بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار كِتَابُ النِّكَاحِ
بَابُ الْحَثِّ عَلَيْهِ وَكَرَاهَةِ تَرْكِهِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ
3411- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ
فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ،
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» .
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
3412- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ
أَذِنَ لَهُ لاخْتَصَيْنَا.
3413- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ بَعْضُهُمْ: لا أَتَزَوَّجُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
أُصَلِّي وَلا أَنَامُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصُومُ وَلا أُفْطِرُ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «مَا بَالُ
أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي
وَأَنَامُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي
فَلَيْسَ مِنِّي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
3414- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ
تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: تَزَوَّجْ، فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ
الأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
3415- وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ التَّبَتُّلِ. وَقَرَأَ قَتَادَةُ:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ
أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.
(2/204)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
قَوْلُهُ: (نَهَى عَنْ التَّبَتُّلِ) قَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا النَّهْيِ،
وَبِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ: «فَلْيَتَزَوَّجْ» وَبِقَوْلِهِ:
«فَمَنْ رَغِبَ عَنْ
سُنَّتِي» وَبِسَائِرِ مَا فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مِنْ الأَوَامِرِ
وَنَحْوِهَا مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ النِّكَاحِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ
قَسَّمَ الْعُلَمَاءُ الرَّجُلَ فِي التَّزْوِيجِ إلَى أَقْسَامٍ:
التَّائِقُ إلَيْهِ الْقَادِرُ عَلَى مُؤَنِهِ الْخَائِفُ عَلَى نَفْسِهِ،
فَهَذَا يُنْدَبُ لَهُ النِّكَاحُ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَزَادَ
الْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ يَجِبُ، وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو
عَوَانَةَ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي
صَحِيحِهِ، وَنَقَلَهُ الْمُصْعَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ
وَجْهًا وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَأَتْبَاعِهِ انْتَهَى. قَالَ الشَّارِحُ:
وَبِهِ قَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ مَعَ الْخَشْيَةِ عَلَى النَّفْسِ مِنْ
الْمَعْصِيَةِ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ عَلَى
الْوَطْءِ إنْ وَجَدَ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ أَوْ يَتَسَرَّى أَنْ يَفْعَلَ
أَحَدَهُمَا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَلْيُكْثِرْ مِنْ الصَّوْمِ
وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْمَشْهُورُ
عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لا يَجِبُ عَلَى الْقَادِرِ التَّائِقِ إلا إذَا
خَشِيَ الْعَنَتَ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اقْتَصَرَ ابْنُ
هُبَيْرَةَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمُسْتَطِيعُ الَّذِي يَخَافُ
الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَدِينِهِ مِنْ الْعُزُوبَةِ لا يَرْتَفِعُ
عَنْهُ ذَلِكَ إلا بِالتَّزْوِيجِ لا يُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِ التَّزْوِيجِ
عَلَيْهِ وَحَكَى ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ الْوُجُوبَ عَلَى مَنْ خَافَ
الْعَنَتَ عَنْ الْمَازِرِيِّ، وَكَذَلِكَ حُكِيَ عَنْهُ التَّحْرِيمُ
عَلَى مَنْ يُخِلُّ بِالزَّوْجَةِ فِي الْوَطْءِ وَالإِنْفَاقِ مَعَ عَدَمِ
قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَالْكَرَاهَةُ حَيْثُ لا يَضُرُّ بِالزَّوْجَةِ مَعَ
عَدَمِ التَّوَقَانِ إلَيْهِ، وَتَزْدَادُ الْكَرَاهَةُ إذَا كَانَ ذَلِكَ
يُفْضِي إلَى الإِخْلالِ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ الَّتِي يَعْتَادُهَا
وَالاسْتِحْبَابُ فِيمَا إذَا حَصَلَ بِهِ مَعْنًى مَقْصُودٌ مِنْ كَسْرِ
شَهْوَةٍ وَإِعْفَافِ نَفْسٍ وَتَحْصِينِ فَرْجٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ،
وَالإِبَاحَةُ فِيمَا إذَا اتَّفَقَتْ الدَّوَاعِي وَالْمَوَانِعُ. وَقَالَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ: هُوَ مَنْدُوبٌ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ يُرْجَى مِنْهُ
النَّسْلُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْوَطْءِ شَهْوَةٌ، وَكَذَا فِي
حَقِّ مَنْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي نَوْعٍ مِنْ الاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ
غَيْرَ الْوَطْءِ فَأَمَّا مَنْ لا نَسْلَ لَهُ وَلا أَرَبَ لَهُ فِي
النِّسَاءِ وَلا فِي الاسْتِمْتَاعِ فَهَذَا مُبَاحٌ فِي حَقِّهِ إذَا
عَلِمَتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ وَرَضِيَتْ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَالإِعْرَاضُ عَنِ الأَهْلِ وَالأَوْلادِ
لَيْسَ مِمَّا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا هُوَ دِينُ الأَنْبِيَاءِ،
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ
وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} ، وَلَيْسَ لِلأَبَوَيْنِ
إِلْزَامِ الْوَلَدِ بِنِكَاحِ مَنْ لا يُرِيدُ فَلا
(2/205)
يَكُونُ عَاقًا كَأَكْلِ مَا لا يُرِيدُ،
إِلَى أَنْ قَالَ: وَإِنْ احْتَاجَ الإِنْسَانُ إِلَى النِّكَاحِ وَخَشِيَ
الْعَنَتَ بِتَرْكَهِ قَدَّمَهُ عَلَى الْحَجِّ الْوَاجِبِ، وَإِنْ لَمْ
يَخْفِ قَدَمَ الْحَجِّ، وَنَصَّ الإَمِامُ أَحْمَد عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ
صَالِحِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ
الْعِبَادَاتِ فَرْضَ كِفَايَة كَالْعِلْمِ وَالْجِهَادِ قُدِّمَتْ عَلَى
النِّكَاحِ إِنْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ. انْتَهَى.
بَابُ صِفَةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي تُسْتَحَبُّ خِطْبَتُهَا
3416- عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْمُرُ
بِالْبَاءَةِ وَيَنْهَى عَنْ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا وَيَقُولُ:
«تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ
الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
3417- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «انْكِحُوا أُمَّهَاتِ الأَوْلادِ فَإِنِّي
أُبَاهِي بِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
3418- وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ
وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: «لا» . ثُمَّ
أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ:
«تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ» . رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
3419- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ:
«يَا جَابِرُ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا» ؟ قَالَ: ثَيِّبًا،
فَقَالَ: «هَلا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ» ؟ رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ.
3420- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا،
وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ
يَدَاكَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ.
3421- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «إنَّ الْمَرْأَةَ تُنْكَحُ عَلَى دِينِهَا، وَمَالِهَا،
وَجَمَالِهَا، فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» . رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ وَمَا
فِي مَعْنَاهَا تَدُلُّ عَلَى
(2/206)
مَشْرُوعِيَّةِ النِّكَاحِ
وَمَشْرُوعِيَّةِ أَنْ تَكُونَ الْمَنْكُوحَةُ وَلُودًا. وَفِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى اسْتِحْبَابِ نِكَاحِ الأَبْكَارِ إلا لِمُقْتَضٍ، وَتقديم ذَاتُ
الدِّينِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ خِطْبَةِ الْمُجْبَرَةِ إلَى وَلِيِّهَا وَالرَّشِيدَةِ إلَى
نَفْسِهَا
3422- عَنْ عِرَاكٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
خَطَبَ عَائِشَةَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا
أَنَا أَخُوكَ فَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ أَخِي فِي دِينِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ
وَهِيَ لِي حَلالٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا مُرْسَلاً.
3423- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ
أَرْسَلَ إلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَاطِبَ بْنَ أَبِي
بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ لِي بِنْتًا، وَأَنَا
غَيُورٌ، فَقَالَ: «أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا
عَنْهَا، وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ» . مُخْتَصَرٌ
مِنْ مُسْلِمٍ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ الأَوَّلُ فِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ خِطْبَةَ الْمَرْأَةِ الصَّغِيرَةِ الْبِكْرِ تَكُونُ
إلَى وَلِيِّهَا. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَفِيهِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ
إنْكَاحِ الْبِكْرِ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ مَخْصُوصٌ بِالْبَالِغَةِ الَّتِي
يُتَصَوَّرُ مِنْهَا الإِذْنُ وَأَمَّا
الصَّغِيرَةُ فَلا إذْنَ لَهَا، وَسَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَى ذَلِكَ فِي
بَابِ مَا جَاءَ فِي الإِجْبَارِ وَالِاسْتِئْمَارِ إِنْ شَاءَ اللهُ
تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (وَأَنَا غَيُورٌ) أي: تَغَارُ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً
أُخْرَى، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْبَالِغَةَ الثَّيِّب
تُخْطَبُ إلَى نَفْسِهَا. انْتَهَى ملخصًا.
بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ
3424- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ فَلا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ
أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ
أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
2635 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «لا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ
أَوْ يَتْرُكَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
3426- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا
(2/207)
يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ
الرَّجُلِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ
الْخَاطِبُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «وَلا يَخْطُبُ» إلى
آخره اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ عَلَى
الْخِطْبَةِ لِقَوْلِهِ «لا يَحِلُّ» بِالنَّهْيِ فِي حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَهو مذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
قَوْلُهُ: «حَتَّى يَتْرُكَ» فِيه دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلآخَرِ
أَنْ يَخْطُبَ بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ رَغْبَةَ الأَوَّلِ عَنْ النِّكَاحِ.
بَابُ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ فِي الْعِدَّةِ
3427- عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلاثًا،
فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُكْنَى
وَلا نَفَقَةً، قَالَتْ: وَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
-: «إذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي» . فَآذَنْتُهُ فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ
وَأَبُو جَهْمٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ لا مَالَ لَهُ.
وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ، وَلَكِنْ أُسَامَةُ»
. فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا: أُسَامَةُ؟ أُسَامَةُ؟ فَقَالَ لَهَا
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «طَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ
رَسُولِهِ» . قَالَتْ: فَتَزَوَّجْتُهُ فَاغْتَبَطْتُ. رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلا الْبُخَارِيَّ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا {فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ
مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} يَقُولُ: إنِّي أُرِيدُ التَّزْوِيجَ
وَلَوَدِدْت أَنَّهُ يَسَّرَ لِي امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ. رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ.
3428- وَعَنْ سُكَيْنَةَ بِنْتِ حَنْظَلَةَ قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي مِنْ مَهْلَكَةِ زَوْجِي،
فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتِ قَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - وَقَرَابَتِي مِنْ عَلِيٍّ، وَمَوْضِعِي مِنْ الْعَرَبِ، قُلْت:
غَفَرَ اللَّهُ لَك يَا أَبَا جَعْفَرٍ إنَّكَ رَجُلٌ يُؤْخَذُ عَنْكَ
وَتَخْطُبُنِي فِي عِدَّتِي؟ فَقَالَ: إنَّمَا أَخْبَرْتُكِ بِقَرَابَتِي
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمِنْ عَلِيٍّ وَقَدْ دَخَلَ
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ
مُتَأَيِّمَةٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: «لَقَدْ عَلِمْتِ أَنِّي
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ
وَمَوْضِعِي مِنْ قَوْمِي» . كَانَتْ تِلْكَ خِطْبَتَهُ. رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (إنِّي أُرِيدُ
التَّزْوِيجَ) هُوَ تَفْسِير
(2/208)
التَّعْرِيض الْمَذْكُور فِي الآية، وَمِنْ
التَّعْرِيضِ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عِنْدَ أَبِي
دَاوُد: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا: «لا
تَفُوتِينَا بِنَفْسِكِ» وَمِنْهُ قَوْل الْبَاقِرُ الْمَذْكُورُ فِي
الْبَابِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ
الْمُرَادَ بِهَذَا الْحُكْمِ
مَنْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ
الطَّلاقِ الْبَائِنِ، وَكَذَا مَنْ وَقَفَ نِكَاحُهَا وَأَمَّا
الرَّجْعِيَّةُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يُعَرِّضَ
لَهَا بِالْخِطْبَةِ فِيهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْخِطْبَةِ
حَرَامٌ لِجَمِيعِ الْمُعْتَدَّاتِ، وَالتَّعْرِيضُ مُبَاحٌ لِلأُولَى
وَحَرَامٌ فِي الأَخِيرَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الْبَائِنِ. انتهى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَالْمُعْتَدَّةُ بِاسْتَبْرَاءٍ كَأُمِّ
الْوَلَدِ أَوْ مَاتَ سَيِّدُهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ
تَكُونَ فِي حُكْمِ الأَجْنَبِيَّةِ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا،
وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا وَالْمُفْسِخُ نِكَاحهَا بِرِضَاعٍ أَوْ لِعَانٍ
فَيَجُوزُ التَّعَرُّض دُونَ التَّصْرِيحِ. انْتَهَى.
بَابُ النَّظَرِ إلَى الْمَخْطُوبَةِ
3429- فِي حَدِيثِ الْوَاهِبَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: «فَصَعَّدَ فِيهَا
النَّظَرَ وَصَوَّبَهُ» .
3430- وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً،
فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ... «اُنْظُرْ إلَيْهَا
فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا
أَبَا دَاوُد.
3431- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً، فَقَالَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ... «اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّ فِي
أَعْيُنِ الأَنْصَارِ شَيْئًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
3432- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ: «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَقَدَرَ أَنْ يَرَى مِنْهَا
بَعْضَ مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد.
3433- وَعَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَوْ
حُمَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا
خَطَبَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا
إذَا كَانَ، إنَّمَا يَنْظُرُ إلَيْهَا لِخِطْبَةٍ وَإِنْ كَانَتْ لا
تَعْلَمُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3434- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إذَا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي
قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
(2/209)
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
وأحاديث الْبَابِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا بَأْسَ بِنَظَرِ
الرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَإِلَى
ذَلِكَ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْحَنَفِيَّةِ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: أَنَّ
عُمَرَ خَطَبَ إلَى عَلِيٍّ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ، فَذَكَرَ لَهُ
صِغَرَهَا، فَقَالَ: أَبْعَثُ بِهَا إلَيْكَ فَإِنْ رَضِيتَ فَهِيَ
امْرَأَتُكَ، فَأَرْسَلَ بِهَا إلَيْهِ، فَكَشَفَ عَنْ سَاقِهَا،
فَقَالَتْ: لَوْلا أَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَصَكَكْتُ عَيْنَيْكَ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ الْخَلْوَةِ بِالأَجْنَبِيَّةِ وَالأَمْرِ بِغَضِّ
النَّظَرِ
وَالْعَفْوِ عَنْ نَظَرِ الْفَجْأَةِ
3435- عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ
كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يَخْلُوَنَّ
بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا
الشَّيْطَانُ» .
3436- وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لا تَحِلُّ لَهُ،
فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ إلا مَحْرَمٌ» . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
3437- وَقَدْ سَبَقَ مَعْنَاهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ
عَلَيْهِ.
3438- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلا تَنْظُرُ
الْمَرْأَةُ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلا يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى
الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَلا الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي
الثَّوْبِ الْوَاحِدِ» .
3439- وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - عَنْ نَظَرِ الْفَجْأَةِ؟ فَقَالَ: «اصْرِفْ
بَصَرَكَ» . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ.
3440- وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - لِعَلِيٍّ «يَا عَلِيُّ لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ
فَإِنَّمَا لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
3441- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» . فَقَالَ رَجُلٌ
مِنْ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ:
«الْحَمْوُ الْمَوْتُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلُهُ:
(2/210)
«الْحَمْوِ» يُقَالُ: هُوَ أَخُو الزَّوْجِ
كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالْخَلْوَةُ
بِالأَجْنَبِيَّةِ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا. وَاخْتَلَفُوا هَلْ
يَقُومُ مَقَامَهُ المحرم غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ كَالنِّسْوَةِ الثِّقَاتِ؟
فَقِيلَ: يَجُوزُ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ وَقِيلَ: لا يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرُ
الْحَدِيثِ، إلى أن قَالَ: وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
النَّظَرَ الْوَاقِعَ فَجْأَةً مِنْ دُونِ قَصْدٍ وَتَعَمُّدٍ لا يُوجِبُ
إثْمَ النَّاظِرِ لأَنَّ التَّكْلِيفَ بِهِ خَارِجٌ عَنْ الاسْتِطَاعَةِ.
قَوْلُهُ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» أَيْ: الْخَوْفُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ
غَيْرِهِ، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ اللَّيْثِ أَنَّهُ قَالَ: الْحَمْوُ:
أَخُو الزَّوْجِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ، ابْنُ
الْعَمِّ وَنَحْوُهُ.
بَابُ أَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ إلا الْوَجْهَ وَأَنَّ عَبْدَهَا
كَمَحْرَمِهَا
فِي نَظَرِ مَا يَبْدُو مِنْهَا غَالِبًا
3442- وَعَنْ خَالِدِ بْنِ دُرَيْكٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ
أَبِي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَقَالَ: «يَا أَسْمَاءُ
إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ لَهَا أَنْ يُرَى
مِنْهَا إلا هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَقَالَ: هَذَا مُرْسَلٌ، خَالِدُ بْنُ دُرَيْكٍ
لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ.
3443- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى
فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا، قَالَ: وَعَلَى فَاطِمَةَ ثَوْبٌ
إذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ
بِهِ رِجْلَيْهَا، لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا؛ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - مَا تَلْقَى قَالَ: «إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْك بَأْسٌ،
إنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلامُكِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
3444- وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: «إذَا كَانَ لإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ
وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» .
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «إلا هَذَا وَهَذَا»
فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ يَجُوزُ نَظَرُ الأَجْنَبِيَّةِ. قَالَ
ابْنُ رَسْلانَ: وَهَذَا عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ مِمَّا تَدْعُو
الشَّهْوَةُ إلَيْهِ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ مَا دُونَهُ أَمَّا عِنْدَ خَوْفِ
الْفِتْنَةِ فَظَاهِرُ إطْلاقِ الآيَةِ
(2/211)
وَالْحَدِيثِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ
الْحَاجَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِالْحَاجَةِ اتِّفَاقُ
الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ أَنْ يَخْرُجْنَ سَافِرَاتِ
الْوُجُوهِ لا سِيَّمَا عِنْدَ كَثْرَةِ الْفُسَّاقِ وَحَكَى الْقَاضِي
عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لا يَلْزَمُهَا سَتْرُ وَجْهِهَا فِي
طَرِيقِهَا وَعَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ لِلآيَةِ.
قَوْلُهُ: «إنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلامُكِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ لِلْعَبْدِ النَّظَرُ إلَى سَيِّدَتِهِ وَأَنَّهُ مِنْ
مَحَارِمِهَا يَخْلُو بِهَا وَيُسَافِرُ مَعَهَا وَيَنْظُرُ مِنْهَا مَا
يَنْظُرُ إلَيْهِ مَحْرَمُهَا، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَتْ عَائِشَةُ
وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ
وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ
إلَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ كَالأَجْنَبِيِّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَزَوُّجِهَا
إيَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ.
بَابٌ فِي غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ
3445- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
عِنْدَهَا وَفِي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
أُمَيَّةَ - أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ -: يَا عَبْدَ اللَّهِ إنْ فَتَحَ
اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي الطَّائِفِ فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى ابْنَةِ
غَيْلانَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فَقَالَ
... النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَدْخُلَنَّ هَؤُلاءِ
عَلَيْكُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3446- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا قَالَتْ: كَانَ يَدْخُلُ
عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُخَنَّثٌ، قَالَتْ:
وَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ، فَدَخَلَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ
وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً، قَالَ: إذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ،
وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم -: «أَرَى هَذَا يَعْرِفُ مَا هَا هُنَا لا يَدْخُلَنَّ
عَلَيْكُمْ هَذَا» . فَحَجَبُوهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو
دَاوُد وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ.
3447- وَأَخْرَجَهُ وَكَانَ بِالْبَيْدَاءِ يَدْخُلُ كُلَّ جُمُعَةٍ
يَسْتَطْعِمُ.
3448- وَعَنْ الأَوْزَاعِيِّ - فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ - فَقِيلَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ إذًا يَمُوتُ مِنْ الْجُوعِ؟ فَأَذِنَ لَهُ أَنْ
يَدْخُلَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ فَيَسْأَلُ ثُمَّ يَرْجِعُ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (مُخَنَّثٌ) بِفَتْحِ
النُّونِ وَكَسْرِهَا
(2/212)
وَالْفَتْحُ الْمَشْهُورُ: وَهُوَ الَّذِي
يُلَيِّنُ فِي قَوْلِهِ وَيَتَكَسَّرُ فِي مِشْيَتِهِ وَيَتَثَنَّى فِيهَا
كَالنِّسَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ خِلْقَةً وَقَدْ يَكُونُ تَصَنُّعًا مِنْ
الْفَسَقَةِ، وَمَنْ كَانَ ذَلِكَ فِيهِ خِلْقَةً فَالْغَالِبُ مِنْ
حَالِهِ أَنَّهُ لا أَرَبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ، وَلِذَلِكَ كَانَ
أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْدُدْنَ هَذَا
الْمُخَنَّثَ مِنْ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ، وَكُنَّ لا يَحْجُبْنَهُ إلا
إنْ ظَهَرَ مِنْهُ مَا ظَهَرَ مِنْ هَذَا الْكَلامِ.
قَوْلُهُ: (تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ) الْمُرَادُ
بِالأَرْبَعِ هِيَ الْعُكَنُ جَمْعُ عُكْنَةٍ، وَلِكُلِّ عُكْنَةٍ
طَرَفَانِ، فَإِذَا رَآهُنَّ الرَّائِي مِنْ جِهَةِ الْبَطْنِ وَجَدَهُنَّ
أَرْبَعًا وَإِذَا رَآهُنَّ مِنْ جِهَةِ الظَّهْرِ وَجَدَهُنَّ ثَمَانِيًا.
قَوْلُهُ: «أَرَى هَذَا» إلَى آخره بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ. قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا يَدُلُّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ لا
يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ النِّسَاءِ وَلا يَخْطِرُ لَهُ بِبَالٍ،
وَيُشْبِهُ أَنَّ التَّخْنِيثَ كَانَ فِيهِ خِلْقَةً وَطَبِيعَةً وَلَمْ
يُعْرَفْ مِنْهُ إلا ذَلِكَ، وَلِهَذَا كَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ
أُولِي الإِرْبَةِ.
قَوْلُهُ: (وَأَخْرَجَهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: إخْرَاجُ الْمُخَنَّثِ
وَنَفْيِهِ كَانَ لِثَلاثَةِ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَانَ يُظَنُّ
أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ ثُمَّ لَمَّا وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ
الْكَلامُ زَالَ الظَّنُّ. وَالثَّانِي: وَصْفُ النِّسَاءَ
وَمَحَاسِنَهُنَّ وَعَوْرَاتِهِنَّ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ
مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَطَّلِعُ من النِّسَاءَ وَأَجْسَامَهُنَّ
وَعَوْرَاتِهِنَّ عَلَى مَا لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ النِّسَاءِ
وَفِي ذَلِكَ دَلِيلُ جَوَازِ الْعُقُوبَةِ بِالإِخْرَاجِ مِنْ الْوَطَنِ
لِمَا يُخَافُ مِنْ الْفَسَادِ وَالْفِسْقِ، وَجَوَازِ الإِذْنِ
بِالدُّخُولِ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ لِلْحَاجَةِ.
بَابٌ فِي نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ
3449- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - وَمَيْمُونَةَ، فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَدَخَلَ
عَلَيْهِ. وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرَ بِالْحِجَابِ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ... «احْتَجِبَا مِنْهُ» . فَقُلْنَا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ أَعْمَى لا يُبْصِرُنَا وَلا يَعْرِفُنَا؟
فَقَالَ: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا، أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ» ؟
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
3450- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ
(2/213)
إلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي
الْمَسْجِدِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَسْأَمُهُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ
الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3451- وَلأَحْمَدَ: إنَّ الْحَبَشَةَ كَانُوا يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي يَوْمِ عِيدٍ، قَالَتْ: فَاطَّلَعْت
مِنْ فَوْقِ عَاتِقِهِ فَطَأْطَأَ لِي مَنْكِبَيْهِ، فَجَعَلْت أَنْظُرُ
إلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِ عَاتِقِهِ حَتَّى شَبِعْت ثُمَّ انْصَرَفْت.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ
أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ
نَظَرُ الرَّجُلِ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ نَظَرُ الْمَرْأَةِ،
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْهَادَوِيَّةِ قَالَ
النَّوَوِيُّ: وَهُوَ الأصح وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ... {وَقُلْ
لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ
بِالْجَوَازِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ
أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَقَدْ
جَمَعَ أَبُو دَاوُد بَيْنَ الأَحَادِيثِ فَجَعَلَ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ
مُخْتَصًّا بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ
الْحَافِظُ: وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ. قَالَ: وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ
اسْتِمْرَارُ الْعَمَلِ عَلَى جَوَازِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى
الْمَسَاجِدِ وَالأَسْوَاقِ وَالأَسْفَارِ مُنْتَقِبَاتٍ لِئَلا يَرَاهُنَّ
الرِّجَالُ، وَلَمْ يُؤْمَرْ الرِّجَالُ قَطُّ بِالانْتِقَابِ لِئَلا
يَرَاهُمْ النِّسَاءُ، فَدَلَّ عَلَى مُغَايَرَةِ الْحُكْمِ. انْتَهَى
ملخصًا.
قَوْلُهُ: (يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ وَجَوَازُ النَّظَرِ إلَى اللَّهْوِ الْمُبَاحِ،
وَفِيهِ حُسْنُ خُلُقِهِ مَعَ أَهْلِهِ وَكَرَمُ مُعَاشَرَتِهِ - صلى الله
عليه وسلم -.
بَابُ لا نِكَاحَ إلا بِوَلِيٍّ
3452- عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «لا نِكَاحَ إلا بِوَلِيٍّ» .
3453- وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَيُّمَا
امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ،
فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ؛ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا
الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرَا
فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ لَهُ» . رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ
إلا النَّسَائِيّ. وَرَوَى الثَّانِي أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ.
(2/214)
3454- وَلَفْظُهُ: «لا نِكَاحَ إلا
بِوَلِيٍّ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا
فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ
فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ لَهُ» .
3455- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «لا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلا تُزَوِّجُ
الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ
نَفْسَهَا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: جَمَعَتْ الطَّرِيقُ رَكْبًا،
فَجَعَلَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ - ثَيِّبٌ - أَمْرَهَا بِيَدِ رَجُلٍ
غَيْرِ وَلِيٍّ فَأَنْكَحَهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، فَجَلَدَ
النَّاكِحَ وَالْمُنْكَحَ وَرَدَّ نِكَاحَهَا. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ
وَالدَّارَقُطْنِيّ.
وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - أَشَدَّ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ
عَلِيٍّ، كَانَ يَضْرِبُ فِيهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لا نِكَاحَ إلا
بِوَلِيٍّ» هَذَا النَّفْيُ يَتَوَجَّهُ إمَّا إلَى الذَّاتِ
الشَّرْعِيَّةِ، أَوْ إلَى الصِّحَّةِ، فَيَكُونُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ
وَلِيٍّ بَاطِلاً كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالُوا: لا
يَصِحُّ الْعَقْدُ بِدُونِ وَلِيٍّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إنَّهُ لا
يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلافُ ذَلِكَ وَحُكِيَ فِي
الْبَحْرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لا يُعْتَبَرُ الْوَلِيُّ
مُطْلَقًا لِحَدِيثِ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا»
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ اعْتِبَارُ الرِّضَا مِنْهَا جَمْعًا بَيْنَ
الأَخْبَارِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَإِذَا تَعَذَّرَ مَنْ لَهُ وِلايَة
النِّكَاحِ انْتَقَلَتْ الْوِلايَةُ إِلَى أَصْلَحُ مَنْ يُوجَدُ مِمَّنْ
لَهُ نَوْعُ وِلايَةٍ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ كَرَئِيسِ الْقَرْيَةِ، وَهُوَ
الْمُرَادُ باِلدّهقَانِ، وَأَمِير الْقَافِلَةِ وَنَحْوُهُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الإِجْبَارِ وَالاسْتِئْمَارِ
3456- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ
بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(2/215)
3457- وَفِي رِوَايَةٍ: تَزَوَّجَهَا
وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَزُفَّتْ إلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ
سِنِينَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
3458- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ
تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» . رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلا الْبُخَارِيَّ.
3459- وَفِي رِوَايَةٍ لأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ: «وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا» .
3460- وَفِي رِوَايَةٍ لأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ: «وَالْيَتِيمَةُ
تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا» .
3461- وَفِي رِوَايَةٍ لأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ: «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ
مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ، وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ، وَصَمْتُهَا
إقْرَارُهَا» .
3462 - وَعَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ: أَنَّ أَبَاهَا
زَوَّجَهَا - وَهِيَ ثَيِّبٌ - فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَدَّ نِكَاحَهَا. أَخْرَجَهُ
الْجَمَاعَةُ إلا مُسْلِمًا.
3463- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا الْبِكْرُ
حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إذْنُهَا؟
قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
3464- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ
اللَّهِ: تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» .
قُلْتُ: إنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحِي فَتَسْكُتُ، فَقَالَ:
«سُكَاتُهَا إذْنُهَا» .
3465- وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ» . قُلْت: إنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْذَنُ
فَتَسْتَحِي، قَالَ: «إذْنُهَا صُمَاتُهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
3466- وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ
أَذِنَتْ، وَإِنْ أَبَتْ لَمْ تُكْرَهْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
3467- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي
(2/216)
نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ
إذْنُهَا، وَإِنْ أَبَتْ فَلا جَوَازَ عَلَيْهَا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
إلا ابْنَ مَاجَةْ.
3468- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ رَسُولَ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا
وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
3469- وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلاً وَذَكَرَ أَنَّهُ أَصَحُّ.
3470- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تُوُفِّيَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ
وَتَرَكَ ابْنَةً لَهُ مِنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ
حَارِثَةَ بْنِ الأَوْقَصِ، وَأَوْصَى إلَى أَخِيهِ قُدَامَةَ بْنِ
مَظْعُونٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَهُمَا خَالايَ، فَخَطَبْتُ إلَى
قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ ابْنَةَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ
فَزَوَّجَنِيهَا، وَدَخَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، يَعْنِي إلَى
أُمِّهَا فَأَرْغَبَهَا فِي الْمَالِ، فَحَطَّتْ إلَيْهِ وَحَطَّتْ
الْجَارِيَةُ إلَى هَوَى أُمِّهَا، فَأَبَتَا حَتَّى ارْتَفَعَ أَمْرُهُمَا
إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ قُدَامَةُ بْنُ
مَظْعُونٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنَةُ أَخِي أَوْصَى بِهَا إلَيَّ
فَزَوَّجْتُهَا ابْنَ عَمَّتِهَا فَلَمْ أُقَصِّرْ بِهَا فِي الصَّلاحِ
وَلا فِي الْكَفَاءَةِ، وَلَكِنَّهَا امْرَأَةٌ وَإِنَّمَا حَطَّتْ إلَى
هَوَى أُمِّهَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«هِيَ يَتِيمَةٌ وَلا تُنْكَحُ إلا بِإِذْنِهَا» . قَالَ: فَانْتُزِعَتْ
وَاَللَّهِ مِنِّي بَعْدَ أَنْ مَلَكْتُهَا فَزَوَّجُوهَا الْمُغِيرَةَ
بْنَ شُعْبَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْيَتِيمَةَ لا يُجْبِرُهَا وَصِيٌّ وَلا
غَيْرُهُ.
3471- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«آمِرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَوْلُهُ: (إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَزَوَّجَهَا وَهِيَ
بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ) الْحَدِيثُ، قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ
تَعَالَى: أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ لِلِاسْتِدْلالِ بِهِ عَلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ لِلأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِغَيْرِ
اسْتِئْذَانِهَا، وَكَذَلِكَ صَنَعَ الْبُخَارِيُّ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُ يَجُوزُ تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ بِالْكَبِيرِ وَحُكِيَ فِي
الْفَتْحِ الإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ. قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ فِي
الْمَهْدِ لَكِنْ لا يُمَكَّنُ مِنْهَا حَتَّى تَصْلُحَ لِلْوَطْءِ.
انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(2/217)
قَوْلُهُ: «الْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا
أَبُوهَا» قَالَ الشَّارِحُ: الِاسْتِئْمَارُ: طَلَبُ الأَمْرِ،
وَالْمَعْنَى: لا يَعْقِدُ عَلَيْهَا حَتَّى يَطْلُبَ الأَمْرَ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: «لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ
الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» عَبَّرَ لِلثَّيِّبِ بِالِاسْتِئْمَارِ
وَالْبِكْرِ بِالِاسْتِئْذَانِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا مِنْ
جِهَةِ أَنَّ الِاسْتِئْمَارَ يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ الْمُشَاوَرَةِ
وَجَعْلِ الأَمْرِ إلَى الْمُسْتَأْمرة، وَلِهَذَا يَحْتَاجُ الْوَلِيُّ
إلَى صَرِيحِ إذْنِهَا، وَالْبِكْرُ بِخِلافِ ذَلِكَ، وَالإِذْنُ دَائِرٌ
بَيْنَ الْقَوْلِ وَالسُّكُوتِ.
قَوْلُهُ: (حَطَّتْ) أَيْ: مَالَتْ وَأَسْرَعَتْ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ
بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى اعْتِبَارِ الرِّضَا مِنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي
يُرَادُ تَزْوِيجُهَا، وَأَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ صَرِيحِ الإِذْنِ مِنْ
الثَّيِّبِ وَيَكْفِي السُّكُوتُ مِنْ الْبِكْرِ، إلَى أن قَالَ: وَظَاهِرُ
أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ إذَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ
إذْنِهَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الأَوْزَاعِيُّ
وَالثَّوْرِيُّ وَالْعِتْرَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ، وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ
عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: إلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ لِلأَبِ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، وَيَرُدُّ
عَلَيْهِمْ قَوْلِهِ: «وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا» . وَمِمَّا
يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الأَوَّلُونَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ
جَارِيَةً بِكْرًا» إلَى
آخره، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا» أَنَّهُ لا
فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَالْجَدُّ كَالأّبِّ فِي الإِجْبَارِ وَهُوَ
رِوَايَةٌ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَد. وَلَيْسَ لِلأَبِّ إِجْبَار بَنْت
التِّسْع بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثيبًا، وَهُوَ رِوَايةٌ عَنْ أَحْمَدٍ
اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَرِضَا الثَّيِّب الْكَلام، وَالْبِكْرِ
الصُّمَاتُ. انْتَهَى.
بَابُ الِابْنِ يُزَوِّجُ أُمَّهُ
3472- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّهَا لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - يَخْطُبُهَا قَالَتْ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي
شَاهِدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ أَحَدٌ
مِنْ أَوْلِيَائِكِ شَاهِدٌ وَلا غَائِبٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ» . فَقَالَتْ
لِابْنِهَا: يَا عُمَرُ: قُمْ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - فَزَوَّجَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا
الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ
(2/218)
الْوَلَدَ مِنْ جُمْلَةِ الأَوْلِيَاءِ فِي
النِّكَاحِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ.
بَابُ الْعَضْلِ
3473- عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كَانَتْ لِي أُخْتٌ تُخْطَبُ
إلَيَّ، فَأَتَانِي ابْنُ عَمٍّ لِي فَأَنْكَحْتُهَا إيَّاهُ، ثُمَّ
طَلَّقَهَا طَلاقًا لَهُ رَجْعَةٌ ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ
عِدَّتُهَا؛ فَلَمَّا خُطِبَتْ إلَيَّ أَتَانِي يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ: لا
وَاَللَّهِ لا أُنْكِحُكَهَا أَبَدًا، قَالَ: فَفِي نَزَلَتْ هَذِهِ
الآيَةُ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا
تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} الآيَةَ قَالَ:
فَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَنْكَحْتُهَا إيَّاهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ
التَّكْفِيرَ.
3474- وَفِيهِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَكَانَ رَجُلًا لا بَأْسَ
بِهِ، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ.
وَهُوَ حُجَّةٌ فِي اعْتِبَارِ الْوَلِيِّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي حَدِيثِ مَعْقِلٍ هَذَا
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّلْطَانَ لا يُزَوِّجُ الْمَرْأَةَ إلا بَعْدَ
أَنْ يَأْمُرَ وَلِيَّهَا بِالرُّجُوعِ عَنْ الْعَضْلِ فَإِنْ أَجَابَ
فَذَاكَ، وَإِنْ أَصَرَّ زَوَّجَهَا. انتهى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدٍ فِي رِوَايَةِ
الْمَرْوَزِي فِي الْبَلَدِ يَكُونُ فِيهِ الْوَلِيّ وَلَيْسَ فِيهِ قَاضٍ
يُزَوِّجُ إِذَا احْتَاطَ لِلْمَرْأَةَ فِي الْمَهْرِ وَالْكُفُءِ أَرْجُو
أَنْ لا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَيُزَوِّجُ الأَيَامَى
فَرْضُ كِفَايَة إِجْمَاعًا، فَإِنْ أَبَاهُ حَاكِمٌ إِلا بِظُلْمٍ
كَطَلَبِهِ جَعْلاً لا يَسْتَحِقَّهُ صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. انتهى.
بَابُ الشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ
3475- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «الْبَغَايَا اللاتِي يَنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ»
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ عَبْدِ
الأَعْلَى، وَأَنَّهُ قَدْ وَقَفَهُ مَرَّةً وَأَنَّ الْوَقْفَ أَصَحُّ
وَهَذَا يَقْدَحُ لأَنَّ عَبْدَ الأَعْلَى ثِقَةٌ فَيُقْبَلُ رَفْعُهُ
وَزِيَادَتُهُ، وَقَدْ يَرْفَعُ الرَّاوِي الْحَدِيثَ وَقَدْ يَقِفُهُ.
3476- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «لا نِكَاحَ إلا بِوَلِيٍّ
(2/219)
وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» . ذَكَرَهُ أَحْمَدُ
بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ.
3477- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «لا نِكَاحَ إلا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، فَإِنْ تَشَاجَرُوا
فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ لَهُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِيَ بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إلا
رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، فَقَالَ: هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلا أُجِيزُهُ،
وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ فِيهِ لَرَجَمْتُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ
الْبَابِ مَنْ جَعَلَ الإِشْهَادَ شَرْطً. قَالَ التِّرْمِذِيُّ:
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ
وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا: لا نِكَاحَ إلا بِشُهُودٍ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي
ذَلِكَ مَنْ مَضَى مِنْهُمْ إلا قَوْمٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا إذَا شَهِدَ
وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ
الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ: لا يَجُوزُ النِّكَاحُ حَتَّى يَشْهَدَ
الشَّاهِدَانِ مَعًا عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ وَقَدْ رَوَى بَعْضُ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ: إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ
جَائِزٌ إذَا أَعْلَنُوا ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ
وَغَيْرِهِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: يَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ
وَامْرَأَتَيْنِ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ،
انْتَهَى كَلامُ التِّرْمِذِيِّ.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَالَّذِي لا رَيْبَ فِيهِ أنَّ بِالنِّكَاحِ
مَعَ الإِعْلانِ صَحِيح، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ شَاهِدَانِ، وَأَمَّا مَعَ
الْكِتْمَانِ وَالإِشْهَادُ فَهَذَا مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ، وَإِذَا
اجْتَمَعَ وَالإِشْهَادُ الإِعْلانُ فَهَذَا لا نِزَاعَ فِي صِّحَّته،
وَإِنْ خَلا عَنِ الإِشْهَادِ وَالإِعْلانِ فَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ عَامَّةِ
الْعُلَمَاءِ وَإِنْ قُدِّرَ فِيهِ خِلافٌ فَهُوَ قَلِيلٌ. انْتَهَى.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ
3478- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَتْ
فَتَاةٌ إلَى ... رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إنَّ
أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ، قَالَ:
فَجَعَلَ الأَمْرَ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي،
وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أُعْلِمَ النِّسَاءَ أَنْ لَيْسَ إلَى الآبَاءِ
مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.
3479- وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ بُرَيْدَةَ
َعَنْ عَائِشَةَ.
(2/220)
وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: لأَمْنَعَنَّ
تَزَوُّجَ ذَوَاتِ الأَحْسَابِ إلا مِنْ الأَكْفَاءِ. رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ.
3480- وَعَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «إذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ
فَأَنْكِحُوهُ إلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ ...
كَبِيرٌ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ: «إذَا
جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ» . ثَلاثَ
مَرَّاتٍ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةُ بْنِ رَبِيعَةَ
بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ - وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ
الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةُ بْنِ رَبِيعَةَ وَهُوَ مَوْلَى لامْرَأَةٍ مِنْ
الأَنْصَارِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ عَنْ أُمِّهِ
قَالَتْ: رَأَيْتُ أُخْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ تَحْتَ بِلالٍ.
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «مَنْ تَرْضَوْنَ
دِينَهُ وَخُلُقَهُ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ فِي
الدِّينِ وَالْخُلُقِ، وَقَدْ جَزَمَ بِأَنَّ الاعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ
مُخْتَصٌّ بِالدِّينِ مَالِكٌ وَنُقِلَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ
وَمِنْ التَّابِعِينَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {إنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وَاعْتَبَرَ الْكَفَاءَةَ فِي النَّسَبِ
الْجُمْهُورُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ فِي
الدِّينِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَلا تَحِلُّ الْمُسْلِمَةُ لِكَافِرٍ. قَالَ
الْخَطَّابِيِّ: إنَّ الْكَفَاءَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ
الْعُلَمَاءِ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الدِّينِ وَالْحُرِّيَّةِ
وَالنَّسَبِ وَالصِّنَاعَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ السَّلامَةَ مِنْ
الْعُيُوبِ، وَاعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ الْيَسَارَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَمِنْ
جُمْلَةِ
الأُمُورِ الْمُوجِبَةِ لِرِفْعَةِ الْمُتَّصِفِ بِهَا، الصَّنَائِعُ
الْعَالِيَةُ وَأَعْلاهَا عَلَى الإِطْلاقِ: الْعِلْمُ، لِحَدِيثِ:
«الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ» .
قَوْلُهُ: (تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ) فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ تُغْتَفَرُ بِرِضَا الأَعْلَى لا مَعَ عَدَمِ
الرِّضَا، فَقَدْ خَيَّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَرِيرَةَ
لَمَّا لَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا كُفُؤًا لَهَا.
بَابُ اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ لِلنِّكَاحِ وَمَا يُدْعَى بِهِ
لِلْمُتَزَوِّجِ
3481- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - التَّشَهُّدَ فِي الصَّلاةِ
(2/221)
وَالتَّشَهُّدَ فِي الْحَاجَةِ، وَذَكَرَ
تَشَهُّدَ الصَّلاةِ، قَالَ: وَالتَّشَهُّدُ فِي الْحَاجَةِ: «إنَّ
الْحَمْدَ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ
مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» قَالَ: وَيَقْرَأُ
ثَلاثَ آيَاتٍ، فَفَسَّرَهَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: {اتَّقُواْ اللهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
{وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ
كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً}
الآيَةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
3483- وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي
سُلَيْمٍ قَالَ: خَطَبْتُ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
أُمَامَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأَنْكَحَنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَتَشَهَّدَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
3483- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
كَانَ إذَا رَفَّأَ إنْسَانًا إذَا تَزَوَّجَ قَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ
لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ» . رَوَاهُ
الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
3484- وَعَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً
مِنْ بَنِي جُشَمٍ، فَقَالُوا: بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ، فَقَالَ: لا
تَقُولُوا هَكَذَا، وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِمْ» .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَةْ وَأَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ.
3485- وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: لا تَقُولُوا ذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - قَدْ نَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، قُولُوا: (بَارَكَ اللَّهُ
فِيكَ، وَبَارَكَ لَكَ فِيهَا) .
قَوْلُهُ: (وَالتَّشَهُّدَ فِي الْحَاجَةِ: إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ
نَسْتَعِينُهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ: «إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ
أَنْ يَخْطُبَ لِحَاجَةٍ مِنْ النِّكَاحِ أَوْ غَيْرِهِ فَلْيَقُلْ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ» . إلَى آخْره قَالَ
الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ
مَسْعُودٍ هَذَا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْخُطْبَةِ عِنْدَ عَقْدِ
النِّكَاحِ وَعِنْدَ كُلِّ حَاجَةٍ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ قَالَ
أَهْلُ الْعِلْمِ: إنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ بِغَيْرِ خُطْبَةٍ.
قَوْلُهُ: (رَفَّأَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ
الْفَاءِ مَهْمُوزٌ: مَعْنَاهُ دَعَا
(2/222)
لَهُ قَالَ الشَّارِحُ: وَفِي الْبَابِ
عَنْ هَبَّارٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - شَهِدَ نِكَاحَ رَجُلٍ فَقَالَ: «عَلَى الْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ
وَالأُلْفَةُ وَالطَّائِرُ الْمَيْمُونُ وَالسَّعَةُ وَالرِّزْقُ، بَارَكَ
اللَّهُ لَكُمْ» .
بَابُ مَا جَاءَ فِي الزَّوْجَيْنِ يُوَكِّلانِ وَاحِدًا فِي الْعَقْدِ
3486- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- قَالَ لِرَجُلٍ: «أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَكَ فُلانَةَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «أَتَرْضِينَ أَنْ أُزَوِّجَكِ فُلانًا» ؟ قَالَتْ:
نَعَمْ. فَزَوَّجَ أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ، فَدَخَلَ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ
لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ
الْحُدَيْبِيَةَ، وَكَانَ مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ لَهُ سَهْمٌ
بِخَيْبَرَ؛ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - زَوَّجَنِي فُلانَةَ وَلَمْ أَفْرِضْ
لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ أُعْطِهَا شَيْئًا، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي
أَعْطَيْتُهَا مِنْ صَدَاقِهَا سَهْمِي بِخَيْبَرَ، فَأَخَذَتْ سَهْمَهُ
فَبَاعَتْهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لأُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ قَارِظٍ:
أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إلَيَّ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَقَدْ
تَزَوَّجْتُك. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ كُل مَنْ
وُكِّلَ فِي تَزْوِيجٍ أَوْ فِي بَيْع شَيْء فَلَهُ أَنْ بيعَ وَيُزَوِّجَ
مِنْ نَفْسِهِ، وَأَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ
عُقْبَةَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ
وَاحِدٌ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ وَرَبِيعَةَ وَالثَّوْرِيِّ
وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَاللَّيْثِ
وَالْهَادَوِيَّةِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّاصِرِ
وَالشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «كُلُّ نِكَاحٍ وَلا يَحْضُرُهُ أَرْبَعَةٌ» وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُزَوِّجُهُ السُّلْطَانُ أَوْ وَلِيٌّ آخَرُ
مِثْلُهُ أَوْ أَبْعَدُ مِنْهُ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ
تَعْلِيقًا أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا فَأَمَرَ
رَجُلًا فَزَوَّجَهُ.
قال في المقنع: وإذا زوج عبده الصغير من أمته جاز أن يتولى طرفي العقد،
وكذلك ولي المرأة مثل ابن العم. والمولى والحاكم إذا أذنت له في نكاحها فله
أن يتولى طرفي العقد، وعنه لا يجوز حتى يوكل غيره في أحد
(2/223)
الطرفين. انتهى. قلت: والأحوط أن يوكل غيره
في ذلك. والله أعلم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَبَيَانِ نَسْخِهِ
3487- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: أَلا نَخْتَصِي؟
فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا بَعْدُ أَنْ نَنْكِحَ
الْمَرْأَةَ
بِالثَّوْبِ إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}
الآيَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3488- وَعَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ مُتْعَةِ
النِّسَاءِ فَرَخَّصَ فَقَالَ لَهُ مَوْلًى لَهُ: إنَّمَا ذَلِكَ فِي
الْحَالِ الشَّدِيدِ، وَفِي النِّسَاءِ قِلَّةٌ أَوْ نَحْوَهُ، فَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
3489- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إنَّمَا
كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ
الْبَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ فَيَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ
بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يُقِيمُ فَتَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ وَتُصْلِحُ
لَهُ شَأْنَهُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ
أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكُلُّ فَرْجٍ
سِوَاهُمَا حَرَامٌ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
3490- وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى
عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ
خَيْبَرَ.
3491- وَفِي رِوَايَةٍ: نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ
وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
3492- وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ - عَامَ أَوْطَاسٍ
- ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ نَهَى عَنْه.
3493- وَعَنْ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُول الله - صلى
الله عليه وسلم - فَتْحَ مَكَّةَ، قَالَ: فَأَقَمْنَا بِهَا خَمْسَةَ
عَشَرَ، فَأَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي
مُتْعَةِ النِّسَاءِ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ - إلَى أَنْ قَالَ: فَلَمْ
أَخْرُجْ حَتَّى حَرَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
3494- وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي
(2/224)
كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي
الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ النِّسَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ
سَبِيلَهُ وَلا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا» . رَوَاهُنَّ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
3495- وَفِي لَفْظٍ عَنْ سَبْرَةَ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - بِالْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ حِينَ دَخَلْنَا مَكَّةَ،
ثُمَّ لَمْ نَخْرُجْ مِنْهَا حَتَّى نَهَانَا عَنْهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
3496- وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ - نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ رَوَى الرُّجُوعَ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: جَاءَ عَنْ
الأَوَائِلِ الرُّخْصَةُ فِيهَا، وَلا أَعْلَمُ الْيَوْمَ أَحَدًا
يُجِيزُهَا إلا بَعْضَ الرَّافِضَةِ، وَلا مَعْنَى لِقَوْلٍ يُخَالِفُ
كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: تَحْرِيمُ
الْمُتْعَةِ كَالإِجْمَاعِ إلا عَنْ بَعْضِ الشِّيعَةِ، وَلا يَصِحُّ عَلَى
قَاعِدَتِهِمْ فِي الرُّجُوعِ فِي الْمُخَالَفَاتِ إلَى عَلِيٍّ، فَقَدْ
صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهَا نُسِخَتْ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُتْعَةِ فَقَالَ: هِيَ
الزِّنَا بِعَيْنِهِ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مَا حَكَاهُ بَعْضُ
الْحَنَفِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ الْجَوَازِ خَطَأٌ، فَقَدْ بَالَغَ
الْمَالِكِيَّةُ فِي مَنْعِ النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ حَتَّى أَبْطَلُوا
تَوْقِيتَ الْحِلِّ بِسَبَبِهِ فَقَالُوا: لَوْ عُلِّقَ عَلَى وَقْتٍ لا
بُدَّ مِنْ مَجِيئِهِ وَقَعَ الطَّلاقُ الآنَ لأَنَّهُ تَوْقِيتٌ لِلْحِلِّ
فَيَكُونُ فِي مَعْنَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَأَجْمَعُوا
عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْبُطْلانِ التَّصْرِيحُ بِالشَّرْطِ، فَلَوْ نَوَى
عِنْدَ الْعَقْدِ أَنْ يُفَارِقَ بَعْدَ مُدَّةٍ صَحَّ نِكَاحُهُ إلا
الَْوْزَاعِيَّ فَأَبْطَلَهُ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُحَدُّ نَاكِحُ
الْمُتْعَةِ أَوْ يُعَزَّرُ عَلَى قَوْلَيْنِ. انْتَهَى ملخصًا.
بَابُ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ
3497- عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
3498- وَالْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِثْلَهُ.
3499- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «أَلا أُخْبِرُكُمْ
(2/225)
بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ» ؟ قَالُوا:
بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ اللَّهُ
الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ
تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ التَّحْلِيلِ لأَنَّ اللَّعْنَ إنَّمَا يَكُونُ
عَلَى ذَنْبٍ كَبِيرٍ. قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ: اسْتَدَلُّوا
بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى بُطْلانِ النِّكَاحِ إذَا شَرَطَ الزَّوْجُ
أَنَّهُ إذَا نَكَحَهَا بَانَتْ مِنْهُ، أَوْ شَرَطَ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا
أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى ذَلِكَ، وَلا شَكَّ أَنَّ
إطْلاقَهُ يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ وَغَيْرَهَا، لَكِنْ رَوَى
الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جَاءَ
إلَيْهِ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا،
فَتَزَوَّجَهَا أَخٌ لَهُ عَنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةٍ لِيُحِلَّهَا لأَخِيهِ
هَلْ تَحِلُّ لِلأَوَّلِ؟ قَالَ: لا، إلا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ، كُنَّا
نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
-. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إعْلامِ الْمُوَقِّعِينَ: وَصَحَّ عَنْ
عَطَاءٍ فِيمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً مُحَلِّلاً ثُمَّ رَغِبَ فِيهَا
فَأَمْسَكَهَا. قَالَ: لا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لا
بَأْسَ بِالتَّحْلِيلِ إذَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ الزَّوْجُ. انْتَهَى
ملخصًا.
بَابُ نِكَاحِ الشِّغَارِ
3500- عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - نَهَى عَنْ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ
ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ.
رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ، لَكِنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمْ يَذْكُرْ تَفْسِيرَ الشِّغَارِ،
وَأَبُو دَاوُد جَعَلَهُ مِنْ كَلامِ نَافِعٍ.
3501- وَهُوَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا.
3502- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«لا شِغَارَ فِي الإِسْلامِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
3503- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - عَنْ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ:
زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ
وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
3504- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ: أَنَّ
الْعَبَّاسَ بْنَ
(2/226)
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنْكَحَ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ ابْنَتَهُ، وَأَنْكَحَهُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ ابْنَتَهُ، وَقَدْ كَانَا جَعَلاهُ صَدَاقًا، فَكَتَبَ
مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ
يَأْمُرُهُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ فِي كِتَابِهِ: هَذَا
الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
3505- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «لا جَلَبَ وَلا جَنَبَ وَلا شِغَارَ فِي الإِسْلامِ، وَمَنْ
انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَلِلشِّغَارِ صُورَتَانِ:
إحْدَاهُمَا الْمَذْكُورَةُ فِي الأَحَادِيثِ، وَهِيَ خُلُوُّ بُضْعِ كُلٍّ
مِنْهُمَا مِنْ الصَّدَاقِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْرِطَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْ الْوَلِيَّيْنِ عَلَى الآخَرِ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَلِيَّتَهُ، فَمِنْ
الْعُلَمَاءِ مَنْ اعْتَبَرَ الأُولَى فَقَطْ فَمَنَعَهَا دُونَ
الثَّانِيَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى
أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ لا يَجُوزُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهِ،
فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْبُطْلانِ وَفِي رِوَايَةٍ
عَنْ مَالِكٍ: يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ لا بَعْدَهُ وَذَهَبَتْ
الْحَنَفِيَّةُ إلَى صِحَّتِهِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَعِلَّةُ بُطْلانِ نِكَاحِ الشَّغَارِ
اشْتِرَاط عَدَم الْمَهْرِ فَإِنْ سَمُّوا مَهْرًا صَحَّ.
بَابُ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْهَا
3506- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ
بِهِ الْفُرُوجَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
3507- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
نَهَى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، أَوْ يَبِيعَ عَلَى
بَيْعِهِ، وَلا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا
فِي صَحْفَتِهَا أَوْ إنَائِهَا، فَإِنَّمَا رِزْقُهَا عَلَى اللَّهِ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3508- وَفِي لَفْظٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ: نَهَى أَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ
طَلاقَ أُخْتِهَا.
3509- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «لا يَحِلُّ أَنْ تُنْكَحَ امْرَأَةٌ بِطَلاقِ أُخْرَى»
. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
(2/227)
قَوْلُهُ: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ
يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» قَالَ الشَّارِحُ
رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَيْ أَحَقُّ الشُّرُوطِ بِالْوَفَاءِ شُرُوطُ
النِّكَاحِ لأَنَّ أَمْرَهُ أَحْوَطُ وَبَابَهُ أَضْيَقُ. قَالَ
الْخَطَّابِيِّ: الشُّرُوطُ فِي النِّكَاحِ مُخْتَلِفَةٌ، فَمِنْهَا: مَا
يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ اتِّفَاقًا وَهُوَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ
إمْسَاكٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٍ بِإِحْسَانٍ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ
بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ وَمِنْهَا: مَا لا يُوَفَّى بِهِ اتِّفَاقًا
كَسُؤَالِ الْمَرْأَةِ طَلاقَ أُخْتِهَا وَمِنْهَا: مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ
كَاشْتِرَاطِ أَنْ لا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ لا يَتَسَرَّى أَوْ لا
يَنْقُلَهَا مِنْ مَنْزِلِهَا إلَى مَنْزِلِهِ. قَالَ الشَّارِحُ:
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي اشْتِرَاطِ الْمَرْأَةِ أَنْ لا
يُخْرِجُهَا زَوْجُهَا مِنْ بَلَدِهَا فَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ
مِنْ الصَّحَابَةِ، قَالَ: وَمِنْهُمْ عُمَرُ، أَنَّهُ يَلْزَمُ، قَالَ:
وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. انْتَهَى
مُلَخَّصًا.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: إِذَا شَرَطَ الزَّوْجُ لِلزَّوْجَةِ فِي
الْعَقْدِ أَو اتَّفَقَا قَبْلَهُ أَن لا يُخْرِجهَا مِنْ دَارِهَا أَوْ
بَلَدِهَا أَوْ لا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ لا يَتَسَرَّى أَوْ إِنْ
تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلَهَا تَطْلِيقَهَا صَحَّ الشَّرْط، وَهُوَ مَذْهَبُ
الإِمَامِ أَحْمَد. وَلَوْ خَدَعَهَا فَسَافَرَ بِهَا ثُمَّ كَرِهَتْهُ
لَمْ يُكْرِهْهَا، وَمَنْ شَرَطَ لَهَا أَنْ يُسْكِنْهَا مَنْزِلَ أَبِيهِ
فَسَكَنَتْ ثُمَّ طَلَبَتْ سُكْنَى مُنْفَرِدَة وَهُوَ عَاجِزٌ لَمْ
يَلْزِمْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ بَلْ لَوْ كَانَ قَادِرًا فَلَيْسَ لَهَا
عِنْدَ مَالِكٍ، وَهُوَ أَحّدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدٍ
وَغَيْرِهِ غَيْرَ مَا شَرَطَا لَهَا، وَإِنْ شَرَطَ الزَّوْجَانِ أَوْ
أَحَدُهُمَا فِيهِ خِيَارًا صَحَّ الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ، وَإِنْ شَرَطَهَا
بِكْرًا أَوْ جَمِيلَة أَوْ ثَيِّبًا فَبَانَتْ بِخِلافِهِ ملْك الْفَسْخِ،
وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدٍ وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَحَدُ
قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ تُحَافِظَ عَلَى
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَتَرَكَتْهُ فِيمَا بَعْدُ مَلَكَ الْفَسْخُ.
انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ نِكَاحِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ
3510- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «الزَّانِي الْمَجْلُودُ لا يَنْكِحُ إلا مِثْلَهُ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
3511- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَجُلًا
مِنْ الْمُسْلِمِينَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فِي امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ مَهْزُولٍ كَانَتْ تُسَافِحُ،
وَتَشْتَرِطُ لَهُ أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنَ نَبِيَّ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ ذَكَرَ لَهُ أَمْرَهَا، فَقَرَأَ
عَلَيْهِ نَبِيُّ
(2/228)
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
{وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} . رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
3512- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ
مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ كَانَ يَحْمِلُ الأُسَارَى
بِمَكَّةَ، وَكَانَ بِمَكَّةَ بَغِيٌّ، يُقَالُ لَهَا: عَنَاقٌ،
وَكَانَتْ صَدِيقَتَهُ، قَالَ: فَجِئْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْكِحُ عَنَاقًا؟ قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي
فَنَزَلَتْ: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}
فَدَعَانِي فَقَرَأَهَا عَلَيَّ وَقَالَ: «لا تَنْكِحْهَا» . رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «الزَّانِي
الْمَجْلُودُ» إلَى آخره هَذَا الْوَصْفُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ
بِاعْتِبَارِ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ الزِّنَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ
لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ الزِّنَا
وَكَذَلِكَ لا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَنْ ظَهَرَ مِنْهَا
الزِّنَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الآيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ
لأَنَّ فِي آخِرِهَا: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} . انتهى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَتَحْرُمُ َالزَّانِيَةُ حَتَّى تَتُوبَ
وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الإِمَامُ أَحْمَدٍ وَغَيْرِهِ،
وَيُمْنَعُ الزَّانِي مِنْ تَزْوِيجِ الْعَفِيفَةُ حَتَّى يَتُوبَ. وَمِنْ
أَصْلِنَا أَنَّهُ يعضل الزَّانِيَةُ لِتَخْتَلِعَ مِنْهُ، وَإِذَا كَانَتْ
الْمَرْأَةُ تَزْنِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكهَا عَلَى تِلْكَ
الْحَالِ بَلْ يُفَارِقُهَا وَإِلا كَانَ دَيُّوثًا. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا
وَخَالَتِهَا
3513- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم
- أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا. رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ.
3514- وَفِي رِوَايَةٍ: نَهَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ
وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا
ابْنَ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيَّ.
3515- وَلأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ
مِثْلَ اللَّفْظِ الأَوَّلِ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ رَجُلٍ
وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ وَخُلْعٍ.
(2/229)
وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ -
كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ يُقَالُ لَهُ جَبَلَةُ - أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ
امْرَأَةِ رَجُلٍ وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا. رَوَاهُمَا
الدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَجَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ
ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وأحاديث الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى
تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ
أوْ خَالَتِهَا، وَقَدْ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَامَّةِ أَهْلِ
الْعِلْمِ. وَقَالَ: لا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ اخْتِلافًا فِي ذَلِكَ. قَالَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ: إِنَّمَا قَالَ بِالْجَوَازِ فِرْقَةٌ مِنْ
الْخَوَارِجِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلا يُعْتَدُّ بِخِلافِهِمْ
لأَنَّهُمْ مَرَقُوا مِنْ الدِّينِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ رَجُلٍ
وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا) . إلى آخره قَالَ الشَّارِحُ: وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَرِهَهُ مَرَّةً،
ثُمَّ قَالَ: لا بَأْسَ بِهِ.
بَابُ الْعَدَدِ الْمُبَاحِ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَمَا خُصَّ بِهِ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ذَلِكَ
3516- عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي ثَمَانِ
نِسْوَةٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ
لَهُ، فَقَالَ: «اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَابْنُ مَاجَةْ.
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ،
وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَتَعْتَدُّ الأَمَةُ حَيْضَتَيْنِ. رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ.
3517- وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَهُ
يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ.
3518- وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدُورُ
عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
وَهُنَّ إحْدَى عَشْرَةَ، قُلْتُ لأَنَسٍ: وَكَانَ يُطِيقُهُ؟ قَالَ:
كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلاثِينَ. رَوَاهُمَا
أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «اخْتَرْ مِنْهُنَّ
أَرْبَعًا» اسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى تَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ
عَلَى أَرْبَعٍ وَذَهَبَتْ الظَّاهِرِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يَحِلُّ
لِلرَّجُلِ
(2/230)
أَنْ يَتَزَوَّجَ تِسْعًا، وَلَعَلَّ
وَجْهَهُ قَوْله تَعَالَى: {مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} وَمَجْمُوعُ
ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ الْعَدْلِ تِسْعٌ. انتهى. قال البغوي:
أي حل لكم من النساء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ معدولات عن اثنين وثلاث
وأربع، ولذلك لا يصرفن والواو بمعنى أو للتخيير كقوله تعالى: {أَن
تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} وقوله تعالى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ
مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} وهذا أجماع أنَّ أحدًا من الأَمَة لا يجوز
له أن يزيد على أربع نسوة، وكانت الزيادة من خصائص ... النبي - صلى الله
عليه وسلم - لا مشاركة معه لأحد من الأَمَةِ فيها. انتهى.
قَوْلُهُ: (يَنْكِحُ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ) قَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا مَنْ
قَالَ: إنَّهُ لا يَجُوزُ لِعَبْدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ،
وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالنَّاصِرِ
وَالْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ
وَمُجَاهِدٍ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ
وَسَالِمٍ وَالْقَاسِمِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعًا
كَالْحُرِّ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ
3519- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ
فَهُوَ عَاهِرٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ
قَالَ: إنَّ نِكَاحَ الْعَبْدِ لا يَصِحُّ إلا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَقَالَ
دَاوُد: إنَّ نِكَاحَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلاهُ صَحِيحٌ لأَنَّ
النِّكَاحَ عِنْدَهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَفرض الأَعْيَانِ لا تَحْتَاجُ إلَى
إذْنٍ وَهُوَ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ الْخِيَارِ لِلأَمَةِ إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ
3520- عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ
بَرِيرَةَ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ، فَلَمَّا أَعْتَقْتُهَا قَالَ لَهَا
رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اخْتَارِي فَإِنْ شِئْت أَنْ
تَمْكُثِي تَحْتَ هَذَا الْعَبْدِ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تُفَارِقِيهِ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
3521- وَعَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ بَرِيرَةَ خَيَّرَهَا
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ
(2/231)
زَوْجُهَا عَبْدًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ.
3522- وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ بَرِيرَةَ أُعْتِقَتْ وَكَانَ
زَوْجُهَا عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
3523- وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ بَرِيرَةَ أُعْتِقَتْ -
وَهِيَ عِنْدَ مُغِيثٍ عَبْدٍ لآلِ أَبِي أَحْمَدَ - فَخَيَّرَهَا رَسُولُ
اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: «إنْ قَرَبَكِ فَلا خِيَارَ لَكِ»
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ تُطَأْ.
3524- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ زَوْجُ
بَرِيرَةَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ - عَبْدًا لِبَنِي فُلانٍ
- كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ يَطُوفُ وَرَاءَهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
3525- وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ
لِبَنِي مُغِيرَةَ يَوْمَ أُعْتِقَتْ بَرِيرَةُ، وَاَللَّهِ لَكَأَنِّي
بِهِ فِي الْمَدِينَةِ وَنَوَاحِيهَا، وَإِنَّ دُمُوعَهُ لَتَسِيلُ عَلَى
لِحْيَتِهِ، يَتَرَضَّاهَا لِتَخْتَارَهُ فَلَمْ تَفْعَلْ. رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَهُوَ صَرِيحٌ بِبَقَاءِ عُبُودِيَّتِهِ يَوْمَ الْعِتْقِ.
3526- وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا، فَلَمَّا أُعْتِقَتْ
خَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاخْتَارَتْ
نَفْسَهَا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَوْلُ الأَسْوَدِ مُنْقَطِعٌ، ثُمَّ عَائِشَةُ
عَمَّةُ الْقَاسِمِ وَخَالَةُ عُرْوَةَ فَرِوَايَتُهُمَا عَنْهَا أَوْلَى
مِنْ رِوَايَةِ أَجْنَبِيٍّ يَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ
الْعِلْمِ فِيمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا هَلْ يَثْبُتُ لِلزَّوْجَةِ
الْخِيَارُ أَمْ لا؟ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ لا يَثْبُتُ
وَجَعَلُوا الْعِلَّةَ فِي الْفَسْخِ عَدَمَ الْكَفَاءَةِ.
بَابُ مَنْ أَعْتَقَ أَمَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا
3527- عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ
(2/232)
عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا
فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، ثُمَّ
أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ؛ وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِي فَلَهُ أَجْرَانِ،
وَأَيُّمَا رَجُلٍ مَمْلُوكٍ أَدَّى حَقَّ مَوَالِيهِ وَحَقَّ رَبِّهِ
فَلَهُ أَجْرَانِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلا أَبَا دَاوُد.
3528- فَإِنَّمَا لَهُ مِنْهُ: «مَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا
كَانَ لَهُ أَجْرَانِ» .
3529- وَلأَحْمَدَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِمَهْرٍ جَدِيدٍ
كَانَ لَهُ أَجْرَانِ» .
3530- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: مَا
أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: نَفْسَهَا؛ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا. رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلا التِّرْمِذِيَّ وَأَبَا دَاوُد.
3531- وَفِي لَفْظٍ: أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا
صَدَاقَهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
3532- وَفِي لَفْظٍ: أَعْتَقَ صَفِيَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ
عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
3533- وَفِي لَفْظٍ: أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ.
3534- وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اصْطَفَى
صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ فَاتَّخَذَهَا لِنَفْسِهِ وَخَيَّرَهَا أَنْ
يَعْتِقَهَا وَتَكُونَ زَوْجَتَهُ، أَوْ يُلْحِقَهَا بِأَهْلِهَا،
فَاخْتَارَتْ أَنْ يَعْتِقَهَا وَتَكُونَ زَوْجَتَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ جَرَى عَلَيْهِ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ
مِنْ السَّبْيِّ يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الْكُفَّارِ إذَا كَانَ عَلَى
دِينِهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَعْلِيمِ الإِمَاءِ وَإِحْسَانِ
تَأْدِيبِهِنَّ ثُمَّ إعْتَاقِهِنَّ وَالتَّزَوُّجِ بِهِنَّ وَلَيْسَ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ
الْعِتْقُ صَدَاقَ الْمُعْتَقَةِ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ لِقَوْلِهِ فِيهِ: (مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ:
نَفْسَهَا) وَكَذَلِكَ
سَائِرُ الأَلْفَاظِ
(2/233)
الْمَذْكُورَةِ فِي بَقِيَّةِ
الرِّوَايَاتِ وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ ذَلِكَ مِنْ الْقُدَمَاءِ سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيِّبِ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَطَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ،
وَمِنْ فُقَهَاءِ الأَمْصَارِ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ وَالأَوْزَاعِيِّ
وَالشَّافِعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ فَقَالُوا: إذَا أَعْتَقَ
أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا صَحَّ الْعَقْدُ
وَالْعِتْقُ وَالْمَهْرُ وَذَهَبَ مَنْ عَدَا هَؤُلاءِ إلَى أَنَّهُ لا
يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ مَهْرًا وَأَجَابُوا عَنْ الأْحَادِيثِ
بِأَجْوِبَةٍ، إلى أن قال: وَبِالْجُمْلَةِ فَالدَّلِيلُ قَدْ وَرَدَ
بِهَذَا، وَمُجَرَّدُ الاسْتِبْعَادِ لا يَصْلُحُ لإِبْطَالِ مَا صَحَّ
مِنْ الأَدِلَّةِ، وَالأَقْيِسَةُ مُطْرَحَةٌ فِي مُقَابَلَةِ النُّصُوصِ
الصَّحِيحَةِ فَلَيْسَ بِيَدِ الْمَانِعِ بُرْهَانٌ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي رَدِّ الْمَنْكُوحَةِ بِالْعَيْبِ
3535- عَنْ جَمِيلِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ الأَنْصَارِ
- ذَكَرَ ... أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - يُقَالُ لَهُ: كَعْبُ بْنُ
زَيْدٍ أَوْ زَيْدُ بْنُ كَعْبٍ: أَنَّ ... رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَلَمَّا دَخَلَ
عَلَيْهَا فَوَضَعَ ثَوْبَهُ وَقَعَدَ عَلَى الْفِرَاشِ أَبْصَرَ
بِكَشْحِهَا بَيَاضًا، فَانْحَازَ عَنْ الْفِرَاشِ ثُمَّ قَالَ: «خُذِي
عَلَيْكِ ثِيَابَكِ» . وَلَمْ يَأْخُذْ مِمَّا آتَاهَا شَيْئًا. رَوَاهُ
أَحْمَدُ.
وَرَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: عَنْ زَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
عُجْرَةَ وَلَمْ يَشُكَّ.
وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ غُرَّ بِهَا رَجُلٌ -
بِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ - فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ
مِنْهَا وَصَدَاقُ الرَّجُلِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي
الْمُوَطَّأِ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
وَفِي لَفْظٍ: قَضَى عُمَرُ فِي الْبَرْصَاءِ وَالْجَذْمَاءِ
وَالْمَجْنُونَةِ إذَا دَخَلَ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَالصَّدَاقُ
لَهَا بِمَسِيسِهِ إيَّاهَا وَهُوَ لَهُ عَلَى وَلِيِّهَا. رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثَيْ
الْبَابِ عَلَى أَنَّ الْبَرَصَ وَالْجُنُونَ وَالْجُذَامَ عُيُوبٌ
يُفْسَخُ بِهَا النِّكَاحُ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ كَعْبٍ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي
الْفَسْخِ لأَنَّ قَوْلَهُ: «خُذِي عَلَيْكِ ثِيَابَكِ» وَفِي رِوَايَةٍ:
«الْحَقِي بِأَهْلِكِ» يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةَ طَلاقٍ وَقَدْ
ذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ
إلَى أَنَّهُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِالْعُيُوبِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي
تَفَاصِيلِ ذَلِكَ وَفِي
(2/234)
تَعْيِينِ الْعُيُوبِ الَّتِي يُفْسَخُ
بِهَا النِّكَاحُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّهَا لا تُرَدُّ النِّسَاءُ إلا بِأَرْبَعَةِ عُيُوبٍ: الْجُنُونُ،
وَالْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ، وَالدَّاءُ فِي الْفَرْجِ. وَخَالَفَ
النَّاصِرُ فِي الْبَرَصِ فَلَمْ يَجْعَلْهُ عَيْبًا يُرَدُّ بِهِ
النِّكَاحُ، وَالرَّجُلُ يُشَارِكُ الْمَرْأَةَ فِي الْجُنُونِ
وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ، وَتَفْسَخُهُ الْمَرْأَةُ بِالْجَبِّ
وَالْعُنَّةِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِكُلِّ دَاءٍ
عُضَالٍ.
قَوْلُهُ: (وَصَدَاقُ الرَّجُلِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ) قَدْ ذَهَبَ إلَى
هَذَا مَالِكٌ وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَالْهَادَوِيَّةُ فَقَالُوا:
إنَّهُ يَرْجِعُ الزَّوْجُ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّرَ عَلَيْهِ بِأَنْ
أَوْهَمَهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لا عَيْبَ فِيهَا فَانْكَشَفَ أَنَّهَا
مَعِيبَةٌ بِأَحَدِ تِلْكَ الْعُيُوبِ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ
بِذَلِكَ الْعَيْبِ لا إذَا جَهِلَ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَالاسْتِحَاضَةُ عَيْبٌ يَثْبُتُ بِهِ فَسْخُ
النِّكَاحُ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَإِذَا لَمْ يُقِر بِالْعِنَّةِ
وَلَمْ يُنْكِرْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ أَنْكَرَ الْعِنَّةِ
وَنَكَّلَ عَنِ الْيَمِينِ فَإِنْ قُلْنَا: يُحْبَسُ النَّاكِلُ عَنْ
الْجَوَابِ فَالتَّأْجِيلِ أَيْسَرِ مِنْ الْحَبْسِ، وَالسُّنَّة
الْمُعْتَبَرَة فِي التَّأْجِيلِ هِي الْهِلالِيَّة، وَيَتَخَرج إِذَا
عَلٍمَتْ بِعِنَّتِهِ أَو اخْتَارَتْ الْمُقَامُ مَعَهُ عَلَى عُسْرَتِهِ
هَلْ لَهَا الْفَسْخِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَلو خَرَجَ هَذَا فِي جَمِيعِ
الْعُيُوبِ لِتَوجه، وَتَرَدُّ الْمَرْأَةِ بِكُلِّ عَيْبٍ يُنَفِّرُ عَنْ
كَمَالَ الاسْتِمْتَاعِ وَلَوْ قِيلَ: إِنَّ الْفَسْخَ يَثْبُتُ
بِتَرَاضِيهِمَا تَارَةَّ وَبِحُكْمِ الْحَاكِمِ أُخْرَى أَوِ بِمُجَرَّدِ
فَسْخ الْمُسْتَحَق ثُمَّ الآخر إِنْ أَمْضَاهُ وَإِلا أَمْضَاهُ
الْحَاكِمُ لتَوَجَه، وَهُوَ الأَقْوَى وَمتَى أَذِنَ الْحَاكِمُ
أَوْ حَكَمَ لأَحَدٍ بِاسْتِحْقَاقٍ عَقَدَ أَوْ فَسَخَ مَأْذُونٌ لَهُ
لَمْ يَحْتَجْ بَعْدُ ذَلِكَ إِلَى حُكْمٍ بِصِحَّتِهِ بِلا نِزَاعٍ
وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ الْمَغْرُورُ بِالصِّدَاقِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ مِنَ
الْمَرْأَةِ أَوْ الْوَلِي فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ. انْتَهَى
مُلَخَّصًا. وَاللهُ أَعْلَمُ.
(2/235)
|