بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

أَبْوَابُ الأيْمَانِ وَكَفَّارَتِهَا
بَابُ الرُّجُوعِ فِي الأيْمَانِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْكَلامِ إلَى النِّيَّةِ

4832- عَنْ سُوَيْد بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: خَرَجْنَا نُرِيدُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَنَا وَائِلُ ابْنُ حُجْرٌ، فَأَخَذَهُ عَدُوٌّ لَهُ فَتَحَرَّجَ الْقَوْمُ أَنْ يَحْلِفُوا، وَحَلَفْتُ أَنَّهُ أَخِي فَخُلِّيَ عَنْهُ، فَأَتَيْنَا إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «أَنْتَ كُنْتَ أَبَرَّهُمْ وَأَصْدَقَهُمْ صَدَقْتَ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.

4833- وَفِي حَدِيثِ الإِسْرَاءِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: (مَرْحَبًا بِالأخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ) .

4834- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ وَنَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَابٌّ لا يُعْرَفُ، قَالَ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ إنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

4835- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيُّ.

4836- وَفِي لَفْظٍ: «الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَةْ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحْلِفِ الْمَظْلُومِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: كُلَّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يُطْلَقُ بَيْنَهُمَا اسْمُ

(2/588)


الأخُوَّةِ، وَيَشْتَرِكُ فِي ذَلِكَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ، وَيَبَرُّ الْحَالِفُ إذَا حَلَفَ أَنَّ هَذَا الْمُسْلِمَ أَخُوهُ، وَلاسِيَّمَا إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ قُرْبَةٌ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَلِهَذَا اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْحَالِفِ وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً. قَالَ
ابْنُ بَطَّالٍ: ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى يَمِينٍ، إنْ لَمْ يَحْلِفْهَا قُتِلَ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ لا حِنْثَ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَنَبِيُّ اللهِ شَابٌّ) فِيهِ جَوَازُ إطْلاقِ اسْمِ الشَّابِّ عَلَى مَنْ كَانَ فِي نَحْوِ الْخَمْسِينَ السَّنَةِ، وَفِي هَذَا التَّعْرِيضِ الْوَاقِعِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ غَايَةُ اللَّطَافَةِ

قَوْلُهُ: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُك بِهِ صَاحِبُكَ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الاعْتِبَارَ بِقَصْدِ الْحَلفِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: أَمَّا إذَا حَلَفَ بِغَيْرِ اسْتِحْلافٍ وَوَرَّى فَتَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْحَالِفَ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلافٍ وَمِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ حَقٍّ بِيَمِينِهِ لَهُ نِيَّتُهُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: وَلا يَجُوزُ التَّعْرِيض لِغَيْرِ ظَالِم.

بَابُ مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ

4837- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللهُ، لَمْ يَحْنَثْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

4838- وَابْنُ مَاجَةْ وَقَالَ: «فَلَهُ ثُنْيَاهُ» .

4839- وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ: «فَقَدْ اسْتَثْنَى» .

4840- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللهُ فَلا حِنْثَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُد.

4841- وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَاَللَّهِ لأغْزُوَنَّ قُرَيْشًا» . ثُمَّ قَالَ: «إنْ شَاءَ اللهُ» . ثُمَّ قَالَ: «وَاَللَّهِ لأغْزُوَنَّ قُرَيْشًا» . ثُمَّ قَالَ: «إنْ شَاءَ اللهُ» . ثُمَّ قَالَ: «وَاَللَّهِ لأغْزُوَنَّ قُرَيْشًا» . ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ: «إنْ شَاءَ اللهُ» . ثُمَّ لَمْ يَغْزُهُمْ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
قَوْلُهُ (رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُد) قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: هُوَ فِي

(2/589)


سُنَنْ أَبِي دَاوُد فِي الأيْمَانِ والنُّذُور.

قَوْلُهُ: «لَمْ يَحْنَثْ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَشِيئَةِ اللهِ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ الْيَمِينِ أَوْ يُحِلُّ انْعِقَادَهَا. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَلا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالِفِ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَاسْتَثْنَى أَحْمَدُ الْعَتَاقَ.

قَوْلُهُ: ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ: «إنْ شَاءَ اللهُ» لَمْ يُقَيِّدْ هَذَا السُّكُوتَ بِالْعُذْرِ، بَلْ ظَاهِرُهُ السُّكُوتُ اخْتِيَارًا لا اضْطِرَارًا فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ مَنْ حَلَفَ لا يُهْدِي هَدِيَّةً فَتَصَدَّقَ

4842- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ قَالَ لأصْحَابِهِ: «كُلُوا» . وَلَمْ يَأْكُلْ، وَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ ضَرَبَ بِيَدِهِ، وَأَكَلَ مَعَهُمْ.

4843- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَهْدَتْ بَرِيرَةُ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَحْمًا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلامُ عَلَى مَعْنَى الْحَدِيثَيْنِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ إيرَادِهِمَا هَا هُنَا أَنَّ الْحَالِفَ بِأَنَّهُ لا يَهْدِي لا يَحْنَثُ إذَا تَصَدَّقَ فَإِذَا حَلَفَ مِنْ إحْدَاهُمَا لَمْ يَحْنَثْ بِالأخْرَى كَسَائِرِ الْمَفْهُومَاتِ الْمُتَغَايِرَةِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ مَنْ حَلَفَ لا يَأْكُلُ إدَامًا بِمَاذَا يَحْنَثُ؟

4844- عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «نِعْمَ الأدْمُ الْخَلُّ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
4845- وَلأحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَابْنِ مَاجَةْ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مِثْلُهُ.

4846- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ائْتَدِمُوا بِالزَّيْتِ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» .

4847- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «سَيِّدُ إدَامِكُمْ الْمِلْحُ» . رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَةْ.

(2/590)


4848- وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ كِسْرَةً مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ فَوَضَعَ عَلَيْهَا تَمْرَةً وَقَالَ: «هَذِهِ إدَامُ هَذِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ.

4849- وَعَنْ بُرَيْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَيِّدُ إدَامِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللَّحْمُ» . رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي غَرِيبِهِ وَقَالَ: حَدَّثَنَا الْقُومِسِيُّ، حَدَّثَنَا الأصْمَعِيُّ عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ.

4850- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَكُونُ الأرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَتَكَفَّأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلاً لأهْلِ الْجَنَّةِ» . فَأَتَى رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ: بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، أَلا أُخْبِرُك بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: «بَلَى» . قَالَ: تَكُونُ الأرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً - كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَظَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَيْنَا ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ: «أَلا أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ» ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: «إدَامُهُمْ بِلامُ وَنُونٌ» . قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: «ثَوْرٌ وَنُونٌ يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالنُّونُ: الْحُوتُ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «سَيِّدُ إدَامِكُمْ الْمِلْحُ» قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الإِدَامَ اسْمٌ لِمَا يُؤْتَدَمُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُصْطَبَغُ بِهِ كَالأمْرَاقِ وَالْمَائِعَاتِ أَوْ مِمَّا
لا يُصْطَبَغُ بِهِ كَالْجَامِدَاتِ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبَيْضِ وَالزَّيْتُونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رَسْلانَ: هَذَا مَعْنَى الإِدَامِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ انْتَهَى. قَالَ الشَّارِحُ: وَلَعَلَّ تَسْمِيَةَ الْمِلْحِ بِسَيِّدِ الإِدَامِ لِكَوْنِهِ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي كُلِّ طَعَامٍ وَإِطْلاقُ السَّيَّادَة عَلَى اللَّحْمِ لِذَاتِهِ. انتْتَهَى مُلُخَّصًا.

بَابُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لا مَالَ لَهُ يَتَنَاوَلُ الزَّكَاتِيَّ وَغَيْرَهُ

4851- عَنْ أَبِي الأحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ أَوْ شَمْلَتَانِ فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ» ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ قَدْ آتَانِي اللهُ مِنْ كُلِّ مَالِهِ، مِنْ خَيْلِهِ وَإِبِلِهِ وَغَنَمِهِ وَرَقِيقِهِ فَقَالَ: «فَإِذَا آتَاكَ اللهُ مَالاً فَلْتُرَ عَلَيْكَ نِعَمُهُ» . فَرُحْت إلَيْهِ فِي حُلَّةٍ.

(2/591)


4852- وَعَنْ سُوَيْد بْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَيْرُ مَالِ امْرِئٍ لَهُ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ أَوْ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ» . رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.

الْمَأْمُورَةُ: الْكَثِيرَةُ النَّسْلِ. وَالسِّكَّةُ: الطَّرِيقُ مِنْ النَّخْلِ الْمُصْطَفَّةِ، وَالْمَأْبُورَةُ: هِيَ الْمُلَقَّحَةُ.

4853- وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ.

4854- وَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَحَبُّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءُ. لِحَائِطٍ لَهُ مُسْتَقْبِلَةُ الْمَسْجِدِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَإِذَا آتَاك اللهُ مَالاً» ذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إتْيَانَ الْمَالِ مَعَ أَمْرِهِ بِإِظْهَارِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِلَّته، إِلَى أَنْ قَالَ: فَمَنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بِنِعْمَةٍ فَلْيُبَالِغْ فِي إظْهَارِهَا مَا لَمْ يَصْحَبْ ذَلِكَ رِيَاءٌ أَوْ عُجْبٌ أَوْ مُكَاثَرَةٌ لِلْغَيْرِ. انْتَهَى مُلخَّصًا.
بَابُ مَنْ حَلَفَ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلالِ لا يَفْعَلُ شَيْئًا شَهْرًا فَكَانَ نَاقِصًا

4855- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَلَفَ لا يَدْخُلُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ شَهْرًا. وَفِي لَفْظٍ: آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا عَلَيْهِمْ أَوْ رَاحَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ حَلَفْتَ أَنْ لا تَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا، فَقَالَ: «إنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

4856- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: هَجَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُ شَهْرًا، فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ أَتَى جِبْرِيلُ فَقَالَ: قَدْ بَرَّتْ يَمِينُك وَقَدْ تَمَّ الشَّهْرُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ حَلَفْتَ) إِلَى آخره فِيهِ تَذْكِيرُ الْحَالِفِ بِيَمِينِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ يَمِينَهُ - صلى الله عليه وسلم - اتَّفَقَ أَنَّه كَانَتْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَإِلا فَلَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لا يَقَعُ الْبِرُّ إِلا بِثَلاثِينَ.

(2/592)


بَابُ الْحَلِفِ بِأَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ
وَالنَّهْيِ عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى

4857- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْلِفُ: لا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا مُسْلِمًا.

4858- وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْجَنَّةَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ فَقَالَ: اُنْظُرْ إلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْت لأهْلِهَا فِيهَا، فَنَظَرَ إلَيْهَا فَرَجَعَ فَقَالَ: لا وَعِزَّتِك لا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا» .
4859- وَفِي حَدِيثٍ لأبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «يَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنْ النَّارِ، لا وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

4860- وَفِي حَدِيثِ اغْتِسَالِ أَيُّوبَ (بَلَى وَعِزَّتِكَ وَلَكِنْ لا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ) .

4861- وَعَنْ قُتَيْلَةَ بِنْتِ صَيْفِيٍّ أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ، تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، وَتَقُولُونَ الْكَعْبَةِ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا: «وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَيَقُولَ أَحَدُهُمْ مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شِئْتَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

4862- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ عُمَرَ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ: «إنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

4863- وَفِي لَفْظٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلا يَحْلِفْ إِلا بِاَللَّهِ» . وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا، فَقَالَ: «لا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

4864- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَحْلِفُوا إِلا بِاَللَّهِ، وَلا تَحْلِفُوا إِلا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» لا: نَفْيٌ

(2/593)


لِلْكَلامِ السَّابِقِ، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ هُوَ الْمُقْسَمُ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِأَفْعَالِ اللهِ تَعَالَى إذَا وُصِفَ بِهَا.
قَوْلُهُ: «فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» قَالَ الْعُلَمَاءُ: السِّرُّ فِي النَّهْيِ عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللهِ أَنَّ الْحَلِفَ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي تَعْظِيمَهُ، وَالْعَظَمَةُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هِيَ لِلَّهِ وَحْدِهِ، فَلا يَحْلِفُ إِلا بِاَللَّهِ وَذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ وأحاديث الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللهِ لا يَنْعَقِدُ، لأنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ مَا جَاءَ فِي وَأَيْمُ اللهِ وَلَعَمْرُ اللهِ
وَأُقْسِمُ بِاَللَّهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ

4865- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد: لأطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً كُلُّهَا تَأْتِي بِفَارِسٍ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ إنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ يَقُلْ إنْ شَاءَ اللهُ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا، فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَجَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَأَيْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ» .

وَهُوَ حُجَّةٌ فِي أَنَّ إلْحَاقَ الاسْتِثْنَاءِ - مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ - يَنْفَعُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ وَقْتَ الْكَلامِ الأوَّلِ.

4866- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: «وَأَيْمُ اللهِ إنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

وَفِي حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ لَمَّا وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ جَاءَ عَلِيٌّ فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ: وَأَيْمُ اللهِ إنْ كُنْتُ لأظُنُّ أَنْ يَجْعَلَك اللهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ.

4867- وَقَدْ سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ الْمَخْزُومِيَّةِ: «وَأَيْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا» .

وَقَوْلُ عُمَرَ لِغَيْلانَ بْنِ سَلَمَةَ: وَأَيْمُ اللهِ لَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَكَ.

(2/594)


4868- وَفِي حَدِيثِ الإِفْكِ فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَقَامَ. أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: لَعَمْرُ اللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ. وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4869- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ - وَكَانَ صَدِيقًا لِلْعَبَّاسِ - أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ جَاءَ بِأَبِيهِ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ بَايِعْهُ عَلَى الْهِجْرَةِ، فَأَبَى وَقَالَ: «إنَّهَا لا هِجْرَةَ» . فَانْطَلَقَ إلَى الْعَبَّاسِ فَقَامَ الْعَبَّاسُ مَعَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَرَفْتَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ فُلانٍ وَأَتَاكَ بِأَبِيهِ لِتُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ فَأَبَيْتَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا هِجْرَةَ» . فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتُبَايِعَنَّهُ، قَالَ فَبَسَطَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ فَقَالَ: «هَاتِ أَبْررْت عَمِّي وَلا هِجْرَةَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةْ.
4870- وَعَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ امْرَأَةً أَهْدَتْ إلَيْهَا تَمْرًا فِي طَبَقٍ، فَأَكَلَتْ بَعْضَهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ، فَقَالَتْ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلا أَكَلْتِ بَقِيَّتَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَبِرِّيهَا فَإِنَّ الإِثْمَ عَلَى الْمُحَنِّثِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
4871- وَعَنْ بُرَيْدَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالأمَانَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ فِي النِّهَايَةِ: يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ فِيهِ لأجْلِ أَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَحْلِفَ بِأَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ، وَالأمَانَةُ أَمْرٌ مِنْ أُمُورِهِ فَنُهُوا عَنْهَا مِنْ أَجْلِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَسْمَاءِ اللهِ كَمَا نُهُوا أَنْ يَحْلِفُوا بِآبَائِهِمْ.
بَابٌ الأمْرُ بِإِبْرَارِ الْقَسَمِ وَالرُّخْصَةُ فِي تَرْكِهِ لِلْعُذْرِ
4872- عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ: أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوْ الْمُقْسِمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلامِ.
4873- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - فِي حَدِيثِ رُؤْيَا قَصَّهَا أَبُو بَكْرٍ - أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللهِ - بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي - أَصَبْتُ أَمْ

(2/595)


أَخْطَأْتُ؟ قَالَ: «أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا» . قَالَ: فَوَاَللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي بِاَلَّذِي أَخْطَأْتُ؟ قَالَ: «لا تُقْسِمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (وَإِبْرَارُ الْقَسَمِ) أَيْ بِفِعْلِ مَا أَرَادَ الْحَالِفُ وَعَدَمِ إبْرَارِهِ - صلى الله عليه وسلم - لِقَسَمِ أَبِي بَكْرٍ عَدَمِ الْوُجُوبِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ مَا يُذْكَرُ فِيمَنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا

4874- عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلا أَبَا دَاوُد.

4875- وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنْ دِين الإِسْلامِ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ: وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ يَعُدْ إلَى الإِسْلامِ سَالِمًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: اخْتُلِفَ فِيمَنْ قَالَ: أَكْفُرُ بِاَللَّهِ وَنَحْوِهِ إنْ فَعَلْتُ ثُمَّ فَعَلَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الأمْصَارِ: لا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلا يَكُونُ كَافِرًا إِلا إنْ أَضْمَرَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ. وَقَالَ الأوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ هُوَ يَمِينٌ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَالأوَّلُ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ: لا إلَهَ إِلا اللهَ» . وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً، زَادَ غَيْرُهُ: وَكَذَا قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى الإِسْلامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ» . فَأَرَادَ التَّغْلِيظَ فِي ذَلِكَ حَتَّى لا يَجْتَرِئَ أَحَدٌ عَلَيْهِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَلَغْوِ الْيَمِينِ

4876- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَبَهْتُ مُؤْمِنٍ، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَيَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالاً بِغَيْرِ حَقٍّ» .

4877- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِرَجُلٍ: ... «فَعَلْت كَذَا» ؟ قَالَ: لا وَاَلَّذِي لا إلَهَ إِلا هُوَ مَا فَعَلْتُ، قَالَ: فَقَالَ

(2/596)


جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ: قَدْ فَعَلَ، وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ غَفَرَ لَهُ بِقَوْلِهِ: لا وَاَلَّذِي لا إلَهَ إِلا هُوَ.

4878- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اخْتَصَمَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلانِ فَوَقَعَتْ الْيَمِينُ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَحَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لا إلَهَ إِلا هُوَ مَا لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ، قَالَ: فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنَّهُ كَاذِبٌ إنَّ لَهُ عِنْدَهُ حَقَّهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ حَقَّهُ، وَكَفَّارَةُ يَمِينِهِ مَعْرِفَتُهُ أَنْ لا إلَهَ إِلا اللهَ أَوْ شَهَادَتُهُ. رَوَاهُنَّ أَحْمَدُ. وَلأبِي دَاوُد الثَّالِثُ بِنَحْوِهِ.

4879- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {لاَّ يُؤَاخِذُكُمْ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} . فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: لا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ، وَفِي إسْنَادِهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ.

بَابُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَتَكْفِيرُهَا قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ

4880- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا. فَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» .
4881- وَفِي لَفْظٍ: «فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

4882- وَفِي لَفْظٍ: «إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكِ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد.

وَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ.

4883- وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْهَا وَلِيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

4884- وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا

(2/597)


فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَةْ.

4885- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

4886- وَفِي لَفْظٍ: «فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

4887- وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا» .

4888- وَفِي لَفْظٍ: «إِلا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَفَعَلْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» .

4889- وَفِي لَفْظٍ: «إِلا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْت عَنْ يَمِينِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ.
4890- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا نَذْرَ وَلا يَمِينَ فِيمَا لا تَمْلِكُ، وَلا فِي مَعْصِيَةٍ، وَلا فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد.

وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْوَفَاءِ بِهَا.

4891- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ أَهْلَهُ قُوتًا فِي سَعَةٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ أَهْلَهُ قُوتًا فِي شِدَّةٍ، فَنَزَلَتْ {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةْ.

4892- وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَرَءَا: (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ) حَكَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ الأثْرَمُ بِإِسْنَادٍ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «فَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحِنْثَ فِي الْيَمِينِ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَادِي إذَا كَانَ فِي الْحِنْثِ مَصْلَحَةٌ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ حُكْمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ

(2/598)


لا تَجِبُ إِلا بِالْحِنْثِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا بَعْدَ الْحِنْثِ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: لِلْكَفَّارَةِ ثَلاثُ حَالاتٍ: أَحَدُهَا. قَبْلَ الْحَلِفِ فَلا تُجْزِئُ اتِّفَاقًا. ثَانِيهَا: بَعْدَ الْحَلِفِ وَالْحِنْثِ فَتُجْزِئُ اتِّفَاقًا. ثَالِثُهَا: بَعْدَ الْحَلِفِ وَقَبْلَ الْحِنْثِ فَفِيهَا الْخِلافُ.

قَوْلُهُ: (كَانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ أَهْلَهُ) . إلَى آخره فِيهِ أَنَّ الأوْسَطَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الآيَةِ الْكَرِيمَةِ هُوَ الْمُتَوَسِّطُ مَا بَيْنَ قُوتِ الشِّدَّةِ وَالسَّعَةِ.

قَوْلُهُ: (إنَّهُمَا قَرَءَا فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ) قِرَاءَةُ الآحَادِ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ أَخْبَارِ الآحَادِ صَالِحَةٌ لِتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَتَخْصِيصِ الْعَامِّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الأصُولِ.

(2/599)