحنّطوه،،
ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا" (7).
__________
(1) متفق عليه خ (1542/ 401/3)، م (1177/ 834/2)، د (1806/ 269/5)، نس
(129/ 5).
(2) متفق عليه: خ (1841/ 57/4)، نس (132/ 5)، م (1178/ 835/2)، ت (835/
165/2)، د (1812/ 275/5).
(3) صحيح: [الإرواء 1022]، خ (1838/ 52/ 4)، د (1808/ 271/ 5)، نس (133/
5)، ت (834/ 164/ 2).
(4) صحيح: [الإرواء 1023]، ما (724/ 224)، كم (454/ 1).
(5) صحيح: [الإرواء 1012].
(6) متفق عليه: خ (1542/ 401/ 3)، م (117/ 834/2)، د (1806/ 269/5)، نس
(129/ 5).
(7) متفق عليه: خ (1265/ 135/3)، م (1206/ 865/2) د (3222/ 3223/63/ 9)، نس
(196/ 5).
(1/257)
5، 6 - تقليم الأظفار، وإزالة الشعر بالحلق
أو القص أو غير ذلك:
لقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ
مَحِلَّهُ} (1).
وأجمع العلماء على حرمة قلم الظفر للمحرم (2).
ويجوز إزالة الشعر لمن يتأذى ببقائه، وفيه الفدية، لقوله تعالى: {فَمَنْ
كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ
صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (3).
وعن كعب بن عجرة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر به وهو بالحديبية قبل
أن يدخل مكة وهو محرم، وهو يوقد تحت قدر، والقمل يتهافت على وجهه، فقال:
أيؤذيك هوامّك هذه؟ قال نعم. قال: فاحلق رأسك، وأطعم فرقًا بين ستة مساكين
"والفرق ثلاثة آصع" أو صم ثلاثة أيام، أو انسك نسيكة" (4).
7 - الجماع ودواعيه.
8 - اقتراف المعاصى.
9 - المخاصمة والجدال.
والاصل في تحريم هذه الثلاث قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ
فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ
فِي الْحَجِّ} (5).
10، 11 - الخِطبة وعقد النكاح: لحديث عثمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم
- قال: "لاينكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب" (6).
__________
(1) البقرة: 196.
(2) الإجماع لابن المنذر (57).
(3) البقرة: 196.
(4) متفق عل ي هـ: م (1201 - 83 - / 861/ 2) وهذا لفظه، خ (1814/ 12/ 4)، د
(1739/ 309/ 5)، ت (960/ 214/2)، جه (3079/ 1028/2).
(5) البقرة: 197.
(6) صحيح: (مختصر م 814)، م (1409/ 1030/ 2)، د (1825/ 295/ 5)، ت (842/
167/ 2)، نس (192/ 5).
(1/258)
12 - التعرض لصيد البر بقتل أو ذبح، أو
إشارة أو دلالة، لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا
دُمْتُمْ حُرُمًا} (1).
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سألوه عن الأتان التي صادها أبو قتادة
وكان حلالا وهم محرمون: فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أمنكم أحد أمره أن
يحمل عليها، أو أشار إليها؟ قالوا: لا. قال: فكلوا" (2).
13 - الأكل مما صيد من أجله، أو بإشارته إليه، أو بإعانته عليه، لمفهوم
قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار
إليها؟ قالوا: لا. قال: فكلوا" (3).
مبطلات الحج (*):
يبطل الحج بواحد من اثنين:
الأول: الجماع، إذا كان قبل رمى جمرة العقبة، أما إذا كان بعد رمى جمرة
العقبة وقبل طواف الإفاضة، فلا يبطل حجه وإن أثم.
وبعضهم يذهب إلى عدم بطلان الحج بالجماع لعدم الدليل المصرح بهذا.
الثاني: ترك ركن من أركان الحج.
وإذا بطل حجه بأحد هذين الاثنين فيجب عليه الحج من العام القادم إذا كان
مستطيعا، على نحو ما بيّنا في معنى الاستطاعة، وإلا ففى الوقت الذي
يستطيعه، لأن وجوبه على الفور بالاستطاعة.
__________
(1) المائدة: 96.
(2) و (3) متفق عليه: خ (1824/ 28/5)، م (1196 - 60 - / 853/ 2)، نس (186/
5) بنحوه.
(*) نقلا من "إرشاد السارى" لفضيلة الوالد الشيخ محمَّد إبراهيم شقرة -حفظه
الله-
(1/259)
محظورات الحرمين
(*):
جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث عباد بن تميم عن عمه أن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - قال: "إن إبراهيم حرّم مكة ودعا لها، وإنى حرمت المدينة
كما حرّم إبراهيم مكة".
فتحريمهما إنما كان بوحى من الله سبحانه لنبييه ورسوليه الكريمين صلوات
الله وسلامه عليهما. وإذا قيل الحرمان، فهما مكة والمدينة، ولا يجوز إطلاق
لفظ الحرم شرعًا إلا عليهما وحدهما، ولا يجوز إطلاق لفظ الحرم شرعاًَ على
المسجد الأقصى، ولا على مسجد إبراهيم الخليل، إذ لم يسمّ الوحى حرما إلا
مكة والمدينة، وهو تشريع لا مكان لعقل البشر فيه.
ويحظر في أرض الحرمين أمور، لا يجوز فعلها لمن كان يحيا فيهما، أو أتاهما
زائرًا لحج أو لعمرة أو لغير ذلك، وهذه الأمور هى:
1 - صيد الحيوان والطير، وتنفيره، والإعانة عليه.
2 - قطع النبات والشوك إلا ما دعت الحاجة والضرورة إليه.
3 - حمل السلاح.
4 - التقاط اللقطة في حرم مكة للحاج، أما من كان مقيما في مكة التقطها
وعرّفها، والفرق بين الحاج والمقيم ظاهر في ذلك. أهـ.
قلت: والدليل على هذه المحظورات قول النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح
مكة: "إن هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة
الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلى، ولم يحلّ لي إلا
ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُعضد شوكه، ولا
ينُفّر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرّفها، ولا يُختلى خلاها". فقال
العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر، فإنه لِقيْنهم ولبيوتهم، فقال: "إلا
الإذخر" (1).
__________
(*) نقلا من "إرشاد السارى" لفضيلة الوالد الشيخ محمَّد إبراهيم شقرة -حفظه
الله-
(1) متفق عليه: خ (1834/ 46/ 4)، م (1353/ 986/ 2)، نس (203/ 5).
(1/260)
وعن جابر قال: سمعت النبي - صلى الله عليه
وسلم - يقول: "لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح" (1).
وعن علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [يعنى في
المدينة]: "لا يُخْتَلَى خلاها، ولا يُنَفَرُ صيدها، ولا تُلتقط
لُقَطَتُهَا إلا لمن أشاد بها [أنشدها]، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح
لقتال، ولا يصلح أن يُقْطَعَ منها شجرة إلا أن يَعلفَ رجل بعيره" (2).
قال الشيخ شقرة:
فمن أتى شيئًا من هذه المحظورات فقد أثم، ويلزمه التوبة والاستغفار، إلا
الصيد فإن على المحرم فيه دم الجزاء زيادة على التوبة والاستغفار أهـ.
جزاء قتل الصيد:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ
وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ
مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا
بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ
ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ
وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو
انْتِقَامٍ} (3).
قال ابن كثير - رحمه الله - في التفسير (98/ 2):
هذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام، ونهىٌ عن تعاطيه فيه.
وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول ولو ماتولد منه ومن غيره، فأما غير
المأكول من حيوانات البر فعند الشافعي يجوز للمحرم قتلها، والجمهور على
تحريم قتلها أيضًا، ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت في الصحيحين من طريق
الزهرى عن
__________
(1) صحيح: [ص. ج 7645]، م (2/ 989/1356).
(2) صحيح: [ص. د 1790]، د (2018/ 20/ 6).
(3) المائدة: 95.
(1/261)
عروة عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - قال: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب
والحدأة، والعقرب والفأرة، والكلب العقور" (1).
قال: والذي عليه الجمهور: أن العامد والناسى سواء في وجوب الجزاء عليه.
وقال الزهرى: دل الكتاب على العامد، وجرت السنة على الناسى، ومعنى هذا أن
القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمد وعلى تأثيمه بقوله {لِيَذُوقَ
وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ
اللَّهُ مِنْهُ} وجاءت السنة من أحكام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحكام
أصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ، كما دل الكتاب عليه في العمد، وأيضًا فإن
قتل الصيد إتلاف، والإتلاف مضمون في العمد وفي النسيان، لكن المتعمد مأثوم،
والمخطئ غير ملوم.
قال: وقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مثْل مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} دليل لما
ذهب إليه مالك والشافعى وأحمد والجمهور من وجوب الجزاء من مثل ما قتله
المحرم إذا كان له مثل من الحيوان الإنسى - وأما إذا لم يكن الصيد مثليا
فقد حكم ابن عباس فيه بثمنه يحمل إلى مكة. رواه البيهقي (2) أهـ.
أمثلة من حكومة النبي - صلى الله عليه وسلم -
وأصحابه في المثلى:
عن جابر قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الضبع؟ فقال: "هو
صيد، ويُجْعَلُ فيه كبش، إذا صاده المحرم" (3).
وعن جابر: "أن عمر بن الخطاب قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي
الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة" (4).
__________
(1) متفق عليه: خ (1829/ 34/4)، م (1198/ 856/2)، ت (839/ 166/2).
(2) تفسير القرآن العظيم (99/ 2)، عن عكرمة قال: "سأل مروان ابن عباس ونحن
بواد الأزرق: أرأيت ما أصبنا من الصيد لا نجد له بدلا من النعم؟ قال: تنظر
ما ثمنه فتصدق به على مساكين أهل مكة".
(3) صحيح [ص. د 3226]، د (3783/ 274/10).
(4) صحيح: [الإرواه 1051]، ما (941/ 285)، هق (183/ 5).
(1/262)
وعن ابن عباس: "أنه جعل في حمام الحرم على
المحرم والحلال الذي كل حمامة شاة" (1).
قال ابن كثير: (100/ 2):
وقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} أي واصلا إلى الكعبة، والمراد
وصوله إلى الحرم بأن يذبح هناك، ويفرق لحمه على مساكين الحرم، وهذا أمر
متفق عليه في هذه الصورة.
وقوله: {أَوْ كفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}
أي إذا لم يجد المحرم مثل ما قتل من النعم، أو لم يكن الصيد المقتول من
ذوات الأمثال، أو قلنا بالتخيير في هذا المقام بين الجزاء والإطعام
والصيام، لظاهر "أو"، فصورة ذلك أن يعدل إلى القيمة فيقوم الصيد المقتول أو
مثله، ثم يُشْتَرى به طعام فيتصدق به، فيصرف لكل مسكين مدّ منه، فإن لم يجد
أو قلنا بالتخيير صام عن إطعام كل مسكين يوما أهـ بتصرف.
جزاء الوطء في الحج:
ومن وطئ في الحج قبل التحلل الأول فقد فسد حجه كما سبق وعليه بدنة.
فإن وطئ بعد التحلل الأول وقبل الثانى فعليه شاة، ولا يفسد حجه.
عن ابن عباس: "أنه سئل عن رجل وقع على أهله وهو محرم، وهو بمنى قبل أن يفيض
فأمره أن ينحر بدنة" (2).
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه: أن رجلًا أتى عبد الله بن عمرو يسأله عن محرم
وقع بامرأة، فأشار إلى عبيد الله بن عمر، فقال: اذهب إلى ذلك فسله، قال:
فلم يعرفه الرجل، فذهبت معه، فسأل ابن عمر، فقال: بطل حجك. فقال
__________
(1) صحيح الأسناد: [الإرواء 1056]، هق (205/ 5).
(2) صحيح موقوف: [الإرواء 1044]، هق (171/ 5).
(1/263)
الرجل: فما أصنع؛ قال: اخرج مع الناس،
واصنع ما يصنعون، فهذا أدركت قابلًا فحج واهد. فرجع إلى عبد الله بن عمرو،
وأنا معه، فأخبره، فقال: اذهب إلى ابن عباس فسله. قال شعيب: فذهبت معه إلى
ابن عباس فسأله، فقال له كما قال ابن عمر، فرجع إلى عبد الله بن عمرو، وأنا
معه، فأخبره بما قال ابن عباس، ثم قال: ما تقول أنت؛ فقال: قولى مثل ما
قالا" (1).
وعن سعيد بن جبير "أن رجلًا أهلّ هو وامرأته جميعًا بعمرة، فقضت مناسكها
إلا التقصير، فغشيها قبل أن تقصر، فسأل ابن عباس عن ذلك فقال: إنها لشبقة -
فقيل له: إنها تسمع، فاستحيا من ذلك وقال: ألا أعلمتموني؟ وقال لها: أهريقي
دمًا. قالت: ماذا؛ قال: انحرى ناقة أو بقرة أو شاة. قالت: أي ذلك أفضل؟
قال: ناقة" (2).
ومن لم يجد الناقة أو الشاة فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.
لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا
اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ في الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (3).
والأفضل أن يقدم صوم الثلاثة أيام قبل يوم عرفة، فإن لم يفعل جاز له صوم
أيام التشريق، لقول ابن عمر وعائشة: "لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا
لمن لم يجد الهدى" (4).
تنبيه: "ومثل الرجل في هذا المرأة، سواء بسواء، غير أنها إذا كانت مكرهة في
وطئها فلا هدى عليها، وأيضًا فإن حجها صحيح، بخلاف حج زوجها الواطئ" (5).
__________
(1) صحيح: [الإرواء 234/ 4]، هق (167/ 5).
(2) صحيح: [الإرواء 233/ 4]، هق (172/ 5).
(3) البقرة: 196.
(4) صحيح: [الإرواء 1042]، خ (1997/ 242/ 4).
(5) ارشاد السارى.
(1/264)
عن سعيد بن جبير قال: "جاء رجل إلى ابن
عباس فقال: وقعت على امرأتى قبل أن أزور. فقال: إن كانت أعانتك فعلى كل
منكما ناقة حسناء جملاء. وإن كانت لم تعنك فعليك ناقة حسناء جملاء" (1).
الدماء في الحج (*):
1 - دم التمتع والقران، وهو الدم الذي يجب على الحاج الذي لبىّ بعمرة
متمتعا بها إلى الحج، أو لبىّ بحج وعمرة قارنا بينهما، لقوله تعالى:
{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ
وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (2).
2 - دم الفدية، الذي يجب علي الحاجِ إذا حلق شعره لمرض أو شيء مؤذ، لقوله
تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ
فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (2).
3 - دم الجزاء، وهو الدم الذي يجب على المحرم إذا قتل صيدًا بريًا، أما صيد
البحر فلا شيء منه عليه (وقد سبق قريبا الكلام عن هذا الدم).
4 - دم الإحصار، ويكون بسبب انحباسه عن إتمام المناسك لمرض أو عدو أو غير
ذلك، ولا يكون قد اشترط عند إحرامه، لقوله تعالى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (2).
5 - دم الوطء وهو دم يفرض على الحاج إذا وطئ أثناء حجه (وقد سبق قريبا).
__________
(1) صحيح: [الإرواء 1044]، هق (168/ 5).
(*) نقلا من "إرشاد السارى" مع زيادة الآية.
(2) البقرة (196).
(1/265)
العمرة
" العمرة من أجلّ العبادات، وأفضل القربات، التي يرفع الله بها لعباده
الدرجات، ويحط عنهم بها الخطيئات، وقد حضّ عليها النبي - صلى الله عليه
وسلم - قولًا وعملًا، فقال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما" (1).
وقال: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفى
الكير خبث الحديد والذهب والفضة" (2).
واعتمر عليه الصلاة والسلام، واعتمر معه أصحابه في حياته وبعد مماته" (3).
أركانها:
1 - الإحرام، وهو نيّة الدخول فيهلا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّما
الأعمال بالنيات" (4).
2، 3 - الطواف، والسعى: لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ
الْعَتِيقِ} (5). وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ
شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية (6). ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اسعوا فإن
الله كتب عليكم السعى" (7).
4 - الحلق أو التقصير: لحديث ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: "من لم يكن معه هدى فليطف بالبيت، وبيّن الصفا والمروة، وليقصر
وليحلل" (8).
__________
(1) متفق عليه: خ (1773/ 597/ 3)، م (1349/ 983/ 2)، ت (937/ 206/ 2)، نس
(115/ 5)، جه (2888/ 964/ 2).
(2) صحيح: [ص. ج 2899]، ت (807/ 153/ 2)، نس (115/ 5).
(3) إرشاد السارى.
(4) سبق.
(5) الحج: 29.
(6) البقرة: 158.
(7) سبق.
(8) متفق عليه: خ (1691/ 539/ 3)، م (1227/ 901/ 2)، د (1788/ 237/ 5)، نس
(151/ 5).
(1/266)
واجباتها:
يجب على من أراد العمرة أن يحرم بها من الميقات إن كان مقيما قبله، فإن كان
مقيما بعد الميقات فإنه يحرم من منزله. وأما المقيم بمكة فإنه يجب عليه أن
يخرج إلى الحل فيحرم منه، لأمره - صلى الله عليه وسلم - عائشة أن تحرم من
التنعيم" (1).
وقتها:
جميع أيام السنة وقت للعمرة، إلا أنها في رمضان أفضل منها في غيره، لقوله -
صلى الله عليه وسلم -: "عمرة في رمضان تعدل حجة" (2).
جوازها قبل الحج:
عن عكرمة بن خالد: "أنه سأل ابن عمر - رضي الله عنهما - عن العمرة قبل الحج
فقال: لا بأس. قال عكرمة: قال ابن عمر: اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم -
قبل أن يحج" (3).
تكرار العمرة (*):
اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر في أربع سنوات، لم يزد في كل
سفرة على عمرة واحدة، ولا أحد ممن معه من الصحابة - رضي الله عنهم -، ولم
يبلغنا أن أحدا منهم جمع بين عمرتين في سفر واحد، سواء في حياته أم بعد
وفاته، إلا عائشة - رضي الله عنها -، حين حاضت في حجها مع النبي - صلى الله
عليه وسلم -، فأمر أخاها عبد الرحمن ابن أبي بكر أن يخرج بها إلى التنعيم
لتهل بالعمرة؛ لأنها ظنت أن عمرتها التي
__________
(1) متفق عليه: خ (1784/ 606/ 3)، م (1212/ 880/ 2)، د (1979/ 474/ 5)، ت
(938/ 206/ 2) جه (2999/ 997/ 2).
(2) صحيح: [ص. ج 4097]، ت (943/ 208/ 2)، جه (2993/ 996/ 2).
(3) صحيح: [مختصر خ 862]، خ (1774/ 598/ 3).
(*) إرشاد السارى.
(1/267)
قرنتها بحجها بطلت، فبكت، فأذن لها الرسول
عليه السلام أن تعتمر تطييبًا لنفسها.
وهذه العمرة التي اعتمرتها عائشة خاصة بها، بدليل أنه لم يعرف عن أحد من
الصحابة رجالا ونساء أنه اعتمر بعد حِجه من التنعيم، كما صنعت عائشة - رضي
الله عنها -، ولو علم الصحابة أن صنيع عائشة مشروع لهم بعد حجهم لاستفاض
النقل عنهم في ذلك. قال الإِمام الشوكاني - رحمه الله -: "ولم يعتمر -أي
النبي- (صلى الله عليه وسلم)، خارجا من مكة إلى الحل، ثم يدخل مكة بعمرة،
كما يفعل الناس اليوم، ولا ثبت عن أحد من الصحابة فعل ذلك".
وكما لم يثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم تكرار العمرة بعد الحج، فإنه لم
يثبت عنهم تكرارها في سائر أيام السنة، وكانوا ينتابون مكة للعمرة أفرادًا
وجماعات، وهم يعلمون أن العمرة هى الزيارة للطواف بالبيت والسعى بين الصفا
والمروة، ويعلمون أيضًا أن الطواف بالبيت أفضل من السعى يقينا، فبدل أن
يشغلوا أنفسهم بالخروج إلى التنعيم، والاشتغال بأعمال عمرة جديدة يتبعونها
عمرتهم التى سبقتها فأولى أن يطوفوا بالبيت، ومعلوم أن الوقت الذي يصرفه من
يخرج إلى التنعيم ليهل بعمرة جديدة يستطيع أن يطوف بالبيت مئات الأشواط في
هذا الوقت الذي يصرفه المعتمر في عمرة جديدة. يقول طاووس - رحمه الله -
"الذين يعتمرون من التنعيم ما أدرى يؤجرون عليها أو يعذبون!! قيل له:
يعذبون؟ قال: لأنّه يدع الطواف بالبيت، ويخرج إلى أربعة أميال، ويجئ، وإلى
أن يجئ من أربعة أميال يكون قد طاف مئتى طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل
من أن يمشي في غير شيء".
فالقول بعدم مشروعية تكرار العمرة هو ما دلت عليه السنة النبوية العملية
ودل عليه فعل الصحابة رضوان الله عليهم. وقد أمرنا نبينا عليه السلام بلزوم
سنته وسنة خلفائه من بعده، فقال: "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء المهديين
الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ".
(1/268)
زيارة المدينة
المنورة (*):
فضل المدينة:
عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "إن الله
تعالى سمى المدينة طابة" (1).
وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن المدينة
كالكير، تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفى الدينة شرارها، كما ينفي
الكبير خبث الحديد" (2).
فضل مسجدها وفضل الصلاة فيه:
عن أبي هريرة، يبلغ به عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تشد الرحال
إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدى هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى" (3).
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة في مسجدى هذا خير
من ألف صلاة في غيره من المساجد، إلا المسجد الحرام" (4).
وعن عبد الله بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما بين
بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنّة" (5).
آداب زيارة المسجد والقبر الشريفين:
إن الأفضلية التي اختص بها المسجد النبوى الشريف، والمسجد الحرام، والمسجد
الأقصى، هى تكريم من الله سبحانه لهذه المساجد الثلاثة، وتفضيل
__________
(*) إرشاد السارى.
(1) صحيح: [ص. ج 1775]، م (1385/ 1007/2)
(2) صحيح: [مختصر مسلم 782]، م (1381/ 1005/ 2).
(3) متفق عليه: خ (1189/ 63/3)، م (1397/ 1014/ 2)، د (2017/ 15/ 6)، نس
(37/ 2).
(4) متفق عليه: خ (1190/ 63/ 3)، م (1394/ 1012/ 2)، ت (324/ 204/ 1)، نس
(35/ 2).
(5) متفق عليه: خ (1195/ 70/ 3)، م (1390/ 1010/ 2)، نس (35/ 2).
(1/269)
للصلاة فيها على الصلاة في غيرها، فمن
جاءها فإنّما يجيئها رغبة في تحصيل الثواب وتلبية لدعوة النبي - صلى الله
عليه وسلم - في الحث على شد الرحل إليها وزيارتها.
وليست لهذه المساجد الثلاثة آداب تختص بها من بين سائر المساجد، غير أن
لَبْسًا قد يخالط بعض الناس، فيجعلون للمسجد النبوى آدابا خاصة به، وما كان
هذا اللبس ليكون لولا وجود القبر الشريف داخل المسجد.
وحتى يكون المسلم على بينة من أمره إذا قدم المدينة، وأراد أن يزور المسجد
النبوى نورد آداب زيارته:
1 - إذا دخل فليدخل برجله اليمنى، ثم ليقل: "اللهم صلِّ على محمَّد وسلِّم،
اللهم افتح لي أبواب رحمتك" (1). أو "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم،
وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم" (2).
2 - ثم يصلي ركعتي تحية المسجد قبل أن يجلس.
3 - وليحذر الصلاة إلى جهة القبر الشريف، والتوجه إليه حيثما يدعو.
4 - ثم يذهب إلى القبر الشريف ليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -،
وليحذر وضع يديه على صدره، وطأطأة الرأس، والتذلل الذي لا ينبغى إلا لله
وحده، والاستغاثة بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. وليسلم على النبي عليه
الصلاة والسلام بالكلمات والألفاظ التي كان يسلم بها على أهل البقيع، وقد
صحت عنه صلوات الله وسلامه عليه صيغ عدة، منها: "السلام على أهل الديار من
المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء
الله بكم للاحقون" (3). ويسلم على صاحبيه أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -
بالسلام نفسه.
5 - وليس من الأدب أن يرفع صوته في المسجد، أو عند القبر الشريف، فليكن
صوته خفيفًا، إذ الأدب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ميتا كالأدب معه
حيا.
__________
(1) و (2) سبقا.
(3) سبق.
(1/270)
6 - وليحرص على الصلاة في جماعة في الصفوف
الأولى، لما في ذلك من الفضل الجم والثواب العظيم.
7 - ولا يحمله الحرص على الصلاة في الروضة أن يتأخر ممن الصفوف الأولى،
فليس للصلاة في الروضة فضل يميزها من الصلاة في سائر أجزاء المسجد.
8 - وليس من السنة أن يحرص على الصلاة في المسجد أربعين صلاة متوالية بناء
على الحديث الذي اشتهر على ألسنة الناس تداوله: "من صلى في مسجدى أربعين
صلاة لا يفوته صلاة كتبت له براءة من النار، ونجا من العذاب، وبرىء من
النفاق" (1). فهذا حديث ضعيف لا يصح.
9 - وليس مشروعا أن يكثر التردد على القبر الشريف للسلام على الرسول - صلى
الله عليه وسلم -، فالسلام عليه يبلغه حيثما كان، ولو كان في أقصى الأرض
فهو ومَنْ أمام القبر سواء في الحصول على ثواب الصلاة والسلام على رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -.
10 - وإذا خرج من المسجد لا يمشي القهقرى، وليخرج برجله اليسرى قائلا:
"اللهم صل على محمَّد، اللهم إني أسألك من فضلك" (2).
مسجد قباء:
يسن لمن أتى المدينة أن يؤم مسجد قباء، فيصلى فيه، اقتداء برسول الله - صلى
الله عليه وسلم -، حيث "كان عليه الصلاة والسلام يتعاهده بالزيارة ماشيًا
وراكبا، ويأتيه يوم السبت فيصلى فيه ركعتين" (3). وكان - صلى الله عليه
وسلم - يقول: "من تطهر في بيته ثم أتي مسجد قباء فصلى فيه، كان له كأجر
عمرة" (4).
__________
(1) أخرجه الالبانى في الضعيفة (364) وقال: أخرجه أحمد (3/ 155) والطبراني
في "المعجم الأوسط" (1/ 125/ 2) من "زوائد المعجمين" من طريق عبد الرحمن بن
أبي الرجال عن نبيط بن عمرو عن أنس ابن مالك مرفوعًا. وقال الطبراني: لم
يروه عن أنس إلا نبيط تفرد به عبد الرحمن. قال الالبانى: وهذا سند ضعيف،
نبيط هذا لا يعرف إلا في هذا الحديث أهـ.
(2) سبق.
(3) متفق عليه: خ (1193، 1194/ 69/ 3)، م (1399/ 1016/ 2)، د (2024/ 25/
6)، نس (37/ 2).
(4) صحيح: [ص. جه 1160]، جه (1412/ 453 /1).
(1/271)
البقيع واحد:
البقيع مقبرة المسلمين بالمدينة، وفيه دفن خلق كثير من الصحابة، ومازال
يدفن فيه المسلمون إلى أيام الناس هذه، وكثيرهم أولئك الذين يأتون المدينة
طمعا في الموت بها ليدفنوا في البقيع.
و"أُحد جبل يحبنا ونحبه" (1). وفي حضنه دفن بضعة وسبعون شهيدًا، من شهداء
الغزوة التي دارت رحاها في أحضانه، ونسبت إليه فسميت غزوة أحد.
فإذا أراد أحد قدم المدينة أن يزور البقيع أو شهداء أُحد فلا مانع، فقد كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن زيارة القبور ثم أذن بها، لتذكر
الآخرة والاتعاظ بمصائر من فيها. ولكن يجب الحذر من التبرك بالقبور،
والاستغاثة بأهلها، والاستشفاع بهم لدى الأحياء، والتوسل بهم إلى ربِّ
العباد.
ولا يشرع لمن يأتى أحدًا أن يقصد ما يقال بأنه مصلى النبي - صلى الله عليه
وسلم - في سفح الجبل ليصلى فيه، أو أن يصعد أُحدًا تبركا، أو يصعد جبل
الرماة تتبعا لآثار الصحابة، فذلك وغيره مما يكون من غير السلام والدعاء
للشهداء ليس مشروعا ولا مستحبا شَرْعًا، بل هو من الأمور المحدثة المنهى
عنها، وفي ذلك يقول عمر - رضي الله عنه -: "إنّما هلك من كان قبلكم بتتبعهم
آثار أنبيائهم". فليكن لنا في كلام عمر - رضي الله عنه - مقنع ومقطع.
المزارات:
هناك أماكن أخرى في المدينة المنورة تعرف بالمزارات، كالمساجد السبعة
القريبة من موقع غزوة الخندق، ومسجد القبلتين، وبعض الآبار، ومسجد الغمامة،
والمساجد التي تنسب لأبي بكر، وعمر، وعائشة- رضي الله عنهم - جميعًا، فكل
هذه الأماكن لا يشرع تخصيصها بالزيارة، ولا يحسبن الزائر لها أنه بزيارتها
__________
(1) متفق عليه: خ (4083/ 377/ 7)، م (1393/ 1011/ 2).
(1/272)
يحصل على زيادة ثواب، فإن تتبع آثار
الأنبياء والصالحين كانت سببا في هلاك الأمم من قبلنا، ولا يحسن بالمسلمين
أن يخالفوا هدى نبيهم محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وهدى أصحابه رضوان
الله عليهم، فإن الخير كل الخير في هديه وهديهم، والشر كل الشر في المخالفة
عن هديه وهديهم.
تنبيهان مهمان جدًا:
الأول: يحرص كثير من الحجاج على المكث في المدينة المنورة أياما أكثر من
الأيام التي يمكثونها في مكة، مع أن الصلاة في المسجد الحرام تعدل مئة ألف
في غيره من المساجد، أما الصلاة في المسجد النبوى فهي كألف صلاة فيما سواه.
وهذا الفرق الكبير في الفضل بين الصلاة في مكة وبيّن الصلاة في المدينة
ينبغي أن يكون فيه مقنع لأولئك الحجاج أن يكون مكثهم في مكة أكثر منه في
المدينة.
الثاني: كثير من الحجاج يظنون أن زيارة المسجد النبوي هي من مناسك الحج،
ولذا فإنهم يحرصون عليها كحرصهم على مناسك الحج، حتى لو أن رجلًا حج ولم
يأت المدينة فعندهم أن حجه ناقص!!
ويروون في ذلك أحاديث موضوعة مثل من حج فلم يزرنى فقد جفانى.
والأمر على غير ما يظن هؤلاء، فزيارة المسجد النبوى سنة شرعها الرسول - صلى
الله عليه وسلم - للصلاة فيه، لكن لا علاقة بين الزيارة وبيّن الحج، ولا
يترتب على عدم زيارة المسجد صحة للحج، بل ولا كمال له؛ لأن زيارة المسجد
النبوى ليست من مناسك الحج، بل هي مشروعة لذاتها وحدها.
* * *
(1/273)
|