حجة الله البالغة

 (من أَبْوَاب الْإِحْسَان)
اعْلَم أَن مَا كلف بِهِ الشَّارِع تكليفا أوليا إِيجَابا أَو تَحْرِيمًا هُوَ الْأَعْمَال من جِهَة أَنَّهَا تنبعث من الهيآت النفسانية الَّتِي هِيَ فِي الْمعَاد فِي للنفوس أَو عَلَيْهَا وَأَنَّهَا تمد فِيهَا، وتشرحها وَهِي وأشباحها وتماثيلها.
والبحث عَن تِلْكَ الْأَعْمَال من جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا جِهَة إلزامها جُمْهُور النَّاس، والعمدة فِي ذَلِك اخْتِيَار مظان تِلْكَ الهيئات من الْأَعْمَال، والطريقة الظَّاهِرَة الَّتِي لَيْلهَا نَهَارهَا يؤاخذون بهَا على أعين النَّاس، فَلَا يتمكنون من التسلل والاعتذار، وَلَا بُد أَن يكون بناؤها على الاقتصاد. والأمور المضبوطة.
وَالثَّانيَِة جِهَة تَهْذِيب نُفُوسهم بهَا وإيصالها إِلَى الهيآت الْمَطْلُوبَة مِنْهَا، والعمدة فِي ذَلِك معرفَة تِلْكَ الهيآت وَمَعْرِفَة الْأَعْمَال من جِهَة إيصالها إِلَيْهَا وبناؤها على الوجدان وتفويض الْأَمر إِلَى صَاحب الْأَمر فالباحث عَنْهَا من الْجِهَة الأولى هُوَ علم الشَّرَائِع وَعَن الثَّانِيَة هُوَ علم الْإِحْسَان.
فالناظر فِي مبَاحث الْإِحْسَان يحْتَاج إِلَى شَيْئَيْنِ: النّظر إِلَى الْأَعْمَال من حَيْثُ إيصالها إِلَى هيآت نفسانية لِأَن الْعَمَل رُبمَا يُؤدى على وَجه الرِّيَاء أوالسمعة وَالْعَادَة، أَو يقارنه الْعجب والمن والأذى، فَلَا يكون موصلا إِلَى مَا أُرِيد مِنْهُ، وَرُبمَا يُؤدى على وَجه لَا تتنبه هَذِه النَّفس لإرواحه تنبها يَلِيق بالمحسنين، وَإِن كَانَ من النُّفُوس من يتَنَبَّه بِمثلِهِ كالمكتفي بِأَصْل الْفَرْض لَا يزِيد عَلَيْهِ كَمَا وَلَا كيفا وَهُوَ لَيْسَ بزكي، وَالنَّظَر فِي تِلْكَ الهيآت النفسانية ليعرفها حق مَعْرفَتهَا، فيباشر الْأَعْمَال على بَصِيرَة مِمَّا أُرِيد مِنْهَا، فَيكون
طَبِيب نَفسه يسوس نَفسه كَمَا يسوس الطَّبِيب الطبيعة، فَإِن من لَا يعرف الْمَقْصُود من الْآلَات كَاد إِذا استعملها أَن يخبط خبط عشواء، أَو يكون كحاطب

(2/104)


ليل.
وأصول الْأَخْلَاق المبحوث عَنْهَا فِي هَذَا الْفَنّ أَرْبَعَة: - كَمَا نبهنا على ذَلِك فِيمَا سبق - الطَّهَارَة الكاسبة للتشبه بالملكوت، والإخبات الجالب للتطلع إِلَى الجبروت، وَشرع للْأولِ الْوضُوء وَالْغسْل، وَللثَّانِي الصَّلَاة والأذكار والتلاوة، وَإِذا اجتمعتا سميناه سكينَة ووسيلة، وَهُوَ قَول حُذَيْفَة فِي عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا: لقد علم المحفوظون من أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه أقربهم إِلَى الله وَسِيلَة، وَقد سَمَّاهَا الشَّارِع إِيمَانًا فِي قَوْله " الطّهُور شطر الْإِيمَان " وَقد بَين النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَال الأول حَيْثُ قَالَ " إِن الله نظيف يحب النَّظَافَة " وَأَشَارَ إِلَى الثَّانِي حَيْثُ قَالَ " الاحسان أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك " والعمدة فِي تَحْصِيلهَا التَّلَبُّس بالنواميس المأثورة عَن الْأَنْبِيَاء، مَعَ مُلَاحظَة وأرواحها أنوارها والإكثار مِنْهَا، مَعَ رِعَايَة هيئاتها وأذكارها.
فَروح الطَّهَارَة هِيَ نور الْبَاطِن وَحَالَة الْأنس والانشراح وخمود الأفكار الجربزة وركود التشويشات والقلق وتشتت الْفِكر والضجر والجزع.
وروح الصَّلَاة هِيَ الْحُضُور مَعَ الله والاستشراف للجبروت وتذكر جلال الله مَعَ تَعْظِيم ممزوج بمحبة وطمأنينة، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة فِي قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الاحسان أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك ".
وَأَشَارَ إِلَى كَيْفيَّة تمرين النَّفس عَلَيْهَا بقوله " قَالَ الله تَعَالَى: قسمت
الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ ولعبدي مَا سَأَلَ، فَإِذا قَالَ العَبْد: (الْحَمد لله رب الْعَالمين) ، قَالَ الله: حمدني عَبدِي، وَإِذا قَالَ: (الرَّحْمَن الرَّحِيم) قَالَ الله أثنى عَليّ عَبدِي، وَإِذا قَالَ: (مَالك يَوْم الدّين) قَالَ: مجدني عَبدِي، وَإِذا قَالَ: (إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين) ، قَالَ هَذَا بيني وَبَين عَبدِي ولعبدي مَا سَأَلَ، وَإِذا قَالَ: (أهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين) ، قَالَ هَذَا لعبدي ولعبدي مَا سَأَلَ ".
فَذَلِك إِشَارَة إِلَى الْأَمر بملاحظة الْجَواب فِي كل كلمة. فَإِنَّهُ يُنَبه للحضور تَنْبِيها بليغا، وبأدعية سنّهَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاة وَهِي مَذْكُورَة فِي حَدِيث على رَضِي الله عَنهُ وَغَيره.
وروح تِلَاوَة قِرَاءَة الْقُرْآن أَن يتَوَجَّه إِلَى الله بشوق وتعظيم، ويتدبر فِي مواعظه، ويستشعر الانقياد فِي أَحْكَامه، وَيعْتَبر بأمثاله وقصصه، وَلَا يمر بِآيَة صِفَات الله وآياته إِلَّا قَالَ: سُبْحَانَ الله، وَلَا بِآيَة الْجنَّة وَالرَّحْمَة إِلَّا سَأَلَ الله من فَضله، وَلَا بِآيَة النَّار وَالْغَضَب إِلَّا تعوذ بِاللَّه.

(2/105)


فَهَذَا مَا سنّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تمرين النَّفس بالاتعاظ.
وروح الذّكر الْحُضُور والاستغراق فِي الِالْتِفَات إِلَى الجبروت، وتمرينه أَن يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر، ثمَّ يسمع من الله أَنه قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا أَنا وَأَنا أكبر، ثمَّ بقول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، ثمَّ يسمع من الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا وحدى لَا شريك لي، وَهَكَذَا حَتَّى يرْتَفع الْحجاب، ويتحقق الِاسْتِغْرَاق، وَقد أَشَارَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِك.
وروح الدُّعَاء أَن يرى كل حول وَقُوَّة من الله، وَيصير كالميت فِي يَد الغسال، وكالتمثال فِي يَد محرك التماثيل، ويجد لَذَّة الْمُنَاجَاة.
وَقد سنّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يَدْعُو بعد صَلَاة التَّهَجُّد فِي أثْنَاء أشفاعه دُعَاء طَويلا يقنع فِيهَا يَدَيْهِ يَقُول: يَا رب يَا رب، يسْأَل الله خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، ويتعوذ بِهِ من البلايا، ويتضرع، ويلح، وَيشْتَرط فِي ذَلِك أَن يكون بقلب فارغ غير لاه، وَلَا يكون حاقنا وَلَا حاقبا وَلَا جائعا وَلَا غَضْبَان.
فَإِذا عرف الْإِنْسَان حَالَة المحاضرة ثمَّ فقدها فليفحص عَن سَبَب الْفَقْد، فَإِن كَانَ غزارة الطبيعة فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِن لَهُ وَجَاء وَأكْثر مَا يكون فِي الصَّوْم أَن يَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين، وَإِن احْتَاجَ إِلَى استفراغ الْمَنِيّ والتفرغ من إصْلَاح الْمطعم وَالْمشْرَب، أَو كَانَ ذهب نشاطه، وَأَرَادَ إِعَادَته يملك فرجا يدْفع بِهِ سوء منيه من غير انهماك فِي المفاكهة والاختلاط، وليجعله كالدواء يحصل نَفعه، ويتحرز من فَسَاده.
وَإِن كَانَ الِاشْتِغَال بالارتفاقات وصحبة النَّاس فليعالج بِضَم الْعِبَادَات مَعهَا.
وَإِن كَانَ امتلاء أوعية الْفِكر بخيالات مشوشة وأفكار جربزة فليعتزل النَّاس، ويلتزم الْبَيْت أَو الْمَسْجِد، وليمنع لِسَانه إِلَّا من ذكر الله وَقَلبه إِلَّا من الْفِكر فِيمَا يهمه، ويتعاهد نَفسه عِنْدَمَا يَسْتَيْقِظ، ليَكُون أول مَا يدْخل فِي قلبه ذكر الله وعندما يُرِيد أَن ينَام، ليتخلى قلبه عَن تِلْكَ الأشغال.
وَالثَّالِث سماحة النَّفس وَهِي أَلا تنقاد الملكية لدواعي البهيمية: من طلب اللَّذَّة وَحب الانتقام وَالْغَضَب وَالْبخل والحرص على المَال والجاه، فَإِن هَذِه الْأُمُور إِذا

(2/106)


بَاشر الْإِنْسَان أَعمالهَا الْمُنَاسبَة لَهَا تتشبح ألوانها فِي جَوْهَر النَّفس سَاعَة مَا، فَإِن كَانَت النَّفس سمحه يسهل عَلَيْهَا رفض الهيآت الخسيسة، فَصَارَت كَأَنَّهُ لم يُمكن فِيهَا شَيْء من ذَلِك الْبَاب قطّ، وخلصت إِلَى رَحْمَة الله، واستغرقت فِي لجه الْأَنْوَار الَّتِي تقتضيها جبلة النُّفُوس لَوْلَا الْمَوَانِع، وَإِن لم تكن سَمْحَة تشبح ألوانها فِي النَّفس كَمَا يتشيح نقوش الْخَاتم فِي الشمعة ولصق بهَا وحز الْحَيَاة الدُّنْيَا، وَلم يسهل عَلَيْهَا رفضها فَإِذا فَارَقت جَسدهَا أحاطت بهَا الخطيئات من بَين يَديهَا وَمن خلفهَا وَعَن يَمِينهَا وَعَن شمالها، وسدل بَينهَا وَبَين الْأَنْوَار الَّتِي تقتضيها جبلة النُّفُوس حجب كَثِيرَة غَلِيظَة، فَكَانَ ذَلِك سَبَب تأذيها وتألمها.
والسماحة إِذا اعْتبرت بداعية الشهوتين: شَهْوَة الْبَطن. وشهوة الْفرج سميت عفة، أوبداعية الدعة والرفاهية سميت اجْتِهَادًا، أَو بداعية الضجر والجزع سميت صبرا، أَو بداعية حب الانتقام سميت عفوا، أَو بداعية حب المَال سميت سخاوة وقناعة، أَو بداعية مُخَالفَة الشَّرْع سميت تقوى، ويجمعها كلهَا شَيْء وَاحِد، وَهُوَ أَن أَصْلهَا عدم انقياد النَّفس للهواجس البهيمية، والصوفية يسمونها بِقطع التعلقات الدُّنْيَوِيَّة أَو بالفناء عَن الخسائس البشرية، أَو بالحربة، فيعبرون عَن تِلْكَ الْخصْلَة بأسماء مُخْتَلفَة، والعمدة فِي تَحْصِيلهَا قلَّة الْوُقُوع فِي مظان هَذِه الْأَشْيَاء، وإيثار الْقلب ذكر الله تَعَالَى وميل النَّفس إِلَى عَالم التجرد، وَهُوَ قَول زيد بن حَارِثَة اسْتَوَى عِنْدِي حجرها ومدرها إِلَى أَن أخبر عَن المكاشفة.
وَالرَّابِع الْعَدَالَة، وَهِي ملكة يصدر مِنْهَا إِقَامَة النظام الْعَادِل المصلح
فِي تَدْبِير الْمنزل وسياسة الْمَدِينَة وَنَحْو ذَلِك بسهولة، وَأَصلهَا جبلة نفسانية تنبعث مِنْهَا الأفكار الْكُلية والسياسيات الْمُنَاسبَة بِمَا عِنْد الله وَعند مَلَائكَته، وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى أَرَادَ فِي الْعَالم انْتِظَار أَمرهم، وَأَن يعاون بَعضهم بَعْضًا، وَألا يظلم بَعضهم بَعْضًا، وَأَن يتألف بَعضهم بِبَعْض، ويصيروا كجسد رجل وَاحِد، وَإِذا تألم عُضْو مِنْهُ تداعى لَهُ سَائِر الْأَعْضَاء بالحمى والسهر، وَأَن يكثر نسلهم، وَأَن يزْجر فاسقهم، وينوه بعادلهم، ويخمل فيهم الرسوم الْفَاسِدَة، وَيشْهد فيهم الْخَيْر والنواميس الحقة، فَللَّه سُبْحَانَهُ فِي خلقه قَضَاء إجمالي كل ذَلِك شرح لَهُ وتفصيل، وَمَلَائِكَته المقربون تلقوا ذَلِك، وصاروا يدعونَ لمن سعى فِي إصْلَاح النَّاس، ويلعنون على من سعى فِي فسادهم، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:

(2/107)


{وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لَا يشركُونَ بِي شَيْئا وَمن كفر بعد ذَلِك فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ}
وَقَوله تَعَالَى:
{الَّذين يُوفونَ بِعَهْد الله وَلَا ينقضون الْمِيثَاق وَالَّذين يصلونَ مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل} الْآيَة.
وَقَوله تَعَالَى:
{وَالَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل} الْآيَة.
فَمن بَاشر هَذِه الْأَعْمَال الْمصلحَة شملته رَحْمَة الله وصلوات الْمَلَائِكَة من حَيْثُ يحْتَسب أَو لَا يحْتَسب، وَكَانَ هُنَالك رقائق تحيط بِهِ كأشعة النيرين تحيط بالإنسان، فتورث الإلهام فِي قُلُوب النَّاس وَالْمَلَائِكَة أَن يحسنوا إِلَيْهِ، وَيُوضَع لَهُ الْقبُول فِي السَّمَاء وَالْأَرْض، وَإِذا انْتقل إِلَى عَالم التجرد أحس بِتِلْكَ الرَّقَائِق الْمُتَّصِلَة بِهِ، والتذ بهَا، وَوجد سَعَة وقبولا، وَفتح بَينه وَبَين الْمَلَائِكَة بَاب، وَمن بَاشر الْأَعْمَال الْمفْسدَة شَمله غضب الله ولعنة الْمَلَائِكَة، وَكَانَت هُنَاكَ رقائق مظْلمَة ناشئة من الْغَضَب تحيط بِهِ، فتورث الإلهام فِي قُلُوب الْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَن يسيئوا إِلَيْهِ وَيُوضَع لَهُ الْبغضَاء فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَإِذا انْتقل إِلَى عَالم التجرد أحس بِتِلْكَ الرَّقَائِق الظلمانية عاضة عَلَيْهِ، وتألمت نَفسه بهَا، وَوجد ضيقا ونفرة، وأحيط بِهِ من جَمِيع جوانبه، فضاقت عَلَيْهِ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ.
وَالْعَدَالَة اذا اعْتبرت بأوضاع الْإِنْسَان فِي قِيَامه. وقعوده. ونومه. ويقظته. ومشيه. وَكَلَامه. وزيه. ولباسه. وشعره سميت أدبا، وَإِذا اعْتبرت بالأموال وَجَمعهَا وصرفها سميت كِفَايَة، وَإِذا اعْتبرت بتدبير الْمنزل سميت حريَّة، وَإِذا اعْتبرت بتدبير الْمَدِينَة سميت سياسة. وَإِذا اعْتبرت بتألف الأخوان سميت بِحسن المحاضرة أَو حسن المعاشرة، والعمدة فِي تَحْصِيلهَا الرَّحْمَة، والمودة، ورقة الْقلب وَعدم قسوته مَعَ الإنقياد للأفكار الْكُلية وَالنَّظَر فِي عواقب الْأُمُور.
وَبَين هَاتين الخلتين تنافر ومناقضة من وَجه، وَذَلِكَ لِأَن ميل الْقلب إِلَى التجرد وانقياده للرحمة والمودة يتخالفان فِي حق أَكثر النَّاس لَا سِيمَا أهل التجاذب، وَلذَلِك ترى كثيرا من أهل الله تبتلوا، وانقطعوا من النَّاس وباينوا الْأَهْل وَالْولد، وَكَانُوا من النَّاس على شقّ بعيد، وَترى الْعَامَّة قد أحاطت بهم معافسة الْأزْوَاج وَالْأَوْلَاد حَتَّى أنساهم ذكر الله، والأنبياء
عَلَيْهِم السَّلَام لَا يأمرون إِلَّا برعاية المصلحتين، وَلذَلِك أَكْثرُوا الضَّبْط وتمييز الْمُشكل فِي هَاتين الخلتين، فَهَذِهِ هِيَ الْأَخْلَاق الْمُعْتَبرَة فِي الشَّرَائِع، وهنالك أَفعَال وهيآت تفعل فعل تِلْكَ الْأَخْلَاق وأضدادها من جِهَة أَنَّهَا تعطيها مزاج الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين، أَو تنبعث من ميل

(2/108)


النَّفس إِلَى إِحْدَى القبيلتين فَيُؤْمَر بذلك الْبَاب، وَقد ذكرنَا بعض ذَلِك.
وَمن هَذَا الْبَاب قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِن الشَّيْطَان يَأْكُل بِشمَالِهِ وَيشْرب بِشمَالِهِ "
وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " الاجدع شَيْطَان " وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " أَلا تصفون كَمَا تصف الْمَلَائِكَة، وَقد أَمر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمظان تِلْكَ الْأَخْلَاق، فَأمر بأذكار تفِيد دوَام الإخبات والتضرع، وَأمر بِالصبرِ والانفاق، وَرغب فِي ذكر هاذم اللَّذَّات وَذكر الْآخِرَة، وهون أَمر الدُّنْيَا فِي أَعينهم، وحضهم على التفكر فِي جلال الله وَعظم قدرته، ليحصل لَهُم السماحة، وَأمر بعيادة الْمَرِيض وَالْبر والصلة وإفشاء السَّلَام وَإِقَامَة الْحُدُود وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، ليحصل لَهُم الْعَدَالَة، وَبَين تِلْكَ الْأَفْعَال والهيآت أتم بَيَان، جزى الله تَعَالَى هَذَا النَّبِي الْكَرِيم كَمَا هُوَ أَهله عَنَّا وَعَن سَائِر الْمُسلمين أَجْمَعِينَ.
إِذا علمت هَذِه الْأُصُول حَان أَن نشتغل بِبَعْض التَّفْصِيل، وَالله أعلم
(الْأَذْكَار وَمَا يتَعَلَّق بهَا)
قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يقْعد قوم يذكرُونَ الله إِلَّا حفتهم الْمَلَائِكَة وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَة " أَقُول: لَا شكّ أَن اجْتِمَاع الْمُسلمين راغبين ذاكرين يجلب الرَّحْمَة والسكينة، وَيقرب من الْمَلَائِكَة.
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبق المفردون " (أَقُول) هم قوم من السَّابِقين سموا بالمفردين لِأَن الذّكر خفف عَنْهُم أوزارهم.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ تَعَالَى أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي وَأَنا مَعَه إِذا ذَكرنِي فَإِن ذَكرنِي فِي نَفسه ذكرته فِي نَفسِي وَإِن ذَكرنِي فِي مَلأ ذكرته فِي مَلأ خير مِنْهُ "

(2/109)


أَقُول جبلة العَبْد النَّاشِئ مِنْهَا أخلاقها وعلومها، والهيئات الَّتِي اكتسبتها نَفسه هِيَ المخصصة لنزول رَحْمَة خَاصَّة بِهِ، فَرب عبد سمح الْخلق يظنّ بربه أَنه يتَجَاوَز عَن ذنُوبه، وَلَا يُؤَاخذ بِكُل نقير وقطمير، ويعامل مَعَه مُعَاملَة فَيكون رَجَاءَهُ ذَلِك سَببا لنفض خطيآته عَن نَفسه، وَرب عبد شحيح الْخلق يظنّ بربه أَنه يؤاخذه بِكُل نقير وقطمير، ويعامل مَعَه مُعَاملَة المتعمقين، السماحة، وَلَا يتَجَاوَز عَن ذنُوبه، فَهَذَا بأشد الْمنزلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى هيئات دنيوية تحيط بِهِ بعد مَوته، وَهَذَا الْفرق إِنَّمَا مَحَله الْأُمُور الَّتِي لم يتَأَكَّد فِي حَظِيرَة الْقُدس حكمهَا، وَأما الْكَبَائِر وَمَا يشابهها فَلَا يظْهر فِيهِ إِلَّا بالإجمال، وَقَوله " أَنا مَعَه " إِشَارَة إِلَى معية الْقبُول وَكَونه فِي حَظِيرَة الْقُدس ببال، فَإِن ذكر الله فِي نَفسه، وسلك طَرِيق التفكر فِي آلائه، فَجَزَاؤُهُ أَن الله يرفع الْحجب فِي ميسره ذَلِك حَتَّى يصل إِلَى التجلي الْقَائِم فِي
حَظِيرَة الْقُدس، وَإِن ذكر الله فِي مَلأ، وَكَانَ همه إِشَاعَة دين الله وإعلاء كلمة الله فَجَزَاؤُهُ أَن الله يلهم محبته فِي قُلُوب الْمَلأ الْأَعْلَى يدعونَ لَهُ، ويبركون عَلَيْهِ، ثمَّ ينزل لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض، وَكم من عَارِف بِاللَّه وصل إِلَى الْمعرفَة وَلَيْسَ لَهُ قبُول فِي الأَرْض وَلَا ذكر فِي الْمَلأ الْأَعْلَى، وَكم من نَاصِر دين الله لَهُ قبُول عَظِيم وبركة جسيمة لم ترفع لَهُ الْحجب:
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ تَعَالَى: من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا وأزيد، وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فجزاء سَيِّئَة مثلهَا، أَو أَغفر، وَمن تقرب مني شبْرًا تقربت إِلَيْهِ ذِرَاعا، وَمن تقرب مني ذِرَاعا تقربت مِنْهُ باعا وَمن أَتَانِي يمشي أَتَيْته هرولة وَمن لَقِيَنِي بقراب الأَرْض خطيئه لَا يُشْرك بِي شَيْئا لَقيته بِمِثْلِهَا مغْفرَة " أَقُول: الْإِنْسَان إِذا مَاتَ، وَأدبر عَن الدُّنْيَا، وضعفت سُورَة بهيميته، وتلعلعت أنوار ملكيته، فقليل خَيره كثير، وَمَا بِالْعرضِ ضَعِيف بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ بِذَات وَالتَّدْبِير الإلهي مبناه على إفَاضَة الْخَيْر، فالخير أقرب إِلَى الْوُجُود وَالشَّر أدق مِنْهُ، وَهُوَ حَدِيث " إِن لله مائَة رَحْمَة أنزل مِنْهَا وَاحِدَة إِلَى الأَرْض " فَبين النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِك بِمثل الشبر. والذراع. والباع وَالْمَشْي. والهرولة، وَلَيْسَ شَيْء أَنْفَع فِي الْمعَاد من التطلع إِلَى الجبروت والالتفات تلقاءها، وَهُوَ قَوْله " من لَقِيَنِي بقراب الأَرْض خَطِيئَة لَا يُشْرك بِي شَيْئا لَقيته بِمِثْلِهَا مغْفرَة "، وَقَوله تَعَالَى: " أعلم عَبدِي أَن لَهُ رَبًّا يغْفر الذَّنب ويؤاخذ بِهِ ".
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ تَعَالَى: من عادى لي وليا فقد آذنته بِالْحَرْبِ، وَمَا تقرب إِلَى عَبدِي إِلَيّ بِشَيْء أحب إِلَيّ مِمَّا افترضت عَلَيْهِ، وَمَا يزَال عَبدِي يتَقرَّب إِلَيّ بالنوافل حَتَّى أحبه، فَإِن أحببته كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ، وبصره الَّذِي يبصر بِهِ، وَيَده الَّتِي يبطش بهَا، وَرجله الَّتِي يمشي بهَا،

(2/110)


وَإِن سَأَلَني لأعطينه، وَإِن استعاذني لأعيذنه، وَمَا ترددت فِي شَيْء أَنا فَاعله ترددي عَن نفس الْمُؤمن يكره الْمَوْت وَأَنا أكره مساءته " أَقُول إِذا أحب الله عبدا، وَنزلت محبته فِي الْمَلأ الْأَعْلَى، ثمَّ نزل لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض، فَخَالف هَذَا النظام أحد، وعاداه، وسعى فِي رد أمره وكبت حَاله انقلبت رَحْمَة الله بِهَذَا المحبوب لعنة فِي حق عدوه، وَرضَاهُ بِهِ سخطا فِي حَقه، وَإِذا تدلى الْحق إِلَى عباده باظهار شَرِيعَة وَإِقَامَة دين، وَكتب فِي حَظِيرَة الْقُدس تِلْكَ السّنَن والشرائع كَانَت هَذِه السّنَن والقربات أجلب شَيْء لرحمة الله وأوفقه بِرِضا الله، وَقَلِيل هَذِه كثير، وَلَا يزَال العَبْد بتقرب إِلَى الله بالنوافل زِيَادَة على الْفَرَائِض حَتَّى يُحِبهُ الله، وتغشاه رَحمته، وَحِينَئِذٍ يُؤَيّد جوارحه بِنور إلهي، ويبارك فِيهِ. وَفِي أَهله وَولده وَمَاله، ويستجاب دعاؤه ويحفظ من الشَّرّ، وينصر، وَهَذَا الْقرب عندنَا يُسمى بِقرب الْأَعْمَال، والتردد هَهُنَا كِنَايَة عَن تعَارض العنايات فَإِن الْحق لَهُ عناية بِكُل نظام نَوْعي وشخصي، وعنايته بالجسد الإنساني تقضي الْقَضَاء بِمَوْتِهِ ومرضه وتضييق الْحَال عَلَيْهِ، وعنايته بِنَفسِهِ المحبوبة تَقْتَضِي إفَاضَة الرَّفَاهِيَة من كل جِهَة عَلَيْهِ وَحفظه من كل سوء.
قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا أنبئكم بِخَير أَعمالكُم، وأزكاها عِنْد مليككم، وأرفعها فِي درجاتكم، وَخير لكم من انفاق الذَّهَب وَالْوَرق وَخير لكم من أَن تلقوا عَدوكُمْ، فتضربوا أَعْنَاقهم، ويضربوا أَعْنَاقكُم؟ قَالُوا: بلَى، قَالَ: ذكر الله " أَقُول: الْأَفْضَلِيَّة تخْتَلف بِالِاعْتِبَارِ وَلَا أفضل من الذّكر بِاعْتِبَار تطلع النَّفس إِلَى الجبروت، وَلَا سِيمَا فِي نفوس زكية لَا تحْتَاج إِلَى الرياضات، وَإِنَّمَا تحْتَاج إِلَى مداومة التَّوَجُّه.
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: من قعد مقْعدا لم يذكر الله فِيهِ كَانَت عَلَيْهِ
من الله ترة، وَمن اضْطجع مُضْطَجعا لَا يذكر الله فِيهِ كَانَت عَلَيْهِ من الله ترة، وَقَالَ: " مَا من قوم يقومُونَ من مجْلِس يذكرُونَ الله فِيهِ إِلَّا قَامُوا عَن مثل جيفة حمَار؛ وَكَانَ عَلَيْهِم حسرة " وَقَالَ " لَا تكثروا الْكَلَام بِغَيْر ذكر الله فَإِن كَثْرَة الْكَلَام بِغَيْر ذكر الله قسوة للقلب، وَإِن أبعد النَّاس من الله الْقلب القاسي " أَقُول: من وجود حلاوة الذّكر، وَعرف كَيفَ يحصل لَهُ الاطمئنان بِذكر الله وَكَيف تنقشع الْحجب عَن قلبه عِنْد ذَلِك حَتَّى يصير كَأَنَّهُ يرى الله عيَانًا وَلَا شكّ أَنه إِذا توجه إِلَى الدُّنْيَا

(2/111)


وعافس الْأزْوَاج والضيعات ينسى كثيرا، وَيبقى كَأَنَّهُ فقد مَا كَانَ وجد، ويسدل حجاب بَينه وَبَين مَا كَانَ بمرأى مِنْهُ وَهَذِه الْخصْلَة تدعوا إِلَى النَّار وَإِلَى كل شَرّ، وَفِي كل من ذَلِك ترة وَإِذا اجْتمعت الترات لم يكن بسبيل إِلَى النجَاة، وَقد عالج النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِه الترات بأتم علاج، وَذَلِكَ أَن شرع فِي كل حَالَة ذكرا مناسبا لَهُ ليَكُون ترياقا دافعا لسم الْغَفْلَة، فنبه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فَائِدَة هَذِه الْأَذْكَار وعَلى عرُوض الترات بِدُونِهَا.
وَاعْلَم أَنه مست الْحَاجة إِلَى ضبط أَلْفَاظ الذّكر صونا لَهُ من أَن يتَصَرَّف فِيهِ متصرف بعقله الأبتر، فيلحد فِي أَسمَاء الله، أَو لَا يعْطى الْمقَام حَقه، وعمدة مَا سنّ فِي هَذَا الْبَاب عشرَة أذكار فِي كل وَاحِد سر لَيْسَ فِي غَيره، وَلذَلِك سنّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كل موطن أَن يجمع بَين ألوان مِنْهَا.
وَأَيْضًا فالوقوف على ذكر وَاحِد يَجعله لقلقَة اللِّسَان فِي حق عَامَّة الْمُكَلّفين، والانتقال من بَعْضهَا إِلَى بعض يُنَبه النَّفس، ويوقظ الْوَسْنَان.
مِنْهَا سُبْحَانَ الله، وَحَقِيقَته تَنْزِيه عَن الأدناس والعيوب والنقائص.
وَمِنْهَا الْحَمد لله، وَحَقِيقَته إِثْبَات الكمالات والأوصاف التَّامَّة لَهُ، فَإِذا اجتمعتا فِي كلمة وَاحِدَة كَانَت أفْصح تَعْبِير عَن معرفَة الْإِنْسَان بربه لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَن يعرفهُ إِلَّا من جِهَة إِثْبَات ذَات يسلب عَنْهَا مَا نشاهده فِينَا من النقائص، وَيثبت لَهَا مَا نشاهده فِينَا من جِهَات الْكَمَال من جِهَة كَونه كمالا، فَإِذا اسْتَقَرَّتْ صُورَة هَذَا الذّكر فِي الصَّحِيفَة ظَهرت هُنَاكَ هَذِه الْمعرفَة تَامَّة كَامِلَة عِنْدَمَا يقْضى بسبوغها، فَيفتح بَابا عَظِيما من الْقرب، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى أَشَارَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله: التَّسْبِيح نصف الْمِيزَان وَالْحَمْد الله يملؤه " وَلِهَذَا كَانَت كلمة سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ كلمة خَفِيفَة على اللِّسَان ثَقيلَة فِي الْمِيزَان حَبِيبَة إِلَى الرَّحْمَن، وَمن يَقُولهَا: غرست لَهُ نَخْلَة، وَورد فِيمَن يَقُولهَا مائَة حطت عَنهُ خطاياه وَإِن كَانَت مثل زبد الْبَحْر، وَلم يَأْتِ أحد يَوْم الْقِيَامَة بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أحد قَالَ: مثل ذَلِك أَو وَزَاد عَلَيْهِ، وَهِي أفضل الْكَلَام اصطفاه الله لملائكته.
وَأما سر قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: أول من يدعى إِلَى الْجنَّة الَّذين يحْمَدُونَ الله فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء " فَهُوَ أَن عَمَلهم ثبوتي منبعث من القوى الثبوتية، وَأَهْلهَا أحظى النَّاس بنعيم الْجنان.
وسر قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: أفضل الدُّعَاء الْحَمد لله " أَن الدُّعَاء على قسمَيْنِ كَمَا سنذكر، وَالْحَمْد لله يفيدهما جَمِيعًا، فَإِن الشُّكْر يزِيد النِّعْمَة وَلِأَنَّهَا معرفَة ثبوتية.
وسر قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: الْحَمد لله رَأس الشُّكْر " أَن الشُّكْر يَتَأَتَّى بِاللِّسَانِ والجنان والأركان، وَاللِّسَان أفْصح من ذَيْنك.

(2/112)


وَمِنْهَا لَا إِلَه إِلَّا الله وَله بطُون كَثِيرَة: فالبطن الأول طرد الشّرك الْجَلِيّ وَالثَّانِي طرد الشّرك الْخَفي. وَالثَّالِث طرد الْحجب الْمَانِعَة عَن الْوُصُول إِلَى
معرفَة الله، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة فِي قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا إِلَه إِلَّا الله لَيْسَ لَهَا حجاب دون الله حَتَّى تخلص إِلَيْهِ " وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يعرف من بطونها البطنين الْأَوَّلين، فاستبعد أَن يكون الذّكر الَّذِي يَخُصُّهُ الله بِهِ ذَاك، فَأوحى الله إِلَيْهِ جلية الْحَال، وكشف عَلَيْهِ أَنه طارد كل مَا سوى الله تَعَالَى عَن مستن الايثار، وَعَن التمثل بَين عَيْنَيْهِ وانه لَو وضع جَمِيع مَا سواهُ فِي كفة وَهَذِه فِي كفة لمالت بِهن، فَإِنَّهُ يطردهن، ويحقرهن، والتهليلة مَعَ تَفْصِيل مَا للنَّفْي وَالْإِثْبَات وَهِي لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير.
وَورد من فضل من قَالَهَا مائَة كَانَت لَهُ عدل عشر رِقَاب الخ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا جَامِعَة بَين الْمعرفَة الثبوتية والسلبية، والسلبية أقرب لمحو الذُّنُوب، والثبوتية أفيد لوُجُود الْحَسَنَات وتمثل الأجزية.
وَمِنْهَا الله أكبر وَفِيه مُلَاحظَة عَظمته وَقدرته وسلطانه، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى معرفَة ثبوتية، وَلذَلِك ورد فِي فَضله أَنه يمْلَأ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، وَهَذِه الْكَلِمَات الْأَرْبَع أفضل الْكَلَام وأحبه إِلَى الله، وَهِي غراس الْجنَّة.
وسر حَدِيث جوَيْرِية " لقد قلت بعْدك أَربع كَلِمَات ثَلَاث مَرَّات لَو وزنت بِمَا قلت مُنْذُ الْيَوْم لوزنتهن: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ عدد خلقه ورضاء نَفسه وزنة عَرْشه ومداد كَلِمَاته " أَن صُورَة الْعَمَل إِذا اسْتَقَرَّتْ فِي الصَّحِيفَة كَانَ انفساحها وانشراحها عِنْد الْجَزَاء حسب معنى تِلْكَ الْكَلِمَة، فَإِن كَانَت فِيهِ كلمة مثل عدد خلقه كَانَ انفساحها مثل ذَلِك.
وَاعْلَم أَن من كَانَ أَكثر ميله إِلَى تلون النَّفس بلون معنى الذّكر فَالْمُنَاسِب فِي حَقه إكثار الذّكر، وَمن كَانَ أَكثر ميله إِلَى مُحَافظَة صُورَة الْعَمَل فِي الصَّحِيفَة وظهورها يَوْم الْجَزَاء فالأنفع فِي حَقه اخْتِيَار ذكر راب على الْأَذْكَار بالكيفية.
وَلَيْسَ لأحد أَن يَقُول: إِذا كَانَت هَذِه الْكَلِمَات ثَلَاث مَرَّات أفضل من سَائِر الْأَذْكَار

(2/113)


يكون الاعتناء بِكَثْرَة الْأَذْكَار واستيعاب الْأَوْقَات فِيهَا ضائعا لِأَن الْفضل إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار دون اعْتِبَار، وَكَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرشد جويريه رَضِي الله عَنْهَا إِلَى أقرب الْأَعْمَال وَرغب فِي ذَلِك ترغيبا بليغا، والسر فِيمَا سنة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذّكر من ضم الله أكبر وَسَائِر الْأَلْفَاظ مَعَ التهليل أَن يُنَبه النَّفس للذّكر وَلَا يكون لقلقَة لِسَان.
وَمِنْهَا سُؤال مَا يَنْفَعهُ فِي بدنه أَو نَفسه بِاعْتِبَار خلقه، أَو بِاعْتِبَار حُصُول السكينَة أَو تَدْبِير منزله وَمَاله وجاهه وتعوذه عَمَّا يضرّهُ كَذَلِك، والسر فِيهِ مُشَاهدَة تَأْثِير الْحق فِي الْعَالم وَنفي الْحول وَالْقُوَّة عَن غَيره.
وَمن أجمع مَا سنه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَاب: " اللَّهُمَّ أصلح لي ديني الَّذِي هُوَ عصمَة أَمْرِي، واصلح لي دنياي الَّتِي فِيهَا معاشي، واصلح لي آخرتي الَّتِي فِيهَا معادي، وَاجعَل الْحَيَاة زِيَادَة لي فِي كل خير، وَاجعَل الْمَوْت رَاحَة لي من كل شَرّ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْهدى والتقى والعفاف والغنى، اللَّهُمَّ اهدني وسددني - وَقَالَ: أذكر بِالْهدى هدايتك الطَّرِيق، وبالسداد سداد السهْم - اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني، واهدني، وَعَافنِي، وارزقني، اللَّهُمَّ رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة، وقنا عَذَاب النَّار، رب اعني،
وَلَا تعن عَليّ وَانْصُرْنِي، وَلَا تنصر عَليّ، وامكر لي، وَلَا تَمْكُر عَليّ، واهدني، وَيسر الْهدى لي، وَانْصُرْنِي على من بغى عَليّ، رب اجْعَلنِي لَك شاكرا، لَك ناكرا لَك رَاهِبًا، لَك مطواعا لَك مخبتا، إِلَيْك أواها منيبا رب تقبل تَوْبَتِي، واغسل حوبتي وأجب دَعْوَتِي، وَثَبت حجتي وسدد لساني، واهدي قلبِي، واسلل سخيمة صَدْرِي، اللَّهُمَّ ارزقني حبك وَحب من يَنْفَعنِي حبه عنْدك، اللَّهُمَّ مِمَّا رزقتني مَا أحب فاجعله قُوَّة لي فِيمَا تحب، اللَّهُمَّ مَا زويت عني مِمَّا أحب فاجعله فراغا لي فِيمَا تحب، اللَّهُمَّ اقْسمْ لنا من خشيتك مَا تحول بِهِ بَيْننَا وَبَين مَعَاصِيك، وَمن طَاعَتك مَا تبلغنَا بِهِ جنتك، وَمن الْيَقِين مَا تهون بِهِ علينا مصبيات الدُّنْيَا، وَمَتعْنَا بأسماعنا وأبصارنا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، واجعله الْوَارِث منا، وَاجعَل ثَأْرنَا على من ظلمنَا، وَانْصُرْنَا على من عَادَانَا، وَلَا تجْعَل مُصِيبَتنَا فِي ديننَا، وَلَا تجْعَل الدُّنْيَا أكبر هَمنَا، وَلَا مبلغ علمنَا، وَلَا تسلط علينا من لَا يَرْحَمنَا ".

(2/114)


وَمن أجمع مَا سنه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِعَاذَة ": أعوذ بِاللَّه من جهد الْبلَاء ودرك الشَّقَاء، وَسُوء الْقَضَاء، وشماتة الْأَعْدَاء، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْهم والحزن، وَالْعجز والكسل، والجبن وَالْبخل، وضلع الدّين، وَغَلَبَة الرِّجَال، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الكسل والهرم، والمغرم والمأثم، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب النَّار وفتنة النَّار، وفتنة الْقَبْر وَعَذَاب الْقَبْر، وَمن شَرّ فتْنَة الْغنى، وَمن شَرّ فتْنَة الْفقر، وَمن شَرّ فتْنَة الْمَسِيح
الدَّجَّال، اللَّهُمَّ اغسل خطاياي بِمَاء الثَّلج وَالْبرد، ونق قابي كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس، وباعد بيني وَبَين خطاياي كَمَا باعدت بَين الْمشرق وَالْمغْرب، اللَّهُمَّ آتٍ نَفسِي تقواها، وزكها، أَنْت خير من زكاها، أَنْت وَليهَا ومولاها، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من علم لَا ينفع، وَمن قلب لَا يخشع، وَمن نفس لَا تشبع، وَمن دَعْوَة لَا يُسْتَجَاب لَهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من زَوَال نِعْمَتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وَجَمِيع سخطك، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْفقر والقلة والذلة، وَأَعُوذ بك من أَن أظلم أَو أظلم ".
وَمِنْهَا التَّعْبِير عَن الخضوع والإخبات، كَقَوْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" سجد وَجْهي للَّذي خلقه " الخ.
وَاعْلَم أَن الدَّعْوَات الَّتِي أمرنَا بهَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قسمَيْنِ: أَحدهمَا مَا يكون الْمَقْصُود مِنْهُ أَن تملأ القوى الفكرية بملاحظة جلال الله وعظمته، أَو يحصل حَالَة الخضوع والإخبات فَإِن لتعبير اللِّسَان عَمَّا يُنَاسب هَذِه الْحَالة أثرا عَظِيما فِي تنبه النَّفس لَهَا وإقبالها عَلَيْهَا.
وَالثَّانِي مَا يكون فِيهِ الرَّغْبَة فِي خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة والتعوذ من شرهما لِأَن همة النَّفس وتأكد عزيمتها فِي طلب شَيْء يقرع بَاب الْجُود بِمَنْزِلَة إعداد مُقَدمَات الدَّلِيل لفيضان النتيجة، وَتجْعَل جلال الله حَاضرا بَين عَيْنَيْهِ، وَتصرف همته إِلَيْهِ، فَتلك الْحَالة غنيمَة المحسن.
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة "
. أَقُول: ذَلِك لِأَن أصل الْعِبَادَة هُوَ الاستفغراق فِي الْحُضُور بِوَصْف التَّعْظِيم، وَالدُّعَاء بقسميه نِصَاب تَامّ مِنْهُ.

(2/115)


قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفضل الْعِبَادَة انْتِظَار الْفرج " أَقُول وَذَلِكَ لِأَن الهمة الحثيثة فِي استنزال الرَّحْمَة أَشد مِمَّا تُؤثر الْعِبَادَة.
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: " مَا من أحد يدعوا بِدُعَاء إِلَّا أَتَاهُ الله تَعَالَى مَا سَأَلَ، أَو كف عَنهُ شَرّ السوء مثله " أَقُول: ظُهُور الشَّيْء عَالم الْمِثَال إِلَى الأَرْض لَهُ سنَن طبيعي يجْرِي ذَلِك المجرى إِن لم يكن مَانع من خَارج، وَله سنَن غير طبيعي إِن وجد مزاحمة فِي الْأَسْبَاب، فَمن غير الطبيعي أَن تَنْصَرِف الرَّحْمَة إِلَى كف السوء أَو إِلَى إناس وحشتهم وإلهام بهجة قلبه، أَو ميل الْحَادِثَة من بدنه إِلَى مَاله وأمثال ذَلِك.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِذا دَعَا أحدكُم فَلَا يقل: اللَّهُمَّ اغْفِر لي إِن شِئْت، وارحمني إِن شِئْت، وارزقني إِن شِئْت، وليعزم الْمَسْأَلَة إِنَّه يفعل مَا يَشَاء، وَلَا مكره لَهُ " أَقُول: روح الدُّعَاء وسره رَغْبَة النَّفس فِي الشَّيْء مَعَ تلبسها بتشبهة الْمَلَائِكَة وتطلع الجبروت، والطلب بِالشَّكِّ يشتت الْعَزِيمَة ويفتر الهمة، أما الْمُوَافقَة بِالْمَصْلَحَةِ الْكُلية فحاصل لِأَن سَببا من الْأَسْبَاب لَا يصد الله عَن رعايتها، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِنَّه يفعل مَا يَشَأْ وَلَا مكره لَهُ ".
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لَا يرد الْقَضَاء إِلَّا الدُّعَاء " أَقُول: الْقَضَاء هَهُنَا الصُّورَة المخلوقة فِي عَالم الْمِثَال الَّتِي هِيَ سَبَب وجود الْحَادِثَة فِي الْكَوْن وَهُوَ بِمَنْزِلَة سَائِر الْمَخْلُوقَات يقبل المحو وَالْإِثْبَات.
قَالَ عَلَيْهِ الصلاو وَالسَّلَام إِن هما: " أَن الدُّعَاء ينفع بِمَا نزل وَمِمَّا لم ينزل ". أَقُول: الدُّعَاء إِذا عالج مَا لم ينزل اضمحل، وَلم ينْعَقد سَببا لوُجُود الْحَادِثَة فِي الأَرْض، وَإِن عالج النَّازِل ظَهرت رَحْمَة الله هُنَاكَ فِي صُورَة تخفف موجدته وإيناس وحشته.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من سره أَن يستجيب الله لَهُ عِنْد الشدائد فليكثر الدُّعَاء فِي الرخَاء ". أَقُول: وَذَلِكَ أَن الدُّعَاء لَا يُسْتَجَاب إِلَّا مِمَّن قويت رغبته، وتأكدت عزيمته، وتمرن بذلك قبل أَن يُحِيط بِهِ مَا أحَاط، وَأما رفع الْيَدَيْنِ وَمسح الْوَجْه بهما فتصوير للرغبة، ومظاهرة بَين الْهَيْئَة النفسانية وَمَا يُنَاسِبهَا من الْهَيْئَة الْبَدَنِيَّة وتنبيه للنَّفس على تِلْكَ الْحَال.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
من فتح لَهُ بَاب من الدُّعَاء فتحت لَهُ أَبْوَاب الرَّحْمَة ". أَقُول: من علم كَيفَ يَدْعُو من برغبة ناشئة من صميم قلبه، وَعلم فِي أَي الصُّورَة تظهر

(2/116)


الْإِجَابَة، وتمرن بِصفة الْحُضُور فتح لَهُ بَاب الرَّحْمَة فِي الدُّنْيَا، وَنصر فِي كل داهية، وَإِذا مَاتَ، وأحاطت بِهِ خطيئته، وَغَشيتهُ غاشية من الهيآت الدُّنْيَوِيَّة توجه إِلَى الله توجها حثيثا كَمَا كَانَ تمرن بِهِ، فيستجاب لَهُ وَيخرج نقيا مِنْهَا كَمَا تسل الشعره من الْعَجِين.
وَاعْلَم أَن أقرب الدَّعْوَات من الاستجابة مَا اقْترن بِحَالهِ هِيَ مَظَنَّة نزُول الرَّحْمَة إِمَّا لكَونهَا كَمَا لَا للنَّفس الإنسانية كدعاء عقيب الصَّلَوَات. ودعوة الصَّائِم حِين يفْطر، أَو معدة لَا لاستنزال جود الله كالدعاء يَوْم عَرَفَة، أَو لكَونهَا سَببا لموافقة عناية الله فِي نظام الْعَالم كدعوة الْمَظْلُوم - فَإِن لله عناية بانتقام الظَّالِم - وَهَذَا مُوَافقَة مِنْهُ لتِلْك الْعِنَايَة، وَفِيه " فَإِنَّهُ لَيْسَ بَينهَا وَبَين الله حجاب " أَو سَببا لازورار رَاحَة الدُّنْيَا عَنهُ، فتنقلب رَحْمَة الله فِي حَقه متوجهة فِي صُورَة أُخْرَى كدعاء الْمَرِيض والمبتلى، أَو سَببا لإخلاص الدُّعَاء مثل دُعَاء الْغَائِب لِأَخِيهِ أَو دُعَاء الْوَالِد للْوَلَد، أَو كَانَت فِي سَاعَة تَنْتَشِر فِيهَا الروحانية وتدلى فِيهِ الرَّحْمَة كليلة الْقدر والساعة المرجوة يَوْم الْجُمُعَة، أَو كَانَت فِي مَكَان تحضره الْمَلَائِكَة كمواضع بِمَكَّة أَو تتنبه النَّفس عِنْد الْحُلُول بهَا لحالة الْحُضُور والخضوع كمآثر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام.
وَيعلم من مقايسة مَا قُلْنَا سر قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُسْتَجَاب للْعَبد مَا لم يدع بإثم أَو قطيعة رحم مَا لم يستعجل ".
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لكل نَبِي دَعْوَة مستجابة، فتعجل كل نَبِي دَعوته، وَإِنِّي اخْتَبَأْت دَعْوَتِي شَفَاعَة لأمتي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، فَهِيَ نائلة إِن شَاءَ الله من مَاتَ من أمتِي لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا ". أَقُول: للأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام دعوات كَثِيرَة مستجابة، وَكَذَا اسْتُجِيبَ لنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاطِن كَثِيرَة، لَكِن لكل نَبِي دَعْوَة وَاحِدَة منبجسة من الرَّحْمَة الَّتِي هِيَ مبدأ نبوته، فَإِنَّهَا إِن آمنُوا كَانَت بَرَكَات عَلَيْهِم، وانبجس من قلبه فِي قلب النَّبِي أَن يَدْعُو لَهُم، وَإِن أَعرضُوا صَارَت نقمات عَلَيْهِم، وانبجس فِي قلبه ان يَدْعُو عَلَيْهِم، واستشعر نَبينَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن أعظم مَقَاصِد بعثته أَن يكون شَفِيعًا للنَّاس، وَاسِطَة لنزول رَحْمَة خَاصَّة يَوْم الْحَشْر فَاخْتَبَأَ دَعوته الْعُظْمَى المنبجسة من أصل نبوته لذَلِك الْيَوْم.
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي اتَّخذت عنْدك عهدا " الخ أَقُول: اقْتَضَت رَحمته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بأمته وحدبه عَلَيْهِم أَن يقدم عِنْد الله عهدا، ويمثل فِي حَظِيرَة الْقُدس همته لَا يزَال يصدر مِنْهَا أَحْكَامهَا، وَذَلِكَ أَن يعْتَبر فِي

(2/117)


قومه همته الضمنية المكنونة لَا الهمة البارزة، وَذَلِكَ لِأَن قَصده فِي تعزيز الْمُسلمين قولا أَو فعلا إِقَامَة الدّين الَّذِي ارتضى الله لَهُم فيهم، وَأَن يستقيموا، وَيذْهب عَنْهُم اعوجاجهم، وقصده فِي التَّغْلِيظ على الْمقْضِي عَلَيْهِم بالْكفْر مُوَافقَة الْحق فِي غضبة على هَؤُلَاءِ فَاخْتلف المشرعان وَإِن اتّحدت الصُّورَة.
وَمِنْهَا التَّوَكُّل، وروحه. توجه النَّفس إِلَى الله بِوَجْه الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ
ورؤية التَّدْبِير مِنْهُ، ومشاهدة النَّاس مقهورين فِي تَدْبيره وَهُوَ مشْهد قَوْله تَعَالَى:
{وَهُوَ القاهر فَوق عباده وَيُرْسل عَلَيْكُم حفظَة} .
وَقد سنّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أذكارا، مِنْهَا: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم، وَفِيه أَنه كنز من كنوز الْجنَّة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يعد النَّفس لمعْرِفَة جليلة وَمِنْه قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" بك أصُول وَبِك أَحول " وَمَا ورد على هَذَا الأسلوب، وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: "
توكلت على الله " وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام:
" اعْلَم أَن الله على كل شَيْء قدير وَأَن الله قد أحَاط بِكُل شَيْء علما " وَنَحْو ذَلِك.
وَمِنْهَا الاسْتِغْفَار، وروحه مُلَاحظَة ذنُوبه الَّتِي أحاطت بِنَفسِهِ ونفضها عَنْهَا بمدد روحاني وفيض ملكي، وَله أَسبَاب.
مِنْهَا شُمُول رَحْمَة الله إِيَّاه بِعَمَل يصرف إِلَيْهِ دعوات الْمَلأ الْأَعْلَى، أَو يكون هُوَ فِيهِ جارحة من جوارح التَّدْبِير الإلهي فِي إِظْهَار نافعة للمجهود أَو سد خلة للمحتاج أَو مَا يضاهي ذَلِك.
وَمِنْهَا التَّشَبُّه فِي بِالْمَلَائِكَةِ فِي هيئاتهم ولمعان أنوار الملكية وخمود شرور البهيمية باضمحلال أَجْزَائِهَا وَكسر سورتها.
وَمِنْهَا التطلع إِلَى الجبروت وَمَعْرِفَة الْحق وَالْيَقِين بِهِ، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ الله تَعَالَى: أعلم عَبدِي أَن لَهُ رَبًّا يغْفر الذَّنب وَيَأْخُذ بِهِ غفرت لعبدي " فَإِذا اسْتعْمل العَبْد هَذِه الأمداد الروحانية فِي نفض ذنُوبه عَن نَفسه اضمحلت عَنْهَا.
وَمن أجمع صِيغ الاسْتِغْفَار: " اللَّهُمَّ أَغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني، اللَّهُمَّ اغْفِر لي جدي وهزلي، وخطئي، وعمدي، وكل ذَلِك عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِر لي مَا قدمت، وَمَا أخرت، وَمَا أسررت، وَمَا أعلنت، وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني، أَنْت الْمُقدم، وَأَنت الْمُؤخر، وَأَنت على كل شَيْء قدير " وَسيد الاسْتِغْفَار: اللَّهُمَّ أَنْت رَبِّي لَا إِلَه إِلَّا أَنْت خلقتني، وَأَنا عَبدك، وَأَنا على عَهْدك

(2/118)


وَوَعدك مَا اسْتَطَعْت، أعوذ بك من شَرّ مَا صنعت، أَبُوء لَك بنعمتك عَليّ، وأبوء بذنبي، فَاغْفِر لي فَإِنَّهُ لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت ".
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِنَّه ليغان على قلبِي، وَإِنِّي لأستغفر الله تَعَالَى فِي الْيَوْم مائَة مرّة " أَقُول: حَقِيقَة هَذَا الْغَيْن أَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُور أَن يصبر نَفسه مَعَ عَامَّة الْمُؤمنِينَ فِي هَيْئَة امتزاجية بَين الملكية والبهيمية ليَكُون قدوة للنَّاس فِيمَا سنّ لَهُم على وَجه الذَّوْق والوجدان دون الْقيَاس والتخمين، وَكَانَ من لوازمها الْغَيْن وَالله أعلم.
وَمِنْهَا التَّبَرُّك باسم الله تَعَالَى، وسره أَن الْحق لَهُ تدل فِي كل نشأة وَمن تدليه فِي النشأة الحرفية الْأَسْمَاء الإلهية النَّازِلَة على أَلْسِنَة التراجمه والمتداولة فِي الْمَلأ الْأَعْلَى، فَإِذا توجه العَبْد إِلَيْهِ وجد رَحْمَة الله قريبَة.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما مائَة إِلَّا وَاحِدًا من أحصاها دخل الْجنَّة " أَقُول: من أَسبَاب هَذَا الْفضل أَنَّهَا نِصَاب صَالح لمعْرِفَة مَا يثبت للحق، ويسلب عَنهُ، وَأَن لَهَا بركَة وتمكنها فِي حَظِيرَة الْقُدس، وَأَن صورتهَا إِذا اسْتَقَرَّتْ فِي صحيفَة عمله وَجب أَن يكون انفساحها إِلَى رَحْمَة عَظِيمَة.
وَاعْلَم أَن الِاسْم الْأَعْظَم الَّذِي إِذا سُئِلَ بِهِ أعْطى، وَإِذا دعِي بِهِ أجَاب هُوَ الِاسْم الَّذِي يدل على أجمع تدل من تدليات الْحق، وَالَّذِي تداوله الْمَلأ الْأَعْلَى أَكثر تداول، ونطقت بِهِ التراجمة فِي كل عصر، وَقد ذكرنَا أَن زيدا الشَّاعِر الْكَاتِب لَهُ صُورَة أَنه شَاعِر وَصُورَة أَنه كَاتب، وَكَذَلِكَ للحق تدليات فِي موطن من الْمِثَال وَهَذَا معنى يصدق على أَنْت الله لَا إِلَه إِلَّا أَنْت الْأَحَد الصَّمد الَّذِي لم يلد، وَلم يُولد، وَلم يكن لَهُ كفوا أحد، وعَلى لَك الْحَمد، لَا إِلَه إِلَّا أَنْت الحنان المنان بديع السَّمَوَات وَالْأَرْض يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام، يَا حَيّ يَا قيوم. وَيصدق على أَسمَاء تضاهي ذَلِك.
وَمِنْهَا الصَّلَاة على النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من صلى عَليّ صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ عشرا "، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام:
" إِن أولى النَّاس فِي يَوْم الْقِيَامَة أَكْثَرهم عَليّ صَلَاة ". أَقُول السِّرّ فِي هَذَا أَن النُّفُوس البشرية لَا بُد لَهَا من التَّعَرُّض لنفحات الله وَلَا شَيْء فِي التَّعَرُّض لَهَا كالتوجه إِلَى أنوار التدليات وَإِلَى شَعَائِر الله فِي أرضه والتكفف لَدَيْهَا والامعان فِيهَا وَالْوُقُوف عَلَيْهَا لَا سِيمَا أَرْوَاح المقربين الَّذين هم أفاضل الْمَلأ الْأَعْلَى

(2/119)


ووسائط جود الله على أهل الأَرْض بِالْوَجْهِ الَّذِي سبق ذكره، وَذكر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتعظيم، وَطلب الْخَيْر من الله تَعَالَى فِي حَقه - آلَة صَالِحَة للتوجه إِلَيْهِ مَعَ مَا فِيهِ من سد مدْخل التحريف حَيْثُ لم يذكرهُ إِلَّا بِطَلَب الرَّحْمَة لَهُ من الله تَعَالَى، وأرواح الكمل إِذا فَارَقت أجسادها صَارَت كالموج المكفوف لَا يهزها إِرَادَة متجددة وداعية سانحة، وَلَكِن النُّفُوس الَّتِي هِيَ دونهَا تلتصق مِنْهَا بالهمة فيجلب بهَا نورا وهيئة مُنَاسبَة بالأرواح، وَهِي المكنى عَنهُ بقوله عَلَيْهِ السَّلَام:
" مَا من أحد يسلم عَليّ إِلَّا رد الله على روحي حَتَّى أرد عَلَيْهِ السَّلَام " وَقد شاهدت ذَلِك مَا لَا أحصى فِي مجاورتي الْمَدِينَة سنة ألف وَمِائَة وَأَرْبع وَأَرْبَعين.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لَا تجْعَلُوا زِيَارَة قَبْرِي عيدا " أَقُول: هَذَا إِشَارَة إِلَى سد مدْخل التحريف كَمَا فعل الْيَهُود وَالنَّصَارَى بقبور أَنْبِيَائهمْ، وجعلوها عيدا وموسما بِمَنْزِلَة الْحَج.
وَاعْلَم أَنه مست الْحَاجة إِلَى تَوْقِيت الْأَذْكَار وَلَو بِوَجْه أسمح من تَوْقِيت النواميس إِذْ لَو لم تؤقت لتساهل المتساهل، وَذَلِكَ إيما بأوقات أَو أَسبَاب، وَقد ذكرنَا تَصْرِيحًا أَو تَلْوِيحًا أَن الْمُخَصّص لبَعض الْأَوْقَات دون بعض، إِمَّا ظُهُور الروحانية فِيهِ كالصباح والمساء، أَو خلو النَّفس عَن الهيئات الرذيلة كحالة التيقظ من النّوم، أَو فراغها من الارتفاقات وَأَحَادِيث الدُّنْيَا ليَكُون كالمصقلة كخالة إِرَادَة النّوم، وَأَن الْمُخَصّص للسببيه أَن يكون سَببا لنسيان ذكر الله وَذُهُول النَّفس عَن الِالْتِفَات تِلْقَاء جناب الله، فَيجب فِي مثل ذَلِك أَن يعالج بِالذكر، ليَكُون ترياقا لسمها وجابرا لخللها، أَو طَاعَة لَا يتم نَفعهَا، وَلَا تكمل فائدتها إِلَّا بمزج ذكر مَعهَا كالأذكار المسنونة فِي الصَّلَوَات، أَو حَالَة تنبه النَّفس على مُلَاحظَة خوف الله وعظيم سُلْطَانه، فَإِن هَذِه الْحَالة سائقة لَهَا إِلَى الْخَيْر من حَيْثُ يدْرِي وَمن حَيْثُ لَا يدْرِي، كأذكار الْآيَات من الرّيح والظلمة والكسوف، أَو حَالَة يخْشَى فِيهَا الضَّرَر، فَيجب أَن يسْأَل الله من فَضله، ويتعوذ مِنْهُ فِي أَولهَا كالسفر وَالرُّكُوب، أَو حَالَة كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يسْتَرقونَ فِيهَا لاعتقادات تميل إِلَى اشراك بِاللَّه أَو طيرة أَو نَحْو ذَلِك كَمَا كَانُوا يعوذون بالجن وَعند رُؤْيَة الْهلَال، وَقد بَين النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَائِل هَذِه الْأَذْكَار وآثارها فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إتماما للفائدة وإكمالا للترغيب.
والعمدة فِي ذَلِك أُمُور:

(2/120)


مِنْهَا كَون الذّكر مَظَنَّة لتهذيب النَّفس، فأدار عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّب على التَّهْذِيب كَقَوْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من قالهن، ثمَّ مَاتَ مَاتَ على الْفطْرَة " أَو دخل الْجنَّة، أَو غفر لَهُ وَنَحْو ذَلِك
وَمِنْهَا بَيَان أَن صَاحب الذّكر لَا يضرّهُ شَيْء أَو حفظ من كل سوء وَذَلِكَ لشمُول الرَّحْمَة الآلهية وإحاطة دَعْوَة الْمَلَائِكَة بِهِ.
وَمِنْهَا بَيَان محو الذُّنُوب وَكِتَابَة الْحَسَنَات، وَذَلِكَ لما ذكرنَا أَن التَّوَجُّه إِلَى الله والتلفع بغاشية الرَّحْمَة يزِيل الذُّنُوب، ويمد الملكية.
وَمِنْهَا بعد الشَّيَاطِين مِنْهُ لهَذَا السِّرّ بِعَيْنِه.
وَسن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذّكر فِي ثَلَاثَة أَوْقَات عِنْد الصَّباح. والمساء. والمنام. وَإِنَّمَا لم يُوَقت الْيَقَظَة فِي اكثر الْأَذْكَار لِأَنَّهُ هُوَ وَقت طُلُوع الصُّبْح أَو إسفاره غَالِبا.
فَمن أذكار الصَّباح والمساء: اللَّهُمَّ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة، فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض، رب كل شَيْء ومليكه، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، أعوذ بك من شَرّ نَفسِي وَمن شَرّ الشَّيْطَان وشركه أمسينا، وامسى الْملك لله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك، وَله الْحَمد، وَهُوَ على كل شَيْء قدير، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك من خير هَذِه اللَّيْلَة وَخير مَا فِيهَا، وَأَعُوذ بك من شَرها وَشر مَا فِيهَا. اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الكسل والهرم وَسُوء الْكبر وفتنة الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبْر، وَفِي الصَّباح يُبدل أمسينا بأصبحنا وامسى بأصبح، وَهَذِه اللَّيْلَة بِهَذَا الْيَوْم، بك أَصْبَحْنَا وَبِك أمسينا، وَبِك نحيا، وَبِك نموت وَإِلَيْك النشور، باسم الله الَّذِي لَا يضر مَعَ اسْم شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء، وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم ثَلَاث مَرَّات سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه مَا شَاءَ الله كَانَ، وَمَا لم يَشَأْ لم يكن.
اعْلَم أَن الله على كل شَيْء قدير، وَأَن الله قد أحَاط بِكُل شَيْء علما.
{فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ وَله الْحَمد فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وعشيا وَحين تظْهرُونَ - إِلَى - تخرجُونَ} .
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْعَفو والعافية فِي ديني ودنياي واهلي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عوراتي وآمن روعائي اللَّهُمَّ احفظني من بَين يَدي وَمن خَلْفي، وَعَن يَمِيني وَعَن شمَالي وَمن فَوقِي، وَأَعُوذ بعظمتك أَن اغتال من تحتي، رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبيا - ثَلَاث مَرَّات - أعوذ بِكَلِمَات

(2/121)


الله التامات من شَرّ مَا خلق، اللَّهُمَّ مَا أصبح بِي من نعْمَة أَو بِأحد من خلقك فمنك وَحدك لَا شريك لَك، فلك الْحَمد وَلَك الشُّكْر، وَسيد الاسْتِغْفَار، وَمن أذكار وَقت النّوم إِذا أَوَى إِلَى فرَاشه بِاسْمِك رَبِّي وضعت جَنْبي، وَبِك أرفعه، إِن أَمْسَكت نَفسِي فارحمها، وَإِن أرسلتها فاحفظها بِمَا تحفظ بِهِ عِبَادك الصَّالِحين، واللهم أسلمت نَفسِي إِلَيْك، ووجهت وَجْهي إِلَيْك، وفوضت أَمْرِي إِلَيْك وألجأت ظَهْري إِلَيْك رَغْبَة وَرَهْبَة إِلَيْك لَا ملْجأ وَلَا منجا مِنْك إِلَّا إِلَيْك آمَنت بكتابك، الَّذِي أنزلت، وَنَبِيك الَّذِي أرْسلت الْحَمد الله الَّذِي أطعمنَا، وَسَقَانَا، وكفانا وآوانا، فكم مِمَّن لَا كَافِي لَهُ وَلَا مؤوى لَهُ ويسبح الله ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، ويحمد الله ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيكبر الله أَرْبعا وَثَلَاثِينَ، اللَّهُمَّ قني عذابك يَوْم تبْعَث عِبَادك ثَلَاثًا، أعوذ بِوَجْهِك
الْكَرِيم وكلماتك التامات من شَرّ مَا أَنْت آخذ بناصيته اللَّهُمَّ أَنْت تكشف المغرم والمأثم، اللَّهُمَّ لَا يهْزم جندك، وَلَا يخلف وَعدك وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك، اللَّهُمَّ رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَرب كل شَيْء فالق الْحبّ والنوى منزل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن أعوذ بك من شَرّ كل ذِي شَرّ أَنْت آخذ بناصيته، أَنْت الأول فَلَيْسَ قبلك شَيْء، وَأَنت الآخر فَلَيْسَ بعْدك شَيْء، وَأَنت الظَّاهِر فَلَيْسَ فَوْقك شَيْء، وَأَنت الْبَاطِن فَلَيْسَ دُونك شَيْء اقْضِ عني الدّين، وأعذني من الْفقر، باسم الله وضعت جَنْبي، اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذَنبي واخسأ شيطاني وَفك رهاني، واجعلني فِي الندى الْأَعْلَى الْحَمد لله الَّذِي كفاني، وآواني، وأطعمني، وسقاني، وَالَّذِي من على فأفضل، وَالَّذِي أَعْطَانِي فأجزل الْحَمد لله على كل حَال اللَّهُمَّ رب كل شَيْء ومليكه، وإله كل شَيْء أعوذ بك من النَّار - وَجمع كفيه - فَقَرَأَ فيهمَا
{قل هُوَ الله أحد} .
^ و (قل أعوذ بِرَبّ الفلق} .
^ و (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} .
ثمَّ مسح بهما مَا اسْتَطَاعَ من جسده، وَقَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ
وَسن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن تزوج امْرَأَة أَو اشْترى خَادِمًا اللَّهُمَّ أَنِّي أَسأَلك خَيرهَا وَخير مَا جبلتها عَلَيْهِ،

(2/122)


وَأَعُوذ بك من شَرها وَشر
مَا جبلتها عَلَيْهِ، وَإِذا رفأ إنْسَانا بَارك الله لَك، وَبَارك عَلَيْكُمَا، وَجمع بَيْنكُمَا فِي خير، وَإِذا أَرَادَ أَن يَأْتِي أَهله: باسم الله اللَّهُمَّ جنبنا الشَّيْطَان وجنب الشَّيْطَان مَا رزقتنا، وَلمن أَرَادَ أَن يدْخل الْخَلَاء: أعوذ بِاللَّه من الْخبث والخبائث وللخارج مِنْهُ: غفرانك، وَعند الكرب: لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَلِيم الْعَظِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب الْعَرْش الْعَظِيم، لَا إِلَه إِلَّا الله رب السَّمَوَات وَرب الأَرْض وَرب الْعَرْش الْكَرِيم، وَعند الْغَضَب: أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم، وَعند صياح الديكه السُّؤَال من فضل الله، وَعند نهيق الْحمار التَّعَوُّذ، وَإِذا ركب كبر ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين وَإِنَّا إِلَى رَبنَا لمنقلبون، الْحَمد لله (ثَلَاثًا) الله أكبر (ثَلَاثًا) سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ظلمت نَفسِي، فَاغْفِر لي، إِنَّه لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت، وَإِذا أنشأ سفرا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك فِي سفرنا هَذَا الْبر وَالتَّقوى، وَمن الْعَمَل مَا ترْضى، اللَّهُمَّ هون علينا سفرنا هَذَا واطو لنا بعده.
اللَّهُمَّ أَنْت الصاحب فِي السّفر والخليفة فِي الْأَهْل، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من وعثاء السّفر وكآبة المنقلب وَسُوء المنظر فِي المَال والأهل، وَإِذا نزل منزلا: أعوذ بِكَلِمَات الله التامات من شَرّ مَا خلق يَا أَرض رَبِّي وَرَبك الله أعوذ بِاللَّه من شرك وَمن شَرّ مَا خلق فِيك وَمن شَرّ مَا يدب عَلَيْك وَأَعُوذ بِاللَّه من أَن أَسد أَو أسود وَمن الْحَيَّة وَالْعَقْرَب وَمن شَرّ سَاكن الْبَلَد وَمن وَالِد
وَمَا ولد، وَإِذا أَسحر فِي سفر: سمع سامع بِحَمْد الله وَحسن بلائه علينا، رَبنَا صاحبنا وَأفضل علينا عائذا بِاللَّه من النَّار،

(2/123)


وَإِذا قفل يكبر على كل شرف من الأَرْض (ثَلَاث) تَكْبِيرَات ثمَّ يَقُول، لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك، وَله الْحَمد، وَهُوَ على كل شَيْء قدير، آيبون تائبون عَابِدُونَ ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده، وَإِذا دَعَا على الْكَافرين اللَّهُمَّ منزل الْكتاب سريع الْحساب اللَّهُمَّ اهزم الْأَحْزَاب اللَّهُمَّ اهزمهم، وزلزلهم اللَّهُمَّ إِنَّا نجعلك فِي نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللَّهُمَّ أَنْت عضدي ونصيري، بك أصُول، وَبِك أَحول، وَبِك أقَاتل، وَإِذا أضَاف قوما: اللَّهُمَّ بَارك لَهُم فِيمَا رزقتهم واغفر لَهُم وراحمهم، وَإِذا رأى الْهلَال: اللَّهُمَّ أَهله علينا بالأمن وَالْإِيمَان والسلامة وَالْإِسْلَام، رَبِّي وَرَبك الله، وَإِذا رأى مبتلى الْحَمد لله الَّذِي عافاني مِمَّا ابتلاك، بِهِ وفضلني على كثير مِمَّن خلق تَفْضِيلًا، وَإِذا دخل فِي سوق جَامع: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك، وَله الْحَمد، يحي، وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت، بِيَدِهِ الْخَيْر، وَهُوَ على كل شَيْء قدير، وَإِذا أَرَادَ أَن يقوم من مجْلِس كثر فِيهِ لغطه: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، استغفرك، وَأَتُوب إِلَيْك، وَإِذا ودع رجلا: استودع الله دينك وأمانتك وَآخر عَمَلك، وزودك الله التَّقْوَى، وَغفر ذَنْبك، وَيسر لَك الْخَيْر حَيْثُمَا كنت، اللَّهُمَّ أطو لَهُ الْبعد، وهون عَلَيْهِ السّفر، وَإِذا خرج من
بَيته باسم الله، توكلت على الله، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من أَن نزل، أَو نضل أَو نظلم أَو نجهل، أَو يجهل علينا، باسم الله توكلت على الله، لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، وَإِذا ولج بَيته: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خير المولج وَخير الْمخْرج، باسم الله ولجنا وباسم الله خرجنَا، وعَلى الله رَبنَا توكلنا، وَإِذ لَزِمته دُيُون وهموم قَالَ إِذا أصبح وَإِذا أَمْسَى: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْهم

(2/124)


والحزن، وَأَعُوذ بك من الْعَجز والكسل، وَأَعُوذ بك من الْبُخْل والجبن، وَأَعُوذ بك من غَلَبَة الدّين وقهر الرِّجَال، واللهم اكْفِنِي بحلالك عَن حرامك، واغنني بِفَضْلِك عَمَّن سواك، وَإِذا استجد ثوبا: اللَّهُمَّ لَك الْحَمد أَنْت كسوتني هَذَا ويسميه باسمه أَسأَلك خَيره وَخير مَا صنع لَهُ، وَأَعُوذ بك من شَره وَشر مَا صنع لَهُ، الْحَمد الله الَّذِي كساني مَا أواري بِهِ عورتي، وأتجمل بِهِ فِي حَياتِي، وَإِذا أكل أَو شرب: الْحَمد الله الَّذِي أطعمنَا، وَسَقَانَا، وَجَعَلنَا من الْمُسلمين، الْحَمد لله الَّذِي أَطْعمنِي هَذَا الطَّعَام من غير حول مني وَلَا قُوَّة، الْحَمد لله الَّذِي أطْعم، وَسَقَى، وسوغه، وَجعل لَهُ مخرجا، وَإِذا رفع مائدته: الْحَمد لله حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ غير مكفى وَلَا مُودع وَلَا مُسْتَغْنى عَنهُ رَبنَا، وَإِذا مَشى إِلَى الْمَسْجِد: اللَّهُمَّ اجْعَل فِي قلبِي نورا الخ وَإِذا أَرَادَ أَن يدْخل الْمَسْجِد أعوذ بِاللَّه الْعَظِيم، وبوجهه الْكَرِيم، وسلطانه الْقَدِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم، اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك، وَإِذا خرج مِنْهُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك من فضلك، وَإِذا سمع صَوت الرَّعْد وَالصَّوَاعِق: اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلنَا بِغَضَبِك، وَلَا تُهْلِكنَا بِعَذَابِك وَعَافنَا قبل ذَلِك، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من
شَرها، وَإِذا عصفت الرّيح: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خَيرهَا وخيرما فِيهَا وَمَا أرْسلت بِهِ، وَأَعُوذ بك من شَرها وَشر مَا فِيهَا وَشر مَا أرْسلت بِهِ، وَإِذا عطس: الْحَمد الله حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا وَليقل صَاحبه: يَرْحَمك الله. وَليقل هُوَ: يهديكم الله، وَيصْلح بالكم، وَإِذا نَام: اللَّهُمَّ بِاسْمِك أَمُوت وَأَحْيَا وَإِذا اسْتَيْقَظَ، الْحَمد الله الَّذِي أَحْيَانًا بعد مَا أماتنا وَإِلَيْهِ النشور.
وَشرع عِنْد الْأَذَان خَمْسَة أَشْيَاء: أَن يَقُول مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن غير حَيّ على الصَّلَاة وَحي على الْفَلاح فَإِنَّهُ يَقُول مَكَانَهُ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا باالله، وَيَقُول:

(2/125)


رضيت بِاللَّه رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دينا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا وَيُصلي على النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُول: اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة التَّامَّة وَالصَّلَاة الْقَائِمَة آتٍ مُحَمَّد الْوَسِيلَة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه مقَاما مَحْمُودًا الَّذِي وعدته إِنَّك لَا تخلف الميعاد، وَيسْأل الله لآخرته ودنياه.
وَأمر فِي عشر ذِي الْحجَّة باكثار الذّكر، وَقد استفاض من الصَّحَابَة. وَالتَّابِعِينَ. وأئمة الْمُجْتَهدين تَكْبِير يَوْم عَرَفَة وَأَيَّام التَّشْرِيق على وُجُوه أقربها أَن يكبر دبر كل صَلَاة من فجر عَرَفَة إِلَى عصر آخر أَيَّام التَّشْرِيق الله أكبر، الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر، الله أكبر، وَللَّه الْحَمد، وَقد مر أدعية الصَّلَاة وَغَيرهَا فِيمَا سبق فراجع.
وَبِالْجُمْلَةِ فَمن صَبر نَفسه على هَذِه الْأَذْكَار، وداوم عَلَيْهَا فِي هَذِه الْحَالَات وتدبر فِيهَا كَانَت لَهُ بِمَنْزِلَة الذّكر الدَّائِم وشمله قَوْله تَعَالَى:
{والذاكرين الله كثيرا وَالذَّاكِرَات} .
وَالله أعلم.
(بَقِيَّة مبَاحث الاحسان)
اعْلَم أَن لهَذِهِ الْأَخْلَاق الْأَرْبَعَة أسبابا تكتسب بهَا، وموانع تمنع عَنْهَا، وعلامات يعرف تحققها بهَا فالاخبات لله تَعَالَى، والاستشراف تِلْقَاء صقع الْكِبْرِيَاء، والانصباغ بصبغ الْمَلأ الْأَعْلَى، والتجرد عَن الرذائل البشرية، وَعدم قبُول النَّفس نقوش الْحَيَاة الدُّنْيَا، وَعدم اطمئنانها بهَا لَا شَيْء فِي ذَلِك كُله كالتفكر، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" فكر سَاعَة خير من عبَادَة سِتِّينَ سنة " وَهُوَ على أَنْوَاع:
مِنْهَا التفكر فِي ذَات الله تَعَالَى وَقد نهى الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم عَنهُ فَإِن الْعَامَّة لَا يطيقُونَهُ، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَفَكَّرُوا فِي آلَاء الله، وَلَا تَفَكَّرُوا فِي الله، ويروى " تَفَكَّرُوا فِي كل شَيْء وَلَا تَفَكَّرُوا فِي ذَات الله " وَمِنْهَا التفكير فِي صِفَات الله تَعَالَى كَالْعلمِ وَالْقُدْرَة وَالرَّحْمَة والاحاطة، وَهُوَ الْمعبر عَنهُ عِنْد أهل السلوك بالمراقبة، وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ، فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك " وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" احفظ الله تَجدهُ تجاهك ".

(2/126)


وَصفته لمن أطَاق ذَلِك أَن يقْرَأ
{وَهُوَ مَعكُمْ أَيْن مَا إِنَّمَا كُنْتُم} .
أَو قَوْله تَعَالَى:
{وَمَا تكون فِي شَأْن وَمَا تتلو مِنْهُ من قُرْآن وَلَا تَعْمَلُونَ من عمل إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُم شُهُودًا إِذْ تفيضون فِيهِ وَمَا يعزب عَن رَبك من مِثْقَال ذرة فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَلَا أَصْغَر من ذَلِك وَلَا أكبر إِلَّا فِي كتاب مُبين} .
أَو قَوْله تَعَالَى:
{ألم تَرَ أَن الله يعلم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَمَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا وَهُوَ رابعهم وَلَا خَمْسَة إِلَّا وَهُوَ سادسهم وَلَا أدني من ذَلِك وَلَا أَكثر إِلَّا هُوَ مَعَهم أَيْن مَا كَانُوا} .
أَو قَوْله تَعَالَى:
{وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} .
أَو قَوْله تَعَالَى:
{وَعِنْده مَفَاتِيح الْغَيْب لَا يعلمهَا إِلَّا هُوَ وَيعلم مَا فِي الْبر وَالْبَحْر وَمَا تسْقط من ورقة إِلَّا وَيعلمهَا وَلَا حَبَّة فِي ظلمات الأَرْض وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين} .
أَو قَوْله تَعَالَى:
{أَلا إِنَّه بِكُل شَيْء مُحِيط} .
أَو قَوْله تَعَالَى:
{وَهُوَ القاهر فَوق عباده} .
أَو قَوْله تَعَالَى
{وَهُوَ على كل شَيْء قدير} .
أَو قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" اعْلَم أَن الْأمة لَو اجْتمعت على أَن ينفعوك بِشَيْء لم ينفعوك إِلَّا بِشَيْء قد كتبه الله لَك، وَلَو اجْتَمعُوا على أَن يضروك بِشَيْء لم يضروك إِلَّا بِشَيْء قد كتبه الله عَلَيْك، رفعت الأقلام، وجفت الصُّحُف " أَو قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِن لله مائَة رَحْمَة أنزل مِنْهَا وَاحِدَة فِي الأَرْض " الحَدِيث، ثمَّ يتَصَوَّر معنى هَذِه الْآيَات من غير تَشْبِيه وَلَا جِهَة، بل يستحضر اتصافه تَعَالَى بِتِلْكَ الْأَوْصَاف فَقَط، فَإِذا ضعف عَن تصَوره أعَاد الْآيَة وتصورها أَيْضا، وليختر لذَلِك وقتا لَا يكون فِيهِ حاقبا وَلَا حاقنا وَلَا جائعا وَلَا غَضْبَان وَلَا وَسنَان، وَبِالْجُمْلَةِ فارغ الْقلب عَن التشويش.
وَمِنْهَا التفكر فِي أَفعَال الله تَعَالَى الباهرة، وَالْأَصْل فِي قَوْله تَعَالَى:
{ويتفكرون فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض رَبنَا مَا خلقت هَذَا بَاطِلا} .
وَصفته أَن يُلَاحظ إِنْزَال الْمَطَر وانبات العشب وَنَحْو ذَلِك، ويستغرق فِي منَّة الله تَعَالَى.
وَمِنْهَا التفكر فِي أَيَّام الله تَعَالَى وَهُوَ تذكر رَفعه قوما وخفضه آخَرين وَالْأَصْل فِي قَوْله تَعَالَى لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام:
{وَذكرهمْ بأيام الله}
فَإِن ذَلِك يَجْعَل النَّفس مُجَرّدَة عَن الدُّنْيَا.

(2/127)


وَمِنْهَا التفكر فِي الْمَوْت وَمَا بعده، وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" واذْكُرُوا هاذم اللَّذَّات ".
وَصفته أَن يتَصَوَّر انْقِطَاع النَّفس عَن الدُّنْيَا وانفرادها بِمَا اكْتسبت من خير وَشر، وَمَا يرد عَلَيْهَا من المجازاة، وَهَذَانِ القسمان أفيد الْأَشْيَاء لعدم قبُول النَّفس نقوش الدُّنْيَا، فالإنسان إِذا تفرغ من أشغال الدُّنْيَا للفكر الممعن فِي هَذِه الْأَشْيَاء، أحضرها بَين عَيْنَيْهِ انقهرت بهيميته، وغلبت ملكيته وَلما لم يكن سهلا على الْعَامَّة أَن يتفرغوا للفكر الممعن وإحضارها بَين أَعينهم وَجب أَن يَجْعَل أشباح يعبي فِيهَا أَنْوَاع الْفِكر، وهيا كل ينْفخ فِيهَا روحها ليقصدها الْعَامَّة ويتلى عَلَيْهِم، ويستفيدوا حَسْبَمَا قدر لَهُم، وَقد أُوتى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآن جَامعا لهَذِهِ الْأَنْوَاع وَمثله مَعَه.
وَأرى أَنه جمع لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هذَيْن جَمِيع مَا كَانَ لَهُ فِي الْأُمَم السَّابِقَة وَالله أعلم، فاقتضت الْحِكْمَة أَن يرغب فِي تِلَاوَة الْقُرْآن، وَيبين فَضلهَا وَفضل سوره وآيات مِنْهُ، فَشبه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَائِدَة
المعنوية الْحَاصِلَة من الْآيَة بفائدة محسوسة لَا أَنْفَع مِنْهَا عِنْد الْعَرَب وَهِي - نَاقَة كوماء وخلفة سَمِينَة - تصويرا للمعنى وتمثيلا لَهُ، وَشبه صَاحبهَا بِالْمَلَائِكَةِ، وَأخْبر بأجرها بِكُل حرف، وَبَين دَرَجَات النَّاس بِمَا ضرب من قبل بِمثل الاترجة وَالتَّمْرَة والحنظلة وَالريحَان، وَبَين أَن سور الْقُرْآن تتمثل يَوْم الْقِيَامَة أجسادا ترى، وتلمس، فتحاج عَن أَصْحَابهَا، وَذَلِكَ انكشاف لتعارض أَسبَاب عَذَابه ونجاته ورجحان تِلَاوَة الْقُرْآن على الْأَسْبَاب الْأُخْرَى، وَبَين أَن السُّور فِيمَا بَينهَا تتفاضل.
أَقُول: وَإِنَّمَا تتفاضل لمعان: مِنْهَا إفادتها التفكر فِي صِفَات الله، وَكَونهَا أجمع شَيْء فِيهِ كآية الْكُرْسِيّ وَآخر الْحَشْر و {قل هُوَ الله أحد} بِمَنْزِلَة الِاسْم الْأَعْظَم من بَين الْأَسْمَاء.
وَمِنْهَا أَن يكون

(2/128)


نُزُولهَا على أَلْسِنَة الْعباد، ليعلموا كَيفَ يتقربوا إِلَى رَبهم كالفاتحة، ونسبته من السُّور كنسبة الْفَرَائِض من الْعِبَادَات.
وَمِنْهَا أَنَّهَا أجمع السُّور كالزهراوين، وَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يس:
" إِنَّه قلب الْقُرْآن " لِأَن الْقلب يُومِئ إِلَى التَّوَسُّط، وَهَذِه من المثاني دون المئين فَمَا فَوْقهَا، وَفَوق الْمفصل، وفيهَا آيَات التَّوَكُّل والتفويض، والتوحيد على لِسَان مُحدث أنطاكية.
{وَمَا لي لَا أعبد الَّذِي فطرني} الْآيَات.
وفيهَا الْفُنُون الْمَذْكُورَة تَامَّة كَامِلَة، وَفِي تبَارك الَّذِي شفعت لرجل حَتَّى غفر لَهُ وَهَذِه قصَّة رجل رَآهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعض مكاشفاته، وَأَن يرغب فِي تعاهده واستذكاره وَيضْرب لَهُ مثل تفصى الْإِبِل وَفِي الترتيل بِهِ وتلاوته عِنْد ائتلاف الْقُلُوب وَجمع الخاطر ووفور النشاط ليَكُون أقرب إِلَى التدبر وَحسن الصَّوْت بِهِ والبكاء والتباكي عِنْده تَقْرِيبًا من المُرَاد وَهُوَ التفكر؛ وَيحرم نسيانه، وَينْهى عَن خَتمه فِي أقل من ثَلَاث لِأَنَّهُ لَا يفقه مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ، وَجَاءَت الرُّخْصَة فِي قراءاته على لُغَات الْعَرَب تسهيلا عَلَيْهِم لِأَن فيهم الْأُمِّي وَالشَّيْخ الْكَبِير وَالصَّبِيّ.
وَمِمَّا أُوتِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فِي غير الْقُرْآن عَنهُ عز وَجل " يَا عبَادي إِنِّي حرمت الظُّلم على نَفسِي، وَجَعَلته بَيْنكُم محرما، فَلَا تظالموا، يَا عبَادي كلكُمْ ضال إِلَّا من هديته " الحَدِيث " كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل رجل قتل تسع وَتِسْعين إنْسَانا " الحَدِيث " لله أَشد فَرحا بتوبة عَبده " الحَدِيث " إِن عبدا أذْنب ذَنبا " الحَدِيث " إِن لله مائَة رَحْمَة أنزل مِنْهَا وَاحِدَة " الحَدِيث " إِذا أسلم العَبْد فَحسن إِسْلَامه " الحَدِيث، وَأَحَادِيث تَشْبِيه الدُّنْيَا بِمَا يلْحق الْأصْبع من اليم وبجدى أسك ميت

(2/129)


وَاعْلَم أَن النِّيَّة روح، وَالْعِبَادَة جَسَد، وَلَا حَيَاة للجسد بِدُونِ روح، وَالروح لَهَا حَيَاة بعد مُفَارقَة الْبدن، وَلَكِن لَا يظْهر آثَار الْحَيَاة كَامِلَة بِدُونِهِ، وَلذَلِك قَالَ الله تَعَالَى:
{لن ينَال الله لحومها وَلَا دماؤها وَلَكِن يَنَالهُ التَّقْوَى مِنْكُم} .
وَقَالَ رَسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " وَشبه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كثير من الْمَوَاضِع من صدقت نِيَّته - وَلم يتَمَكَّن من الْعَمَل لمَانع - بِمن عمل ذَلِك الْعَمَل كالمسافر وَالْمَرِيض لَا يستطيعان وردا واظبا عَلَيْهِ؛ فَيكْتب لَهما وكصادق الْعَزْم فِي الانفاق، وَهُوَ مملق يكْتب كَأَنَّهُ أنْفق وأعني بِالنِّيَّةِ الْمَعْنى الْبَاعِث على الْعَمَل من التَّصْدِيق بِمَا أخبر بِهِ الله على أَلْسِنَة الرُّسُل من ثَوَاب الْمُطِيع وعقاب العَاصِي، أَو حب امْتِثَال حكم الله فِيمَا أَمر، وَنهى، وَلذَلِك وَجب أَن ينْهَى الشَّارِع عَن الرِّيَاء والسمعة، وَيبين مساويهما أصرح مَا يكون، فَمن ذَلِك قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِن أول النَّاس يقْضى عَلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاثَة: رجل قتل فِي الْجِهَاد ليقال لَهُ: وَهُوَ رجل جريء، وَرجل تعلم الْعلم وَعلمه ليقال: هُوَ عَالم. وَرجل أنْفق فِي وُجُوه الْخَيْر ليقال هُوَ جواد، فَيُؤْمَر بهم، فيسحبون على وُجُوههم إِلَى النَّار "، قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الله تَعَالَى: " أَنا أغْنى الشُّرَكَاء عَن الشّرك، من عمل عملا أشرك فِيهِ غَيْرِي تركته وشركه ".
أما حَدِيث أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ " قيل: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت الرجل يعْمل الْعَمَل من الْخَيْر وَيَحْمَدهُ النَّاس عَلَيْهِ؟ قَالَ: تِلْكَ عَاجل بشرى الْمُؤمن " فَمَعْنَاه أَن يعْمل الْعَمَل لَا يقْصد بِهِ إِلَّا وَجه الله، فَينزل الْقبُول
إِلَى الأَرْض، فَيُحِبهُ النَّاس، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ " قلت: يَا رَسُول الله بَينا أَنا فِي بَيْتِي فِي مصلاي إِذْ دخل عَليّ رجل، فأعجبتني الْحَال الَّتِي رَآنِي عَلَيْهَا، قَالَ: رَحِمك الله يَا أَبَا هُرَيْرَة، لَك أَجْرَانِ، أجر السِّرّ، ووأجر الْعَلَانِيَة " ممعناه أَن يكون الْإِعْجَاب مَغْلُوبًا لَا يبْعَث بِمُجَرَّدِهِ على الْعَمَل، و" أجر السِّرّ " أجر الاخلاص الَّذِي يتَحَقَّق فِي السِّرّ، و" أجر الْعَلَانِيَة " أجر إعلاء دين الله وإشاعة السّنة الراشدة.
قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" خياركم أحاسنكم أَخْلَاقًا " اقول: لما كَانَ بَين السماحة وَالْعَدَالَة نوع من التَّعَارُض كَمَا نبهنا عَلَيْهِ، وَكَانَ بِنَاء عُلُوم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام على رِعَايَة المصلحتين وَإِقَامَة نظام الدَّاريْنِ، وَأَن يجمع بَين الْمصَالح مَا أمكن وَجب أَلا يعين فِي النواميس للسماحة إِلَّا أَشْيَاء تشتبك مَعَ الْعَدَالَة، وتؤيدها وتنبه عَلَيْهَا، فَنزل الْأَمر إِلَى حسن الْخلق وَهُوَ عبارَة عَن مَجْمُوع أُمُور من بَاب السماحة وَالْعَدَالَة، فَإِنَّهُ يتَنَاوَل الْجُود وَالْعَفو عَمَّن ظلم والتواضع وَترك الْحَسَد والحقد وَالْغَضَب، وكل ذَلِك من السماحة، ويتناول التودد إِلَى النَّاس وصلَة الرَّحِم وَحسن الصُّحْبَة مَعَ النَّاس ومواساة المحاويج، وَهِي من بَاب الْعَدَالَة، والفصل الأول يعْتَمد على الثَّانِي، وَالثَّانِي لَا يتم إِلَّا بِالْأولِ، وَذَلِكَ فِي الرَّحْمَة المرعية من النواميس الإلهية.

(2/130)


وَلما كَانَ اللِّسَان أسبق الْجَوَارِح إِلَى الْخَيْر وَالشَّر، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَهل يكب النَّاس على مناخرهم إِلَّا حصائد ألسنتهم "، وَأَيْضًا فَإِن آفاته تخل الإخبات وَالْعَدَالَة والسماحة جَمِيعًا لِأَن إكثار الْكَلَام ينسي ذكر الله، والغيبة وَالْبذَاء وَنَحْوهمَا تفْسد ذَات الْبَين، وَالْقلب ينصبغ بصبغ مَا يتَكَلَّم بِهِ فَإِذا ذكر كلمة الْغَضَب لَا بُد أَن ينصبغ الْقلب بِالْغَضَبِ وعَلى هَذَا الْقيَاس، والانصباغ يُفْضِي إِلَى التشبح - يجب أَن يبْحَث الشَّرْع عَن آفَات اللِّسَان أَكثر من آفَات غَيره، وآفات اللِّسَان على أَنْوَاع:
مِنْهَا أَن يَخُوض فِي كل وَاد فتجتمع فِي الْحس الْمُشْتَرك صور تِلْكَ الْأَشْيَاء،
فَإِذا توجه إِلَى الله لم يجد حلاوة الذّكر، وَلم يسْتَطع تدبر الْأَذْكَار، وَلِهَذَا الْمَعْنى نهى عَمَّا لَا يعْنى.
وَمِنْهَا أَن يثير فتْنَة بَين النَّاس كالغيبة والجدال والمراء.
وَمِنْهَا أَن يكون مُقْتَضى تفشى النَّفس بغاشية عَظِيمَة من السبعية والشهوية كالشتم وَذكر محَاسِن النِّسَاء.
وَمِنْهَا أَن يكون سَبَب حُدُوثه نِسْيَان جلال الله والغفلة عَمَّا عِنْد الله كَقَوْلِه للْملك: ملك الْمُلُوك.
وَمِنْهَا أَن يكون مناقضا لمصَالح الْملَّة بِأَن يكون مرغبا لما أمرت الْملَّة بهجره كمدح الْخمر وَتَسْمِيَة الْعِنَب كرما أَو يعجم كتاب الله كتسمية الْمغرب عشَاء وَالْعشَاء عتمة.
وَمِنْهَا أَن يكون كَامِلا شنيعا مثلا كَمثل الْأَفْعَال الشنيعة المنسوبة إِلَى الشَّيَاطِين كالفحش وَذكر الْجِمَاع والأعضاء المستورة بِصَرِيح مَا وضع لَهَا، وكذكر مَا يتطير بِهِ كَقَوْلِه: لَيْسَ بِالدَّار نجاح وَلَا يسَار.
ثمَّ لَا بُد من بَيَان مَا كثر وُقُوعه من مظان السماحة وتميز مَا اعْتَبرهُ الشَّرْع بِمَا لم يعتبره، فَمِنْهَا الزّهْد فَإِن النَّفس رُبمَا تميل إِلَى شَره الطَّعَام واللباس وَالنِّسَاء حَتَّى تكتسب من ذَلِك لونا فَاسِدا يدْخل فِي جوهرها، فَإِذا نفضه الْإِنْسَان عَن نَفسه فَذَلِك الزّهْد فِي الدُّنْيَا، وَلَيْسَ ترك هَذِه الْأَشْيَاء مَطْلُوبا بِعَيْنِه بل إِنَّمَا يطْلب تَحْقِيقا لهَذِهِ الْخصْلَة، وَلذَلِك

(2/131)


قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" الزهادة فِي الدُّنْيَا لَيست بِتَحْرِيم الْحَلَال وَلَا إِضَاعَة المَال وَلَكِن
الزهادة فِي الدُّنْيَا أَلا تكون بِمَا فِي يَديك أوثق مِمَّا فِي يَدي الله وَأَن تكون فِي ثَوَاب الْمُصِيبَة إِذا أَنْت أصبت بهَا أَرغب فِيهَا لَو أَنَّهَا أبقيت لَك " وَقَالَ: " لَيْسَ لِابْنِ آدم حق فِي سوى هَذِه الْخِصَال بَيت يسكنهُ وثوب يواري عَوْرَته وجلف الْخبز وَالْمَاء ".
وَقَالَ: " بِحَسب ابْن آدم لقيمات يقمن صلبه " وَقَالَ: " طَعَام الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَة، وَطَعَام الثَّلَاثَة كَافِي الْأَرْبَعَة " يَعْنِي أَن الطَّعَام الَّذِي يشْبع الِاثْنَيْنِ كل الإشباع إِذا أكله ثَلَاثَة كاهم على التَّوَسُّط، يُرِيد التَّرْغِيب فِي الْمُوَاسَاة وكراهية شَره الشِّبَع.
وَمِنْهَا القناعة وَذَلِكَ أَن الْحِرْص على المَال رُبمَا يغلب على النَّفس حَتَّى يدْخل فِي جوهرها، فَإِذا نفضه من قلبه، وَسَهل عَلَيْهِ تَركه فَذَلِك القناعة، وَلَيْسَت القانعة ترك مَا رزقه الله تَعَالَى من غير إشراف النَّفس، قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لَيْسَ الْغنى عَن كَثْرَة الْعرض وَلَكِن الْغنى غنى النَّفس " وَقَالَ: " يَا حَكِيم إِن هَذَا المَال خضر حُلْو فَمن أَخذه بسخاوة نفس بورك لَهُ فِيهِ، وَمن أَخذه بإشراف نفس لم يُبَارك لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذي ياكل، وَلَا يشْبع، وَالْيَد الْعليا خيرا من الْيَد السُّفْلى " وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِذا جَاءَك من هَذَا المَال شَيْء وَأَنت غير مشرف وَلَا سَائل فَخذه؛ فتموله، وَمَا لَا فَلَا تتبعه نَفسك ".
وَمِنْهَا الْجُود وَذَلِكَ لِأَن حب المَال وَحب إِمْسَاكه رُبمَا يملك الْقلب، ويحيط بِهِ من جوانبه، فَإِذا قدر على إِنْفَاقه وَلم يجد لَهُ بَالا فَهُوَ الْجُود، وَلَيْسَ الْجُود إِضَاعَة المَال، وَلَيْسَ المَال مغيضا لعَينه؛ فَإِنَّهُ نعْمَة كَبِيرَة، قَالَ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اتَّقوا الشُّح فَإِن الشُّح أهلك من قبلكُمْ حملهمْ على أَن سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمهمْ "، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام:
" لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَيْنِ " الحَدِيث، " وَقيل: أَو يَأْتِي الْخَيْر بِالشَّرِّ؟ فَقَالَ: إِنَّه لَا يَأْتِي الْخَيْر بِالشَّرِّ، وَإِنَّمَا مِمَّا ينْبت الرّبيع مَا يقتل حَبطًا أَو يلم " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من كَانَ مَعَه فضل

(2/132)


ظهر فليعد بِهِ على من لَا ظهر لَهُ، وَمن كَانَ لَهُ فضل زَاد فليعد بِهِ على من لَا زَاد لَهُ، فَذكر من أَصْنَاف المَال حَتَّى رَأينَا أَنه لَا حق لأحد منا فِي فضل " وَإِنَّمَا رغب فِي ذَلِك أَشد التَّرْغِيب لأَنهم كَانُوا فِي الْجِهَاد، وَكَانَت بِالْمُسْلِمين حَاجَة، وَاجْتمعَ فِيهِ السماحة وَإِقَامَة نظام الْملَّة وإبقاء مهج الْمُسلمين.
وَمِنْهَا قصر الأمل وَذَلِكَ لِأَن الْإِنْسَان يغلب عَلَيْهِ حب الْحَيَاة حَتَّى يكره ذكر الْمَوْت، وَحَتَّى يَرْجُو من طول الْحَيَاة شَيْئا لَا يبلغهُ. فَإِن مَاتَ فِي هَذِه الْحَالة عذب بنزوعه إِلَى مَا اشتاق إِلَيْهِ، وَلَا يجده، وَلَيْسَ الْعُمر فِي نَفسه مبغضا، بل هُوَ نعْمَة عَظِيمَة، قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" كن فِي الدُّنْيَا كَأَنَّك غَرِيب أَو عَابِر سَبِيل، وَخط خطا مربعًا، وَخط فِي الْوسط خَارِجا مِنْهُ، وَخط خططا صغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوسط
من جَانِبه الَّذِي فِي الْوسط فَقَالَ: هَذَا الْإِنْسَان، وَهَذَا أَجله مُحِيط بِهِ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارج أمله، وَهَذَا الخطط الصغار الْأَعْرَاض فَإِن أخطأه هَذَا نهسه هَذَا، وَإِن أخطأه هَذَا نهسه هَذَا "، وَقد عالج النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِك بِذكر هاذم اللَّذَّات وزيارة الْقُبُور وَالِاعْتِبَار بِمَوْت الأقران، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت، وَلَا يدع بِهِ قبل أَن يَأْته إِنَّه إِذا مَاتَ انْقَطع عمله ".
وَمِنْهَا التَّوَاضُع وَهُوَ أَلا تتبع النَّفس دَاعِيَة الْكبر والاعجاب حَتَّى يزدري بِالنَّاسِ، فَإِن ذَلِك يفْسد نَفسه، ويثير على ظلم النَّاس والازدراء، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لَا يدْخل الْجنَّة من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من كبر، فَقَالَ الرجل: أَن الرجل يحب أَن يكون ثَوْبه حَسَنَة، وَنَعله حسنا، فَقَالَ إِن الله جميل يحب الْجمال، وَالْكبر بطر الْحق وغمط النَّاس " وَقَالَ

(2/133)


عَلَيْهِ السَّلَام: "
أَلا أخْبركُم بِأَهْل النَّار، كل عتل مستكبر " وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام:
" بَيْنَمَا رجل يمشي فِي حلَّة، تعجبه نَفسه، مرجل بِرَأْسِهِ، يختال فِي مَشْيه إِذا خسف الله بِهِ، فَهُوَ يتجلجل فِي الأَرْض إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
وَمِنْهَا الْحلم والأناة والرفق، وحاصلها أَلا يتبع دَاعِيَة الْغَضَب حَتَّى يرْوى، وَيرى فِي مصلحَة، وَلَيْسَ الْغَضَب مذموما فِي جَمِيع الْأَحْوَال قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من يحرم الرِّفْق يحرم الْخَيْر كُله " وَقَالَ رجل للنَّبِي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوصني قَالَ: لَا تغْضب، فردد مرَارًا، فَقَالَ: لَا تغْضب "، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أَلا أخْبركُم بِمن يحرم على النَّار؟ كل قريب هَين لين سهل " وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام:
" لَيْسَ الشَّديد بالصرعة إِنَّمَا الشَّديد الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب ".
وَمِنْهَا الصَّبْر، وَهُوَ عدم انقياد النَّفس لداعية الدعة والهلع. والشهوة. والبطر. وَإِظْهَار السِّرّ. وصرم الْمَوَدَّة وَغير ذَلِك. فيسمى باسام حسب تِلْكَ الداعية، وَقَالَ الله تَعَالَى:
{إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب} .
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" وَمَا أُوتِيَ أحد عَطاء أفضل وأوسع من الصَّبْر " وَقد أَمر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمظان الْعَدَالَة، وَنبهَ على مُعظم أَبْوَابهَا، وَبَين محَاسِن الرَّحْمَة بِخلق الله، وَرغب فِيهَا، وَذكر أقسامها من تألف أهل الْمنزل ومعاشرة أهل الْحَيّ وَأهل الْمَدِينَة وتوفير عُظَمَاء الْملَّة وتنزيل كل وَاحِد منزلَة.
وَنَذْكُر من ذَلِك أَحَادِيث تكون أنموذجا لهَذَا الْبَاب؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" اتَّقوا الظُّلم فَإِن الظُّلم ظلمات يَوْم الْقِيَامَة " وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِن الله حرم عَلَيْكُم دماءكم وَأَمْوَالكُمْ كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا فِي بلدكم هَذَا " " الْمُسلم من سلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده " " وَالله لَا يَأْخُذ أحدكُم شَيْئا بِغَيْر حَقه إِلَّا لَقِي الله يحملهُ يَوْم الْقِيَامَة فَلَا عرفن أحدا مِنْكُم لَقِي الله يحمل بَعِيرًا لَهُ رُغَاء. أَو بقرة لَهَا خوار أَو شَاة تَيْعر " وَقَالَ: " من ظلم قيد شبر من الأَرْض
طوقه من سبع أَرضين " وَقد ذكر سره فِي الزَّكَاة، " وَالْمُؤمن لِلْمُؤمنِ كالبنيان يشد بعضه بَعْضًا " "

(2/134)


وَمثل الْمُؤمنِينَ فِي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الْجَسَد، إِذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْو تداعى لَهُ سَائِر الْجَسَد بالسهر والحمى " " من لَا يرحم النَّاس لَا يرحمه الله " " الْمُسلم أَخُو الْمُسلم لَا يَظْلمه، وَلَا يُسلمهُ " " من كَانَ فِي حَاجَة أَخِيه كَانَ الله فِي حَاجته وَمن فرج عَن مُسلم كربَة فرج الله عَنهُ بهَا كربَة من كرب يَوْم الْقِيَامَة، وَمن ستر مُسلما ستره الله يَوْم الْقِيَامَة، اشفعوا تؤجروا، وَيَقْضِي الله على لِسَان نبيه مَا يحب " وَقَالَ: " تعدل بَين اثْنَيْنِ صَدَقَة، وَتعين الرجل فِي دَابَّته، فتحمله، أَو ترفع لَهُ مَتَاعه صَدَقَة، والكلمة الطّيبَة صَدَقَة " وَقَالَ فِي ضعفاء الْمُهَاجِرين: " لَئِن كنت أغضبتهم فقد أغضبت رَبك " وَقَالَ: " أَنا وكافل الْيَتِيم فِي الْجنَّة هَكَذَا، وَأَشَارَ بالسبابة وَالْوُسْطَى " " السَّاعِي على الأرملة والمسكين كالمجاهد فِي سَبِيل الله " من ابْتُلِيَ من هَذِه الْبَنَات بِشَيْء فَأحْسن إلَيْهِنَّ كن لَهُ سترا من النَّار " " اسْتَوْصُوا بِالنسَاء، فَإِن الْمَرْأَة خلقت من ضلع، وَأَن أَعْوَج مَا فِي الضلع أَعْلَاهُ، فَإِن ذهبت تُقِيمهُ كَسرته "؛
وَقَالَ فِي حق الزَّوْجَة: " أَن تطعمها إِذا طعمت، وتكسوها إِذا اكتسيت وَلَا تضرب الْوَجْه، وَلَا تقبح وَلَا تهجر إِلَّا فِي الْبَيْت " " إِذا دَعَا الرجل امْرَأَته إِلَى الْفراش، فَلم تأته، فَبَاتَ غَضْبَان عَلَيْهَا لعنتها الْمَلَائِكَة حَتَّى تصبح " " لَا يحل لامْرَأَة أَن تَصُوم وَزوجهَا شَاهد إِلَّا بأذنه، وَلَا تَأذن فِي بَيته إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَو كنت أمرا أحدا أَن يسْجد لأحد لأمرت الْمَرْأَة أَن تسْجد لزَوجهَا " " أَيّمَا امْرَأَة مَاتَت، وَزوجهَا عَنْهَا رَاض دخلت الْجنَّة " " دِينَار أنفقته فِي سَبِيل الله ودينار أنفقته فِي رَقَبَة، ودينار أنفقهُ على مِسْكين، ودينار أنفقته على أهلك، وَأَعْظَمهَا أجرا الَّذِي أنفقته على أهلك " إِذا أنْفق
الرجل على أَهله نَفَقَة يحتسبها فَهُوَ لَهُ صَدَقَة " "

(2/135)


مَا زَالَ جِبْرِيل يوصيني بالجار حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيورثه " " يَا أَبَا ذَر إِذا طبخت مرقا فَأكْثر ماءها، وتعاهد جيرانك " " من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يُؤْذِي جَاره " " وَالله لَا يُؤمن الَّذِي لَا يَأْمَن جَاره بوائقه " قَالَ الله تَعَالَى للرحم: " أَلا ترْضينَ أَن أصل من وصلك وأقطع من قَطعك " " من أحب أَن يبسط لَهُ فِي رزقه، وينسأ فِي أَثَره فَليصل رَحمَه " " من الْكَبَائِر عقوق الْوَالِدين " وَمن البائر شتم الرجل وَالِديهِ، يسب أَبَا الرجل، فيسب أَبَاهُ، ويسب أمه، فيسب أمه " " سُئِلَ هَل بقى من بر أَبَوي شَيْء أبرهما بِهِ بعد مَوْتهمَا فَقَالَ نعم: الصَّلَاة عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَار لَهما وإنفاذ عهدهما من بعدهمَا، وصلَة الرَّحِم الَّتِي لَا توصل إِلَّا بهما، وإكرام صديقهما " " وَإِن من إجلال الله إكرام ذِي الشيبة الْمُسلم، وحامل الْقُرْآن غير الغالي فِيهِ والجافي عَنهُ، وإكرام ذِي السُّلْطَان المقسط " " لَيْسَ منا من لم يرحم صَغِيرنَا، وَلم يعرف شرف كَبِيرنَا " " أنزلوا النَّاس مَنَازِلهمْ " " من عَاد مَرِيضا أَو زار أَخا لَهُ فِي الله ناداه مُنَاد بِأَن طبت، وطاب ممشاك، وبوئت من الْجنَّة منزلا " فَهَذِهِ الأحايث وأمثالها كلهَا تنبه على خلق الْعَدَالَة وَحسن الْمُشَاركَة.