الوجيز
في فقه السنة والكتاب العزيز كتاب الحدود
(1/425)
تعريفها:
" الحدود: جمع حد، والحدّ في الأصل: الشيء الحاجز بين شيئين.
وهو في اللغة: بمعنى المنع" (1).
واصطلاحا: "هى العقوبات المقدرة شرعًا في المعاصي، لتمنع من الوقوع في
مثلها" (2).
جرائم الحدود:
" وقد قرر الكتاب والسنة عقوبات محددة لجرائم معينة، تسمى "جرائم الحدود"،
وهي: الزنا، والقذف، والسرقة، والسكر، والمحاربة، والردة، والبغي (3).
فضل إقامتها:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"حدُّ يُعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا" (4).
وجوب إقامتها على القريب والبعيد، والشريف
والوضيع:
عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"أقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم" (5).
وعن عائشة "أن أسامة كلّم النبي - صلى الله عليه وسلم - في امرأة، فقال:
"إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا يقيمون الحدّ على الوضيع، ويتركون على
الشريف. والذي
__________
(1) فقه السنة (302/ 2).
(2) منار السبيل (360/ 2).
(3) فقه السنة (302/ 2).
(4) حسن: [ص. جه 2057]، جه (2538/ 848 / 2)، نس (76/ 8).
(5) حسن: [ص. جه 2058]، جه (2540/ 849/2).
(1/427)
نفسى بيده: لو فاطمة فعلت ذلك لقطعت يدها"
(1).
كراهية الشفاعة في الحدّ إذا رُفع إلى السلطان:
عن عائشة رضي الله عنها: أن قريشًا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت.
فقالوا: من يكلّم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ومن يجترئ عليه
إلا أسامة حِبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فكلم رسولَ الله - صلى
الله عليه وسلم -، فقال: "أتشفع في حدّ من حدود الله"؛ ثم قام فخطب فقال:
"يا أيها الناس، إنما ضلّ من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه،
وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحدّ، وإيم الله لو أن فاطمة بنت محمد
سرقت لقطع محمد يدها" (2).
استحباب الستر على المؤمن:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ستر مسلما
ستره الله في الدنيا والآخرة" (3).
ويستحب أيضًا أن يستر العبد على نفسه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل
أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم
يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات
يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عليه" (4).
__________
(1) صحيح: [الإرواء 2319]، خ (6887/ 86/ 12).
(2) متفق عليه: خ (87/ 6788/ 12)، م (1688/ 315/ 13)، د (4351/ 31/ 12)، نس
(74/ 8) ت (1455/ 442/ 2)، جه (2547/ 851/ 2).
(3) صحيح: [مختصر م 1888]، م (2699/ 2074/ 4)، ت (1449/ 539/ 2)، جه (225/
82/ 1) د (4925/ 289/ 13).
(4) متفق عليه: خ (6069/ 486/ 10)، م (2990/ 2291/ 4).
(1/428)
الحدود كفارة:
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم
- في مجلس، فقال: "بايعونى على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا
تزنوا، وقرأ هذه الآية كلها. "فمن وفّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من
ذلك شيئًا فعوقب به فهو كفارته، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله عليه فهو
إلى الله، إن شاء غفر له، وإن شاء عاقبه" (1).
مَن يقيم الحدود (2):
ولا يقيمها إلا الإِمام أو نائبه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - يقيم الحدود
في حياته، وكذا خلفاؤه من بعده، وأناب - صلى الله عليه وسلم - في إقامة
الحدود فقال: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها" (3).
ويجوز للسيد أن يقيم الحدّ على مملوكه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -:
"إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرّب عليها، ثم إن زنت
الثانية فليجلدها الحد ولا يثرّب عليها، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو
بحبل من شعر" (4).
__________
(1) متفق عليه: خ (18/ 64/ 1)، م (1709/ 1333/ 3)، نس (148/ 7).
(2) منار السبيل (361/ 2).
(3) سيأتى في قصة قريبا.
(4) متفق عليه: خ (6839/ 165/ 12)، م (1703/ 1328/ 3).
(1/429)
حدّ الزنا
الزنا حرام، وهوِ من أكبر الكبائر:
قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ
سَبِيلًا} (1).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قلت: ثم أي؟ قال:
أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تزانى بحليلة جارك"
(*) (2).
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا
يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا
يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ
الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا
مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ
اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} (3) الآية.
وفي حديث سمرة بن جندب الطويل في رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال
النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فانطلقنا فأتينا على مثل التنور. قال:
وأحسب أنه كان يقول: فإذا فيه لغط وأصوات قال: فاطلعنا فيه، فإذا رجال
ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب
ضَوضَوا. قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ .. قالا: وأما الرجال والنساء العراة
الذين في مثل التنور فهم الزناة والزوانى" (4).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"لا يزنى العبد حين يزنى وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب
حين يشرب وهو مؤمن، ولا يقتل وهو مؤمن".
__________
(1) الإسراء: 32.
(*) حليلة الجار: التي يحل له وطؤها، وقيل التي تحل له في فراسن واحد.
(2) متفق عليه: خ (6811/ 1214/ 1)، م (86/ 90/ 1)، د (2293/ 422/ 6)، ت
(3232/ 17/ 5).
(3) الفرقان: 68: 70.
(4) صحيح: [ص. ج 3462]، خ (7047/ 438/12).
(1/430)
قال عكرمة: قلت لابن عباس: كيف ينزع
الإيمان منه؟ قال هكذا -وشبك بين أصابعه ثم أخرجها- فإن تاب عاد إليه هكذا
- وشبك بين أصابعه (1).
أقسام الزناة:
الزانى إما أن يكون بكرًا أو محصنا:
فإذا زنا الحر المحصن (2) المكلف مختارًا فحدّه الرجم حتى يموت:
عن جابر بن عبد الله الأنصارى "أن رجلًا من أسلم أتى رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - فحدثه أنه قد زنى، فشهد على نفسه أربع شهادات، فأمر به رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - فرُجم، وكان قد أحصن" (3).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوما
فقال:
إن الله بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان
مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل:
والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله
والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت
البينة أو كان الحبل أو الاعتراف (4).
حدّ الرقيق:
وإذا زنا غير الحر -عبدًا كان أو أمة- فلا رجم عليه، ولكن يجلد خمسين
__________
(1) صحيح: [ص. ج 7708]، خ (6809/ 114/ 12)، نس (63/ 8) بدون الموقوف.
(2) المحصن: هو من سبق له الوطء بنكاح صحيح. والمكلف: هو البالغ العاقل،
فلا حدّ على الصبي والمجنون، لحديث "رفع القلم عن ثلاثة" وقد سبق مرارا.
(3) صحيح [ص. د 3725]، ت (1454/ 441/ 2)، د (4407/ 112/ 12).
(4) متفق عليه: خ (6830/ 144/ 12)، م (1691/ 1317/ 3)، د (4395/ 97/ 12) ت
(1456/ 442/2).
(1/431)
جلدة، لقوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ
فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى
الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (1).
وعن عبد الله بن عياش المخزومى قال: "أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش،
فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة، خمسين خمسين في الزنا" (2).
من أُكره على الزنا فلا حدّ عليه:
عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: "أُتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة
جهدها العطش، فمرت على راع فاستسقت، فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها،
ففعلت، فشاور الناس في رجمها، فقال عليّ رضي الله عنه: هذه مضطرة أرى أن
تخلى سبيلها، ففعل" (3).
حدّ البكر:
قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ
إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ
عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (4).
وعن زيد بن خالد الجهني قال: "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر فيمن
زنى ولم يحصن جلد مائة وتغريب عام" (5).
وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا
عني، خذوا عني،
__________
(1) النساء 25.
(2) حسن: [الإرواء 2345]، ما (1508/ 594)، هق (242/ 8).
(3) صحح: [الإرواء 2313]، هق (236/ 8).
(4) النور: 2.
(5) صحيح: [الإرواء 2347]، خ (6831/ 156/ 12).
(1/432)
قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد
مائة ونفى سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" (1).
بم يثبت الحدّ؟
" يثبت الحدّ بأحد أمرين: الإقرار، أو الشهود (2) ":
أما الإقرار فلرجمه - صلى الله عليه وسلم - ماعزًا والغامدية بإقرارهما على
أنفسهما:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما أتى ماعزُ بن مالك النبي - صلى الله
عليه وسلم - قال له: لعلّك قبّلت أو غمزت أو نظرت؟ قال: لا يا رسول الله.
قال: أنكتها؟ -لا يكنى- قال؟ فعند ذلك أمر برجمه" (3).
وعن سليمان بن بريدة عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءته امرأة
من غامد من الأزد، فقالت: يا رسول الله طهرنى. فقال: "ويحك ارجعي فاستغفرى
الله وتوبي إليه" فقالت: أراك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك. قال:
"وما ذاك؟ " قالت: إنها حبلى من الزنا. قال: "أنت"؟ قالت: نعم. فقال لها:
"حتى تضعي ما في بطنك". قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت قال: فأتى
النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: قد وضعت الغامدية. فقال: "إذن لا
نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه" فقام رجل من الأنصار فقال: إلى
رضاعه يا نبى الله قال: فرجمها" (4).
فإن رجع عن إقراره تُرك: لحديث نعيم بن هزّال:
كان ماعز بن مالك يتيما في حجر أبى، فأصاب جارية من الحي ... الحديث إلى أن
قال: فأمر به أن يرجم، فأخرج به إلى الحرة، فلما رُجم فوجد مسّ الحجارة
جزع، فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس، وقد عجز أصحابه، فنزع له
__________
(1) صحيح: [مختصر م 1036]، م (1690/ 1316/ 3)، د (4392/ 93/ 12)، ت (1461/
445/ 2)، جه (2550/ 852/ 2).
(2) فقه السنة (352/ 3).
(3) صحيح: [ص. د 3724] خ (6824/ 135/ 12)، د (4404/ 109/ 12).
(4) صحيح: [مختصر م 1039]، م (1695/ 1321/ 3).
(1/433)
بوظيف بعير فرماه به فقتله، ثم أتى النبي -
صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال: "هلا تركتموه، لعله أن يتوب فيتوب
الله عليه" (1).
حكم من قال أنه زنا بفلانة:
وإذا أقرّ على نفسه أنه زنا بفلانة حُدّ هو، وإن أقرّت هى على نفسها حُدّتَ
وإلا فلا:
عن أبي هريرة وزيد بن خالد: أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله. وقال الآخر -وهو أفقههما-: أجل
يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي أن أتكلم. قال: تكلم. قال:
إن ابني كان عسيفا على هذا -قال مالك: والعسيف الأجير- فزنى بامرأته،
فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي، ثم إنى
سألت أهل العلم فأخبرونى أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام. وإنما الرجم
على امرأته. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما والذي نفسى بيده،
لأقضين بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك فرد عليك" وجَلَد ابنه مائة
وغرّبه عاما. وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها،
فاعترفت فرجمها" (2).
ثبوته بالشهود:
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا
تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (3).
__________
(1) صحيح: [ص. د 3716]، د (4396/ 99/ 12). ومعنى "وظيف بعير" هو مستدق
الذراع والساق من الخيل والابل وغيرهما.
(2) متفق عليه: خ (27، 6828/ 136/ 12)، م (97، 1698/ 1324/ 3)، د (4421/
128/ 12)، ت (1458/ 443/ 2)، جه (2549/ 852/ 2)، نس (240/ 8).
(3) النور: 4.
(1/434)
فإذا شهد أربعة رجال من المسلمين الأحرار
العدول بأنهم رأوا ذكر فلان في فرج فلانة كالمرود في المكحلة، والرشاء في
البئر، حُدّ الرجل والمرأة.
فإذا شهد ثلاثة وتَخلّف الرابع حُدّ الثلاثة حدّ القذف، للآية الكريمة،
ولما جاء عن قسامة بن زهير قال: "لما كان من شأن أبى بكرة والمغيرة الذي
كان -وذكر الحديث- قال: فدعا الشهود، فشهد أبو بكرة، وشبل بن معبد، وأبو
عبد الله نافع، فقال عمر رضي الله عنه حين شهد هؤلاء الثلاثة: شق على عمر
شأنه، فلما قدم زياد قال: إن تشهد إن شاء الله إلا بحق، قال زياد: أما
الزنا فلا أشهد به، ولكن قد رأيت أمرا قبيحا. قال عمر: الله أكبر، حدّوهم،
فجلدوهم. قال: فقال أبو بكرة بعد ما ضربه: أشهد أنه زان. فهمّ عمر رضي الله
عنه أن يعيد عليه الجلد، فنهاه عليّ رضي الله عنه وقال: إن جلدته فارجم
صاحبك. فتركه ولم يجلده" (1).
حكم من أتى ذات محرم:
ومن زنا بذات محرم فحدّه القتل، محصنًا كان أو غير محصن:
وإذا تزوجها قُتل وأخذ ماله:
عن البراء قال: "لقيت عمي ومعه الراية. فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل تزوج امرأة أبيه بعده، أن أضرب عنقه
وآخذ ماله" (2).
حكم من أتى بهيمة:
عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من وقع على بهيمة
فاقتلوه، واقتلوا
البهيمة" (3).
__________
(1) إسناده صحيح: [الإرواء 8/ 29]، هق (334/ 8).
(2) صحيح: [الإرواء 2351]، [ص. جه 2111]، د (4433/ 147/ 12)، نس (110/ 6)،
وهو عند الترمذي وابن ماجه بدون قوله "وآخذ ماله": ت (1373/ 407/ 2)، جه
(2607/ 869/ 2).
(3) حسن صحيح: [ص. ت 1176]، ت (1479/ 8/ 3)، د (4440/ 157/ 12)، جه (2564/
856/ 2).
(1/435)
حد اللواط:
وإذا أولج رجل في دبر رجل آخر فحدّهما القتل، محصنين كانا أو غير محصنين:
عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" (1).
حدّ القذف
تعريفه:
القذف: هو الرمى بالزنا، بأن يقول: يا زانٍ، أو غير ذلك من الألفاظ التي
يفهم منها رميه غيره بالزنا.
حكمه:
وهو من الكبائر المحرمة:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ
الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ
عَظِيمٌ} (2).
وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله،
والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم،
والتولى يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" (3).
ومن قذف مسلما حُدّ بجلده ثمانين جلدة، كما قال تعالى:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ
شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا
__________
(1) صحيح: [ص. جه 2075]، ت (1481/ 8/ 3)، د (4438/ 153/ 12)، جه (2561/
856/ 2).
(2) النور: 23.
(3) متفق عليه: [ص. ج 144].
(1/436)
تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا
وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1).
اللعان
إذا قذف الرجل زوجته فكذّبته فعليه الحدّ إلا أن يقيم البيّنة أو يلاعن:
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ
شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ
بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ
اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا
الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ
الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ
كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (2).
وعن ابن عِباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي - صلى الله عليه وسلم
- شريك بن سحماء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "البينة أو حدّ في
ظهرك". فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس
البينة؟ فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قول: "البينة وإلا حدّ في
ظهرك". فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، فلينزلن الله ما يبّرئ ظهري
من الحد. فنزل جبريل وأنزل عليه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}
فقرأ حتى بلغ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، فانصرف النبي - صلى الله
عليه وسلم - فأرسل إليها، فجاء هلال فشهد، والنبي يقول: "إن الله يعلم أن
أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ " ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة
وقفوها وقالوا: إنها موجبة. قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها
ترجع. ثم قالت: لا أفضح قومى سائر اليوم. فمضت. فقال النبي - صلى الله عليه
وسلم -: "أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين (*)، سابغ الإليتين، خَدَلّج
الساقين، فهو لشريك بن سحماء، فجاءت به كذلك. فقال النبي - صلى الله عليه
وسلم -: "لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن" (3).
__________
(1) النور: 4.
(2) النور 6 - 9.
(*) أكحل العينين: شديد سواد العينين مع سعيتهما. وسابغ الإليتين: أي عظيم
وتام الإليتين، وخدلج الساقين: ممتلأ الذراعين والساقين.
(3) صحيح: [الإرواء 2098]، خ (4747/ 449/ 8)، د (2237/ 341/ 6)، ت (3229/
12/ 5)، جه (2067/ 668/ 1).
(1/437)
الأحكام المترتبة
على اللعان:
إذا تلاعن الزوجان ثبت بتلاعنهما هذه الأحكام:
1 - التفريق بينهما: لحديث ابن عمر قال:
"لاعن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين رجل وامرأة من الأنصار وفرّق
بينهما" (1).
َ2 - التحريم المؤبد: لقول سهل بن سعد:
"مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبدا" (2).
3 - استحقاق الملاعَنَة الصداق: لحديث أيوب عن سعيد بن جبير قال:
"قلت لابن عمر: رجل قذف امرأته؟ فقال: فرّق النبي - صلى الله عليه وسلم -
بين أخوي بني العجلان، وقال: "الله يعلم أن أحدكما لكاذب، فهل منكما تائب؟
" فأبيا.
وقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ " فأبيا. فقال: "الله
يعلم أن أحدكما لكاذب، فهل منكما تائب؟ " فأبيا، ففرق بينهما.
قال أيوب: فقال لي عمرو بن دينار: إن في الحديث شيئًا لا أراك تحدثه، قال:
قال الرجل: مالى؟ قال: قيل: "لا مال لك، إن كنت صادقا فقد دخلت بها، وإن
كنت كاذبا فهو أبعد منك" (3).
4 - التحاق الولد بالملاعنة: لحديث ابن عمر:
"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لاعن بين رجل وامرأته، فانتفى من ولدها،
ففرق بينهما، وألحق الولد بالمرأة" (4).
5 - ثبوت التوارث بين الملاعنة وولدها: لقول ابن شهاب في حديث سهل بن سعد:
__________
(1) متفق عليه: خ (5314/ 458/ 9)، م (1494 - 9 - / 1133/ 2).
(2) صحيح: [الإرواء 2104]، د (2233/ 337/ 6)، هق (410/ 7).
(3) متفق عليه: خ (5311/ 456/ 9)، م (1493/ 1130/ 2)، د (40، 2241/ 347/
6)، نس (177/ 6).
(4) متفق عليه: خ (5315/ 460/ 9)، م (1494/ 1132/ 2)، د (2242/ 348/ 6)، ت
(1218/ 338/ 2)، نس (178/ 6)، جه (2069/ 669/ 1).
(1/438)
"فكانت السنة بعدهما أن يفرق بين
المتلاعنين، وكانت حاملا، وكان ابنها يُدعى لأمه". قال: "ثم جرت السنة في
ميراثها أنها ترثه، ويرث منها ما فرض الله له" (1).
حدّ السكر:
تحريم الخمر:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا
يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ
فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ
الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (2).
وعن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزنى الزانى
حين يزنى وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" (3).
وعن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"الخمر أم الخبائث، فمن شربها لم تقبل صلاته أربعين يوما، فإن مات وهى في
بطنه مات ميتة جاهلية" (4).
وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"الخمر أم الفواحش، وأكبر الكبائر، من شربها وقع على أمه، وخالته، وعمته"
(5).
__________
(1) متفق عليه: خ (5309/ 452/ 9)، م (1492/ 1129/ 2)، د (2235/ 339/ 6).
(2) المائدة: 90، 91.
(3) صحيح: [ص. ج 7707].
(4) حسن: [ص. ج 3344]، طس (3810).
(5) حسن: [ص. ج 3345]، طب (11372/ 164/ 11).
(1/439)
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -:
"مُدمن الخمر كعابد وثن" (1).
وعن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة مدمن
خمر" (2).
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لُعِنَتِ الخمر
على عشرة أوجه: بعينها، وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومبتاعها، وحاملها،
والمحمولة إليه، وآكل ثمنها، وشاربها، وساقيها" (3).
ما هى الخمر؟
عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مسكر خمر، وكل
خمر حرام" (4).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن
البِتع، وهو نبيذ العسل، وكان أهل اليمن يشربونه- فقال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -: "كل شراب أسكر فهو حرام" (5).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قام عمر على المنبر فقال: "أما بعد نزل
تحريم الخمر وهي من خمسة: العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير. والخمر
ما خامر العقل" (6).
وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من
الحنطة خمرا،
__________
(1) حسن: [ص. جه 2720] , [الصحيحة 677] , جه (3375/ 1120/ 2)
(2) صحيح: [ص. جه 2721]، [الصحيحة 678]، جه (3376/ 1121/ 2).
(3) صحيح: [ص. جه 2725]، جه (3380/ 1121/ 2) وهذا لفظه. د (3657/ 112/ 10).
(4) صحيح: [ص. جه 2734]، م (2003 - 75 - / 1588/ 3)، جه (3390/ 1124/ 2).
(5) متفق عليه: خ (5586/ 41/ 10) وهذا لفظه، م (2001/ 1585/ 3)، د (3665/
122/ 10)، ت (1925/ 193/ 3)، نس (298/ 8).
(6) متفق عليه: خ (5581/ 35 /10)، م (3032/ 2322/ 4)، د (3652/ 104/ 10)،
نس (295/ 8).
(1/440)
ومن الشعير خمرا، ومن الزبيب خمرا، ومن
التمر خمرا، ومن العسل خمرًا" (1).
لا فرق بين قليل الخمر وكثيره:
عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مسكر
حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام" (2).
وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مسكر حرام، وما
أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام" (3).
حدّ شارب الخمر:
وإذا شرب المكلف مختارًا الخمر وهو يعلم أنها خمر جُلِد أربعين، فإن رأى
الحاكم الزيادة فله ذلك إلى ثمانين لما روى الحصين بن المنذر "أن عليا جلد
الوليد ابن عقبة في الخمر أربعين، ثم قال: جلد النبي - صلى الله عليه وسلم
- أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلى" (4).
وإذا تكرر شرب الرجل وحدّ في كل مرة، ثم شرب فرأى الإِمام قتله فله ذلك:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سكر
فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، ثم قال الذي الرابعة: "فإن عاد
فاضربوا عنقه" (5).
__________
(1) صحيح: [ص. جه 2724]، جه (3379/ 1121/ 2)، د (3659/ 114/ 10)، ت (1934/
197/ 3).
(2) صحيح: [ص. جه 2736]، جه (3392/ 1124/ 2)، وأخرجَه النسائي مفرقا (297،
300/ 8).
(3) صحيح: [ص. ج 4552]، ت (1928/ 194/ 3)، د (3670/ 151/ 10)
(4) صحيح: [مختصر م 1047]، م (1707/ 1331/ 3).
(5) حسن صحيح: [ص. جه 2085]، جه (2572/ 859/ 2)، د (4460/ 187/ 12) نس
(314/ 8).
(1/441)
بم يثبت الحد؟
ويثبت الحد بأحد أمرين (1):
1 - الإقرار.
2 - شهادة عدلين.
لا يجوز الدعاء على شارب الخمر:
عن عمر بن الخطاب: أن رجلًا كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان
اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا، وكان يُضحك رسولَ الله - صلى الله عليه
وسلم -، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جلده في الشراب، فأُتى به
يوما، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به!
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تلعنوه فوالله ما علمت أنه يحب
الله ورسوله" (2).
وعن أبي هريرة قال: أُتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بسكران، فأمر بضربه،
فمنا من يضربه بيده ومنا من يضربه بنعله، ومنا من يضربه بثوبه، فلما انصرف
قال رجل: ماله أخزاه الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا
تكونوا عون الشيطان على أخيكم" (3).
حَدُّ السَّرقة
ومن الضروريات التي جاء الإِسلام بحفظها المال، وقد أمر الإِسلام بكسبه من
الحلال (والأصل في الأشياء الإباحة)، ونهى عن كسبه من الحرام، وبيّن وجوه
الكسب الحرام، {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} (4).
ومن الكسب الحرام السّرقة:
وهي أخذ مال الغير على وجه الخفية والاستتار (5).
__________
(1) فقه السنة (336/ 2).
(2) صحيح: [المشكاة 2621]، خ (6780/ 75/ 12).
(3) صحيح: [ص. ج 7442]، خ (6781/ 75/ 12) , د (4453/ 176/ 12)
(4) الأنعام: 119.
(5) المغني (240/ 8).
(1/442)
وهي من الكبائر، وحَدُّها ثابت بالكتاب
والسنة وإجماعِ الأمة.
قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا
جَزَاءً بِمَا كسبَا نَكَالًا مِّنَ اللهِ واللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قطع سارقًا في حجّن قيمته ثلاثة دراهم" (2).
وقال ابن المنذر: وأجمعوا على أن قطع يد السارق يجب إذا شهد عليه بالسرقه
شاهدان عدلان، مسلمان حرّان (3).
فإذا سرق البالغ العاقل مختارًا فقد وجب عليه الحدُّ بإقراره أو بشهادة
عدلين.
ويشترط يبلغ المسروق نصابًا، وأن يكون محروزا.
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا
تُقطع يد السارق إلا في رُبعٌ دينار فصاعدًا" (4).
وقال ابن المنذر: وأجمعوا أن القطع إنما يجب على من سرق ما يجب فيه قطعٌ من
الحرز (5).
والحرز ما يُعان في مثله المال ويُحفظ، كالدار المعلقة، والخزانة، والمحل
المغلق، ونحو ذلك.
وقال صاحب "الروضة الندية" (277/ 2):
"والحرز ما يعدُه الناس حرزًا لمثل ذلك المال، فالمتبن حرزٌ للتبن،
والاصطبل
__________
(1) المائدة: 38.
(2) متفق عليه: خ (6795/ 97/ 12)، م (1686/ 1313/ 3)، ت (1470/ 3/ 3)، د
(4363/ 51/ 12)، ن (76/ 8)، والمجنّ: الترس، وهو آلة يستر بها وُيتقى ضربات
العدو.
(3) الإجماع (621/ 140).
(4) متفق عليه: خ (6789/ 96/ 12)، م (1684 - 2 - / 1312/ 3) واللفظ، ت
(1469/ 3/ 3)، د (4362/ 51/ 12). ن (77/ 8) جه (2585/ 862/ 2).
(5) الإجماع (615/ 139).
(1/443)
للدواب، والمراح للغنم، والجرين للثمار".
عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه
سئل عن التمر المعلْق فقال: "منأصاب بغيه من ذى حاجة غيْر مَتّخذِ خُبْنةً
فلا شىء عليه، ومن خرج بشىء منه فعليه غرامةُ مثَليْة والعقوبة، ومن سرق
منه شيئًا بعد أن يُؤويه الجرين فبلغ ثمن المجْن فعليه القطع" (1).
وللمسروق منه أن يعفو عن السارق قبل رفعه إلى السلطان:
عن صفوان بن أمية قال: كنت نائمًا في المسجد على خميصة لي ثمن ثلاثين
درهما، فجاء رجل فاختلسها مني، فأُخذ الرجلُ فأُتى به النبي - صلى الله
عليه وسلم - فأُمر به ليُقَطَع. قال: قال: فهلاّ كان هذا قبل أن تأتينى به"
(2).
فائدة: قال صاحب "الروضة النديّة" (279/ 2).
"اتفق أهل العلم على أن السارق إذا سرق أول مرة تقطع يده اليمنى، ثم إذا
سرق ثانيًا تقطع رجله اليسرى، واختلفوا فيما إذا سرق ثالثًا بعد قطع يده
ورجله فذهب كثرهم إلى أنه تقطع يده اليسرى [قال شيخنا رحمه الله في
"التعليقات الرضية" 298/ 3 وقد صح هذا عن أبي بكر وعمر عند البيهقي (8/
284)] , ثم إذا سرق أيضًا تقطع رجله اليمنى، ثم إذا سرق أيضًا يعزّر ويحبس"
أ. هـ
حَدُّ الحرابة (قطع الطريق)
تعريفها (3):
الحرابة هى خروج طائفة مسلمة في دار الإِسلام، لإحداث الفوضى، وسفك الدماء
وسلب الأموال، وهتك الأعراض، وإهلاك الحرث والنسل، متحدّيِةَ بذلك الدين
والأخلاق والنظام والقانون.
__________
(1) حسن: [ص. د: 3689]، د (4368/ 56/ 12)، جه (2596/ 865 و 866/ 2)، ن (8/
85).
(2) صحيح [ص. د: 3695]، د (4371/ 62 و 63/ 12)، جه (2595/ 865/ 2).
(3) فقه السنة (393/ 2).
(1/444)
حكمها:
والحرابة من أعظم الجرائم، ولذا كانت عقوبتها من أقسى العقوبات.
قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ
وَيَسْعَوْنَ في الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا
أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا
مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ في الدُّنْيَا وَلَهُمْ في الْآخِرَةِ
عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (1).
وعن أنس رضي الله عنه قال: "قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - نفر من
عُكل فأسلموا، فاجتووا المدينة، فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من
أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحّوا فارتدوا فقتلوا رعاتها، واستاقوا الإبل،
فبعث في آثارهم فأتى بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم (*)، ثم لم
يحسمهم حتى ماتوا" (2).
توبة المحاربين قبل القدرة عليهم:
قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا
عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} (3).
* * *
__________
(1) و (3) المائدة: 33، 34.
(*) سمل أعينهم: فقأ عينهم بمسمار أو حديدة محماة وقوله: ثم لم يحسمهم حتى
ماتوا: أي لم يتركهم حتى ماتوا.
(2) متفق عليه.
(1/445)
|