حجة الله
البالغة (أذكار الصَّلَاة وهيأتها الْمَنْدُوب
إِلَيْهَا)
اعْلَم أَن الْحَد الْأَكْمَل الَّذِي يَسْتَوْفِي فَائِدَة الصَّلَاة
كَامِلَة زَائِدَة على الْحَد الَّذِي لَا بُد مِنْهُ بِوَجْهَيْنِ: بالكيف
والكم.
أما الكيف فأعني بِهِ الْأَذْكَار، والهيآت، ومؤاخذة الْإِنْسَان نَفسه
بِأَن يُصَلِّي لله كَأَنَّهُ يرَاهُ، وَلَا يحدث فِيهَا نَفسه، وَأَن
يحْتَرز من هيآت مَكْرُوهَة وَنَحْو ذَلِك.
وَأما الْكمّ فصلوات يتنفلون بهَا، وسيأتيك ذكر النَّوَافِل من بعد إِن
شَاءَ الله تَعَالَى.
وَالْأَصْل فِي الْأَذْكَار حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْجُمْلَة.
وَأبي هُرَيْرَة. وَعَائِشَة. وَجبير بن مطعم. وَابْن عمر. وعيرهم رَضِي
الله عَنْهُم فِي الاستفتاح، وَحَدِيث عَائِشَة. وَابْن مَسْعُود. وَأبي
هُرَيْرَة. وثوبان. وَكَعب بن عجْرَة رَضِي الله عَنْهُم فِي سَائِر
الْمَوَاضِع وَغير هَؤُلَاءِ مَا نذكرهُ تَفْصِيلًا.
وَالْأَصْل فِي الهيآت حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ الَّذِي حَدثهُ فِي
عشرَة من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلمُوا
لَهُ، وَحَدِيث عَائِشَة. وَوَائِل بن حجر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي
الْجُمْلَة، وَحَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ فِي رفع الْيَدَيْنِ،
وَغير هَؤُلَاءِ مِمَّا سَنذكرُهُ،
والهيآت المندوبة ترجع إِلَى معَان:
مِنْهَا تَحْقِيق الخضوع، وَضم الْأَطْرَاف، والتنبيه للنَّفس على مثل
الْحَال الَّتِي تعتري السوقة عِنْد مُنَاجَاة الْمُلُوك من الهيبة والدهش،
كصف الْقَدَمَيْنِ. وَوضع الْيُمْنَى على الْيُسْرَى. وَقصر النّظر. وَترك
الِالْتِفَات.
وَمِنْهَا محاكاة ذكر الله وإيثاره على من سواهُ بأصابعه وَيَده حَذْو
مَا يعلقه بجنانه، ويقوله بِلِسَانِهِ، كرفع الْيَدَيْنِ، وَالْإِشَارَة
بالمسبحة، ليَكُون بعض الْأَمر معاضدا لبَعض.
وَمِنْهَا اخْتِيَار هيآت الْوَقار ومحاسن الْعَادَات، والاحتراز عَن الطيش
والهيآت الَّتِي يذمها أهل الرَّأْي، وينسبونها إِلَى غير ذَوي الْعُقُول،
كنقر الديك، وإقعاء الْكَلْب، واحتفاز
(2/12)
الثَّعْلَب، وبروك الْبَعِير، وافتراش
السَّبع، وَالَّتِي تكون للمتخيرين وَأهل الْبلَاء كالاختصار.
وَمِنْهَا أَن تكون الطَّاعَة بطمأنينة وَسُكُون، وعَلى رسل كجلسة
الاسْتِرَاحَة، وَنصب الْيُمْنَى وافتراش الْيُسْرَى فِي الْقعدَة الأولى
لِأَنَّهُ أيسر لقِيَامه وَالْقعُود على الورك فِي الثَّانِيَة لِأَنَّهُ
أَكثر رَاحَة.
وَأما الْأَذْكَار فترجع إِلَى معَان: مِنْهَا إيقاظ النَّفس لتنبه للخضوع
الَّذِي وضع لَهُ الْفِعْل كأذكار الرُّكُوع وَالسُّجُود.
وَمِنْهَا الْجَهْر بِذكر الله، ليَكُون تَنْبِيها للْقَوْم بانتقال الامام
من ركن إِلَى ركن كالتكبيرات عِنْد كل خفض وَرفع.
وَمِنْهَا أَلا تخلوا حَالَة فِي الصَّلَاة من ذكر كالتكبيرات وكأذكار
القومة والجلسة، فَإِذا كبر رفع يَدَيْهِ إِيذَانًا بِأَنَّهُ أعرض عَمَّا
سوى الله تَعَالَى، وَدخل فِي حيّز الْمُنَاجَاة، وَيرْفَع إِلَى
أُذُنَيْهِ أَو مَنْكِبَيْه، وكل ذَلِك سنة، وَوضع يَده الْيُمْنَى على
الْيُسْرَى وصف الْقَدَمَيْنِ وَقصر النّظر على مَحل السَّجْدَة تَعْظِيمًا
وجمعا لأطراف الْبدن حَذْو جمع الخاطر، ودعا دَعَاهُ الاستفتاح تمهيدا
لحضور الْقلب وإزعاجا للخاطر إِلَى الْمُنَاجَاة.
وَقد صَحَّ فِي ذَلِك صِيغ، مِنْهَا اللَّهُمَّ باعد بيني وَبَين خطاياي
كَمَا باعدت بَين الْمشرق وَالْمغْرب، اللَّهُمَّ نقي من الْخَطَايَا كَمَا
ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس، اللَّهُمَّ اغسل خطاياي بِالْمَاءِ
والثلج وَالْبرد.
أَقُول الْغسْل بالثلج وَالْبرد كِنَايَة عَن تَكْفِير الْخَطَايَا مَعَ
إِيجَاد الطُّمَأْنِينَة وَسُكُون الْقلب، وَالْعرب تَقول: برد قلبه أَي
سكن وإطمأن، وَأَتَاهُ الثَّلج أَي الْيَقِين.
وَمِنْهَا {وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض حَنِيفا وَمَا
أَنا من الْمُشْركين} .
{إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ
وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين} .
وَفِي رِوَايَة - وَأَنا من الْمُسلمين.
وَمِنْهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك
وَلَا إِلَه غَيْرك الله أكبر كَبِيرا ثَلَاثًا. وَسُبْحَان الله بكرَة
وَأَصِيلا ثَلَاثًا، ثمَّ يتَعَوَّذ لقَوْله تَعَالَى:
(2/13)
{فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه
من الشَّيْطَان الرَّجِيم}
أَقُول: السِّرّ فِي ذَلِك أَن من أعظم ضَرَر الشَّيْطَان أَن يوسوس لَهُ
فِي تَأْوِيل كتاب الله مَا لَيْسَ بمرضي، أَو يصده عَن التَّدْبِير.
وَفِي التَّعَوُّذ صِيغ: مِنْهَا أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم.
وَمِنْهَا استعيذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم.
وَمِنْهَا أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان من نفخه ونفثه وهمزه.
ثمَّ يبسمل سرا لما شرع الله لنا من تَقْدِيم التَّبَرُّك باسم الله على
الْقِرَاءَة وَلِأَن فِيهِ احْتِيَاطًا إِذْ قد اخْتلفت الرِّوَايَة هَل
هِيَ آيَة من الْفَاتِحَة أم لَا؟ وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه كَانَ يفْتَتح الصَّلَاة أَي الْقِرَاءَة
بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين، وَلَا يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم. أَقُول: وَلَا يبعد ان يكون جهر بهَا فِي بعض الأحيان ليعلمهم
الصَّلَاة
وَالظَّاهِر أَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يخص يتَعَلَّم
هَذِه الْأَذْكَار الْخَواص من أَصْحَابه، وَلَا يَجْعَلهَا بِحَيْثُ يوأخذ
بهَا الْعَامَّة ويلادمون على تَركهَا، وَهَذَا تَأْوِيل مَا قَالَه مَالك
- رَحمَه الله - عِنْدِي، وَهُوَ مَفْهُوم قَول أبي هُرَيْرَة رَضِي الله
عَنهُ: كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسكت بَين
التَّكْبِير وَبَين الْقِرَاءَة إسكاتة، فَقلت: بِأبي وَأمي إسكاتك بَين
التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة، مَا تَقول فِيهِ؟ ثمَّ يرتل سُورَة الْفَاتِحَة
وَسورَة من الْقُرْآن ترتيلا يمد الْحُرُوف وَيقف على رُؤُوس الْآي يُخَافت
فِي الظّهْر وَالْعصر ويجهر الإِمَام فِي الْفجْر. وأولي الْمغرب
وَالْعشَاء، وَإِن كَانَ مَأْمُوما وَجب عَلَيْهِ الانصات وَالِاسْتِمَاع
فَإِن جهر الإِمَام لم يقْرَأ إِلَّا عِنْد الإسكاته، وَإِن خَافت فَلهُ
الخيره، فَإِن قَرَأَ فليقرأ الْفَاتِحَة قِرَاءَة لَا يشوش على الإِمَام،
وَهَذَا أولى الْأَقْوَال عِنْدِي، وَبِه يجمع بَين أَحَادِيث الْبَاب،
والسر فِيهِ مَا نَص عَلَيْهِ من أَن الْقِرَاءَة مَعَ الإِمَام تشوش
عَلَيْهِ وتفوت التدبر وتخالف تَعْظِيم الْقُرْآن، وَلم يعزم عَلَيْهِم أَن
يقرءوا سرا لِأَن الْعَامَّة مَتى أردوا أَن يصححوا الْحُرُوف بأجمعهم
كَانَت لَهُم لجنة مشوشة، فسجل فِي النَّهْي عَن التشويش، وَلم يعزم
عَلَيْهِم مَا يُؤَدِّي إِلَى الْمنْهِي، وَأبقى خَيره لمن اسْتَطَاعَ،
وَذَلِكَ غَايَة الرَّحْمَة فِي بالأمة.
(2/14)
والسر فِي مُخَالفَته الظّهْر وَالْعصر أَن
النَّهَار مَظَنَّة الصخب واللغط فِي الْأَسْوَاق والدور، وَأما غَيرهمَا
فوقت هدوء الْأَصْوَات والجهر أقرب إِلَى تذكر الْقَوْم واتعاظهم.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إِذا أَمن الإِمَام، فَأمنُوا،
فَإِن من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه
".
أَقُول: الْمَلَائِكَة يحْضرُون الذّكر رَغْبَة مِنْهُم فِيهِ، ويؤمنون على
أدعيتهم لأجل مَا يترشح عَلَيْهِم من الْمَلأ الْأَعْلَى، وَفِيه إِظْهَار
التأسي بِالْإِمَامِ وَإِقَامَة لسنة الأقتداء.
وَرويت إسكاتتان: إسكاتة بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة ليتحرم الْقَوْم
بأجمعهم فِيمَا بَين ذَلِك، فيقبلوا على اسْتِمَاع الْقِرَاءَة بعزيمة،
وإسكاتة بَين قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَالسورَة، قيل: ليتيسر لَهُم
الْقِرَاءَة من غير تشويش وَترك إنصات.
أَقُول: الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن لَيْسَ بِصَرِيح فِي
الإسكاتة الَّتِي يَفْعَلهَا الإِمَام لقِرَاءَة الْمَأْمُومين، فَإِن
الظَّاهِر أَنَّهَا للتلفظ بآمين عِنْد من يسر بهَا، أَو سكتة لَطِيفَة
تميز بَين الْفَاتِحَة وآمين لِئَلَّا يشْتَبه غير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ،
عِنْد من يجْهر بهَا أَو سكتة لَطِيفَة ليرد إِلَى الْقَارئ نَفسه وعَلى
التنزل فاستغراب الْقرن الأول إِيَّاهَا يدل على أَنَّهَا لَيست سنة
مُسْتَقِرَّة وَلَا مِمَّا عمل بِهِ الْجُمْهُور وَالله أعلم.
وَيقْرَأ فِي الْفجْر سِتِّينَ آيَة إِلَى مائَة تداركا لقلَّة ركعاته بطول
قِرَاءَته، وَلِأَن رين الأشغال المعاشية لم يستحكم بعد، فيغتنم الفرصة
لتدبر الْقُرْآن.
وَفِي الْعشَاء:
{سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى}
{وَاللَّيْل إِذا يغشى}
وَمثلهَا، وقصة معَاذ - وَمَا كره النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ من تنقير الْقَوْم - مَشْهُورَة.
وَحمل الظّهْر على الْفجْر، وَالْعصر على الْعشَاء فِي بعض الرِّوَايَات،
وَالظّهْر على الْعشَاء وَالْعصر على الْمغرب فِي بَعْضهَا.
وَفِي الْمغرب بقصار الْمفصل لضيق الْوَقْت، وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطول، ويخفف على مَا يرى من الْمصلحَة الْخَاصَّة
بِالْوَقْتِ، وَإِنَّمَا أَمر النَّاس بِالتَّخْفِيفِ فَإِن فيهم
الضَّعِيف. وَفِيهِمْ السقيم. وَفِيهِمْ ذَا الْحَاجة وَقد اخْتَار رَسُول
الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض السُّور فِي بعض الصَّلَوَات
لفوائد من غير حتم، وَلَا طلب مُؤَكد؛ فَمن اتبع فقد أحسن، وَمن لَا فَلَا
حرج.
(2/15)
كَمَا اخْتَار فِي الْأَضْحَى. وَالْفطر
(ق) و (أقتربت) لبديع أسلوبهما وجمعهما لعامه مَقَاصِد الْقُرْآن فِي
اخْتِصَار، وَإِلَى ذَلِك حَاجَة عِنْد اجْتِمَاع النَّاس، أَو (سبح اسْم)
و (هَل أَتَاك) للتَّخْفِيف وأسلوبهما البديع. وَفِي الْجُمُعَة، سُورَة -
الْجُمُعَة وَالْمُنَافِقِينَ - للمناسبة والتحذير، فَإِن الْجُمُعَة تجمع
من الْمُنَافِقين وأشباههم من لَا يجمعه غير الْجُمُعَة
وَفِي الْفجْر يَوْم الْجُمُعَة (ألم تَنْزِيل) و (هَل أَتَى) تذكيرا
للساعة وَمَا فِيهَا وَالْجُمُعَة تكون الْبَهَائِم فِيهَا مسيخة أَن تكون
السَّاعَة فَكَذَلِك يَنْبَغِي لبني آدم أَن يَكُونُوا فزعين بهَا.
وَإِذا مر الْقَارئ على (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) قَالَ: سُبْحَانَ
رَبِّي الْأَعْلَى وَمن قَرَأَ (أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين)
فَلْيقل بلَى وَأَنا على ذَلِك من الشَّاهِدين، وَمن قَرَأَ (أَلَيْسَ
ذَلِك بِقَادِر على أَن يحي الْمَوْتَى) فَلْيقل بلَى، وَمن قَرَأَ
(فَبِأَي حَدِيث بعده يُؤمنُونَ) فَلْيقل: آمنا بِاللَّه، وَلَا يخفى مَا
فِيهِ من الْأَدَب
والمسارعة إِلَيّ الْخَيْر، فَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع رفع يَدَيْهِ حَذْو
مَنْكِبَيْه أَو أُذُنَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع وَلَا
يفعل ذَلِك فِي السُّجُود.
أَقُول: السِّرّ فِي ذَلِك أَن رفع الْيَدَيْنِ فعل تعظيمي يُنَبه النَّفس
على ترك الاشغال المنافية للصَّلَاة وَالدُّخُول فِي حيّز الْمُنَاجَاة،
فشرع ابْتِدَاء كل فعل من التعظيمات الثَّلَاث بِهِ، لتتنبه النَّفس لثمرة
ذَلِك الْفِعْل مستأنفا، وَهُوَ من الهيآت فعله النَّبِي صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرّة، وَتَركه مرّة، وَالْكل سنة، وَأخذ بِكُل وَاحِد
جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ. وَمن بعدهمْ، وَهَذَا أحد
الْمَوَاضِع الَّتِي اخْتلف فِيهَا الْفَرِيقَانِ أهل الْمَدِينَة والكوفة،
وَلكُل وَاحِد أصل أصيل، وَالْحق عِنْدِي فِي مثل ذَلِك أَن الْكل سنة
وَنَظِيره الْوتر بِرَكْعَة وَاحِدَة أَو بِثَلَاث وَالَّذِي يرفع أحب
إِلَيّ مِمَّن لَا يرفع، فَإِن أَحَادِيث الرّفْع أَكثر وَأثبت غير أَن لَا
يَنْبَغِي لإِنْسَان فِي مثل هَذِه الصُّور أَن يثير على نَفسه فتْنَة عوام
بَلَده، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَوْلَا حدثان
قَوْمك بالْكفْر لنقضت الْكَعْبَة " وَلَا يبعد أَن يكون ابْن مَسْعُود
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ظن أَن السبة المتقررة آخرا هُوَ تَركه، لما
تلقن من أَن مبْنى الصَّلَاة على سُكُون الْأَطْرَاف وَلم يظْهر لَهُ
(2/16)
أَن الرّفْع فعل تعظيمي، وَلذَلِك
ابْتَدَأَ بِهِ فِي الصَّلَاة، أَو لما تلقن من أَنه فعل يُنبئ على
التّرْك، فَلَا يُنَاسب كَونه فِي أثْنَاء الصَّلَاة، وَلم يظْهر لَهُ أَن
تَجْدِيد التنبه لترك مَا سوى الله عِنْد كل فعل أصل من الصَّلَاة مَطْلُوب
وَالله أعلم.
قَوْله " لَا يفعل ذَلِك فِي السُّجُود " أَقُول. القومة شرعت فارقة بَين
الرُّكُوع وَالسُّجُود، فالرفع مَعهَا رفع للسُّجُود فَلَا معنى للتكرار،
وَيكبر فِي كل خفض وَرفع للتّنْبِيه الْمَذْكُور وليسمع الْجَمَاعَة
فيتنبهوا للانتقال.
وَمن هيآت الرُّكُوع أَن يضع راحتيه على رُكْبَتَيْهِ، وَيجْعَل أَصَابِعه
أَسْفَل
من ذَلِك كالقابض، ويجافي بمرفقيه، ويعتدل، فَلَا يصبى رَأسه، وَلَا يقنع
وَمن أذكاره: " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ
اغْفِر لي "، وَفِيه الْعَمَل بقوله تَعَالَى:
{فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْفرهُ}
وَمِنْهَا " سبوح قدوس رَبنَا وَرب الْمَلَائِكَة وَالروح " وَمِنْهَا "
سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم " ثَلَاثًا، وَمِنْهَا " اللَّهُمَّ لَك ركعت،
وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت، خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي وعصبي ".
وَمن هيآت القومة أَن يَسْتَوِي قَائِما حَتَّى يعود كل فقار مَكَانَهُ،
وَأَن يرفع يَدَيْهِ.
وَمن أذكارها: " سمع الله لمن حَمده " وَمِنْهَا " اللَّهُمَّ رَبنَا لَك
الْحَمد حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ " وَجَاءَت زِيَادَة " ملْء
السَّمَوَات وَالْأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد " وَزَاد فِي
رِوَايَة: أهل الثَّنَاء وَالْمجد أَحَق مَا قَالَ العَبْد، وكلنَا لَك
عبد، اللَّهُمَّ لَا مَانع لما أَعْطَيْت، وَلَا معطي لما منعت، وَلَا ينفع
ذَا الْجد مِنْك الْجد " وَمِنْهَا " اللَّهُمَّ طهرني بالثلج وَالْبرد،
وَالْمَاء الْبَارِد، اللَّهُمَّ طهرني من الذُّنُوب والخطايا كَمَا ينقى
الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس ".
وَاخْتلفت الْأَحَادِيث. ومذاهب الصَّحَابَة. وَالتَّابِعِينَ فِي قنوت
الصُّبْح، وَعِنْدِي أَن الْقُنُوت وَتَركه سيان، وَمن لم يقنت إِلَّا
عِنْد حَادِثَة عَظِيمَة، أَو كَلِمَات يسيرَة إخفاءة قبل
(2/17)
الرُّكُوع أحب إِلَيّ، لِأَن الْأَحَادِيث
شاهدة على أَن الدُّعَاء على رعل وذكوان كَانَ أَولا ثمَّ ترك، وَهَذَا
وَإِن لم يدل على
نسخ مُطلق الْقُنُوت، لَكِنَّهَا تؤمي إِلَى أَن الْقُنُوت لَيْسَ سنة
مُسْتَقِرَّة، أَو نقُول: لَيْسَ وَظِيفَة راتبة، وَهُوَ قَول
الصَّحَابِيّ: أَن بنى مُحدث يَعْنِي الْمُوَاظبَة عَلَيْهِ، وَكَانَ
النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلفاءه إِذا نابهم أَمر دعوا
للْمُسلمين وعَلى الْكَافرين بعد الرُّكُوع أَو قبله، وَلم يَتْرُكُوهُ
بِمَعْنى عدم القَوْل عِنْد النائبة.
وَمن هيآت السُّجُود أَن يضع رُكْبَتَيْهِ قبل يَدَيْهِ، وَلَا يبسط
ذِرَاعَيْهِ انبساط الْكَلْب، ويجافي يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُو بَيَاض
إبطَيْهِ، وَيسْتَقْبل بأطراف أَصَابِع رجلَيْهِ الْقبْلَة.
وَمن أذكاره: " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا " وَمِنْهَا "
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِر لي "
وَمِنْهَا: " اللَّهُمَّ لَك سجدت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت، سجد وَجْهي
للَّذي خلقه، وصوره، وشق سَمعه وبصره، فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ
" وَمِنْهَا: " سبوح قدوس رَبنَا وَالْمَلَائِكَة وَالروح " وَمِنْهَا:
اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذَنبي كُله دقه وجله وأوله وَآخره وعلانيته وسره
وَمِنْهَا: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عُقُوبَتك،
وَأَعُوذ بك مِنْك لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك كَمَا أثنيت على نَفسك ".
وَإِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فأعني على نَفسك
بِكَثْرَة السُّجُود " لِأَن السُّجُود غَايَة التَّعْظِيم، فَهُوَ
مِعْرَاج الْمُؤمن، وَوقت خلوص ملكيته من أسر البهيمية، وَمن مكن من نَفسه
للغاشية الالهية فقد أعَان مفيض الْخَيْر.
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمتِي يَوْم الْقِيَامَة غر من
السُّجُود محجلون من الْوضُوء ".
أَقُول: عَالم الْمِثَال مبناه على مُنَاسبَة الْأَرْوَاح بالأشباح كَمَا
ظهر منع الصائمين عَن الْأكل وَالْجِمَاع بالختم على الأفواه والفروج.
وَمن هيآت مَا بَين السَّجْدَتَيْنِ أَن يجلس على رجله الْيُسْرَى، وَينصب
الْيُمْنَى، وَيَضَع راحتيه على رُكْبَتَيْهِ.
وَمن أذكاره: " اللَّهُمَّ اغْفِر لي، وارحمني، واهدني، وَعَافنِي، وارزقني
". وَمن هيآت الْقعدَة أَن يجلس على رجله الْيُسْرَى، وَينصب الْيُمْنَى،
وَرُوِيَ فِي
(2/18)
الْأَخِيرَة قدم رجله، الْيُسْرَى وَنصب
الْأُخْرَى، وَقعد على مقعدته، وَأَن يضع يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ، وَورد
يلقم كَفه الْيُسْرَى ركبته، وَأَن يعْقد ثَلَاثًا وَخمسين وَأَشَارَ
بالسبابة، وَرُوِيَ قبض ثِنْتَيْنِ، وَحلق حَلقَة، والسر فِي رفع الْأصْبع
الْإِشَارَة إِلَى التَّوْحِيد، ليتعاضد القَوْل وَالْفِعْل، وَيصير
الْمَعْنى متمثلا متصورا، وَمن قَالَ: أَن مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله
ترك الْإِشَارَة بالمسبحة فقد أَخطَأ، وَلَا يعضده رِوَايَة وَلَا دراية
قَالَه ابْن الْهمام، نعم لم يذكرهُ مُحَمَّد رَحمَه الله فِي الأَصْل،
وَذكره فِي الْمُوَطَّأ، وَوجدت بَعضهم لَا يُمَيّز بَين قَوْلنَا لَيست
الْإِشَارَة فِي ظَاهر الْمَذْهَب، وَقَوْلنَا ظَاهر الْمَذْهَب أَنَّهَا
لَيست، ومفاسد الْجَهْل والتعصب أَكثر من أَن تحصى.
وَجَاء فِي التَّشَهُّد صِيغ: أَصَحهَا تشهد ابْن مَسْعُود رَضِي الله
عَنهُ، ثمَّ تشهد ابْن عَبَّاس. وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا؛ وَهِي كأحرف
الْقُرْآن كلهَا شاف كَاف، وَأَصَح صِيغ الصَّلَاة " اللَّهُمَّ صل على
مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد، كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل
إِبْرَاهِيم، إِنَّك حميد مجيد، اللَّهُمَّ بَارك على مُحَمَّد وعَلى آل
مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد
مجيد
واللهم صلي على مُحَمَّد وأزواجه وَذريته، كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم،
وَبَارك على مُحَمَّد وأزواجه وَذريته، كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم،
إِنَّك حميد مجيد ".
وَقد ورد فِي صِيغ الدُّعَاء فِي التَّشَهُّد: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك
من عَذَاب جَهَنَّم، وَأَعُوذ بك من عَذَاب الْقَبْر، وَأَعُوذ بك من شَرّ
الْمَسِيح الدَّجَّال، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات " وَورد
" اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا: وَلَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا
أَنْت، فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك، وارحمني أَنَّك أَنْت الغفور
الرَّحِيم " وَورد " اللَّهُمَّ اغْفِر لي مَا قدمت، وَمَا أخرت، وَمَا
أسررت، وَمَا أعلنت، وَمَا أسرفت، وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني، أَنْت
الْمُقدم، وَأَنت الْمُؤخر، لَا إِلَه إِلَّا أَنْت.
وَمن أذكار مَا بعد الصَّلَاة اسْتغْفر الله ثَلَاثًا، واللهم أَنْت
السَّلَام ومنك السَّلَام تَبَارَكت يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام، لَا
إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك، وَله الْحَمد، وَهُوَ
على كل شَيْء قدير اللَّهُمَّ لَا مَانع لما أَعْطَيْت، وَلَا معطي لما
منعت، وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد، لَا إِلَه إِلَّا الله، وَلَا
نعْبد إِلَّا إِيَّاه، وَله النِّعْمَة، وَله الْفضل، وَله الثَّنَاء
الْحسن، لَا إِلَه إِلَّا الله مُخلصين لَهُ الدّين وَلَو كره
الْكَافِرُونَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْجُبْن، وَأَعُوذ بك من
الْبُخْل، وَأَعُوذ بك من أرذل
(2/19)
الْعُمر، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الدُّنْيَا
وَعَذَاب الْقَبْر وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَة، وَثَلَاث
وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَة. وَأَرْبع وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَة. وروى من كل
ثَلَاث وَثَلَاثُونَ وَتَمام الْمِائَة لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا
شريك لَهُ الخ، وَرُوِيَ من كل خمس وَعِشْرُونَ، وَالرَّابِع لَا إِلَه
إِلَّا الله، ويروى يسبحون فِي دبر كل صَلَاة عشرا، ويحمدون عشرا،
وَيُكَبِّرُونَ عشرا؛ وَرُوِيَ من كل مائَة، والأدعية كلهَا بِمَنْزِلَة
أحرف الْقُرْآن، من من قَرَأَ مِنْهَا شَيْئا فَازَ بالثواب الْمَوْعُود.
وَالْأولَى أَن يَأْتِي بِهَذِهِ الْأَذْكَار قبل الرَّوَاتِب فَإِنَّهُ
جَاءَ فِي بعض الْأَذْكَار
مَا يدل على ذَلِك نصا كَقَوْلِه: من قَالَ - قبل أَن ينْصَرف، ويثني
رجلَيْهِ من صَلَاة الْمغرب وَالصُّبْح لَا إِلَه إِلَّا الله الخ، وكقول
الرَّاوِي كَانَ إِذا سلم من صلَاته يَقُول بِصَوْتِهِ الْأَعْلَى: لَا
إِلَه إِلَّا الله الخ، قَالَ ابْن عَبَّاس: كنت أعرف انْقِضَاء صَلَاة
رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ، وَفِي
بَعْضهَا مَا يدل ظَاهرا كَقَوْلِه " دبر كل صَلَاة "، وَأما قَول
عَائِشَة: كَانَ إِذا سلم لَا يقْعد إِلَّا مِقْدَار مَا يَقُول:
اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام فيتحمل وُجُوهًا، مِنْهَا أَنه كَانَ لَا يقْعد
بهيئة الصَّلَاة إِلَّا هَذَا الْقدر، وَلكنه كَانَ يتيامن، أَو يتياسر،
أَو يقبل على الْقَوْم بِوَجْهِهِ، فَيَأْتِي بالأذكار؛ لِئَلَّا يظنّ
الظَّان أَن الْأَذْكَار من الصَّلَاة، وَمِنْهَا أَنه كَانَ حينا بعد حِين
يتْرك الْأَذْكَار غير هَذِه الْكَلِمَات يعلمهُمْ أَنَّهَا لَيست
فَرِيضَة، وَإِنَّمَا مُقْتَضى كَانَ وجود هَذَا الْفِعْل كثير لَا مرّة
وَلَا مرَّتَيْنِ وَلَا الْمُوَاظبَة.
وَالْأَصْل فِي الرَّوَاتِب أَن يَأْتِي بهَا فِي بَيته، والسر فِي ذَلِك
كُله أَن يطع الْفَصْل بَين الْفَرْض والنوافل بِمَا لَيْسَ من جنسهما،
وَأَن يكون فصلا معتدا بِهِ يدْرك ببادئ الرَّأْي، وَهُوَ قَول عمر رَضِي
الله عَنهُ لمن أَرَادَ أَن يشفع بعد الْمَكْتُوبَة: " اجْلِسْ فَإِنَّهُ
لم يهْلك أهل الْكتاب إِلَّا أَنه لم يكن بَين صلواتهم فصل، فَقَالَ
النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصَاب الله بك يَا ابْن الْخطاب
"، وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجْعَلُوهَا فِي بُيُوتكُمْ
" وَالله أعلم.
(2/20)
(مَا لَا يجوز فِي الصَّلَاة وَسُجُود
السَّهْو والتلاوة)
(مَا لَا يجوز فِي الصَّلَاة)
وَاعْلَم أَن مبْنى الصَّلَاة على خشوع الْأَطْرَاف، وَحُضُور الْقلب، وكف
اللِّسَان إِلَّا عَن ذكر الله، وَقِرَاءَة الْقُرْآن ... ، فَكل هَيْئَة
باينت الْخُشُوع، وكل كلمة لَيست بِذكر الله، فَإِن ذَلِك يُنَافِي
الصَّلَاة، لَا تتمّ الصَّلَاة إِلَّا بِتَرْكِهِ والكف عَنهُ، لَكِن هَذِه
الْأَشْيَاء مُتَفَاوِتَة، وَمَا كل نُقْصَان يبطل الصَّلَاة
بِالْكُلِّيَّةِ، والتمييز بَين مَا يُبْطِلهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَبَين
مَا ينقصها فِي الْجُمْلَة - تشريع موكول إِلَى نَص الشَّارِع، وللفقهاء
فِي ذَلِك كَلَام كثير، وتطبيق الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة عَلَيْهِ عسير،
وأوفق الْمذَاهب بِالْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَاب أوسعها.
وَلَا شكّ أَن الْفِعْل الْكثير الَّذِي يتبدل بِهِ الْمجْلس، وَالْقَوْل
الْكثير الَّذِي يستكثر جدا - نَاقص.
فَمن الثَّانِي قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن هَذِه
الصَّلَاة لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس إِنَّمَا هِيَ
التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن " وتعليله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَاب فِي الرجل يُسَوِّي الترتب حَيْثُ يسْجد،: "
إِن كنت فَاعِلا فَوَاحِدَة "، وَنَهْيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَن الخصر وَهُوَ وضع الْيَد على الخاصرة " فَإِنَّهُ رَاحَة أهل النَّار "
يَعْنِي هَيْئَة أهل الْبلَاء المتحيين المدهوشين، وَعَن الِالْتِفَات "
فَإِنَّهُ اختلاس يختلسه الشَّيْطَان من صَلَاة العَبْد " يَعْنِي ينقص
الصَّلَاة وينافي كَمَاله.
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذا تثاءب أحدكُم فِي
الصَّلَاة فليكظم مَا اسْتَطَاعَ فَإِن الشَّيْطَان يدْخل فِي فِيهِ "
أَقُول: يُرِيد أَن التثاؤب مَظَنَّة لدُخُول ذُبَاب أَو نَحوه مِمَّا يشوش
خاطره، ويصده عَمَّا
(2/21)
هُوَ بسبيله.
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذا قَامَ أحدكُم إِلَى
الصَّلَاة فَلَا يمسح الْحَصَى، فَإِن الرَّحْمَة تواجهه " وَقَوله صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يزَال الله تَعَالَى مُقبلا على العَبْد
وَهُوَ فِي صلَاته مَا لم يلْتَفت، فَإِذا ألتفت أعرض عَنهُ " وَكَذَا مَا
ورد من إِجَابَة الله للْعَبد فِي الصلاته، أَقُول: هَذَا إِشَارَة إِلَى
أَن جود الْحق عَام فائض، وَأَنه إِنَّمَا تَتَفَاوَت النُّفُوس فِيمَا
بَينهَا باستعدادها الْجبلي أوالكسبي، فَإِذا توجه إِلَى الله فتح لَهُ
بَاب من جوده، وَإِذا أعرض حرمه، بل اسْتحق الْعقُوبَة بأعراضة.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العطاس وَالنُّعَاس والتثاؤب
فِي الصَّلَاة وَالْحيض والقيء والرعاف من الشَّيْطَان " أَقُول: يُرِيد
أَنَّهَا مُنَافِيَة لِمَعْنى الصَّلَاة ومبناها وَأما الأول فَإِن
النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد فعل أَشْيَاء فِي الصَّلَاة
بَيَانا للشَّرْع، وَقرر على أَشْيَاء، فَذَلِك مَا دونه لَا يبطل
الصَّلَاة.
وَالْحَاصِل من الاستقراء أَن القَوْل الْيَسِير - مثل ألعنك بلعنة الله
ثَلَاثًا، ويرحمك الله، وَيَا ثكل أُمَّاهُ، وَمَا شَأْنكُمْ تنْظرُون
إِلَيّ، والبطش الْيَسِير مثل وضع صبيته من العاتق ورفعها، وغمز الرجل،
وَمثل فتح الْبَاب، وَالْمَشْي الْيَسِير كالنزول من درج الْمِنْبَر إِلَى
مَكَان، ليتأتى مِنْهُ السُّجُود فِي أصل الْمِنْبَر، والتأخر من مَوضِع
الإِمَام إِلَى الصَّفّ، والتقدم إِلَى الْبَاب الْمُقَابل؛ ليفتح، والبكاء
خوفًا من الله، وَالْإِشَارَة المفهمة، وَقتل الْحَيَّة وَالْعَقْرَب،
واللحظ يَمِينا وَشمَالًا من غير لي الْعُنُق - لَا يفْسد، وَإِن تعلق
القذر بجسده أَو ثَوْبه إِذا لم يكن بِفِعْلِهِ أَو كَانَ لَا يُعلمهُ، لَا
يفْسد هَذَا وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال. |