بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار كِتَابُ الِاسْتِسْقَاءِ
1742- عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي حَدِيثٍ لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «لَمْ يُنْقِصْ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ،
إلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ
السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلا يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إلَّا
مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ
يُمْطَرُوا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
1743- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: شَكَا النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ
لَهُ فِي الْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ؛
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ
بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَكَبَّرَ وَحَمِدَ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ: إنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ
دِيَارِكُمْ وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ،
وَقَدْ أَمَرَكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ
أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} . لَا
إلَهَ إلَّا اللَّهُ، يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُمَّ أَنْتَ
اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ،
أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلَتْ لَنَا قُوَّةً
وَبَلَاغًا إلَى حِينٍ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي
الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إبْطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إلَى النَّاسِ
ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ
أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ
اللَّهُ تَعَالَى سَحَابَةً، فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ
بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتْ
السُّيُولُ؛ فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إلَى الْكِنِّ ضَحِكَ حَتَّى
بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(1/471)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى: قَوْلُهُ: (لَمْ يَنْقُصْ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ)
إلَى آخِرِهِ. فِيهِ أَنَّ نَقْصَ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ سَبَبٌ
لِلْجَدْبِ وَشِدَّةِ الْمُؤْنَةِ وَجَوْرِ السَّلَاطِينِ، وَأَنَّ مَنْعَ
الزَّكَاةِ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِمَنْعِ قَطْرِ السَّمَاءِ،
وَأَنَّ نُزُولَ
الْغَيْثِ عِنْدَ وُقُوعِ الْمَعَاصِي إنَّمَا هُوَ رَحْمَةٌ مِنْ اللَّهِ
تَعَالَى لِلْبَهَائِمِ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: «مَهْلًا عَنْ اللَّهِ مَهْلًا
فَإِنَّهُ لَوْلَا شَبَابٌ خُشَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ وَأَطْفَالٌ
رُضَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا» . انْتَهَى. ملخصًا.
قَوْلُهُ: (فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ) إلَى آخِرِهِ. فِيهِ اسْتِحْبَابُ
الصُّعُودِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِخُطْبَةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَفِيهِ
اسْتِحْبَابُ الْخُرُوجِ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ عِنْدَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا وَقْتَ لَهَا
مُعَيَّنٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ أَحْكَامِهَا كَالْعِيدِ، لَكِنَّهَا
مُخَالِفَةٌ بِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِيَوْمٍ مُعَيَّنٍ. وَنَقَلَ ابْنُ
قُدَامَةَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُصَلَّى فِي وَقْتِ
الْكَرَاهَةِ. وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمُبَالَغَةِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ
عِنْدَ الِاسْتِسْقَاءِ، وَاسْتِحْبَابُ اسْتِقْبَالِ الْخَطِيبِ عِنْدَ
تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ الْقِبْلَةَ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ صِفَةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَجَوَازُهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ
وَبَعْدَهَا
1744- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - يَوْمًا يَسْتَسْقِي، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ بِلَا
أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، ثُمَّ خَطَبَنَا وَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
وَحَوَّلَ وَجْهَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ، ثُمَّ قَلَبَ
رِدَاءَهُ فَجَعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْسَرَ عَلَى
الْأَيْمَنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
1745- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - إلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ
حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ
ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1746- وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
يَوْمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي قَالَ: فَحَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ
وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى
رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
1747- وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ) .
(1/472)
1748- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسُئِلَ عَنْ
الصَّلَاةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَقَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - مُتَوَاضِعًا مُتَبَذِّلًا مُتَخَشِّعًا مُتَضَرِّعًا،
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ لَمْ يَخْطُبْ
خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
1749- وَفِي رِوَايَةٍ: خَرَجَ مُتَبَذِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا
حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى فَرَقَى الْمِنْبَرَ وَلَمْ يَخْطُبْ
خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ
وَالتَّكْبِيرِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَكَذَلِكَ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، لَكِنْ قَالَا:
وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ التِّرْمِذِيُّ رُقِيَّ
الْمِنْبَرِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ اخْتَلَفَتْ
الْأَحَادِيثُ فِي تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ الْعَكْسِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُعْتَضَدُ الْقَوْلُ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى
الْخُطْبَةِ بِمُشَابَهَتِهَا لِلْعِيدِ وَكَذَا مَا تَقَرَّرَ مِنْ
تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ أَمَامَ الْحَاجَةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُمْكِنُ
الْجَمْعُ بَيْنَ مَا اخْتَلَفَ مِنْ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ -
صلى الله عليه وسلم - بَدَأَ بِالدُّعَاءِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ
خَطَبَ فَاقْتَصَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَلَى شَيْءٍ، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ
بِالدُّعَاءِ عَنْ الْخُطْبَةِ فَلِذَلِكَ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ
وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ الشُّرُوعُ
بِالصَّلَاةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَبِهِ قَالَ الْجَمَاهِيرُ. قَالَ
أَصْحَابُنَا: وَلَوْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ صَحَّتَا،
وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ
وَخُطْبَتِهَا. قَالَ الشَّارِحُ: وَجَوَازُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ
بِلَا أَوْلَوِيَّةٍ هُوَ الْحَقُّ.
قَوْلُهُ: (مُتَبَذِّلًا) أَيْ لَابِسًا لِثِيَابِ الْبِذْلَةِ تَارِكًا
لِثِيَابِ الزِّينَةِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (مُتَخَشِّعًا) أَيْ مُظْهِرًا لِلْخُشُوعِ لِيَكُونَ ذَلِكَ
وَسِيلَةً إلَى نَيْلِ مَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَوْلُهُ: (مُتَضَرِّعًا) أَيْ مُظْهِرًا لِلضَّرَاعَةِ وَهِيَ
التَّذَلُّلُ عِنْدَ طَلَبِ الْحَاجَةِ.
بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ بِذَوِي الصَّلَاحِ وَإِكْثَارِ الِاسْتِغْفَارِ
وَرَفْعِ الْأَيْدِي بِالدُّعَاءِ وَذِكْرِ أَدْعِيَةٍ مَأْثُورَةٍ فِي
ذَلِكَ
1750- عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إذَا قَحَطُوا،
اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ ابْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ
إنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِنَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم -
فَتُسْقِينَا،
(1/473)
وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِعَمِّ
نَبِيَّكَ فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ يَسْتَسْقِي، فَلَمْ يَزِدْ
عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَاكَ اسْتَسْقَيْتَ،
فَقَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ الْغَيْثَ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّذِي
يُسْتَنْزَلُ بِهِ الْمَطَرُ، ثُمَّ قَرَأَ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} .
{وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ} . رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي
سُنَنِهِ.
1751- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَا
يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ،
فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
1752- وَلِمُسْلِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَسْقَى
فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ.
1753- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْمَاشِيَةُ، وَهَلَكَتْ
الْعِيَالُ، وَهَلَكَ النَّاسُ؛ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - يَدَيهُ يَدْعُو، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُونَ؛
قَالَ: فَمَا خَرَجْنَا مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا. مُخْتَصَرٌ
مَنْ الْبُخَارِيِّ.
1754- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ جِئْتُكَ مِنْ
عِنْدِ قَوْمٍ مَا يَتَزَوَّدُ لَهُمْ رَاعٍ، وَلَا يَخْطِرُ لَهُمْ
فَحْلٌ، فَصَعِدَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ
قَالَ: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا طَبَقًا
غَدَقًا عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ» . ثُمَّ نَزَلَ فَمَا يَأْتِيهِ أَحَدٌ
مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا قَالُوا: قَدْ أُحْيِينَا. رَوَاهُ
ابْنُ مَاجَهْ.
1755- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رضي الله
عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا
اسْتَسْقَى قَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَك، وَانْشُرْ
رَحْمَتَك وَأَحْيِ بَلَدَك الْمَيِّتَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1756- وَعَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَطَرِ: ... «اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ،
وَلَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ، وَلَا هَدْمٍ، وَلَا غَرَقٍ،
اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ؛ اللَّهُمَّ
حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ
وَهُوَ مُرْسَلٌ.
(1/474)
قَوْلُهُ: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
كَانَ إذَا قَحَطُوا، اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ) . قَالَ الشَّارِحُ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ بَيَّنَ
الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ صِفَةَ مَا دَعَا بِهِ الْعَبَّاسُ فِي هَذِهِ
الْوَاقِعَةِ فَأَخْرَجَ بِإِسْنَادِهِ: «أَنَّ الْعَبَّاسَ لَمَّا
اسْتَسْقَى بِهِ عُمَرُ قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّهُ لَا يَنْزِلُ بَلَاءٌ
إلَّا بِذَنْبٍ وَلَمْ يُكْشَفْ إلَّا بِتَوْبَةٍ، وَقَدْ تَوَجَّهَ بِي
الْقَوْمُ إلَيْكَ لِمَكَانِي مِنْ نَبِيِّكَ وَهَذِهِ أَيْدِينَا إِلَيْكَ
بِالذُّنُوبِ، وَنَوَاصِينَا إلَيْك بِالتَّوْبَةِ، فَاسْقِنَا الْغَيْثَ؛
فَأَرْخَتْ السَّمَاءُ مِثْلَ الْجِبَالِ حَتَّى أَخْصَبَتْ الْأَرْضُ
وَعَاشَ النَّاسُ) . قَالَ: وَيُسْتَفَادُ مِنْ قِصَّةِ الْعَبَّاسِ
اسْتِحْبَابُ الِاسْتِشْفَاعِ بِأَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَأَهْلِ
بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَفِيهِ فَضْلُ الْعَبَّاسِ وَفَضْلُ عُمَرَ
لِتَوَاضُعِهِ لِلْعَبَّاسِ وَمَعْرِفَتِهِ بِحَقِّهِ.
قَوْلُهُ: (كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ
فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ) إلى آخرِهِ. قَالَ
الشَّارِحُ: ظَاهِرُهُ نَفْيُ الرَّفْعِ فِي كُلِّ دُعَاءٍ غَيْرَ
الِاسْتِسْقَاءِ، وَهُوَ مُعَارِضٌ لِلْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي
الرَّفْعِ فِي غَيْرِ الِاسْتِسْقَاءِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ، فَذَهَبَ
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّ الْعَمَلَ بِهَا أَوْلَى، وَحُمِلَ
حَدِيثُ أَنَسٍ عَلَى نَفْيِ رُؤْيَتِهِ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ
رُؤْيَةِ غَيْرِهِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى تَأْوِيلِ حَدِيثِ أَنَسٍ
لِأَجْلِ الْجَمْعِ بِأَنْ يُحْمَلَ النَّفْيُ عَلَى جِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ:
إمَّا عَلَى الرَّفْعِ الْبَلِيغِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: «حَتَّى
يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ غَالِبَ الْأَحَادِيثِ
الَّتِي وَرَدَتْ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ. إنَّمَا
الْمُرَادُ بِهَا مَدُّ الْيَدَيْنِ وَبَسْطُهُمَا عِنْدَ الدُّعَاءِ،
وَكَأَنَّهُ عِنْدَ الِاسْتِسْقَاءِ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَرَفَعَهُمَا إلَى
جِهَةِ وَجْهِهِ حَتَّى حَاذَتَاهُ وَحِينَئِذٍ يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ،
وَإِمَّا عَلَى صِفَةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي رِوَايَةِ
مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ
أَنَسٍ: «كَانَ يَسْتَسْقِي هَكَذَا وَمَدَّ يَدَيْهِ وَجَعَلَ
بُطُونَهُمَا مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إبْطَيْهِ» .
قَوْلُهُ: (فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهُ
يَدْعُو) - صلى الله عليه وسلم -. زَادَ مُسْلِمٌ: حِذَاءَ وَجْهِهِ.
وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْأَدَبِ فَنَظَرَ
إلَى السَّمَاءِ.
قَوْلُهُ: (فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ) قَالَ فِي
الْفَتْحِ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: السُّنَّةُ فِي كُلِّ دُعَاءٍ لِرَفْعِ
بَلَاءٍ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ جَاعِلًا ظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى
السَّمَاءِ، وَإِذَا دَعَا بِحُصُولِ شَيْءٍ أَوْ تَحْصِيلِهِ أَنْ
يَجْعَلَ بَطْنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ.
(1/475)
بَابُ تَحْوِيلِ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ
أَرْدِيَتَهُمْ فِي الدُّعَاءِ وَصِفَتِهِ وَوَقْتِهِ
1757- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - حِينَ اسْتَسْقَى لَنَا أَطَالَ الدُّعَاءَ
وَأَكْثَرَ الْمَسْأَلَةَ قَالَ: ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الْقِبْلَةِ
وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ فَقَلَبَهُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ وَتَحَوَّلَ النَّاسُ
مَعَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1758- وَفِي رِوَايَةٍ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا
يَسْتَسْقِي فَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَجَعَلَ عِطَافَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى
عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، وَجَعَلَ عِطَافَهُ الْأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ
الْأَيْمَنِ.
1759- وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ
أَسْفَلَهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ، فَقَلَبَهَا
الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فِيهِ اسْتِحْبَابُ
اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ حَالَ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ، وَمَحَلُّهُ بَعْدَ
الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ وَإِرَادَةِ الدُّعَاءِ.
قَوْلُهُ: «وَتَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ» هَكَذَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ بِلَفْظِ «وَحَوَّلَ»
وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ اسْتِحْبَابِ
تَحْوِيلِ النَّاسِ بِتَحْوِيلِ الْإِمَامِ.
بَابُ مَا يَقُولُ وَمَا يَصْنَعُ إذَا رَأَى الْمَطَرَ وَمَا يَقُولُ إذَا
كَثُرَ جِدًّا
1760 - عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - إذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: ... «اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
1761 - وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسِرَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ
مِنْ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ
حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
1762- وَعَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ
الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ
وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يَخْطُبُ،
(1/476)
فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَائِمًا ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ
الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُغِثْنَا، قَالَ:
فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
«اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» . قَالَ أَنَسٌ: وَلَا
وَاَللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ وَمَا
بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ
مِنْ وَرَاءَهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ: فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ
السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، قَالَ: فَلَا وَاَللَّهِ مَا
رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا
قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ
الْمُقْبِلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمًا
يَخْطُبُ. فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ
الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا
عَنَّا؛ قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ
ثُمَّ قَالَ: ... «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ
عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ
الشَّجَرِ» . قَالَ: فَانْقَلَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ،
قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْتُ أَنَسًا أَهُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ؟ قَالَ:
لَا أَدْرِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ
عَهْدٍ بِرَبِّهِ» . قَالَ الْعُلَمَاءُ: أَيْ بِتَكْوِينِ رَبِّهِ
إيَّاهُ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ) إِلَى
آخرِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا اتَّفَقَ
وُقُوعُ الِاسْتِسْقَاءِ يَوْمَ جُمُعَةٍ انْدَرَجَتْ خُطْبَةُ
الِاسْتِسْقَاءِ وَصَلَاتِهَا فِي الْجُمُعَةِ. قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ:
جَوَازُ الْمُكَالَمَةِ مِنْ الْخَطِيبِ حَالَ الْخُطْبَةِ وَتَكْرَارِ
الدُّعَاءِ وَإِدْخَالِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ
وَالدُّعَاءِ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَتَرْكِ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ
وَالِاسْتِقْبَالِ. وَفِيهِ عِلْمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ.
(1/477)
|