موسوعة الفقه الإسلامي

3 - كتاب الجنائز
ويشتمل على ما يلي:
1 - المرض وأحكامه.
2 - الموت وأحكامه.
3 - صفة غسل الميت.
4 - صفة تكفين الميت.
5 - حمل الجنازة واتباعها.
6 - صفة الصلاة على الميت.
7 - دفن الميت.
8 - التعزية.
9 - زيارة القبور.

(2/705)


1 - المرض وأحكامه
- المرض: هو حصول علة في البدن.
- أحوال الإنسان:
خلق الله الإنسان وابتلاه بأحوال مختلفة:
من الصحة والمرض، والقوة والضعف، والغنى والفقر، والأمن والخوف، والفرح والحزن، والإيمان والكفر، والحياة والموت وهكذا.
وجعل سبحانه لكل حالة أحكاماً تخصها في الدنيا، ثم يستقر الإنسان بعد الموت والبعث حسب عمله في الجنة أو النار.
قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} [الأنبياء:35].
- ما يجب على المريض:
يجب على المريض حال مرضه ما يلي:
1 - أن يصبر على أقدار الله، وأن يحسن ظنه بربه، وإن جمع بين الرضا والصبر فهو أفضل.
1 - عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَجَباً لأَمْرِ المُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ». أخرجه مسلم (1).
2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2999).

(2/707)


قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ: «لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ». أخرجه مسلم (1).
2 - عدم تمني الموت مهما اشتد المرض.
1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّياً فَلْيَقُلِ: اللهمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْراً لِي». متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ المَوْتَ، وَلاَ يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لاَ يَزِيدُ المُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلاَّ خَيْراً». أخرجه مسلم (3).
3 - أداء الحقوق الواجبة عليه، سواء كانت لله كالزكاة، أو للخلق كالديون والمظالم، فإن لم يتمكن أوصى بذلك من يؤديه عنه.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأحد مِنْ عِرْضِهِ أوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ». أخرجه البخاري (4).
2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا المُفْلِسُ؟» قَالُوا: المُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي، يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2877).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6351)، ومسلم برقم (2680).
(3) أخرجه مسلم برقم (2682).
(4) أخرجه البخاري برقم (2449).

(2/708)


مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم (1).
4 - كتابة الوصية بما يريده بعد موته.
1 - قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)} [البقرة:180].
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ». متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: عَادَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، مِنْ وَجَعٍ أشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى المَوْتِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ مَا تَرَى، وَأنَا ذُو مَالٍ، وَلا يَرِثُنِي إِلا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أفَأتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قال: «لا». قُلْتُ: أفَأتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قال: «لا». قُلْتُ: فَالثُّلُثِ؟ قال: «وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلا أجِرْتَ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِيّ امْرَأتِكَ». متفق عليه (3).
- يحرم الإضرار في الوصية، كأن يَحْرِم بعض الورثة من الميراث، أو يفضِّل بعضهم على بعض، وكل وصية جائرة فهي باطلة.
1 - قال الله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2581).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2738) , واللفظ له، ومسلم برقم (1627).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4409) , واللفظ له، ومسلم برقم (1628).

(2/709)


الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)} [النساء:7].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (1).
5 - أن يكون بين الخوف والرجاء، يخاف عقاب الله على ذنوبه، ويرجو رحمة ربه.
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي المَوْتِ فَقَالَ: «كَيْفَ تَجِدُكَ؟» قَالَ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي أَرْجُو اللهَ وَإِنِّي أَخَافُ ذنُوبي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْب عَبْدٍ فِي مِثلِ هَذا المَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (2).
- فضل المرض والمصائب:
1 - قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)} [التوبة:120 - 121].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أذىً وَلا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». متفق عليه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , واللفظ له، ومسلم برقم (1718).
(2) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (983)، وابن ماجه برقم (4261).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5642) , واللفظ له، ومسلم برقم (2573).

(2/710)


3 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: أتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ، وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً، وَقُلْتُ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً، قُلْتُ: إِنَّ ذَاكَ بِأنَّ لَكَ أجْرَيْنِ؟ قال: «أجَلْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أذىً إِلا حَاتَّ اللهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ، كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ». متفق عليه (1).
4 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ». أخرجه البخاري (2).
- فضل الصبر على المرض والمصائب:
1 - قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة:155 - 157].
2 - وقال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)} [الزُّمَر:10].
3 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ قال: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ». يُرِيدُ: عَيْنَيْهِ. أخرجه البخاري (3).
4 - وَعَنْ عَطَاء بن أبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: ألا أُرِيكَ امْرَأةً مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قال: هَذِهِ المَرْأةُ السَّوْدَاءُ، أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالت: إِنِّي
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5647) , واللفظ له، ومسلم برقم (2571).
(2) أخرجه البخاري برقم (5645).
(3) أخرجه البخاري برقم (5653).

(2/711)


أصْرَعُ، وَإِنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قال: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أنْ يُعَافِيَكِ». فَقالت: أصْبِرُ فَقالت: إِنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي أنْ لا أتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. متفق عليه (1).
- حكم شكوى المريض حاله:
المسلم يشكو حاله إلى ربه، ويجوز للمريض والمصاب أن يشكو للقريب والصديق والطبيب ما يجده من الألم والمرض، ما لم يكن ذلك على سبيل التسخط، وإظهار الجزع، وذلك لا ينافي الصبر؛ لأن لكل داء دواء، وقد أمرنا الله بالتداوي، ولا يُعلم ذلك إلا بكشف الحال.
1 - قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء:83، 84].
2 - وقال الله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)} [يوسف:86].
3 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً؟ قال: «أجَلْ، إِنِّي أوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ». قُلْتُ: ذَلِكَ أنَّ لَكَ أجْرَيْنِ؟ قال: «أجَلْ، ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أذىً، شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5652) , واللفظ له، ومسلم برقم (2576).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5648) , واللفظ له، ومسلم برقم (2571).

(2/712)


- أحوال الناس عند المصائب:
الإنسان إذا أصابته مصيبة له أربعة أحوال:
1 - التسخط، وهو محرم.
2 - الصبر، وهو واجب.
3 - الرضا، وهو مستحب.
4 - الشكر، وهو أعلاها وأكملها.
- حكم التداوي من المرض:
يسن للإنسان إذا أصابه المرض أن يتداوى؛ لأن الذي أنزل الداء أنزل الدواء، وليزول ما به من علة، فينشط لعبادة ربه، وتعليم شرعه، والدعوة إليه، والجهاد في سبيله، وإصلاح أموره، ونفع غيره، فإن غلب على ظنه الهلاك بتركه فهو واجب، وإن تساوى الأمران فتركه أولى؛ لئلا يلقي الإنسان بنفسه إلى التهلكة من حيث لا يشعر.
1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً». أخرجه البخاري (1).
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الكَيِّ». أخرجه البخاري (2).
3 - وَعَنِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالتْ: سَمِعَتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ هَذِهِ الحَبَّةَ
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (5678).
(2) أخرجه البخاري برقم (5681).

(2/713)


السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، إِلاَّ مِنَ السَّامِ». قُلْتُ: وَمَا السَّامُ؟ قال: المَوْتُ. أخرجه البخاري (1).
4 - وَعَنِ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنْهما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَطْفِئُوهَا بِالمَاءِ». متفق عليه (2).
5 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ: «لِكُلّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ الله عَزّ وَجَلّ». أخرجه مسلم (3).
- فضل عيادة المريض:
1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَا ابْنَ آدَمَ! مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ! كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ». أخرجه مسلم (4).
2 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الجَنَّةِ»: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا خُرْفَةُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: «جَنَاهَا». أخرجه مسلم (5).
- حكم عيادة المغمى عليه:
يسن للمسلم عيادة المريض ولو كان مغمى عليه؛ لما في ذلك من جبر خاطر أهله، وما يرجى من بركة دعاء العائد، والمسح على جسده، والنفث عليه.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (5687).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5723) , واللفظ له، ومسلم برقم (2209).
(3) أخرجه مسلم برقم (2204).
(4) أخرجه مسلم برقم (2569).
(5) أخرجه مسلم برقم (2568).

(2/714)


عَنْ جَابِر بن عَبْداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: عَادَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا مَرِيضٌ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، مَاشِيَيْنِ، فَوَجَدَنِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيّ، فَتَوَضّأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمّ صَبّ عَلَيّ مِنْ وَضُوئِهِ فَأَفَقْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي؟ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيّ شَيْئاً، حَتّى نَزَلَتْ آيَةُ المِيرَاثِ. متفق عليه (1).
- حكم البكاء على المريض والميت:
1 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْراً لإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَم، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ». ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ». متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ أَهْلِهِ، فَقَالَ: «قَدْ قَضَى». قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَبَكَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا رَأَى القَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَكَوْا، فَقَالَ: «أَلاَ تَسْمَعُونَ، إِنَّ اللهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ، وَلاَ بِحُزْنِ القَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا -وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ- أَوْ يَرْحَمُ». متفق عليه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5664) , ومسلم برقم (1616)، واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1303) , واللفظ له، ومسلم برقم (2315).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1304) , ومسلم برقم (924).

(2/715)


- حكم وصية المريض:
إذا مرض الإنسان ولم يكتب وصيته فيجب عليه أن يوصي.
والوصية المشروعة نوعان:
وصية فرض، ووصية سنة.
فالوصية المفروضة هي الواجبة عليه إما لحق الله كالزكاة، والكفارات التي لم تؤدى، وإما لحق الناس كالديون، والودائع الواجبة عليه للناس.
فيجب عليه أن يوصي من يقوم بأداء ذلك عنه.
وأما الوصية المسنونة فقسمان:
أحدهما: في المال، فإن كان في ماله كثرة، وفي الورثة قلة، فالسنة أن يوصي بالثلث فأقل لغير الورثة كما سبق.
وإن كان في المال قلة، وفي الورثة كثرة، فالسنة أن لا يوصي بشيء من الثلث.
الثاني: في التقوى، بأن يوصي أهله ويرغبهم بلزوم الدين، وطاعة الله ورسوله، والاستقامة على الأعمال الصالحة حتى الموت.
قال الله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)} [البقرة:132].
- ما يُكتب للمريض من العمل:
عَنْ أبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً». أخرجه البخاري (1).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (2996).

(2/716)


2 - الموت وأحكامه
- الموت: فراق الحياة بخروج الروح من الجسد.
- حقيقة الإنسان:
الإنسان خلقه الله مركباً من بدن وروح، والروح جسم نوراني علوي خفيف متحرك، ينفذ في الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في العود، فيبقى الجسم حياً ما دامت فيه الروح.
فإذا خرجت الروح من البدن مات الإنسان، وفسد الجسم، وتعطل عن الحركة والعمل.
والروح هي مناط التكليف، وما الجسم إلا لباس لها ومركب، وهي من علم الله، تُرى آثارها، ولا أحد يعلم بمكانها، ولا يرى أحد جسمها إلا عند الموت إذا خرجت.
1 - قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)} [الإسراء:85].
2 - وَعَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ». أخرجه مسلم (1).
- أجل الموت:
الإنسان مهما طال أجله فلا بد أن يموت، ثم ينتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، ثم يستقر حسب عمله في الجنة أو النار.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (920).

(2/717)


1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)} [الجمعة:8].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} [المنافقون:11].
3 - وقال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)} [آل عمران:185].
- ذكر الموت:
يجب على المسلم أن يتذكر الموت دائماً، لا على أن فيه فراق الأهل والأحباب ولذات الدنيا فحسب، فهذه نظرة قاصرة.
بل يتذكر الموت على أن فيه فراق الأعمال الصالحة، والحرث للآخرة.
وبهذا يُقبل على ربه، ويزيد في الأعمال الصالحة، ويسارع إليها.
أما النظرة الأولى فتزيده حسرة وألماً.
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَكْثرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذاتِ». أخرجه الترمذي والنسائي (1).
- صفة الاستعداد للموت:
يجب على المسلم أن يستعد للموت دائماً.
والاستعداد للموت يكون بما يلي:
إخلاص العمل لله، والتجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود،
_________
(1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2307) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (1824).

(2/718)


والتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم، وأداء الحقوق، وفعل الطاعات، واجتناب المحرمات، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكثرة ذكر الموت.
1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف:110].
2 - وقال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} [المنافقون: 10 - 11].
- سكرات الموت:
السكرة: هي ما يحول بين المرء وعقله، وشدة الموت على المؤمن لا تدل على نقص في المرتبة، بل هي إما زيادة في حسناته، وإما تكفير لسيئاته، أما الكافر فهي زيادة في عذابه.
فالأموات قسمان:
إما مستريح، وإما مستراح منه، وكلٌّ منهما يجوز أن يُشدَّد عليه عند الموت وأن يُخفَّف، فالمومن المتقي يزداد به ثواباً، وإلا يكفر عنه من ذنوبه به، ثم يستريح من أذى الدنيا.
والفاجر يستريح منه العباد والبلاد، لما يأتي به من المعاصي التي يحصل بسببها الجدب وهلاك الحرث والنسل.
1 - قال الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ
بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51)} [الأنفال:50 - 51].

(2/719)


2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ، أوْ: عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ -يَشُكُّ عُمَرُ- فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: «لا إِلَهَ إِلا اللهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ». ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: «فِي الرَّفِيقِ الأعْلَى». حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ أبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقال: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قال: «العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلادُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ». متفق عليه (2).
- حكم تمني الموت:
لا يجوز للمسلم تمني الموت لما يلي:
1 - أن تمني الموت لمرض، أو خوف، أو محنة، أو فاقة ونحو ذلك يدل على الجزع والسخط من أقدار الله المؤلمة التي وعدنا الله على الصبر عليها بالأجر الجزيل.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)} [الزُّمَر:10].
2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّياً فَلْيَقُلِ: اللهمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْراً
لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْراً لِي». متفق عليه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6510) , واللفظ له، ومسلم برقم (2443).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6512) , واللفظ له، ومسلم برقم (950).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6351)، ومسلم برقم (2680)، واللفظ له.

(2/720)


2 - أن تمني الموت فيه انقطاع الأعمال الصالحة، وفي الحياة استمرار الإيمان، والأعمال الصالحة، وزيادة الأجور.
1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَنْ يُدْخِلَ أحَداً عَمَلُهُ الجَنَّةَ». قَالُوا: وَلا أنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «لا، وَلا أنَا، إِلا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَلا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ: إِمَّا مُحْسِناً فَلَعَلَّهُ أنْ يَزْدَادَ خَيْراً، وَإِمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ أنْ يَسْتَعْتِبَ». أخرجه البخاري (1).
2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ المَوْتَ، وَلاَ يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لاَ يَزِيدُ المُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلاَّ خَيْراً». أخرجه مسلم (2).
3 - إذا كان مصراً على تمني الموت يفوض الأمر إلى الله الحكيم العليم بمصالح عباده، وبيده مقاليد الأمور.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء:125].
2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدٌ مِنْكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ مُتَمَنِّياً لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلِ: اللهمَّ أحْيِنِي مَا
كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْراً لِي». متفق عليه (3).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (5673).
(2) أخرجه مسلم برقم (2682).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6351) , واللفظ له، ومسلم برقم (2680).

(2/721)


- علامات حسن الخاتمة:
الله عز وجل هو الذي يعلم وحده بما في قلوب العباد، فيختم لمن آمن به وأطاعه بالعمل الذي يحبه الله ويرضاه، وبه يرفع درجاته، ويكفر عنه سيئاته، ويزيد في أجره.
ومن علامات حسن الخاتمة:
1 - نطق المسلم بالشهادة عند الموت.
2 - الاستشهاد أو الموت في سبيل الله.
3 - الموت مرابطاً في سبيل الله.
4 - الموت دفاعاً عن دينه، أو نفسه، أو ماله، أو أهله ممن بغى عليه.
5 - الموت بذات الجَنْب، أو بداء السَّل.
6 - الموت بالطاعون، أو بداء البطن، أو الغرق، أو الحرق، أو الهدم.
7 - موت المؤمن بعرق الجبين من شدة سكرات الموت.
8 - موت المرأة في نفاسها بسبب الولادة.
9 - الموت على عمل صالح كأن يموت وهو يصلي، أو يذكر الله ونحو ذلك.
وكل ذلك ثابت في الأحاديث النبوية الصحيحة.
- فضل الموت على التوحيد:
1 - عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي،
فَأَخْبَرَنِي، أَوْ قَالَ: بَشَّرَنِي، أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ». قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1237) , واللفظ له، ومسلم برقم (94).

(2/722)


2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا المُوجِبَتَانِ؟ فَقَالَ: «مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ النَّارَ». أخرجه مسلم (1).
- علامات الموت:
يُعرف موت الإنسان بما يلي:
برودته، وانقطاع نفسه، وشخوص بصره، واسترخاء رجليه وكفيه، وانخساف صدغيه، وميل أنفه.
ولا نحكم بموته إلا بما يلي:
1 - إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً.
2 - إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً.
ولا يجوز رفع أجهزة الإنعاش عنه إلا إ ذا حصل اليقين بموته تماماً.
- ما يقوله المحتضر عند الموت:
1 - عَنْ عَبَّاد بن عَبْدِاللهِ بن الزُّبَيْر أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَخْبَرَتْهُ أنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأصْغَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ أنْ يَمُوتَ، وَهُوَ مُسْنِدٌ إِلَيَّ ظَهْرَهُ يَقُولُ: «الَّلهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَألْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ». متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قَالَتْ: فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ، يَقُولُ: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الآية. قَالَتْ: فَظَنَنْتُهُ خُيِّرَ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (93).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4440) , واللفظ له، ومسلم برقم (2444).

(2/723)


حِينَئِذٍ. متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: «إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ». فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أفَاقَ فَأشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قال: «اللهمَّ الرَّفِيقَ الأعْلَى». قُلْتُ: إِذاً لا يَخْتَارُنَا، وَعَرَفْتُ أنَّهُ الحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ، قالتْ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلُهُ: «اللهمَّ الرَّفِيقَ الأعْلَى». متفق عليه (2).
- ما يفعله من كان عند المحتضر:
يسن لمن كان عند من حضرته الوفاة ما يلي:
1 - أن يلقنه الشهادة.
1 - عَنْ أَبي هُريَرْةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قاَلَ: قاَلَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَقِّنوُا موَتاَكمْ: لاَ إلَهَ إلا الُله». أخرجه مسلم (3).
2 - وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ». أخرجه مسلم (4).
2 - أن يدعو له، ولا يقول في حضوره إلا خيراً.
عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ». فَضَجَّ نَاسٌ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4435)، ومسلم برقم (2444)، واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6509) , واللفظ له، ومسلم برقم (2444).
(3) أخرجه مسلم برقم (917).
(4) أخرجه مسلم برقم (26).

(2/724)


مِنْ أهْلِهِ، فَقَالَ: «لا تَدْعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ إِلا بِخَيْرٍ. فَإِنَّ المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ». ثُمَّ قَالَ: «اللهمَّ! اغْفِرْ لأبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي المَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الغَابِرِينَ. وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ. وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (1).
3 - عَرْض الإسلام عليه إن كان كافراً.
1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ». فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ». أخرجه البخاري (2).
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعَمِّهِ، عِنْدَ المَوْتِ: «قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، أشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ» فَأبَى، فَأنْزَلَ اللهُ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآيَةَ. أخرجه مسلم (3).
- حكم نعي الميت:
النعي هو الإعلام بوفاة الميت.
والنعي نوعان:
1 - نعي مشروع، وهو إعلام الناس بوفاة فلان ليشهدوا جنازته ويصلوا عليه.
2 - نعي محرم، وهو الإعلام بوفاة الميت على وجه النوح والسخط، أو على وجه التفاخر.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (920).
(2) أخرجه البخاري برقم (1356).
(3) أخرجه مسلم برقم (25).

(2/725)


- ما يُفعل بالمسلم إذا مات:
إذا مات المسلم شُرع في حقه ما يلي:
1 - إغماض عينيه والدعاء له.
عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ». فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أهْلِهِ، فَقَالَ: «لا تَدْعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ إِلا بِخَيْرٍ. فَإِنَّ المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ». ثُمَّ قَالَ: «اللهمَّ! اغْفِرْ لأبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي المَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الغَابِرِينَ. وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ. وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (1).
2 - تغطيته بثوب يستر جميع بدنه، إلا إن كان محرماً فلا يغطى رأسه ووجهه.
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: سُجِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ مَاتَ بِثَوْبِ حِبَرَةٍ. متفق عليه (2).
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ
مُلَبِّياً». متفق عليه (3).
3 - تعجيل تجهيزه والصلاة عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَسْرِعُوا بِالجِنَازَةِ، فَإِنْ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (920).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5814) , ومسلم برقم (942).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1265) , واللفظ له، ومسلم برقم (1206).

(2/726)


تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيهِ، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ». متفق عليه (1).
4 - دفنه في البلد الذي مات فيه، وعدم نقله إلى غيره، فإن كان شهيداً دفن في مصرعه.
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: لَمَّا قُبضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئاً مَا نَسِيتُهُ، قَالَ: «مَا قَبَضَ اللهُ نَبيّاً إِلاَّ فِي المَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ» ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ. أخرجه الترمذي (2).
2 - وَعَنْ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ جَاءَتْ عَمَّتِي بأَبي لِتَدْفِنَهُ فِي مَقَابرِنَا فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رُدُّوا القَتْلَى إِلَى مَضَاجِعِهِمْ. أخرجه أبو داود والترمذي (3).
5 - المبادرة لقضاء دينه من ماله، فإن لم يف بذلك فمن قضاه عنه من قريب أو صديق فهو مأجور.
1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بدَيْنِهِ
حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ». أخرجه أحمد والترمذي (4).
2 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَقال: «هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ». قالوا: لا، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أتِيَ بِجَنَازَةٍ أخْرَى، فَقال: «هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ». قالوا: نَعَمْ، قال: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ». قال أبُو
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1315) , واللفظ له، ومسلم برقم (944).
(2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1018).
(3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3165) , والترمذي برقم (1717)، وهذا لفظه.
(4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9679) , والترمذي برقم (1079)، وهذا لفظه.

(2/727)


قَتَادَةَ: عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. أخرجه البخاري (1).
6 - إعلام الناس ليشهدوا جنازته.
1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعاً. متفق عليه (2).
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: مَاتَ إِنْسَانٌ، كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَمَاتَ بِاللَّيْلِ، فَدَفَنُوهُ لَيْلاً، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي». قَالُوا: كَانَ اللَّيْلُ فَكَرِهْنَا، وَكَانَتْ ظُلْمَةٌ، أَنْ نَشُقَّ عَلَيْكَ، فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ. متفق عليه (3).
7 - حث الناس على الاستغفار له.
عَنْ عُثمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ المَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ بالتَّثبيتِ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ». أخرجه أبو داود (4).
8 - احتساب الأجر.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إِلا الجَنَّةُ». أخرجه البخاري (5).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (2295).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1245) , واللفظ له، ومسلم برقم (951).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1247) , واللفظ له، ومسلم برقم (954).
(4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3221).
(5) أخرجه البخاري برقم (6424).

(2/728)


- ما يشرع لمن أصابته مصيبة:
يشرع لمن أصابته مصيبة ما يلي:
1 - الصبر، وإن جمع بين الصبر والرضا فهو أفضل.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: «اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي». متفق عليه (1).
2 - الاسترجاع، وهو أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أَجُرْنِى فِى مُصِيبَتِى وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ أَجَرَهُ اللهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا». أخرجه مسلم (2).
- فضل الصبر على المصائب:
الصبر: هو حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي، وحبس الجوارح عن المحرم كلطم الخد، وشق الثوب ونحوهما.
1 - قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة:155 - 157].
2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلاَثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ، إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ، بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ». أخرجه
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1252) , واللفظ له، ومسلم برقم (926).
(2) أخرجه مسلم برقم (918).

(2/729)


البخاري (1).
3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ، فَيَلِجَ النَّارَ، إِلاَّ تَحِلَّةَ القَسَمِ». متفق عليه (2).
- ما يجوز فعله لأهل الميت وغيرهم:
يجوز لأهل الميت وغيرهم ما يلي:
كشف وجه الميت، وتقبيله، والبكاء عليه إلى ثلاثة أيام.
1 - عَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي، جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَنْهَانِي، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَبْكِينَ أَوْ لاَ تَبْكِينَ، مَا زَالَتِ المَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ». متفق عليه (3).
2 - وَعَنْ أَبي سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ، حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ المَسْجِدَ، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا، فَتَيَمَّمَ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُسَجّىً بِبُرْدِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللهِ، لاَ يَجْمَعُ اللهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا المَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا. أخرجه البخاري (4).
3 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْراً لإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَم، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِبْرَاهِيمَ
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1248).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1251) , واللفظ له، ومسلم برقم (2632).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1244) , واللفظ له، ومسلم برقم (2471).
(4) أخرجه البخاري برقم (1241).

(2/730)


فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ». ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ». متفق عليه (1).
4 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: أَمْهَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - آلَ جَعْفَرٍ ثلاَثةً أَنْ يَأْتِيَهُمْ ثمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: «لاَ تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ اليَوْمِ» ثمَّ قَالَ: «ادْعُوا إِلَيَّ بَنِي أَخِي» فَجِيءَ بنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ فَقَالَ: «ادْعُوا إِلَيَّ الحَلاَّقَ فَأَمَرَ بحَلْقِ رُؤُوسِنَا». أخرجه أبو داود والنسائي (2).
5 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلام: وَا كَرْبَ أبَاهُ، فَقَالَ لَهَا: «لَيْسَ عَلَى أبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ». فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أبَتَاهُ، أجَابَ رَبّاً دَعَاهُ، يَا أبَتَاه مَنْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أبَتَاه إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ. فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلام: يَا أنَسُ، أطَابَتْ
أنْفُسُكُمْ أنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - التُّرَابَ. أخرجه البخاري (3).
- ما يحرم على أقارب الميت فعله:
يحرم على أهل الميت وأقاربه وغيرهم ما يلي:
1 - النياحة، وهي رفع الصوت بالبكاء على الميت.
1 - عَنْ أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أرْبَعٌ فِي أمَّتِي مِنْ أمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1303) , واللفظ له، ومسلم برقم (2315).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4192) , والنسائي برقم (5227)، وهذا لفظه.
(3) أخرجه البخاري برقم (4462).

(2/731)


وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ». وَقَالَ: «النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ». أخرجه مسلم (1).
2 - وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ البَيْعَةِ أَنْ لاَ نَنُوحَ. متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «المَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ». متفق عليه (3).
2، 3 - لطم الخدود، وشق الجيوب.
عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ». متفق عليه (4).
4 - حلق الشعر.
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ،
وَالحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ. متفق عليه (5).
5 - نشر الشعر.
عنْ أُسِيد عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ المُبَايِعَاتِ قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أَخَذ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي المَعْرُوفِ الَّذِي أَخَذ عَلَيْنَا أَنْ لاَ نَعْصِيَهُ فِيهِ أَنْ لاَ نَخْمُشَ وَجْهاً وَلاَ نَدْعُوَ وَيْلاً وَلاَ نَشُقَّ جَيْباً وَأَنْ لاَ نَنْشُرَ شَعَراً. أخرجه أبو داود (6).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (934).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1306) , واللفظ له، ومسلم برقم (936).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1292) , ومسلم برقم (927)، واللفظ له.
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1294) , واللفظ له، ومسلم برقم (103).
(5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1296) , واللفظ له، ومسلم برقم (104).
(6) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3131).

(2/732)


6 - النعي، وهو الإعلام بموت الإنسان على وجه التفاخر والتعظيم له.
عَنْ حُذيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِذا مِتُّ فَلاَ تُؤْذِنُوا بي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْياً فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ. أخرجه الترمذي وابن ماجه (1).
7 - ويحرم الندب، وهو تعداد محاسن الميت مع البكاء، وإعداد الولائم من أجل المباهاة والمفاخرة، وإسراج القبور بالمصابيح، والبناء عليها، والكتابة عليها، والتبرك بالقبور والطواف بها، ودعاء الأموات عندها، ودفن الميت في المسجد، أو بناء المساجد على القبور، أو الصلاة إلى القبور.
- حكم ثناء الناس على الميت:
الثناء على الميت من ذوي الخير والصلاح والعلم موجب له الجنة بفضل الله.
1 - عَنْ أَنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْراً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَجَبَتْ». ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرّاً، فَقَالَ: «وَجَبَتْ». فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: «هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ
خَيْراً، فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرّاً، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ». متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّة». فَقُلْنَا: وَثَلاَثَةٌ، قَالَ: «وَثَلاَثَةٌ». فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ، قَالَ: «وَاثْنَانِ». ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الوَاحِدِ. أخرجه البخاري (3).
_________
(1) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (986) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1476).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1367) , واللفظ له، ومسلم برقم (949).
(3) أخرجه البخاري برقم (1368).

(2/733)


- ما يسن لأقارب الميت:
يسن لأقارب الميت أو غيرهم صنع طعام لأهل الميت.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ، قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اصْنَعُوا لأَهْلِ جَعْفَرٍ طَعَاماً فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ». أخرجه أبو داود والترمذي (1).
- حكم الإحداد على الميت:
يجوز للمرأة أن تحد على قريبها الميت ثلاثة أيام ما لم يمنعها زوجها، ويحرم عليها ما فوق ذلك، أما إذا كان الميت زوجها فيجب أن تحد عليه مدة العدة أربعة أشهر وعشرا.
عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تُحِدُّ امْرَأةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ، إِلا عَلَى زَوْجٍ، أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْراً، وَلا تَلْبَسُ ثَوْباً مَصْبُوغاً إِلا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلا تَكْتَحِلُ، وَلا تَمَسُّ طِيباً، إِلا إِذَا طَهُرَتْ، نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أوْ
أظْفَارٍ». متفق عليه (2).
- حكم تشريح جثة الميت:
1 - يجوز تشريح جثة المسلم إذا كان للتأكد من دعوى جنائية، أو التحقق من أمراض وبائية؛ لما في ذلك من المصالح التي تعود على الأمن والعدل، ووقاية الأمة من الأمراض الخطيرة المعدية.
2 - إن كان التشريح لغرض التعلم والتعليم فالمسلم له كرامته حياً وميتاً، فيكتفى بتشريح جثث غير المسلمين، إلا عند الضرورة بشروطها الشرعية.
_________
(1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3132) , والترمذي برقم (998)، وهذا لفظه.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (313) , ومسلم برقم (938)، واللفظ له.

(2/734)


- ما يجب للميت:
يجب للميت على من حضره من أهله أو غيرهم أربعة أمور:
غسله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه.
- هدي الإسلام في الجنائز:
هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنائز أكمل هدي لما يلي:
1 - اشتماله على الإحسان إلى الميت بتعاهده أولاً في مرضه، وتذكيره الآخرة، وأمره بالوصية، وتذكيره بالتوبة، وأمره بالنطق بالشهادة عند الموت.
2 - الإحسان إلى أهل الميت بتعزيتهم، والوقوف معهم، والصلاة على ميتهم، وحمله ودفنه، والدعاء له، وصنع الطعام لهم، والرخصة لهم في البكاء الذي لا ندب معه ولا نياحة.
3 - إقامة عبودية الرب على أحسن الأحوال وأكملها، وإقامة عبودية الحي لله وحده فيما يعامل به الميت، وبذلك يحصل الأجر للحي والميت.
4 - تجهيز الميت وتشييعه إلى ربه على أحسن الأحوال وأفضلها بغسله، وتطييبه، وتكفينه بالثياب البيض، وستره، وحمله فوق الأعناق، ووقوف المسلمين وميتهم بين يدي الله للصلاة عليه، واستغفارهم له، وسؤال الله له الرحمة، ثم المشي بين يديه إلى أن يودعوه في حفرته، ثم الدعاء له، ثم تعزية أهله ومواساتهم، ثم تعاهده بالزيارة له في قبره والسلام عليه، كما يتعاهد الحي صاحبه في دار الدنيا.
فما أعظم الإسلام، وما أحسن شرائعه للأحياء والأموات.

(2/735)


3 - صفة غسل الميت
- حكم غسل الميت:
غسل الميت، وتكفينه، وحمله، والصلاة عليه، ودفنه، كل ذلك فرض كفاية، إذا قام به من يكفي من المسلمين سقط الإثم عن الباقين، وفي كل ذلك أجر عظيم.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أنْ تُدْفَنَ، فَإنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ». متفق عليه (1).
- من يُغسِّل الميت:
1 - السنة أن يغسل الميت أعرف المسلمين بسنة الغسل، الرجل يغسل الرجال، والمرأة تغسل النساء.
ولمن غسل الميت أجر عظيم إذا قصد بذلك وجه الله، وستر على الميت، ولم يحدِّث بما رآه منه من مكروه.
2 - عند المشاحة الأولى بغسل الرجل وصيَّه، ثم أبوه، ثم جده، ثم الأقرب فالأقرب من عصبته، والأَوْلى بغسل المرأة وصيتها، ثم أمها، ثم جدتها، ثم الأقرب فالأقرب وهكذا.
3 - يجوز لكلٍّ من الزوجين أن يغسل أحدهما الآخر.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (47) , واللفظ له، ومسلم برقم (945).

(2/736)


4 - يجوز للرجل والمرأة غسل من له دون سبع سنين ذكراً كان أو أنثى.
5 - إذا مات رجل بين نسوة، أو ماتت امرأة بين رجال، أو تعذر غسله فإنه يكفن بلا غسل ولا وضوء ولا تيمم، ثم يصلى عليه.
- صفة غسل الميت:
إذا أراد المسلم غسل الميت فالسنة أن يفعل ما يلي:
1 - أن يجرد الميت من ثيابه، ويضع على عورته سترة.
2 - أن يلتزم الرفق في أعمال الغسل كلها.
3 - أن يحضر مع الغاسل من يعينه على الغسل فقط.
4 - إذا وضعه على سرير الغسل، رفع رأسه إلى قرب جلوسه، ثم عصر بطنه برفق ليخرج إن كان في بطنه شيء.
5 - ثم يلف على يده خرقة من قفاز ونحوه، ثم يصب عليه الماء وينجِّيه.
6 - ثم ينوي غسله، ويوضئه كوضوء الصلاة، ولا يُدخل الماء في فيه ولا أنفه.
7 - ثم يغسله بالماء والسدر أو الصابون، يبدأ برأسه ولحيته، ثم يغسل شقه الأيمن من صفحة العنق اليمنى إلى قدمه اليمنى.
8 - ثم يصنع بالجانب الأيسر مثل ما صنع بالأيمن بعد أن يقلبه.
9 - ثم يغسله مرة ثانية وثالثة مثل الغسل الأول، فإن لم يُنق زاد حتى يُنقي وتراً، ويجعل في الغسلة الأخيرة مع الماء كافوراً أو طيباً إلا أن يكون الميت مُحْرماً فلا يُمس طيباً.
10 - يمشط الرأس، ويضفر رأس الميتة ثلاث ضفائر، ويُجعل من ورائها، ثم ينشَّف بعدا لغسل بما تيسر من قماش ونحوه.

(2/737)


وإن خرج من الميت شيء بعد الغسل غسل المحل وحشاه بقطن ونحوه؛ لئلا يتلوث، ويجوز غسل الميت مرة واحدة تعم جميع بدنه، لكن الأفضل ما سبق.
1 - عَنْ أمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُنَّ فِي غَسْلِ ابْنَتِهِ: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «اغْسِلْنَهَا بِالسِّدْرِ وِتْراً، ثَلاَثاً أَوْ خَمْساً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُوراً، أَوْ شَيْئاً مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي». فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ، فَضَفَرْنَا شَعَرَهَا ثَلاَثَةَ قُرُونٍ، وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا. متفق عليه (2).
- حكم غسل الشهيد:
الشهيد الذي لا يغسَّل هو من قُتل في سبيل الله، أو مات بسبب قتال الكفار في المعركة، وما سواه من الشهداء يغسل كغيره.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذاً لِلْقُرْآنِ». فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامَةِ». وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ. أخرجه البخاري (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (167) , واللفظ له، ومسلم برقم (939).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1263) , واللفظ له، ومسلم برقم (939).
(3) أخرجه البخاري برقم (1343).

(2/738)


- حكم غسل المحرم:
من أحرم بحج أو عمرة ثم مات وهو محرم فإنه يغسَّل، ويكفن في ثوبيه، ولا يُمس طيباً، ولا يغطى رأسه، ولا يكمل عنه نسكه.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، أوْ قَالَ: فَأوْقَصَتْهُ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلا تَمَسُّوهُ طِيباً، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلا تُحَنِّطُوهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّياً». متفق عليه (1).
- حكم غسل من أحرقته النار ونحوه:
1 - إذا اجتمع مسلمون وكفار وماتوا بحرق ونحوه، ولم يمكن تمييزهم فإنهم يغسلون، ويكفنون، ويصلى عليهم، ويدفنون بنية المسلمين منهم.
2 - من تعذر غسله لفقد الماء، أو خيف من غسله أن يتهرى لحرق ونحوه فإنه يكفن ولا يُيمم، فإن أمكن غسل المحترق ونحوه وجب غسله.
- حكم غسل السقط:
السقط إذا نزل من بطن أمه له ثلاث حالات:
الأولى: أن ينزل من بطن أمه حياً ثم يموت، فهذا تكون أمه به نفساء، ويغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن.
الثانية: أن ينزل من بطن أمه ميتاً قد تبيَّن فيه خلق إنسان، فتكون أمه نفساء، ويغسل ويصلى عليه كما سبق.
الثالثة: أن يسقط من بطن أمه ولم يتبين فيه خلق إنسان، فهذه نطفة توارى
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1850) , واللفظ له، ومسلم برقم (1206).

(2/739)


بالتراب، والمرأة التي سقط منها إن رأت الدم فهو حيض، فإن استمر فهو استحاضة وليس بنفاس، ومتى طهرت اغتسلت وصلت.
- حكم غسل الكافر:
ليس للمسلم أن يغسل قريبه الكافر، ولا يكفنه، ولا يصلي عليه، بل عليه أن يواريه بالتراب في حفرة من الأرض.
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ، قَالَ: «اذهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ ثمَّ لاَ تُحْدِثنَّ شَيْئاً حَتَّى تَأْتِيَنِي». فَذهَبْتُ فَوَارَيْتُهُ وَجِئْتُهُ فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ وَدَعَا لِي. أخرجه أبو داود والنسائي (1).
- حكم غسل بعض الميت:
1 - المسلم يغسل ويصلى عليه، فإن لم يوجد إلا بعضه فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، وينوي بالصلاة عليه الصلاة على جميع جسده وروحه.
2 - العضو المقطوع من المسلم الحي بأي سبب لا يجوز إحراقه، ولا يغسل، ولا يصلى عليه، بل يلف في خرقة ويدفن في المقبرة.
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3214) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (2006).

(2/740)


4 - صفة تكفين الميت
- حكم تكفين الميت:
يجب تكفين الميت من ماله، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته من الأصول والفروع.
وتكفين الميت فرض كفاية، إذا قام به من علم به سقط الإثم عن الباقين.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّياً». متفق عليه (1).
- صفة كفن الرجال والنساء:
1 - السنة أن يكفن الميت في ثلاثة أثواب بيض.
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُفِّنَ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ، بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ. متفق عليه (2).
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «البَسُوا مِنْ ثِيَابكُمُ البَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ». أخرجه أبو داود والترمذي (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1265) , واللفظ له، ومسلم برقم (1206).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1264) , واللفظ له، ومسلم برقم (941).
(3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3878) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (2810).

(2/741)


2 - ويسن أن يكون الكفن طويلاً يستر جميع بدن الميت بلا إسراف.
عَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ يَوْماً، فَذَكَرَ رَجُلاً مِنْ أصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ، وَقُبِرَ لَيْلاً، فَزَجَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ، إِلا أنْ يُضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا كَفَّنَ أحَدُكُمْ أخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ». أخرجه مسلم (1).
3 - أن يكون أحد الأثواب ثوب حِبَرة وهو المخطط.
عَنْ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذا تُوُفِّيَ أَحَدُكُمْ فَوَجَدَ شَيْئاً فَلْيُكَفَّنْ فِي ثوْبٍ حِبَرَةٍ». أخرجه أبو داود (2).
4 - تبخير الكفن ثلاثاً إلا كفن المحرم.
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أَجْمَرْتُمُ المَيِّتَ فَأَجْمِرُوهُ ثَلاَثاً». أخرجه أحمد (3).
5 - يجوز أن يكفن الميت في ثوب واحد، أو قميص واحد، ويجوز أن يكفن في قميص وثوب، ويكون القميص مما يلي الجسد.
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَاللهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَأَخْرَجَهُ، فَنَفَثَ فِيهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ. أخرجه متفق عليه (4).
6 - المرأة كالرجل في صفة الكفن والتكفين.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (943).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3150).
(3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (14540).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1270) , واللفظ له، ومسلم برقم (2773).

(2/742)


- صفة تكفين الميت:
السنة أن يكفن الرجل أو المرأة كما يلي:
1 - يسن أن يكفن الميت في ثلاث لفائف بيض جديدة، تجمّر بالبخور ثلاثاً، ثم تُبسط بعضها فوق بعض، ويُجعل الحنوط -وهو أخلاط من الطيب- فيما بين اللفائف.
2 - ثم يوضع الميت على اللفائف مستلقياً على ظهره، ويُجعل من الحنوط في قطن بين أليتيه، ثم يشد فوقه خرقة على هيئة سروال صغير يستر عورته، ويطيّب ذلك مع سائر بدنه.
3 - ثم يرد طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم يرد طرفها الأيمن على الجانب الأيسر فوقها، ثم الثانية كذلك، ثم الثالثة كذلك.
4 - ثم يجعل الفاضل عند رأسه، أو عند رأسه ورجليه إن زاد.
5 - ثم يعقد الجنازة عرضاً بأحزمة؛ لئلا تنتشر اللفائف، ثم تُحل في القبر، والمرأة كالرجل في ذلك.
6 - ويكفن الصبي في ثوب واحد، ويجوز في ثلاثة أثواب.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُفِّنَ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ، بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ. متفق عليه (1).
- حكم تكفين الميت بما يستر بعضه:
يجوز تكفين الميت بثوب واحد يستر جميع بدنه، والأفضل بثلاثة أثواب، فإن لم يجد إلا ما يواري بعض جسده غطى الرأس مع ما استطاع من
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1264) , واللفظ له، ومسلم برقم (941).

(2/743)


الجسد، وغطى الباقي بما استطاع من نبات الأرض كالإذخر ونحوه.
عَنْ خَبَاب رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئاً، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ يَهْدِبُهَا، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلاَّ بُرْدَةً، إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ. متفق عليه (1).
- حكم تجهيز الكفن قبل الموت:
يجوز للمسلم تجهيز كفنه قبل موته.
عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ، فِيهَا حَاشِيَتُهَا، أَتَدْرُونَ مَا البُرْدَةُ؟ قَالُوا: الشَّمْلَةُ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لأَكْسُوَكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُحْتَاجاً إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَحَسَّنَهَا فُلاَنٌ فَقَالَ: اكْسُنِيهَا، مَا أَحْسَنَهَا، قَالَ القَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُحْتَاجاً إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ، وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ، قَالَ: إِنِّي وَاللهِ، مَا سَأَلْتُهُ لأَلْبَسَهَا، إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي. قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ. أخرجه البخاري (2).
- صفة تكفين الشهيد:
السنة أن يكفن الشهيد في ثيابه التي قُتل فيها، ويُدفن وهي عليه، ويسن تكفينه بثوب واحد أو أكثر فوق ثيابه إن تيسر.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ ثعْلَبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِقَتْلَى أُحُدٍ:
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1276) , واللفظ له، ومسلم برقم (940).
(2) أخرجه البخاري برقم (1277).

(2/744)


«زَمِّلُوهُمْ بدِمَائِهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي اللهِ إِلاَّ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ يَدْمَى لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ وَرِيحُهُ رِيحُ المِسْكِ». أخرجه أحمد والنسائي (1).
- صفة تكفين المحرم:
المحرم إذا مات يكفن في ثوبيه الذي مات فيهما، ولا يُمس طيباً، ولا يُغطى رأسه ولا وجهه إن كان رجلاً، فإن كان امرأة كشف وجهها إلا إن كانت بحضرة رجال أجانب فيغطيه.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّ رَجُلاً خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ، فَوُقِصَ، فَمَاتَ، فَقَالَ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّياً». متفق عليه (2).
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (23659) , والنسائي برقم (2002) , وهذا لفظه.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1265) , ومسلم برقم (1206) , واللفظ له.

(2/745)


5 - حمل الجنازة واتباعها
- حكم حمل الجنازة واتباعها:
حمل الجنازة واتباعها فرض كفاية على الرجال، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وهو حق من حقوق الميت على إخوانه المسلمين.
1 - عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ القَسَمِ، وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ. وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَالحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالقَسِّيِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ. متفق عليه (1).
2 - وَعَنِ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ». متفق عليه (2).
- فضل اتباع الجنائز:
يسن للرجال دون النساء اتباع الجنائز، واتباعها له حالتان:
1 - اتباعها من عند أهلها حتى الصلاة عليها.
2 - اتباعها من عند أهلها حتى يُفرغ من دفنها، وهذا أفضل وأكثر أجراً.
1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ» قِيلَ: وَمَا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1239) , واللفظ له، ومسلم برقم (2066).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1240) , واللفظ له، ومسلم برقم (2162).

(2/746)


القِيرَاطَانِ؟ قَالَ: «مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمُ اليَوْمَ صَائِماً؟». قالَ أبُو بَكْرٍ: أنَا، قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ اليَوْمَ جَنَازَةً؟» قال أبُو بَكْرٍ: أنَا، قال: «فَمَنْ أطْعَمَ مِنْكُمُ اليَوْمَ مِسْكِيناً؟». قال أبُو بَكْرٍ: أنَا، قال: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ اليَوْمَ مَرِيضاً». قال أبُو بَكْرٍ: أنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلا دَخَلَ الجَنَّةَ». أخرجه مسلم (2).
- حكم اتباع النساء للجنائز:
يسن للنساء الصلاة على الجنائز، ويحرم عليهن اتباعها إلى المقابر.
عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. متفق عليه (3).
- حكم اتباع الجنازة بما يخالف الشرع:
1 - السنة أن يحمل الرجال الجنازة إلى المقبرة سكوتاً، خاشعين لربهم، متفكرين في هول الموت والحساب بعده.
2 - لا يجوز أن تتبع الجنازة بما يخالف الشرع من الأقوال والأفعال كرفع الصوت بالبكاء، ورفع الصوت بالذكر، أو القراءة، وإيقاد النار، واتخاذ المجامر والبخور، وحمل الزهور ونحو ذلك.
وكل ذلك وأمثاله من البدع التي حسَّنها الشيطان لأتباعه.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1325) , واللفظ له، ومسلم برقم (945).
(2) أخرجه مسلم برقم (1028).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1278) , واللفظ له، ومسلم برقم (938).

(2/747)


هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (1).
3 - يجوز تغطية نعش المرأة بأضلاع يُجعل فوقها قماش يستر بدن المرأة عن الرجال أثناء الحمل والصلاة.
- من يحمل الجنازة:
السنة أن يحمل الرجال الجنازة على أعناقهم مع جميع جوانب السرير.
أما النساء فلا يشرع لهن حمل الجنازة؛ لضعفهن، وعدم صبرهن، ولما يُتوقع منهن من الصراخ عند حمله ووضعه، ولما في ذلك من الفتنة لهن وبهن.
عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا، يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ». أخرجه البخاري (2).
- حكم الإسراع بالجنازة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَسْرِعُوا بِالجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ». متفق عليه (3).
- صفة المشي مع الجنازة:
1 - يسن للرجل أن يمشي أمام الجنازة وخلفها، وعن يمينها ويسارها، وخلفها أفضل.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , واللفظ له، ومسلم برقم (1718).
(2) أخرجه البخاري برقم (1314).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1315) , واللفظ له، ومسلم برقم (944).

(2/748)


1 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثمَانُ يَمْشُونَ أَمَامَ الجِنَازَةِ. أخرجه ابن ماجه (1).
2 - وَعَنْ عَبداللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يَمْشُونَ أَمَامَ الجِنَازَةِ. أخرجه أحمد (2).
2 - والراكب يسير خلف الجنازة، وأفضل منه الماشي، أما الركوب بعد الانصراف من المقبرة فجائز.
1 - عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الجَنَازَةِ وَالمَاشِي يَمْشِي خَلْفَهَا وَأَمَامَهَا وَعَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ يَسَارِهَا قَرِيباً مِنْهَا وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بالمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (3).
2 - وَعَنْ ثوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بدَابَّةٍ وَهُوَ مَعَ الجَنَازَةِ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَهَا فَلَمَّا انْصَرَفَ أُتِيَ بدَابَّةٍ فَرَكِبَ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ: «إِنَّ المَلاَئِكَةَ كَانَتْ تَمْشِي فَلَمْ أَكُنْ لأرْكَبَ وَهُمْ يَمْشُونَ فَلَمَّا ذهَبُوا رَكِبْتُ». أخرجه أبو داود (4).
3 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِفَرَسٍ مُعْرَوْرىً، فَرَكِبَهُ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ جَنَازَةِ ابْنِ الدَّحْدَاحِ، وَنَحْنُ نَمْشِي حَوْلَهُ. أخرجه مسلم (5).
_________
(1) صحيح/ أخرجه ابن ماجه برقم (1483).
(2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (6042).
(3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3180) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (1031).
(4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3177).
(5) أخرجه مسلم برقم (965).

(2/749)


- حكم القيام للجنازة:
يستحب القيام للجنازة إذا مرت به، ومن جلس فلا حرج عليه.
1 - عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الجَنَازَةَ فَقُومُوا فَمَنْ تَبِعَهَا فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ» متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّتْ جَنَازَةٌ فَقَامَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقُمْنَا مَعَهُ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهَا يَهُودِيَّةٌ. فَقَالَ «إِنَّ المَوْتَ فَزَعٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُ الجَنَازَةَ فَقُومُوا». متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ فَقُمْنَا، وَقَعَدَ فَقَعَدْنَا. يَعْنِي فِي الجَنَازَةِ. أخرجه مسلم (3).
- حكم حمل الميت على السيارة:
1 - حمل الميت على سيارة مخصصة للجنائز غير مشروع لما يلي:
1 - أن ذلك من عادات الكفار.
2 - أن ذلك معارض للسنة العملية في حمل الجنازة.
3 - أن ذلك يفوِّت الغاية من حملها، وهو تذكر الآخرة.
4 - أن ذلك يفوِّت على الناس الراغبين في حصول الأجر بحملها.
5 - أن في ذلك تحصل المباهاة والشكليات ونحوهما مما نهى الله عنه.
6 - أن حمل الجنازة على الأعناق، ورؤية المشيعين لها وهي على رؤوسهم أبلغ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1310)، واللفظ له، ومسلم برقم (959).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1311)، ومسلم برقم (960) واللفظ له.
(3) أخرجه مسلم برقم (962).

(2/750)


في تحقيق التذكر والاتعاظ من تشييعها على الصورة المذكورة، والتي هي بدعة في عبادة، ويجوز حملها على سيارة عند الحاجة لذلك.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (1).
2 - يجوز حمل الجنازة على سيارة للضرورة كبعد المسجد، أو المقبرة، لكن تُوْقَف السيارة قبل المقبرة، ليحمل الناس الجنازة مسافة تتحقق بها السنة، ويتعظ بها الناس.
- صفة اتباع الجنائز:
اتباع الجنائز له ثلاث درجات:
الأولى: أن يصلي عليها ثم ينصرف.
الثانية: أن يصلي عليها ويتبعها إلى القبر حتى تدفن.
الثالثة: أن يصلي عليها، ثم يتبعها حتى تدفن، ثم يقف على القبر ويدعو للميت بالمغفرة والتثبيت -وهذه أعلاها-.
ويسن للمسلم اتباع جنازة كل مسلم خاصة من له عليه فضل من قريب حميم، أو ذي رحم، أو صديق ونحوهم.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , واللفظ له، ومسلم برقم (1718).

(2/751)


6 - صفة الصلاة على الميت
- صلاة الجنازة: هي التعبد لله بالصلاة على الميت على صفة مخصوصة في الشرع.
- حكم صلاة الجنازة:
صلاة الجنازة فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وتسقط بمكلَّف.
1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الُمَتَوفَّى، عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسْألُ: «هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلاً». فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ لِدَيْنِهِ وَفَاءً صَلَّى، وَإلَّا قالَ لِلْمُسْلِمِينَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ». فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الفُتُوحَ، قالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفّىَ مِنَ المُؤمِنِيَن فَتَرَكَ دَيْناً فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مالاً فَلِوَرَثَتِهِ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أرْبَعُونَ رَجُلاً، لا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئاً إِلا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (2).
- حكمة مشروعية صلاة الجنازة:
الموت انقطاع من الخلق إلى الحق، وقد شرعت صلاة الجنازة على الميت طلباً للمغفرة، واستنزالاً للرحمة على تلك الجثة التي أصبحت في حالة
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2298) , واللفظ له، ومسلم برقم (1619).
(2) أخرجه مسلم برقم (948).

(2/752)


عجز كلي عن العمل.
فواجب الأخوّة الإيمانية يدفع المسلم أن يودع ذلك الراحل بالتوجه إلى الله، والتوسل إليه بأن يكرمه في قبره بمغفرته ورحمته، ويكفر عنه أوزاره، ويعتق رقبته من النار، ويقبل شفاعة المسلمين فيه.
وشَرع تغسيله وحمله ودفنه إظهاراً لكرامة بني آدم، وفضلهم، وتمييزهم عن الحيوانات.
وفي شهود الجنازة واتباعها أداء حق الميت بالصلاة عليه، والدعاء له، وأداء حق أهله، وجبر خاطرهم عند مصيبتهم في ميتهم، وتحصيل الأجر العظيم للمشيِّع، وحصول العظة والاعتبار بمشاهدة الجنائز والمقابر، وتذكر الآخرة.
- فضل الصلاة على الجنازة واتباعها:
السنة اتباع الجنازة إيماناً واحتساباً حتى يصلى عليها، ويفرغ من دفنها، واتباع الجنائز إلى المقابر مشروع للرجال دون النساء.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أنْ تُدْفَنَ، فَإنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أمَّةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ، إِلا شُفِّعُوا فِيهِ». أخرجه مسلم (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (47) , واللفظ له، ومسلم برقم (945).
(2) أخرجه مسلم برقم (947).

(2/753)


3 - وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أرْبَعُونَ رَجُلاً، لا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئاً إِلا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (1).
- مكان الصلاة على الجنائز:
1 - السنة أن يصلي المسلمون على الجنائز في مكان معد للصلاة على الجنائز، وهذا هو الأفضل، وهو الغالب من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعاً. متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا، قَرِيباً مِنْ مَوْضِعِ الجَنَائِزِ عِنْدَ المَسْجِدِ. متفق عليه (3).
2 - تجوز الصلاة على الجنائز في المسجد أحياناً.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أنَّهَا أمَرَتْ أنْ يَمُرَّ بِجَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ فِي المَسْجِدِ، فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَأنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَا أسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ! مَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى سُهَيْلِ بْنِ البَيْضَاءِ إِلا فِي المَسْجِدِ. أخرجه مسلم (4).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (948).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1245) , واللفظ له، ومسلم برقم (951).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1329) , واللفظ له، ومسلم برقم (1699).
(4) أخرجه مسلم برقم (973).

(2/754)


- من يصلَّى عليه صلاة الجنازة:
1 - السنة أن يصلي المسلمون على كل مسلم ميت، رجلاً أو امرأة أو طفلاً، برَّاً كان أو فاجراً، حاضراً كان أو غائباً، لم يصلَّ عليه.
2 - المسلم الذي أقيم عليه حد الرجم أو القصاص، أو من مات بغرق، أو حرق، أو هدم أو تصادم يغسل ويصلى عليه صلاة الجنازة.
3 - قاتل نفسه، والغال من الغنيمة، للإمام أو نائبه أن لا يصلي عليهما؛ عقوبة لهما، وزجراً لغيرهما، لكن يصلي عليهما المسلمون.
- الأوقات التي لا يصلى فيها على الجنائز:
عَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الجُهَنِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَانَا أنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ. أخرجه مسلم (1).
- حكم تعجيل الجنازة:
السنة الإسراع بتجهيز الجنازة، والصلاة عليها، وتشييعها إلى المقبرة، ودفنها، ولا يجوز تأخيرها إلا لعذر.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَسْرِعُوا بِالجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ». متفق عليه (2).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (831).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1315) , واللفظ له، ومسلم برقم (944).

(2/755)


- موقف الإمام من الجنازة:
السنة أن يقف الإمام حذاء رأس الرجل، وحذاء وسط المرأة.
فإن صلى والميت بينه وبين القبلة فالصلاة صحيحة، لكنه ترك الأفضل.
1 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ صلَّى عَلَى جَنَازَةِ رَجُلٍ فَقَامَ حِيَالَ رَأْسِهِ ثمَّ جَاؤوا بجَنَازَةِ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَةَ صَلِّ عَلَيْهَا، فَقَامَ حِيَالَ وَسَطِ السَّرِيرِ فَقَالَ لَهُ العَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ: هَكَذا رَأَيْتَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ عَلَى الجَنَازَةِ مُقَامَكَ مِنْهَا وَمِنَ الرَّجُلِ مُقَامَكَ مِنْهُ، قَالَ: نَعَمْ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: احْفَظُوا. أخرجه أبو داود والترمذي (1).
2 - وَعَنْ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا. متفق عليه (2).
- كيفية صف الجنائز أمام الإمام:
1 - إذا اجتمع أكثر من ميت من الرجال والنساء، وأراد الإمام أن يصلي عليهم جميعاً، فالسنة أن يلي الرجال الإمام في صف، والنساء يلين القبلة في صف، فيكون الرجال بين النساء والإمام.
2 - إن شاء الإمام صلى على كل جنازة على حدة.
3 - إذا اجتمع رجل ميت وامرأة يقف الإمام عند رأس الرجل، ويجعل وسط المرأة عند رأس الرجل من جهة القبلة.
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3194) , والترمذي برقم (1034) , وهذا لفظه.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1332) , واللفظ له، ومسلم برقم (964).

(2/756)


- صفة وضع الميت أمام الإمام:
يوضع الميت أمام الإمام، تارة رأسه جهة اليمين، وتارة رأسه جهة اليسار، وكلاهما سائغ.
- حكم الجماعة في صلاة الجنازة:
1 - صلاة الجنازة فرض كفاية، وتسقط بصلاة مكلَّف، وتسن لها الجماعة، وكلما كثروا كان أفضل.
2 - تجب تسوية الصفوف في الصلاة على الجنازة كما تسوى في كل صلاة جماعة.
3 - السنة أن يصف الناس وراء الإمام ثلاثة صفوف وإن قلوا، وكلما كثر الجمع كان أفضل للميت وأنفع.
1 - عَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ تُوُفِّيَ اليَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الحَبَشِ، فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ». قَالَ: فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَعَهُ صُفُوفٌ. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أمَّةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ، إِلا شُفِّعُوا فِيهِ». أخرجه مسلم (2).
- حكم صلاة النساء على الجنازة:
المرأة كالرجل إذا حضرت الجنازة في المصلى أو المسجد فإنها تصلي عليها مع المسلمين، ولها من الأجر مثل ما للرجل في الصلاة والتعزية غير
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1320) , واللفظ له، ومسلم برقم (952).
(2) أخرجه مسلم برقم (947).

(2/757)


أنها لا تشيِّع الجنازة.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها لمّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أبِي وَقَّاصٍ، قَالَتِ: ادْخُلُوا بِهِ المَسْجِدَ حَتَّى أصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: وَاللهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي المَسْجِدِ، سُهَيْلٍ وَأخِيهِ. أخرجه مسلم (1).
- أحوال الصلاة على الميت:
للصلاة على الميت ست حالات:
1 - الصلاة على الميت في مصلى الجنائز.
2 - الصلاة عليه في المسجد.
3 - الصلاة عليه قبل الدفن في المقبرة.
4 - الصلاة عليه بعد الدفن في المقبرة.
5 - الصلاة عليه في القبر بعد مدة.
6 - الصلاة على الغائب.
- صفة الصلاة على الميت:
1 - يتوضأ من أراد الصلاة على الميت، ويستقبل القبلة، ويجعل الإمام الجنازة بينه وبين القبلة.
2 - السنة أن يقوم الإمام عند رأس الرجل الميت، وعند وسط المرأة، ويكبر على الميت أربعاً، وأحياناً خمساً، أو ستاً، أو سبعاً، أو تسعاً، خاصة إذا كان من أهل العلم والفضل، ومن لهم قدم صدق في الإسلام.
يفعل هذا مرة، وهذا مرة؛ إحياءً للسنة.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (973).

(2/758)


3 - يكبر الإمام ومن خلفه من المصلين التكبيرة الأولى رافعاً يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه، ثم يضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى على صدره.
ثم يتعوذ ويسمي، ويقرأ الفاتحة سراً، وأحياناً يقرأ معها سورة.
4 - ثم يكبر التكبيرة الثانية ثم يقول سراً: «الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، الَّلهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». متفق عليه (1).
5 - ثم يكبر التكبيرة الثالثة ويدعو سراً بإخلاص بما ورد، ومنه:
«اللهمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبيرِنَا وَذكَرِنَا وَأُنْثانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبنَا اللهمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإسْلاَمِ اللهمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلاَ تُضِلَّنَا بَعْدَهُ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (2).
«اللهمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأهْلاً خَيْراً مِنْ أهْلِهِ وَزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وَأدْخِلْهُ الجَنَّةَ وَأعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ (أوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ)». أخرجه مسلم (3).
«اللهمَّ إِنَّ فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ فِي ذِمَّتِكَ وَحَبْلِ جِوَارِكَ فَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ وَعَذاب
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3370) , واللفظ له، ومسلم برقم (406).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3201) , وابن ماجه برقم (1498) , وهذا لفظه.
(3) أخرجه مسلم برقم (963).

(2/759)


النَّارِ وَأَنْتَ أَهْلُ الوَفَاءِ وَالحَقِّ، فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (1).
«اللهمَّ عَبْدُكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، احْتَاجَ إِلَى رَحْمَتِكَ، وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، فَإِنْ كَانَ مُحْسِناً فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئاً فَتَجَاوَزْ عَنْهُ». أخرجه الحاكم والطبراني (2).
6 - يدعو بما شاء من هذه الأدعية.
يدعو بهذا مرة، وهذا مرة؛ إحياءً للسنة.
7 - ثم يكبر الرابعة، ويقف قليلاً يدعو، ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه، وإن سلم ثانية عن يساره أحياناً فلا بأس.
- حكم رفع اليدين في صلاة الجنازة:
رفع اليدين في التكبيرة الأولى على الجنازة سنة، وأما في باقي التكبيرات فيفعل تارة، ويترك تارة، ويكون الترك أكثر.
- كيف يقضي المسبوق صلاة الجنازة:
1 - من فاته بعض التكبيرات في الصلاة على الميت فما أدركه معه هو أول صلاته، فيقرأ الفاتحة أولاً، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يدعو بعد ذلك، ثم يكبر ويسلم.
2 - من نسي وسلم من الثالثة مثلاً، فإنه يأتي بالتكبيرة الرابعة ثم يسلم، ولا سجود للسهود في صلاة الجنازة.
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3202)، وابن ماجه برقم (1499) , وهذا لفظه.
(2) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (1328) , وهذا لفظه، والطبراني في «الكبير» (22/ 249).

(2/760)


- حكم من فاتته صلاة الجنازة:
1 - من فاتته صلاة الجنازة في المصلى أو المسجد فالأفضل أن يصلي عليها قبل الدفن حيثما أدركها في المقبرة أو خارجها.
2 - إذا مات الميت وأنت أهل للصلاة، ومخاطب بالصلاة عليه، ولم تصل عليه، فلك أن تصلي على قبره.
3 - من دُفن قبل أن يصلى عليه، أو صلى عليه بعض الناس دون بعض، أو كان الإنسان غائباً أو معذوراً فحضر بعد الدفن، والميت عزيز عليه، فهؤلاء يصلون على هذا الميت في قبره ولو بعد مدة.
1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِقَبْرٍ قَدْ دُفِنَ لَيْلاً، فَقَالَ: «مَتَى دُفِنَ هَذَا». قَالُوا: البَارِحَةَ. قَالَ: «أَفَلاَ آذَنْتُمُونِي». قَالُوا: دَفَنَّاهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ. فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَنَا فِيهِمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ أَسْوَدَ، رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً، كَانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ، فَمَاتَ وَلَمْ يَعْلَمِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَوْتِهِ، فَذَكَرَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «مَا فَعَلَ ذَلِكَ الإِنْسَانُ». قَالُوا: مَاتَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «أَفَلاَ آذَنْتُمُونِي». فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا قِصَّتُهُ. قَالَ: فَحَقَرُوا شَأْنَهُ، قَالَ: «فَدُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ». فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ. متفق عليه (2).
- حكم السفر للصلاة على الميت:
يجوز السفر من أجل الصلاة على الميت احتساباً وطلباً للأجر؛ لأن ذلك من
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1321) , واللفظ له، ومسلم برقم (954).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1337) , واللفظ له، ومسلم برقم (956).

(2/761)


اتباعه، وهو حق من حقوق المسلم على أخيه.
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ». متفق عليه (1).
- حكم حضور جنازة من لا يستحق التشييع:
السنة أن يتبع المسلم جنازة من لا يستحق التشييع بنفسه؛ إحساناً إلى أهله المسلمين، وتأليفاً لقلوبهم، وجبراً لخاطرهم، أو مكافأة له على إحسانه، كما شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - جنازة عبد الله بن أبي المنافق.
عَن جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَاللهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَمَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، فَاللهُ أَعْلَمُ، وَكَانَ كَسَا عَبَّاساً قَمِيصاً. متفق عليه (2).
- حكم الصلاة على بعض الميت:
1 - إذا مات مسلم، ولم يوجد منه إلا بعضه أو جزء منه، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن، وإن صلي على الميت ثم وُجِد جزء منه فإنه لا يصلى عليه، ولكن يغسل ويدفن في المقبرة.
2 - إذا قُطع عضو من الإنسان الحي فإنه لا يصلى عليه.
- حكم الصلاة على الغائب:
1 - من مات في بلد ليس فيها من يصلي عليه صلاة الجنازة، ودُفن ولم يصل عليه
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1240) , واللفظ له، ومسلم برقم (2162).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1350) , واللفظ له، ومسلم برقم (2733).

(2/762)


فالسنة أن يصلي عليه طائفة من المسلمين صلاة الغائب بإمام وجماعة، ومثله الغريق والمحترق.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى المُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. متفق عليه (1).
2 - كل ما سوى ذلك فلا تشرع الصلاة عليه، فقد توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضوان الله عليهم متفرقون في البلدان، ولم يثبت عن أحد منهم أنه صلى عليه صلاة الغائب.
وتوفي أصحابه - صلى الله عليه وسلم - في البلدان، ولم يصل عليهم هو صلاة الغائب.
وتوفي الخلفاء الراشدون، والأئمة المهديون، ولم يُذكر عن أحد من الصحابة الغُيَّب الصلاة عليهم صلاة الغائب.
3 - كل ما تركه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم من العبادات مع وجود المقتضي للفعل، وزوال المانع، فإنه واجب الترك، وفعله بدعة.
4 - صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي؛ لأنه إمام مسلم لم يصل عليه، ومجازاة له على ما فعله بالصحابة رضي الله عنهم حين حماهم واستقبلهم ونصرهم.
- حكم الصلاة على الشهيد:
1 - الشهداء الذين قتلوا أو ماتوا في المعركة في سبيل الله الإمام مخيّر فيهم، إن شاء صلى عليهم، وإن شاء ترك، والصلاة أفضل، ويدفنون في مصارعهم.
وما سواهم من الشهداء كالغريق، والحريق ونحوهم، فهؤلاء شهداء في
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1333) , واللفظ له، ومسلم برقم (951).

(2/763)


ثواب الآخرة، لكن يغسلون، ويكفنون، ويصلى عليهم كغيرهم.
1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذاً لِلْقُرْآنِ». فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامَةِ». وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ. أخرجه البخاري (1).
2 - وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ الهَادِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَاب جَاءَ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَآمَنَ بهِ وَاتَّبَعَهُ ثمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ فَأَوْصَى بهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْضَ أَصْحَابهِ فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْياً فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذا؟ قَالُوا: قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذهُ فَجَاءَ بهِ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَا هَذا؟ قَالَ: «قَسَمْتُهُ لَكَ» قَالَ: مَا عَلَى هَذا اتَّبَعْتُكَ وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الجَنَّةَ فَقَالَ: «إِنْ تَصْدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ» فَلَبثوا قَلِيلاً ثمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ العَدُوِّ فَأُتِيَ بهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْث أَشَارَ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَهُوَ هُوَ؟» قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ» ثمَّ كَفَّنَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي جُبَّةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلاَتِهِ، «اللهمَّ هَذا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِراً فِي سَبيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيداً أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذلِكَ». أخرجه النسائي (2).
3 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَتْلَى أحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ، كَالمُوَدِّعِ للأحْيَاءِ وَالأمْوَاتِ، ثُمَّ طَلَعَ المِنْبَرَ فَقال: «إِنِّي بَيْنَ
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1343).
(2) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (1953).

(2/764)


أيْدِيكُمْ فَرَطٌ وَأنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الحَوْضُ، وَإِنِّي لأنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا، وَإِنِّي لَسْتُ أخْشَى عَلَيْكُمْ أنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنِّي أخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أنْ تَنَافَسُوهَا». قال: فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (1).
2 - من جُرح في المعركة ثم عاش حياة مستقرة، ثم مات، فإنه يغسل ويصلى عليه، وإن كان يعتبر شهيداً، كما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على سعد بن معاذ رضي الله عنه بعد موته من جرحه في الأحزاب.
- حكم الصلاة على الطفل:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: دُعِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى جَنَازَةِ صَبِيٍّ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! طُوبَى لِهَذَا عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الجَنَّةِ! لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ قَالَ: «أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ، يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلاً خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلاً خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبَائِهِمْ». أخرجه مسلم (2).
- حكم الصلاة على السقط:
السقط له ثلاث حالات:
1 - إذا سقط الحمل من بطن أمه حياً ثم مات فإنه يغسل ويصلى عليه.
2 - إن سقط ميتاً وقد تم له أربعة أشهر، ونفخت فيه الروح، فهذا يغسل ويصلى عليه.
عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4042) , واللفظ له، ومسلم برقم (2296).
(2) أخرجه مسلم برقم (2662).

(2/765)


الجَنَازَةِ وَالمَاشِي يَمْشِي خَلْفَهَا وَأَمَامَهَا وَعَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ يَسَارِهَا قَرِيباً مِنْهَا، وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بالمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (1).
3 - إذا سقط الحمل قبل أربعة أشهر، فهذا لم تنفخ فيه الروح، فليس بميت، فلا يصلى عليه، وإنما يلف في خرقة ويدفن.
- مصير الأطفال يوم القيامة:
من مات من الأطفال ولم يبلغ الحنث فهو في الجنة.
1 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنَ النَّاسِ مُسْلِمٌ، يَمُوتُ لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ، إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ، بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ». أخرجه البخاري (2).
2 - وَعَن البَرَاء رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَم، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعاً فِي الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (3).
3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ البَهِيمَةِ تُنْتَجُ البَهِيمَةَ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ». متفق عليه (4).
- حكم الصلاة على المجهول:
1 - إذا مات إنسان، ولم يُعلم أنه مسلم أو كافر، فإن كان في دار الإسلام غُسِّل
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3180) , واللفظ له، والترمذي برقم (1031).
(2) أخرجه البخاري برقم (1381).
(3) أخرجه البخاري برقم (1382).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1385) , واللفظ له، ومسلم برقم (2658).

(2/766)


وصُلي عليه، وإن كان في دار الكفر لم يغسل ولم يصل عليه.
2 - إذا اختلط مسلمون بكفار، ومات الجميع ولم يميَّزوا، فيصلَّى عليهم جميعاً بنية المسلمين منهم.
- حكم الصلاة على أهل البدع والكبائر:
السنة أن يصلي المسلمون على كل مسلم، ولو كان من أهل الكبائر، أو من أهل البدع ما لم يكفر ببدعته.
وإن ترك أئمة الدين وأهل العلم والفضل صلاة الجنازة على أحدهم زجراً لأمثالهم فهو حسن.
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ. أخرجه مسلم (1).
- حكم الصلاة على الكفار والمنافقين:
1 - الكافر إذا مات لا يغسل ولا يكفن، ولا تجوز الصلاة عليه، ولا الاستغفار له، ولا الترحم عليه، ولا دفنه في مقابر المسلمين؛ لأنه مات على الكفر الموجب للخلود في النار.
قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)} [التوبة:113].
2 - يشرع لأقارب الميت الكافر وأهله أن يواروه بالتراب إذا لم يوجد من يواريه.
3 - يصلي المسلمون على كل ميت منهم، ومن علم بنفاق أحد فلا يصلي عليه.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (978).

(2/767)


قال الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)} [التوبة:84].
- حكم الصلاة على القبور:
يجب على المسلم إذا أراد الصلاة فريضة أو تطوعاً أن يتوجه إلى القبلة، ويحرم على المسلم أن يصلي إلى القبر، أو بين القبور.
عَنْ أبِي مَرْثَدٍ الغَنَوِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا». أخرجه مسلم (1).
- ما يقوله الميت إذا حُمل للمقبرة:
عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا، يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ». أخرجه البخاري (2).
- ما يُعرض على الإنسان إذا مات:
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ، عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (3).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (972).
(2) أخرجه البخاري برقم (1314).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1379) , واللفظ له، ومسلم برقم (2866).

(2/768)


7 - دفن الميت
- ما يفعله من يتبع الجنازة:
يستحب لمن تبع الجنازة ألا يجلس حتى توضع على الأرض.
ولو تقدم الجنازة فله أن يجلس قبل أن تنتهي إليه.
أما حال الدفن، وبعد الدفن، فالسنة القيام للدعاء للميت والتعزية، وله أن يجلس إن شاء حتى يُدفن الميت.
عَنْ عُثمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ المَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ بالتَّثبيتِ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ». أخرجه أبو داود (1).
- حكم حفر القبر:
حفر القبر من فروض الكفايات، وأولى الناس بذلك أقاربه، ويجوز لغيرهم فعل ذلك بأجرة أو بغير أجرة.
- حكم دفن الميت:
دفن الميت فرض كفاية، فتجب مواراة الآدمي مسلماً كان أو كافراً، لكن المسلم يُدفن حسب السنة، والكافر يوارى بالتراب في حفرة.
1 - عَنْ أبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ. متفق
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3221).

(2/769)


عليه (1).
2 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ، قَالَ: «اذهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ ثمَّ لاَ تُحْدِثنَّ شَيْئاً حَتَّى تَأْتِيَنِي» فَذهَبْتُ فَوَارَيْتُهُ وَجِئْتُهُ فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ وَدَعَا لِي. أخرجه أبو داود (2).
- مكان دفن الأموات:
1 - السنة أن يدفن الميت المسلم في مقابر المسلمين في كل بلد، ويستثنى من ذلك الأنبياء فيدفنون حيث قبضوا، والشهداء يدفنون في مصارعهم.
عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا حَمَلْنَا القَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ لِنَدْفِنَهُمْ فَجَاءَ مُنَادِي النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَدْفِنُوا القَتْلَى فِي مَضَاجِعِهِمْ فَرَدَدْنَاهُمْ. أخرجه أبو داود (3).
2 - لا يجوز أن يُدفن مسلم مع كافر، بل يدفن المسلم في مقابر المسلمين، ويدفن الكافر في مقابر المشركين.
3 - يجب على أهل البلد أن يختاروا مكاناً في ناحية بلدهم ليدفنوا فيه موتاهم، وإن لم يمكن الحصول عليه إلا بثمن فيشترى، ويستحب شراؤه ووقفه على موتى المسلمين.
- مكان دفن الشهداء:
الشهداء ثلاثة أقسام:
1 - شهيد الدنيا والآخرة: وهو المقتول في المعركة في سبيل الله مخلصاً، فهذا له
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3976) , واللفظ له، ومسلم برقم (2875).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3214).
(3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3165).

(2/770)


أحكام الشهيد في الدنيا وفي ثواب الآخرة، ويدفن في مصرعه.
2 - شهيد الدنيا فقط: وهو المقتول في المعركة مرائياً ونحوه، فهذا له حكم الشهيد في الدنيا، وليس له ثواب الشهداء في الآخرة.
3 - شهيد الآخرة: وهو من أثبت له الشارع حكم الشهادة، ولم تجر عليه أحكامها في الدنيا كالغريق والمبطون ونحوهما، فهذا حكمه حكم بقية الموتى.
- أوقات دفن الأموات:
1 - السنة أن يدفن الأموات نهاراً -وهو الأفضل-؛ لأن الناس في النهار أنشط، وأكثر حضوراً للصلاة، والحضور والتشييع والدفن في النهار أسهل وأيسر.
2 - يجوز الدفن ليلاً إذا كان لا يفوت بالدفن شيء من حقوق الميت والصلاة عليه، أو عند الضرورة كخوف تغيره بسبب الحر، أو كثرة الأموات، أو عند خوف ونحو ذلك، ويجوز استعمال المصباح للإضاءة عند الدفن.
عَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ يَوْماً، فَذَكَرَ رَجُلاً مِنْ أصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ، وَقُبِرَ لَيْلاً، فَزَجَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ، إِلا أنْ يُضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا كَفَّنَ أحَدُكُمْ أخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ». أخرجه مسلم (1).
- الأوقات التي لا يدفن فيها الأموات:
الأوقات التي لا يدفن فيها الأموات إلا عند الضرورة ثلاثة:
عند طلوع الشمس، وعند استوائها، وعند غروبها.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (943).

(2/771)


عَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الجُهَنِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَانَا أنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ. أخرجه مسلم (1).
- صفة القبر:
1 - السنة توسيع القبر، وتحسينه، وتعميقه، ويكون العمق بحيث يواري الميت، ويحجب رائحته، ويمنع السباع منه كمقدار نصف قامة الإنسان.
عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ: الحَفْرُ عَلَيْنَا لِكُلِّ إِنْسَانٍ شَدِيدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الاِثنَيْنِ وَالثلاَثةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ». قَالُوا: فَمَنْ نُقَدِّمُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «قَدِّمُوا أَكْثرَهُمْ قُرْآناً». أخرجه أبو داود والنسائي (2).
2 - يسن أن يحفر في أسفل القبر من جهة القبلة اللحد، وهو الشق بقدر الميت، ويجوز حفر الضريح في وسط القبر من أسفل بقدر الميت، يوضع فيه الميت، ثم يُسقف باللبن، واللحد أفضل؛ لأنه الذي اختاره الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -.
عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ سَعْدَ بْنَ أبِي وَقَّاصٍ قال فِي مَرَضِهِ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ: الحَدُوا لِي لَحْداً، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْباً، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (3).
3 - يجوز دفن الميت في اللحد والشق، واللحد أفضل على وجه العموم، فإن كانت
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (831).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3215) , والنسائي برقم (2010) , وهذا لفظه.
(3) أخرجه مسلم برقم (966).

(2/772)


الأرض رخوة تنهار فالشق أفضل، وإن كانت صلبة لا تنهار فاللحد أفضل.
- الأحق بإنزال الميت في القبر:
1 - يتولى إنزال الميت في قبره ودفنه الرجال دون النساء، وأولياء الميت أحق بإنزاله من غيرهم.
2 - الأحق بإنزال الرجل الميت في قبره أولياؤه وأهله وذوو رحمه، ويُدخل المرأة قبرها محارمها أبوها، أو ابنها، أو أخوها، أو زوجها، أو غيرهم من المحارم.
قال الله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)} [الأنفال:75].
3 - يُقدَّم الرجل الغريب على المحرم والزوج في الدفن إذا كان المحرم والزوج قد جامع أهله تلك الليلة.
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ عَلَى القَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: «هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ». فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا، قَالَ: «فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا». فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا. أخرجه البخاري (1).
- عدد من ينزل في القبر:
ينزل في القبر لدفن الميت بحسب الحاجة والمصلحة، وليس لذلك حد من شفع أو وتر.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1342).

(2/773)


- صفة دفن الميت:
1 - السنة إدخال الميت من جهة رجلي القبر، ويُسلُّ من عند رأسه، وهذا هو الأفضل.
عَنْ أَبي إِسْحَاقَ قَالَ: أَوْصَى الحَارِث أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عَبْدُاللهِ بْنُ يَزِيدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثمَّ أَدْخَلَهُ القَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيِ القَبْرِ وَقَالَ: هَذا مِنَ السُّنَّةِ. أخرجه أبو داود (1).
ويجوز إدخال الميت إلى قبره من أي جهة من جهة القبلة معترضاً، أو من جهة رأس القبر.
2 - ثم يوضع الميت في قبره في اللحد على جنبه الأيمن، ووجه إلى القبلة، ورأسه إلى يمين القبر، ورجلاه إلى يسار القبر، ويسن أن يقول عند وضعه في القبر: «بسْمِ اللهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -». أخرجه أحمد وأبو داود (2).
3 - ثم يُنصب اللبن عليه نصباً، ثم يُشرَّك بينها بالطين، ثم يُدفن بالتراب، ويُرفع القبر عن الأرض، والسنة أن يُرفع قدر شبر مسنماً؛ ليتميز القبر، ويصان ولا يهان.
عَنْ أَبي بَكْرِ ابْن عَيَّاشٍ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُسَنَّماً. أخرجه البخاري (3).
4 - والسنة أن يُعْلِم القبر بحجر ونحوه؛ ليعرفه أهله، ويدفن إليه من مات من أهله.
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3211).
(2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (4812) , وأبو داود برقم (3213).
(3) أخرجه البخاري برقم (1390).

(2/774)


عَنِ المُطَّلِب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عُثمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أُخْرِجَ بجَنَازَتِهِ فَدُفِنَ فَأَمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً أَنْ يَأْتِيَهُ بحَجَرٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ فَقَامَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، قَالَ كَثِيرٌ: قَالَ المُطَّلِبُ: قَالَ الَّذِي يُخْبرُنِي ذلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ ذِرَاعَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَسَرَ عَنْهُمَا ثمَّ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ، وَقَالَ: أَتَعَلَّمُ بهَا قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي. أخرجه أبو داود (1).
5 - ثم يقف على القبر، ويستغفر للميت، ويسأل الله له التثبيت، ويطلب من الحاضرين فعل ذلك.
عَنْ عُثمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ المَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ بالتَّثبيتِ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ». أخرجه أبو داود (2).
- صفة دفن الميت في البحر:
دفن الميت له ثلاث حالات:
في المقبرة، أو البر، أو البحر.
1 - فأما في البحر فإن الميت يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ثم يلقى في الماء، وذلك إذا خيف عليه من التعفن.
وإن كان الجو بارداً، أو السفينة قريبة من الساحل، أو وجد مكان لحفظه في ثلاجة ونحوها، فالأولى أن يبقى ثم يدفن بعد الوصول في المقبرة.
2 - وإن مات الإنسان في البر، ولم يمكن حفر القبر له، فإنه يغسل ويكفن
_________
(1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3206).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3221).

(2/775)


ويصلى عليه، ثم يوجه إلى القبلة على جنبه الأيمن، ثم يجمع عليه التراب والرمل والحجارة حتى يوارى جسمه عن السباع والطير.
3 - وإن مات المسلم في بلدٍ دُفِن في مقابر المسلمين كما سبق.
- صفات الدفن:
للدفن صفتان:
1 - صفة مجزئة، وهي أن يوارى الميت بالتراب.
2 - صفة كاملة، وهي أن يُحفر له قبر، ويعمَّق، ويوسَّع، ويُلحد له كما تقدم.
- حكم دفن الأموات في قبر واحد:
1 - السنة أن يدفن في القبر ميت واحد من المسلمين.
2 - يجوز دفن اثنين فأكثر في قبر واحد عند الضرورة، كأن يكثر القتلى أو الأموات، ويقلّ من يدفنهم، ونحو ذلك من الأعذار.
3 - إذا دُفن في القبر أكثر من واحد فيقدم إلى القبلة الأكثر حفظاً للقرآن، والأفضل، والأسن.
4 - لا يجوز دفن المسلم مع الكافر، ولا تدفن المرأة مع الرجل في قبر واحد إلا عند الضرورة، ويجعل بينهما حاجز من تراب، ويقدم الرجل عليها إلى القبلة.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذاً لِلْقُرْآنِ». فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامَةِ». وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ. أخرجه البخاري (1).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1343).

(2/776)


5 - يجوز دفن الميت في قبر ميت آخر إذا صار رميماً، وتعذر مكان آخر.
- حكم حفر القبر قبل الموت:
لا يشرع للمسلم أن يحفر قبره قبل الموت؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله ولا أصحابه رضي الله عنهم، والعبد لا يدري متى وأين يموت، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
ويجوز حفر القبور العامة من دون تعيين مَنْ يُدفن فيها.
- حكم الموعظة أثناء الدفن:
يسن لكبير القوم وعالمهم أن يذكِّر الحاضرين أثناء دفن الميت أحياناً بما يناسب الحال، بذكر الموت وما بعده من الأهوال، من غير نياحة على الميت أو ذكرٍ لمآثره.
1 - عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الغَرْقَدِ، فَأَتَانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، إِلاَّ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلاَّ قَدْ كُتِبَ: شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ العَمَلَ، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؟ قَالَ: «أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ». ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1362) , واللفظ له، ومسلم برقم (2647).

(2/777)


وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِنَ الجَنَّةِ». قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «فَيَرَاهُمَا جَمِيعاً، وَأَمَّا الكَافِرُ، أَوِ المُنَافِقُ: فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ». متفق عليه (1).
- حكم نبش القبور:
يحرم نبش قبر الميت المسلم لغير سبب شرعي؛ لأن قبره وقفٌ عليه ما دام فيه.
ويجب نبش القبر في الأحوال الآتية:
1 - إذا لم يغسل الميت، أو لم يكفن، أو دفن لغير القبلة، وهذا إذا لم يتغير، أما إذا تغير فلا ينبش.
2 - إذا دُفن المسلم في مقابر الكفار ما لم يتغير.
3 - إذا دُفن الكافر في مقابر المسلمين حتى ولو بعد التغير؛ لأن الكافر لا حرمة له.
4 - إذا دُفن الميت في مسجد ونحوه كمدرسة ورباط، سواء كان قبل التغير أو بعده.
5 - إذا سقط في القبر أثناء الدفن مال أو متاع ولم يتمكن من إخراجه إلا بالنبش،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1338) , واللفظ له، ومسلم برقم (2870).

(2/778)


فله نبش القبر لأخذ ماله.

- حكم الجلوس على القبر:
لا يجوز الجلوس على القبر، ومن جلس عليه فهو آثم.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لأَنْ يَجْلِسَ أحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ». أخرجه مسلم (1).
2 - وَعَنْ أبِي مَرْثَدٍ الغَنَوِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا». أخرجه مسلم (2).
- حكم إخراج الميت من القبر لعلة:
1 - إذا دُفن الميت في قبره فلا يجوز إخراجه منه إلا لغرض صحيح، كأن يكون قد دُفن قبل غسله وتكفينه، أو دفن إلى غير القبلة، أو غمر قبره الماء، أو دُفن في مقابر الكفار ونحو ذلك من الأسباب.
2 - المقابر دار الأموات ومنازلهم، ومحل زيارتهم، وهم قد سبقوا إليها، فلا يحل نبشهم من قبورهم إلا لسبب شرعي فيه مصلحة الحي والميت.
1 - عَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَاللهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَمَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، فَاللهُ أَعْلَمُ، وَكَانَ كَسَا عَبَّاساً قَمِيصاً. متفق عليه (3).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (971).
(2) أخرجه مسلم برقم (972).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1350) , واللفظ له، ومسلم برقم (2773).

(2/779)


2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ، فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ، فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ. أخرجه البخاري (1).
- حكم من دُفن ولم يغسل ولم يصل عليه:
1 - من دفن من المسلمين ولم يغسل ولم يصل عليه فإنه يُخرج ثم يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن، ما لم يتغير فيصلى عليه في قبره ولا يُخرج.
2 - إذا لم يوجد من الميت المسلم إلا بعضه فإنه يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن، والعضو المقطوع من المسلم الحي لا يجوز إحراقه ولا يغسل ولا يصلى عليه، لكن يلف في خرقة ويدفن في المقبرة.
- حكم البناء على القبر:
يحرم البناء على القبر، وتجصيصه، وصبغه، وتبليطه، ونثر الورود عليه، وإيقاد السرج عليه، والكتابة عليه، وتحرم الصلاة عنده، واتخاذه مسجداً، والطواف به، والصلاة إليه واتخاذه عيداً، وذلك كله شرك، أو من وسائل الشرك.
1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُجَصَّصَ القَبْرُ، وَأنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأنْ يُبْنَى عَلَيْهِ. أخرجه مسلم (2).
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّ أمَّ حَبِيبَةَ وَأمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأيْنَهَا بِالحَبَشَةِ، فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «إنَّ أولَئِكَ، إذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِداً، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ،
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1352).
(2) أخرجه مسلم برقم (970).

(2/780)


فَأولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (1).
- حكم دفن الميت في المسجد:
1 - السنة دفن المسلم في المقبرة، ويحرم دفن الميت في المسجد، وإذا دُفن المسلم في المسجد فإنه ينبش ويدفن في المقبرة.
2 - يحرم على المسلم أن يصلي في مسجد فيه قبر، فإن صلى فالصلاة صحيحة مع الإثم، ويجب على المسلم أن لا يصلي في مسجد فيه قبر؛ حماية لمقام التوحيد.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». أخرجه مسلم (2).
- حكم بناء المسجد على القبر:
لا يجوز بناء مسجد على قبر، ولا يجوز دفن ميت في مسجد، وإذا حصل ذلك: فإن كان المسجد بُني قبل الدفن سُوِّي القبر، أو نبش إن كان جديداً، ودفن في المقبرة، وإن بُني المسجد على القبر، فإما أن يزال المسجد، وإما أن تزال صورة القبر.
وكل مسجد بني على قبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». قَالَتْ: فَلَوْلا ذَاكَ أبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أنَّهُ خُشِيَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِداً. متفق عليه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (427) , واللفظ له، ومسلم برقم (528).
(2) أخرجه مسلم برقم (530).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1330) , ومسلم برقم (529) , واللفظ له.

(2/781)


- ما يقال للميت في القبر:
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا قُبرَ المَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا المُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ فَيَقُولاَنِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولاَنِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذا، ثمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعاً فِي سَبْعِينَ ثمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثمَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ. فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبرُهُمْ فَيَقُولاَنِ نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الَّذِي لاَ يُوقِظُهُ إِلاَّ أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِقاً قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثلَهُ لاَ أَدْرِي، فَيَقُولاَنِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذلِكَ فَيُقَالُ لِلأَرْضِ التَئِمِي عَلَيْهِ فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلاَعُهُ فَلاَ يَزَالُ فِيهَا مُعَذباً حَتَّى يَبْعَثهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذلِكَ». أخرجه الترمذي (1).
- حكم الدفن في التابوت:
التابوت: صندوق من خشب أو حجر ونحوهما يوضع فيه الميت.
وللدفن في التابوت حالتان:
الأولى: أن يكون لحاجة أو مصلحة، كما لو تهرى الميت لغرق أو حريق ونحوهما، وتعذر جمعة في غير التابوت، فهذا جائز.
الثانية: أن يكون لغير حاجة، فهذا لا يجوز؛ لما فيه من التشبه بالنصارى، وإضاعة المال، وترك السنة.
_________
(1) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1071) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (1391).

(2/782)


- ما يُفعل بالمسلم إذا مات في بلاد الكفر:
من مات في بلاد الكفر دفن في مقابر المسلمين.
فإن لم توجد نُقل إلى بلاد المسلمين إن أمكن، فإن لم يمكن دُفن في فلاة من الأرض، ويُخفى قبره؛ لئلا يتعرض له الكفار بأذى.
- مكان الدفن عند اشتباه الموتى:
إذا اختلط موتى المسلمين بالكفار، ولم يمكن التمييز بينهم، فإنهم يدفنون في مقابر منفردة، سواء كثر المسلمون أو قلوا.
فإن لم يمكن دفنوا جميعاً مع المسلمين، احتراماً لمن فيهم من المسلمين.
- حكم نقل الميت من بلد إلى آخر:
نقل الميت من بلد إلى آخر له ثلاث حالات:
1 - إذا أدى النقل إلى تغير الميت أو انتهاك حرمته، فهذا يحرم.
2 - إذا كان لنقله ضرورة كمن مات في دار حرب، أو في مكان يُخاف عليه من نبشه، أو حرقه أو المثلة به، فهذا يجب.
3 - إذا كان لنقله غرض صحيح، ولم يكن فيه انتهاك لحرمته، أو تعرضه للتغير، أو مشقة على من يتولى نقله، فهذا يجوز.
- صفة دفن الكافرة الحامل من مسلم:
إذا ماتت كتابية تحت مسلم وهي حامل، ومات جنينها في جوفها، فإنها تدفن منفردة عن مقابر المسلمين ومقابر الكفار، ويكون ظهرها إلى جهة القبلة على جنبها الأيسر؛ ليكون وجه الجنين إلى القبلة.

(2/783)


8 - التعزية
- التعزية: هي ترغيب أهل الميت بالصبر احتساباً للأجر، والدعاء للميت والمصاب.
- حكم التعزية:
1 - يسن للمسلم تعزية أهل الميت بما يسليهم، ويكف من حزنهم بذكر الآيات والأحاديث التي تحملهم على الصبر والرضا بما قدر الله، واحتساب الأجر.
2 - تجوز تعزية الكفار من غير دعاء لميتهم إن كانوا ممن لا يظهر العداء للإسلام والمسلمين، ويدعو لهم بالهداية، ويرغبهم في الإسلام.
- مكان التعزية:
1 - تسن تعزية أهل الميت وأقاربه في أي مكان:
في المصلى، والمسجد، والمقبرة، والبيت، والسوق.
2 - يجوز أن يجتمع أهل الميت في بيت أو مكان فيقصدهم من أراد التعزية، ثم يعزيهم وينصرف.
- وقت التعزية:
تسن تعزية أهل الميت قبل الدفن أو بعده.
والتعزية ليس لها حد ولا أيام محدودة، فمتى علم بالميت، ورأى الفائدة في التعزية أتى بها.

(2/784)


- صفة التعزية:
الأولى أن يعزي المسلم أهل الميت بالدعاء الوارد شرعاً، وله أن يعزيهم بما شاء من الألفاظ التي تسليهم، وتكف من حزنهم، ومن الأدعية الواردة في التعزية:
1 - «إنَّ للهِ مَا أخَذَ وَلَهُ مَا أعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأجَلٍ مُسَمّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ». متفق عليه (1).
2 - «اللهمَّ اغْفِرْ لأبِي فُلانَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي المَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (2).
- حكم البكاء على الميت:
1 - يجوز البكاء على الميت إن لم يكن معه ندب أو نياحة، ودمع العين من الرحمة التي يجعلها الله في قلوب عباده الرحماء.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْراً لإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَم، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ». ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1284) , واللفظ له، ومسلم برقم (923).
(2) أخرجه مسلم برقم (920).

(2/785)


إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ». متفق عليه (1).
2 - يحرم شق الثوب، ولطم الخد، ورفع الصوت بالندب والنَّوح.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ، فَأتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِي غَشِيَّةٍ، فَقَالَ: «أقَدْ قَضَى؟» قَالُوا: لا، يَا رَسُولَ اللهِ! فَبَكَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَلَمَّا رَأى القَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ اللهِ بَكَوْا. فَقَالَ: «ألا تَسْمَعُونَ؟ إِنَّ اللهَ لا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ، وَلا بِحُزْنِ القَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا (وَأشَارَ إِلَى لِسَانِهِ) أوْ يَرْحَمُ». متفق عليه (2).
3 - يسن أن لا يزيد البكاء على الميت أكثر من ثلاثة أيام.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ ثلاَثاً أَنْ يَأْتِيَهُمْ ثمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: «لاَ تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ اليَوْمِ» ثمَّ قَالَ: «ادْعُوا لِي بَنِي أَخِي» فَجِيءَ بنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ فَقَالَ: «ادْعُوا لِيَ الحَلاَّقَ» فَأَمَرَهُ فَحَلَقَ رُؤوسَنَا. أخرجه أبو داود والنسائي (3).
4 - الميت يتألم ويتكدر في قبره إذا نيح عليه، وترك أهله الدعاء له، ولكنه لا يعاقب بفعلهم إلا إذا أوصاهم بالنياحة عليه.
1 - قال الله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)} [الأنعام:164].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1303) , واللفظ له، ومسلم برقم (2315).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1304)، ومسلم برقم (924) , واللفظ له.
(3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4192) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (5227).

(2/786)


2 - وَعَن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «المَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ». متفق عليه (1).
- حكم إطعام أهل الميت:
يسن لأقارب الميت وجيرانه وأصدقائه أن يصنعوا لأهل الميت طعاماً، ويبعثون به إليهم؛ لأنه أتاهم ما يشغلهم.
ويكره لأهل الميت صنع طعام للناس واجتماعهم عليه، وإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز كقدوم ضيف من خارج البلد.
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ المَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا، فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ المَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الحُزْنِ». متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اصْنَعُوا لآِلِ جَعْفَرٍ طَعَاماً فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ أَوْ أَمْرٌ يَشْغَلُهُمْ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (3).
- حكم تعزية النساء لأهل الميت:
1 - لا يجوز لنساء أهل الميت تخصيص لباس معين للتعزية كالأسود مثلاً؛ لما في ذلك من إظهار الحزن، والتسخط على قضاء الله وقدره.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1292) , واللفظ له، ومسلم برقم (927).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5417) , واللفظ له، ومسلم برقم (2216).
(3) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3132) , وابن ماجه برقم (1610) , وهذا لفظه.

(2/787)


2 - يسن للرجال تعزية الرجال من أهل الميت، ويسن للنساء تعزية نساء أهل الميت.
3 - تجوز تعزية الرجل للنساء وعكسه ما لم تكن خلوة، أو تخشى فتنة.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ المَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا، فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ المَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الحُزْنِ». متفق عليه (1).
- حكم تعزية أهل القاتل:
يسن للمسلم تعزية أهل القاتل إذا اقتُص منه؛ لأنه لا ذنب لهم، والمسلم يعزَّى في مصيبته، وكونه جانٍ لا يقتضي إسقاط حق أهله.
والقاتل مسلم، إذا أقيم عليه الحد طُهِّر من ذنبه، واتباعه، والصلاة عليه، ودفنه، حق من حقوقه على المسلمين.
- ما ينتفع به المسلم بعد موته:
ينتفع المسلم بعد موته بما يلي:
1 - دعاء المسلمين له.
1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} [الحشر:10].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5417) , واللفظ له، ومسلم برقم (2216).

(2/788)


2 - وَعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخِيهِ، بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ». أخرجه مسلم (1).
2 - ما يخلفه الميت من الأعمال الصالحة والصدقات الجارية.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». أخرجه مسلم (2).
3 - ما يفعله أولاده من الأعمال الصالحة.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبكُمْ وَإِنَّ أَوْلاَدَكُمْ مِنْ كَسْبكُمْ». أخرجه أبو داود والترمذي (3).
4 - قضاء الدين عنه، وقضاء الصوم عنه.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». متفق عليه (4).
5 - أعمال البر التي كان سبباً في وجودها في حياته.
عَنِ جَرِير بنِ عَبدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ سَنَّ فِي الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أجْرُهَا، وَأجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2733).
(2) أخرجه مسلم برقم (1631).
(3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3528) , والترمذي برقم (1358) , وهذا لفظه.
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1952) , واللفظ له، ومسلم برقم (1147).

(2/789)


مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أوْزَارِهِمْ شَيْءٌ». أخرجه مسلم (1).
6 - الحج عنه.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ امْرَأةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالتْ: إِنَّ أمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أفَأحُجُّ عَنْهَا؟ قال: «نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أرَأيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أمِّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا اللهَ، فَاللهُ أحَقُّ بِالوَفَاءِ». أخرجه البخاري (2).
- ما يتبع الإنسان بعد موته:
عَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ». متفق عليه (3).
- سؤال الميت في القبر:
كل إنسان يُسأل بعد موته، سواء قُبر أو لم يقبر، ثم يجازى بالخير خيراً، وبالشر شراً، ويقع النعيم والعذاب على النفس والبدن، والروح تبقى بعد مفارقة البدن منعّمة أو معذبة، وتتصل بالبدن أحياناً، فإذا كان يوم القيامة أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وقام الناس من قبورهم للحساب والجزاء.
1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1017).
(2) أخرجه البخاري برقم (1852).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6514) , واللفظ له، ومسلم برقم (296).

(2/790)


وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِنَ الجَنَّةِ». قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «فَيَرَاهُمَا جَمِيعاً، وَأَمَّا الكَافِرُ، أَوِ المُنَافِقُ: فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «المُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِي القَبْرِ: يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}. متفق عليه (2).
- حكم فعل القُرَب عن الميت:
فعل القرب من مسلم لمسلم حي أو ميت لا يجوز إلا في حدود ما ورد في الشرع فعله مثل:
الدعاء له، والاستغفار له، والحج والعمرة عنه، والصوم الواجب عنه، والصدقة عنه.
وأما قراءة القرآن عنه، أو استئجار قوم يقرؤون القرآن، ويهدون ثوابه للميت فهي بدعة محدثة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1338) , واللفظ له، ومسلم برقم (2870).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4699) , واللفظ له، ومسلم برقم (2831).

(2/791)


9 - زيارة القبور
- حكمة مشروعية زيارة القبور:
الدنيا دار الأحياء، والمقابر دار الأموات، ومن فضل الله عز وجل أن جعل صلة المسلم بأخيه مستمرة في الحياة وبعد الموت.
والمقصود من زيارة القبور أمران:
الأول: انتفاع الزائر بذكر الموت والموتى برؤية الجنائز والقبور، وأن يتذكر أن مآله ومآلهم إما إلى الجنة أو النار، وهذا من أعظم مقاصد الزيارة.
عَن بُرَيْدَةَ الأسلمي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «نَهَيْتُكُمْ، عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ، فَزُورُوهَا». أخرجه مسلم (1).
الثاني: نفع الميت، والإحسان إليه بالسلام عليه، والدعاء له، والاستغفار له، وهذا خاص بالميت المسلم.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى البَقِيعِ، فَيَقُولُ: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَداً، مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا، إِنْ شَاءَ اللهُ، بِكُمْ لاحِقُونَ، اللهمَّ! اغْفِرْ لأهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ». أخرجه مسلم (2).
- حكم زيارة القبور:
1 - يسن للرجال دون النساء زيارة القبور للاتعاظ بها، وتذكر الآخرة، والدعاء
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (977).
(2) أخرجه مسلم برقم (974).

(2/792)


للميت المسلم بما ورد.
2 - يشرع للمسلم أن يفاوت بين الزيارة، فلا يتخذ القبور أعياداً، ولا يتخذ لنفسه يوماً معيناً لا يزور القبور إلا فيه.
1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُوراً وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيداً وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْث كُنْتُمْ». أخرجه أحمد وأبو داود (1).
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْرَ أمِّهِ، فَبَكَى وَأبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أنْ أسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أنْ أزُورَ قَبْرَهَا فَأذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ». أخرجه مسلم (2).
- حكم زيارة النساء للقبور:
1 - زيارة النساء للقبور من كبائر الذنوب.
فلا يجوز للنساء زيارة القبور؛ لأنه غالباً يجري منهن ما ينافي الصبر الواجب، ولديهن من الرقة والضعف وعدم التحمل ما يجدد لهن الحزن، والبكاء، وذكر المصائب، ولِمَا يخشى أن تجر زيارتهن للقبور إلى أن يأتين من الأقوال والأفعال ما يخرجن به إلى فعل المحرم من ندب، ونياحة، وصياح، ولطم للخدود، وشق للجيوب، لقلة صبرهن، وقوة جزعهن، ورقة قلوبهن.
1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَوَّارَاتِ القُبُورِ. أخرجه
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8804) , وأبو داود برقم (2042).
(2) أخرجه مسلم برقم (976).

(2/793)


الترمذي وابن ماجه (1).
2 - وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. متفق عليه (2).
2 - يسن للنساء إذا مررن بالقبور من دون قصد الزيارة أن يسلمن على الأموات ولا يدخلن؛ لأنهن ممنوعات من الدخول لا المرور.
عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها لمَّا خَرجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِندَهَا لَيْلاً لِزِيَارةِ أهْلِ البَقِيعِ ... قَالَتْ: كَيْفَ أقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «قُولِي: السَّلامُ عَلَى أهْلِ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللهُ المُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلاحِقُونَ». أخرجه مسلم (3).
- أنواع زيارة القبور:
زيارة القبور على ثلاث مراتب:
الأولى: زيارة شرعية مسنونة، وهي زيارة قبور المسلمين من أقارب وغيرهم للسلام عليهم، والدعاء لهم، وتذكر الموت والآخرة.
الثانية: زيارة قبور المشركين لتذكر الآخرة، وسؤال الله العافية، والثبات على الدين، فهذه جائزة؛ لما فيها من التذكير بنعمة الإسلام.
الثالثة: زيارة محرمة، وهي نوعان:
1 - زيارة شركية، وتكون بسؤال الموتى قضاء الحاجات، وكشف الكربات، وشفاء المرضى، ودعاء الأموات، والطواف حول القبور، والصلاة إلى
_________
(1) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1056) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1576).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1278) , ومسلم برقم (938).
(3) أخرجه مسلم برقم (974).

(2/794)


القبور، فهذا كله شرك أكبر محبط للأعمال.
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [الزُّمَر:65].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». قَالَتْ: فَلَوْلا ذَاكَ أبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أنَّهُ خُشِيَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِداً. متفق عليه (1).
2 - زيارة بدعية، وتكون بزيارة المقابر بقصد دعاء الله عند قبر الميت، والصلاة لله عنده، والاستشفاع به، والتوسل به إلى الله.
فهذه بدعة منكرة، ووسيلة إلى الشرك.
- وقت زيارة الأموات:
تسن زيارة القبور في كل وقت، وتخصيص يوم العيد أو الجمعة أو السبت أو غيرها للزيارة كل ذلك لا أصل له.
1 - عَنِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا». أخرجه مسلم (2).
2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُوراً وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيداً وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْث كُنْتُمْ». أخرجه أبو داود (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1330) , ومسلم برقم (529) , واللفظ له.
(2) أخرجه مسلم برقم (977).
(3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2042).

(2/795)


- صفة زيارة الميت:
1 - السنة إذا دخل المسلم إلى المقبرة سلم على أهلها بما ورد قائلاً:
1 - «السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ، غَداً مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ». أخرجه مسلم (1).
2 - أو يقول: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَلاحِقُونَ، أسْألُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ». أخرجه مسلم (2).
3 - أو يقول: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ». أخرجه مسلم (3).
يفعل هذا مرة، وهذا مرة؛ إحياءً للسنة.
2 - إذا أراد الزائر الدعاء للميت فالأفضل له أن يستقبل القبلة.
3 - السنة لزائر القبور أن يكون حال الزيارة قائماً، فيسلم ويدعو وهو قائم.
عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْها قالَتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا عِنْدِي، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ. فَلَمْ يَلْبَثْ إِلا رَيْثَمَا ظَنَّ أنْ قَدْ رَقَدْتُ، فَأخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْداً، وَانْتَعَلَ رُوَيْداً، وَفَتَحَ البَابَ فَخَرَجَ. ثُمَّ أجَافَهُ رُوَيْداً، فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي. ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ، حَتَّى جَاءَ البَقِيعَ فَقَامَ. فَأطَالَ القِيَامَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ. أخرجه مسلم (4).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (974).
(2) أخرجه مسلم برقم (975).
(3) أخرجه مسلم برقم (249).
(4) أخرجه مسلم برقم (974).

(2/796)


- حكم زيارة قبور الكفار:
تجوز زيارة قبر من مات على غير الإسلام للعبرة، وسؤال الله العافية، ولا يدعو له، ولا يستغفر له، بل يبشره بالنار، ويستغفر، ويبكي حتى لا يصيبه ما أصابه، ولا يُمنع الكافر من زيارة قبر قريبه المسلم.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْرَ أمِّهِ، فَبَكَى وَأبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أنْ أسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أنْ أزُورَ قَبْرَهَا فَأذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ». أخرجه مسلم (1).
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لأَصْحَابِ الحِجْرِ: «لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ القَوْمِ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ». متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ سَعْدِ بن أَبي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَكَانَ وَكَانَ، فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: «فِي النَّارِ»، فَكَأنَّ الأَعْرَابِيَّ وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَيْنَ أَبُوكَ؟ قَالَ: «حَيْثُ مَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ كَافِرٍ فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ»، قَالَ: فَأَسْلَمَ الأَعْرَابِيُّ بَعْدُ، فَقَالَ: لَقَدْ كَلَّفَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَعَباً، مَا مَرَرْتُ بِقَبْرِ كَافِرٍ إِلا بَشَّرْتُهُ بِالنَّارِ. أخرجه الطبراني في الكبير (3).
- حكم المشي بين القبور بالنعال:
يسن للمسلم المشي حافياً بين القبور؛ لما فيه من التواضع، واحترام أموات
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (976).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4702) , واللفظ له، ومسلم برقم (2980).
(3) صحيح/ أخرجه الطبراني في «الكبير» (1/ 145) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (18).

(2/797)


المسلمين.
ويكره المشي بالنعال بين القبور، ما لم يكن هناك عذر يمنعه من خلع نعليه كشدة حرارة الأرض، أو وجود شوك يؤذيه، أما المشي في ساحة المقبرة بالنعال فجائز.
عَنْ بَشِير ابن الخَصَاصِيَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرَّ عَلَى قُبُورِ المُسْلِمِينَ فَقَالَ: «لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلاَءِ شَرّاً كَثِيراً»، ثمَّ مَرَّ عَلَى قُبُورِ المُشْرِكِينَ فَقَالَ: «لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلاَءِ خَيْراً كَثِيراً» فَحَانَتْ مِنْهُ التِفَاتَةٌ، فَرَأَى رَجُلاً يَمْشِي بَيْنَ القُبُورِ فِي نَعْلَيْهِ فَقَالَ: «يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ أَلْقِهِمَا». أخرجه أبو داود والنسائي (1).
- ما يحرم فعله عند القبور:
1 - الذبح والنحر عند القبر، فإن كان الذبح لله فهو بدعة منكرة، والذبيحة حلال، وإن كان الذبح للميت فهو شرك أكبر، وأكل المذبوح حرام وفسق؛ لأنه لم يذكر اسم الله عليه.
1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} [الأنعام:121].
2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ عَقْرَ فِي الإسْلاَمِ» قَالَ عَبْدُالرَّزَّاقِ: كَانُوا يَعْقِرُونَ عِنْدَ القَبْرِ بَقَرَةً أَوْ شَاةً. أخرجه أحمد وأبو داود (2).
2 - البناء على القبور، وصبغها، والكتابة عليها، والجلوس عليها، والصلاة
_________
(1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3230) , وأخرجه النسائي برقم (2048)، وهذا لفظه.
(2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (13032) , وأبو داود برقم (3222) , وهذا لفظه.

(2/798)


عندها، والصلاة إليها، وإيقاد السرج والمصابيح عليها.
1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُجَصَّصَ القَبْرُ، وَأنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأنْ يُبْنَى عَلَيْهِ. أخرجه مسلم (1).
2 - وَعَنْ أبِي مَرْثَدٍ الغَنَوِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا». أخرجه مسلم (2).
3 - وَعَنْ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُجَصَّصَ القُبُورُ وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا وَأَنْ تُوطَأَ. أخرجه أبو داود والترمذي (3).
3 - لا يجوز تشجير المقابر؛ لما فيه من التشبه بالنصارى، ولأنه ذريعة إلى الغلو والتبرك.
4 - دعاء الميت، والاستغاثة به، وسؤاله قضاء الحاجات ونحو ذلك، كل ذلك من الشرك الذي حرمه الله ونهى عنه.
قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)} [الأحقاف:5].
5 - اتخاذ القبور عيداً، يسافر إليها، وتُقصد في أوقات معينة، ومواسم معروفة، للتعبد عندها، والذبح لأهلها، ونحو ذلك.
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُوراً وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيداً وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْث كُنْتُمْ».
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (970).
(2) أخرجه مسلم برقم (972).
(3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3225) , والترمذي برقم (1052) , وهذا لفظه.

(2/799)


أخرجه أحمد وأبو داود (1).
- حكم قراءة القرآن عند القبور:
المقابر ليست موضعاً للقراءة، وإنما هي للسلام على الأموات، والدعاء لهم، والاتعاظ بالموت والأموات، وتذكر الآخرة.
وقد علّمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ما نقول ونفعل عند زيارة القبور، وكل ما سوى ذلك فهو بدعة مردودة على من أحدثها، ويحمل وزرها وأوزار من اتبعه عليها.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (2).
- حكم سب الأموات:
1 - لا يجوز سب أموات المسلمين؛ لأنهم أفضوا إلى ما قدموا، ولأن سب الأموات يؤذي أهلهم الأحياء، وسب الأموات يجري مجرى الغيبة وهو محرم.
2 - الأموات الكفار والمبتدعة والفساق يجوز ذكر مساوئهم للتحذير منهم، والتنفير من أعمالهم ونحو ذلك مما فيه مصلحة شرعية؛ لئلا يُقتدى بهم.
وينبغي إذا سُبّ هؤلاء أن لا يُسبّ الميت في حضرة أقاربه؛ لئلا يتأذوا، ولئلا يعرض نفسه للسب أيضاً.
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا». أخرجه البخاري (3).
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8804) , وأبو داود برقم (2042) , وهذا لفظه.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , ومسلم برقم (1718).
(3) أخرجه البخاري برقم (1393).

(2/800)


2 - وَعَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْراً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَجَبَتْ». ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرّاً، فَقَالَ: «وَجَبَتْ». فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: «هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْراً، فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرّاً، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ». متفق عليه (1).
- حكم الاستغاثة بالأموات:
1 - الميت لا يُطلب منه شيء؛ لأنه ميت لا يقدر على شيء.
فلا يجوز لأحد أن يستغيث بالأموات والغائبين كأن يقول: يا سيدي فلان أغثني، أو اشفني، أو انصرني ونحو ذلك، وهذا كله من الشرك الأكبر.
2 - المستغيثون بالأموات عند القبور وغيرها هم من جنس عباد الأوثان، فالشيطان يضلهم ويغويهم، ويتصور لهم بصورة المستغاث به، ويخاطبهم مكاشفة، ويقضي بعض حوائجهم، كما تدخل الشياطين في الأصنام، وتكلم عابديها، وتقضي بعض حاجاتهم.
وهذا من أعظم الأسباب التي عُبدت بها الأوثان والأصنام.
3 - الكهان والسحرة تقترن بهم الشياطين؛ لما فيهم من الكفر والفسوق والعصيان، وتَظهر منهم الأحوال الشيطانية وتقوى بحسب ذلك، فيطيرون في الهواء، ويأتون بالأموال والطعام، ويحدِّثون بأمور غائبة، ولهم من الأحوال الشيطانية نصيب بحسب ما فيهم مما يرضي الشيطان.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1367) واللفظ له، ومسلم برقم (949).

(2/801)


- حكم تسوير المقابر:
يجوز تسوير المقبرة بجدار قصير ونحوه؛ لأن في ذلك صيانة وحماية لها، وليعتبر المارة عند مشاهدتها، ويدعون لأهلها، ولتحمى من عبث العابثين, وأفعال المبتدعين.
- حكم اتخاذ الحرس للمقابر:
الغالب أن المقابر لا تحتاج إلى حراس، لكن لو وجدت حاجة إلى الحراسة كالخوف من نبش القبور، ومن لا يعلم سبب موته ونحو ذلك، فيجوز وضع حرس عليها لحمايتها، ومعرفة من يدفن فيها.
- حكم الانتفاع بما في المقبرة:
يجوز قطع حشيش المقبرة للانتفاع به، أما رعي البهائم بين القبور فلا يجوز؛ لما فيه من امتهان أصحاب القبور.

(2/802)