مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة

الباب الرابع
المعاملات
وتشتمل على ما يلي:
1 - كتاب البيع
2 - الخيار
3 - السلم
4 - الربا
5 - القرض
6 - الرهن
7 - الضمان والكفالة
8 - الحوالة
9 - الصلح
10 - الحجر
11 - الوكالة
12 - الشركة
13 - المساقاة والمزارعة
14 - الإجارة
15 - السبق
16 - العارية
17 - الغصب
18 - الشفعة والشفاعة
19 - الوديعة
20 - إحياء الموات
21 - الجعالة
22 - اللقطة واللقيط
23 - الوقف
24 - الهبة والصدقة
25 - الوصية
26 - العتق

(1/699)


المعاملات

1 - كتاب البيع
· الفرق بين العبادات والمعاملات:
الإسلام دين كامل جاء بتنظيم المعاملات بين الخالق والمخلوق بالعبادات التي تزكي النفوس، وتطهر القلوب.
وجاء بتنظيم المعاملات بين المخلوقين بعضهم مع بعض بالمعاملات الدائرة بين العدل والإحسان كالبيوع، والنكاح، والمواريث، والحدود وغيرها؛ ليعيش الناس إخوة في أمن، وعدل، ورحمة، يؤدون حق الله، وحق عباده.
· المصالح الكبرى في الدين:
المصالح التي عليها مدار الشرائع السماوية ثلاث:
الأولى: درء المفاسد، وتسمى الضروريات.
الثانية: جلب المصالح، وتسمى الحاجيات.
الثالثة: الجري على مكارم الأخلاق، وتسمى التحسينات.
فالضروريات تكون بدرء المفاسد عن خمسة أشياء هي:
الدين .. والنفس .. والعقل .. والعرض .. والمال.
وجلب المصالح يكون بإباحة الحاجات والمصالح المشتركة بين الناس على الوجه المشروع، يستجلب كل شخص حاجته ومصلحته من الآخر كالبيوع والإجارات ونحوها.
والجري على مكارم الأخلاق يكون بفعل الفضائل التي تزيد الحياة حُسناً، وطمأنينة، ومحبة، وأمناً.

(1/701)


· أقسام العقود:
أقسام العقود ثلاثة:
1 - عقد معاوضة محضة كالبيع، والإجارة، والشركة ونحوها.
2 - عقد تبرع محض كالهبة، والصدقة، والعارية، والضمان ونحوها.
3 - عقد تبرع ومعاوضة معاً كالقرض، فهو تبرع لأنه في معنى الصدقة، ومعاوضة حيث إنه يَردّ مثله.
· البيع: مبادلة مال بمال من أجل التملك.

· أقسام الناس في البيع:
الناس في البيع ثلاثة أقسام:
فمن الناس مَنْ يبيع بالعدل .. ومنهم من يبيع بالظلم .. ومنهم من يبيع بالإحسان.
فالذي يبيع بالعدل هو الذي يعطي الشيء ويأخذ ثمنه بالعدل، فلا يَظلم ولا يُظلم.
والذي يبيع بالظلم والجَور كالغشاش والكذاب والمرابي ونحوهم.
والذي يبيع بالإحسان هو من كان سمحاً في البيع والشراء، ويمهل في القضاء، ويبادر بالوفاء، ولا يزيد في الثمن، فهذا أفضل الأقسام، والأول جائز، والثاني محرم.
1 - قال الله تعالى { ... إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل/90].
2 - وقال الله تعالى: { ... وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)} [البقرة/275].
3 - وعن جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى». أخرجه البخاري (1).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (2076).

(1/702)


· حكمة القيام بالأعمال الكسبية:
المسلم يعمل في أي عمل كسبي لإقامة أمر الله في ذلك العمل .. وإرضاء الرب بامتثال أوامره .. وإحياء سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ذلك العمل .. وفعل الأسباب المأمور بها .. ثم يرزقه الله رزقاً حسناً .. ويوفقه لأن يصرفه في مصرف حسن.
· حكمة مشروعية البيع:
لما كانت النقود والسلع والعروض موزعة بين الناس كلهم، وحاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه وهو لا يبذله بغير عوض.
وفي إباحة البيع قضاء لحاجته، ووصول إلى غرضه، وإلا لجأ الناس إلى النهب، والسرقة، والحيل، والمقاتلة.
لذا أحلَّ الله البيع لتحقيق تلك المصالح، وإطفاء تلك الشرور، وهو جائز بالإجماع، قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة/ 275].

· شروط صحة البيع:
يشترط لصحة البيع ما يلي:
1 - التراضي من البائع والمشتري إلا من أُكره بحق.
2 - أن يكون العاقد جائز التصرف بأن يكون كل منهما حراً، مكلفاً، رشيداً.
3 - أن يكون المبيع مما يباح الانتفاع به مطلقاً، فلا يجوز بيع ما لا نفع فيه كالباعوض، والصراصير، ولا ما نفعه محرم كالخمر، والخنزير، ولا ما فيه منفعة لا تباح إلا حال الحاجة والاضطرار كالكلب، والميتة، إلا السمك والجراد.
4 - أن يكون المبيع مملوكاً للبائع، أو مأذوناً له في بيعه وقت العقد.
5 - أن يكون المبيع معلوماً للمتعاقدين برؤية، أو صفة.
6 - أن يكون الثمن معلوماً.

(1/703)


7 - أن يكون المبيع مقدوراً على تسليمه، فلا يصح بيع السمك في البحر، أو الطير في الهواء ونحوهما؛ لوجود الغرر، وهذه الشروط لدفع الظلم، والغرر، والربا عن الطرفين.
· بم ينعقد البيع:
ينعقد البيع بإحدى صفتين:
1 - قولية: بأن يقول البائع: بعتك أو مَلَّكْتُكَ أو نحوهما، ويقول المشتري: اشتريت، أو قَبِلت ونحوهما مما جرى به العرف.
2 - فعلية: وهي المعاطاة كأن يعطيه عشرة ريالات ليأخذ بها جبناً، فيعطيه بلا قول، ونحو ذلك مما جرى به العرف إذا حصل التراضي.
· حكم البيع والشراء من المشركين:
يجوز البيع والشراء من كل مسلم وكافر فيما هو مباح شرعاً.
عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً» قَالَ: لَا، بَلْ بَيْعٌ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً. متفق عليه (1).
· فضل الورع في المعاملات:
يجب على كل مسلم أن يكون بيعه وشراؤه، وطعامه وشرابه، وسائر معاملاته على السنة، فيأخذ الحلال البيِّن ويتعامل به، ويجتنب الحرام البيِّن ولا يتعامل به، أما المشتبه فينبغي تركه؛ حماية لدينه وعرضه، ولئلا يقع في الحرام.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ، وَإنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ، اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2216)، واللفظ له، ومسلم برقم (2056).

(1/704)


وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوْشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيْهِ، أَلا وَإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً أَلا وَإنَّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ، أَلا وَإنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ القَلْبُ». متفق عليه (1).
· أين تُصرف الأموال المشتبهة:
المشتبهات من الأموال ينبغي صرفها في الأبعد عن المنفعة فالأبعد.
فأقربها ما دخل في البطن، ثم ما ولي الظاهر من اللباس، ثم ما عرض من المراكب كالخيل والسيارة ونحوهما.
· فضل الكسب الحلال:
1 - قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة/10].
2 - وعن المقدام رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإنَّ نَبِيَّ الله دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». أخرجه البخاري (2).
· وكان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يتبايعون وَيَتَّجِرُونَ، ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق الله تعالى لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله تعالى.
· أفضل المكاسب:
المكاسب تختلف باختلاف الناس، والأفضل لكل أحد ما يناسب حاله من زراعة، أو صناعة، أو تجارة، بشروطها الشرعية.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52)، ومسلم برقم (1599)، واللفظ له.
(2) أخرجه البخاري برقم (2072).

(1/705)


· حكم الكسب:
يجب على الإنسان أن يجتهد في طلب الرزق الحلال؛ ليأكل وينفق على أهله وفي سبيل الله، ويستعفّ عن سؤال الناس، وأطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلاً فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ». متفق عليه (1).
· فضل السماحة في البيع والشراء:
ينبغي أن يكون الإنسان في معاملته سهلاً سمحاً حتى ينال رحمة الله.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رَحِمَ الله رَجُلاً سَمْحاً إذَا بَاعَ، وَإذَا اشْتَرَى، وَإذَا اقْتَضَى». أخرجه البخاري (2).
· خطر كثرة الحلف في البيع:
كثرة الحلف في البيع منفقة للسلعة، ممحقة للربح، وقد نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «إيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الحَلِفِ فِي البَيْعِ، فَإنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ». أخرجه مسلم (3).
· الصدق في البيع والشراء سبب لحصول البركة، والكذب سبب لمحق البركة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1470) واللفظ له، ومسلم برقم (1042).
(2) أخرجه البخاري برقم (2076).
(3) أخرجه مسلم برقم (1607).

(1/706)


مفاتيح الرزق وأسبابه
أهم مفاتيح الرزق وأسبابه التي يُسْتَنزل بها الرزق من الله عز وجل:
· الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل من الذنوب:
1 - قال الله تعالى عن نوح - صلى الله عليه وسلم -: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)} [نوح/10 - 12].
2 - وقال الله تعالى عن هود - صلى الله عليه وسلم -: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)} [هود/52].
· التبكير في طلب الرزق:
ينبغي التبكير في طلب الرزق، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا». أخرجه أبو داود والترمذي (1).
· الدعاء:
1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة/ 186].
2 - وقال الله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)} [المائدة/114].
· تقوى الله عز وجل:
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق/2 - 3].
_________
(1) صحيح/أخرجه أبو داود برقم (2606)، وأخرجه الترمذي برقم (1212).

(1/707)


2 - وقال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف/96].
· اجتناب المعاصي:
قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)} [الروم/41].
· التوكل على الله عز وجل:
ومعناه: اعتماد القلب على الوكيل وحده سبحانه، وطلب الرزق بالبدن.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [لطلاق/3].
2 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى الله حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصَاً وَتَرُوحُ بِطَاناً». أخرجه الترمذي وابن ماجه (1).
· حضور القلب أثناء العبادة:
عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يَقُولُ رَبُّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلأْ قَلْبَكَ غِنَىً، وَأمْلأْ يَدَيْكَ رِزْقاً، يَا ابْنَ آدَمَ لا تَبَاعَدْ مِنِّي فَأَمْلأ قَلْبَكَ فَقْراً وَأَمْلأ يَدَيْكَ شُغْلاً». أخرجه الحاكم (2).
· المتابعة بين الحج والعمرة:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَإنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلَيسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إلَّا الجَنَّةَ». أخرجه الترمذي والنسائي (3).
_________
(1) صحيح/أخرجه الترمذي برقم (2344)، وأخرجه ابن ماجه برقم (4164)، وهذا لفظه.
(2) صحيح/أخرجه الحاكم برقم (7926)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (1359).
(3) حسن/أخرجه الترمذي برقم (810)، وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (2631).

(1/708)


· الإنفاق في سبيل الله تعالى:
1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)} [سبأ/39].
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قَالَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ». أخرجه مسلم (1).
· الإنفاق على طلبة العلم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَالآخَرُ يَحْتَرِفُ، فَشَكَا المُحْتَرِفُ أَخَاهُ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ». أخرجه الترمذي (2).
· صلة الرحم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». متفق عليه (3).
· إكرام الضعفاء والإحسان إليهم:
1 - عن مصعب بن سعد قال: رأى سعد رضي الله عنه أَنَّ له فضلاً عَن مَنْ دونه، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ؟». أخرجه البخاري (4).
2 - وفي لفظ: «إنَّمَا يَنْصُرُ الله هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا، بِدَعْوَتِهِمْ، وَصَلاتِهِمْ، وَإخْلاصِهِمْ». أخرجه النسائي (5).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (993).
(2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2345).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2067) واللفظ له، ومسلم برقم (2557).
(4) أخرجه البخاري برقم (2896).
(5) صحيح/أخرجه النسائي برقم (3178).

(1/709)


· الهجرة في سبيل الله:
قال الله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)} [النساء/100].

· حكم الصدق والبيان في المعاملات:
يجب الصدق والبيان في جميع المعاملات بين الناس.
فيجب على البائع والمشتري وغيرهما أن يصدقا ويبينا؛ لتحصل البركة في هذا البيع، ويكون عبادة فيه أجر وثواب.
فالصدق من جهة البائع يكون ببيان الصفات المرغوبة، ومقدار السوم ونحوهما، والبيان يكون ببيان الصفات المكروهة، والصدق من جهة المشتري يكون بالوفاء.
فإذا وصف السلعة بما فيها فقد صدق، وإن وصفها بما ليس فيها من الصفات المرغوبة فقد كذب، وإن باعه السلعة، وبيّن العيب، فقد بيّن ولم يكتم، وإن باعه السلعة، وكتم ما فيها من الصفات المكروهة، فهذا كتم ولم يبيّن.
ولا تحصل البركة أبداً إلا بالصدق والبيان.
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا».
متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2082)، واللفظ له، ومسلم برقم (1532)،.

(1/710)


صور من البيوع المباحة
1 - بيع التولية: وهي أن يقول البائع وليتك السلعة بما اشتريتها به.
2 - بيع المرابحة: وهي أن يذكر السلعة وثمنها، ثم يقول بعتكها بربح خمسه مثلاً.
3 - بيع المواضعة: وهي أن يذكر السلعة وثمنها، ثم يقول بعتكها بخسارة عشره مثلاً.
4 - بيع المساومة: وهي أن يسوم السلعة بثمن، ثم يشتريها إن رضي البائع بالسوم.
5 - بيع الشركة: وهي أن يقول المشتري بعد قبض السلعة أشركتك فيما اشتريته بالنصف أو الربع مثلاً.
6 - بيع المبادلة: وهي أن يبيع سلعة بسلعة أخرى، وتسمى المقايضة.
7 - بيع المزايدة: وهي أن يبيع السلعة بين الناس بأعلى ثمن تصل إليه.

صور من البيوع المنهي عنها
أباح الإسلام كل شيء يجلب الخير والبركة والنفع المباح، وَحَرَّم بعض البيوع والأصناف؛ لما في بعضها من الجهالة والغرر، أو الإضرار بأهل السوق، أو إيغار الصدور، أو الغش والكذب، أو ضرر على البدن والعقل ونحوها مما يسبب الأحقاد، والتشاحن، والتناحر، والأضرار.
فتحرم تلك البيوع ولا تصح، ومنها:
1 - بيع الملامسة: كأن يقول البائع للمشتري مثلاً: أي ثوب لمسته فهو لك بعشرة، وهذا البيع فاسد؛ لوجود الجهالة والغرر.
2 - بيع المنابذة: كأن يقول المشتري للبائع: أي ثوب نبذته إليّ فهو عليّ بكذا، وهذا البيع فاسد؛ لوجود الجهالة والغرر.

(1/711)


3 - بيع الحصاة: كأن يقول البائع: ارم هذه الحصاة فعلى أي سلعة وقعت فهي لك بكذا، وهذا البيع فاسد، لوجود الجهالة والغرر.
4 - بيع النجش: وهو أن يزيد في السلعة مَنْ لا يريد شراءها، وهذا البيع حرام؛ لأن فيه تغريراً بالمشترين الآخرين وخداعاً لهم.
5 - بيع الحاضر للبادي: وهو السمسار الذي يبيع السلعة بأغلى من سعر يومها، وهذا البيع غير صحيح؛ لما فيه من الضرر والتضييق على الناس، لكن إن جاء إليه البادي وطلب منه أن يبيع أو يشتري له فلا بأس.
6 - بيع السلعة قبل قبضها لا يجوز؛ لأنه يُفضي إلى الخصام والفسخ، خاصة إذا رأى أن المشتري سيربح فيها.
7 - بيع العينة: وهو أن يبيعه سلعة إلى أجل ثم يشتريها منه بأقل من قيمتها نقداً، فاجتمع فيه بيعتان في بيعة، وهذا البيع حرام وباطل؛ لأنه ذريعة إلى الربا، فإن اشتراها بعد قبض ثمنها، أو بعد تغير صفتها، أو من غير مشتريها جاز.
8 - بيع الرجل على بيع أخيه: كأن يشتري رجل سلعة بعشرة وقبل إنهاء البيع يجيء آخر ويقول: أنا أبيعك مثلها بتسعة أو أقل مما اشتريت به، ومثله الشراء، كأن يقول لمن باع سلعة بعشرة أنا أشتريها منك بخمسة عشر ليترك الأول ويدفعها له، وهذا البيع والشراء حرام؛ لما فيه من الإضرار بالمسلمين، وإيغار صدور بعضهم على بعض.
9 - البيع بعد نداء الجمعة الثاني ممن تلزمه الجمعة محرم لا يصح، وكذا سائر العقود، كما يحرم البيع والشراء في كل مسجد.
10 - كل ما كان حراماً، كالخمر والخنزير والتماثيل أو وسيلة إلى محرم كآلات اللهو فبيعه وشراؤه حرام.
11 - بيوع الجهالة والغرر.
ومن البيوع المحرمة: بيع حَبَل الحَبَلة .. وبيع الملاقيح: وهو ما في بطون

(1/712)


الأمهات .. وبيع المضامين: وهو ما في أصلاب الفحول .. وضراب الجمل .. وعسب الفحل .. ويحرم ثمن الكلب والسنور .. ومهر البغي .. وحلوان الكاهن .. وبيع المجهول .. وبيع الغرر .. وبيع ما يعجز عن تسليمه كالطيور في الهواء.
12 - بيع الثمار قبل بدو صلاحها ونحو ذلك مما سيأتي.

· أنواع المحرمات:
المحرمات في الشرع نوعان:
1 - المحرمات من الأعيان: كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، والخبائث، والنجاسات ونحوها.
2 - المحرمات من التصرفات: كالربا، والميسر، والقمار، والاحتكار، والغش، وبيوع الغرر ونحو ذلك مما فيه ظلم وأكل لأموال الناس بالباطل.
فالأول تعافه النفس، والثاني تشتهيه، فاحتاج إلى رادع وزاجر وعقوبة تمنع من الوقوع فيه.

· حكم بيع المشاع:
إذا باع مشاعاً بينه وبين غيره صح في نصيبه بقسطه، وللمشتري الخيار إن جهل الحال.

· حكم بيع الماء والكلأ والنار:
المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار، فماء السماء وماء العيون لا يُملك، ولا يصح بيعه ما لم يحزه في قِرْبته، أو بركته، أو نحوهما، والكلأ سواء كان رطباً أو يابساً ما دام في أرضه لا يجوز بيعه.
والنار سواء وقودها كالحطب، أو جذوتها كالقبس، لا يجوز بيعها.
فهذه من الأمور التي أشاعها الله بين خلقه، فيجب بذلها لمحتاجها، ويحرم منع أحد منها.

(1/713)


· حكم الزيادة أو النقص في المبيع:
1 - إذا باع شخص داراً تناول البيع أرضها، وأعلاها، وأسفلها، وكل ما فيها، وإن كانت المباعة أرضاً شمل البيع كل ما فيها ما لم يستثن منها.
2 - إذا باع داراً على أنها مائة متر فبانت أقل أو أكثر صح البيع، والزيادة للبائع، والنقص عليه، ولمن جهله وفات غرضه الخيار.

· حكم الجمع بين البيع والإجارة:
إذا جمع بين بيع وإجارة فقال: بعتك هذا البيت بمائة ألف، وأجَّرتك هذا البيت بعشرة آلاف، فقال الآخر: قبلت، صح البيع والإجارة، وكذا لو قال: بعتك هذا البيت، وأجرتك هذا البيت بمائة ألف صح، ويقسط العوض عليهما عند الحاجة.

· حكم ترويج السلع بالهدايا:
الهدايا والجوائز المقدمة من المحلات التجارية لمن يشتري من بضائعهم المعروضة محرمة، وهي من القمار؛ إذ فيها إغراء للناس على الشراء منهم دون غيرهم، وشراء ما لا يحتاج أو يحرم طمعاً في الجائزة، وإضرار بالتجار الآخرين، والجائزة التي يأخذها منهم محرمة؛ لكونها من الميسر المحرم شرعاً.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} [المائدة/90].

· حكم بيع المجلات والصحف السيئة:
المجلات والصحف التي تحمل فكراً سيئاً كمحاربة الدين وأهله، والمجلات والصحف الخليعة التي تدعو إلى التهتك والفجور، وأشرطة الفيديو والكاسيت التي تحمل الأغاني وأصوات المعازف، والتي تظهر فيها صور النساء سافرات، غناء وتمثيلاً، وكل ما يحمل الكلام الساقط، والغزل الفاحش، ويدعو إلى الرذيلة.

(1/714)


فذلك كله يحرم بيعه وشراؤه، وسماعه، والنظر إليه، والتجارة فيه، والمال الذي منه بيعاً أو شراءً أو تأجيراً كله سحت حرام لا يحل لصاحبه.

· حكم التأمين التجاري:
التأمين التجاري عقد يلزم فيه المؤمِّن أن يدفع للمؤمَّن له عوضاً مادياً يتفق عليه عند وقوع خطر، أو خسارة، مقابل رسم يؤديه المؤمَّن له، وهو محرم؛ لما فيه من الغرر والجهالة، وهو ضرب من الميسر، وأكل لأموال الناس بالباطل سواء كان على النفس، أو على البضائع، أو الآلات أو غيرها.

· حكم بيع ما يضر:
لا يجوز بيع عصير ممن يتخذه خمراً، ولا سلاح في فتنة، ولا بيع حيّ بميت.

· حكم الشرط في البيع:
كل بيع معلق على شرط لا يُحل حراماً ولا يُحرم حلالاً فهو صحيح كأن يشترط البائع سكنى الدار شهراً، أو يشترط المشتري حمل الحطب، وتكسيره ونحو ذلك.

· حكم بيع أو تأجير أرض المشاعر:
أرض منى ومزدلفة وعرفات مشاعر كالمساجد لعموم المسلمين، فلا يجوز بيعها أو تأجيرها، ومن فعل ذلك فهو عاص آثم ظالم، والأجرة عليه حرام، ومن دفعها محتاجاً فلا إثم عليه.

· حكم بيع التقسيط:
بيع التقسيط صورة من بيع النسيئة وهو جائز، فبيع النسيئة مؤجل لأجل واحد، وبيع التقسيط مؤجل لآجالٍ متعددة.
1 - تجوز الزيادة في ثمن السلعة لأجل التأجيل أو التقسيط كأن يبيعه سلعة قيمتها

(1/715)


مائة حالَّة بمائة وعشرين مؤجلة لأَجَلٍ واحد، أو آجال محددة، بشرط ألّا تكون الزيادة فاحشة، أو يستغل المضطرين.
2 - البيع إلى أجل أو بالتقسيط يكون مستحباً إذا قصد به الرفق بالمشتري، فلا يزيد في الثمن لأجل الأجل، وبذلك يثاب فيه البائع على إحسانه، ويكون مباحاً إذا قُصد به الربح والمعاوضة، فيزيد في الثمن لأجل الأجل، ويسدَّد على أقساط معلومة، لآجال معلومة.
3 - لا يجوز للبائع أن يأخذ من المشتري زيادة على الدين إذا تأخر في دفع الأقساط؛ لأن ذلك ربا محرم، لكن له رهن المبيع حتى يستوفي دينه من المشتري.

· حكم بيع البساتين:
1 - إذا باع أرضاً فيها نخل أو شجر، فإن كان النخل قد أُبِّر (لُقِّح)، والشجر ثمره باد فهو للبائع إلا أن يشترطه المشتري فهو له، وإن كان النخل لم يُؤَبَّر، والشجر لم يظهر طَلْعُه فهو للمشتري.
2 - لا يصح بيع ثمر النخيل أو غيرها من الأشجار حتى يبدو صلاحها، ولا يصح بيع الزرع قبل اشتداد حبه، وإذا باع الثمر قبل بدوّ صلاحه مع أصوله، أو باع الزرع الأخضر مع الأرض جاز ذلك، أو باع الثمرة بشرط القطع في الحال جاز.
3 - إذا اشترى أحد ثمرة وتركها إلى الحصاد أو الجذاذ بلا تأخير ولا تفريط، ثم أصابتها آفة سماوية كالريح والبرد ونحوهما فأتلفتها فللمشتري أن يرجع بالثمن على البائع.
وإن أتلفها آدمي خُيِّرَ مشتر بين الفسخ أو الإمضاء، ومطالبة من أتلفها ببدله.

· حكم المحاقلة:
هي بيع الحب المشتد في سنبله بحب من جنسه، وهي لا تجوز؛ لأنها جمعت محذورين: الجهالة في المقدار والجودة، والربا؛ لعدم انضباط التساوي.

(1/716)


· حكم المزابنة:
المزابنة هي: أن يباع ثمر النخل بالتمر كيلاً، وهي لا تجوز كالمحاقلة.

· حكم بيع العرايا:
لا يجوز شراء التمر بالرطب على رؤوس النخل؛ لما فيه من الغرر والربا، إلا أنه رُخِّصَ في بيع العرايا للحاجة، بأن يَخْرُصَ الرطب في النخل، ثم يعطيه قدره من التمر القديم، بشرط ألّا تزيد على خمسة أوسق، مع التقابض في مجلس العقد.

· حكم بيع الأعضاء:
1 - لا يجوز بيع العضو أو الجزء من الإنسان قبل الموت أو بعده، وإن لم يحصل عليه المضطر إلا بثمن جاز الدفع للضرورة، وحَرُم على الآخذ، وإن وهبه بعد الموت للمضطر وأُعطِي مكافأة قبل الموت فلا بأس بأخذها.
2 - لا يجوز بيع الدم لعلاج ولا غيره، فإن احتاجه لعلاج ولم يحصل عليه إلا بعوض جاز له أخذه بعوض، وحَرُم أخذ العوض على باذله.

· معنى الغرر:
الغرر: هو ما طُوي عن الإنسان علمه، وخفي عليه باطنه من معدوم أو مجهول، أو معجوز عنه، أو غير مقدور عليه.

· حكم بيع الغرر والميسر:
الغرر والميسر والقمار من المعاملات الخطرة المدمرة المحرمة، أفقرت بيوتاً تجارية كبرى، وسببت ثراء قوم بلا جهد، وفقر آخرين بالباطل، فكان الانتحار، والعداوة، والبغضاء، وهذا كله من عمل الشيطان.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} ... [المائدة/ 91].

(1/717)


· مفاسد بيع الغرر:
بيوع الغرر تجر مفسدتين كبيرتين:
الأولى: أكل أموال الناس بالباطل، فأحدهما إما غارم بلا غُنْم، أو غانم بلا غرم؛ لأنها رهان ومقامرة.
الثانية: العداوة والبغضاء بين المتبايعين إلى جانب الحقد والتناحر.

(1/718)


2 - الخيار
- حكمة مشروعية الخيار:
الخيار في البيع من محاسن الإسلام، إذ قد يقع البيع بغتة من غير تفكير، ولا تأمل، ولا نظر في القيمة، فيندم المتبايعان أو أحدهما، من أجل ذلك أعطى الإسلام فرصة للتروِّي تسمى الخيار، يتمكن المتبايعان أثناءها من اختيار ما يناسب كلاً منهما من إمضاء البيع، أو فسخه.
عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أوْ قال: حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا». متفق عليه (1).

- أقسام الخيار:
للخيار عدة أقسام، ومنها:
1 - خيار المجلس: ويثبت في البيع والصلح والإجارة وغيرها من المعاوضات التي يُقصد منها المال، وهو حق للمتبايعين معاً، ومدته من حين العقد إلى التفرق بالأبدان، وإن أسقطاه سقط، وإن أسقطه أحدهما بقي خيار الآخر، فإذا تفرقا لزم البيع، وتحرم الفرقة من المجلس خشية أن يستقيله.
2 - خيار الشرط: بأن يشترط المتبايعان أو أحدهما الخيار إلى مدة معلومة فيصح ولو طالت، ومدته من حين العقد إلى أن تنتهي المدة المشروطة، وإذا مضت مدة الخيار ولم يفسخ المشترط المبيع لزم البيع، وإن قطعا الخيار أثناء المدة بطل؛ لأن الحق لهما.
3 - خيار الخلاف في السلعة أو الثمن: كما لو اختلفا في قدر الثمن، أو عين البيع، أو صفته، ولم تكن بيّنة فالقول قول البائع مع يمينه، ويُخيَّر المشتري بين القبول أو الفسخ.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2079) واللفظ له، ومسلم برقم (1532).

(1/719)


4 - خيار العيب: وهو ما يُنقص قيمة المبيع، فإذا اشترى سلعة ووجد بها عيباً فهو بالخيار، إما أن يردها ويأخذ الثمن، أو يمسكها ويأخذ أرش العيب، فتقوّم السلعة سليمة، ثم تقوّم معيبة، ويأخذ الفرق بينهما، وإن اختلفا عند مَنْ حدث العيب كعرج، وفساد طعام، فقول بائع مع يمينه، أو يترادان.
5 - خيار الغبن: وهو أن يُغبن البائع أو المشتري في السلعة غبناً يخرج عن العادة والعرف، وهو محرم، فإذا غُبن فهو بالخيار بين الإمساك والفسخ، كمن انخدع بمن يتلقى الركبان، أو بزيادة الناجش الذي لا يريد الشراء، أو كان يجهل القيمة ولا يحسن المماكسة في البيع فله الخيار.
6 - خيار التدليس: وهو أن يظهر البائع السلعة بمظهر مرغوب فيه وهي خالية منه، مثل إبقاء اللبن في الضرع عند البيع؛ ليوهمه بكثرة اللبن ونحو ذلك، وهذا الفعل محرم، فإذا وقع ذلك فهو بالخيار بين الإمساك أو الفسخ، فإذا حلبها ثم ردها، رد معها صاعاً من تمر عوضاً عن اللبن.
7 - خيار الخيانة: فإذا كان الثمن خلاف الواقع أو بان أقل مما أخبر به، فللمشتري الخيار بين الإمساك وأخذ الفرق، أو الفسخ، كما لو اشترى قلماً بمائة، فجاءه رجل وقال: بعنيه برأس ماله، فقال: رأس ماله مائة وخمسون، فباعه عليه، ثم تبين كذب البائع فللمشتري الخيار، ويثبت هذا الخيار في التولية، والشركة، والمرابحة، والمواضعة، ولا بد في جميعها من معرفة البائع والمشتري رأس المال.
8 - خيار الإعسار:
فإذا ظهر أن المشتري معسر أو مماطل فللبائع الفسخ إن شاء؛ حفاظاً على ماله.
9 - خيار الرؤية:
وهو أن يشتري شيئاً لم يره، ويَشْتَرِط أن له الخيار إذا رآه.
فهذا بالخيار إذا رآه، إن شاء أخذ المبيع بالثمن، وإن شاء رده.

(1/720)


- خطر الغش:
الغش محرم في كل شيء، ومع كل أحد، وفي أي معاملة، فهو محرم في المعاملات كلها، ومحرم في الأعمال المهنية، ومحرم في الصناعات، ومحرم في العقود والبيوع وغيرها؛ لما فيه من الكذب والخداع، ولما يسببه من التشاحن والتناحر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». أخرجه مسلم (1).
- الإقالة: هي فسخ العقد ورجوع كل من المتعاقدين بما كان له، وتجوز بأقل أو أكثر منه.

- حكم الإقالة:
الإقالة سنة للنادم من بائع ومشتر، وهي سنة في حق المقيل، مباحة في حق المستقيل، وتشرع إذا ندم أحد المتبايعين، أو زالت حاجته بالسلعة، أو لم يقدر على الثمن ونحو ذلك.
- الإقالة من معروف المسلم على أخيه إذا احتاج إليها، رَغَّبَ فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً أَقَالَهُ الله عَثْرَتَهُ يَومَ القِيَامَةِ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (2).

- حكم البيع إلى أجل:
البيع إلى أجل قسمان:
1 - إن كان المعجل السلعة، والمؤجل الثمن، فهذا الذي يسمى بيع التقسيط.
2 - وإن كان المعجل الثمن، والمؤجل السلعة، فهذا بيع السَّلَم، وكلا القسمين جائز شرعاً.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (102).
(2) صحيح/أخرجه أبو داود برقم (3460)، وأخرجه ابن ماجه برقم (2199)، وهذا لفظه.

(1/721)


3 - السَّلَم
- أنواع العقود:
العقود من حيث التسليم أربعة أنواع:
1 - بيع حالٍّ بحالّ: فهذا جائز، كأن يبيع كتاباً بعشرة ريالات نقداً.
2 - بيع مؤجل بمؤجل: كأن يبيعه سيارة صفتها كذا، تُسلَّم بعد سنة بعشرة آلاف مؤجلة إلى سنة، فهذا لا يجوز؛ لأنه بيع دَيْن بدَيْن.
3 - أن يُعجل الثمن ويؤخر السلعة، وهذا هو السلم، وهو جائز.
4 - أن يعجل السلعة، ويؤخر الثمن؛ وهذا جائز، كأن يبيعه سيارة بمائة ألف تحلّ بعد سنة.
- السَّلَم: هو عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد.
أباحه الله توسيعاً على المسلمين، وقضاء لحاجتهم، ويسمى (السلف)، فهو بيع عُجِّل ثمنه وأُجِّل مثمنه.
- حكم السلم:
حكم السلم جائز، ومثاله: كأن يعطيه مائة ريال، على أن يُسلِّمه خمسين كيلاً من التمر الفلاني بعد سنة.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ». متفق عليه (1).
- شروط صحة السلم:
يشترط له شروط زائدة على شروط البيع لضبطه وهي:
العلم بالمُسْلَم به، والعلم بالثمن، وقبضه في مجلس العقد، وأن يكون المسلَّم فيه في الذمة، وصفه صفة تنفي عنه الجهالة، ذكر أجله ومكان حلوله.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2240) واللفظ له، ومسلم برقم (1604).

(1/722)


مسائل تتعلق بالبيع والشراء
1 - التسعير: هو وضع ثمن محدد للسلع، بحيث لا يُظلم المالك، ولا يُرهق المشتري.
- حكم التسعير:
1 - يحرم التسعير إذا تضمن ظلم الناس، أو إكراههم بغير حق بشيء لا يرضونه، أو منعهم مما أباح الله لهم.
2 - يجوز التسعير إذا كانت لا تتم مصلحة الناس إلا به كأن يمتنع أصحاب السلع من بيعها إلا بزيادة مع حاجة الناس إليها، فتسعَّر بقيمة المثل لا ضرر ولا ضرار.
2 - الاحتكار: هو شراء السلع التي يحتاجها الناس وحبسها لِتَقِلَّ بين الناس فيرتفع سعرها.
- حكم الاحتكار:
الاحتكار حرام؛ لما فيه من الجشع، والطمع، والتضييق على الناس، ومن احتكر فهو خاطئ.
عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِاللهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ».
رواه مسلم (1).
3 - التورق: أن يشتري الإنسان سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها على غير البائع بثمن أقل مما اشتراها به.
- حكم التورق:
إذا احتاج الإنسان إلى نقد ولم يجد من يقرضه فيجوز أن يشتري سلعة إلى أجل، ثم يبيعها على غير الأول، وينتفع بثمنها.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1605).

(1/723)


4 - بيع العربون:
هو بيع السلعة مع دفع المشتري مبلغاً من المال إلى البائع على أنه إن أخذ السلعة احتسب المبلغ من ثمنها، وإن تركها فالمبلغ المدفوع للبائع الذي هو العربون.
وهذا البيع جائز إذا قُيِّدت فترة الانتظار بزمن محدد.
5 - بيع المزايدة:
عقد المزايدة: هو عقد معاوضة، يُدعى الناس للمشاركة فيه، ثم تباع السلع بأعلى سعر وصلت إليه برضا البائع.
وبيع المزايدة جائز بشروط البيع المعلومة، سواء كان المالك للسلع فرداً، أو جهة حكومية، أو شركة معتبرة.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِي الله عَنْه أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ فَاحْتَاجَ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟» فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ الله بِكَذَا وَكَذَا فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ. متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2141)، واللفظ له، ومسلم برقم (997).

(1/724)


4 - الربا
- أحكام الأموال ثلاثة:
عدل .. وفضل .. وظلم.
فالعدل هو البيع، والفضل هو الصدقة، والظلم هو الربا ونحوه.
- أصول المعاملات المحرمة:
مدار المعاملات المحرمة على ثلاثة أشياء هي:
الربا .. والظلم .. والغرر.
فكل معاملة اشتملت على واحد من هذه الثلاثة فالشرع قد حرمها، وما عدا ذلك فهو حلال؛ لأن الأصل في المعاملات الحل والإباحة.
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)} ... ] البقرة/ 29 [.
- الربا: هو الزيادة في بيع شيئين يجري فيهما الربا.
فالمرابي إما أن يزيد في شيء على شيء، أو يؤخر القبض مقابل الزيادة.

- حكم الربا:
1 - الربا من كبائر الذنوب، وهو محرم في جميع الأديان السماوية؛ لما فيه من الضرر العظيم، فهو يسبب العداوة بين الناس، ويؤدي إلى تضخّم المال على حساب سلب مال الفقير، وفيه ظلم للمحتاج، وتسلّط الغني على الفقير، وإغلاق باب الصدقة والإحسان، وقتل مشاعر الشفقة في الإنسان، حيث ينطبع قلب المرابي بالأثرة، والبخل، وضيق الصدر، وقساوة القلب، والعبودية للمال.
قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)} [البقرة/ 275].

(1/725)


2 - والربا أكل لأموال الناس بالباطل، وفيه تعطيل للمكاسب والتجارة والصناعات التي يحتاجها الناس، فالمرابي يزيد ماله بدون تعب، فيترك التجارة والمصالح التي ينتفع بها الناس، وما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة.

- عقوبة الربا:
الربا من أعظم الذنوب، وقد أعلن الله عز وجل الحرب على آكل الربا ومُوكِله من بين سائر الذنوب:
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} [البقرة/278 - 279].
2 - وعن جابر رضي الله عنه قال: لَعَنَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ الرِّبَا، وَمُوْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ. أخرجه مسلم (1).
3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِالله، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ الله إلَّا بِالحَقِّ، وأكلُ الرِّبَا، وأكلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ». متفق عليه (2).

- أقسام الربا:
1 - ربا النسيئة: وهو الزيادة التي يأخذها البائع من المشتري مقابل التأجيل كأن يعطيه ألفاً نقداً على أن يرده عليه بعد سنة ألفاً ومائة مثلا.
- ومنه قلب الدين على المعسر، بأن يكون له مال مؤجل على رجل، فإذا حَلّ الأجل قال له: أتَقضي أم تُرْبِي، فإن وفّاه وإلا زاد هذا في الأجل، وزاد هذا في المال، فيتضاعف المال في ذمة المدين.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1598).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2766) واللفظ له، ومسلم برقم (89).

(1/726)


وهذا هو أصل الربا في الجاهلية، فحرمه الله عز وجل، وأوجب إنظار المعسر، وهو أخطر أنواع الربا، لعظيم ضرره.
وقد اجتمع فيه الربا بأنواعه: ربا النسيئة، وربا الفضل، وربا القرض.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)} [آل عمران/130].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} [البقرة/280].
- ومنه ما كان في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، مع تأخير قبضهما، أو قبض أحدهما، كبيع الذهب بالذهب، والبر بالبر ونحوهما، وكذا بيع جنس بآخر من هذه الأجناس مؤجلا.
2 - ربا الفضل: وهو بيع النقود بالنقود أو الطعام بالطعام مع الزيادة، وهو محرم، وقد نص الشرع على تحريمه في ستة أشياء.
عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ، وَالبُرُّ بِالبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالمِلْحُ بِالمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَداً بِيَدٍ، فَإذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَداً بِيَدٍ». أخرجه مسلم (1).
- ما يُلحق بربا الفضل:
يقاس على هذه الأصناف الستة كل ما وافقها في العلة: في الذهب والفضة (الثَّمَنِيَّة)، وفي الأربعة الباقية (الكيل والطعم) أو (الوزن والطعم).
- المكيال مكيال المدينة، والميزان ميزان أهل مكة، وما لم يوجد فيهما يرجع فيه إلى العرف، وكل شيء حَرُم فيه ربا الفضل حَرُم فيه ربا النسيئة.
3 - ربا القرض: وصفته أن يُقرض الإنسان أحداً شيئاً ويشترط عليه أن يرد أفضل
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1587).

(1/727)


منه، أو يشترط عليه نفعاً ما، نحو أن يسكنه داره شهراً مثلا، وهو حرام، فإن لم يشترط وبذل المقترض النفع أو الزيادة بنفسه جاز وأُجر.
- أحكام ربا الفضل:
1 - إذا كان البيع في جنس واحد ربوي حرم فيه التفاضل والنَّسَأ كأن يبيع أحد ذهباً بذهب، أو براً ببر ونحوهما، فيشترط لصحة هذا البيع التساوي في الكمية، والقبض في الحال؛ لاتفاق البدلين في الجنس والعلة.
2 - إذا كان البيع في جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، واختلفا في الجنس حرم النَّسَأ وجاز التفاضل كأن يبيع ذهباً بفضة، أو براً بشعير ونحوهما، فيجوز البيع مع التفاضل إذا كان القبض في الحال يداً بيد؛ لأنهما اختلفا في الجنس، واتحدا في العلة.
3 - إذا كان البيع بين جنسين ربويين لم يتفقا في العلة جاز الفضل والنَّسَاء كأن يبيع طعاماً بفضة، أو طعاماً بذهب ونحوهما، فيجوز التفاضل والتأجيل؛ لاختلاف البدلين في الجنس والعلة.
4 - إذا كان البيع بين جنسين ليسا ربويين جاز الفضل والنسيئة كأن يبيع بعيراً ببعيرين، أو ثوباً بثوبين ونحوهما فيجوز التفاضل والتأجيل.
- لا يجوز بيع أحد نوعي جنس بالآخر إلا أن يكونا في مستوى واحد في الصفة، فلا يباع الرطب بالتمر؛ لأن الرطب ينقص إذا جف، فيحصل التفاضل المحرم.
- حكم بيع الذهب المصوغ:
لا يجوز بيع المصوغ من الذهب أو الفضة بجنسه متفاضلاً؛ لأجل الصنعة في أحد العوضين، لكن يبيع ما معه بالدراهم ثم يشتري المصوغ.
- حكم الفوائد التي تأخذها البنوك:
الفوائد التي تأخذها البنوك اليوم على القروض من الربا المحرم، والفوائد التي

(1/728)


تدفعها البنوك مقابل الإيداع رباً لايحل لأحد أن ينتفع به بل يتخلص منه.
- حكم الإيداع في البنوك الربوية:
1 - يجب على المسلمين إذا احتاجوا الإيداع والتحويل بواسطة البنوك الإسلامية، فإن لم توجد جاز للضرورة الإيداع في غيرها لكن بدون فائدة، والتحويل من غيرها ما لم يخالف الشرع.
2 - يحرم على المسلمين العمل في أي بنك أو مؤسسة تأخذ أو تعطي الربا، والمال الذي يأخذه العامل فيه سحت يحاسب عليه.
- حكم أخذ الربا:
إذا أودع المسلم أمواله في بنوك ربوية، ثم أعطوه فوائد ربوية على ماله، فلا يجوز له أخذها؛ لأنها سحت، ولا يجوز له التصرف بها؛ لأنها كسب خبيث، والله طيب لا يقبل إلا طيباً.
والحَلّ: أن يتركه ولا يأخذه منهم، وإن صرفوه في محرم، أو في حرب المسلمين، فأنت لم تأمرهم بذلك، ولم تعطهم إياه؛ لأنك لم تملكه.
فأكل الربا من كبائر الذنوب، وقد أعلن الله الحرب على من أخذه، فيحرم الربا عطاءً وأخذاً، سواء كان قليلاً أو كثيراً، وعاقبته أبداً المحق والحرب من الله ورسوله كما حصل ويحصل.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} [البقرة/278 - 279].
- كيف يتخلص من الأموال الربوية:
الربا من أعظم الذنوب، وإذا منّ الله على المرابي، وتاب إلى الله عز وجل، وله وعنده أموال مجتمعة من الربا، ويريد التخلص منها فلا يخلو من حالين:

(1/729)


1 - أن يكون الربا له في ذمم الناس لم يقبضه، فهنا يأخذ رأس ماله، ويترك ما زاد عليه من الربا.
2 - أن تكون أموال الربا مقبوضة عنده فلا يردها على أصحابها ولا يأكلها؛ لأنها كسب خبيث، ولكن يتخلص منها بالتبرع بها، أو جعلها في مشاريع نافعة تخلصاً منها كإنارة الطرق وتعبيدها، وبناء الحمامات ونحوها.

- حكم بيع الحيوان:
لا ربا في الحيوان ما دام حياً، وكذا كل معدود.
فيجوز بيع البعير بالبعيرين والثلاثة، فإذا صار موزوناً أو مكيلاً جرى فيه الربا.
فلا يجوز بيع كيلو من لحم الغنم بكيلوين من لحم الغنم، ويجوز بيع كيلو من لحم الغنم بكيلوين من لحم البقر؛ لاختلاف الجنس، إذا حصل التقابض في الحال.
- يجوز شراء الذهب للقُنْية، أو لقصد الربح كأن يشتريه حينما ينخفض سعره، ويبيعه عندما يزيد سعره.

- حكم بيع الصرف والأوراق المالية:
الصرف: هو بيع نقد بنقد سواء اتحد الجنس أو اختلف، وسواء كان النقد من الذهب والفضة، أو من الأوراق النقدية المتعامل بها الآن، فهي تأخذ حكم الذهب والفضة؛ لاشتراكهما في الثَّمَنية.
- إذا باع نقداً بجنسه كذهب بذهب، أو ورق نقدي بجنسه كريال بريال ورقي، أو معدني، وجب التساوي في المقدار، والتقابض في المجلس.
- وإن باع نقداً بنقد من غير جنسه كذهب بفضة، أو ريالات ورقية سعودية بدولارات أمريكية مثلاً جاز التفاضل في المقدار، ووجب التقابض في المجلس.
- إذا افترق المتصارفان قبل قبض الكل أو البعض صح العقد فيما قبض، وبطل فيما لم يقبض كأن يعطيه ديناراً ليصرفه بعشرة دراهم، فلم يجد إلا خمسة دراهم فيصح العقد في نصف الدينار، ويبقى نصفه أمانة عند البائع.
-

(1/730)


5 - القرض
- أقسام العقود:
عقود المعاملات تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: عقود معاوضات كالبيع، والإجارة ونحوهما.
الثاني: عقود تبرعات كالهبة، والوصية، والوقف، والقرض، والصدقة ونحوها من عقود الإرفاق والإحسان والتبرع.
الثالث: عقود توثيقات كالرهن، والضمان، والكفالة، والشهادة ونحوها من عقود الإثبات والتوثيق.
- القرض: هو دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله، أو ينتفع به دون قضاء؛ طلباً للثواب من الله تعالى في كلا الحالين.
- حكمة مشروعية القرض:
القرض قربة مندوب إليه؛ لما فيه من الإحسان إلى المحتاجين، وقضاء حاجتهم، وكلما كانت الحاجة أشد، والعمل أخلص للهِ تعالى، كان الثواب أعظم.
- فضل القرض:
1 - قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)} [البقرة/245].
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ الله عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ الله فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالله فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيْهِ». أخرجه مسلم (1).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2699).

(1/731)


- حكم القرض:
1 - القرض مستحب للمُقرِض، ومباح للمقتَرِض، وكل ما صح بيعه صح قرضه إذا كان معلوماً، والمقرض ممن يصح تبرعه، وعلى المقترض أن يرد بدل ما اقترضه، المِثْل في المثليات، والقيمة في غيرها.
2 - كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم كأن يقرضه شيئاً ويشترط أن يسكن داره، أو يقرضه مالاً بفائدة كأن يقرضه ألفاً بألف ومائتين بعد سنة.
- حكم الإحسان في القرض:
الإحسان في القرض مستحب إن لم يكن شرطاً كأن يقرضه من الإبل بكراً فيعطيه بدله رباعياً؛ لأن هذا من حسن القضاء ومكارم الأخلاق، وَمَنْ أقرض مسلماً مرتين فكأنما تصدق عليه مرة.
عن أبي رافع رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استسلف من رجل بَكْراً، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً، فقال: «أَعْطِه إيَّاهُ، إنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً». أخرجه مسلم (1).
- حكم الحط من الدين من أجل تعجيله:
يجوز الحط من الدين المؤجل لأجل تعجيله، سواء كان بطلب من الدائن أو المدين، ومن أدى عن غيره واجباً عليه من دين، أو نفقة، رجع عليه به إن شاء.
- فضل إنظار المعسر والتجاوز عنه:
إنظار المعسر من مكارم الأخلاق، وأفضل منه التجاوز عنه.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1600).

(1/732)


1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} [البقرة/280].
2 - وعن أبي اليسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ الله فِي ظِلِّهِ». أخرجه مسلم (1).
- حالات المدين:
المدين له أربع حالات:
1 - ألّا يكون عنده شيء مطلقاً، فهذا يجب إنظاره وترك ملازمته.
2 - أن يكون ماله أكثر من دينه فهذا يجوز طلبه، ويُلزم بالقضاء.
3 - أن يكون ماله بقدر دينه فَيُلزم بالوفاء.
4 - أن يكون ماله أقل من دينه فهذا مفلس يُحجر عليه بطلب الغرماء أو بعضهم، ويُقسم ماله بين الغرماء حسب النِّسَب.
- عقوبة من اقترض المال وهو لا يريد رده:
يجب على مَن اقترض مالاً أن يَعزم على أدائه، وإلا أتلفه الله عز وجل كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى الله عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إتْلافَهَا أَتْلَفَهُ الله». أخرجه البخاري (2).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (3006).
(2) أخرجه البخاري برقم (2387).

(1/733)


6 - الرهن
- أقسام العقود:
العقود ثلاثة أقسام:
1 - عقود لازمة من الطرفين كالبيع، والإجارة ونحوهما.
2 - عقود جائزة من الطرفين لكل منهما فسخها كالوكالة ونحوها.
3 - عقود جائزة من أحدهما دون الآخر كالرهن جائز من قبل المرتهن، لازم من قبل الراهن ونحو ذلك مما يكون الحق فيه لواحد على الآخر.
- الرهن: هو توثقة دين بعين يمكن استيفاؤه منها، أو من ثمنها إن تعذر الاستيفاء من ذمة المدين.
- حكمة مشروعية الرهن:
الرهن مشروع لحفظ المال؛ لئلا يضيع حق الدائن، فإذا حَلّ الأجل لزم الراهن الوفاء، فإن امتنع عن الوفاء فإن كان الراهن أذن للمرتهن في بيعه باعه ووفّى الدين، وإلا أجبره الحاكم على وفائه أو بيع الرهن، فإن لم يفعل باعه الحاكم ووفّى دينه.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة/283].
2 - وعن عائشة رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اشْتَرَى طَعَاماً مِنْ يَهُودِيٍّ إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعاً مِنْ حَدِيدٍ. متفق عليه (1).
- الرهن أمانة في يد المرتهن أو أمينه، لا يضمنه إلا أن يتعدى أو يفرط.
- شروط صحة الرهن:
يشترط لصحة الرهن ما يلي:
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2068)، ومسلم برقم (1603).

(1/734)


أن يكون الراهن جائز التصرف .. والإيجاب والقبول بين الطرفين .. معرفة الرهن وجنسه .. وجود العين المرهونة ولو مشاعة .. ملك العين المرهونة .. قبض المرتهن للعين المرهونة.
فإذا تمت هذه الشروط صح الرهن ولزم.
- من ينفق على الرهن:
مؤنة الرهن على الراهن، وما يَحتاج إلى مؤنة فللمرتهن أن يَركب ما يُركب، ويَحلب ما يُحلب بقدر نفقته.
- حكم بيع الرهن:
لا يصح بيع الراهن للرهن إلا بإذن المرتهن، فإن باعه وأجازه المرتهن صح البيع، وإن لم يجزه فالعقد فاسد.
- انتهاء عقد الرهن:
ينتهي عقد الرهن بما يلي:
تسديد كل الدين للمرتهن .. تسليم المرهون لصاحبه .. البيع الجبري الصادر من الراهن بأمرالقاضي .. فسخ الرهن من قِبَل الراهن .. البراءة من الدين بأي وجه .. هلاك العين المرهونة .. التصرف في المرهون ببيع أو هبة برضا الطرفين.
فإذا حصل واحد من هذه الأمور انفك الرهن وانتهى.

(1/735)


7 - الضمان والكفالة
- الضمان: هو التزام المكلف بأداء ما وجب على غيره من الحقوق المالية.
- حكم الضمان:
الضمان عقد جائز، والمصلحة تقتضيه، بل قد تدعو الحاجة إليه، وهو من التعاون على البر والتقوى، وفيه قضاء لحاجة المسلم، وتنفيس لكربته.
- شروط صحة الضمان:
يشترط لصحة الضمان: أن يكون الضامن جائز التصرف، راضياً غير مكره.
- ما يصح به الضمان:
1 - يصح الضمان بكل لفظ يدل عليه كضمنته، أو تحمَّلت عنه، أو نحو ذلك.
2 - يصح الضمان لكل مالٍ معلومٍ كألف مثلا، أو مجهولٍ كأن يقول: أنا ضامن لك مالك على فلان، أو ما يُقضى به عليه -حياً كان المضمون عنه أو ميتاً-.
- الآثار المترتبة على الضمان:
إذا ضمن الدين ضامن لم يبرأ المدين، وصار الدين عليهما جميعاً، وللدائن مطالبة أيهما شاء.
- انتهاء عقد الضمان:
يبرأ الضامن إذا استوفى الدائن من المضمون عنه أو أبرأه.
- الكفالة: هي التزام رشيد برضاه إحضار مَنْ عليه حق مالي لربه.
- حكمة مشروعيتها: حفظ الحقوق واستحصالها.
- حكم الكفالة:
الكفالة جائزة، وهي من التعاون على البر والتقوى، وهي من الكفيل مستحبة؛ لأنها إحسان إلى المكفول.

(1/736)


قال الله تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)} [يوسف/ 66].
- إذا كفل إنسان إحضار مدين فلم يحضره، غَرِم ما عليه.
- متى يبرأ الكفيل:
يبرأ الكفيل بما يلي:
موت المكفول، أو إذا سَلَّم المكفول نفسه لرب الحق، أو تلفت العين المكفولة بفعل الله تعالى.
- الفرق بين الضمان والكفالة:
الضمان: هو التزام مكلف بأداء ما وجب على غيره من الحقوق.
والكفالة: هي التزام جائز التصرف إحضار الشخص الذي عليه الحق.
فالكفالة إحضار المدين .. والضمان إحضار الدَّين.
والكفالة أدنى من الضمان؛ لأنها متعلقة بالبدن لا بالدَّيْن.
فإذا أحضر الكفيل المكفول لصاحب الحق فقد برئ منه، سواء أوفاه أو لم يوفه.
- حكم سفر من عليه دين:
من أراد سفراً وعليه حق يُستحق قبل مدة سفره فلصاحب الحق منعه، فإن أقام ضميناً مليئاً، أو دفع رهناً يفي بالدين عند الحلول فله السفر؛ لزوال الضرر.
- حكم خطاب الضمان:
خطاب الضمان الذي تصدره البنوك: إذا كان له غطاء كامل، أو كان الضمان مسبوقاً بتسليم جميع المبلغ المضمون للمصرف فيجوز أخذ الأجرة عليه مقابل الخدمة، وإن كان خطاب الضمان غير مُغَطَّى فلا يجوز للبنك إصداره وأخذ الأجرة عليه.

(1/737)


8 - الحَوَالة
- الحوالة: هي نقل الدين من ذمة المُحيل إلى ذمة المحال عليه.
- حكم الحوالة: جائزة.
- حكمة مشروعية الحوالة:
شرع الله الحوالة تأميناً للأموال، وقضاء لحاجة الإنسان، فقد يحتاج إلى إبراء ذمته من حق لغريم، أو استيفاء حقه من مدين له، وقد يحتاج لنقل ماله من بلد إلى آخر، ويكون نقل هذا المال غير متيسر، إما لمشقة حمله، أو لبعد المسافة، أو لكون الطريق غير مأمون فشرع الله الحوالة لتحقيق هذه المصالح.
- شروط الحوالة:
يشترط لصحة الحوالة ما يلي:
1 - أن يكون المحيل والمحال عليه جائز التصرف.
2 - أن يكون المحال عليه مديناً للمحيل.
3 - أن يكون الدين المحال عليه قد حلّ.
4 - أن يكون الدين المحال مساوياً للمحال عليه في المقدار والجنس والصفة.
5 - الإيجاب والقبول بين المحيل والمحال حسب العرف.
- حكم قبول الحوالة:
إذا أحال المدين دائنه على مليء لزمه أن يحتال، وإن أحاله على مفلس ولم يعلم رجع بحقه على المحيل، وإن علم ورضي بالحوالة عليه فلا رجوع له، ومماطلة الغني حرام؛ لما فيها من الظلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإذَا أُتْبِعَ

(1/738)


أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتَّبِعْ». متفق عليه (1).
- ما يترتب على الحوالة:
إذا تمت الحوالة انتقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، وبرأت ذمة المحيل.
- فضل التجاوز عن المعسر:
إذا تمت الحوالة ثم أفلس المحال عليه اسْتُحِبّ إنظاره، أو التجاوز عنه وهو الأفضل.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} [البقرة/280].
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإذَا رَأَى مُعْسِراً قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ الله أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ الله عَنْهُ». متفق عليه (2).
- حكم التحويل البنكي:
التحويل البنكي: هو أن يسلِّم الإنسان نقوداً لبنك البلد الذي هو فيه، ثم يأخذمن البنك شيكاً أو حوالة ليقبض بها نقوده في بلد آخر أو مكان آخر.
وهذه المعاملة جائزة؛ لما فيها من تسهيل قضاء حوائج الناس، وحفظ الأموال من السراق، سواء كانت النقود المحولة من جنس النقود المدفوعة أو من غير جنسها.
ويقوم تسليم الشيك أو الحوالة مقام القبض في مسألة صرف النقود بالتحويل.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2287) واللفظ له، ومسلم برقم (1564).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2078) واللفظ له، ومسلم برقم (1562).

(1/739)


9 - الصلح
- الصلح: عقد يحصل به قطع النزاع بين المتخاصمين.
- حكمة مشروعية الصلح:
شرع الله الصلح للتوفيق بين المتخاصمين، وإزالة الشقاق بينهما، وبذلك تصفو النفوس، وتزول الأحقاد، والإصلاح بين الناس من أَجَلِّ القربات، وأعظم الطاعات إذا قام به ابتغاءً لمرضاة الله تعالى.
- فضل الإصلاح بين الناس:
1 - قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء/114].
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فِيْهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ النَّاسِ صَدَقَةٌ». متفق عليه (1).
- حكم الصلح:
الإصلاح بين الناس مستحب، بل هو من أعظم القربات؛ لما فيه من المحافظة على المودة، وقطع النزاع، والصلح مشروع بين المسلمين والكفار، وبين أهل العدل والبغي، وبين الزوجين عند الشقاق، وبين الجيران والأقارب والأصدقاء، وبين المتخاصمين في غير مال، وبين المتخاصمين في المال.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} [الحجرات/ 9 - 10].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2707) واللفظ له، ومسلم برقم (1009).

(1/740)


2 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟» قالوا: بلى يارسول الله، قال: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ». أخرجه أبوداود والترمذي (1).
- أقسام الصلح:
ينقسم الصلح إلى قسمين:
صلح على مال .. وصلح على غير مال.
والصلح في المال ينقسم إلى قسمين:
1 - صلح على إقرار:
كأن يكون لأحد على آخر عين أو دين لا يعلمان مقداره، وأقرّ به، فصالحه على شيء صح، وإن كان له عليه دين حالّ، وأقرّ به، فوضع بعضه وَأَجَّل باقيه صح الإسقاط والتأجيل، وإن صالح عن المؤجل ببعضه حالاً صح، وإنما يصح هذا الصلح إذا لم يكن مشروطاً في الإقرار كأن يقول: أقر لك بشرط أن تعطيني كذا، ولا يمنعه حقه بدونه.
2 - صلح على إنكار:
بأن يكون للمدعي حق لا يعلمه المدعى عليه فينكره، فإذا اصطلحا على شيء صح الصلح، لكن إن كذب أحدهما لم يصح الصلح في حقه باطناً، وما أخذه حرام.
- الصلح الجائز:
المسلمون على شروطهم، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحَلَّ حراماً، أو حَرَّمَ حلالاً.
والصلح الجائز هو العادل الذي أمر الله ورسوله به، وهو ما يقصد به رضا الله
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبوداود برقم (4919)، والترمذي برقم (2509)، وهذا لفظه.

(1/741)


تعالى عنه، ثم رضا الخصمين، وقد مدحه الله تعالى بقوله: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء/128].
- شروط الصلح:
الصلح العادل له شروط أهمها:
أهلية المتصالحين بأن تصح منهما التصرفات الشرعية .. وألّا يشتمل الصلح على تحريم حلال أو تحليل حرام .. وألّا يكون أحد المتصالحين كاذباً في دعواه .. وأن يكون المصلح تقياً عالماً بالوقائع، عارفاً بالواجب، قاصداً العدل.
- حكم الصلح عن الدَّين المؤجل:
إذا صالح الإنسان عن دَيْنِه المؤجل ببعضه حالاًّ صح.
عن كعب رضي الله عنه أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى «يَا كَعْبُ» قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله قَالَ: «ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا» وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَيِ الشَّطْرَ، قَالَ لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ الله قَالَ: «قُمْ فَاقْضِهِ». متفق عليه (1).
- حقوق الجار:
يحرم على المالك أن يحدث بملكه ما يضر بجاره من ماكينة قوية، أو فرن ونحوهما، فإن لم يضر فلا بأس، وللجار على جاره حقوق كثيرة أهمها: صلته، وبره، والإحسان إليه، وكف الأذى عنه، والصبر على أذاه ونحو ذلك مما يجب على المسلم.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ». متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (457)، واللفظ له، ومسلم برقم (1558).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6015)، ومسلم برقم (2625).

(1/742)


10 - الحَجْر
- الحجر: هو منع إنسان من تصرفه في ماله لسبب شرعي.
- حكمة مشروعية الحجر:
أمر الله بحفظ المال وجعل من وسائل ذلك الحجر على مَنْ لا يحسن التصرف في ماله كالمجنون، أو في تصرفه وجهُ إضاعة كالصبي، أو في تصرفه وجه تبذير كالسفيه، أو يتصرف بما في يده تصرفاً يُضِر بحق الغير كالمفلس الذي أثقلته الديون، فشرع الله الحجر حفظاً لأموال هؤلاء.
- أقسام الحجر:
الحجر نوعان:
1 - حجر لحظ غيره: كالحجر على المفلس لحظ الغرماء.
2 - حجر لحظ نفسه: كالحجر على الصغير، والسفيه، والمجنون لحفظ ماله.
- حكم المفلس:
المفلس: هو مَنْ دينه أكثر من ماله، ويُحجر عليه من الحاكم بطلب غرمائه، أو بعضهم، ويحرم عليه التصرف بما يضر غرماءه، ولا ينفذ تصرفه ذلك ولو لم يحجر عليه.
- أحكام المفلس:
1 - مَنْ ماله قدر دينه أو أكثر لم يُحجر عليه، ويؤمر بوفائه، فإن أبى حُبس بطلب صاحبه، فإن أصر ولم يبع ماله باعه الحاكم وقضاه.
2 - مَنْ كان ماله أقل مما عليه من الدين الحال فهو مفلس يجب الحجر عليه وإعلام الناس به؛ لئلا يغتروا به، ويُحجر عليه بطلب غرمائه أو بعضهم.
3 - إذا تم الحجر على المفلس انقطع الطلب عنه، وليس له التصرف بماله، فيبيع

(1/743)


الحاكم ماله، ويقسم ثمنه بقدر ديون غرمائه الحالة، فإن لم يبق عليه شيء انفك الحجر عنه؛ لزوال موجبه.
4 - إذا قسم الحاكم مال المفلس بين غرمائه انقطعت المطالبة عنه، ولا تجوز ملازمته، ولا حبسه بهذا الدين، بل يخلَّى سبيله، ويُمهل إلى أن يرزقه الله ويسدد ما بقي لغرمائه.
- حكم من عجز عن وفاء دينه:
مَنْ لم يقدر على وفاء دينه لم يُطالب به، وحَرُم حبسه، ويجب إنظاره، وإبراؤه مستحب؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} [البقرة/280].
- حكم حبس المدين:
يجب على المدين الموسر وفاء دينه الحال.
فإن كان معسراً أُمهل إلى وقت اليسار، وحرم حبسه، والعفو أفضل.
وإن كان موسراً مماطلاً حبسه الحاكم؛ لأن مطل الغني ظلم، فيُحبس تأديباً له؛ ليسارع في وفاء ما عليه من الدَّين الحال.
- شروط حبس المدين:
يشترط لحبس المدين ما يلي:
أن يكون الدَّين حالاًّ .. وأن يكون المدين قادراً على الوفاء .. وأن يكون مماطلاً .. وأن يكون المدين غيرالوالدين .. وأن يطلب صاحب الدَّين من الحاكم حبسه.

(1/744)


- فضل إنظار المعسر:
إنظار المعسر إذا حَلَّ الدَّين فيه ثواب عظيم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: « ... مَنْ أَنْظَرَ مُعْسراً فَلَهُ بِكُلِّ يَومٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ». أخرجه أحمد (1).
- حكم من أدرك متاعه عند المفلس:
مَنْ أدرك متاعه بعينه عند إنسان مفلس فهو أحق به إذا لم يقبض من ثمنه شيئاً، وكان المفلس حياً، وكان المتاع بصفته في ملكه لم يتغير.
- حكم الحجر على الصغير والمجنون:
الحجر على السفيه والصغير والمجنون لا يحتاج لحاكم، ووليهم الأب إن كان عدلاً رشيداً، ثم الوصي، ثم الحاكم، وعلى الولي التصرف بالأحظ لهم.
- متى يزول الحجر عن الصغير؟
يزول الحجر عن الصغير بأمرين:
1 - البلوغ كما سبق.
2 - الرشد: وهو حسن التصرف في المال، بأن يُعطى مالاً ويُمتحن بالبيع والشراء حتى يُعلم حسن تصرفه.
قال الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ... } [النساء/6].
- متى يزول الحجر عن السفيه والمجنون؟
إذا عقل المجنون ورشد، أو رشد السفيه بأن يحسن التصرف في المال فلا يغبن، ولا يصرفه في حرام، أو في غير فائدة؛ زال الحجر عنهما، وردت إليهما أموالهما.
- لَيُّ الواجد ظلم يُحِلُّ عِرْضه وعقوبته، فيشرع حبس المدين الموسر المماطل تأديباً له، أما المعسر فله حق الإنظار، والعفو خير وأحسن.
-
_________
(1) صحيح/أخرجه أحمد برقم (23434)، انظر إرواء الغليل رقم (1438).

(1/745)


11 - الوكالة
- الوكالة: هي استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.
- حكمة مشروعية الوكالة:
الوكالة من محاسن الإسلام، فكل أحد بحكم ارتباطه بغيره قد تكون له حقوق، أو تكون عليه حقوق، فإما أن يباشرها بنفسه أخذاً وعطاءً، أو يتولاها عنه غيره، وليس كل إنسان قادراً على مباشرة أموره بنفسه، ومن هنا أجاز له الإسلام توكيل غيره ليقوم بها نيابة عنه.
- حكم الوكالة:
الوكالة عقد جائز، يجوز لكل من الوكيل والموكِّل فسخها في أي وقت.
- الوكالة تنعقد بكل ما يدل عليها من قول، أو فعل.
- ما تصح فيه الوكالة:
الحقوق ثلاثة أنواع:
1 - نوع تصح الوكالة فيه مطلقاً، وهو ما تدخله النيابة كالعقود، والفسوخ، والحدود ونحوها.
2 - ونوع لا تصح الوكالة فيه مطلقاً وهو العبادات البدنية المحضة كالطهارة، والصلاة ونحوهما.
وكالوكالة في فعل المحرم كأن يوكل من يبيع له الخمر، أو قتل معصوم، أو غصب مال ونحو ذلك.
3 - ونوع تصح فيه الوكالة مع العجز كحج فرض وعمرته.
- حالات الوكالة:
الوكالة: تصح مؤقتة كأن يقول أنت وكيلي شهراً .. وتصح معلقة بشرط كأن

(1/746)


يقول: إذا تمت إجارة داري فبعها .. وتصح مُنَجَّزة كأن يقول أنت وكيلي الآن، ويصح قبولها على الفور والتراخي.
- حكم توكيل الموكَّل:
ليس للوكيل أن يوكل فيما وُكِّل فيه إلا إذا أذن له الموكِّل بذلك، فإن عجز فله التوكيل إلا في الأمور المالية، فلا بدّ من إذن الموكل.
- انتهاء الوكالة:
تبطل الوكالة بما يلي:
1 - فسخ أحدهما لها.
2 - عزل الموكل للوكيل.
3 - موت أحدهما أو جنونه.
4 - حجر السفه على أحدهما.
- صفة التوكيل:
يجوز التوكيل بأجر أو بغير أجر، والوكيل أمين فيما وُكِّل فيه لا يضمن ما تلف بيده بلا تفريط، فإن تعدى أو فَرَّط ضَمِن، ويُقبل قوله في نفي التفريط مع يمينه.
- حكم طلب الوكالة:
مَنْ علم من نفسه الكفاءة والأمانة ولم يخش من نفسه الخيانة ولم تُشغله الوكالة عما هو أهم فهي مستحبة في حقه؛ لما فيها من الأجر والثواب، حتى لو كانت بأجرة مع حسن الإخلاص، وإتمام العمل.

(1/747)


12 - الشركة
- الشركة: هي اجتماع في استحقاق أو تصرف بين اثنين أو أكثر.
- حكمة مشروعية الشركة:
الشركة من محاسن الإسلام، وهي سبب لحصول البركة ونماء المال إذا قامت على الصدق والأمانة، والأمة بحاجة إليها خاصة في المشاريع الكبرى التي لا يستطيعها الشخص بمفرده كالمشاريع الصناعية، والعمرانية، والتجارية، والزراعية ونحوها.
- حكم الشركة:
الشركة عقد جائز مع المسلم وغيره، فتجوز مشاركة الكافر بشرط ألّا ينفرد الكافر بالتصرف من دون المسلم فيتعامل بما حرم الله كالربا، والغش، والتجارة فيما حرم الله من خمر، وخنزير، وأصنام ونحو ذلك.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص/ 24].
2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما افتتحت خيبر سألت يهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرهم فيها. على أن يعملو على نصف ما خرج منها. متفق عليه (1).
- أنواع الشركة:
الشركة نوعان:
1 - شركة أملاك: وهي اشتراك اثنين فأكثر في استحقاق مالي كالاشتراك في تملُّك عقار، أو تملُّك مصنع، أو تملُّك سيارات ونحو ذلك، ولا يجوز لأحدهما أن يتصرف إلا بإذن صاحبه، فإن تصرف نفذ في نصيبه فقط إلا أن يجيزه صاحبه فينفذ في الكل.
_________
(1) متفق عليه /أخرجه البخاري برقم (2331)، واللفظ له، ومسلم برقم (1551).

(1/748)


2 - شركة عقود: وهي الاشتراك في التصرف كالبيع والشراء والتأجير ونحو ذلك، وهي أقسام:
1 - شركة العنان: وهي أن يشترك اثنان فأكثر ببدنيهما وماليهما المعلوم ولو متفاوتاً ليعملا فيه ببدنيهما، أو يعمل فيه أحدهما ويكون له من الربح أكثر من الآخر، ويشترط أن يكون رأس المال معلوماً من النقود أو العروض المقدرة بها، ويكون الربح والخسارة على قدر مال كل واحد منهما من المال المشترك حسب الاشتراط والتراضي.
2 - شركة المضاربة: وهي أن يَدفع أحد الشريكين إلى الآخر مالاً فَيَتَّجِر به، بجزء معلوم مشاع من ربحه كالنصف أو الثلث ونحوهما، وعلى أي ذلك حصل التراضي صح، والباقي للآخر، وإن خسر المال بعد التصرف جُبر من الربح وليس على العامل شيء، وإن تلف المال بغير تعد ولا تفريط لم يضمنه العامل المضارب، والمضارب أمين في قبض المال، ووكيل في التصرف، وأجير في العمل، وشريك في الربح.
- التعدي: فعل ما لا يجوز من التصرفات، والتفريط: ترك ما يجب فعله.
3 - شركة الوجوه: أن يشتريا في ذمتيهما بجاههما دون أن يكون لهما رأس مال، اعتماداً على ثقة التجار بهما، فما ربحا فبينهما، وكل واحد منهما وكيل صاحبه، وكفيل عنه، والملك بينهما على ما شرطاه، والخسارة على قدر ملكيهما، والربح على ما شرطاه حسب الاتفاق والتراضي.
4 - شركة الأبدان: أن يشترك اثنان فأكثر فيما يكتسبان بأبدانهما من المباح كالاحتطاب، وسائر الحِرف والمهن، وما رزق الله فهو بينهما، حسب الاتفاق والتراضي.
5 - شركة المفاوضة: وهي أن يفوض كل من الشركاء إلى صاحبه كل تصرف مالي وبدني من أنواع الشركة بيعاً وشراء في الذمة، وهي الجمع بين الشركات الأربع

(1/749)


السابقة، والربح بينهما حسب الشرط، والخسارة على قدر ملك كل واحد
منهم من الشركة.
- فوائد الشركة:
1 - شركة العنان والمضاربة والوجوه والأبدان خير وسيلة لتنمية المال، ونفع الأمة، وتحقيق العدل.
فالعنان مال وعمل من الطرفين سوياً، والمضاربة مال من أحدهما، وعمل من الآخر، والأبدان عمل منهما معاً، والوجوه بما يأخذان بجاههما من الناس.
2 - بمثل هذه الشركات والمعاملات يُستغنى عن الربا الذي هو ظلم وأكل لأموال الناس بالباطل، وتتسع دائرة الاكتساب في حدود المباح، فقد أباحت شريعة الإسلام للإنسان الاكتساب منفرداً أو مشتركاً مع غيره حسب ما ورد في الشرع.
- شروط الشركات الحلال:
الشركات التي أباحها الشرع يشترط فيها ما يلي:
1 - أن يكون رأس المال معلوماً من كل شريك.
2 - أن يكون الربح مقسوماً بين الشركاء حسب أموالهم، أو لأحدهما الثلث، أو الربع، والباقي للآخر.
3 - أن يكون عمل الشركة في الأمور والأشياء المباحة شرعاً.
- حكم استخدام اسم الشخص في التجارة:
إذا اتفقت إحدى الشركات مع مواطن تستخدم اسمه ووجاهته ولا تطالبه بمال ولا عمل وتعطيه مقابل ذلك مبلغاً معيناً من المال أو نسبة من الربح فهذا العمل غير جائز، والعقد غير صحيح؛ لما فيه من الكذب والخداع والغرر والضرر، وفي الشركات السابقة غنية عنه.

(1/750)


13 - المساقاة والمزارعة
- المساقاة: هي دفع شجر له ثمر كالنخيل والعنب إلى آخر، ليقوم بسقيه وما يحتاج إليه، بجزء معلوم مشاع من ثمره كالنصف، أو الربع، أو نحوهما، والباقي للآخر.
- المزارعة: هي دفع أرض لمن يزرعها، ويقوم عليها بجزء معلوم مشاع مما يخرج منها كالنصف، أو الربع، أو نحوهما، والباقي لمالك الأرض.
- فضل المساقاة والمزارعة:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعاً فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ».متفق عليه (1).
- حكمة مشروعية المساقاة والمزارعة:
من الناس مَنْ يملك الأرض والشجر، أو يملك الأرض والحب ولكن لا يستطيع سقيها والعناية بها، إما لعدم معرفته، أو لانشغاله.
ومن الناس من يملك القدرة على العمل لكن ليس في ملكه شجر ولا أرض.
فلمصلحة الطرفين أباح الإسلام المساقاة والمزارعة؛ عمارة للأرض، وتنمية للثروة، وتشغيلاً للأيدي العاملة التي تملك القدرة على العمل، ولا تملك المال والشجر.
- حكم المساقاة والمزارعة:
المساقاة والمزارعة عقد لازم، ولا يجوز فسخها إلا برضى الآخر، ويشترط لها مدة معلومة ولو طالت، وأن تكون برضى الطرفين.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2320)، ومسلم برقم (1553).

(1/751)


- حكم الجمع بين المساقاة والمزارعة:
يجوز الجمع بين المساقاة والمزارعة في بستان واحد، بأن يساقيه على الشجر، بجزء معلوم مشاع من الثمرة، وبزرعه الأرض بجزء معلوم مشاع من المزروع.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ. متفق عليه (1).
- المخابرة: أن يجعل المزارع لصاحب الأرض ما على الجداول والسواقي، أو يجعل له جانباً معيناً من الزرع.
وهي محرمة؛ لأن في ذلك غرراً وجهالة وخطراً، فقد يسلم هذا ويهلك هذا، فتقع الخصومة.
- حكم إجارة الأرض:
تجوز إجارة الأرض بالنقود، وبجزء معلوم مشاع مما يخرج منها كالنصف أو الثلث ونحوهما.
- تجوز معاملة الكفار في الزراعة والصناعة والتجارة والبناء ونحو ذلك بما لا يتنافى مع الشرع من ربا أو غش أو محرم.
- حكم اقتناء الكلاب:
يحرم على المسلم اقتناء الكلاب إلا ما فيه مصلحة، ككلب صيد، أو ماشية، أو زرع؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ اقْتَنَى كَلْباً لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلا مَاشِيَةٍ وَلا أَرْضٍ، فَإنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيْرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ».متفق عليه (2).
- حكم من أحرق مال غيره بغير قصد:
من أوقد النار في ملكه لغرض صحيح، فطيرتها الريح فأحرقت مال غيره، ولا يملك ردها، فلا يضمنه.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2328) واللفظ له، ومسلم برقم (1551).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2322)، ومسلم برقم (1575)، واللفظ له.

(1/752)


14 - الإجارة
- الإجارة: عقد على منفعة مباحة، معلومة، مدة معلومة، بعوض معلوم.
- حكم الإجارة:
الإجارة عقد لازم من الطرفين، وتنعقد بكل لفظ يدل عليها كأجَّرتك وأكريتك ونحو ذلك مما جرى به العرف.
- حكمة مشروعية الإجارة:
الإجارة فيها تبادل المنافع بين الناس بعضهم بعضاً، فهم يحتاجون أرباب الحرف للعمل، والبيوت للسكنى، والدواب والسيارات والآلات ونحوها للحمل والركوب والانتفاع، لذا أباح الله الإجارة تيسيراً على الناس، وقضاءً لحاجاتهم بيسير من المال مع انتفاع الطرفين، فلله الحمد والمنة.
- أنواع الإجارة:
الإجارة نوعان:
1 - أن تكون على عين معلومة كأجَّرتك هذه الدار أو السيارة بكذا.
2 - أن تكون على عمل معلوم كأن يستأجر شخصاً لبناء جدار، أو حرث أرض ونحوهما.
- شروط الإجارة:
يشترط لصحة الإجارة ما يلي:
1 - أن تكون من جائز التصرف.
2 - معرفة المنفعة كسكنى الدار، أو خدمة الآدمي.
3 - معرفة الأجرة.
4 - أن تكون المنفعة مباحة كدار للسكن، فلا تصح على نفع محرم كأن يؤجر داراً

(1/753)


أو محلاً لبيع الخمر، ودوراً للبغي، وجعل داره كنيسة أو لبيع المحرمات.
5 - يشترط في العين المؤجرة معرفتها برؤية، أو صفة، وأن يعقد على نفعها دون أجزائها، وأن يقدر على تسليمها، وأن تشتمل على المنفعة المباحة، وأن تكون مملوكة للمؤجر، أو مأذوناً له فيها.
- حكم تأجير العين المؤجرة:
يجوز للمستأجر أن ينتفع بالعين المؤجرة بنفسه، وله إجارتها لمن يقوم مقامه بما شاء إن كان مثله، أو أقل منه، لا بأكثر منه ضرراً.
- أحوال دفع الأجرة المعتادة:
إن ركب طائرة أو سيارة أو سفينة، أو أعطى ثوبه خياطاً، أو استأجر حمَّالاً بلا عقد، صح ذلك كله بأجرة العادة، وهكذا في كل شيء معتاد معلوم متكرر.
- حكم إجارة الوقف:
تصح إجارة الوقف، فإن مات المؤجر وانتقل إلى من بعده، لم تنفسخ، وللثاني حصته من الأجرة.
- كل ما حرم بيعه حرمت إجارته إلا الوقف، والحر، وأم الولد.
- متى تجب الأجرة؟:
تجب الأجرة بالعقد، ويجب تسليم الأجرة بعد مضي المدة، وإن تراضيا على التأجيل، أو التعجيل، أو التقسيط جاز، ويستحق الأجير أجرته إذا قضى عمله متقناً تاماً، فَيُعطى أُجرته قبل أن يجف عرقه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قَالَ الله تَعَالَى: ثَلاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرّاً فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيراً فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ». أخرجه البخاري (1).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (2270).

(1/754)


- حكم بيع العين المؤجرة:
يجوز بيع العين المؤجرة كالدار والسيارة ونحوهما، ويأخذها المشتري بعد استيفاء المستأجر منفعته وانتهاء مدة إجارته.
- حكم ضمان العين المؤجرة:
لا يضمن الأجير ما تلف بيده، ما لم يفرط أو يتعدَّ، ولا يجوز للمرأة تأجير نفسها لعمل أو رضاع إلا بإذن زوجها.
- يجوز أخذ الأجرة على التعليم، وبناء المساجد ونحوها.
- حكم أخذ الرَّزْق على القُرَب:
يجوز أن يأخذ الإمام، أو المؤذن، أو المعلم للقرآن رَزْقاً من بيت المال، ومَنْ عمل منهم للهِ تعالى أثيب، ولو أخذ رَزْقاً، وما يأخذه من بيت المال إعانة على الطاعة لا عوضاً أو أجرة على عمله.
- حكم عمل المسلم عند الكافر:
يجوز للمسلم العمل عند الكافر بثلاثة شروط:
1 - أن يكون عمله يحل للمسلم فعله كبناء، وحرث ونحوهما.
2 - ألا يُعِيْنهم على ما يعود ضرره على المسلمين.
3 - ألا يكون في العمل إذلال للمسلم.
- يجوز أن يستأجر المسلم كافراً عند الضرورة كأن لم يجد مسلماً.
- حكم تأجير أهل المحرمات:
لا يجوز تأجير البيوت والمحلات على من يبيع حراماً كآلات اللهو المحرمة، والأفلام الخليعة، والصور الفاتنة، وكذا مَنْ يتعاطى المعاملات المحرمة كالبنوك الربوية، ومَنْ يتخذ البيت معملاً للخمر، أو مأوىً لأهل الملاهي

(1/755)


والزنى ونحو ذلك كمحلات بيع الدخان، وحلق اللحى، وأشرطة الفيديو والغناء؛ لأن في تأجير ذلك إعانة على المحرم الذي نهى الله عنه.
قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة/2].
- حكم دفع بدل الخلو:
قد يكون السكن أو الدكان في مكان مرغوب مطلوب، وهنا يجوز دفع بدل الخلو للمستأجر أثناء مدة الإجارة مقابل تخلِّيه عن بقية مدة الإجارة ولو زاد عن الأجرة الدورية لا بعد انقضاء المدة.
- حكم الشرط الجزائي:
الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود بين الناس شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به، فهو جائز لإتمام العقد في وقته، وفيه سد لأبواب الفوضى والتلاعب بحقوق العباد ما لم يكن هناك عذر شرعي فيكون العذر مسقطاً لوجوبه، وإن كان الشرط كثيراً عرفاً فيجب الرجوع إلى العدل والإنصاف حسب ما فات من منفعة أو لحق من مضرة عند الحاكم.
ومثاله: كأن يتفق رجل مع آخر على أن يبني له بيتاً خلال سنة بمائة ألف، وإذا تأخر عن السنة فعليه أن يدفع عن كل شهر ألف ريال، فتأخر عن السنة أربعة أشهر بلا عذر، فيلزمه أن يدفع أربعة آلاف ريال لصاحب الدار.

(1/756)


15 - السبق
- السَّبْق: بلوغ الغاية قبل غيره، والمسابقة جائزة، وقد تكون مستحبة، حسب النية والقصد، والسَّبَق: هو العوض المبذول لمن سبق.
- حكمة مشروعية المسابقة:
المسابقة والمصارعة من محاسن الإسلام، وهما مشروعتان؛ لما فيهما من المرونة والتدريب على الفنون العسكرية، والكر والفر، وتقوية الأجسام، والصبر والجلد، وتهيئة الأعضاء والأبدان للجهاد في سبيل الله تعالى.
- أنواع المسابقة:
المسابقة: تكون بالعَدْو بين الأشخاص، وتكون بالرمي بالسهام والأسلحة، وتكون بالخيل والإبل.
- شروط صحة المسابقة:
يشترط لصحة المسابقة ما يلي:
1 - أن يكون المركوب أو الآلة التي يرمي بها من نوع واحد.
2 - تحديد المسافة ومدى الرمي.
3 - أن يكون العوض معلوماً مباحاً.
4 - تعيين المركوبين أو الراميين.
- حكم المصارعة والملاكمة:
1 - تباح المصارعة والسباحة، وكل ما يقوي الجسم، ويبعث على الصبر والجلد: إذا لم يُشغل عن واجب، أو عن ما هو أهم منه، أويكون فيه ارتكاب محظور، أو تكثر أخطاره.
2 - الملاكمة والمصارعة الحرة التي تمارس اليوم في حلبات الرياضة محرمة؛ لما

(1/757)


فيها من الخطر والضرر، وكشف العورات، وتحكيم غير شرع الله.
- لا يجوز التحريش بين البهائم وإغراء بعضها ببعض، ولا يجوز اتخاذها غرضاً للرمي.
- حكم أخذ العوض في المسابقات:
لا تصح المسابقة بعوض إلا في إبل، أو خيل، أو رمي؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا سَبَقَ إلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ». أخرجه أبو داود والترمذي (1).
- أخذ العوض في المسابقات له ثلاث حالات:
1 - يجوز بعوض، وهو المسابقة في الإبل أو الخيل أو الرمي.
2 - لا يجوز بعوض ولا بغير عوض كالنرد والشطرنج والقمار ونحوها.
3 - يجوز بلا عوض ولا يجوز بعوض وهذا هو الأصل والأغلب كالمسابقة على الأقدام والسفن والمصارعة ونحوها، لكن يجوز أن يعطى الفائز تشجيعاً له جائزة أو عوضاً غير محدد، ولا مسمى.
- القمار: هو كل معاملة مالية يحصل بها الغُنم أو الغُرم بلا جهد.
- حكم القمار والميسر:
يحرم القمار، والميسر، واللعب بالنَّرْد:
1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة/90].
2 - وَعَنْ بُريدةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «مَنْ لَعِبَ بالنَّرْدَ شِيرِ فَكَأنَّماَ صَبَغَ يَدَهُ في لَحْمِ خِنْزِيرٍ ودَمِهِ». أخرجه مسلم (2).
_________
(1) صحيح/أخرجه أبوداود برقم (2574)، وأخرجه الترمذي برقم (1700)، وهذا لفظه.
(2) أخرجه مسلم برقم (2260).

(1/758)


- حكم اللعب بالكرة المعاصرة:
اللعب بالكرة المعاصرة من اللهو الباطل.
واللعب بها عن طريق الأندية والفِرَق والدول لا يجوز.
لما في ذلك من التشبه بالكفار .. والتحاكم إلى الطاغوت والقانون عند الإصابة وغيرها .. وضياع الأوقات في اللهو واللعب .. وإضاعة الأموال .. وكشف العورات والأفخاذ .. والفتنة بالمردان .. والاختلاط بين الرجال والنساء .. والصد عن ذكر الله وعن الصلاة تركاً أو تأخيراً .. وإيقاع الفرقة والعداوة والبغضاء بين اللاعبين والمشجعين خاصة عند المباريات .. وإثارة الفتن والتحزبات .. وحصول السب والشتم من بعضهم لبعض .. والإشغال عن طلب العلم .. والدعوة إلى الله .. ولما تسببه غالباً من التصادم والكسور بين اللاعبين.
فهي من اللهو الباطل الذي شغل الأعداء به الناس عما خلقوا من أجله وهو العبادة والدعوة إلى الله، نسأل الله السلامة والعافية.
فإن خلت من تلك المحاذير أبيحت.
- حكم أخذ الهدايا من الأسواق التجارية:
الهدايا والجوائز التي تقدم في الأسواق على كمية المبيعات، وفي المسابقات والعروض والمهرجانات الرياضية والتجارية والفنية ومسابقات الرسم والتصوير لذوات الأرواح ومسابقات عرض الأزياء ومسابقات ملكات الجمال ونحو ذلك مما يوقع فيما حرم الله.
كل ذلك من اللعب بعقول الأمة، وأكل أموالها بالباطل، وإضاعة أوقاتها، وإفساد دينها وأخلاقها، واشتغالها بذلك عما خلقت من أجله، فعلى المسلم الحذر من ذلك.

(1/759)


16 - العارية
- العارية: هي إباحة نفع عين تبقى بعد استيفائه ثم ردها بلا عوض.
- حكمة مشروعيتها:
قد يحتاج الإنسان إلى الانتفاع بعين من الأعيان وهو لا يستطيع أن يتملكها، ولا يملك مالاً فيدفع أجرتها، وبعض الناس قد لا تقوى نفسه على الصدقة أو الهبة، ومن هنا شرع الإسلام العارية قضاءً لحاجة المستعير، مع حصول الأجر والثواب للمعير ببذل المنفعة لأخيه مع بقاء العين له.
- حكم العارية:
العارية سنة مندوب إليها؛ لما فيها من الإحسان، وقضاء الحاجات، وجلب المودة والمحبة، وتنعقد بكل لفظ أو فعل يدل عليها.
عن أَنَس بن مالك رضي الله عنه قال: كَانَ فَزَعٌ بِالمدِينَةِ فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَساً مِنْ أَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ الْمَنْدُوبُ فَرَكِبَ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: «مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْراً». متفق عليه (1).
- شروط صحة العارية:
شروط صحة العارية:
أن تكون العين منتفعاً بها مع بقائها، وأن يكون النفع مباحاً، وأن يكون المعير أهلاً للتبرع، ومالكاً لما يعيره.
- ما تباح إعارته:
يباح إعارة كل ذي نفع مباح كالدار، والدابة، والسيارة، والآلة ونحوها من المباحات.
_________
(1) متفق عليه, أخرجه البخاري برقم (2627)، واللفظ له، ومسلم برقم (2307).

(1/760)


- ما يحرم إعارته:
يحرم إعارة ما فيه معصية للهِ تعالى كالأواني لشرب الخمر، والدور للبغاء، ونحوها من المحرمات.
- حفظ العارية:
يجب على المستعير المحافظة على العارية وردها سليمة إلى صاحبها، ولا يجوز للمستعير أن يعير العارية لغيره إلا بإذن مالكها.
- ضمان العارية:
تُضمن العارية مطلقاً إن تلفت بيد المستعير سواء فرط أو لم يفرط، فإنَّ على اليد ما أخذت حتى تؤديه، إلا أن يتنازل عنها المعير فيسقط الضمان.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء/58].
2 - وعن يعلي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا أتتكَ رُسُلي فأعْطِهِم ثلاثينَ دِرْعاً وثلاثينَ بَعيراً» قال: فقلت: يارسول الله، أعاريةٌ مضمونة أو عارية مؤدَّاة؟ قال: «بَلْ مُؤدَّاةٌ». أخرجه أبوداود (1).
- انتهاء عقد العارية:
ينتهي عقد العارية بما يلي:
1 - رد المستعير العارية.
2 - موت أحد العاقدين أو جنونه.
3 - الحجر على المعير بسبب الإفلاس.
4 - الحجر على أحد العاقدين بالسفه.
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبوداود برقم (3566).

(1/761)


17 - الغصب
- الغصب: هو الاستيلاء على مال غيره قهراً بغير حق، من عقار، ومنقول.
- أقسام الظلم:
الظلم ثلاثة: ظلم لا يتركه الله .. وظلم يُغفر .. وظلم لا يُغفر.
فأما الظلم الذي لا يُغفر فالشرك لا يغفره الله.
وأما الظلم الذي يُغفر فظلم العبد فيما بينه وبين ربه.
وأما الظلم الذي لا يُترك فظلم العباد يقتص الله لبعضهم من بعض.
- حكم الغصب:
الغصب حرام، ولا يحل لأحد أن يأخذ من غيره شيئاً مهما كان إلا بطيبة من نفسه.
1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} [البقرة/188].
2 - وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنْ أَخَذَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ ظُلْماً فَإنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ». متفق عليه (1).
- حكم من أحدث في الأرض المغصوبة:
1 - إذا غَصب أرضاً فغرسها، أو بنى فيها، لزمه القلع، وإزالة البناء، وضمان النقص، والتسوية إن طالبه المالك بذلك، وإن تراضيا على القيمة جاز.
2 - إذا زرع الغاصب الأرض وردها بعد أخذ الزرع فهو للغاصب وعليه أجرة الأرض لمالكها، وإن كان الزرع قائماً فيها، خُيِّر ربها بين تركه إلى الحصاد بأجرة مثله، وبين أخذه بنفقته.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3198) واللفظ له، ومسلم برقم (1610).

(1/762)


- حكم رد المغصوب:
يجب على الغاصب رد ما غصبه على صاحبه ولو غرم أضعافه؛ لأنه حق غيره فوجب رده، وإن اتجر في المغصوب فالربح بينهما مناصفة، وإن كانت للمغصوب أجرة فعلى الغاصب رده وأجرة مثله مدة بقائه في يده.
- الحكم إذا غير المغصوب:
إذا نسج الغاصب الغزل، أو قصّر الثوب، أو نجر الخشب ونحو ذلك لزمه رده لمالكه وأرش نقصه، ولا شيء للغاصب.
- حكم خلط المغصوب بغيره:
إذا خلط الغاصب ما أخذه بما لا يتميز كزيت بمثله، أو أرز بمثله ونحوهما، فإن لم تنقص القيمة ولم تزد فهما شريكان بقدر ماليهما، وإن نقصت ضمنها الغاصب، وإن زادت قيمة أحدهما فلصاحبه.
- الحكم إذا تلف المغصوب:
ما تلف أو تعيَّب من مغصوب مثلي غرم مثله، وإلا يكن مثلي فقيمته يوم تعذَّر المثل.
- حكم تصرفات الغاصب:
تصرفات الغاصب من بيع ونكاح وحج ونحو ذلك موقوفة على إجازة المالك، فإن أجازها وإلا بطلت.
- من يُقبل قوله في الغصب:
القول في قيمة التالف أو قدره أو صفته قول الغاصب مع يمينه ما لم تكن بينة للمالك، والقول في رده وعدم عيبه قول المالك ما لم تكن بينة.

(1/763)


- حكم من فوَّت الملك على غيره:
1 - إذا فتح قفصاً، أو باباً، أو حَلّ وكاءً، أو رباطاً، أو قيداً، فذهب ما فيه، أو تلف، ضمنه، سواء كان مكلفاً أو غير مكلف؛ لأنه فَوّته عليه.
2 - من اقتنى كلباً عقوراً، أو أسداً، أو ذئباً فأطلقه، أو طيراً جارحاً، فأتلف شيئاً ضمنه.
- حكم ما أتلفته البهائم:
إذا أتلفت البهائم شيئاً من الزروع ونحوها ليلاً ضمنه صاحبها؛ لأن عليه حفظها ليلاً، وما أتلفته نهاراً لم يضمنه؛ لأن على أهل المزارع حفظها نهاراً، إلا إن فَرَّط صاحبها فيضمن ما أتلفته.
- أحكام رد المغصوب:
1 - إذا أراد رد المغصوب وجهل صاحبه سلمه الحاكم إن كان عدلاً، أو تصدق به عنه، ويضمنه إن لم يجزه صاحبه فيما بعد.
2 - إذا كانت بيد الغاصب أموال مغصوبة، وسرقات، وأمانات، وودائع للناس، ورهون ونحوها، ولم يعرف أصحابها، فله الصدقة بها، وله صرفها في مصالح المسلمين ويبرأ من عهدتها، وله تسليمها للحاكم الأمين.
- حكم المال الحرام:
من كسب مالاً حراماً كثمن خمر ثم تاب، فإن كان لم يعلم بالتحريم ثم علم جاز له أكله، وإن كان يعلم بالتحريم ثم تاب فإنه يتخلص منه فينفقه في وجوه البر ولا يأكله.
- حكم إتلاف الأشياء المحرمة:
لا ضمان في إتلاف آلات اللهو، والصلبان، وأواني الخمر، وكتب الضلال والمجون، وآلات السحر ونحوها؛ لأنها محرمة لا يجوز بيعها، لكن يكون

(1/764)


إتلافها بأمر الحاكم ورقابته؛ ضماناً للمصلحة، ودفعاً للمفسدة.
- حكم ما أكلته النار:
مَنْ أَجَّج ناراً بملكه فتعدت إلى ملك غيره بتفريطه فأتلفت شيئاً ضمنه، لا إن طرأت ريح فلا ضمان عليه؛ لأنه ليس من فعله، ولا بتفريطه.
- حكم هلاك البهائم على الطرق:
البهائم إذا اعترضت الطرق العامة المعبدة بالإسفلت ونحوه، فضربتها سيارة فهلكت، فهي هدر لا ضمان على مَنْ أتلفها إن لم يفرط أو يتعدَّ، وصاحبها آثم بتركها وإهمالها، واعتراضها في طرق السيارات.
- حكم المال المغصوب:
يحرم على الغاصب الانتفاع بالمغصوب، ويجب عليه رده، وكذا سائر المظالم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِيْنَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ». أخرجه البخاري (1).
- يحق للإنسان الدفاع عن نفسه وماله إذا قصده آخر لقتله، أو أَخْذ ماله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ الله أَرَأَيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: «فَلا تُعْطِهِ مَالَكَ» قَالَ أَرَأَيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: «قَاتِلْهُ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: «فَأَنْتَ شَهِيْدٌ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم (2).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (2449).
(2) أخرجه مسلم برقم (140).

(1/765)


18 - الشفعة والشفاعة
- الشفعة: هي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها بالثمن الذي استقر عليه العقد مع المشتري.
- حكمة مشروعية الشفعة:
الشفعة من محاسن الإسلام، شرعت لدفع الضرر عن الشريك؛ لأنه ربما يشتري نصيب شريكه عدو له، أو ذو أخلاق سيئة فيحدث بسبب ذلك التباغض، ويتأذى الجار، وفي ثبوت الشفعة دفع للأذى والضرر.
- حكم الشفعة:
الشفعة جائزة للشفيع، وتثبت الشفعة في كل شيء لم يقسم من أرض، أو دار، أو حائط، ويحرم التحيُّل لإسقاطها؛ لأنها شُرعت لإزالة الضرر عن الشريك.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قَضَىَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ، وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلا شُفْعَةَ. متفق عليه (1).
- وقت الشفعة:
1 - الشفعة حق للشريك متى علم بالبيع، فإن أخرها بطلت شفعته إلا أن يكون غائباً، أو معذوراً فيكون على شفعته متى قدر عليها، وإن أمكنه الإشهاد على المطالبة بها ولم يشهد بطلت شفعته.
2 - إذا مات الشفيع ثبتت الشفعة لورثته، ويأخذ الشفيع المبيع بكل الثمن، فإن عجز عن بعضه سقطت.
- ثبوت الشفعة:
لا يجوز للشريك أن يبيع نصيبه حتى يؤذِن شريكه، فإن باع ولم يؤذِنه فهو أحق به، وإن أذن له وقال لا غرض لي فيه لم يكن له المطالبة به بعد البيع.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2257) واللفظ له، ومسلم برقم (1608).

(1/766)


- حكم شفعة الجار:
الجار أحق بشفعة جاره، فإذا كان بين الجارين حق مشترك من طريق أو ماء ثبتت الشفعة لكل منهما لقوله عليه الصلاة والسلام: «الجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا وَإنْ كَانَ غَائِباً إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِداً». أخرجه أبو داود
وابن ماجه (1).
- الشفاعة: هي طلب العون للغير.
- أقسام الشفاعة:
الشفاعة قسمان: حسنة وسيئة.
1 - الشفاعة الحسنة: هي ما كانت فيما استحسنه الشرع، كأن يشفع لإزالة ضرر، أو جَرّ منفعة إلى مُسْتَحِق، أو رفع مظلمة عن مظلوم، فهذه محمودة، وصاحبها مأجور.
2 - الشفاعة السيئة: هي ما كانت فيما حرَّمه الشرع، كأن يشفع في إسقاط حد، أو هضم حق، أو إعطائه لغير مستحقه، فهذه مذمومة، وصاحبها مأزور غير مأجور.
قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)} [النساء/85].
_________
(1) صحيح/أخرجه أبوداود برقم (3518)، وأخرجه ابن ماجه برقم (2494).

(1/767)


19 - الوديعة
- الوديعة: هي المال المدفوع إلى من يحفظه بلا عوض.
- حكمة مشروعيتها:
قد تطرأ على الإنسان أحوال يكون فيها غير قادر على حفظ ماله، إما لفقد المكان، أو لعدم الإمكان، ويكون عند غيره من إخوانه القدرة على حفظ ماله.
ومن هنا أباح الإسلام الوديعة لحفظ المال من جهة، وكسب الأجر من جهة المودَع، وفي حفظها ثواب جزيل، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
- حكم الوديعة:
الوديعة عقد جائز، إن طلبها صاحبها وجب ردها إليه، وإن ردها المستودَع لزم صاحبها قبولها.
والوديعة مباحة للمودِع، سنة للمودَع عنده؛ لأنها من الإحسان الذي يحبه الله، وفيها قضاء حاجة المسلم.
- حكم قبول الوديعة:
يستحب قبول الوديعة لمن علم أنه قادر على حفظها؛ لأنه من التعاون على البر والتقوى، وفيها ثواب جزيل، وتكون من جائز التصرف لمثله.
- ضمان الوديعة:
1 - إذا تلفت الوديعة من بين ماله ولم يتعد ولم يفرط لم يضمن، ويلزم حفظها في حرز مثلها، فإن أذن للمودَع أن يتصرف فيها صارت قرضاً مضموناً.
2 - إذا حصل خوف وأراد المودَع أن يسافر فإنه يجب عليه رد الوديعة إلى صاحبها أو وكيله، فإن لم يمكن دَفَعها إلى الحاكم إن كان عدلاً، فإن لم يمكن أودعها عند ثقة ليردها إلى صاحبها.

(1/768)


3 - من أودع دابة فركبها لغير نفعها، أو دراهم فأخرجها من حرزها أو خلطها بغير متميز فضاع الكل أو تلف ضمن.
4 - المودَع أمين لا يضمن إلا إن تعدى أو فرط، ويُقبل قول المودَع مع يمينه في رد الوديعة، وتلفها، وعدم التفريط، ما لم تكن بينة.
- حكم رد الوديعة:
1 - الوديعة مالاً كانت أو غيره أمانة عند المودَع، يجب ردها عندما يطلبها صاحبها، فإن لم يَردها بعد طلب صاحبها من غير عذر فتلفت ضمنها.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء/58].
2 - إذا طلب أحد المودعين نصيبه من مكيل، أو موزون، أو معدود ينقسم، أعطي إياه.
- حكم الأموال المودعة في البنك:
الأموال المودعة في البنك قرض لا وديعة؛ لأن البنك يتصرف فيها بالتجارة، والوديعة تُحفظ ولا يُتصرف فيها.
فعلى هذا إذا احترق البنك بأمواله بدون تعد ولا تفريط،، ضمن البنك القروض، ولا يضمن الودائع؛ لأن المودَع أمين قَبَض المال بإذن صاحبه، ولمصلحة مالكه، فلا يضمن إلا إن تعدى أو فرط.
والمستقرض استقرض لمصلحة نفسه بإذن مالكه، فيضمن القرض لصاحبه.

(1/769)


20 - إحياء الموات
الموات: الأرض التي لا مالك لها، وهي الأرض المنفكة عن لاختصاصات، وملك معصوم.
والاختصاصات كمجاري السيول، ومواضع الحطب، ومناطق الرعي، المصالح العامة كالحدائق والمقابر.
ومُلك المعصوم هو ما مَلَكه الإنسان، والمعصوم من بني آدم أربعة:
المسلم .. والمعاهد .. والذمي .. والمستأمن.
فهؤلاء لا يجوز لأحد الاعتداء على ما يملكون.
- حكمة مشروعية إحياء الموات:
إحياء الموات فيه اتساع دائرة الرزق، وانتفاع المسلمين بما يخرج منها من طعام وغيره، ومن زكاة تُفَرَّق على المستحقين.
- فضل إحياء الموات لمن حسنت نيته:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ».متفق عليه (1).
- حكم إحياء الموات:
1 - من أحيا أرضاً ميتة ليست لأحد فهي له، من مسلم وذمي، بإذن الإمام وعدمه، في دار الإسلام وغيرها، ما لم تتعلق بمصالح المسلمين كالمقبرة، ومحل الاحتطاب، وموات الحرم، وعرفات فلا يملك بالإحياء.
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أَعْمَرَ أَرْضاً لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ». أخرجه البخاري (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2320) واللفظ له، ومسلم برقم (1553).
(2) أخرجه البخاري برقم (2335).

(1/770)


2 - وإذا رأى الإمام ضبط الأمور، وتحقيق العدل، وقطع النزاع، فأمر الناس أن يستأذنوا عند الإحياء فتجب طاعته؛ لأن طاعة ولي الأمر واجبة في غيرمعصية الله.
- كيفية إحياء الأرض الموات:
يحصل إحياء الأرض بما يلي:
إما بحائط منيع مما جرت به العادة، أو بإجراء الماء، أو حفر بئر فيها، أو غرس شجر، ويُرجع في ذلك إلى العرف، فما عده الناس إحياءً فإنه تملك به الأرض الموات.
فَمَنْ أحياها إحياءً شرعياً ملكها بجميع ما فيها، كبيرة كانت أو صغيرة، وإن عجز فللإمام أخذها وإعطاؤها لمن يقدر على إحيائها.
- حكم تملُّك الأرض القريبة:
الأرض الواقعة في البلد، أو القريبة منه لا تُملك إلا بإذن الإمام.
فقد يحتاجها المسلمون لمقبرة، أو بناء مسجد، أو مدرسة أو نحوها، وامتلاكها يفوِّت هذه المصالح العامة.
الأرض الموات التي ينحدر سيلها إلى أرض مملوكة فهي تبع لها على وجه الاختصاص، لا يسوغ إحياؤها، ولا إقطاعها لغير أهل الأرض المملوكة إلا بإذنهم، دفعاً للضرر عنهم.
- ما يجوز للإمام إقطاعه:
يجوز للإمام إقطاع موات لمن يحييه، وإقطاع الجلوس في الأسواق الواسعة للبيع والشراء ما لم يُضيق على الناس، ومن غير إقطاع يجوز الجلوس فيها لمن سبق، فإن سبقا معاً اقترعا، وإذا اختلف الناس في الطريق جُعل سبعة أذرع، وللحاكم تنفيذ ما تتحقق به المصلحة العامة.

(1/771)


- حكم الحجر على الأرض:
التحجر لا يفيد التملك، وإنما يفيد الاختصاص، والأحقية من غيره كأن يحيط الأرض بجدار ليس بمنيع، أو بشبك، أو خندق، أو حاجز ترابي، أو يحفر بئراً ولا يصل إلى الماء، فيضرب له ولي الأمر مدة لإحيائها، فإن أحياها إحياءً شرعياً وإلا نزعها من يده، وسلَّمها لمتشوِّف لإحيائها.
يجوز لمن في أعلى الماء المباح كماء النهر، والوادي، السقي، وحبس الماء إلى الكعبين، ثم يرسله إلى مَنْ تحته.
- حكم اتخاذ الحِمى:
يجوز للإمام دون غيره حمى مرعىً للدواب والخيل التي تتبع بيت مال المسلمين كخيل الجهاد، وإبل الصدقة ونحوهما ما لم يضر بالمسلمين.
- مَنْ سبق إلى مباح وحازه فهو له كصيد، وعنبر، وحطب ونحو ذلك.
- المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ، والنار، ولا يجوز الحمى إلا لمصالح المسلمين العامة.
- حكم التعدي على حق الغير:
يحرم على المسلم الاعتداء على حق غيره من مال، أو عقار وغيرهما.
1 - عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ ظَلَمَ قِيْدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ». متفق عليه (1).
2 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَخَذَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئاً بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَومَ القِيَامَةِ إلَى سَبْعِ أَرَضِينَ». أخرجه البخاري (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2453) واللفظ له، ومسلم برقم (1612).
(2) أخرجه البخاري برقم (2454).

(1/772)


21 - الجعالة
- الجعالة: هي جعل مال معلوم لمن يعمل له عملاً مباحاً معلوماً أو مجهولاً كبناء حائط، أَوْ رَدِّ شارد ونحوهما.
- حكم الجعالة: جائزة؛ لحاجة الناس إليها، ولكلٍ من الطرفين فسخها إلا إذا تضمنت ضرراً على الآخر، فلا يجوز فسخها.
قال الله تعالى: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)} [يوسف/72].
- صفة الجعالة:
أن يقول الإنسان مثلاً: مَنْ بنى لي هذا الجدار، أو خاط هذا الثوب، أو رَدَّ هذا الفرس فله كذا مالاً، فمن فعله استحق الجُعْل.
والفرق بين الإجارة والجعالة: أن الإجارة مع شخص معين بنفسه، والجعالة مع كل أحد، فلمن شاء قام بالعمل وأخذها.
- حكم فسخ الجعالة:
يجوز فسخ الجعالة، فإن كان الفسخ من العامل لم يستحق شيئاً.
وإن كان الفسخ من الجاعل:
فإن كان قبل الشروع في العمل لم يستحق العامل شيئاً.
وإن كان بعده فللعامل أجرة عمله.
- حكم من بذل منفعة:
1 - من رد لقطة أو ضالة أو نحوهما من غير جعل لم يستحق عوضاً، ويستحب إعطاؤه ما تيسر.
2 - من استنقذ مال غيره من الهلكة ورده إلى صاحبه استحق أجرة المثل ولو بغير شرط.

(1/773)


22 - اللقطة واللقيط
- اللقطة: هي مال أو مختص ضل عنه ربه والتقطه غيره.
- حكم اللقطة:
جواز أخذ اللقطة وتعريفها من محاسن الإسلام؛ لما فيها من حفظ مال الغير، وحصول الأجر لمن التقطها وعرَّفها.
- المال الضائع على ثلاثة أقسام:
1 - ما لا تتبعه همة أوساط الناس كالسوط، والعصا، والرغيف، والثمرة ونحوها، فهذا يُملك بأخذه إن لم يجد صاحبه، ولا يجب تعريفه، والأفضل أن يتصدق به.
2 - الضوال التي تمتنع من صغار السباع كالإبل، والبقر، والخيل، والضبا، والطيور ونحوها فهذه لا تُلتقط، وَمَنْ أخذها لزمه ضمانها وتعريفها أبداً.
3 - سائر الأموال كالنقود والأمتعة والحقائب والحيوانات التي لا تمتنع بنفسها من السباع كالغنم والفصلان ونحوها، فهذه يجوز أخذها إن أمن نفسه عليها، وقوي على تعريفها، فَيُشهد عليها عدلين، ويحفظ عفاصها ووكاءها، ثم يعرِّفها سنة كاملة في المجتمعات العامة كالأسواق، وأبواب المساجد ونحوها من وسائل الإعلام المباحة.
- حكم اللقطة بعد التعريف:
1 - إذا عَرَّف اللقطة سنة كاملة، فإن وجد صاحبها سلمها إليه بلا بينة ولا يمين، وإن لم يجده عَرَف صفاتها وقدرها ثم تصرف فيها وَتَمَلَّكها، ومتى جاء صاحبها فوصفها دفعها إليه أو مثلها إن كانت قد تلفت.
2 - إن هلكت اللقطة أو تلفت في حول التعريف بغير تعدٍّ منه ولا تفريط فلا ضمان عليه.

(1/774)


- ما يفعل باللقطة:
إن كانت اللقطة شاة، أو فصيلاً، أو نحوهما، أو ما يُخشى فساده، فللملتقط أن يفعل الأحظ لمالكه من أكله وعليه قيمته، أو بيعه وحِفْظ ثمنه، أو حفظه مدة التعريف، ويرجع بما أنفق عليه على مالكه.
عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اللقطة، الذهب، أو الوَرِق؟ فقال: «اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإنْ لَمْ تَعْرِفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ فَإنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْماً مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ».
وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الإبلِ فَقَالَ: «مَا لَكَ وَلَهَا دَعْهَا فَإنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ المَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَها رَبُّهَا».
وَسَأَلَهُ عَنِ الشَّاةِ فَقَالَ: «خُذْهَا فَإنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ».
متفق عليه (1).
- السفيه والصغير يُعرِّف لقطتهما وليهما.
- حكم لقطة الحرم:
لقطة الحرم لا يجوز أخذها إلا إذا خاف عليها التلف أو الضياع، ويجب على آخذها تعريفها ما دام في مكة.
وإذا أراد الخروج سلّمها لجهات الاختصاص من حاكم أو نائبه، أو من ينوب عنه، ولا يجوز تَمَلُّك لقطة مكة بحال، ولا يجوز أخذها إلا لمن يُعرِّفها أبداً، أما لقطة الحاج فيحرم التقاطها سواء كانت في الحل أو الحرم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي، أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ» فَقَالَ الْعَبَّاسُ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (91)، ومسلم برقم (1722)، واللفظ له.

(1/775)


رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِلَّا الْإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا؟ فَقَالَ: «إِلَّا الْإِذْخِرَ» متفق عليه (1).
- حكم إنشاد الضالة في المسجد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي المَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: «لا رَدَّهَا الله عَلَيْكَ فَإنَّ المَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا». أخرجه مسلم (2).
- اللقيط: هو طفل لا يُعرف نسبه ولا رِقّه، نُبِذ في مكان، أو ضل الطريق.
- حكم التقاطه: فرض كفاية، ولمن أخذه وربَّاه أجر عظيم.
- حكم اللقيط:
اللقيط إذا وُجِدَ في دار الإسلام حُكِمَ بإسلامه، ويُحْكَمُ بحرِّيَّته أينما وجد؛ لأنها الأصل ما لم يتبين خلاف ذلك.
- حضانة اللقيط:
حضانة اللقيط لواجده إن كان مكلفاً، أميناً، عدلاً، ونفقته على بيت مال المسلمين، وإن وُجِدَ معه شيء أُنْفِقَ عليه منه.
- حكم ميراث اللقيط وديته:
ميراث اللقيط وديته لبيت المال إن لم يخلِّف وارثاً، ووليّه في قتل العمد الإمام، يخيَّر فيه بين القصاص والدية لبيت المال.
- من يُرَدّ إليه اللقيط:
إن أقر رجل أو امرأة ذات زوج مسلم أو كافر أنه ولده لحق به، وإن ادعاه جماعة قُدِّم ذو البينة، فإن لم تكن بينة فَمَنْ ألحقته القافة به لحقه.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1349) واللفظ له، ومسلم برقم (1353).
(2) أخرجه مسلم برقم (568).

(1/776)


23 - الوقف
- الوقف: هو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة؛ طلباً للثواب من الله عز وجل.
- حكمة مشروعية الوقف:
يَرْغب مَنْ وَسَّع الله عليهم من ذوي الغنى واليسار أن يتزودوا من الطاعات، ويكثروا من القربات، فيجعلوا شيئاً من أموالهم العينية مما يبقى أصله وتستمر منفعته وقفاً؛ خشية أن يؤول بعد الموت إلى من لا يحفظه ولا يصونه، لذا شرع الله الوقف.
- حكم الوقف:
الوقف مستحب، وهو من أفضل الصدقات التي حث الله تعالى عليها، وأجلّ أعمال القُرَب والبر والإحسان وأعمّها وأكثرها فائدة، وهو من الأعمال التي لا تنقطع بعد الموت، ويصح بكل قول أو فعل يدل عليه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلاثَةٍ إلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». أخرجه مسلم (1).
- شروط صحة الوقف:
يشترط لصحة الوقف ما يلي:
1 - أن يكون في عين معلومة يُنتَفع بها مع بقاء عينها.
2 - أن يكون على بر كالمساجد، والقناطر، والأقارب، والفقراء.
3 - أن يقف على معين من جهة كمسجد كذا، أو شخص كزيد مثلا، أو صنف كالفقراء.
4 - أن يكون الوقف مؤبداً، مُنَجَّزاً غير مؤقت ولا معلَّق إلا إذا علَّقه بموته.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1631).

(1/777)


5 - أن يكون الواقف ممن يصح تصرفه.
- ما ينعقد به الوقف:
ينعقد الوقف بالقول كأن يقول: وَقَّفت، وحَبَّست، وسَبَّلت ونحوها.
ويصح بالفعل كمن بنى مسجداً وأَذِنَ للناس بالصلاة فيه، أو مقبرة وأَذِنَ للناس بالدفن فيها.
- صفة التصرف في الوقف:
يجب العمل بشرط الواقف في جمع، وتقديم، وترتيب ونحوها ما لم يخالف الشرع، فإن أطلق ولم يشترط عُمِل بالعادة والعرف ما لم يخالف الشرع، وإلا فهم سواء في الاستحقاق.
- ما يشترط في العين الموقوفة:
يشترط في العين الموقوفة المنفعة دائماً من عقار، وحيوان، وبستان، وسلاح، وأثاث ونحوها، وأن تكون مباحة النفع.
ويستحب أن يكون الوقف من أطيب المال وأحسنه.
- كيف يُكتَب الوقف:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمر بخيبر أرضاً، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أَصَبْتُ أَرْضاً لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: «إنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا» فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّهُ لا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلا يُوْهَبُ وَلا يُوْرَثُ، فِي الفُقَرَاءِ وَالقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ الله وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ، لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقاً غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2772) واللفظ له، ومسلم برقم (1632).

(1/778)


- أحكام الوقف:
1 - إذا وقف على جماعة يمكن حصرهم وجب تعميمهم، والتساوي بينهم، فإن لم يمكن جاز التفضيل والاقتصار على بعضهم.
2 - إذا وقف على أولاده، ثم على المساكين، فهو لأولاده الذكور والإناث وأولادهم وإن نزلوا للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كان لبعضهم عيال، أو به حاجة، أو عاجزاً عن الكسب، أو خص ذا الدين والصلاح بالوقف فلا بأس.
3 - إذا قال: هذا الوقف وقف على أبنائي أو بني فلان اختص بالذكور دون الإناث إلا أن يكون الموقوف عليهم قبيلة كبني هاشم ونحوها فيدخل النساء مع الرجال.
- الحكم إذا تعطلت منافع الوقف:
الوقف عقد لازم لا يجوز فسخه، ولا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، ولا يرهن، فإن تَعَطَّلت منافعه بخراب أو غيره، وجب بيعه، ويصرف ثمنه في مثله كالمسجد تتعطل منافعه يباع وينقل لمسجد آخر؛ حفظاً لمصلحة الوقف، ما لم يترتب على ذلك مفسدة، أو مضرة لأحد.
- حكم تغيير صورة الوقف:
يستحب تغيير صورة الوقف إذا تعطلت بعض منافعه للمصلحة كجعل الدور حوانيت، والبساتين دوراً، ونفقة الوقف من غلته ما لم يشترط من غيرها، وتجوز مخالفة نص الواقف إلى ما هو أصلح وأنفع وأحب إلى الله تعالى.
- ناظر الوقف:
إذا لم يعين الواقف ناظراً للوقف، فالنظر يكون للموقوف عليه إن كان معيناً، وإن كان على جهة كالمساجد، أو مَنْ لا يمكن حصرهم كالمساكين، فالنظر على الوقف للحاكم.

(1/779)


- أفضل أبواب الوقف:
أفضل أبواب الوقف ما عمَّت منفعته المسلمين في كل زمان ومكان.
كالوقف على المساجد .. ودور العلم الشرعي .. وطلبة العلم .. والمجاهدين في سبيل الله عز وجل .. والأقارب .. وفقراء المسلمين وضعفائهم .. والأيتام والأرامل .. والعيون وآبار الماء .. والمزارع والبساتين ونحو ذلك.
- الوقف أصل ثابت يجوز دفعه إلى آخر يقوم بتعميره من ماله بنسبة معينة من الرَّيع.
- حكم زكاة الوقف:
الوقف له حالتان:
الأولى: أن يكون الوقف على جهة تستحق الزكاة كالفقراء، والمساكين، فهذا لا زكاة فيه.
الثانية: أن يكون الوقف على جهة لا تستحق الزكاة، فهذا بمجرد صرف الأموال لكل واحد من الموقوف عليهم يستقبل به الحول، ثم يزكيه إذا حال عليه الحول، وبلغ النصاب.
- حكم وقف الكافر:
الوقف قربة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل.
ويصح الوقف المشروع من الكافر، لكن يثاب على صدقاته في الدنيا، ولا حظ له من الثواب في الآخرة؛ لكفره المانع من قبول عمله.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا.»
أخرجه مسلم (1).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2808).

(1/780)


24 - الهبة والصدقة
- المواساة بالمال على ثلاث مراتب:
الأولى: أن تُنزِّل المحتاج منزلة عبدك، فتعطيه ابتداءً، ولا تحوجه إلى السؤال، وهي أدناها.
الثانية: أن تُنزِّله منزلة نفسك، وترضى بمشاركته إياك في مالك.
الثالثة: وهي أعلاها أن تُؤثره على نفسك، وهذه مرتبة الصِّدِّيقين.
- الهبة: هي تمليك المال في الحياة لغيره بغير عوض، وفي معناها الهدية والعطية.
- الصدقة: هي ما يُعطى للفقراء والمحتاجين من مال؛ طلباً للثواب من الله تعالى.
- حكم الهبة والصدقة:
الهبة والصدقة كلاهما مستحب، وقد حث الإسلام على الهبة والهدية والعطية والصدقة؛ لما فيها من تأليف القلوب، وتوثيق عرى المحبة بين الناس، وتطهير النفوس من رذيلة البخل والشح والطمع، وجَعَلَ لمن فعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى الأجر الجزيل، والثواب العظيم.
- هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الإنفاق:
الله جواد كريم، يحب الجود والسخاء، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان يقبل الهدية، ويثيب عليها، ويدعو إلى قبولها، ويُرَغِّبُ فيها، وكان أعظم الناس صدقة بما ملكت يده، لا يسأله أحد شيئاً إلا أعطاه، قليلاً كان أو كثيراً، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه.
وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه منه، إذا عرض له محتاج آثره على نفسه.

(1/781)


وكان ينوِّع في أصناف عطائه وصدقته، تارة بالهبة، وتارة بالصدقة، وتارة بالهدية، وتارة يشتري الشيء فيعطي أكثر من ثمنه، وتارة يقترض الشيء فيرد أكثر منه، وتارة يشتري الشيء ثم يعطي البائع الثمن والسلعة جميعاً، ولذلك كان أشرح الناس صدراً، وأطيبهم نفساً، وأنعمهم قلباً فصلوات الله وسلامه عليه.
- فضل الجود والإحسان:
1 - قال الله تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)} [البقرة/ 272].
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلا يَقْبَلُ الله إلَّا الطَّيِّبَ وَإنَّ الله يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ». متفق عليه (1).
- حكم أخذ العطاء:
مَنْ جاءه مال، أو شيء، من غير إشراف، ولا مسألة فليقبله ولا يرده، فإنما هو رزق ساقه الله إليه، فإن شاء تموَّله، وإن شاء تصدق به.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُعْطِي عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ العَطَاءَ فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ: أعْطِهِ يَا رَسُولَ الله أفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ أوْ تَصَدَّقْ بِهِ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ وَأنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لا فَلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ». متفق عليه (2).
- تجوز الصدقة على المسلم وغيره من أهل الأديان.
- ما تنعقد به الهبة:
تنعقد الهبة بأي صيغة تفيد تمليك المال بلا عوض كوهبتك، أو أهديتك، أو
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1410) واللفظ له، ومسلم برقم (1014).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7164)، ومسلم برقم (1045)، واللفظ له.

(1/782)


أعطيتك، وبكل معاطاة دالة عليها، وتجوز هبة كل عين يصح بيعها، ويكره ردها وإن قَلَّت.
- كيف يعطي الإنسان أولاده:
1 - يجوز للإنسان أن يُعطي أولاده حال حياته، ويجب عليه التسوية بينهم على حسب ميراثهم، فإن فَضَّل بعضهم على بعض سُوِّي برجوع أو زيادة.
2 - إذا أعطى الإنسان أحد أولاده لمعنى فيه من حاجة، أو زَمانة، أو كثرة أولاد، أو مرض، أو لاشتغاله بالعلم ونحوه جاز التخصيص من أجل ذلك، ويحرم ذلك على سبيل الأثرة.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: إن أباه أتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني نَحَلْت ابني هذا غلاماً كان لي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟» فقال: لا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فَارْجِعْهُ». متفق عليه (1).
- حكم الرجوع في الهبة:
لا يجوز لواهب أن يرجع في هبته المقبوضة إلا الأب، ويجوز للأب أن يأخذ من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه، وليس للولد مطالبة أبيه بدين ونحوه إلا بنفقته الواجبة عليه.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ». متفق عليه (2).
- ما يسن للمهدي والمهدى له:
الهدية عبادة، تجلب المحبة والمودة.
ويستحب الإهداء للأقارب، والأصدقاء، والوجهاء، والكبار وسائر الناس.
ويستحب قبول الهدية، والإثابة عليها؛ مقابلة للجميل بمثله، أو أفضل منه؛ لئلا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2586)، ومسلم برقم (1623)، واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2589)، ومسلم برقم (1622).

(1/783)


يكون لأحد عليه منَّة، فإن لم يجد دعا له.
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا. أخرجه البخاري (1).
2 - وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ صُنِعَ إلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ الله خَيْراً فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ». أخرجه الترمذي (2).
- أفضل الصدقة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ عَلَيه الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فَقَالَ: يَارَسُولَ الله أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْراً؟ قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ وَتَأْمُلُ الغِنَى وَلا تُمْهِلُ حَتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلانٍ كَذَا وَلِفُلانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ». متفق عليه (3).
- حكم العطاء عند الموت:
مَنْ مرضه مَخوف كالطاعون، وذات الجَنْب ونحوهما فلا يلزم ولا يصح تبرعه لوارث بشيء إلا بإجازة الورثة بعد الموت، كما لا يلزم ولا يصح تبرعه بما فوق الثلث لغير وارث إلا بإجازة الورثة لها بعد الموت.
- مَنْ شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها فَقَبِلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا.
- حكم رد الهدية:
يجوز رد الهدية لسبب كأن يعلم أن المُهْدي صاحب مِنَّة، أو يُعيِّرك بها، أو يتحدث بها ونحو ذلك، ويجب رد الهدية إذا كانت مسروقة أو مغصوبة.
_________
(1) صحيح/أخرجه البخاري برقم (2585).
(2) صحيح/أخرجه الترمذي برقم (2035).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1419) واللفظ له، ومسلم برقم (1032).

(1/784)


- حكم الهدية للمشرك وقبولها منه:
تجوز الهدية للمشرك وقبولها منه؛ تأليفاً لقلبه، وطمعاً في إسلامه.
1 - قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} ... ] الممتحنة/8 [.
2 - وعن أنس رضي الله عنه قال: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جُبَّةُ سُنْدُسٍ وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا». متفق عليه (1).
3 - وعن أسماء رضي الله عنها قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ». متفق عليه (2).
- حكم الهدية لمصلحة:
مَنْ أهدى هدية لولي أمر ليفعل معه ما لا يجوز، كان حراماً على المهدي والمهدى إليه، وهي من الرشوة الملعون آخذها ومعطيها، وإن أهداه هدية ليكف ظلمه عنه، أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراماً على الآخذ، وجاز للدافع أن يدفعها إليه؛ اتّقاء لشره، وحفظاً لحق الدافع.
- خير الصدقة:
خير الصدقة وأفضلها ما كان عن ظهر غنى، وأن يبدأ بمن يعول، لقوله عليه الصلاة والسلام: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلأَهْلِكَ، فَإنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2615) واللفظ له، ومسلم برقم (2469).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2620)، ومسلم برقم (1003)، واللفظ له.

(1/785)


وَهَكَذَا». يَقُولُ: فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ. أخرجه مسلم (1).
- فضل النفقة في وجوه البر:
النفقة في سبيل الله وفي مصالح المسلمين من أعظم القُرَب.
وثوابها الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والنفقة في سبيل الله بسبعمائة حسنة، والله يضاعف لمن يشاء.
ويتفاوت الإنفاق بحسب حال المنفق ونيته، وإيمانه، وإخلاصه، وإحسانه، وانشراح صدره، وسروره بذلك، وبحسب قدر النفقة، ونفعها، ووقوعها موقعها، وبحسب طيب المنفَق منه، وسلامته، وطهارته، وكيفية إنفاقه.
1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)}
[البقرة/ 261].
2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)}
[البقرة/ 274].
3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إسْلامَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ».
متفق عليه (2).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (997).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (42)، ومسلم برقم (129)، واللفظ له.

(1/786)


25 - الوصية
- الوصية: هي الأمر بالتصرف بعد الموت، أو التبرع بالمال بعد الموت.
- حكمة مشروعية الوصية:
شرع الله عز وجل على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - الوصية لطفاً بعباده، ورحمة بهم، حينما جعل للمسلم نصيباً من ماله يفرضه قبل وفاته في أعمال البر التي تعود على الفقراء، والمحتاجين بالخير والفضل، ويعود على الموصي بالثواب والأجر في وقتٍ حيل بينه وبين العمل.
قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)} [البقرة/180].
- حكم الوصية:
1 - الوصية مستحبة لمن له مال كثير، ووارثه غير محتاج، فيوصي بشيء من ماله لا يتجاوز الثلث، يُصرف في وجوه البر والإحسان؛ ليصل إليه ثوابه بعد موته.
2 - وتجب الوصية على من في ذمته دين للهِ تعالى، أو لآدمي، أو عنده أمانة لغيره فيكتبها ويبينها؛ لئلا تضيع الحقوق، أو ترك مالاً كثيراً فيلزمه أن يوصي لأقاربه غير الوارثين بما لا يزيد على الثلث.
3 - الوصية المحرمة كأن يوصي لأحد الورثة كابنه الأكبر، أو زوجته، بمال من بين سائر الورثة.
- مقدار المال الموصى به:
تسن الوصية لمن له وارث بالخمس، أو الربع، إن ترك خيراً -وهو المال الكثير عرفاً-، والخمس أفضل.
وتجوز الوصية بالثلث لغير وارث، وتكره وصية فقير ورثته محتاجون، وتجوز الوصية بالكل لمن لا وارث له.

(1/787)


ولا تجوز الوصية لأجنبي لمن له وارث بأكثر من الثلث، ولا تجوز الوصية لوارث.
وإن أوصى لأمه وأبيه وأخيه ونحوهم بحجة أو أضحية وهم أحياء جاز؛ لأن هذا من باب البر والإحسان إليهم بالثواب لا من باب الوصية التي يقصد بها التمليك.
- شروط الوصي في التصرف:
يشترط في الموصَى إليه بالتصرف أن يكون مسلماً، عاقلاً، مميزاً، حسن التصرف فيما أوصي إليه فيه، رجلاً كان أو امرأة.
- من تصح وصيته:
تصح الوصية من البالغ الرشيد، ومن الصبي العاقل، والسفيه بالمال ونحوهم، ذكراً كان أو أنثى.
- الفرق بين الوصية والهبة:
الوصية: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع.
والهبة: تمليك المال لغيره في الحال، وكلاهما يصح من مسلم وكافر.
والأفضل تعجيل الوصية لجهات البر في الحياة؛ لأن الصدقة والهبة في حال الحياة أفضل من الوصية.
- صفة الوصية:
تصح الوصية بلفظ مسموع من الموصِي، أو خطه، ويستحب أن يكتب وصيته، وَيُشهد عليها؛ قطعاً للنزاع.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوْصِي فِيه ِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2738) واللفظ له، ومسلم برقم (1627).

(1/788)


- يجوز الرجوع في الوصية ونقصها وزيادتها، فإذا مات استقرت.
- من تصح له الوصية:
تصح الوصية لمن يصح تملكه من مسلم، وكافر معيَّن، بكل شيء فيه نفع مباح، وتصح للمساجد، والقناطر، ودور العلم ونحو ذلك.
- وجوه الوصية:
1 - الوصية تكون بالتصرف المعلوم بعد الموت كأن يزوج بناته وينظر لصغاره، أو يفرق ثلثه، وهي مندوب إليها، وقربة يثاب عليها من قدر عليها.
2 - وتكون الوصية بالتبرع بالمال كأن يوصي بخُمُس ماله للفقراء، أو أهل العلم أو المجاهدين في سبيل الله، أو لبناء مسجد، أو حفر بئر ماء للشرب ونحو ذلك من وجوه البر والخير.
- تستحب الوصية للوالدين اللذين لا يرثان، وللأقارب الفقراء الذين لا يرثون؛ لأنها عليهم صدقة وصلة.
- حكم تبديل الوصية:
يجب أن تكون الوصية بالمعروف، فإن قصد الموصِي مضارَّة الوارث حَرُمَ عليه ذلك وهو آثم.
ويحرم على الموصَى إليه وغيره تبديل الوصية العادلة، ويسن لمن علم أن في الوصية جنفاً أو إثماً أن ينصح الموصِي بالأحسن والأعدل، وينهاه عن الجور والظلم، فإن لم يستجب أصلح بين الموصى إليهم؛ ليحصل العدل والتراضي، وبراءة ذمة الميت.
قال الله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)} [البقرة/181 - 182].

(1/789)


- حكم الوصية لجهات المعاصي:
لا تصح الوصية ولا تجوز على جهة معصية، كالوصية لبناء الكنائس، وأماكن اللهو واللعب، ومحلات البغاء والغناء، وعمارة الأضرحة، سواء كان الموصِي مسلماً أو كافراً، ومن أوصى بذلك فهو آثم، وعليه إثم من ضل أو فسد بسببه.
- وقت اعتبار الوصية:
الاعتبار بصحة الوصية وعدم صحتها بحال الموت.
فلو أوصى لوارث فصار عند الموت غير وارث، كأخ حُجب بابن تجدد صحَّت الوصية، ولو أوصى لغير وارث فصار عند الموت وارثاً، كما لو أوصى لأخيه مع وجود ابنه حال الوصية ثم مات ابنه فإنها تبطل الوصية إن لم تجزها الورثة.
- إذا مات الإنسان يُخرج من تركته الدين، ثم الوصية، ثم الميراث.
- حكم تصرف الأوصياء:
يجوز أن يكون الموصَى إليه واحداً أو أكثر، فإذا تعدد الأوصياء، وحُدد لكل واحد اختصاصه صح فيما خصه به، وإن أوصى إلى وصيين في شيء واحد كالنظر في أمر أولاده، أو أمواله فليس لأحدهما التصرف منفرداً.
- وقت قبول الوصية:
يصح قبول الموصَى إليه الوصية في حياة الموصي، وبعد موته، فإن امتنع عنها قبل الموت أو بعده سقط حقه؛ لعدم قبوله.
- إذا أوصى الموصي بأن قال: أوصيت لفلان بمثل نصيب ابني، أو أيَّ وارث، فله مثل نصيبه مضموماً إلى المسألة، وإن أوصى بجزءٍ، أو حظ، أعطاه الورثة ما شاؤا.
- إذا مات الإنسان بموضع لا حاكم فيه، ولا وصي كالمفاوز والقفار، جاز لمن حوله من المسلمين حَوْز تركته، والتصرف فيها بما يحقق المصلحة.

(1/790)


- نص الوصية:
يكتب في صدر الوصية - إن شاء - ما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانوا يكتبون في صدور وصاياهم:
هذا ما أوصى به فلان ابن فلان، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث مَنْ في القبور، وأوصَى مَنْ ترك بعده من أهله أن يتقوا الله حق تقاته، وأن يصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما وصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: {يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)}. أخرجه البيهقي والدارقطني (1).
ثم يذكر ما يريد أن يوصي به.
- مبطلات الوصية:
تبطل الوصية بما يلي:
1 - إذا جُنَّ الموصَى له بالتصرف.
2 - إذا تلف الموصَى به.
3 - إذا رجع الموصِي عن الوصية.
4 - إذا ردها الموصَى له.
5 - إذا مات الموصَى له قبل موت الموصِي.
6 - إذا قتل الموصَى له الموصِي.
7 - إذا انتهت مدة الوصية، أو انتهى العمل الذي عُهد إلى الوصي القيام به.
_________
(1) صحيح/أخرجه البيهقي برقم (12463)، وأخرجه الدارقطني (4/ 154)، انظر إرواء الغليل رقم (1647).

(1/791)


26 - العتق
- العتق: هو تحرير رقبة آدمي وتخليصها من الرق.
- الحرية والرق في الإسلام:
الناس في الإسلام كلهم أحرار لا يطرأ عليهم الرق إلا بسبب واحد، وهو أن يؤسروا وهم كفار مقاتلون.
وجعل لتحريرهم عدة أسباب لتخليصهم من ذل الرق، فجعل العتق الكفارة الأولى في الوطء في نهار رمضان، وفي الظهار، وفي قتل الخطأ، كما جعله من مكفرات اليمين وغير ذلك.
- حكمة مشروعية العتق:
العتق من أعظم القرب المندوب إليها؛ لأن الله تعالى جعله كفارة للقتل وغيره من الذنوب، ولما فيه من تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرق، وتمكينه من التصرف في نفسه وماله حسب اختياره.
وأفضل الرقاب أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها.
وقد جاء الإسلام والرق موجود، ففتح الأبواب للتخلص منه.
- أفضل الرقاب:
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أفضل؟ قال: «إِيمَانٌ بالله وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ» قال قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: «أَغلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2518) واللفظ له، ومسلم برقم (84).

(1/792)


- حكم التدبير:
التدبير: هو تعليق العتق بالموت.
كأن يقول لرقيقه: إذا مت فأنت حر بعد موتي، فإذا مات عَتُق إن لم يزد على ثلث المال، ويجوز بيع المدبَّر وهبته.
عن جابر رضي الله عنه قال: بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ فَبَاعَهُ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَرْسَلَ بِثَمَنِهِ إِلَيْهِ. متفق عليه (1).
- ما يقع به العتق:
يقع العتق من الجاد والهازل بكل لفظ يدل عليه كأنت حر، أو عتيق ونحوهما، ومن ملك ذا رَحِم محرَّم عَتُق عليه بالملك كأمه وأبيه ونحوهما، وأيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته.
- فضل العتق:
1 - قال الله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12)} [البلد/11 - 13].
2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَءاً مُسْلِماً اسْتَنْقَذَ الله بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنَ النَّارِ». متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7186) واللفظ له، ومسلم برقم (997).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2517) واللفظ له، ومسلم برقم (1509).

(1/793)


- المكاتبة: بيع السيد رقيقه نفسه بمال في ذمته.
- حكم المكاتبة:
1 - تجب إذا دعا العبد الذي فيه خير سيده إليها، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} ... [النور/33].
2 - يجب على السيد أن يُعِين المكاتب بشيء من ماله كالربع، أو يضع عنه قدره ونحوه، ويجوز بيع المكاتب، ومشتريه يقوم مقام مكاتبه، فإن أدّى ما عليه عتق، وإن عجز عاد رقيقاً.
اللهم أعتق رقابنا جميعاً من النار، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

(1/794)