الوجيز
في فقه السنة والكتاب العزيز كتاب الجنايات
(*)
__________
(*) اعتمدت في هذا الكتاب على كتابى (فقه السنة ومنار السبيل) مع التهذيب
واعتماد ما صح من الروايات.
(1/447)
تعريفها:
" هى جمع جناية، مصدر من جنى الذنب يجنيه جناية: أي جرّه إليه، وجمعت وإن
كانت مصدرًا لاختلاف أنواعها، فإنها قد تكون في النفس وفي الأطراف، وتكون
عمدًا وخطأ" (1).
"وهي- في الشرع-: التعدى على البدن بما يوجب قصاصًا أو مالًا" (2).
تعظيم حرمات المسلمين:
قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ
رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ
نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا (30)} (3).
وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ
جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ
لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (4).
وقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ
أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الْأَرْضِ
فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا
أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (5).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: "الشرك بالله،
والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا،
والتولِّى يوم
__________
(1) سبل السلام (231/ 3).
(2) منار السبيل (315/ 2).
(3) النساء: 29، 30.
(4) النساء: 93.
(5) المائدة: 32.
(1/449)
الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات"
(1). وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم" (2).
وعن أبي سعيد الخدرى وأبى هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبّهم الله في النار"
(3).
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أوّل ما
يقضى بين الناس في الدماء" (4).
وعنه رضي الله عنه قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "يجيء الرجل آخذ بيد
الرجل، فيقول: ياربّ! هذا قتلنى، فيقول الله له: لم قتلته؟ فيقول: قتلته
لتكون العزة لك، فيقول: فإنها لي. ويجئ الرجل آخذ بيد الرجل، فيقول: إن هذا
قتلنى، فيقول الله له: لم قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لفلان! فيقول: إنها
ليست لفلان، فيبوء بإثمه" (5).
تحريم قتل الإنسان نفسه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تردّى
من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردّى فيه خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا.
ومن تحسّى سمًا فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا
فيها أبدًا. ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار
جنهم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا" (6).
__________
(1) متفق عليه: خ (2766/ 393/ 5)، م (89/ 92/ 1)، د (2857/ 77/ 8)، نس
(257/ 6).
(2) صحيح: [ص. ج 5077]، ت (1414/ 426/ 2)، نس (82/ 7).
(3) صحيح: [ص. ج 5247]، ت (1419/ 427/ 2).
(4) متفق عليه: خ (8664/ 187/ 12)، م (1678/ 1304/ 3)، ت (1418/ 427/ 2)،
نس (83/ 7).
(5) صحيح: [ص. نس 3732]، نس (84/ 7).
(6) متفق عليه: خ (5778/ 247/ 10)، م (109/ 103/ 1)، ت (2116/ 260/ 3)، د
(3855/ 354/ 10) مختصرًا على جملة السمّ وحدها. نس (67/ 4).
(1/450)
وعن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع فأخذ سكينا فحزّ
بها يده، فما رقأ الدم (*) حتى مات، قال الله تعالى: "بادرنى عبدي بنفسه،
حرّمت عليه الجنة" (1).
وعن جابر: أن الطفيل بن عمرو الدوسىّ أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله! هل لك في حصن حصين ومنعة؟ (قال: حصن كان لدوس في الجاهلية)
فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذى ذخر الله للأنصار، فلما هاجر النبي
صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل
من قومه، فاجتَوَوا المدينة، فمرض، فجزع، فأخذ مشاقصِ (* *) له، فقطع بها
براجمه، فشخبت يداه حتى مات. فراَه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته
حسنة، ورآه مغطّيًا يديه. فقال له: ما صنع بك ربّك؟ فقال: غفر لي بهجرتى
إلى نبيه صلى الله عليه وسلم. فقال: مالى أراك مغطّيًا يديك؟ قال: قيل لي:
لن نصلح منك ما أفسدت. فقصّها الطفيل على رسول الله: فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم "اللهم وليديه فاغفر" (2).
ما يبيح القتل:
قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ} (3).
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُمرت أن أقاتل الناس
حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة،
ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق
الإِسلام، وحسابهم على الله" (4).
__________
(*) رقأ الدم: سكن وجف وانقطع بعد جريانه.
(1) متفق عليه: خ (3463/ 496/6)، م (113/ 107/1).
(* *) المشقص: سهم ذو نصل عريض والبُرجُمة: مفصل الأصبع وشخبت يداه حتى
مات: نزف الدم حتى مات.
(2) صحيح: [مختصر م 97]، م (116/ 108/1)
(3) الإسراء: 33.
(4) متفق عليه: خ (25/ 75/1)، م (22/ 53/1).
(1/451)
وقد فسّر صلى الله عليه وسلم هذا الحق الذي
يحيى القتل بقوله:
"لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأنى رسول الله، إلا بإحدى
ثلاث النفس بالنفس، والثيب الزانى، والمفارق لدينه التارك للجماعة" (1).
أنواع القتل:
والقتل ثلاثة أنواع: عمد، وشبه عمد، وخطأ.
فالعمد: هو أن يقصد المكلف قتل إنسان معصوم الدم بما يغلب على الظن أنه
يقتل به.
وشبه العمد: هو أن يقصد ضربه بما لا يقتل عادة فيموت.
والخطأ: هو أن يفعل المكلف ما يباح له فعله، كرمى صيد أو نحوه، فيقتل
إنسانا.
الآثار المترتبة على القتل:
ففى القسمين الاخيرين: الكفارة على القاتل، والدية على عاقلته.
لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا
خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ
كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ
فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ
اللهِ وَكَانَ الله عَلِيمًا حَكِيمًا} (2).
وأما القتل العمد: فولىّ المقتول فيه بالخيار بين القود والعفو على الدية
لقوله
__________
(1) متفق عليه: خ (6878/ 201/12)، م (1676/ 1302/ 3)، د (4330/ 5/12)، ت
(1423/ 429/2) , نس (90/ 7)، جه (2534/ 847/ 2).
(2) النساء: 92.
(1/452)
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ
وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ
مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ
بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى
بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1)
وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قُتل له قتيل فهو
بخير النظرين إما
أن يُودى وإما أن يقاد" (2).
وليست هذه الدية هى الواجبة بالقتل، بل بدل عن القصاص، ولذا فإن لهم أن
يصالحوا على غير الدية، ولو بالزيادة عليها لقوله صلى الله عليه وسلم:
"من قَتَلَ مؤمنا متعمدًا دُفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا، وإن
شاءوا أخذوا الدية وهي: ثلاثون حِقَّةً، وثلاثون جَذَعَةً، وأربعون
خَلِفَةً، وما صولحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد العقل" (3).
والعفو مجانًا أفضل، لقوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}
(4). ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا"
(5).
شروط وجوب القصاص:
لا يجب القصاص إلا إذا توفرت الشروط الآتية:
ا- تكليف القاتل، فلا قصاص على صغير ومجنون ونائم، لقوله صلى الله عليه
وسلم: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبى حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن
النائم حتى يستيقظ" (6).
__________
(1) البقرة: 178.
(2) متفق عليه: خ (6880/ 205/ 12)، م (1355/ 988/ 2).
(3) حسن: [ص. ت1121]، ت (1406/ 423/ 2)، جه (2626/ 877/ 2)، و (حقة) الحق،
بالكسر، من الإبل ما طعن في السنة الرابعة والجمع حقاق. و (جذعة) مؤنث جذع.
ولد الشاة في السنة الثانية وولد البقرة والحاقر في السنة الثالثة. وللإبل
في السنة الخامسة. (خلفة) هى الحامل من الإبل.
(4) البقرة: 237.
(5) صحيح: [ص. ت 1894]، م (2588/ 2001/ 4)، ت (2098/ 254/3).
(6) صحيح: [ص. ج 3512].
(1/453)
2 - عصمة المقتول، بأن لا يكون مهدر الدم
لسبب من الأسباب المذكورة في حديث:
"لا يحل دم امرئ مسلم ... إلا بإحدى ثلاث .. " الحديث (1).
3 - أن لا يكون المقتول ولدًا للقاتل: لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يُقتل
والد بولده" (2).
4 - أن لا يكون المقتول كافرًا والقاتل مسلمًا: لقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا يُقتل مسلم بكافر" (3).
5 - أن لا يكون المقتول عبدًا والقاتل حرًا: لقول الحسن: "لا يُقتل حرُّ
بعبد" (4).
الجماعة تُقتل بالواحد:
إذا اجتمع جماعة علي قتل واحد فإنهم يُقتلون به جميعا , لما رواه مالك عن
سعيد بن المسيب: "أن عمر بن الخطاب قتل نفرًا: خمسة أو سبعة برجل واحد
__________
(1) صحيح: [ص. ج 7641].
(2) صحيح [الإرواء 2214]، ت (1422/ 428/ 2)، جه (2661/ 888/2).
(3) حسن صحيح: [ص. ت 1141]، خ (6915/ 260/ 12)، ت (1433/ 432/2)، نس (23/
8).
(4) صحيح مقطوع: [ص. د 3787]، د (4494/ 4/ 12)، وهذا مذهب جمهور العلماء،
وقد احتجوا بأدلة كثيرة لا تخلو من مقال، وقد نقلها الثنقيطى - رحمه الله -
في "أضواء البيان" ثم قال: وهذه الروايات الكثيرة، وإن كانت لا يخلو شيء
منها من مقال، فإن بعضها يشد بعضا، ويقويه حتى يصلح المجموع للاحتجاج.
وتعتضد هذه الأدلة على ألا يقتل حر بعبد بإطباقهم على عدم القصاص للعبد من
الحر فيما دون النفس، فهذا لم يقتص له منه في الاطراف فعدم القصاص في النفس
من باب أولى، ولم يخالف في أنه لا قصاص للعبد من الحر فيما دون النفس إلا
داود، وابن أبي ليلى. وتعتضد أيضا بإطباق الحجة من العلماء على أنه إن قتل
خطأ ففيه القيمة لا الدية، وقيده جماعة بما إذا لم تزد قيمته عن دية الحر.
وتعتضد أيضا بأنه لو قذفه حر ما وجب عليه الحد عند عامة العلماء، إلا ما
روى عن ابن عمر والحسن وأهل الظاهر من وجوبه في قذف أم الولد خاصة أ. هـ
يتصرف يسير.
(1/454)
قتلوه قتل غيلة (1)، وقال: لو تمالأ عليه
أهل صنعاء لقتلتهم جميعا" (2).
ثبوت القصاص:
يثبت القصاص بأحد أمرين:
الأول: الاعتراف: عن أنس: "أن يهوديًا رضّ رأس جارية بين حجرين، فقيل لها:
من فعل بك هذا؟ أفلان أو فلان؟ حتى سُمى اليهودى فأومأت برأسها، فجئ
باليهودى فاعترف، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرُضّ رأسه بالحجارة"
(3).
الثاني: شهادة رجلين عدلين:
عن رافع بن خديج قال: أصبح رجل من الأنصار مقتولًا بخيبر، فانطلق أولياؤه
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: "لكم شاهدان يشهدان على
قتل صاحبكم؟ "قالوا: يا رسول الله، لم يكن ثَمَّ أحد من المسلمين، وإنما هم
يهود، وقد يجترؤن على أعظم من هذا قال: "فاختاروا منهم خمسين فاستحلِفوهم،
فأبوا، فوداه النبي صلى الله عليه وسلم من عنده" (4).
شروط استيفاء القصاص:
يشترط لاستيفاء القصاص ثلاثة شروط:
ا- تكليف المستحق: فإن كان مستحقه صبيا أو مجنونا حبس الجانى إلى تكليفه.
2 - اتفاق المستحقين على استيفائه، فإن عما بعضهم سقط القصاص.
__________
(1) قتل الغيلة: هو أن يخدعه حتى يخرجه إلى موضع يخفى فيه ثم يقتله.
(2) صحيح: [الإرواء 2201]، ما (1584/ 628)، فع (22/ 6)، هق (41/ 8).
(3) متفق عليه: خ (6876/ 198/ 12)، م (1672/ 1299/3)، د (4512/ 267/12)، ت
(1413/ 426/2)، ن (22/ 8) جه (2666/ 889/2).
(4) صحيح لغيره: [ص. د 3793]، د (4501/ 250/12).
(1/455)
عن زيد بن وهب: "أن عمر رضي الله عنه رفع
إليه رجل قتل رجلا، فأراد أولياء المقتول قتله، فقالت أخت المقتول -وهي
امرأة القاتل- قد عفوت عن حصتى من روى. فقال عمر: عتق الرجل من القتل" (1).
وعنه قال: "وجد رجل عند امرأته رجلا، فقتلها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب
رضي الله عنه فوجد عليها بعض إخوتها، فتصدق عليه بنصيبه، فأمر عمر رضي الله
عنه لسائرهم بالدية" (2).
3 - أن لا يتعدى الجانى إلى غيره، فإذا كان القصاص قد وجب على امرأة حامل
لم تقتل حتى تضع حملها وتسقيه اللبأ (3).
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: "أن امرأة من غامد سألت النبي صلى الله عليه
وسلم فقالت: إنى قد فجرت. فقال: ارجعي. فرجعت، فلما كان الغد أتته فقالت:
لعلك أن تردنى كما رددت ماعز بن مالك؟ فوالله إنى لحبلى، فقال لها ارجعي،
فرجعت فلما كان الغد أتته، فقال لها: ارجعي حتى تلدى، فرجعت، فلما ولدت
أتته بالصبى فقالت: هذا قد ولدته، فقال: ارجعي فارضعيه حتى تفطميه، فجاءت
به وقد فطمته، وفي يده شيء يأكله، فأمر بالصبى فدفع إلى رجل من المسلمين،
وأمر بها فحفر لها، وأمر بها فرجمت. وكان خالد فيمن يرجمها فرجمها بحجر،
فوقعت قطرة من دمها على وجنته، فسبّها، فقال له صلى الله عليه وسلم: مهلا
يا خالد، فوالذى نفسى بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له. وأمر
بها فصلّى عليها فدفنت" (4).
__________
(1) صحيح: [الإرواء2222]، عب (18188/ 13/ 10).
(2) صحيح: [الإرواء2225] , هق (59/ 8).
(3) اللبأ: هو أول اللبن في التاج، وهو ضرورى للصبى، وقتل الأم قبل سقيه
ذلك يضرّ به. ثم بعد ذلك إن وُجد من يرضعه أعطي له وُقتلت، لحدث مسلم، وإن
لم يوجد من يرضعه تركت حى ترضعه حولين كاملين، لحديث أبي داود. وهو الحديث
المذكور أعلاه رقم (4).
(4) صحيح: [ص. د 3733]، م (1695/ 1321/3)، د (4419/ 123/ 12) والسياق له.
(1/456)
بم يكون القصاص؟
الأصل في القصاص أن يُقتل القاتل بالطريقة التي قتل بها؛ لأن ذلك مقتضى
المماثلة والمساواة، ولقول الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ
فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (1) وقوله تعالى:
{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (2) ولأن
الرسول صلى الله عليه وسلم رضخ رأس اليهودى بحجر كما رضح هو رأس المرأة
بحجر (3).
القصاص من حق الحاكم:
قال القرطبي: "لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولوا الأمر، فرضٌ
عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود، وغير ذلك؛ لأن الله سبحانه طالب جميع
المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعًا أن يجتمعوا على القصاص،
فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود" (4).
وعلة ذلك ما ذكره الصاوى -حاشيته على الجلالين- قال:
"فحيث ثبت أن القتل عمدًا عدوانًا، وجب على الحاكم الشرعى أن يمكن ولى
المقتول من القاتل، فيفعل فيه الحاكم ما يختاره الولى من القتل، أو العفو،
أو الدية، ولا يجوز للولي التسلط على القاتل من غير إذن الحاكم؛ لأن فيه
فسادًا وتخريبًا. فإذا قتله قبل إذن الحاكم عُزِّر" (5).
القصاص فيما دون النفس:
كما يثبت القصاص في النفس، فإنه يثبت كذلك فيما دونها لقوله تعالى:
{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ
بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ
بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (6) وهذا الحكم وإن كان كتب على من قبلنا
فهو شرع لنا، لتقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - له.
فقد روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن الرُّبيِّع بنت
__________
(1) البقرة: 194.
(2) النحل: 126.
(3) سبق
(4) الجامع لأحكام القرآن (245 و246/ 2).
(5) فقه السنة (453/ 2).
(6) المائدة: 45
(1/457)
النضر بن أنس كسرت ثنية جارية، ففرضوا
عليهم الأرش، فأبوا إلا القصاص، فجاء أخوها أنس بن النضر فقال: يا رسول
الله تكسر ثنية الربيع! والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: "يا أنس كتاب الله القصاص". فرضى القوم وعفوا. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه"
(1).
شروط القصاص فيما دون النفس:
يشترط في القصاص فيما دون النفس الشروط الآتية:
1 - تكليف الجانى.
2 - تعمد الجناية. لأن الخطأ لا يوجب القصاص في النفس وهي الأصل، فما دونها
أولى.
3 - أن يكون دم المجنى عليه مكافئا لدم الجانى. فلا يقتص من مسلم جرح ذميا,
ولا من حرّ جرح عبدا ,ولا يقتص من والد جرح ولدًا.
القصاص في الأطراف:
يشترط في القصاص في الأطراف ثلاثة شروط:
1 - إمكان الاستيفاء بلا حيفِ: بأن يكون القطع من مفصل كالمرفق والكوع، أو
ينتهى إلى حدّ كمارن الأنف، وهو ما لان منه دون قصبته.
فلا قصاص في جائفة، ولا في قطع بعض الساعد، ولا في عظم دون السنّ.
2 - المماثلة في الاسم والموضع: فلا تقطع يمين بيسار، ولا يسار بيمين، ولا
خنصر ببنصر، ولا عكس، لعدم المساواة في الاسم، ولا يؤخذ أصلى بزائد، لعدم
المساواة في الموضع والمنفعة.
__________
(1) صحيح: [ص. ج 2228]، خ (2703/ 306/ 5)، د (4566/ 333/ 12)، ن (27/ 8)،
جه (2649/ 884/ 2).
(1/458)
3 - استواء طرف الجانى والمجنى عليه في
الصحة والكمال، فلا يؤخذ عضو صحيح بعضو أشل، ولا يد صحيحة بيد ناقصة
الأصابع، ويجوز العكس.
القصاص من جراح العمد:
وأما جراح العمد، فلا يجب فيها القصاص إلا إذا كان ذلك ممكنا، بحيث يكون
مساويا لجراح المجنى عليه من غير زيادة ولا نقص. فإذا كانت المماثلة
والمساواة لا يتحققان إلا بمجاوزة القدر، أو بمخاطرة، أو إضرار، فإنه لا
يجب القصاص، وتجب الدية.
الدية
تعريفها:
الدية هى المال الذي يجب بسبب الجناية، وتؤدى إلى المجنى عليه أو وليه.
وهي تنتظم ما فيه القصاص، وما لا قصاص فيه.
وتسمى الدية بـ "العقل". وأصل ذلك: أن القاتل كان إذا قتل قتيلا جمع الدية
من الإبل، فعقلها بفناء أولياء المقتول، أي شدّها بعقالها ليسلمها إليهم.
يقال: عقلت عن فلان إذا غرمت عنه دية جنايته.
وأصل ذلك قول الله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ
مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ
يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}
(1).
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن
من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون،
وثلاثون
__________
(1) النساء: 92
(1/459)
حقة، وعشرة بني لبون ذكر" (1).
وعنه قال: "كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة
دينار، أو ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين.
قال: فكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر رحمه الله، فقام خطيبا فقال: ألا إن
الإبل قد غلت، قال: ففرضها عمر على أهل الذهب: ألف دينار، وعلى أهل الورِق:
اثنى عشر ألفا، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل النساء ألفى شاة، وعلى
أهل الحلل (2) مائتى حلة.
قال: وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية" (3).
القتل الذي تجب فيه:
من المتفق عليه بين العلماء أنها تجب في القتل الخطأ وفي شبه العمد، وفي
العمد الذي وقع ممن فقد شرطا من شروط التكليف، مثل الصغير والمجنون، وفي
العمد الذي تكون فيه حرمة المقتول ناقصة عن حرمة القاتل، مثل الحر إذا قتل
عبدًا. كما تجب على النائم الذي انقلب في نومه على آخر فقتله. وعلى من سقط
على غيره فقتله.
__________
(1) حسن: [ص. جه 2128]، د (4518/ 283/12)، جه (2630/ 878/2)، ن (43/ 8).
وبنت المخاص: هى ما كان لها سنة إلى تمام سنتين؛ لأن أمها ذات مخاض، أي:
حمل.
وبنت لبون: هى ما دخلت في السنة الثالثة إلى آخرها. واللبون: ذات اللبن،
والذكر: ابن لبون، وابن مخاض، والحقة: ما استكملت ثلاث سنين ودخلت في
الرابعة، سميت بذلك لأنها استحقت أن تركب ويحمل عليها.
(2) الحلل: بضم ففتح، جمع حلة، وهي إزار ورداء من أي نوع من أنواع الثياب،
وقيل: الحلل برود اليمن، ولا يسمى حلة حتى يكون ثوبين. أهـ من "عون
المعبود" (285/ 12).
(3) حسن: [الإرواء 2247]، د (4519/ 284/ 12).
(1/460)
أنواع الدية:
الدية تكون مغلظة ومخففة، فالمخففة تجب في قتل الخطأ، والمغلظة تجب في شبه
العمد. وأما دية قتل العمد إذا عما ولىّ الدم فهي ما اصطلحوا عليه، لما سبق
من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "من قتل متعمدا دُفع إلى
أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية، وهي: ثلاثون حقة،
وثلاثون جذعة وأربعون خلفة، وما صولحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد العقل".
والدية المغلظة: مائة من الإبل في بطون أربعين منها أولادها. لقوله - صلى
الله عليه وسلم -: "ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة
من الإبل: منها أربعون في بطونها أولادها" (1). وتكون في مال الجانى وحده.
أما دية الخطأ وشبه العمد فعلى عاقلة القاتل، وهم عصبته، أي: قرابته
المذكور البالغون -من قبل الأب- الموسرون العقلاء.
ويدخل فيهم: الأعمى، والزّمن، والهرم، إن كانوا أغنياء، ولا يدخل فيهم:
أنثى، ولا فقير، ولا صغير، ولا مجنون، ولا مخالف لدين الجانى؛ لأن مبنى هذا
الأمر على النصرة، وهؤلاء ليسوا من أهلها.
وأصل وجوب الدية على العاقلة: حديث أبى هريرة قال: "اقتتلت امرأتان من هذيل
فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فقضى النبي - صلى الله
عليه وسلم - أن دية جنينها عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها"
(2).
__________
(1) صحيح: [ص- جه 2126]، د (4524/ 292/ 12). جه (2627/ 877/ 2)، ن (41/ 8).
(2) متفق عليه: خ (6740/ 24/ 12)، م (1681/ 1309/3)، ن (47، 48/ 8).
(1/461)
دية الأعضاء:
يوجد في الإنسان من الأعضاء ما منه عضو واحد: كالأنف، واللسان، والذكر،
ويوجد فيه ما منه عضوان: كالعينين، والأذنين، واليدين.
ويوجد ما هو اكثر من ذلك.
فإذا أتلف إنسان من إنسان آخر هذا العضو الواحد أو هذين العضوين وجبت الدية
كاملة. وإذا أتلف أحد العضوين وجب نصف الدية.
فتجب الدية كاملة في الأنف، والعينين، وفي العين الواحدة نصفها، وفي جفني
إحدى العينين نصفها، وفي جفن واحدة منها ربعها. وفي أصابع اليدين والرجلين
الدية كاملة، وفي كل أصبع عشر من الإبل. وفي الأسنان كمال الدية، وفي كل
سنّ خمس من الإبل.
عن أبى بكر بن عبيد الله بن عمر عن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- أنه قال: "في الأنف الدية إذا استُوعب جدعُه مائة من الإبل، وفي اليد
خمسون، وفى الرجل خمسون، وفي العين خمسون، وفي الآمة ثلث النفس، وفي
الجائفة ثلث النفس، وفي المنقلة خمس عشرة، وفي الموضحة خمس، وفي السنّ خمس،
وفي كل أصبع مما هنالك عشر" (1).
وعن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله
عليه وسلم - أنه كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات:
وفيه: "أن في النفس الدية مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعب جَدعُه الدية،
وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر
الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية،
وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من
الإبل، وفي كل إصبع من الأصابع من اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السنّ خمس
من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل (2).
__________
(1) صحيح بشواهده: [ص. نس 4513]، بز (1531/ 207/ 2)، هق (86/ 8).
(2) صحيح بشواهده: [الإرواء 2275]، [ص. نس 4513]، ما (1545/ 611). ن (57،
58، 59/ 8).
(1/462)
دية منافع الأعضاء:
إذا ضرب إنسان إنسانا فذهب عقله أو حاسة من حواسه، كسمعه أو بصره، أو شمه
أو ذوقه، أو كلامه بجميع حروفه، ففى كلٍّ من ذلك الدية كاملة.
عن عوف قال: سمعت شيخًا قبل فتنة ابن الأشعث، فنعت نعته فقالوا: ذلك أبو
المهلب عم أبى قلابة، قال: "رُمى رجل بحجر في رأسه، فذهب سمعه ولسانه وعقله
وذكره، فلما يقرب النساء، فقضى فيه عمر رضي الله عنه بأربع ديات" (1).
وإذا فقئت عين الأعور الصحيحة ففيها الدية كاملة، قضى بذلك عمر وابنه عبد
الله وعلىّ بن أبي طالب.
عن قتادة قال: سمعت أبا مجلز قال: "سألت عبد الله بن عمر عن الأعور تفقأ
عينه".
فقال: عبد الله بن صفوان: قضى فيه عمر رضي الله عنه بالدية. فقلت: إنما
أسال ابن عمر، فقال: أوليس يحدثك عن عمر" (2).
وعن قتادة عن خلاس عن علي رضي الله عنه: أنه كان يقول في الأعور إذا فقئت
عينه: "إن شاء أخذ الدية كاملة، وإن شاء أخذ نصف الدية، وفقأ بالأخرى إحدى
عيني الفاقئ" (3).
دية الشجاج:
الشجاج: هى الإصابات التي تقع بالرأس والوجه.
وهي عشرة أنواع:
1 - الخارصة: وهي التي تقشر الجلد ولا تدميه.
2 - الدامية: وهي التي تدميه.
__________
(1) حسن: [الإرواء 2279]، ش (6943/ 167/ 9)، هق (86/ 8).
(2) صحيح الإسناد: [الإرواء 2270]، هق (94/ 8)، ش (7060/ 196/ 9) بدون
قوله: "فقلت .. الخ".
(3) ش (7062/ 197/ 9)، هق (94/ 8).
(1/463)
3 - الباضعة: وهي التي تشق اللحم شقا
كبيرا.
4 - المتلاحمة: وهي التي تغوص في اللحم.
5 - السمّحاق: وهي التي يبقى بينها وبين العظم جلدة رقيقة.
فهذه خمس شجاج ليس فيها قصاص (1). ولا أرش مقدر، وتجب فيها حكومة (2).
6 - الموضحة: وهي التي تبلغ إلى العظم. وفيها خمس من الإبل.
7 - الهاشمة: وهي التي تهشم العظم أي تكسره. وفيها عشر من الإبل.
8 - المنقلة: وهي التي ينقل منها العظم من موضع إلى موضع. وفيها خمس عشرة
من الإبل.
9 - المأمومة أو الآمة: وهي التي لا يبقى بينها وبين الدماغ إلا جلدة
رقيقة. وفيها ثلث الدية.
10 - الدامغة: وهي التي تبلغ الدماغ. وفيها أيضًا ثلث الدية.
دية الجائفة:
الجائفة: هى كل ما يصل إلى الجوف: كبطن، وظهر، وصدر، وحلق، ومثانة.
وفيها ثلث الدية، لما في كتاب عمرو بن حزم "وفي الجائفة ثلث الدية".
دية المرأة:
دية المرأة إذا قُتلت خطأ نصف دية الرجل، وكذلك دية أطرافها وجراحاتها على
النصف من دية الرجل وجراحاته:
__________
(1) لأنه لا يمكن المماثلة.
(2) قال ابن المنذر: وأجمع كل من نحفظ قوله أنه معنى قولهم حكومة أن يقال:
إذا أصيب الإنسان بجرح لا عقل له معلوم، كم قيمة هذا لو كان عبدًا قبل أن
بجرح هذا الجرح؟ أو يضرب هذا الضرب؟ فإن قيل: مائة دينار. قيل: كم قيمته
وقد أصابه هذا الجرح وانتهى برؤه؟ فإن قيل: خمسة وتسعون دينارًا. فالذي يجب
للمجني عليه على الجانى نصف عشر الدية. وإن قالوا: تسعين دينارا، ففيه عشر
الدية. ومازاد ونقص ففى هذا المثال أهـ من الإجماع (697/ 151).
(1/464)
عن شريح قال: "أتانى عروة البارقي من عند
عمر أن جراحات الرجال والنساء تستوي في السنّ والموضحة، وما فوق ذلك فدية
المرأة على النصف من دية الرجل" (1).
دية أهل الكتاب:
دية أهل الكتاب إذا قتلوا خطأ نصف دية المسلم، فدية الذكر منهم نصف دية
المسلم، ودية المرأة من نسائهم نصف دية المرأة المسلمة.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى
أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين، وهم اليهود والنصارى" (2).
دية الجنين:
إذا مات الجنين بسبب الجناية على أمه عمدًا أو خطأ ولم تمت أمه، وجب فيه
غرة، سواء انفصل عن أمه وخرج ميتا، أم مات في بطنها، وسواء كان ذكرًا أم
أنثى. فإذا ماتت المرأة أيضًا فلها ديتها.
عن أبي هريرة قال: "اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر
فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
فقضى أن دية جنينها عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها
ولدها ومن معه" (3).
فإما إذا خرج حيًا ثم مات ففيه الدية كاملة. فإن كان ذكرا وجبت مائة بعير.
وإن كان أنثى فخمسون، لأنا تيقنا موته بالجناية، فأشبه غير الجنين.
__________
(1) إسناده صحيح: [الإرواء 7/ 307]، ش (7546/ 300/ 9).
(2) حسن: [الإرواء 2251]، جه (2644/ 883/ 2)، ت (1434/ 433/ 2)، ن (45/ 8)
بألفاظ متقاربة، ورواه: د (4559/ 323/ 12) بلفظ (دية المعاهد نصف دية الحر)
أي المسلم.
(3) متفق عليه.
(1/465)
|