فقه النوازل

" 9 "
بيان مسألتين في أوائل الشهور العربية
1- حكم إثباتها بالحساب الفلكي .
2- حكم توحيد الرؤية .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فهذا بحث لمسألتين تتعلقان بأول الشهر القمري :
المسألة الأولى : في حكم إثباته بالحساب .
المسالة الثانية : في حكم توحيد الرؤية .
وقد أدرت البحث في المسألة الأولى على ما يلي :
المبحث الأول : في سياق النصوص .
المبحث الثاني : في فقهها .
المبحث الثالث : إجماع المسلمين على موجبها .
المبحث الرابع : تفنيد الخلاف الحادث في هذه المسألة .
المبحث الخامس : أدلة الخلاف الحادث .
المبحث السادس : في نقضها .
المبحث السابع : في ظنية الحساب .
المبحث الثامن : في منابذته للشرع .
فإلى بيانها :

(2/189)


[المسألة الأولى : في حكم إثباته بالحساب] (*)
المبحث الأول
في سياق النصوص
قال الله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ
وَالحَجِّ } الآية . وقال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى
لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }
الآية .
وشهود الشهر يكون بعد إهلاله كما في الآية الأولى . وقد علم أن ما
ثبت من المؤقتات بشرع أو شرط فالهلال ميقات له كالصيام والحج ،
والإِيلاء ، والعدة ، ونحوها وإنما خص الحج بالذكر تمييزاً له ، ولأنه علامة
الحول كما أن الهلال علامة الشهر .
وقال تعالى : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ
يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } الآية .
فالشهور معدودة اثنا عشر شهراً ، والشهر هلالي بالاضطرار . فالسنة
عددية اثنا عشر شهراً ، والشهر معلق برؤية الهلال . وأصح
المعلومات ما شوهد بالأبصار ولهذا سمي الهلال هلالاً لظهوره وبيانه .
والشهر القمري يكون تارة (30) يوماً ، وتارة (29) يوماً كما في النصوص
النبوية الآتية . وعليه فالسنة القمرية (354) يوماً وبعض يوم خمس أو
سدس . وإنما يقال أنها 360 يوماً جبراً للكسر على عادة العرب في جبر
__________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة : أضفت هذا العنوان وليس في المطبوع

(2/191)


الكسور كما جعل الشرع : اليوم طبعياً من طلوع الشمس إلى غروبها .
وجعل الأسبوع عددياً بسير الشمس .
هذا وقد حدد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطريق الذي يعرف به الإهلال للشهر في
جملة أحاديث حكي فيها التواتر واردة عن جماعة من الصحابة رضي الله
عنهم منهم : أبو هريرة ، وابن عباس ، وابن عمر ، وحذيفة ، وسعد بن أبي
وقاص ، وابن مسعود ، وجابر ، والبراء بن عازب ، ورافع بن خديج ، وطلق
بن علي ، وأبو بكرة ، وسمرة ، وعدي بن حاتم وعن رجال من الصحابة ،
وعن عطاء مرسلاً رضي الله عنهم أجمعين .
وحديث ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما في الصحيحين
وغيرهما ، وحديث ابن عباس في صحيح مسلم . وهو وحديث حذيفة في
سنن أبي داود والنسائي وغيرهما . وبقية أحاديث الجماعة المذكورين رضي
الله عنهم : خارج الكتب الستة كالموطأ ، ومسندي أحمد والشافعي
وغيرهما .
وقد خرّج أحاديثهم بألفاظها وبيان من أخرجها :
ابن الأثير في : جامع الأصول 6 / 265 - 271 .
والمتقي في : كنز العمال / 485 - 493 .
والألباني في : إرواء الغليل 4 / 2 - 14 .
وغيرهم من أصحاب الكتب الجوامع ، وهذه جميعها من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها من هديه الفعلي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وهذا بيان ألفاظ روايات حديث : أبي هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس
رضي الله عنهم ، وبقية أحاديث الآخرين ترجع إليهم :

(2/192)


1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إذا
رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين
يوماً " . رواه الشيخان والنسائي .
وفي لفظ : قال : قال أبو القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته
فإن غبي عليكم فأكملوا العدة " .
وفي لفظ : فإن غمي عليكم فأكملوه ثلاثين .
وفي لفظ عند النسائي : فاقدروا له ثلاثين .
وفي لفظ عنده أيضاً : فاقدروا له .
وفي لفظ عنده أيضاً : الشهر يكون تسعاً وعشرين ، ويكون ثلاثين ،
فإذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة .
2- حديث ابن عمر رضي الله عنهما :
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ،
فإن غم عليكم فاقدروا له " .
وفي لفظ لمسلم : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر رمضان فضرب بيديه فقال :
" الشهر هكذا وهكذا " ثم عقد إبهامه في الثالثة ، " فصوموا لرؤيته ، وأفطروا
لرؤيته فإن غمَّ عليكم فاقدروا ثلاثين " .
وفي لفظ : فاقدروا له .
3- حديث ابن عباس رضي الله عنهما :
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر رمضان فقال : " لا تصوموا حتى تروا الهلال ،
ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " .
رواه مالك ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي .

(2/193)


وفي رواية للنسائي أن ابن عباس قال : عجبت ممن يتقدم الشهر ، وقد
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم
عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " .
وفي لفظ : صوموا لرؤيته ... الحديث .
وفي لفظ : لا تصوموا قبل رمضان صوموا لرؤيته ... الحديث .
وفي لفظ لأبي داود : لا تقدموا الشهر بصيام يوم أو يومين إلا ... ولا
تصوموا حتى تروه ، ثم صوموا حتى تروه ... الحديث .
4- أما هديه الفعلي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ففي حديث عائشة رضي الله عنها . قالت :
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ لغيره ، ثم يصوم لرؤية
رمضان ، فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام . أخرجه أبو داود .

(2/194)


المبحث الثاني
في فقه هذه النصوص
فهذه النصوص الصحيحة تدل دلالة صريحة على أصول شرعية في
أحكام الشهور وإثبات أوائلها على ما يلي :
الأصل الأول : إن الشرع جعل علامة أول الشهر : الهلال لا غير . وأن
ليس لأول الشهر حد عام ظاهر سواه .
الثاني : أن جنس الشهر القمري الشرعي منحصر : أقله في (29) يوماً ،
وأكثره في (30) يوماً . وأنه لا يشرع بحال حتى يمضي (29) يوماً من شعبان
ولا بد أن يصام في رمضان (29) يوماً لا يصام أقل منها بحال .
الثالث : أن أول الشهر لا يعتبر إلا بيقين . وهذا مطرد من قاعدة
الشريعة في العبادات المؤقتة : أنه لا يصح وقوعها إلا في وقتها بيقين تام .
ولهذا ربط الله أسبابها بعلامات يقينية لا مدخل للعباد فيها بل هي سنن
كونية ثابتة يستوي في معرفتها عموم الخلق : علماء ، وعامة ، وحاضرة ،
وبادية . وهذا من أجل أسباب اليسر ورفع الحرج في الشريعة .
الرابع : أن الشرع علق الأحكام التعبدية الشهرية على الأهلة بطريقتي
اليقين : الرؤية أو الإكمال . وذلك :
1- لسهولته ، ويسر يقينيته .

(2/195)


2- ولأنه لا يدخله الخطأ .
3- ولأن كل نظام سواه الأصل فيه : الخطأ كالحساب فإنه مع عسره
وندرة العارف به يدخله الخطأ كثيراً كما سيأتي .
ولهذا فإن الوصف بالأمية هنا صفة مدح وكمال من وجوه : من جهة
الاستغناء عن الكتابة والحساب بما هو أبين منه وأظهر وهو الهلال ، ومن
جهة أن الحساب والكتابة هنا يدخلهما غلط .. إلى آخر وجوه بسطها شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (الفتاوى 25 / 174 - 176) .
الخامس : أن اليقين في ذلك يتحقق بأمر محسوس : حقيقة أو حكماً ،
حقيقة محسوسة بالإهلال ، وفي حكم المحسوسة بالإكمال أي :
1- الهلال بالرؤية البصرية . وهذا أمر محسوس حقيقة .
2- الإكمال لشعبان مثلاً - ثلاثين يوماً في حال تعذر الرؤية لغيم
ونحوه . وهذا محسوس حكماً ، يقيني في واقع الحال ، لعصمة التشريع
بخبره الصادق والذي هو من سنن الله الكونية : أن الشهر القمري لا ينقص
عن (29) يوماً ، ولا يزيد عن (30) يوماً .
فالشرع أناط الحكم بأول الشهر بوجود الهلال حقيقة لا بوجوده
تقديراً ، وأن وجوده حقيقة بالرؤية البصرية بالإهلال ، أو بالإكمال . وأنه بأمر
لا مدخل للعباد فيه بل هو سنة كونية ثابتة . وصاحب الشرع أشعر بحصر
السبب فيهما ولم ينصب سبباً سواهما .
ووجه التيقن بالإكمال أيضاً هو : استصحاب الأصل ، إذ الأصل بقاء
الشهر وكماله فلا يترك هذا الأصل إلا ليقين بناء على أن ما ثبت بيقين
لا يزول إلا بمثله . قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى : في الاستدلال من

(2/196)


حديث ابن عباس رضي الله عنهما (وفيه إعلام أن الأحكام لا تجب إلا
بيقين لا شك فيه ، وهذا أصل عظيم من الفقه أن لا يدع الإنسان ما هو عليه
من الحال المتيقنة إلا بيقين من انتقالها ، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فإن غم عليكم
فأكملوا العدة ثلاثين يوماً " ، يقتضي استكمال شعبان قبل الصيام ،
واستكمال رمضان أيضاً ..) اهـ .
السادس : أن الأحاديث دلت بمجموعها على انحصار الوصول إلى
اليقين المذكور بأحد الطريقين . فالصيام حكمٌ سببه : الرؤية للهلال أو
الإكمال .
فمنها ما يفيد بمنطوقه وجوب الصوم والفطر بعد الرؤية أو الإكمال
كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فأكملوا
العدة ثلاثين " .
ومنها : ما يفيد منطوقه تحريم الصوم والفطر قبل الرؤية والإكمال كقوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم
فأكملوا العدة ثلاثين " .
وأنه ليس في شيء من الأحاديث إناطة الحكم الشرعي بالحساب
الفلكي . وتسمية الشهر به : شهراً بل تعليقه الحكم بأمر يقيني من رؤية
أو إكمال يدل دلالة واضحة على نفي إناطة الحكم بأي سبب آخر ففي
هذا فطم عن الاعتماد على الحساب في هذا الحكم .
السابع : إن ترائي الهلال مشروع لهذه الأمة لضبط مواسم تعبدها فإن
كانت العبادة واجبة كصيام رمضان ، وحج بيت الله الحرام ، كان الترائي
واجباً كفائياً ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . وإن كانت مسنونة كان

(2/197)


الترائي مسنوناً إذ الوسائل لها أحكام الغايات ، فإن تمت الرؤية وإلا
فالمصير إلى الإكمال ، والحمد لله على اليسر ورفع الحرج .
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى : (وفيه - أي حديث ابن عباس -
أن الله مقيد عباده في الصوم برؤية الهلال لرمضان ، أو باستكمال شعبان
ثلاثين يوماً ، وفيه تأويل لقول الله عز وجل : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ } [البقرة 185] إما شهوده ورؤيته أو العلم برؤيته) اهـ .

(2/198)


المبحث الثالث
إجماع المسلمين على موجب هذه النصوص
موجب هذه الأحاديث أن التكليف يتبع العلم ، وقد علقه الشارع بأمر
محسوس يستوي فيه عموم البشر ، ونهى الأمة عن الصوم إلا بأحد هذين
الطريقين فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا تصوموا حتى تروا الهلال ... " الحديث . وهذا من
باب عموم النفي لا من باب نفي العموم ، أي : لا يصوم أحد ، حتى يرى ،
أو حتى يعلم أنه رؤي أو ثبت شرعاً أنه رؤي . فإذا انتفت الرؤية البصرية
انتفى العلم بالإهلال ، وإذا انتفى العلم به بحاسة البصر ، فقد جعل الشرع
المصير إلى تعليق الحكم بمناط يستوي فيه عموم البشر وهو إكمال شعبان
مثلاً ثلاثين يوماً . ولا يعلم في شيء من النصوص تعليق المناط بغير هذين
وهذا والله أعلم - لأن ما سواهما إما فاسد أو مظنون ، أو فيه من التكلف
والحرج والعناء ، وصرف الحياة إلى ما لا نفع من ورائه بما لا تأتي بمثله
الشريعة المطهرة .
وهذا التقرير هو ما عرفه المسلمون في شتى عصورهم ، وما زالت
عباداتهم قائمة وأمورهم راشدة . ولا يعرف في هذا خلاف بين الصحابة
رضي الله عنهم ، بل حكى شيخ الإسلام ابن تيمية : اتفاقهم . وحكاه
المهدي في البحر . ومذاهب الأئمة الأربعة متفقة على ذلك . قال مالك
رحمه الله تعالى : إن من يصوم بالحساب لا يقتدى به . وقال ابن عرفة :

(2/199)


لا أعرفه لمالكي . بل قد حكى الإجماع على موجبه غير واحد من أهل
العلم في القديم والحديث منهم : ابن المنذر في الإشراف ، وسند من
المالكية ، والباجي ، وابن رشد القرطبي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، والحافظ
ابن حجر ، والسبكي ، والعيني ، وابن عابدين ، والشوكاني ، وصديق حسن
خان في تفسيرهما لقوله تعالى { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ } الآية . وملا علي قاري .
وقال أحمد شاكر : (واتفقت كلمتهم أو كادت تتفق على ذلك) .
ونكتفي من النقول عنهم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية إذ حكاه في
مواضع من : الاقتضاء ، ومجموع الفتاوى 25 / 132 ، 179 ، 207 ، فقال
في 25 / 132 :
(إنا نعلم بالضرورة من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم
أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المتعلقة بالهلال بخبر
الحاسب ، أنه يرى أو لا يرى ، لا يجوز . والنصوص المستفيضة بذلك عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرة . وقد أجمع المسلمون عليه . ولا يعرف فيه خلاف قديم
أصلاً ، ولا خلاف حديث ، إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين
بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق
نفسه بالحساب ، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا . وهذا
القول وإن كان مقيداً بالإغمام ومختصاً بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع
على خلافه ، فأما اتباع ذلك في الصحو ، أو تعليق عموم الحكم العام به
فما قاله مسلم) اهـ .

(2/200)


المبحث الرابع
تفنيد الخلاف الحادث في هذه المسألة
كم رأينا من فرع حكي فيه الخلاف ثم يتبين عند التحقيق عدم ثبوته
عن المخالف وهذا كثير في مسائل فروعية . ومنه في الصيام . حكاية
الخلاف في صوم يوم الشك حيث عزاه ابن قدامة وعنه ابن الجوزي
رحمهما الله تعالى لنحو عشرة من الصحابة رضي الله عنهم ونحوهم من
التابعين ، ثم بين العراقي وغيره ضعف الرواية في ذلك عن عدد منهم ،
وفي غير الصيام ما يروى عن جماعة كثيرين من الصحابة والتابعين ، أنهم
خضبوا بالسواد . وقد أبان الحفاظ منهم ابن القيم في (الهدي) أن في
الروايات عنهم ضعفاً وانقطاعاً وهكذا .
وفي هذه المسألة : لا يعرف فيها خلاف صحابي بل حكي إجماعهم ،
وقد حكي الخلاف فيها عن :
1- الشافعي .
2- ابن سريج .
3- مطرف بن عبد الله بن الشخير .
4- محمد بن مقاتل .
5- ابن قتيبة .
وقد استقرأ ابن تيمية رحمه الله تعالى : أن الخلاف الحادث في الجواز

(2/201)


مقيد بأمرين في : حال الإغمام وللحاسب فقط لا يتعداه إلى غيره كما تقدم
قريباً .
وسيتبين من التقييد الآتي : أنه حصل الغلط في هذا الخلاف على
القائل به وفي نوعه ، فابن سريج وابن خويز منداد غلطا في حكايتهما ذلك
على الشافعي وأن ابن سريج الشافعي بنى قوله : على غلطه على إمامه .
وأن بعض الشافعية غلط أيضاً ابن سريج في حكايته لقوله . وأن مطرف بن
عبد الله لا يصح عنه ، وأن محمد بن مقاتل الرازي صاحب محمد بن
الحسن الشيباني ضعيف ، وأن ابن قتيبة ليس من أهل هذا الفن وأن بعض
أهل العلم غلط في حكايته نوع الخلاف حيث أطلق ولم يقيد . وعليه :
فتبقى حكاية الإجماع قائمة ، وإلا فعدم وجود المخالف في القرون
المفضلة وبيان ذلك على ما يلي :
1- الغلط على الشافعي رحمه الله تعالى : قال ابن رشد في (بداية
المجتهد) : حكى ابن سريج عن الشافعي أن من كان من مذهبه الاستدلال
بالنجوم ومنازل القمر ، ثم تبين له من جهة الاستدلال أن الهلال مرئي وقد
غم ، فإن له أن يعتقد الصوم ويجزئه اهـ .
وحكاه أيضاً : ابن خويز منداد المالكي عن : الشافعي كما في التمهيد
لابن عبد البر . وعنه العراقي في طرح التثريب . ولذا قال ابن تيمية (وحكاه
بعض المالكية عن الشافعي) اهـ .
تعقبه :
أفاد العلماء من الشافعية وغيرهم أن هذا غلط على الإمام الشافعي
رحمه الله تعالى ، وأن هذا لا يعرف من قوله ولا مذهبه . وأن الصحيح عنه

(2/202)


خلافه . ومن الذين قرروا إنكار نسبته إلى الشافعي : ابن عبد البر ، وابن
العربي ، والعراقي ، والسبكي ، والحافظ ابن حجر ، والمطيعي في جماعة
سواهم . وهؤلاء هم الذين ذكروا الخلاف الحادث وسموا القائلين به على
ما يأتي . وتعقبوهم . ونص الشافعي المفيد لمذهبه على وفق ما قرره
السلف وذهبوا إليه اتباعاً للنص - وهو ما في كتاب (أحكام القرآن للشافعي)
جمع البيهقي رحمه الله تعالى .
فثبت بهذا بطلان نسبة القول المذكور إلى الشافعي وغلط ابن سريج
وابن خويز منداد فيما حكى عنهما من نسبة ذلك إلى الشافعي. وأما ابن
خويز منداد فمع كونه رأساً في نصرة السنة جذعاً في أعين المبتدعة فقد
كان يغلط في حكاية الفقهيات كما في ترجمته من ترتيب المدارك وغيره
والله أعلم .
2- الأصل في خلاف ابن سريج : أبو العباس أحمد بن سريج
الشافعي م سنة 306 هـ إمام الشافعية في وقته رحمه الله تعالى . رأى الأخذ
بالحساب جوازاً في حق الحاسب خاصة إذا غم الشهر ولم يره الراؤون .
والذي يتجلى أن ابن سريج مع جلالته - رتب ما ذهب إليه من تفسيره
لرواية (فاقدروا له) أي بحساب المنازل خطاب لمن خصه الله بهذا العلم -
رتبه على ما حكاه غلطاً على الشافعي رحمه الله تعالى . وعنه اشتهر القول
بذلك ، ومع اشتهاره اختلف عليه النقلة بين الجواز والوجوب وفي الإطلاق
والتقييد ، والذي يصححه علماء المذهب عنه : أنه قال بالجواز وقت
الإغمام خاصاً بالحاسب نفسه لا يتعداه إلى سواه . ومن سواه يبقى على
الأصل في حكم الرؤية وبسطه النووي في المجموع محرراً .
وهذا الذي تحرر قولاً لابن سريج هو : عين ما حكاه هو غلطاً على

(2/203)


الشافعي فإذا ثبت مما تقدم قيل إن ابن سريج رحمه الله تعالى غلط على
الشافعي في ذلك ، فإنه إنما قال ما قال تقليداً منه لإمام المذهب عنده ،
وإذا بطلت نسبة القول به إلى الشافعي فهذا يفرغ ما بني عليه فلم يبق
ذلك قولاً لابن سريج .
وقد أنكر العلماء من الشافعية وغيرهم - على ابن سريج قوله ومنهم
ابن تيمية كما تقدم نقله في آخر المبحث الثالث .
ثم إن العلامة تقي الدين السبكي الشافعي رحمه الله تعالى ألف
رسالته : (العلم المنشور في إثبات الشهور) انتصر فيها لرأي ابن سريج
للجواز لا للوجوب مقيداً لذلك بشرطين : أن ينكشف الحساب جلياً من
ماهر بالصنعة والعلم ، وأن يكون الجواز في خصوص الصوم لا الفطر .
ثم ألف الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي رحمه الله تعالى رسالته
(إرشاد أهل الملة إلى إثبات الأهلة) . وساق اختيار السبكي ولم يتعقبه .
ثم ألف الشيخ أحمد بن محمد شاكر رحمه الله تعالى رسالة باسم
(أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعاً إثباتها بالحساب الفلكي ؟) .
ثم تعقبه كل من الشيخ أبو النصر مبشر الطرازي الحسيني برسالة
سماها (بحث في توحيد أوائل الشهور العربية) .
كما تعقبه الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري ببحث سماه : (لو
غيرك قالها يا أستاذ) .
ثم رأيت لدى الشيخ إسماعيل خطاباً من الشيخ أحمد شاكر رحمه الله
تعالى يعتذر فيه إلى الشيخ إسماعيل وأنه إنما نشر رسالته لإثارة البحث
بين أهل العلم وإلا فليس له رأي بات في المسألة .

(2/204)


وكل هؤلاء الأجلة : السبكي ، فالمطيعي ، فأحمد شاكر رحمهم الله
تعالى ينزعون من قوس واحدة من قول ابن سريج وقد علمت مدى العمدة
في رأيه مذهبياً . وأن السبكي قرر الجواز بالشرطين المذكورين ، أما الشيخ
شاكر رحمه الله تعالى فقد وسع الخطو فصرح بالوجوب ص / 15 ، ثم
ضعف تجاسره فأبداه بحثاً ص / 17 ، 29 والله أعلم .
3- مطرف بن عبد الله بن الشخير (م سنة 87 هـ) رحمه الله تعالى كان
من كبار التابعين وساداتهم وقد نفى ابن عبد البر صحة الأثر عنه فقال :
(روي عن مطرف بن الشخير وليس بصحيح عنه ، ولو صح ما وجب اتباعه
عليه لشذوذه فيه ، ولمخالفة الحجة له) اهـ .
ونقله عنه ابن حجر ، والعراقي وغيرهما ، وقال ابن تيمية 25 / 182 .
(إنّ هذا إن صح عنه فهي من زلات العلماء) اهـ .
4- ابن قتيبة : العلامة المشارك عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري
م سنة 376 هـ رحمه الله تعالى .
قال ابن عبد البر متعقباً له :
(ليس هذا من شأن ابن قتيبة ولا هو ممن يعرج عليه في مثل هذا
الباب) اهـ .
5- محمد بن مقاتل الرازي : صاحب محمد بن الحسن الشيباني ،
فهو مترجم لدى الحنفية ترجمة موجزة لا تفيد نباهته في العلم ولم أر من
نص على تاريخ وفاته . وهو مضعف في الرواية عند النقاد قال الذهبي في
(المغني في ضعفاء) : (محمد بن مقاتل الرازي ، لا المروزي . عن وكيع .
ضعيف) اهـ .

(2/205)


وفي الميزان قال : (حدث عن وكيع وطبقته ، تكلم فيه ولم
يترك) اهـ . والنقل عنه في هذا لم يتم الوقوف على سند له ليتم الكشف عنه
والحنفية ينقلون قوله لنقضه ، وينقلونه ممرضاً كقول القاري في شرح النخبة
ص / 19 (وأما ما ذكره بعض علمائنا عن محمد بن مقاتل أنه كان يسأل
المنجمين ويعتمد قولهم ...) فذكره ثم ذكر من تعقبه كالسرخسي وغيره .

(2/206)


المبحث الخامس
ما استدل به المتأخرون
استدل لهم بحديثين وقياسين :
1- أن رواية (فاقدروا له) معناه : قدروه بحساب المنازل ، وأنه خطاب
لمن خصه الله بهذا العلم . وأن قوله : (فأكملوا العدة) خطاب للعامة .
2- حديث : " إنا أمّة أميّة لا نكتب ونحسب الشهر هكذا وهكذا "
الحديث .
فالأمر باعتماد الرؤية وحدها جاء معللاً بعلة منصوصة وهي : أن الأمة
لا تكتب ولا تحسب . والعلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً . فإذا وصلت
الأمة إلى حال في معرفة هذا العلم باليقين في حساب أوائل الشهور وأمكن
أن يثقوا به ثقتهم بالرؤية أو أقوى صار لهم الأخذ بالحساب في إثبات
أوائل الشهور .
3- ليست حقيقة الرؤيا شرطاً في اللزوم لأن الاتفاق على أن المحبوس
في المطمورة إذا علم بالحساب بإكمال العدة ، أو بالاجتهاد بالأمارات أن
اليوم من رمضان : وجب عليه الصوم وان لم ير الهلال ولا أخبره من رآه .
4- قياسه على إثبات أوقات الصلوات بالحساب .

(2/207)


المبحث السادس
في نقضها
أولاً : نقض الاستدلال بلفظ (فاقدروا له) :
واجب أهل العلم جمع ألفاظ الرواة ، والجمع بينها ما أمكن ، ولا
تحمل على التعدد إلا عند التعذر بل قد يكون التعدد مؤثراً في صحة
الرواية كما علم من قواعد الاصطلاح عند المحدثين .
وعليه فألفاظ الرواة كما يلي :
1- فأتموا العدة ثلاثين .
2- فأتموا شعبان ثلاثين .
3- فأكملوا ثلاثين .
4- حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة .
5- فصوموا ثلاثين .
6- أحصوا عدة شعبان لرمضان .
7- فأكملوا العدة ثلاثين . عن حديث ابن عمر .
8- فأكملوا العدة ثلاثين فإنها ليست تغمى عليكم . أبو هريرة .
9- فعدوا ثلاثين . أبو هريرة . وابن عمر .
10- فأكملوا العدة . أبو هريرة .
11- فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً . أبو هريرة .

(2/208)


12- فصوموا ثلاثين يوماً . ابن عمر .
13- فعدوا له ثلاثين يوماً . ابن عمر .
14- فاقدروا له ثلاثين . أبو هريرة . وابن عمر .
15- فاقدروا له . أبو هريرة . وابن عمر .
فهذه الروايات ثبتت من أحاديث الصحابة رضي الله عنهم عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجميعها متفقة لفظاً ومعنى ، أو معنى على إكمال وإحصاء الشهر
السابق ثلاثين يوماً لعدة الشهر اللاحق عند تعذر الرؤية . ولهذا فإن أهل
الاصطلاح يذكرون هذا الحديث في مبحث المتابعات بالمعنى أو باللفظ
والمعنى كما في : شرح نخبة الفكر القاري ص / 90 - 94 .
وهدا الثابت من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثابت من سنته الفعلية صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كما في حديث
عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ
من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام .
رواه أبو داود بسند صحيح .
وجميع روايات الصحابة المذكورة رضي الله عنهم ليس فيها (فاقدروا
له) إلا في بعض ألفاظ حديثي أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم . وقد
تعددت ألفاظ روايتهما فجاء فيها مثل ألفاظ الجماعة سواء . ففي لفظهما
أيضاً (فعدوا ثلاثين) وبلفظ (فأكملوا العدة ثلاثين) عن ابن عمر وبلفظ
(فأكملوا العدة) عن أبي هريرة ونحوها من الروايات السابقة عنهما . ومنها
الرواية عنهما بلفظ (فاقدروا له ثلاثين) . عند مسلم من حديث ابن عمر
رضي الله عنهما . وعند النسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ،
فاتضح أن رواية فاقدروا له هي مثل رواية : فاقدروا له ثلاثين ، وهما
بمعنى : فأتموا العدة ثلاثين ، وفي التنزيل { قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا }

(2/209)


أي تماماً . وهذا هو ما فهمه أهل الحديث الذين أخرجوا الحديث . حيث
يوردون الرواية المفسرة بعد المجملة كما صنع : البخاري ، ومالك ، وبسطه
الحافظ ابن عبد البر في : التمهيد 2 / 39 - 40 ، وابن حجر في : الفتح
4 / 120 .
وعليه فإن جميع موارد الروايات واحد وإن اختلفت ألفاظها فالإكمال ،
والإتمام والإحصاء ، والتقدير ، والعدة ، هكذا وهكذا وهكذا : جميعها
بمعنى واحد ، وإن الذين رووا (فاقدروا له) جاء عنهم (فاقدروا له ثلاثين
يوماً) وجاء عنهم أيضاً مثل ألفاظ الجماعة .
والواجب في السنن جمع شملها ونفي الاختلاف والتضارب عنها ، وأن
الاختلاف في اللفظ لا يحمل على الاختلاف في المعنى إلا عند تعدد
المخارج وتعذر الجمع . كما عليه العمل عند المحدثين وأهل الأصول .
وحرره ابن حجر في (النكت) كما أن من طريقتهم التي لا اختلاف فيها
بينهم حمل المجمل على المفسر ، فمثلاً لفظ : فاقدروا له ، يفسره لفظ
(فأتموا العدة ثلاثين) إذ ليس بين المجمل والمفسر تعارض أصلاً . وهذا
لائح الوضوح والبيان .
وإن الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى قد اضطرب في هذا غاية
الاضطراب من حمله تعدد المباني على تعدد المعاني في حديث واحد
من رواية صحابي واحد . فهو يناقض ما ذهب إليه مع الجمهور طرداً
للقاعدة المذكورة في حديث كيفية النهوض في الصلاة كما بينته في
الأجزاء الحديثية : هل يكون بالاعتماد على الركبتين أم الأرض ؟ وفي
حديث الفطر يوم يفطر الناس . وأنه بمعنى الرواية الأخرى : الفطر يوم يفطر
الإمام . كما بسطه في رسالته : توحيد أوائل الشهور العربية ص / 25 - 28 .

(2/210)


فسبحان من صرف بصر الأستاذ مع جلالته إلى هذا التأويل الذي
أوصله إلى التناقض . والله أعلم .
ولهذا فإن السبكي في : العلم المنشور ص / 9 قد أنصف غاية
الإنصاف إذ بين تفسير الرواية : فاقدروا له . بالرواية الأخرى : فأكملوا العدة
ثلاثين يوماً .
بل جاء في رواية أبي داود لحديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن ابن
عمر كان لا يأخذ بهذا الحساب . فهذا تفسير منه لروايته : فاقدروا له ، وأنها
بمعنى الرواية الأخرى : فاقدروا له ثلاثين .
وبعد كتابة جميع ما تقدم وجدت في : المستدرك للحاكم 1 / 423 ،
والسنن الكبرى للبيهقي 4 / 204 بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله
عنهما أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " إن الله تعالى جعل الأهلة مواقيت فإذا
رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له ، أتموه
ثلاثين " فهذه الرواية الصحيحة صريحة في تفسير المرفوع بالمرفوع ولم أر
من أشار إليها في النقض فالحمد لله على التيسير . والله أعلم .
ثانياً : نقض الاستدلال بمفهوم حديث " إنا أمة أمية لا نكتب ولا
نحسب " الحديث :
فقد علم في اللسان أن بساط المقال كبساط الحال له تأثير في
الأحكام كما علم في مسائل من الأيمان والنذور والطلاق وغيرها ، فقوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنا : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " قرنه بقوله (الشهر كذا ...)
أي مرة 30 ومرة 29 فهو محض خبر من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته : أنها لا تحتاج
في أمر الهلال إلى كتاب ولا حساب ، إذ هو إما (30) يوماً أو (29) يوماً .

(2/211)


ومرد معرفته بالرؤية للهلال أو بالإكمال . كما في الأحاديث المتقدمة
المشعرة بالحصر في هذين السبيلين لا بكتاب ولا بحساب . فهذا خبر منه
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتضمن نهياً عن الاعتماد على الكتاب والحساب في أمر الهلال ،
وفطم للأمة عن الاعتماد عليه ، إذ أغناهم بنصب الرؤية أو الإكمال دليلاً
على أوائل الشهور . ولهذا نظائر في النصوص الخبرية كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " المسلم
من سلم المسلمون من لسانه ويده . فهذا خبر يفيد صفة المسلم متضمناً
النهي عن إيذاء المسلم بلسان أو يد .
وهذا الظاهر في خبرية النص هو الذي يتفق مع الحقائق الشرعية
والدلائل النصية من الأحاديث السابقة . إذاً فيتعين إبقاء النص على ظاهره
في الخبرية ، ولا يصرف عنها إلى العلية إلا بدليل ، وصرفه يؤدي إلى
تعارض النصوص كما هو بين .
وهذا معنى ما قرره المحققون من أهل العلم في توجيه هذا الحديث
من أنه على ظاهره لا غير من عدم الاحتياج إلى الكتاب والحساب في
أمر الهلال - قرر ذلك ابن تيمية في : الفتاوى 25 - وابن العربي في :
عارضة الأحوذي ، وابن حجر في : الفتح 4 / 122 وقال : (... فعلق الحكم
بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير واستمر
الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك . بل ظاهر السياق
يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلاً ، ويوضحه قوله في الحديث
الماضي " فإن غمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " ولم يقل فسلوا أهل
الحساب . والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلفون
فيرتفع الخلاف والنزاع عنهم ...) اهـ .
وابن بطال قال كما في إرشاد أهل الملة :

(2/212)


(وقال ابن بطال وغيره معنى الحديث : إنا لم نكلف في معرفة مواقيت
صومنا ولا عباداتنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب ولا كتابة إنما ربطت
عباداتنا بأعلام واضحة وأمور ظاهرة يستوي في معرفة ذلك الحساب
وغيرهم) اهـ .
والسبكي كما في العلم المنشور ص / 9 قال :
(وفي قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هكذا وهكذا وهكذا ، وإشارته تحقيق لاعتماد الأمر
المحسوس الذي هو من أجلى الأمور ، وفطم عن اعتماد الحساب في
ذلك) اهـ .
والذهبي في سير أعلام النبلاء 14 / 191 - 192 فقال في معرض بحث
كتابة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضعف حديث " ما مات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قرأ وكتب " - قال :
" ثم هو القائل : إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " ، فصدق إخباره بذلك
إذ الحكم للغالب ، فنفى عنه وعن أمته الكتابة والحساب لندور ذلك فيهم
وقلته وإلا فقد كان فيهم كتّاب الوحي وغير ذلك ، وكان فهم من يحسب ،
وقال تعالى : { وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ } .
ومن علمهم الفرائض وهي تحتاج إلى حساب وعول ، وهو عليه السلام
فنفى عن الأمة الحساب فعلمنا أن المنفي كمال علم ذلك ودقائقه التي
يقوم بها القبط والأوائل ، فإن ذلك ما لم يحتاج إليه دين الإسلام ولله
الحمد : فإن القبط عمقوا في الحساب والجبر ، وأشياء تضيع الزمان وأرباب
الهيئة تكلموا في سير النجوم والشمس والقمر والكسوف والقرآن ، بأمور
طويلة لم يأت الشرع بها ، فلما ذكر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشهور ومعرفتها بين أن معرفتها
ليست بالطرق التي يعرفها المنجم وأصحاب التقويم ، وأن ذلك لا نعبأ به

(2/213)


في ديننا ، ولا نحسب الشهر بذلك أبداً ثم بين أن الشهر بالرؤية فقط ،
فيكون تسعة وعشرين أو بتكملة ثلاثين ، فلا نحتاج مع الثلاثين إلى تكلف
رؤية اهـ .
ثالثاً : نقض الاستدلال بالقياس على المحبوس بالمطمورة .
فهذا القياس باطل من أصله لأن المقيس عليه هنا لم يثبت بنص
ولا اتفاق ومن شرط القياس توفر ذلك . وهو مفقود هنا فهو ملغي من أصله .
ثم هو على التسليم مقدوح فيه بعدة قوادح قياسية منها :
فساد الاعتبار لمخالفة المقيس لصرائح النصوص المشعرة بالحصر في
نصب الشارع الرؤية سبباً للحكم بأول الشهر . وأنه قياس مع الفارق إذ
المحبوس معذور فيجب عليه الاجتهاد في دخول الوقت فإن انكشف له
غلط قضى . والله أعلم .
رابعاً : نقض قياسه على إثبات أوقات الصلوات بالحساب :
فهذا القياس كسابقه باطل من أصله ، لأن المقيس عليه مختلف فيه
غير ثابت بنص ولا إجماع وثبوته بنص أو اتفاق الخصمين شرط للأصل
المقيس عليه ، وشرط ثالث أن يكون الحكم معقول المعنى كتحريم الخمر
إلا إن كان تعبدياً كأوقات الصلوات وأعداد الركعات لأن ما لا يعقل معناه
لا يمكن تعديته إلى محل آخر .
وعلى التسليم فهو قياس مع الفارق . وقد بسطه القرافي في الفروق -
الفرق الثاني بعد المائة ذلك أن المشرع أناط الصلاة بوجود العلامة لوقتها
فنفس الوقت هو سبب الصلاة فمن علم السبب بأي طريق كان ، لزمه
حكمه فلذلك اعتبر الحساب المفيد للقطع في أوقات الصلوات . وأما

(2/214)


الأهلة فلم ينصب الشرع خروجها سبباً بل جعل السبب الرؤية لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" صوموا لرؤيته " ، ولم يقل لخروجه ، فإن لم تكن رؤية رد إلى الإكمال
الذي يباري الرؤية في الإهلال . ثم بسط وأورد ما للمعارض وأجاب عنه
في بحث مطول . والله أعلم .

(2/215)


المبحث السابع
في ظنية الحساب
وذلك للأمور الآتية :
1- أن قطعية الحساب لا تقبل إلا بنتائج فاشية تفيد العلم اليقيني
بصدق نتيجته واطرادها ، وإخبار العدول على رسم الشرع من ذوي البصارة
به - بذلك ، ويبسط طريقته بمحضر من أهل العلم لمعرفة مدى سلامة
مقدماته شرعاً هذا لو جعل الشرع المصير إليه .
والدافع أنه ليس لدينا دليل متوفر على هذا المنوال ليكسب إفادته
اليقين إلا شهادة بعض الفلكيين لأنفسهم بأن حسابه يقيني . والأدلة المادية
الآتية تقدح في مؤدى شهادتهم ، وتقوي نفي نظائرهم في الفلك من عدم
إفادته اليقين كما قررته اللجنة الشرعية الفلكية بالأزهر في قراراتها
المطبوعة ، إضافة إلى أن الشرع لا يعتبر صدق الخبر والشهادة إلا من مبرز
في العدالة الشرعية .
2- قيام دليل مادي في ساحة المعاصرة على أن الحساب أمر تقديري
اجتهادي يدخله الغلط - وذلك في النتائج الحسابية التي ينشرها الحاسبون
في الصحف من تعذر ولادة شهر رمضان أو شهر الفطر مثلاً ليلة كذا ، ثم
تثبت رؤية الهلال بشهادة شرعية معدلة ، أو رؤية فاشية في ذات الليلة التي
قرروا استحالته فيها .

(2/216)


ومنه ما حدث في هلال الفطر شهر شوال من هذا العام 1406 هـ
فإن الحاسبين أعلنوا النتيجة في الصحف باستحالة رؤية هلال شوال ليلة
السبت (30) من شهر رمضان . فثبت شرعاً بعشرين شاهداً على أرض
المملكة العربية السعودية في مناطق مختلفة في : عاليتها ، وشمالها ،
وشرقها . ورؤي في أقطار أخرى من الديار الإسلامية .
فهذا دليل مادي حاضر مشاهد على أن النتائج الفلكية المعاصرة في
هذا ظنية وضعيفة ضعفاً غالباً ، وهذا في ساعة المعاصرة التي ينادي فيها
البعض إلى الاعتماد على الحساب ولا أرى هذا الدليل إلا إعلاناً على
عدم صدق شهادة الفلكيين لأنفسهم بأن حسابهم قطعي .
3- ومن شواهد المعاصرة على ذلك أنا رأينا بعض البلدان الإسلامية
تعلن الصوم والفطر بموجب الحساب الفلكي ، والفارق بينها وبين البلدان
التي تثبته بالرؤية يومان أو ثلاثة . فهل يكون في الدنيا فارق في الشهور
القمرية الشرعية كهذه المدة ؟ وهذا هو عين دخول الخلل في مواسم التعبد
مما يقطع كل عاقل بفساده . وقد بسط ابن تيمية رحمه الله تعالى ما يدخل
على المسلمين من التلاعب في شعائرهم من جنس ما يحصل من أهل
الكتابين وغيرهم ، إذ كانت الأحكام عندهم معلقة على الأهلة ثم جعلوها
دائرة على السنة الشمسية على اصطلاحات لهم . ومن جنس النسيء الذي
كان عند العرب على ضربين :
الأول : تأخيرهم المحرم إلى صفر لحاجتهم إلى شن الغارات .
والثاني : تأخير الحج عن وقته تحرياً منهم للسنة الشمسية .
كما يعلم من تفسير قوله تعالى { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ يُضَلُّ

(2/217)


بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } الآية .
4- ودليل آخر في ساحة المعاصرة وهو : التضارب الحاصل بالنتائج
والتقاويم المنتشرة بحساب المعاصرين ، فإنها متفاوتة مختلفة في إثبات
أوائل الشهور وما زال اختلافها قائماً في الولاية الواحدة ومن ولاية إلى
أخرى . فهذا دليل على دفع يقينيته أو ظنيته الغالبة .
5- أن الطب مثلاً في العصر الراهن بلغ من الدقة والترقي ما هو
مشاهد لعموم الناس ، ومع هذا فيقع لذوي البصارة فيه ومن دونهم من
الخطأ والغلط ما يكون ضحيته نفس معصومة أو منفعة أو عضو محترم ،
هذا مع أن لوازمه مدركة بالحواس العاملة فيه من سمع وبصر ولمس ...
فكيف بحال الحساب الفلكي الذي ما زال عملة نادرة ولم تكن نتيجة
فاشية باليقين ، ولوازمه غير محسوسة . ؟ إذاً فكيف يسوغ التحول من
المقطوع بدلالته بحكم الشرع إلى المظنون ومن المتيقن إلى المشكوك في
نتيجته .
6- الحساب الفلكي المعاصر قائم على الرصد بالمراصد الصناعية
الحديثة والمرصد كغيره من الآلات التي يؤثر على صلاحيته ، نتائجها : أي
خلل فني فيها قد لا يشعر به الراصد . هذا فيه ظنية من حيث الآلة . ورحم
الله الشيخ أحمد شاكر إذ تحوط في بحثه من حيث الراصد فنص على
الوثاقة . والله أعلم .

(2/218)


المبحث الثامن
في منابذته للشرع
وذلك من وجوه :
أولاً : حقيقة الشهر عند الفلكيين هي المدة بين اجتماع الشمس والقمر
مرتين بعد الاسترسال وقبل الاستهلال . وهذه المدة مقدرة عندهم بمقدار
واحد وهو (29) يوماً ، (12) ساعة ، و (44) دقيقة .
وتمثل هذه المدة دورة القمر حول الأرض أي دورته الاقترانية بالشمس
بحيث يكون القمر واقعاً بين الأرض والشمس تماماً . وعند اللحظة التي
يغادر القمر فيها وضع الاقتران أي ينفصل فيها القمر عن الدائرة الشعاعية
ويستمر إلى أن يجتمع معها مرة ثانية حينئذ يبدأ الشهر القمري الفلكي ،
واعلم أن (الاقتران) عند الفلكيين هو ما يسمى بالمحاق عند المتقدمين ،
واعلم أنه في : حال الاقتران ، لا يرى القمر وذلك لأن نصف القمر
المضيء يكون في اتجاه الشمس . ونصفه المظلم يكون في اتجاه الأرض
ولكن عندما يتحرك القمر بعيداً عن وضع الاقتران يتغير وضع القمر بالنسبة
لسكان الأرض وتظهر حافة القمر لامعة والتي هي : قوس دقيق بشكل
هلال .
هذه هي حقيقة الشهر عند الفلكيين . وهذا مقداره عندهم .

(2/219)


أما حقيقته الشرعية : فهي الرؤية له عند الغروب أي أول ظهور القمر
بعد السواد وهذا بالإجماع حكاه ابن رشد وغيره .
ومقدار الشهر القمري الشرعي هو : لا يزيد عن (30) يوماً ، ولا ينقص
عن (29) يوماً .
وعليه فهناك فروق بين الاعتبارات الشرعية والاعتبارات الفلكية في
عدة أمور :
1- الشهر يبتدئ عند الفلكيين قبل البدء بالاعتبار الشرعي ونتيجة
لذلك فهو ينتهي قبل .
2- الشهر مقدر بوحدة زمنية ثابتة عند الفلكيين هي (29) يوماً و (12)
ساعة و (44) دقيقة . أما بالاعتبار الشرعي فهو إما (30) يوماً أو (29)
يوماً .
3- أن الشهر يبتدئ باعتبار الشرع بطريق (الحس) والمشاهدة بالعين
الباصرة أو بالإكمال بخروج الهلال حقيقة أما باعتبار الفلكيين فهو : بتقدير
خروجه لا بخروجه فعلاً .
4- عند الفلكيين لا فرق أن يتم الاقتران والانفصال ليلاً أو نهاراً ، فلو
حصل الاقتران والانفصال قبيل الفجر فاليوم عندهم هو بعد الفجر مباشرة .
ولو حصل أثناء النهار فإن الشهر يبتدئ في اللحظة التالية له . أما باعتبار
الشرع فالمعتبر الرؤية بعد الغروب فلو رؤي نهاراً بعد الزوال فهو لليلة
المقبلة ولا يصام ذلك النهار الذي رؤي فيه وهذا بلا نزاع بين أهل العلم
بل حكي الإجماع عليه ، أما إذا رؤي نهاراً قبل الزوال فالجمهور ومنهم
الأربعة أنه لا عبرة بذلك ويكون لليلة المقبلة . والله أعلم .
ثانياً : دلالة النصوص النصية على أن إثبات أول الشهر بالإهلال أو

(2/220)


الإكمال إذا لم ير الهلال وحال دون منظره قتام أو سحاب . ولو صار اللجوء
إلى الحساب الفلكي وقرر الحاسب أن الشهر سيهل بمضي (29) يوماً
لصار هذا ملغياً لأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالإكمال وقاضياً على موجب النص .
ثالثاً : إن صاحب الشرع جعل رؤية الهلال خارجاً من شعاع الشمس
هو السبب فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي فلا يثبت
الحكم فألجأ الشرع إلى سبب شرعي آخر هو : إكمال العدة ثلاثين يوماً
التي هي أقصى مدة للشهر القمري بنص الشرع .
أما الحساب ففيه منابذة لهذا ، إذ جعل تقدير خروج القمر من الشعاع
سبباً للصوم ، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : " صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته " ، ولم يقل
لتقدير خروجه عن شعاع الشمس . فطالما أن صاحب الشرع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشعر
بحصر السبب : الإهمال أو الإكمال ولم ينصب صاحب الشرع الحساب
لخروجه سبباً فلا يجب صوم ولا فطر . وهذا معنى ما قرره القرافي في
الفروق . والله أعلم .
رابعاً : أن الشرع وقَّت أول الشهر بأمر طبعي عام يدرك بالأبصار فلا
يضل أحد عن دينه ، ولا يشغله مراعاته عن شيء من مصالحه ، ولا يدخل
بسببه فيما لا يعنيه ، ويكون طريقاً إلى التلبيس في دين الله . ويستوي في
معرفته أهل الإسلام كافة على اختلاف طبقاتهم .
وإثباته بالحساب الفلكي يفقد هذه المحاسن الشرعية كما هو بيِّن لمن
تأمله .
وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى هذا أشد البسط
في رسالته كما في : الفتاوى 25 / 134 - 136 ، 139 - 141 . والله أعلم .

(2/221)


الخلاصة :
إن طريق إثبات أول الشهر شرعاً : بالإهلال أو الإِكمال ، وأن إجماع
المسلمين منعقد على عدم الأخذ بالحساب في إثبات أوائل الشهور . وأن
الخلاف الحاصل : حادث ، ثم هو ليس على إطلاقه بل هو مقيد عند من
قال به . ثم إنه وقعت في حكايته أغاليط ، وأن كلمة المحققين والحفاظ
على أن الخلاف الحادث في هذا شاذ تنكبه الأئمة . والله أعلم .

المسألة الثانية : في توحيد الرؤية .
أن هذه المسألة قد استهلكت من البحوث والدراسات الفردية
والجماعية وعلى المستويات الرسمية ما لو جمع لصار في عدة مجلدات .
ومنها بحثها في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة لمدة تزيد عن
عشرين عاماً وهي تدرس من جلسة إلى أخرى حتى أصدرت الرابطة أخيراً
قراراً لها في المجمع الفقهي المتضمن : أنه لا شك في اختلاف المطالع
وأن المسألة من مباحث العلم الخلافية . وأن أحوال العالم الإسلامي كما
هي معلومة على ما في كتاب (تبيان الأدلة في إثبات الأهلة) ص / 5 ،
50 - 52 وأن القول بعدم توحيد الرؤية هو مذهب الجمهور منهم الأئمة
الثلاثة فلكل قوم رؤيتهم والخلاف للحنابلة واختار جماعة منهم مذهب
الجمهور منهم شيخ الإسلام ابن تيمية . وأن حديث كريب مع ابن عباس
رضي الله عنهم في صحيح مسلم وغيره يفيد عدم توحيد الرؤية ... ولهذا
قرر المجمع على أن أهل كل بلد يتبعون ما يقرره أهل الفتوى فيهم . وأن
على المسلمين السعي إلى أساس توحيدهم وجمع كلمتهم في تحكيم
شريعة الله وإعلان الحكم بها قولاً وعملاً .

(2/222)


وبمثل هذا قررت : اللجنة الشرعية الفلكية بالأزهر برئاسة شيخ الأزهر
محمود شلتوت عام 1379 هـ . وأنه لذلك ولوجود بحوث لدى المجمع
كافية في هذه المسألة اقتصرت على هذه الإلمامة وهي خلاصة ما يظهر
في هذا الموضوع . وأنه لا ينبغي التهويل والإرجاف في أن اختلاف أهل
الأقطار الإسلامية في يومي الصوم والإفطار - مدعاة إلى تفككهم . وأن
الواجب هو الالتفات إلى توثيق الأسس من حماية الاعتقاد من أسباب الزيغ
والانحراف . وتحكيم الشرع المطهر بين المسلمين وتربية أجيالهم على
تعاليمه . وتكثيف دراستها في المدارس النظامية .
والله المستعان وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

(2/223)