الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز

كتاب الفرائض

(1/415)


تعريفها (*):
الفرائض: جمع فريضة. والفريضة مأخوذة من الفرض بمعنى التقدير:
يقول الله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتمْ} (1) أي: قدّرتم.
والفرض في الشرع: هو النصيب المقدر للوارث.

التحذير من التعدّى في المواريث:
لقد كان العرب في الجاهلية قبل الإِسلام يورّثون الرجال دون النساء، والكبار دون الصغار فلما جاء الإِسلام أعطى الله كل ذى حق حقه، وسمى هذه الحقوق {وَصِيَّةً مِّنَ اللهِ} (2) {فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ} (3)، ثم عقّب على ذلك بالتحذير الشديد، والوعيد الأكيد يخالف شرع الله في المواريث، فقال تعالى:
{{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (4).
ما يورث من مال المُتَوفَّى:
إذا مات الإنسان بُدئ من تركته بمؤنة تجهيزه ودفنه، ثم بقضاء دينه، ثم
__________
(*) فقه السنة (424/ 3).
(1) البقرة: 237.
(2) النساء: 12.
(3) النساء: 11.
(4) النساء: 13، 14.

(1/416)


بوصيته فإن بقى شيء قسم على ورثته، لقوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْن ٍ} ولقول علىّ رضي الله عنه: "قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدِّين قبل الوصية" (1).

أسباب الإرث:
وأسباب الإرث ثلاثة:
1 - النسب: لقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (2).
2 - الولاء: لحديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الولاء لحمة كلحمة النسب" (3).
3 - النكاح: لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} (4).

موانع الإرث:
1 - القتل: عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "القاتل لا يرث" (5).
2 - اختلاف الدين: عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم" (6).
3 - الرّق: لأن العبد وما مَلَك مِلكٌ لسيده، فلو ورث قريبه لكان التوريث
لسيده دونه.
__________
(1) سبق قريبا 410.
(2) الأحزاب: 6.
(3) صحيح: [ص. ج 7157]، كم (341/ 4)، هق (292/ 10).
(4) النساء: 12.
(5) صحيح: [ص. ج 4436]، [الإرواء 1672]، ت (2192/ 288/ 3)، جه (2645/ 883/ 2):
(6) متفق عليه: خ (6764/ 50/ 12)، م (1614/ 1233/ 3)، ت (3189/ 286/ 3)، جه (2729/ 911/ 2) , د (2892/ 120/ 8).

(1/417)


الوارثون من الرجال:
والوارثون من الرجال عشرة:
1، 2 - الابن وابنه وإن نزل، لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}.
3، 4 - الأب وأبوه وان علا، لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} والجد أب، ولذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أنا ابن عبد المطلب" (1).
5، 6 - الأخ وابنه وان تراخى، لقوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ}
7، 8 - العم وابنه وان تباعد، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فهو لأولى رجل ذكر".
9 - الزوج، لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}.
10 - المولى المعتق: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الولاء لمن أعتق" (2).

الوارثات من النساء:
والوارثات من النساء سبع:
1، 2 - البنت وبنت الابن وإن نزل أبوها: لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}.
3، 4 - الأم والجدّة، لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}.
5 - الأخت، لقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ}.
__________
(1) متفق عليه خ (4315/ 27/ 8)، م (1776/ 1400/ 3)، ت (1738/ 117/ 3).
(2) متفق عليه: خ (6732/ 11/ 12)، م (1615/ 1233/ 3)، ت (2179/ 283/ 3)، وبنحوه رواه: د (2881/ 104/ 8)، جه (2740/ 915/ 2).

(1/418)


6 - الزوجة: لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ}.
7 - المولاة المعتقة: لقوله - صلى الله عليه وسلم -:"الولاء لمن أعتق" (1)

المستحقون للتركة:
المستحقون للتركة ثلاثة: ذو فرض، وعصبة، ورحم.
والفروض المقدرة في كتاب الله تعالى ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس.
- فالنصف فرض خمسة:
1 - الزوج إذا لم يكن للزوجة ولد: لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ}.
2 - البنت: لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}.
3 - بنت الابن: لأنها تقوم مقام البنت بالإجماع:
قال ابن المنذر (2): أجمعوا على أن بني الابن، وبنات الابن، يقومون مقام البنين والبنات ذكورهم كذكورهم، وإناثهم كإناثهم، إذا لم يكن للميت ولد لصلبه اهـ.
4، 5 - الأخت الشقيقة والأخت لأب: لقوله تعالى:
{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ}.
- والربع فرض اثنين:
1 - الزوج إن كان للزوجة ولد، لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ}.
2 - الزوجة إن لم يكن للزوج ولد، لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ}.
__________
(1) متفق عليه: خ (456/ 550/ 1)، م (1504/ 1141/ 2)، د (3910/ 438/ 10)، جه (2521/ 842/ 2).
(2) الإجماع (79).

(1/419)


- والثمن فرض واحد: وهو الزوجة إن كان للزوج ولد، لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ}.
- والثلثان فرض أربعة:
1 - 2 - البنتان وبنتا الابن: لقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ}.
4،3 - الأختان الشقيقتان، والأختان لاب، لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ}.
- والثلث فرض اثنين:
1 - الأم إذا لم تحجب لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}.
2 - الاثنان فصاعدا من الأخوة والاخوات لأم، لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}.
- والسدس فرض سبعة:
1 - الأم مع الولد أو الأخوة، لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}.ً
2 - الجدة عند عدم الأم: قال ابن المنذر (1): أجمعوا على أن للجدة السدس إذا لم تكن للميت أم.
3 - الواحد من ولد الأم ذكرا كان أم أنثى: لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}
__________
(1) الإجماع (84).

(1/420)


4 - بنت الابن مع بنت الصلب: لحديث أبى قيس قال:
سمعت هزيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت. فقال: للابنة النصف، وللأخت النصف، وأت ابن مسعود فسُيتابعني. فسئل ابن مسعود، وأخبر بقول أبى موسى، فقال: لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، أقضى فيها بما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم -: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس، تكملة الثلثين، وما بقى فللأخت.
فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود، فقال: لا تسألونى ما دام هذا الحبر فيكم" (1).
5 - الأخت من الأب مع الأخت الشقيقة: تكملة للثلثين، قياسًا علي بنت الابن مع بنت الصلب.
6 - الأب مع الولد: لقوله تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكلِّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كانَ لَهُ وَلَدٌ}.
7 - الجد عند عدم الأب: قال ابن المنذر (2): وأجمعوا أن حكم الجد حكم الأب. اهـ.

العصبة:
تعريفها (3):
العَصَبَة: جمع عاصب، كطالب وطلبة وهم بنو الرجل وقرابته لأبيه.
والمقصود بهم هنا: من يصرف لهم الباقي بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم، فهذا لم يفضل شيء منهم لم يأخذوا شيئًا إلا إذا كان العاصب ابنا فإنه لا يحرم بحال.
__________
(1) صحيح: [الإرواء 1683]، خ (6736/ 17/ 12)، د (2873/ 97/ 8)، ت (2173/ 285/ 3)، وليس عندهما الجملة الأخيرة.
(2) الإجماع (84).
(3) فقه السنة (437/ 3).

(1/421)


والعصبة كذلك هم المستحقون للتركة كلها إذا لم يوجد من أصحاب الفروض أحد:
عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فهو لأولى رجل ذكر" (1).
وقال تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} فأضاف جميع الميراث إلى الأخ حين ينفرد، وقيس عليه باقى العصبات.

أقسامها (2):
تنقسم العصبة إلى قسمين: عصبة نسبية، وعصبة سببية:
فالعصبة السببية: ما كان سببها العتق: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الولاء لمن أعتق" (3)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الولاء لحمة كلحمة النسب" (4).
ولا يرث المولى المعتق إلا إذا عدمت العصبات من النسب.
ولا فرق بين أن يكون المعتق ذكرا أو أنثى.
عن عبد الله بن شداد عن بنت حمزة قالت: "مات مولاي وترك ابنة، فقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماله بيني وبين ابنته، فجعل لي النصف، ولها النصف" (5).
وأما العصبة النسبية فهي ثلاثة أصناف:
1 - عصبة بنفسه: وهم الرجال الوارثون إلا الزوج وولد الأم.
2 - عصبة بغيره: وهن البنات وبنات الابن، والأخوات الشقيقات والأخوات لأب، فكل واحدة منهن مع أخيها عصبة به، لها نصف ما له لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}.
3 - عصبة مع غيره: وهن الأخوات مع البنات لحديث ابن مسعود (6) "وما بقى فللأخت".
__________
(1) و (3) و (4) سبقت هذه الأحاديث قريبا.
(2) فقه السنة (3/ 437).
(5) حسن: [ص. جه 2210]، جه (2734/ 913/ 2)، كم (66/ 4).
(6) سبق قريبا.

(1/422)


الحجب والحرمان (1)
تعريفهما:
الحجب لغة: المنع. والمقصود به منع شخص معين من ميراثه كله أو بعضه لوجود شخص آخر.
والحرمان: المقصود به منع شخص معين من ميراثه بسبب تحقق مانع من موانع الإرث كالقتل ونحوه من الموانع.

أقسام الحجب:
الحجب نوعان: حجب نقصان، وحجب حرمان.
فحجب النقصان هو نقص ميراث أحد الورثة لوجود غيره، ويكون لخمسة أشخاص:
1 - الزوج يُحجب من النصف إلى الربع عند وجود الولد.
2 - الزوجة تُحجب من الربع إلى الثمن عند وجود الولد.
3 - الأم تُحجب من الثلث إلى السدس عند وجود الفرع الوارث.
4 - بنت الابن.
5 - الأخت لأب.
وأما حجب الحرمان: فهو منع جميع الميراث عن شخص لوجود غيره، كمنع ميراث الأخ عنه عند وجود الابن، وهذا النوع لا يدخل في ميراث ستة من الوارثين، وإن جاز أن يحجبوا حجب نقصان، وهم:
1، 2 - الأبوان: الأب والأم.
3، 4 - الولدان: الابن والبنت.
5، 6 - الزوجان.
__________
(1) فقه السنة (440 و 441/ 3).

(1/423)


ويدخل حجب الحرمان فيما عدا هؤلاء من الورثة.
وحجب الحرمان قائم على أساسين:
1 - أن كل من ينتمي إلى الميت بشخص لا يرث مع وجود ذلك الشخص، كابن الابن، فإنه لا يرث مع وجود الابن، سوى أولاد الأم، فإنهم يرثون معها مع أنهم ينتمون إلى الميت بها.
2 - يقدم الأقرب على الأبعد، فالابن يحجب ابن أخيه، فإن تساووا في الدرجة يرجح بقوة القرابة، كالأخ الشقيق يحجب الأخ لأب.

(1/424)