فقه
النوازل " 7 "
بيع المواعدة
المرابحة في المصارف الإسلامية
وحديث " لا تبع ما ليس عندك "
(2/63)
الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فهذه مجموعة أبحاث في تصور ، وحكم (بيع
المواعدة) الجاري في
المصارف الإسلامية باسم (بيع المرابحة للآمر
بالشراء) في بعض صوره .
وإنما اخترت تلقيبها باسم (بيع المواعدة)
لأنها في جميع صورها مبنية على
الوعد ملتزماً به كان أو غير ملتزم ، ولئلا
تختلط على البعض مع (بيع
المرابحة) المحرر عند متقدمي الفقهاء رحمهم
الله تعالى - في (بيوع
الأمان) .
وعلى أن صورتها تدخل تحت اسم (السلَم الحالّ)
المنهي عنه في
قصة حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه كما في
(زاد المعاد) ويأتي نقله
في المبحث السادس وسترى في (المبحث الثاني)
موقعها الصحيح من
مباحث الفقهاء .
وهذه المجموعة من الأبحاث معقودة فيما يلي :
1- المبحث الأول : بيع المرابحة في اصطلاح
متقدمي الفقهاء .
2- المبحث الثاني : في مدى لزوم الوفاء بالوعد
.
3- المبحث الثالث : المؤلفات والبحوث فيها .
4- المبحث الرابع : صور بيع المرابحة في
المصارف الإسلامية .
5- المبحث الخامس : سبب وجودها في المصارف
الإسلامية .
(2/65)
6- المبحث
السادس : حكمها .
7- المبحث السابع : في ضوابطها الشرعية .
فإلى بيانها ، والله ولي الهداية والتوفيق
(2/66)
المبحث الأول
بيع المرابحة عند متقدمي الفقهاء (1)
يستقرئ بعض أهل العلم أنواع البيوع فيجعلها
أربعة :
1- بيع المساومة ، ويقال : المماكسة ، أو
المكايسة .
2- بيع المزايدة .
3- بيع المرابحة .
4- بيع الأمانة .
ومنهم من يجعل بيع المرابحة منه ، فتكون
أقسامه ثلاثة :
بيع المرابحة : وهو البيع بأزيد من رأس المال
.
بيع الوضيعة : وهو البيع بأنقص من رأس المال .
بيع التولية : وهو البيع برأس المال سواء .
وإنما سميت هذه (بيوع أمان) للإتمان بين
الطرفين على صحة خبر
رب السلعة بمقدار رأس المال .
فبيع المرابحة مثلاً : حقيقته بيع السلعة
بثمنها المعلوم بين
المتعاقدين ، بربح معلوم بينهما . ويسمى أيضاً
(بيع السلم الحال) (2) .
__________
(1) أبحاثها منتشرة عند الفقهاء في كتاب
البيوع كما ستراه في المراجع اللاحقة .
(2) زاد المعاد : 4 / 265 .
(2/67)
فيقول رب
السلعة : رأس مالي فيها مائة ريال ، أبيعك
إياها به وربح
عشرة ريالات .
وهذا هو معنى ما هو جارٍ على الألسنة من قولهم
: اشتريت السلعة
مرابحة ، أو بعتها مرابحة .
وركن هذا العقد : هو العلم بين المتعاقدين
بمقدار الثمن ومقدار
الربح ، فحيث توفر العلم منها فهو بيع صحيح
وإلا فباطل .
وهذه الصورة من البيوع (بيع المرابحة) جائزة
بلا خلاف بين أهل
العلم ، كما ذكره ابن قدامه (1) ، بل حكى ابن
هبيرة (2) : الإجماع عليه ،
وكذا الكاساني (3) .
والخلاف في الكراهة تنزيهاً ، وهو رواية عن
الإمام أحمد رحمه الله
تعالى ، وروي عن ابن عمر ، وابن عباس - رضي
الله عنهم - وعن الحسن ،
ومسروق وعكرمة ، وعطاء بن يسار - رحمهم الله
تعالى -
وقد عللت الكراهة تنزيهاً بأن فيه جهالة ،
فيما إذا قال : بعتكه برأسماله
مائة ريال ، وربح درهم في كل عشرة ، فالجهالة
أن المشتري يحتاج إلى
جمع الحساب ليعلم مقدار الربح ، لكن هذه
الجهالة مرتفعة لأنها تعلم
بالحساب ، بل لا ينبغي وصفها بالجهالة ، وليس
فيها تغرير ولا مخاطرة .
وهذه العلة هي مستند ما يُحكى عن ابن راهويه -
رحمه الله تعالى -
من قوله بعدم الجواز .
__________
(1) المغني : 4 / 259 .
(2) الإفصاح : 2 / 350 .
(3) بدائع الصنائع : 7 / 92 .
(2/68)
وقد علمت
ارتفاعها بالحساب ، على أن من وراء ذلك الوقوف
على
صحة السند المروي .
فصح الاتفاق إذاً حكماً على الجواز ، وطرداً
لقاعدة الشريعة من أن
الأصل في المعاملات الجواز والحل حتى يقوم
دليل على المنع .
هذا هو بيع المرابحة المسطر في كتب أهل العلم
تحت هذا اللقب
في : أبواب البيوع ، وفي مطاويه صور وفروع .
وما زال الناس يتوارثون
العمل به في معاملاتهم بأسواقهم من غير نكير .
لكن هذه الصورة غير مرادة في هذه الرسالة ،
وإنما جاء الحديث عنها
للاشتراك اللفظي مع (بيع المرابحة للآمر
بالشراء) في صورته الحادثة
المتعامل بها في المصارف الإسلامية ، فلينظر :
هل يشتركان في حكم الجواز ؟ كما اشتركا في
الاسم أم أن الحكم
هو التحريم بإطلاق أم بتفصيل هذا ما ستراه -
إن شاء الله تعالى - في
أبحاث هذه الرسالة .
(2/69)
المبحث الثاني
في مدى لزوم الوفاء بالوعد ديانة وقضاء (1)
__________
(1) مباحثه مشتركة بين المفسرين ، والمحدثين ،
والفقهاء ، وكتب الرقائق ، فانظر :
تفسير قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا
أوفوا بالعقود } سورة المائدة / 1 وقوله
تعالى : { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان
صادق الوعد وكان رسولاً نبياً } تفسير
القرطبي . أضواء البيان 4 / 322 - 328 مهم .
أحكام القرآن للجصاص 2 / 363 ،
وغيرها . تفسير القرطبي 1 / 248 - 8 / 31 ،
210 ، 211 - 6 / 33 ، 32 - 9 / 208 -
209 - 11 / 115 - 18 / 79 ، 80 ، 81 . رسائل
الإصلاح لمحمد خضر حسين
2 / 99 عارضة الأحوذي . وفتح الباري في
السلفية 6 / 242 كتاب فرض الخمس
5 / 222 كتب الهبة 5 / 289 كتاب الشهادات 5 /
319 . كتاب الشروط 5 / 359 .
وكتاب الوصايا منه . المقاصد الحسنة للسخاوي .
الجامع الصغير للسيوطي .
كشف الخفاء للعجلوني في أطراف الأحاديث :
العدة دين . وأي الواعد دين ...
إلخ . التمهيد لابن عبد البر 3 / 206 - 214
مهم . والمحلى 8 / 28 . شرح
المنهاج 2 / 260 . الفروق للقرافي 4 / 21 - 25
الفرق رقم / 214 . فتاوى عليش
1 / 254 . كشاف القناع 6 / 284 . المجلة بشرح
الأتاسي 1 / 238 . أعلام
الموقعين 1 / 385 - 387 . الغرر وأثره في
العقود للصديق الضرير ص / 7 - 10 .
الأذكار للنووي ص / 270 . الأدب المفرد .
وللسخاوي رسالة باسم (التماس السعد
في الوفاء بالوعد) كما في مادة (وعد) من (تاج
العروس) ولغيره : القول السديد
في خلف الوعيد للقاري . إخلاص الوداد في صدق
الميعاد لمرعي الكرمي
الحنبلي . القول السديد في عدم جواز خلف
الوعيد للنابلسي . كما في حروفها =
(2/70)
بحث مدى لزم
الوفاء بالوعد أساس في معرفة الحكم في هذه
المعاملة .
أجمع المسلمون على أن الوفاء بالوعد (العهد)
محمود وأن إخلاف
الوعد (العهد) وعدم الوفاء به مذموم . وقد
أثنى الله تعالى على رسوله ونبيه
إسماعيل أنه كان صادق الوعد فقال سبحانه : {
وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ
إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ
رَسُولًا نَبِيًّا }
وهو بدليل مخالفته يفيد أن إخلاف الوعد مذموم
. وهذا المفهوم قد
جاء مصرحاً به في آيات من الكتاب كما في قوله
تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ
. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ
تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } .
وقال تعالى : { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي
قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا
أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا
وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } .
والسنة جاءت بهذا . ومنه حديث أبي هريرة رضي
الله عنه أن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
(آية المنافق ثلاث : إذا وعد أخلف ...) الحديث
.
هذا من حيث الوفاء بالوعد بصفة عامة . أما
(الوعد المالي) فإن العلماء
يجرون الخلاف في حكم الوفاء به (قضاء) (على
أساس حقيقته
الاصطلاحية التي تواضعوا عليها وهي كما قال
ابن عرفة المالكي - رحمه
الله تعالى - (1) : العدة : (إخبار عن إنشاء
المُخبر معروفاً في المستقبل) .
فهو (الوعد بالمعروف) وعلى هذا يدور كلامهم في
حكم الإلزام كما حكى
__________
= من (كشف الظنون) وذيليه .
(1) الحدود لابن عرفة ، وانظر : فتاوى عليش 1
/ 254 ، الأذكار ص / 270 . الأدب
المفرد مع شرحه بيع المرابحة للشيخ الأشقر وهو
مهم .
(2/71)
الشيخ عليش
الخلاف بعد بيان الحقيقة المذكورة له .
وعليه تجده مبحثاً مشتركاً بين : المفسرين ،
والمحدثين ، والفقهاء ،
وكتب الرقائق وفضائل الأعمال ، كما ساق
البخاري رحمه الله تعالى بعض
الأحاديث في (العدة) في كتابه (الأدب المفرد)
والنووي في (الأذكار) .
أما هذا النوع الجديد من (الوعد التجاري) الذي
يريد به العمل مع
المصرف : تداول سلعة بالثمن والربح ولما تحصل
ملكيتها بعد فإن
خلافهم في (الوعد) لا ينسحب على هذا بل هو
يتنزل على حد حديث
حكيم بن حزام وما في معناه " لا تبع ما ليس
عندك " . وعلى مسألة البيع
المعلق .
فتحرر من هذا عقود المعاوضات ، وهي التي يقصد
بها تحصيل
المنافع وإدرار الربح لا تدخل في المواعدة هذه
وخلافهم فيها ، إذ جميع
الأمثلة التي يسوقها العلماء على إثر الخلاف
في (لزوم الوفاء بالوعد من
عدمه إنما هو فيما سبيله الإرفاق المعروف لا
(الكسب التجاري) (1) .
ولهذا فإن (عقد الاستصناع) - وهو : عقد على
بيع عين موصوفة في
الذمة مطلوب صنعها - يقرر من قال به أنه عقد
لا وعد ، فهو من عقود
المعاوضات الخالية من الغرر (2)
وبناء على جميع ما تقدم فإن أهل العلم يذكرون
هذه الصورة من
المبيع في " بيوع المعاوضات المحرمة "
فيذكرونها في :
__________
(1) تحرير هذا في : بيع المرابحة للأشقر ص /
32 - 33 مهم .
(2) الغرر ص / 457 - 458 .
(2/72)
1- بيع العينة
.
2- وفي الحيل المحرمة .
3- وفي شرح حديث حكيم وغيره " لاتبع ما ليس
عندك " .
4- وفي : بيوع الغرر .
5- وفي : تعليق العقود بالشروط .
لهذا : فإن جماعة من الباحثين المعاصرين وهموا
بإجراء البحث فيها
تفريعاً على (حكم الوعد هل هو ملزم أم غير
ملزم) فأوْهموا الدارسين لهذه
المعاملة ، والذي نعرفه نجا من هذا ممن كتب
فيها بحثاً أو فتيا :
1- شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز في فتواه
حيث خرّجها على
حديث " لا تبع ما ليس عندك " .
2- وتلميذه الشيخ العلامة محمد الأشقر في
رسالة (بيع المرابحة) .
فإذا أخلف الواعد وعده ، هل يلزم به قضاء
وحكماً . الخلاف في هذا على
أقوال ثلاثة :
القول الأول : عدم الإلزام بالوفاء به مطلقاً
.
وهو مذهب الجمهور منهم : الثلاثة ورواية عن
مالك ، ومذهب داود ،
وابن حزم . وقد حكى عليه الإجماع : المهلب ،
وابن بطال ، وابن عبد
البر ، وتعقبه الحافظ ابن حجر بوجود المخالف
لكنه قليل .
القول الثاني : الإلزام بالوفاء بالوعد مطلقاً
.
قال به : عمر بن عبد العزيز ، وابن الأشوع
الهمداني الكوفي ، وابن
شبرمة .
(2/73)
القول الثالث :
إن أدخل الواعد بوعده في (ورطة) لزم الوفاء به
وإلا
فلا يلزم الوفاء به . وهو رواية عن مالك رحمه
الله تعالى .
ومثاله : من قال لرجل تزوج . فقال : ليس عندي
ما أصدق به الزوجة .
فقال : تزوج والتزم لها الصداق وأنا أدفع عنك
، فتزوج على هذا الأساس
فقد احتمل الوعد (ورطة) فيلزم الوفاء به .
أدلة القول الأول :
وهو قول الجمهور من عدم الإلزام بالرد قضاءً
مطلقاً فقد استدل له
بالإجماع على أن الموعود لا يضارب بما وعد به
مع الغرماء . حكاه :
المهلب ، وابن بطال ، وابن عبد البر ، قال
المهلب (1) : " إنجاز الوعد مأمور
به مندوب إليه عند الجميع ، وليس بفرض
لاتفاقهم على أن الموعود لا
يضارب بما وعد به مع الغرماء) اهـ .
وقال ابن بطال (2) : " لم يرو أحد من السلف
وجوب القضاء بالعدة ،
أي مطلقاً ، وإنما نقل عن مالك أنه يجب منه ما
كان بسبب " اهـ .
وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى تعقب
الإجماع في ذلك
فقال (3) : " ونقل الإجماع في ذلك مردود ، فإن
الخلاف مشهور لكن القائل
به قليل ، وقال ابن عبد البر وابن العربي :
أجلُّ من قال به عمر بن عبد
العزيز" اهـ .
__________
(1) فتح الباري 5 / 290 .
(2) فتح الباري 5 / 222 .
(3) فتح الباري 5 / 290 .
(2/74)
ووجه هذا القول
من حيث النظر : أنه وعد بمعروف محض (1) ، ولا
سبيل عليه بالإلزام في المعروف . والله أعلم
واستدل له أيضاً بالهبة فإنها لا تتم عند
الجمهور إلا بالقبض خلافاً
للمالكية . وذلك يقتضي على مذهب الجمهور : عدم
الحكم بها قضاء فيما
لو رجع الواهب عنها قبل قبض الموهوب إياها .
وعليه :
فإذا كانت الهبة لا تلزم إلا بالقبض فكيف يلزم
بالهبة لو وعده بها
مجرد وعد إذا قال له : سوف أهبك إياها (2) .
ولهذا استدل بهذا الفرع على وجوب الوفاء
بالوعد : ابن قدامه في
(المغني) والنووي في (الأذكار) وقال :
(واستدل من لم يوجبه بأنه في معنى الهبة ،
والهبة لا تلزم إلا بالقبض
عند الجمهور ، وعند المالكية قبل القبض) اهـ .
أدلة القول الثاني :
الإلزام به - النصوص المتقدمة ، ومنها أيضاً
حديث " العدة دين " رواه
عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً الطبراني
في (الأوسط) ، والقضاعي
وأبو نعيم ، والبخاري في : الأدب المفرد
والديلمي ، والخرائطي في " مكارم
الأخلاق " وأبو داود في " المراسيل " ، وابن
أبي الدنيا في (الصمت) ، وغيرهم
__________
(1) أضواء البيان 4 / 325 .
(2) المغني 4 / 594 . الأذكار للنووي ص / 270
. ورسالة الشيخ الأشقر : بيع
المرابحة ص / 25 ، 41 .
(2/75)
جميعهم بألفاظ
متقاربة وأسانيده لا تخلو من ضعف (1) .
القول الثالث - القائل بالتفصيل - (2) :
إن احتمل ورطة ألزم به قضاء وإلا فلا ، فحجته
عموم حديث رفع
الضرر في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " لا ضرر ولا ضرار " .
قال شيخنا الأمين - رحمه الله تعالى- في
(أضواء البيان) بعد أن ساق
الخلاف محرراً : (الذي يظهر لي في هذه المسألة
والله تعالى أعلم : أن
إخلاف الوعد لا يجوز لكونه من علامات
المنافقين ، ولأن الله تعالى يقول
{ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ
تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } وظاهر عمومه
يشمل إخلاف
الوعد ، ولكن الواعد إذا امتنع عن إنجاز الوعد
لا يحكم عليه به ولا يلزم
به جبراً بل يؤمر به ولا يجبر عليه ، لأن أكثر
علماء الأمة على أنه لا يجبر
الوفاء به لأنه وعد بمعروف محض ، والعلم عند
الله تعالى اهـ .
__________
(1) كشف الخفاء ، وفيض القدير ، وأضواء البيان
4 / 323 - 324 ، والمقاصد الحسنة
للسخاوي وقد أفرد هذا الحديث بجزء كما ذكره في
المقاصد . وفي تاج العروس
للزبيدي في مادة (وعد) ذكر اسمها (التماس
السعد في الوفاء بالوعد) .
(2) فتح الباري : 5 / 222 ، 290 .
(2/76)
المبحث الثالث
البحوث والمؤلفات في هذه النازلة
تم الوقوف على المؤلفات والأبحاث الآتية :
1- بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية .
تأليف : محمد بن
سليمان الأشقر . طبع : عام 1404 هـ . نشر
مكتبة الفلاح بالكويت .
2- فقه المرابحة في التطبيق الاقتصادي المعاصر
. تأليف : عبد
الحميد بن محمود البعلي . نشر مكتبة السلام
العالمية بالقاهرة .
3- بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه
المصارف الإسلامية .
تأليف : يوسف القرضاوي . طبع دار القلم
بالكويت عام 1405 هـ .
4- المرابحة : أصولها وأحكامها وتطبيقاتها في
المصارف الإسلامية .
تأليف : أحمد علي عبد الله . نشر : الدار
السودانية . الخرطوم . عام
1407 هـ .
5- كشف الغطاء عن بيع المرابحة للآمر بالشراء
. تأليف : رفيق
المصري .
6- الموسوعة العلمية والعملية للبنوك
الإسلامية ... الاتحاد الدولي
للبنوك الإسلامية .
(2/77)
7- المرابحة في
البنوك الإسلامية ومناقشة وضعها على ضوء
الأدلة .
تأليف : بدر بن عبد الله المطوع . نشر مطبعة
الجذور بالكويت .
8- الاستثمار اللاربوي في نطاق عقد المرابحة .
بحث : حسن بن عبد
الله الأمين .
9- تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة
الإسلامية . سامي
حمود - الأردن .
10- الودائع المصرفية واستثمارها في الإسلام ص
/ 325 - 330 .
حسن عبد الله الأمين . السودان .
وقد عقد لمناقشتها عدد من الندوات وفي عدد من
مؤتمرات المصارف
الإسلامية والمجامع وصدرت فيها عدة فتاوى .
منها :
1- المؤتمر الدولي الثاني للاقتصاد الإسلامي
المنعقد في : إسلام آباد
في باكستان عام 1983 م .
2- مؤتمر المصرف الإسلامي الأول بدُبي عام
1399 هـ .
3- مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني بالكويت عام
1403 هـ .
4- المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية /
عمان عام
1407 هـ .
5- فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز /
السعودية .
6- فتوى الشيخ بدر المتولي عبد الباسط /
الكويت .
(2/78)
المبحث الرابع
صور بيع المواعدة
وفيه : الصورة الجارية في المصارف الإسلامية
(بيع المرابحة للآمر
بالشراء) . بالتتبع يمكن أن تكون صور بيع
المواعدة ، أو يقال صور بيع
المرابحة للآمر بالشراء) كما يلي :
الصورة الأولى : وتنبني على التواعد غير
الملزم بين الطرفين مع عدم
ذكر مسبق لمقدار الربح .
وهي : أن يرغب العميل شراء سلعة بعينها فيذهب
إلى المصرف
ويقول : اشتروا هذه البضاعة لأنفسكم ولي رغبة
بشرائها بثمن مؤجل أو
معجل بربح ، أو سأربحكم فيها .
الصورة الثانية : وتنبني على التواعد غير
الملزم بين الطرفين ، مع ذكر
مقدار ما سيبذله من ربح .
وهي : أن يرغب العميل شراء سلعة معينة ذاتها
أو جنسها ،
فيذهب إلى المصرف ويقول : اشتروا هذه السلعة
لأنفسكم ، ولي رغبة
بشرائها بثمن مؤجل أو معجل ، وسأربحكم زيادة
عن رأس المال : ألف
ريال مثلاً .
الصورة الثالثة : وتنبني على المواعدة الملزمة
بالاتفاق بين الطرفين ،
(2/79)
مع ذكر مقدار
الربح .
وهي : أن يرغب العميل شراء سلعة معينة ذاتها
أو جنسها
المنضبطة عينها بالوصف ، فيذهب إلى المصرف
ويتفقان على أن يقوم
المصرف ملتزماً بشراء البضاعة من عقار أو آلات
أو نحو ذلك ، ويلتزم
العميل بشرائها من المصرف بعد ذلك ، ويلتزم
المصرف ببيعها للعميل
بثمن اتفقا عليه مقداراً أو أجلاً أو ربحاً .
(2/80)
المبحث الخامس
سبب وجودها
تئن الديار الإسلامية من المعاملات الربوية
الضاربة بجرانها في البنوك
والمصارف الربوية ، ومن دور المحاربة لله
ولرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وأكبر مركز يهز
الاقتصاد ويخرب الديار ، ويمتص روح الحياء
والحياة ، ويؤول بالأمة إلى
جمع فقير غارم .
وفي طليعة المعاملات التي يهرع إليها كثيرون
(صريح الربا) المجلل
بالاسم الكاذب (القرض بالفائدة) .
وإن من مآثر المد الإسلامي المعاصر : حركة
المصارف والبنوك
الإسلامية ، فكان حقيقاً عليها إيجاد
المعاملات الإسلامية لرد الأمة في
معاملاتها إلى دين الله وشرعه ، وكف الدخيل
عليها .
فكما ولد المسلم من نكاح بعقد شرعي فَلْيَسِرْ
في حياته وكسبه وما
فيه قوام دينه ودنياه على جادة العقود الشرعية
المتخلصة من الربا وضرره .
فرفضاً لذلك الربا الصريح (القرض بفائدة) ،
صار إيجاد المصارف
الإسلامية لهذه المعاملة التي أطلق عليها اسم
: بيع المرابحة ، أو بيع
المرابحة للآمر بالشراء ، والذي يناسب أن يطلق
عليها اسم : (بيع
المواعدة) . لأن فيه وعداً من الطرفين : وعداً
من العميل بالشراء من البنك ،
(2/81)
ووعداً من
البنك بشراء السلعة وبيعها عليه . والمواعدة
في هذا البيع ملزمة
أو غير ملزمة هي أساس الاختلاف فيه حِلاًّ
وحرمة فصارت تسميته (بيع
مواعدة) أولى ، والأسماء قوالب للمعاني .
فهل هذه المعاملة كالقرض بالفائدة في التحريم
؟ أم تجوز مطلقاً أم
فيها تفصيل ؟ كما يوضحه المبحث التالي . والله
أعلم .
(2/82)
المبحث السادس
حكمها
وَهِلَ جماعة من الباحثين في أبحاثهم فحسبوها
من نوازل العصر
وقضاياه ، فصار الوقوع في أنواع من الغلط
والوهم ، سيأتي التنبيه عليها
بَعْدُ - إن شاء الله تعالى - في هذا المبحث .
والحال أن هذا الفرع الفقهي بصوره مدوَّن عند
الفقهاء المتقدمين في
مباحث الحيل ، والبيوع ، فهو عند : محمد بن
الحسن الشيباني في كتاب
(الحيل) ص / 79 ، ص / 127 ، ومالك في (الموطأ)
ومعه (المنتقى للباجي)
ص / 38 - 39 ، والشافعي في (الأم) 3 / 39 ،
وابن القيم في (أعلام
الموقعين) 4 / 39 . وغيرها كثير .
وهذه نصوصهم فيها :
1- الحنفية :
ففي كتاب (الحيل) لمحمد بن الحسن الشيباني قال
: (قلت : أرأيت
رجلاً أمر رجلاً أن يشتري داراً بألف درهم ،
وأخبره أنه إن فعل اشتراها
الآمر بألف درهم ومائة درهم ، فأراد المأمور
شراء الدار ، ثم خاف إن
اشتراها أن يبدو للآمر فلا يأخذها . فتبقى في
يد المأمور ، كيف الحيلة في
ذلك . ؟
(2/83)
قال : يشتري
المأمور الدار على أنه بالخيار ثلاثة أيام ،
ويقبضها ،
ويجيء الآمر ويبدأ فيقول : قد أخذت منك هذه
الدار بألف ومائة درهم .
فيقول المأمور: هي لك بذلك ، فيكون ذلك للآمر
لازماً ، ويكون استيجاباً
من المأمور للمشتري أي ولا يقل المأمور
مبتدئاً : بعتك إياها بألف ومائة ،
لأن خياره يسقط بذلك فيفقد حقه في إعادة البيت
إلى بائعه ، وإن لم
يرغب الآمر في شرائها تمكن المأمور من ردها
بشرط الخيار ، يدفع عنه
الضرر بذلك) اهـ .
وفي الموطأ للإمام مالك رحمه الله تعالى في :
باب بيعتين في
بيعة : " أنه بلغه أن رجلاً قال لرجل : ابتع
لي هذا البعير بنقد حتى أبتاعه
منك إلى أجل فسأل عن ذلك عبد الله بن عمر
فكرهه ونهى عنه " اهـ .
والمسألة مبسوطة لدى المالكية كما في (1)
المنتقى للباجي 5 / 38 -
39 ، والكافي لابن عبد البر . والمقدمات لابن
رشد 2 / 537 ، وخليل في :
المختصر ، وشرَّاحه كافة .
وهذا نص ابن رشد في (المقدمات) (2) : (فصل :
والعينة على ثلاثة
أوجُه : جائزة ومكروهة ومحظورة ، فالجائزة أن
يمر بالرجل من أهل العينة
فيقول له : هل عندك سلعة أبتاعها منك فيقول له
: لا ، فيخبره أنه قد
اشترى السلعة التي سأل عنها فيبيعها بما شاء
من نقد أو نسيئة .
والمكروهة : أن يقول له اشتر سلعة كذا وكذا
فأنا أربحك فيها
وأشتريها منك من غير أن يراوضه على الربح .
__________
(1) انظر بيع المرابحة للأشقر ص / 34 .
(2) المقدمات : 2 / 537 - 539 .
(2/84)
والمحظورة :
الأولى : أن يراوضه على الربح فيقول له اشتر
سلعة كذا
وكذا بعشرة دراهم نقداً وأنا أبتاعها منك
باثني عشر نقداً .
والثانية : أن يقول له اشترها لي بعشرة نقداً
وأنا أشتريها منك باثني
عشر إلى أجل.
والثالثة : عكسها وهي أن يقول له اشترها لي
باثني عشر إلى أجل وأنا
أشتريها منك بعشرة نقداً .
والرابعة : أن يقول له اشترها لنفسك بعشرة
نقداً وأنا أشتريها منك
باثني عشر نقداً .
والخامسة : أن يقول له اشترها لنفسك بعشرة
نقداً وأنا أبتاعها منك
باثني عشر إلى أجل.
والسادسة : عكسها وهي أن يقول له اشترها لنفسك
أو اشتر ولا يزيد
على ذلك باثني عشر إلى أجل وأنا أبتاعها منك
بعشرة نقداً .
فأما الأول وهو أن يقول اشترها لي بعشرة نقداً
وأنا أشتريها منك باثني
عشر نقداً فالمأمور أجير على شراء السلعة
للآمر بدينارين ، لأنه إنما
اشتراها له .
وقوله : (وأنا أشتريها منك) لغو لا معنى له ،
لأن العقدة له بأمره فإن
كان النقد من عند الآمر أو من عند المأمور
بغير شرط فذلك جائز وإن كان
النقد من عند المأمور بشرط فهي إجارة فاسدة ،
لأنه إنما أعطاه الدينارين
أن يبتاع له السلعة بالنقد من عنده الثمن عنه
فهي إجارة وسلف ويكون
للمأمور إجارة مثله إلا أن تكون أجرة مثله
أكثر من الدينارين فلا يزاد
عليهما على مذهب ابن القاسم في البيع والسلف
إذا كان السلف من غير
(2/85)
البائع ، وفاتت
السلعة أن للبائع أقل من القيمة بالغة ما بلغت
يلزم أن يكون
للمأمور هاهنا أجرة مثله بالغة ما بلغت وإن
كانت أكثر من الدينارين ،
والأصح أن لا تكون له أجرة ، لأنا إن جعلنا
الأجرة كانت للسلف فكان
تتميماً للربى الذي عقدا فيه وهو قول سعيد بن
المسيب : فهي ثلاثة أقوال
فيما يكون له من الأجرة إذا نقد المأمور الثمن
بشرط وهذا إذا عثر على
الأمر يحدثانه ورد السلف إلى المأمور قبل أن
ينتفع به الآمر وأما إن لم
يعثر على الأمر حتى انتفع الآمر بالسلف قدوماً
يرى أنهما كانا قصداً فلا
يكون في المسألة إلا قولان :
أحدهما : أن للمأمور أجرته بالغة ما بلغت .
الثاني : أنه لا شيء له ولو عثر على الأمر قبل
الابتياع وقبل أن ينقد
المأمور الثمن لكان النقد من عند الآمر ولكان
فيما يكون للأجير قولان :
أحدهما : أن له إجارة مثله بالغة ما بلغت .
الثاني : أن له الأقل من إجارة مثله أو
الدينارين ، وابن حبيب يرى أن
المأمور إذا نقد فقد تقدم الحرام بينهما فتدبر
ذلك .
وأما الثانية وهو أن يقول اشتر لي سلعة كذا
بعشرة نقداً وأنا أبتاعها
منك باثني عشر إلى أجل فذلك حرام لا يحل ولا
يجوز لأنه رجل ازداد
في سلفه فإن وقع ذلك لزمت السلعة للآمر لأن
الشراء كان له وإنما أسلفه
المأمور ثمنها ليأخذ به منه أكثر منه إلى أجل
، فيعطيه العشرة معجلة ويطرح
عنه ما أربى ، ويكون له جعل مثله بالغاً ما
بلغ ، في قول ، والأقل من
جُعْلِ مثلها أو الدينارين اللذين أربى بهما
في قول ، وفي قول سعيد بن
المسيب لا أجرة له بحال لأن ذلك تتميم للربا
كالمسألة المتقدمة قال في
(2/86)
سماع سحنون :
وإن لم تفت السلعة فسخ البيع وهو بعيد . فقيل
: معنى
ذلك إذا علم البائع الأول بعلمهما .
وأما الثالثة : هي أن يقول له اشترها لي باثني
عشر إلى أجل وأنا
أبتاعها منك بعشرة نقداً فذلك أيضاً حرام لا
يجوز ، ومكروهه أنه استأجر
المأمور على أن يبتاع له السلعة بسلف عشرة
دنانير تدفع إليه ينتفع بها إلى
الأجل يردها إليه فيلزم الآمر السلعة باثني
عشر إلى أجل ولا يتعجل المأمور
منه العشرة النقد وإن كان قد دفعها إليه صرفها
عليه ولم تترك عنده إلى
الأجل وكان له جعْلُ مثله بالغاً ما بلغ في
هذا الوجه باتفاق .
وأما الرابعة : وهي أن يقول له اشتر سلعة كذا
بعشرة نقداً وأنا أشتريها
منك باثني عشر نقداً فاختلف في ذلك قول مالك
فمرة أجازه إذا كانت
البيعتان جميعاً بالنقد وانتقد ، ومرة كرهه
للمراوضة التي وقعت بينهما في
السلعة قبل أن تصير في ملك المأمور .
وأما الخامسة : وهي أن يقول اشتر لي سلعة كذا
بعشرة نقداً وأنا
أبتاعها منك باثني عشر إلى أجل فهذا لا يجوز ،
إلا أنه يختلف فيه إذا
وقع ، فروى سحنون عن ابن القاسم وحكاه عن مالك
أن الآمر يكره الشراء
باثني عشر إلى أجل لأن المشتري كان ضامناً لها
لو تلفت في يده قبل
أن يشتريها منه الآمر ، ولو أراد أن لا يأخذها
بعد اشتراء المأمور كان ذلك
له ، واستحب للمأمور أن يتورع فلا يأخذ من
الآمر إلا ما نقد في ثمنها .
وقال ابن حبيب : يفسخ البيع الثاني إن كانت
السلعة قائمة وترد إلى
المأمور فإن فاتت ردت إلى قيمتها معجلة يتم
قبضها الآمر كما يصنع بالبيع
الحرام لأنه كان على مواطأة بيعها قبل وجوبها
للمأمور فدخله بيع ما ليس
عندك .
(2/87)
وأما السادسة :
وهي أن يقول له اشترها لنفسك باثني عشر إلى
أجل
وأنا أبتاعها منك بعشرة نقداً . فروى سحنون عن
ابن القاسم أيضاً أن البيع
لا يرد إذا فات ولا يكون على الآمر إلا العشرة
، وأحب إليه أن لو أردفه
الخمسة الباقية لأن العقدة الأولى كانت
للمأمور ولو شاء المشتري لم
يشتر ، وقال ابن حبيب : يفسخ البيع الثاني على
كل حال كما يصنع بالبيع
الحرام للمواطأة التي كانت للبيع قبل وجوبها
للمأمور فإن فاتت ردت إلى
قيمتها يوم قبضها الثاني ، وهو ظاهر رواية
سحنون أن البيع يفسخ ما لم
تفت السلعة وبالله سبحانه وتعالى التوفيق وهو
الهادي إلي أقوم طريق .
وقال الدردير (في الشرح الصغير 3 / 129) قالوا
(1) :
" العينة : وهي بيع من طلبت منه سلعة للشراء
وليست عنده ، لطالبها
بعد شرائها - جائز ، إلا أن يقول الطالب :
اشترها بعشرة نقداً ، وأنا آخذها
منك باثني عشر إلى أجل فيمنع فيه من تهمة (سلف
جر نفعاً) ، لأنه كأنه
سلفه ثمن السلعة يأخذ عنها بعد الأجل اثني عشر
" اهـ .
وفي (الأم) للإمام الشافعي - رحمه الله تعالى
:
(إذا أرى الرجل الرجل : السلعة ، فقال :
اشترها وأربحك فيها كذا
فاشتراها الرجل فالشراء جائز ، والذي قال :
أربحك فيها بالخيار ، إن شاء
أحدث فيها بيعاً وإن شاء تركه .
وهكذا إن قال : اشتر لي متاعاً ووصفه له ، أو
متاعاً أي متاع شئت
وأنا أربحك فيه فكل هذا سواء .
__________
(1) بواسطة بيع المرابحة للأشقر ص / 37 .
(2/88)
ويجوز البيع
الأول ، ويكون فيما أعطى من نفسه بالخيار .
وسواء في
هذا ما وصفت إن كان قال : ابتعه وأشتريه منك
بنقد أو دين ، يجوز البيع
الأول ، ويكون بالخيار في البيع الآخر ، فإن
جدّداه جاز . وإن تبايعا به على
أن ألزما أنفسهما فهو من قبيل شيئين :
أحدهما : أنه تبايعاه قبل أن يملكه البائع .
والثاني : أنه على مخاطرة أنك إن اشتريته على
كذا أربحك فيه كذا .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في (أعلام
الموقعين) :
(المثال الموفي مائة - أي من أمثلة الحيل -
رجل قال لغيره : اشتر هذه
الدار أو هذه السلعة من فلان بكذا وكذا وأنا
أربحك فيها كذا وكذا ، فخاف
إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها ولا
يتمكن من الرد .
فالحيلة : أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة
أيام ، أو أكثر ثم يقول
للآمر : قد اشتريتها بما ذكرت ، فإن أخذها منه
وألا تمكن من ردها على
البائع بالخيار ، فإن لم يشترها الآمر إلا
بالخيار فالحيلة : أن يشترط له خياراً
أنقص من مدة الخيار ، التي اشترطها هو على
البائع ، ليتسع له زمن الرد
إن ردت عليه) اهـ .
هذه جملة من نصوص العلماء في هذا الفرع الفقهي
الذي تبنته
المصارف الإسلامية للتعامل به مع العميل لها
مستبعدة معاملة البنوك
التجارية الربوية من معاملة صريح الربا (القرض
بفائدة) .
ومن هذه النقول يتضح الحكم في كل واحد من
الصور الثلاث
المتقدمة على ما يلي :
(2/89)
الصورة الأولى
: التي تنبني على التواعد بين الطرفين - غير
الملزم مع
عدم ذكر مسبق لمقدار الربح وتراوض عليه -
فالظاهر الجواز : عند الحنفية
والمالكية والشافعية ، كما تقدم نقله من كلام
ابن رشد في المذهب
المالكي .
وذلك لأنه ليس في هذه الصورة التزام بإتمام
الوعد بالعقد أو
بالتعويض عن الضرر لو هلكت السلعة فلا ضمان
على العميل فالبنك
يخاطر لشراء السلعة لنفسه وهو على غير يقين من
شراء العميل لها بربح ،
فلو عدل أحدهما عن رغبته فلا إلزام ولا يترتب
عليه أي أثر فهذه الدرجة
من المخاطرة هي التي جعلتها في حيز الجواز
والله أعلم (1) .
الصورة الثانية : التي تنبني على التواعد غير
الملزم بين الطرفين مع
ذكر مسبق لمقدار ما سيبذله من الربح ومراوضته
عليه فقد تقدم في كلام
ابن رشد أنها من العينة المحظورة لأنه رجل
ازداد في سلفه وتقدم نقل كلام
الشرح الصغير والله أعلم .
الصورة الثالثة : التي تنبني على المواعدة
والالتزام بالوفاء بها بالاتفاق
بين الطرفين قبل حوزة المصرف للسلعة ،
واستقرارها في ملكه ، مع ذكر
مقدار الربح مسبقاً واشتراط أنها إن هلكت فهي
من ضمان أحدهما
بالتعيين - فهذه حكمها البطلان والتحريم فهي
أخية القرض بفائدة ، وذلك
للأدلة الآتية :
1- أن حقيقتها عقد بيع على سلعة مقدرة التملك
للمصرف بثمن
مربح قبل أن يملك المصرف السلعة ملكاً حقيقياً
وتستقر في ملكه .
__________
(1) انظر : بيع المرابحة للأشقر ص / 47 مهم .
(2/90)
2- عموم
الأحاديث النبوية التي نصت على النهي عن بيع
الإنسان ما
ليس عنده .
منها حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه ، قال :
قلت : يا رسول الله
يأتيني الرجل فيسألني المبيع لما ليس عندي
فأبيعه منه ثم أبتاعه من
السوق ، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " لا تبع ما ليس عندك " رواه
أصحاب السنن وقال
الترمذي : حديث حسن .
فسبب الحديث نص في بيع الإنسان ما لا يملك
فحكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بالنهي
عنه . قال ابن قدامه في (المغني) (1) :
وعلته والله أعلم (الغرر في القدرة على
التسليم وقت العقد) (2) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " لا
يحل سلف
وبيع ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن ،
ولا بيع ما ليس عندك " .
رواه أصحاب السنن وقال الترمذي : حديث حسن
صحيح .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى (3) :
" فاتفق لفظ الحديثين على نهيه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع ما ليس عنده فهذا
هو
المحفوظ من لفظه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، وهو يتضمن نوعاً من الغرر فإنه
إذا باعه شيئاً معيناً
وليس في ملكه ثم مضى ليشتريه ويسلمه له كان
متردداً بين الحصول
وعدمه فكان غرراً يشبه القمار فنهى عنه .
__________
(1) 4 / 206 .
(2) الغرر وأثره في العقود ص / 319 .
(3) زاد المعاد 4 / 262 .
(2/91)
وقد ظن بعض
الناس : أنه إنما نهى عنه لكونه معدوماً فقال
: لا يصح
بيع المعدوم ، وروى في ذلك حديثاً أنه صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع
المعدوم . وهذا
الحديث لا يعرف في شيء من كتب الحديث ولا له
أصل " اهـ .
وقال الخطابي رحمه الله تعالى (1) :
قوله " لا تبع ما ليس عندك " يريد بيع العين
دون بيع الصفة ألا ترى
أنه أجاز السلم إلى الآجال ، وهو بيع ما ليس
عند البائع في الحال ، وإنما
نهى عن بيع ما ليس عند البائع من قبل الغرر ،
وذلك مثل أن يبيعه عبده
الآبق ، أو جمله الشارد .
ويدخل في ذلك : كل شيء ليس بمضمون عليه ، مثل
أن يشتري
سلعة فيبيعها قبل أن يقبضها ... اهـ .
3- عموم الأحاديث النبوية التي نصت على نهي
الإنسان عن بيع ما
اشتراه ما لم يقبضه (2) .
وقد صحت الأحاديث في هذا من حديث ابن عمر ،
وابن عباس وابن
عمرو رضي الله عنهم وغيرهم رضي الله عن الجميع
.
منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
" من
ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه " رواه
الستة إلا الترمذي .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نهى عن ربح ما
لم
يضمن وعن بيع ما لم يقبض " رواه الترمذي وغيره
.
__________
(1) معالم السنن مع التهذيب 5 / 143 .
(2) زاد المعاد 4 / 262 - 265 . تهذيب السنن 5
/ 138 - 140 .
(2/92)
وقد حكى : ابن
المنذر ، والخطابي ، وابن القيم ، وغيرهم :
الإجماع
على أن من اشترى طعاماً فليس له بيعه حتى
يقبضه .
وأما بيع ما يشتريه الإنسان قبل قبضه من غير
الطعام من مكيل أو
موزون أو عقار وغير ذلك ففيه خلاف على أقوال
أربعة . والذي عليه
المحققون هو : أنه لا يجوز بيع شيء من
المبيعات قبل قبضه بحال وهو
مذهب ابن عباس ومحمد بن الحسن ، وإحدى
الروايات عن أحمد ، حكى
ذلك ابن القيم واختاره فقال (1) : (وهذا القول
هو القول الصحيح الذي
نختاره) اهـ .
ثم حرر ابن القيم رحمه الله تعالى الخلاف في
علة المنع من بيع
ما لم يقبض وقال (2) :
(فالمأخذ الصحيح في هذه المسألة أن النهي معلل
بعدم تمام
الاستيلاء وعدم انقطاع علاقة البائع عنه ،
فإنه يطمع في الفسخ والامتناع
عن الإقباض إذا رأى المشتري قد ربح فيه ...)
اهـ .
ووجه الاستدلال من هذا في مسألتنا هذه : أن
النصوص إذا كانت
صريحة صحيحة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في النهي عن بيع ما لم يقبض ، وأنه
على
عمومه ، وأن العلة عدم تمام الاستيلاء
والاستقرار في ملك المشتري -
فكيف يجوز للمصرف أن يبيع ما لم يملك أصلاً
ويصافق ويربح فيه فملكه
تقديري لا حقيقي ، واستيلاؤه عليه تقديري لا
حقيقي . فالمنع من هذا
يكون من باب الأولى ، والله أعلم .
__________
(1) تهذيب السنن 5 / 132 .
(2) تهذيب السنن 5 / 136 - 137 .
(2/93)
4- إن حقيقة
هذا العقد : بيع نقد بنقد أكثر منه إلى أجل
بينهما سلعة
محللة فغايته (قرض بفائدة) .
ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في بيع ما
لم يقبض (1) :
" أنه يكون قد باع دراهم بدراهم والطعام مرجى
" رواه البخاري ومسلم
والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه .
قال الخطابي :
(وهو غير جائز لأنه في التقدير بيع ذهب بذهب
والطعام مؤجل غائب
غير حاضر ...) اهـ .
والذي عليه المحققون هو شمول النهي عن بيع ما
لم يقبض من طعام
وغيره وإن ذكر الطعام خرج مخرج الغالب . والله
أعلم (2) .
5- أن البيوعات المنهي عنها ترجع إلى قواعد
ثلاث :
1- الربا .
2- الغرر .
3- أكل أموال الناس بالباطل .
وقد روى الجماعة إلا البخاري من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نهى عن بيع الغرر .
وفي معناه أحاديث أخر ، وهذا الحديث ليس من
باب إضافة الموصوف
__________
(1) معالم السنن 5 / 139 . بيع المرابحة
للأشقر ص / 8 .
(2) الغرر وأثره في العقود ص / 329 - 330 .
(2/94)
إلى صفته فيكون
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع
الذي هو غرر وإنما من باب إضافة
المصدر إلى مفعوله ، فالمبيع نفسه هو الغرر
كبيع الثمار قبل بدو صلاحها
(وبيع ما لا يملكه) وهذا اختيار شيخ الإسلام
ابن تيمية وابن القيم رحمهما
الله تعالى (1) .
ولهذا لما ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى
المعدوم وهي :
معدوم موصوف في الذمة (السلم) وهو جائز
اتفاقاً .
ومعدوم تبع للموجود مثل بيع الثمار بعد بدو
صلاحها وهو جائز اتفاقاً .
ومثل بيع المقاهي والمطابخ على التحقيق قال ،
وأما الثالث (2) :
(الثالث : معدوم لا يدري يحصل أو لا يحصل ولا
ثقة لبائعه بحصوله
بل يكون المشتري منه على خطر فهذا الذي منع
الشارع بيعه لا لكونه
معدماً بل لكونه غرراً فمنه صورة النهي التي
تضمنها حديث حكيم بن حزام
وابن عمر رضي الله عنهما ، فإن البائع إذا باع
ما ليس في ملكه ولا له
قدرة على تسليمه ليذهب ويحصله ويسلمه إلى
المشتري كان ذلك شبيهاً
بالقمار والمخاطرة من غير حاجة بهما إلى هذا
العقد ولا تتوقف مصلحتهما
عليه) اهـ .
وجهة نظر المخالف :
يتضح مما تقدم أنه ليس من خلاف يؤثر عند أهل
العلم في أن البيع
في (الصورة الثالثة) باطل محرم . لكن لما
أثيرت في العصر الحاضر ،
__________
(1) زاد المعاد 4 / 467 . والغرر للضرير ص /
62 - 63 .
(2) زاد المعاد 4 / 263 .
(2/95)
وكتب فيها من
كتب وجرى الخلاف بين الكاتبين فيها بين الجواز
والمنع .
قرر المجيزون الجواز لعدة وجوه :
وهي أن الوعد ملزم ، وأن العين مرادة (حقيقية)
في هذا العقد ، والعقد
حقيقي وليس صورياً ، فالعميل يقصد الانتفاع
بالعين ولا يريدها للتوصل
إلى دراهم يحتاجها .
وأن النهي عن بيع الإنسان ما ليس عنده : خاص
فيما كان فيه البيع
حالاً بتسليم العين المباعة أما إذا كانت
العين المباعة مؤجلة إلى أجل
محدود فلا ، وينسحب عليها حكم بيوع الآجال .
وأن النهي عن بيع المعدوم : هو ما كان المعدوم
فيه مجهول الوجود
في المستقبل أما العين هنا فهي محققة الوجود
مستقبلاً حسب العادة (1) .
وأنه في هذه الصورة لو تأخر العميل في أداء
الثمن لم يفرض عليه
أي زيادة في الثمن .
وأنه على أقل الأحوال فإن الحاجة في التعامل
داعية إليه كما دعت
إلى السلم ، والاستصناع - واغتفر ما يعتريها
من الغرر تقديراً للحاجة ،
والحاجة هنا داعية ، لاتساع رقعة التعامل
وتضخم رؤوس الأموال ، وحاجة
المنشآت إلى دعمها بالآلات والمباني التي لا
قوام لها إلا بها ، فإذا لم
تتم تلك المعاملة وقع المسلم في حرج ومشقة
الفوات لمصالح يريد
تحقيقها فإن لم تكن من هذا الباب ، اضطر إلى
(القرض بفائدة) ودينه
يعصمه من هذا الربا المحرم ، فليقرر هذا
التعامل تحت وطأة الحاجة
(الضرورة) والانتشال من المحرم وتحقيق مصالح
المسلمين .
__________
(1) الغرر وأثره في العقود ص / 358 .
(2/96)
المبحث السابع
في الضوابط الكلية
الضوابط الكلية التي تجعل (بيع المواعدة) أي
(المرابحة للآمر
بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية) في
دائرة الجواز هي على ما يلي :
1- خلوها من الالتزام بإتمام البيع كتابة أو
مشافهة . قبل الحصول على
العين بالتملك والقبض .
2- خلوها من الالتزام بضمان هلاك (السلعة) أو
تضررها من أحد
الطرفين : العميل أو المصرف ، بل هي على الأصل
من ضمان المصرف .
3- أن لا يقع العقد المبيع بينهما إلا بعد قبض
المصرف للسلعة
واستقرارها في ملكه .
والله أعلم .
(2/97)
|