بستان
الأحبار مختصر نيل الأوطار أَبْوَاب أَنْكِحَة الْكُفار
ذِكْرِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ وَإِقْرَارِهِمْ عَلَيْهَا
3536- عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ
أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ:
فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ، يَخْطُبُ الرَّجُلُ إلَى
الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ وَيصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا
وَنِكَاحٌ آخَرُ، كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إذَا طَهُرَتْ
مِنْ طَمْثِهَا: أَرْسِلِي إلَى فُلانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ
وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلا يَمَسُّهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا
مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ
حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إذَا أَحَبَّ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ
رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ يُسَمَّى
نِكَاحُ الِاسْتِبْضَاعِ وَنِكَاحٌ آخَرُ، يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ دُونَ
الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ فَيُصِيبُونَهَا،
فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ لَيَالٍ - بَعْدَ أَنْ تَضَعَ
حَمْلَهَا - أَرْسَلَتْ إلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ
يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، فَتَقُولُ لَهُمْ: قَدْ
عَرَفْتُمْ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ
يَا فُلانُ، فَتُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ، فَيُلْحَقُ بِهِ
وَلَدُهَا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ الرَّجُلُ وَنِكَاحٌ
رَابِعٌ يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ
لا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا، وَهُنَّ الْبَغَايَا يَنْصِبْنَ عَلَى
أَبْوَابِهِنَّ الرَّايَاتِ وَتَكُونُ عَلَمًا، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ
عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ إحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ جَمَعُوا لَهَا
وَدَعَوْا لَهَا الْقَافَةَ، ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِاَلَّذِي
يَرَوْنَ، فَالْتَاطَ بِهِ وَدُعِيَ ابْنَهُ لا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ
فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ
هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إلا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
(2/236)
قال الشارح رحمه الله تعالى: وقد احتج بهذا
الحديث على اشتراط الولي.
بَابُ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ
3537- عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ فَيْرُوزَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَسْلَمْتُ
وَعِنْدِي امْرَأَتَانِ أُخْتَانِ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه
وسلم - أَنْ أُطَلِّقَ إحْدَاهُمَا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلا النَّسَائِيّ.
3538- وَفِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ: «اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْت» .
3539- وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَسْلَمَ
غَيْلانُ الثَّقَفِيُّ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،
فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ
يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ
وَالتِّرْمِذِيُّ.
3540- وَزَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ
طَلَّقَ نِسَاءَهُ وَقَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ
عُمَرَ، فَقَالَ: إنِّي لأَظُنُّ الشَّيْطَانَ - فِيمَا يَسْتَرِقُ مِنْ
السَّمْعِ - سَمِعَ بِمَوْتِكَ فَقَذَفَهُ فِي نَفْسِكَ، وَلَعَلَّكَ لا
تَمْكُثُ إلا قَلِيلاً، وَاَيْمُ اللَّهِ لَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَكَ
وَلَتُرَاجِعَنَّ مَالَكَ أَوْ لَأُوَرِّثَهُنَّ مِنْكَ وَلَآمُرَنَّ
بِقَبْرِكَ أَنْ يُرْجَمَ كَمَا رُجِمَ قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ.
قَوْلُهُ: لَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ
رَجْعِيًّا، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ تَرِثُ وَإِنْ
انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فِي الْمَرَضِ وَإِلا فَنَفْسُ الطَّلاقِ
الرَّجْعِيِّ لا يَقْطَعُ لِيُتَّخَذَ حِيلَةً فِي الْمَرَضِ.
قال الشارح رحمه الله تعالى: وَحَدِيثُ الضَّحَّاك استدل به على تحريم
الجمع بين الأختين ولا أعرف في ذلك خلافًا وهو نص القرآن قال الله تعالى:
{وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} فإذا أسلم
كافر وعنده أختان أجبر على تطليق إحداهما وفي ترك استفصاله عن المتقدمة
منهما من المتأخرة دليل على أنه يحكم لعقود الكفار بالصحة وإن لم توافق
الإسلام، فإذا أسلموا أجرينا عليهم في الأنكحة أحكام المسلمين وقد ذهب إلى
هذا مالك والشافعي وأحمد وداود.
(2/237)
بَابُ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ
يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الآخَرِ
5413- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ
بْنِ الرَّبِيعِ بِالنِّكَاحِ الأَوَّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا. رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
3542- وَفِي لَفْظٍ: رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ
زَوْجِهَا بِنِكَاحِهَا الأَوَّلِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يُحْدِثْ
صَدَاقًا. رَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَةْ.
3543- وَفِي لَفْظٍ: رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ،
وَكَانَ إسْلامُهَا قَبْلَ إسْلامِهِ بِسِتِّ سِنِينَ عَلَى النِّكَاحِ
الأَوَّلِ وَلَمْ يُحْدِثْ شَهَادَةً وَلا صَدَاقًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد.
3544- وَكَذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِيهِ: لَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا
وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ.
3545- وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَدَّ
ابْنَتَهُ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِمَهْرٍ جَدِيدٍ وَنِكَاحٍ جَدِيدٍ. قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: هَذَا حَدِيثٌ
ضَعِيفٌ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي رُوِيَ أَنَّهُ أَقَرَّهُمَا
عَلَى النِّكَاحِ الأَوَّلِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا حَدِيثٌ لا
يَثْبُتُ، وَالصَّوَابُ أَنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
رَدَّهَا بِالنِّكَاحِ الأَوَّلِ.
3546- وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ ابْنَةَ الْوَلِيدِ
بْنِ الْمُغِيرَةَ كَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَأَسْلَمَتْ
يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَرَبَ زَوْجُهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنْ
الإِسْلامِ، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
أَمَانًا وَشَهِدَ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَهُوَ كَافِرٌ وَامْرَأَتُهُ
مُسْلِمَةٌ، فَلَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
بَيْنَهُمَا حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ،
وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
وَكَانَ بَيْنَ إسْلامِ صَفْوَانَ وَبَيْنَ إسْلامِ زَوْجَتِهِ نَحْوٌ مِنْ
شَهْرٍ. مُخْتَصَرٌ مِنْ الْمُوَطَّأِ لِمَالِكٍ.
3547- وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ ابْنَةَ الْحَارِثِ بْنِ
هِشَامٍ أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا
عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مِنْ الإِسْلامِ حَتَّى قَدِمَ
(2/238)
الْيَمَنَ، فَارْتَحَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ
حَتَّى قَدِمَتْ عَلَى زَوْجِهَا بِالْيَمَنِ وَدَعَتْهُ إلَى الإِسْلامِ
فَأَسْلَمَ، وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَبَايَعَهُ فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ إلَى اللَّهِ وَإِلَى
رَسُولِهِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْكُفْرِ إلا فَرَّقَتْ
هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، إلا أَنْ يَقْدَمَ زَوْجُهَا
مُهَاجِرًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا
أَنَّ امْرَأَةً فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا إذَا قَدِمَ وَهِيَ
فِي عِدَّتِهَا. رَوَاهُ عَنْهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ:
وَحَدِيثُ عَمْرُو بِنْ شُعَيْب تُعَضِّدَهُ الأُصُول، وَقَدْ صَرَّحَ فِيه
بِوُقُوعِ عَقْدٍ جَدِيدٍ وَالأَخْذُ بِالصَّرِيحِ أَوْلَى مِنَ الأَخْذِ
بِالْمُحْتَمِلِ، وَيُؤَيِّدَهُ مُخَالَفَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَا رَوَاهُ
كَمَا حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ الْبُخَارِي، قَالَ الْحَافِظُ: وَأَحْسَنُ
الْمَسَالِكِ فِي تَقْرِيرِ الْحَدِيثَيْنِ تَرْجِيحِ حَدِيث ابْنِ
عَبَّاسٍ كَمَا رَجَّحَهُ الأَئِمَّة وَحَمَلَهُ عَلَى تَطَاول الْعِدَّةِ
فِيمَا بَيْنَ نُزُولِ آيَة التَّحْرِيمِ وَإِسْلامِ أَبِي الْعَاصِ، وَلا
مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهدى مَا
مُحَصِّلَهُ: إِنَّ اعْتِبَارَ الْعِدَّة لَمْ يُعْرَفْ فِي شَيْءٍ مِنَ
الأَحَادِيثِ وَلا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُ
الْمَرْأَةُ هَلِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَمْ لا، وَلَوْ كَانَ الإِسْلامُ
بِمُجَرَّدِهِ فُرْقَة لَكَانَتْ طَلْقَة بَائِنَة وَلا رَجْعَةَ فِيهَا
فَلا يَكُونُ الزَّوْجُ أَحَقُّ بِهَا إِذَا أَسْلَمَ وَقَدْ دَلَّ
حُكْمِهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النِّكَاحَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ
أَسْلَمَ الزَّوْجُ قَبْل انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فَهِي زَوْجَتُهُ وَإِنْ
انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ، وَإِنْ
أَحَبَّتْ انْتَظَرَتْهُ وَإِذَا أَسْلَمَ كَانَتْ زَوْجَتُهُ مِنْ غَيْرِ
حَاجَةٍ إِلَى تَجْدِيدِ نِكَاحٍ. قَال: وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا جَدَّدَ
بَعْدَ
الإِسْلامِ نِكَاحَهُ الْبَتَّةَ بَلْ كَانَ الْوَاقِعُ أَحَدُ
الأَمْرَيْنِ إِمَّا افْتِرَاقُهُمَا وَنِكَاحُهَا غَيْرِهِ وَإِمَّا
بَقَاؤُهُمَا عَلَى النِّكَاحِ الأَوَّلِ إِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ.
وَأَمَّا تَنْجِيزِ الْفُرْقَةِ أَوْ مُرَاعَاةُ الْعِدَّة فَلَمْ يُعْلَمْ
أََنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِوَاحِدَ مِنْهُمَا
مَعَ كَثْرَةِ مَنْ أَسْلَمَ فِي عَهْدِهِ، وَهَذَا كَلامٌ فِي غَايَةَ
الْحُسْنِ وَالْمَتَانَة. قَالَ: وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخَلال وَأَبِي
بَكْرٍ صَاحِبَهُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنِ حَزْمٍ وَهُوَ مَذْهَبُ
الْحَسَنُ وَطَاوسُ وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَالْحَكَمُ. قَالَ ابْنُ
حَزْمٍ: وَهُوَ قَوْلُ عُمَر بن الْخَطَّابِ وَجَابِرٍ بن عَبْدِ اللهِ
وَابْن عَبَّاسٍ ثُمَّ عَدَّ آخَرِينَ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَإِذَا أَسْلَمْتِ الزَّوْجَةُ وَالزَّوْجُ
كَافِرٌ ثٌمَّ أَسْلَمَ قَبْل الدُّخُول أَوْ بَعْد الدُّخُول فَالنِّكَاحِ
بَاقٍ مَا لَمْ تَنْكِحْ غَيْرَهُ وَالأَمْرُ إِلَيْهَا وَلا حُكْم
(2/239)
لَهُ عَلَيْهَا وَلا حَقّ عَلَيْهِ لأَنَّ
الشَّارِعَ لِمْ يُفَصِّلْ وَهُوَ مَصْلَحَة مَحْضَة. وَكَذَا إِنْ
أَسْلَمَ قَبْلَهَا وَلَيْسَ لَهُ حَسْبُهَا فَمَتَى أَسْلَمَتْ وَلَوْ
قَبْل الدُّخُول أَوْ بَعْدَهُ فَهِي امْرَأَتُهُ إِنْ اخْتَارَ. وَكَذَا
إِنِ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ
أَحَدُهُمَا. انْتَهَى.
بَابُ الْمَرْأَةِ تُسْبَى وَزَوْجُهَا بِدَارِ الشِّرْكِ
3548- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ
حُنَيْنٌ - بَعَثَ جَيْشًا إلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ عَدُوًّا
فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا،
فَكَأَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
تَحَرَّجُوا مِنْ غَشَيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ {وَالْمُحْصَنَاتُ
مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أَيْ فَهُنَّ لَكُمْ
حَلالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
وَأَبُو دَاوُد.
3549- وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ الزِّيَادَةُ فِي آخِرِهِ
بَعْدَ الآيَةِ وَالتِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا.
3550- وَلَفْظُهُ: أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ
فِي قَوْمِهِنَّ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم
- فَنَزَلَتْ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ} .
3551- وَعَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - حَرَّمَ وَطْءَ السَّبَايَا حَتَّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنَّ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَهُوَ عَامٌّ فِي ذَوَاتِ الأَزْوَاجِ وَغَيْرِهِنَّ.
قال الشارح رحمه الله تعالى: وَسَيَأْتِي فِي بَابِ اسْتِبْرَاءِ الأَمَةِ
إذَا مُلِكَتْ مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ. مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «لا
تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ
حَيْضَةً» وَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَى هَذِهِ الأَحَادِيثِ إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا
ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ لِلاسْتِدْلالِ بِهِ عَلَى أَنَّ السَّبَايَا
حَلالٌ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ ذَوَاتِ الأَزْوَاجِ وَغَيْرِهِنَّ،
وَذَلِكَ مِمَّا لا خِلافَ فِيهِ فِيمَا أَعْلَمُ، وَلَكِنْ بَعْدَ
الْعِدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا. انتهى. والله أعلم.
(2/240)
|