حجة الله البالغة

(سُجُود السَّهْو)
وَسن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا إِذا قصر الْإِنْسَان فِي صلَاته أَن يسْجد سَجْدَتَيْنِ تداركا لما فرط، فَفِيهِ شبه الْقَضَاء وَشبه الْكَفَّارَة.
والمواضع الَّتِي ظهر فِيهَا النَّص أَرْبَعَة: الأول قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته، وَلم يدر كم صلى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا، فليطرح الشَّك، وليبن على مَا استيقن، ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم، فَإِن كَانَ صلى خمْسا شفعها بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ، وَإِن كَانَ صلى تَمامًا لأَرْبَع كَانَتَا ترغيما للشَّيْطَان " أَي زِيَادَة فِي الْخَيْر، وَفِي مَعْنَاهُ الشَّك فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود.

(2/22)


الثَّانِي أَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الظّهْر خمْسا فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ بعد مَا سلم وَفِي معنى زِيَادَة الرَّكْعَة زِيَادَة الرُّكْن.
الثَّالِث أَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلم فِي رَكْعَتَيْنِ، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فصلى مَا ترك ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ، وَأَيْضًا روى أَنه سلم وَقد بَقِي عَلَيْهِ رَكْعَة بِمثلِهِ، وَفِي مَعْنَاهُ أَن يفعل سَهوا مَا يبطل عمده.
الرَّابِع أَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ لم يجلس حَتَّى إِذا قضى الصَّلَاة سجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم، وَفِي مَعْنَاهُ ترك التَّشَهُّد فِي الْقعُود.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذا قَامَ الإِمَام فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَإِن ذكر قبل أَن يَسْتَوِي قَائِما فليجلس، وَإِن اسْتَوَى قَائِما، فَلَا يجلس وَيسْجد سَجْدَتي السَّهْو، أَقُول: وَذَلِكَ أَنه إِذا قَامَ فَاتَ مَوْضِعه، فَإِن رَجَعَ لَا أحكم بِبُطْلَان صلَاته، وَفِي الحَدِيث دَلِيل على أَن من كَانَ قريب الاسْتوَاء وَلما يستو فَإِنَّهُ يجلس خلافًا لما عَلَيْهِ الْعَامَّة
(سُجُود التِّلَاوَة)
وَسن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن قَرَأَ آيَة فِيهَا أَمر بِالسُّجُود، أَو بَيَان ثَوَاب من سجد، وعقاب من أَبى عَنهُ أَن يسْجد تَعْظِيمًا لكَلَام ربه ومسارعة إِلَى الْخَيْر، وَلَيْسَ مِنْهَا مَوَاضِع سُجُود الْمَلَائِكَة لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام لِأَن الْكَلَام فِي السُّجُود لله تَعَالَى.
والآيات الَّتِي ظهر فِيهَا النَّص أَربع عشرَة آيَة أَو خمس عشرَة، وَبَين عمر رَضِي الله عَنهُ أَنَّهَا مُسْتَحبَّة، وَلَيْسَت بواجبة على رَأس الْمِنْبَر، فَلم يُنكر السامعون، وسلموا لَهُ، وتاويل حَدِيث - سجد النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّجْمِ، وَسجد مَعَه الْمُسلمُونَ، وَالْمُشْرِكُونَ. وَالْجِنّ. والأنس - عِنْدِي أَن فِي ذَلِك الْوَقْت ظهر الْحق ظهورا بَينا، فَلم يكن لأحد إِلَّا الخضوع والاستسلام، فَلَمَّا رجعُوا إِلَى طبيعتهم كفر من كفر، وَأسلم من أسلم، وَلم يقبل شيخ من قُرَيْش تِلْكَ الغاشية الإلهية لقُوَّة الْخَتْم على قلبه إِلَّا بِأَن رفع التُّرَاب إِلَى الْجَبْهَة، فَعجل تعذيبه بِأَن قتل ببدر،
وَمن أذكار سَجْدَة التِّلَاوَة: سجد وَجْهي للَّذي خلقه، وشق سَمعه وبصره بحوله وقوته، وَمِنْهَا اللَّهُمَّ اكْتُبْ لي بهَا عنْدك أجرا، وضع بهَا عني وزرا، وَاجْعَلْهَا لي عنْدك ذخْرا، وتقبلها مني كَمَا تقبلتها من عَبدك دَاوُد.

(2/23)


(النَّوَافِل)
لما كَانَ من الرَّحْمَة المرعية فِي الشَّرَائِع - أَن يبين لَهُم مَا لَا بُد مِنْهُ، وَمَا يحصل بِهِ فَائِدَة الطَّاعَة كَامِلَة، ليَأْخُذ كل إِنْسَان حَظه، ويتمسك المشغول والمقبل على الارتفاقات بِمَا لَا بُد مِنْهُ، وَيُؤَدِّي الفارغ الْمقبل على تَهْذِيب نَفسه وَإِصْلَاح آخرته الْكَامِل - تَوَجَّهت الْعِنَايَة التشريعية إِلَى بَيَان صلوَات يتنفلون بهَا، وتوقيتها بِأَسْبَاب وأوقات تلِيق بهَا، وَأَن يحث عَلَيْهَا، ويرغب فِيهَا، ويفصح عَن فوائدها، وَإِلَى ترغيبهم فِي الصَّلَاة النَّافِلَة غير المؤقتة إِجْمَالا إِلَّا عِنْد مَانع كالأوقات المنهية.
فَمِنْهَا رواتب الْفَرَائِض، وَالْأَصْل فِيهَا أَن الأشغال الدُّنْيَوِيَّة لما كَانَت منسية ذكر الله صادة عَن تدبر الْأَذْكَار وَتَحْصِيل ثَمَرَة الطَّاعَات فَإِنَّهَا تورث إخلادا إِلَى الْهَيْئَة البهيمية وقسوة ودهشا للملكية - وَجب أَن يشرع لَهُم مصقلة يستعملونها قبل الْفَرَائِض؛ ليَكُون الدُّخُول فِيهَا على حِين صفاء الْقلب وَجمع الهمة، وَكَثِيرًا مَا لَا يُصَلِّي الْإِنْسَان بِحَيْثُ يَسْتَوْفِي فَائِدَة الصَّلَاة، وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ فِي قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كم من مصل لَيْسَ لَهُ من صلَاته إِلَّا نصفهَا ثلثهَا ربعهَا " فَوَجَبَ أَن يسن بعْدهَا صَلَاة تَكْمِلَة للمقصود
وآكدها عشر رَكْعَات، أَو اثْنَتَا عشرَة رَكْعَة متوزعة على الْأَوْقَات وَذَلِكَ أَنه أَرَادَ أَن يزِيد بِعَدَد الرَّكْعَات الْأَصْلِيَّة، وَهِي إِحْدَى عشرَة لَكِنَّهَا أشفاع، فَاخْتَارَ أحد العددين.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بنى لَهُ بَيت فِي الْجنَّة " أَقُول هَذَا إِشَارَة إِلَى أَنه مكن من نَفسه لحظ عَظِيم من الرَّحْمَة
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَكعَتَا الْفجْر خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " أَقُول: إِنَّمَا كَانَتَا خيرا مِنْهَا لِأَن الدُّنْيَا فانية، وَنَعِيمهَا لَا يَخْلُو عَن كدر النصب والتعب، وثوابها بَاقٍ غير كدر
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلى الْفجْر فِي جمَاعَة، ثمَّ قعد يذكر الله حَتَّى تطلع الشَّمْس، ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ كَانَت لَهُ كَأَجر حجَّة وَعمرَة " أَقُول: هَذَا هُوَ الِاعْتِكَاف الَّذِي سنه رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل يَوْم، وَقد مر فَوَائِد الِاعْتِكَاف

(2/24)


وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَربع قبل الظّهْر: " تفتح لَهُنَّ أَبْوَاب اسماء " وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّهَا سَاعَة تفتح فِيهَا أَبْوَاب السَّمَاء، فَأحب أَن يصعد لي فِيهَا عمل صَالح " وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا مشيء إِلَّا يسبح فِي تِلْكَ السَّاعَة " أَقُول: قد ذكرنَا من قبل أَن المتعالي عَن الْوَقْت لَهُ تجليات فِي الْأَوْقَات، وَأَن الروحانية تَنْتَشِر فِي بعض الْأَوْقَات، فراجع هَذَا الْفَصْل
وَإِنَّمَا سنّ أَربع بعد الْجُمُعَة لمن صلاهَا فِي الْمَسْجِد، وركعتان بعْدهَا لمن صلاهَا فِي بَيته لِئَلَّا يحصل مثل الصَّلَاة فِي وَقتهَا ومكانها فِي اجْتِمَاع عَظِيم من النَّاس، فَإِن ذَلِك يفتح على الْعَوام ظن الْإِعْرَاض من الْجَمَاعَة وَنَحْو ذَلِك من الأوهام، وَهُوَ أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا يُوصل صَلَاة بِصَلَاة حَتَّى يتَكَلَّم، أَو يخرج، وروى أَربع قبل الْعَصْر وست بعد الْمغرب وَلم يسن بعد الْفجْر لِأَن السّنة فِيهِ الْجُلُوس فِي مَوضِع الصَّلَاة إِلَى صَلَاة الْإِشْرَاق، فَحصل الْمَقْصُود، وَلِأَن الصَّلَاة بعده تفتح بَاب المشابهة بالمجوس، وَلَا بعد الْعَصْر للمشابهة الْمَذْكُورَة
وَمِنْهَا صَلَاة اللَّيْل اعْلَم أَنه لما كَانَ آخر اللَّيْل - وَقت صفاء الخاطر عَن الاشغال المشوشة وَجمع الْقلب. وهدء الصَّوْت ونوم النَّاس. وابعد من
الرِّيَاء والسمعة - وَأفضل أَوْقَات الطَّاعَة مَا كَانَ فِيهِ الْفَرَاغ وإقبال الخاطر، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وصلوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نياما " وَقَوله تَعَالَى:
{إِن ناشئة اللَّيْل هِيَ أَشد وطئا وأقوام قيلا إِن لَك فِي النَّهَار سحبا طَويلا}
وَأَيْضًا فَذَلِك الْوَقْت وَقت نزُول الرَّحْمَة الإلهية، وَأقرب مَا يكون الرب إِلَى العَبْد فِيهِ، وَقد ذَكرْنَاهُ من قبل، وَأَيْضًا فللسهر خاصية عَجِيبَة فِي إضعاف البهيمية، وَهُوَ بِمَنْزِلَة الترياق، وَلذَلِك جرت عَادَة طوائف النَّاس أَنهم إِذا أَرَادوا تسخير السبَاع وَتَعْلِيمهَا الصَّيْد لم يستطيعوه إِلَّا من قبل السهر والجوع، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن هَذَا السهر جهد وَثقل " الحَدِيث - كَانَت الْعِنَايَة بِصَلَاة التَّهَجُّد أَكثر فَبين النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضائلها، وَضبط آدابها وأذكارها

(2/25)


قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يعْقد الشَّيْطَان على قافية رَأس أحدكُم إِذا هُوَ نَام ثَلَاث عقد " الحَدِيث أَقُول: الشَّيْطَان يلذذ إِلَيْهِ النّوم، ويوسوس إِلَيْهِ أَن اللَّيْل طَوِيل، ووسوسته تِلْكَ أكيدة شَدِيدَة لَا تنقشع إِلَّا بتدبير بَالغ ينْدَفع بِهِ النّوم، وينفتح بِهِ من التَّوَجُّه إِلَى الله، فَلذَلِك
سنّ أَن يذكر الله إِذا هَب وَهُوَ يمسح النّوم عَن وَجهه، ثمَّ يتَوَضَّأ ويتسوك، ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خفيفتين، ثمَّ يطول بالآداب والأذكار مَا شَاءَ، وَإِنِّي جربت تِلْكَ العقد الثَّلَاث، وشاهدت ضربهَا وتأثيرها مَعَ علمي حِينَئِذٍ بِأَنَّهُ من الشَّيْطَان، وذكري هَذَا الحَدِيث.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رب كاسية فِي الدُّنْيَا - أَي بأصناف اللبَاس - عَارِية فِي الْآخِرَة " أَي جَزَاء وفَاقا لخلو نَفسهَا عَن الْفَضَائِل النفسانية.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَاذَا أنزل " الحَدِيث. أَقُول: هَذَا دَلِيل وَاضح على تمثل الْمعَانِي ونزولها إِلَى الأَرْض قبل وجودهَا المحسوس.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ينزل رَبنَا تبَارك وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا " الحَدِيث قَالُوا هَذِه كِنَايَة عَن تهيؤ النُّفُوس لاستنزال رَحْمَة الله من وَجهه هدء الْأَصْوَات الشاغلة عَن الْحُضُور، وصفاء الْقلب عَن الأشغال المشوشة، والبعد من الرِّيَاء، وَعِنْدِي أَنه مَعَ ذَلِك كِنَايَة عَن شَيْء متجدد يسْتَحق أَن يعبر عَنهُ بالنزول، وَقد أَشَرنَا إِلَى شَيْء من هَذَا، ولهذين السرين قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أقرب مَا يكون الرب من العَبْد فِي جَوف اللَّيْل الآخر " وَقَالَ: " أَن فِي اللَّيْل لساعة لَا يُوَافِقهَا عبد مُسلم يسْأَل الله فِيهَا خيرا إِلَّا أعطَاهُ " وَقَالَ: عَلَيْكُم بِقِيَام اللَّيْل فَإِنَّهُ دأب الصَّالِحين قبلكُمْ وَهُوَ قربَة لكم إِلَى ربكُم، مكفرة للسيئات، منهاة عَن الْإِثْم، قد ذكرنَا أسرار التَّكْبِير وَالنَّهْي عَن الْإِثْم وَغَيرهمَا مراجع.

(2/26)


قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أَوَى إِلَى فرَاشه طَاهِرا يذكر الله حَتَّى يُدْرِكهُ النعاس لم يَنْقَلِب سَاعَة من اللَّيْل يسْأَل الله شَيْئا من خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا أعطَاهُ ".
أَقُول مَعْنَاهُ من نَام على حَالَة الْإِحْسَان الْجَامِع بَين التَّشَبُّه بالملكوت. والتطلع إِلَى الجبروت لم يزل طول ليلته على تِلْكَ الْحَالة، وَكَانَت نَفسه رَاجِعَة إِلَى الله فِي عبَادَة المقربين.
وَمن سنَن التَّهَجُّد أَن يذكر الله إِذا قَامَ من النّوم قبل أَن يتَوَضَّأ، وَقد ذكر فِيهِ صِيغ مِنْهَا " اللَّهُمَّ لَك الْحَمد أَنْت قيم السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ، وَلَك الْحَمد أَنْت نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ، وَلَك الْحَمد أَنْت ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ، وَلَك الْحَمد أَنْت الْحق وَعدك الْحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، وَالْجنَّة حق، وَالنَّار حق والنبيون حق، وَمُحَمّد حق، والساعة حق، اللَّهُمَّ لَك أسلمت، وَبِك آمَنت، وَعَلَيْك توكلت، وَإِلَيْك أنبت، وَبِك خَاصَمت، وَإِلَيْك حاكمت فَاغْفِر لي مَا قدمت، وَمَا أخرت، وَمَا أسررت، وَمَا أعلنت، وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني، أَنْت الْمُقدم، وَأَنت الْمُؤخر، لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، وَلَا إِلَه غَيْرك ".
وَمِنْهَا: أَن كبر الله عشرا، وَحمد الله عشرا، وَقَالَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ عشرا، وَقَالَ: سُبْحَانَ الْملك القدوس عشرا، واستغفر الله عشرا وَهَلل عشرا، ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من ضيق الدُّنْيَا، وضيق يَوْم الْقِيَامَة عشرا.
ومنعها: " لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، أستغفرك لذنبي،
وَأَسْأَلك رحمتك، اللَّهُمَّ زِدْنِي علما، وَلَا تزغ قلبِي بعد إِذْ هديتني، وهب لي من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب.
وَمِنْهَا تِلَاوَة:
{إِن فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار لآيَات لأولي الْأَلْبَاب}
إِلَى آخر السُّورَة، ثمَّ يستوك، وَيتَوَضَّأ، وَيُصلي إِحْدَى عشرَة رَكْعَة أَو ثَلَاث عشر رَكْعَة مِنْهَا الْوتر.
وَمن آدَاب صَلَاة اللَّيْل أَن يواظب على الْأَذْكَار الَّتِي سنّهَا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْكَان الصَّلَاة، وَأَن يسلم على كل رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ يرفع يَدَيْهِ يَقُول: يَا رب يَا رب يبتهل فِي الدُّعَاء، وَكَانَ فِي دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اجْعَل فِي قلبِي نورا، وَفِي بَصرِي نورا، وَفِي سَمْعِي نورا، وَعَن يَمِيني نورا، وَعَن يساري نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وَخَلْفِي نورا، وَاجعَل لي نورا ".

(2/27)


وَقد صلاهَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على وُجُوه، وَالْكل سنة، وَالْأَصْل أَن صَلَاة اللَّيْل هُوَ الْوتر، وَهُوَ معنى قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِن الله أمدكم بِصَلَاة هِيَ الْوتر، فصلوها مَا بَين الْعشَاء وَالْفَجْر " وَإِنَّمَا شرعها النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وترا لِأَن الْوتر عدد مبارك، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِن الله وتر يحب الْوتر فأوتروا يَا أهل الْقُرْآن " لَكِن لما رأى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن الْقيام لصَلَاة اللَّيْل جهد لَا يطيقه إِلَّا من وفْق لَهُ
لم يشرعه تشريعا عَاما، وَرخّص فِي تَقْدِيم الْوتر أول اللَّيْل، وَرغب فِي تَأْخِيره، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من خَافَ أَلا يقوم من آخر اللَّيْل فليوتر أَوله، وَمن طمع أَن يُوتر آخِره فليوتر آخِره، فَإِن صَلَاة اللَّيْل مَشْهُودَة، وَذَلِكَ أفضل "، وَالْحق أَن الْوتر سنة هُوَ أوكد السّنَن بَينه عَليّ وَابْن عمر. وَعبادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنْهُم.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَن الله أمدكم بِصَلَاة هِيَ خيرا لكم من حمر النعم ".
أَقُول: هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن الله تَعَالَى لم يفْرض عَلَيْهِم إِلَّا مِقْدَارًا يَتَأَتَّى مِنْهُم، فَفرض عَلَيْهِم أَولا إِحْدَى عشرَة رَكْعَة، ثمَّ أكملها بباقي الرَّكْعَات فِي الْحَضَر، ثمَّ أمدها بالوتر للمحسنين لعلمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن المستعدين للإحسان يَحْتَاجُونَ إِلَى مِقْدَار زَائِد، فَجعل الزِّيَادَة بِقدر الأَصْل إِحْدَى عشرَة رَكْعَة، وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ للأعرابي: لَيْسَ لَك ولأصحابك.
وَمن أذكار الْوتر كَلِمَات علمهَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا، فَكَانَ يَقُولهَا فِي قنوت الْوتر: اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت، وَعَافنِي فِيمَن عافيت، وتولني فِيمَن توليت، وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت، وقني شَرّ مَا قضيت، فَإنَّك تقضي، وَلَا يقْضى عَلَيْك، إِنَّه لَا يذل من واليت، وَلَا يعز من عاديت، تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت.
وَمِنْهَا أَن يَقُول فِي آخِره: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ برضاك من سخطك، وَأَعُوذ بمعافاتك من عُقُوبَتك، وَأَعُوذ بك مِنْك لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك، أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك.
وَمِنْهَا أَن يَقُول إِذا سلم: سُبْحَانَ الْملك القدوس ثَلَاث مَرَّات يرفع صَوته فِي الثَّالِثَة، وَكَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا صلاهَا ثَلَاثًا يقْرَأ فِي الأولى:
{سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى}
وَفِي الثَّانِيَة:
{قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ}
وَفِي الثَّالِثَة:
{قل هُوَ الله أحد} والمعوذتين.

(2/28)


وَمِنْهَا قيام شهر رَمَضَان، والسر فِي مشروعيته أَن الْمَقْصُود من رَمَضَان أَن يلْحق الْمُسلمُونَ بِالْمَلَائِكَةِ، ويتشبهون بهم، فَجعل النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِك على دَرَجَتَيْنِ: دَرَجَة الْعَوام - وَهِي صَوْم رَمَضَان والاكتفاء على الْفَرَائِض - ودرجة الْمُحْسِنِينَ - وَهِي صَوْم رَمَضَان وَقيام لياليه. وتنزيه اللِّسَان مَعَ الِاعْتِكَاف وَشد المئزر فِي الْعشْر الْأَوَاخِر - وَقد علم النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن جَمِيع الْأمة لَا يَسْتَطِيعُونَ الْأَخْذ بالدرجة الْعليا، وَلَا بُد من أَن يفعل كل وَاحِد مجهوده.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا زَالَ بكم الَّذِي رَأَيْت من ضيعكم حَتَّى خشيت أَن يكْتب عَلَيْكُم وَلَو كتب عَلَيْكُم مَا قُمْتُم بِهِ ".
اعْلَم أَن الْعِبَادَات لَا تؤقت عَلَيْهِم إِلَّا بِمَا إطمأنت بِهِ نُفُوسهم، فخشي النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يعْتَاد ذَلِك أَوَائِل الْأمة، فتطمئن بِهِ نُفُوسهم، وسجدوا فِي نُفُوسهم عِنْد التَّقْصِير فِيهَا التَّفْرِيط فِي جنب الله، أَو يصير من شَعَائِر الدّين، فيفرض عَلَيْهِم، وَينزل الْقُرْآن، فيثقل على أواخرهم، وَمَا خشِي ذَلِك حَتَّى تفرس أَن الرَّحْمَة التشريعية تُرِيدُ أَن تكلفهم بالتشبه بالملكوت، وَأَن لَيْسَ بِبَعِيد أَن ينزل الْقُرْآن لأدنى تشهير فيهم واطمئنانهم بِهِ وعضهم عَلَيْهِ بالنواجذ وَلَقَد صدق الله عز وَجل فراسته، فنفث فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ من بعده أَن يعضوا عَلَيْهَا بنواجذهم.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من قَامَ رَمَضَان إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه " وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ بِهَذِهِ الدرجَة أمكن من نَفسه لنفحات ربه الْمُقْتَضِيَة لظُهُور الملكية وتكفير السَّيِّئَات.
وزادت الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ فِي قيام رَمَضَان ثَلَاثَة أَشْيَاء: الِاجْتِمَاع لَهُ فِي مَسَاجِدهمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفِيد التَّيْسِير على خاصتهم وعامتهم، وأداؤه فِي أول اللَّيْل مَعَ القَوْل بِأَن صَلَاة أخر اللَّيْل مَشْهُودَة، وَهِي أفضل كَمَا نبه عمر رَضِي عَنهُ لهَذَا التَّيْسِير الَّذِي أَشَرنَا إِلَيْهِ، وعدده عشرُون رَكْعَة، وَذَلِكَ لأَنهم رَأَوْا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرع للمحسنين إِحْدَى عشرَة رَكْعَة فِي جَمِيع السّنة، فحكموا أَنه لَا يَنْبَغِي أَن يكون حَظّ الْمُسلم فِي رَمَضَان عِنْد قَصده الاقتحام فِي لجة التَّشَبُّه بالملكوت أقل من ضعفها.
وَمِنْهَا الضُّحَى وسرها أَن الْحِكْمَة الإلهية اقْتَضَت أَلا يَخْلُو كل ربع من أَربَاع النَّهَار من صَلَاة تذكر لَهُ مَا ذهل عَنهُ من ذكر الله لِأَن الرّبع ثَلَاث سَاعَات، وَهِي أول كَثْرَة للمقدار الْمُسْتَعْمل عِنْدهم فِي أَجزَاء النَّهَار عربهم وعجمهم، وَلذَلِك كَانَ الضُّحَى سنة الصَّالِحين قبل النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَيْضًا فَأول النَّهَار وَقت ابْتِغَاء الرزق وَالسَّعْي فِي الْمَعيشَة، فسن فِي
ذَلِك الْوَقْت صَلَاة ليَكُون ترياقا لسم الْغَفْلَة الطارئة فِيهِ بِمَنْزِلَة مَا سنّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لداخل فِي السُّوق من ذكر لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ

(2/29)


الخ ...
وللضحى ثَلَاث دَرَجَات أقلهَا رَكْعَتَانِ، وفيهَا أَنَّهَا تُجزئ عَن الصَّدقَات الْوَاجِبَة " على كل سلامى ابْن آدم " وَذَلِكَ أَن إبْقَاء كل مفصل على صِحَّته الْمُنَاسبَة لَهُ نعْمَة عَظِيمَة تستوجب الْحَد بأَدَاء الْحَسَنَات لله وَالصَّلَاة أعظم الْحَسَنَات تتأتي بِجَمِيعِ الْأَعْضَاء الظَّاهِرَة والقوى الْبَاطِنَة.
وَثَانِيها أَربع رَكْعَات، وفيهَا عَن الله تَعَالَى " يَا ابْن آدم اركع لي أَربع رَكْعَات من أول النَّهَار أكفك أَخّرهُ " أَقُول: مَعْنَاهُ أَنه نِصَاب صَالح من تَهْذِيب النَّفس وَإِن لم يعْمل عملا مثله إِلَى آخر النَّهَار.
وَثَالِثهَا مَا زَاد عَلَيْهَا كثماني رَكْعَات وثنتي عشرَة.
وأكمل أوقاته حِين يترحل النَّهَار وترمض الفصال.
وَمِنْهَا صَلَاة الاستخارة، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة إِذا عنت لَهُم حَاجَة من سفر أَو نِكَاح أَو بيع استقسموا بالأزلام، فَنهى عَنهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ غير مُعْتَمد على أصل، وَإِنَّمَا هُوَ مَحْض اتِّفَاق، وَلِأَنَّهُ افتراء على الله بقَوْلهمْ: أَمرنِي رَبِّي، ونهاني رَبِّي، فوضهم من ذَلِك الاستخارة؛ فَإِن الْإِنْسَان إِذا استمطر الْعلم من ربه، وَطلب مِنْهُ كشف مرضاة الله فِي ذَلِك الْأَمر، ولج فِي قلبه بِالْوُقُوفِ على بَابه - لم يتراخ من ذَلِك فيضان سر إلهي، وَأَيْضًا فَمن أعظم فوائدها أَن يغنى الْإِنْسَان عَن
مُرَاد نَفسه، ونتقاد بهيميته لملكيته، وَيسلم وَجهه لله، فَإِذا فعل ذَلِك صَار بِمَنْزِلَة الْمَلَائِكَة فِي انتظارهم لإلهام الله، فَإِذا ألهموا سعوا فِي الْأَمر بداعية إلهية لَا دَاعِيَة نفسانية.
وَعِنْدِي أَن إكثار الاستخارة فِي الْأُمُور ترياق مجرب لتَحْصِيل شبه الْمَلَائِكَة.
وَضبط النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آدابها ودعاءها، فشرع رَكْعَتَيْنِ، وَعلم " اللَّهُمَّ إِنِّي استخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك، وَأَسْأَلك من فضلك الْعَظِيم، فَإنَّك تقدر، وَلَا أقدر، وَتعلم وَلَا أعلم، وَأَنت علام الغيوب، اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر خير لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي - أَو قَالَ: فِي عَاجل أَمْرِي وآجله - فاقدره لي، ويسره لي، ثمَّ بَارك لي فِيهِ، وَإِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر شَرّ لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي - أَو قَالَ: فِي عَاجل أَمْرِي وآجله - فاصرفه عني، واصرفني عَنهُ، واقدر لي الْخَيْر حَيْثُ كَانَ، ثمَّ أرضني بِهِ، قَالَ. ويسمي حَاجته.

(2/30)


وَمِنْهَا صَلَاة الحاحة، وَالْأَصْل فِيهَا أَن الابتغاء من النَّاس وَطلب الْحَاجة مِنْهُم مَظَنَّة أَن يرى إِعَانَة مَا من غير الله تَعَالَى، فيخل بتوحيد الِاسْتِعَانَة، فشرع لَهُم صَلَاة وَدُعَاء ليدفع عَنْهُم هَذَا الشَّرّ، وَيصير وُقُوع الْحَاجة مؤيدا لَهُ فِيمَا هُوَ بسبيله من الْإِحْسَان، فسن لَهُم أَن يركعوا رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ يثنوا على الله، ويصلوا على النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ يَقُولُوا " لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَلِيم الْكَرِيم سُبْحَانَ الله رب الْعَرْش الْعَظِيم، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين، أَسأَلك مُوجبَات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وَالْغنيمَة من كل بر، والسلامة من كل أَثم، لَا تدع لي ذَنبا إِلَّا غفرته، وَلَا هما إِلَّا فرجته، وَلَا حَاجَة هِيَ لَك رضَا إِلَّا قضيتها يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ ".
وَمِنْهَا صَلَاة التَّوْبَة، وَالْأَصْل فِيهَا أَنا الرُّجُوع إِلَى الله لَا سِيمَا عقيب الذَّنب قبل أَن يرتسخ فِي قلبه رين الذَّنب - مكفر مزيل عَنهُ السوء.
وَمِنْهَا صَلَاة الْوضُوء، وفيهَا قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبلَال رَضِي الله عَنهُ: " إِنِّي سَمِعت دف نعليك بَين يَدي فِي الْجنَّة " أَقُول وسرها أَن الْمُوَاظبَة على الطَّهَارَة وَالصَّلَاة عقبيها نِصَاب صَالح من الْإِحْسَان لَا يَتَأَتَّى إِلَّا من ذِي حَظّ عَظِيم.
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِمَ سبقتني إِلَى الْجنَّة " (أَقُول) مَعْنَاهُ أَن السَّبق فِي هَذِه الْوَاقِعَة شبح التَّقَدُّم فِي الْإِحْسَان، والسر فِي تقدم بِلَال على إِمَام الْمُحْسِنِينَ أَن للكمل بِإِزَاءِ كل كَمَال من شعب الْإِحْسَان تدليا هُوَ مكشاف حَاله، وَمِنْه يفِيض على قلبه معرفَة ذَلِك الْكَمَال ذوقا ووجدانا نَظِير ذَلِك من المألوف أَن زيدا الشَّاعِر المحاسب رُبمَا يحضر فِي ذهنه كَونه شَاعِرًا، وَأَنه من أَي منزلَة من الشّعْر، فيذهل عَن الْحساب، وَرُبمَا يحضر فِي ذهنه كَونه محاسبا، فيستغرق فِي بهجتها، وَيذْهل عَن الشّعْر، والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام أعرف النَّاس بتدلي الْإِيمَان العامى لِأَن الله تَعَالَى أَرَادَ أَن يتبينوا حَقِيقَته بالذوق، فيسنوا للنَّاس سنتهمْ فِيمَا ينوبهم فِي تِلْكَ الْمرتبَة، وَهَذَا سر ظُهُور الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام من اسْتِيفَاء اللَّذَّات الحسية وَغَيرهَا فِي صُورَة عَامَّة الْمُؤمنِينَ، فَرَأى رَسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تدليه الإيماني بتقدمة بِلَال، فَعرف رسوخ قدمه فِي الْإِحْسَان.
وَمِنْهَا صَلَاة التَّسْبِيح سرها أَنَّهَا صَلَاة ذَات حَظّ جسيم من الذّكر بِمَنْزِلَة الصَّلَاة

(2/31)


التَّامَّة الْكَامِلَة الَّتِي سنّهَا رَسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأذكارها
للمحسنين فَتلك تَكْفِي عَنْهَا لمن لم يحط بهَا، وَلذَلِك بَين النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر خِصَال فِي فَضلهَا.
وَمِنْهَا صَلَاة الْآيَات - كالكسوف. والخسوف والظلمة - وَالْأَصْل فِيهَا أَن الْآيَات إِذا ظَهرت انقادت لَهَا النُّفُوس والتجأت إِلَى الله، وانفكت عَن الدُّنْيَا نوع انفكاك، فَتلك الْحَالة غنيمَة الْمُؤمن يَنْبَغِي أَن يبتهل فِي الدُّعَاء وَالصَّلَاة وَسَائِر أَعمال الْبر، وَأَيْضًا فَإِنَّهَا وَقت قَضَاء الله الْحَوَادِث فِي عَالم الْمِثَال، وَلذَلِك يستشعر فِيهَا العارفون الْفَزع، وفزع الرَّسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدهَا لأجل ذَلِك، وَهِي أَوْقَات سريان الروحانية فِي الأَرْض، فَالْمُنَاسِب إِلَى للمحسن أَن يتَقرَّب إِلَى الله فِي تِلْكَ الْأَوْقَات، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُسُوف فِي حَدِيث نعْمَان بن بشير: " فَإِذا تجلى الله لشَيْء من خلقه خشع لَهُ "، وَأَيْضًا فالكفار يَسْجُدُونَ للشمس وَالْقَمَر، فَكَانَ من حق الْمُؤمن إِذا رأى آيَة عدم اسْتِحْقَاقهَا الْعِبَادَة أَن يتَضَرَّع إِلَى الله، وَيسْجد لَهُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:
{لَا تسجدوا للشمس وَلَا للقمر واسجدوا لله الَّذِي خَلقهنَّ} ليَكُون شعاراً للدّين وجواباً مسكتا لمنكر بِهِ
وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَامَ قيامين، وَركع ركوعين حملا لَهُم على السَّجْدَة فِي مَوضِع الابتهال، فَإِنَّهُ خضوع مثلهَا، فَيَنْبَغِي تكرارها، وَأَنه صلاهَا جمَاعَة، وَأمر إِن يُنَادى بهَا أَن الصَّلَاة جَامِعَة، وجهر بِالْقِرَاءَةِ، فَمن اتبع فقد أحسن، وَمن صلى صَلَاة معتدا بهَا فِي الشَّرْع
فقد عمل بقوله عَلَيْهِ السَّلَام: فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فَادعوا الله وَكَبرُوا، وصلوا، وتصدقوا ".
وَمِنْهَا صَلَاة الاسْتِسْقَاء، وَقد استسقى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته مَرَّات على أنحاء كَثِيرَة، لَكِن الْوَجْه الَّذِي سنه لأمته أَن خرج بِالنَّاسِ إِلَى الْمصلى مبتذلا متواضعا متضرعا، فصلى بهم رَكْعَتَيْنِ جهر فيهمَا بِالْقِرَاءَةِ، ثمَّ خطب، واستقبل فِيهَا الْقبْلَة يَدْعُو، وَيرْفَع يَدَيْهِ، وحول رِدَاءَهُ، وَذَلِكَ لِأَن لِاجْتِمَاع الْمُسلمين فِي مَكَان وَاحِد راغبين فِي شَيْء وَاحِد بأقصى هَمهمْ واستغفارهم وفعلهم الْخيرَات أثرا عَظِيما فِي استجابة الدُّعَاء، وَالصَّلَاة أقرب أَحْوَال العَبْد من الله، وَرفع الْيَدَيْنِ حِكَايَة عَن التضرع التَّام والابتهال الْعَظِيم، تنبه النَّفس على التخشع، وتحويل رِدَائه حِكَايَة عَن تقلب أَحْوَالهم كَمَا يفعل المستغيث بِحَضْرَة الْمُلُوك.
وَكَانَ من دُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا استسقى " اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادك وبهيمتك، وانشر

(2/32)


رحمتك، وأحي بلدك الْمَيِّت " وَمِنْه أَيْضا " اللَّهُمَّ اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نَافِعًا غير ضار عَاجلا غير آجل ".
وَمِنْهَا صَلَاة الْعِيدَيْنِ، وسيأتيك بيانهما.
وَمِمَّا يُنَاسِبهَا سُجُود الشُّكْر عِنْد مَجِيء أَمر يسره أَو اندفاع نقمة، أَو عِنْد علمه بِأحد الْأَمريْنِ، لِأَن الشُّكْر فعل الْقلب، وَلَا بُد لَهُ من شبح فِي الظَّاهِر، ليعتضد بِهِ، وَلِأَن للنعم بطرا، فيعالج بالتذلل للمنعم.
فَهَذِهِ هِيَ الصَّلَوَات الَّتِي سنّهَا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لستمدي
الْإِحْسَان والسبق من أمته زِيَادَة على الْوَاجِب المحتوم على خاصتهم وعامتهم.
ثمَّ الصَّلَاة خير مَوْضُوع فَمن اسْتَطَاعَ أَن يستكثر مِنْهَا فَلْيفْعَل غير أَنه نهى عَن خَمْسَة أَوْقَات: ثَلَاثَة مِنْهَا أوكد نهيا عَن الباقيين، وَحَتَّى السَّاعَات الثَّلَاث إِذا طلعت الشَّمْس بازغة حَتَّى ترْتَفع، وَحين يقوم قَائِم الظهيرة حَتَّى تميل، وَحين تتضيف للغروب حَتَّى تغرب، لِأَنَّهَا أَوْقَات صَلَاة الْمَجُوس، وهم قوم حرفوا الدّين جعلُوا يعْبدُونَ الشَّمْس من دون الله، واستحوذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان، وَهَذَا معنى قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنَّهَا تطلع حِين تطلع بَين قَرْني الشَّيْطَان " وَحِينَئِذٍ يسْجد لَهَا الْكفَّار، فَوَجَبَ أَن يُمَيّز مِلَّة الْإِسْلَام وملة الْكفْر فِي أعظم الطَّاعَات من جِهَة الْوَقْت أَيْضا.
وَأما الْآخرَانِ فَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا صَلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تبزغ الشَّمْس وَلَا بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب ".
أَقُول: إِنَّمَا نهى عَنْهُمَا لِأَن الصَّلَاة فيهمَا تفتح بَاب الصَّلَاة فِي السَّاعَات الثَّلَاث، وَلذَلِك صلى فيهمَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَارَة أَنه مَأْمُون أَن يهجم عَلَيْهِ الْمَكْرُوه، وروى اسْتثِْنَاء نصف النَّهَار يَوْم الْجُمُعَة، واستنبط جَوَازهَا فِي الْأَوْقَات الثَّلَاث فِي الْمَسْجِد الْحَرَام من حَدِيث " يَا بني عبد منَاف من ولي مِنْكُم من أَمر النَّاس شَيْئا فَلَا يمنعن أحدا طَاف بِهَذَا الْبَيْت، وَصلى أَي سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار " وعَلى هَذَا فالسر فِي ذَلِك أَنَّهُمَا وَقت ظُهُور شَعَائِر الدّين ومكانه فعارضا الْمَانِع فِي الصَّلَاة.

(2/33)


(الاقتصاد فِي الْعَمَل)
اعْلَم أَن أدوأ الدَّاء فِي الطَّاعَات ملال النَّفس، فَإِنَّهَا إِذا ملت لم تنتبه لصفة الْخُشُوع، وَكَانَت تِلْكَ المشاق خَالِيَة عَن معنى الْعِبَادَة، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن لكل شَيْء شرة وَإِن لكل شرة فَتْرَة " وَلِهَذَا السِّرّ كَانَ أجر الْحَسَنَة عِنْد اندراس الرَّسْم بعملها وَظُهُور التهاون فِيهَا مضاعفا أضعافا كَثِيرَة، لِأَنَّهَا وَالْحَالة هَذِه لَا تنبجس إِلَّا من تنبه شَدِيد وعزم مُؤَكد، وَلِهَذَا جعل الشَّارِع للطاعات قدرا كمقدار الدَّوَاء فِي حق الْمَرِيض لَا يُزَاد، وَلَا ينقص.
وَأَيْضًا فالمقصود هُوَ تَحْصِيل صفة الْإِحْسَان على وَجه لَا يُفْضِي إِلَى إهمال الارتفاقات اللَّازِمَة، وَلَا إِلَى غمط حق من الْحُقُوق، وَهُوَ قَول سلمَان رَضِي الله عَنهُ: إِن لعينيك عَلَيْك حَقًا وَإِن لزوجك عَلَيْك حَقًا، فَصدقهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنا أَصوم وَأفْطر، وأقوم وأرقد، وأتزوج النِّسَاء، فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني ".
وَأَيْضًا فالمقصود من الطَّاعَات هُوَ استقامة النَّفس وَدفع اعوجاجها، لَا الإحصاء، فَإِنَّهُ كالمتعذر فِي حق الْجُمْهُور، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسْتَقِيمُوا، وَلنْ تُحْصُوا، وَأتوا من الْأَعْمَال مَا تطيقون " والاستقامة تحصل بِمِقْدَار معِين يُنَبه النَّفس لالتذاذها بلذات الملكية وتألمها من خسائس البهيمية، ويفطنها بكيفية انقياد البهيمية للملكية، فَلَو أَنه أَكثر مِنْهَا اعتادتها النَّفس، واستحلتها فَلم تتنبه لثمرتها
وَأَيْضًا فَمن الْمَقَاصِد الجليلة فِي التشريع أَن يسد بَاب التعمق فِي الدّين
لِئَلَّا يعضوا عَلَيْهَا بنواجذهم، فَيَأْتِي من بعدهمْ قوم، فيظنوا أَنَّهَا من الطَّاعَات السماوية الْمَفْرُوضَة عَلَيْهِم، ثمَّ تَأتي طبقَة أُخْرَى، فَيصير الظَّن عِنْدهم يَقِينا، والمحتمل مطمأنا بِهِ، فيظل الدّين محرفا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:
{رَهْبَانِيَّة ابتدعوها مَا كتبناها عَلَيْهِم}
وَأَيْضًا فَمن ظن من نَفسه - وَإِن أقرّ بِخِلَاف ذَلِك من لِسَانه - أَن الله لَا يرضى إِلَّا بِتِلْكَ الطَّاعَات الشاقة، وَأَنه لَو قصر فِي حَقّهَا فقد وَقع بَينه وَبَين تَهْذِيب نَفسه حجاب عَظِيم، وَأَنه فرط فِي جنب الله، فَإِنَّهُ يُؤَاخذ بِمَا ظن، وَيُطَالب فِي بِالْخرُوجِ عَن التَّفْرِيط فِي جنب الله

(2/34)


حسب اعْتِقَاده، فَإِذا قصر انقلبت علومه عَلَيْهِ ضارة مظْلمَة، فَلم تقبل طاعاته لهنة فِي نَفسه، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن الدّين يسر وَلنْ يشاد الدّين أحد إِلَّا غَلبه "
فلهذه الْمعَانِي عزم النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أمته أَن يقتصدوا فِي الْعَمَل، أَلا يجاوزوا إِلَى حد يُفْضِي إِلَى ملال واشتباه فِي الدّين أَو إهمال الارتفاقات، وَبَين تِلْكَ الْمعَانِي تَصْرِيحًا أَو تَلْوِيحًا.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحب الْأَعْمَال إِلَى الله أدومها وَإِن قل "
أَقُول: وَذَلِكَ لِأَن إدامتها والمواظبة عَلَيْهَا آيَة كَونه رَاغِبًا فِيهَا، وَأَيْضًا فَالنَّفْس لَا تقبل أثر الطَّاعَة، وَلَا تتشرب فائدتها إِلَّا بعد مُدَّة ومواظبة واطمئنان بهَا ووجدان أَوْقَات تصادف من النَّفس فراغا بِمَنْزِلَة الْفَرَاغ الَّذِي يكون سَببا لانطباع الْعُلُوم من الْمَلأ الْأَعْلَى فِي رُؤْيَاهُ، وَذَلِكَ غير مَعْلُوم الْقدر، فَلَا سَبِيل إِلَى تَحْصِيل ذَلِك إِلَّا الإدامة والإكثار،
وَهُوَ قَول لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: وعود نَفسك كَثْرَة الاسْتِغْفَار، فَإِن الله سَاعَة لَا يرد فِيهَا سَائِلًا.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُذُوا من الْأَعْمَال مَا تطيقون، فَإِن الله لَا يمل حَتَّى تملوا " أَي لَا يتْرك الإثابة إِلَّا عِنْد ملالهم، فَأطلق الملال مشاكلة.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن أحدكُم إِذا صلى وَهُوَ ناعس لَا يدْرِي لَعَلَّه يسْتَغْفر، فيسب نَفسه ".
أَقُول: يُرِيد أَنه لَا يُمَيّز بَين الطَّاعَة وَغَيرهَا من شدَّة الملال، فَكيف يتَنَبَّه بِحَقِيقَة الطَّاعَة.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فسددوا " يَعْنِي خُذُوا طَريقَة السداد، وَهِي التَّوَسُّط الَّذِي يُمكن مراعاته والمواظبة عَلَيْهِ " وقاربوا " يَعْنِي لَا تظنوا أَنكُمْ بعداء لَا تصلونَ إِلَّا بِالْأَعْمَالِ الشاقة " وَأَبْشِرُوا " يَعْنِي حصلوا الرَّجَاء والنشاط " وَاسْتَعِينُوا بالغدوة والروحة وَشَيْء من الدلجة " هَذِه الْأَوْقَات أَوْقَات نزُول الرَّحْمَة وصفاء لوح الْقلب من أَحَادِيث النَّفس، وَقد ذكرنَا من ذَلِك فصلا.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نَام عَن حزبه، أَو عَن شَيْء مِنْهُ فقرأه فِيمَا بَين صَلَاة الْفجْر وَصَلَاة الظّهْر كتب لَهُ كإنما قَرَأَهُ من اللَّيْل ".
أَقُول: السَّبَب الْأَصْلِيّ فِي الْقَضَاء شَيْئَانِ: أَحدهمَا أَلا تسترسل النَّفس بترك الطَّاعَة، فيعتاده، ويحسر عَلَيْهِ إلتزامها من بعد، وَالثَّانِي أَن يخرج عَن الْعهْدَة، وَلَا يضمر أَنه فرط فِي جنب الله، فيؤاخذ عَلَيْهِ من حَيْثُ يعلم أَو لَا يعلم.

(2/35)