موسوعة الفقه الإسلامي

4 - كتاب الزكاة
ويشتمل على ما يلي:
1 - الزكاة المفروضة، وتشتمل على ما يلي:
1 - الأموال التي تجب فيها الزكاة وتشمل:
1 - زكاة الذهب والفضة.
2 - زكاة الأوراق النقدية.
3 - زكاة عروض التجارة.
4 - زكاة بهيمة الأنعام.
5 - زكاة الحبوب والثمار.
6 - زكاة الركاز.
7 - زكاة المعادن.

2 - إخراج الزكاة.
3 - آداب إخراج الزكاة.
4 - أهل الزكاة.

2 - زكاة الفطر.
3 - صدقة التطوع.

(3/5)


أنواع الزكاة
- الزكاة التي شرعها الله ثلاثة أنواع:
1 - الزكاة الواجبة في الأموال، وتجب في سبعة أموال:
1 - الذهب والفضة.
2 - الأوراق المالية.
3 - عروض التجارة.
4 - بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم).
5 - الخارج من الأرض من حبوب وثمار.
6 - الركاز.
7 - المعادن.
2 - الزكاة الواجبة في الذمة، وهي زكاة الفطر التي تجب على كل مسلم في نهاية شهر رمضان.
3 - صدقة التطوع، وهي ما يخرجه المسلم إحساناً إلى غيره؛ طلباً لزيادة الأجر.

(3/7)


1 - الزكاة المفروضة
- حكمة مشروعية العبادات:
شرع الله سبحانه لعباده عبادات متنوعة في أوقات مختلفة.
منها ما يتعلق بالبدن كالصلاة، ومنها ما يتعلق ببذل المحبوب إلى النفس كالزكاة والصدقة، ومنها ما يتعلق بالبدن وبذل المال كالحج والجهاد، ومنها ما يتعلق بكف النفس عن محبوباتها كالصيام.
ونوَّع الله العبادات ليختبر العباد، وليعلم من يقدِّم طاعة ربه على هوى نفسه، ولئلا تمل النفوس، وتكل الأبدان، وليقوم كل واحد بما يسهل عليه، وتنشط له نفسه من واجب أو مسنون.
وجعل سبحانه هذه العبادات أسباباً ينال بها العباد مرضاة ربهم، ويكسبون بها عظيم الأجر والثواب، وتطمئن بها قلوبهم، وتزكوا نفوسهم، وتنشرح صدورهم، وتطيب حياتهم، وتصلح أحوالهم.
- الزكاة: هي التعبد لله تعالى بإخراج جزء واجب شرعاً، في مال معين، لطائفة أو جهة مخصوصة.
والزكاة نماء وزيادة وبركة، سميت بذلك؛ لأنها تزيد إيمان من أخرجها، وتزيد المال المخرج منه وتنمِّيه، وتطهر النفوس والأموال مما يضرها، وتطهر قلب من أخذها من الحقد والحسد.
وسميت الزكاة صدقة؛ لأنها دليل على صحة إيمان مؤديها وصِدْقه؛ لأن المال محبوب إلى النفس، ولا يخرجه إلا صادق الإيمان.

(3/8)


قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة:103].
- حكمة مشروعية الزكاة:
شرع الله عز وجل الزكاة عبودية للرب، وطهرة للنفس، وطهرة للمال، وإحساناً إلى الخلق، وزيادة في الأجر، وشكراً للرب.
1 - فالزكاة بذل محبوب النفس -وهو المال- من أجل محبوب الرب -وهو طاعته وعبادته- التي يحصل بها رضاه.
2 - في الزكاة تطهير للنفس من رذيلة الشح والبخل؛ ليعلو الإنسان على المال، ويكون سيداً له لا عبداً له، ومن هنا جاءت الزكاة لتزكي المعطي والآخذ وتطهرهما معاً.
3 - الزكاة تطهر المال من الأوساخ، وتقيه من الآفات، وتثمره وتنميه وتزيده زيادة حسية ومعنوية.
4 - الزكاة تسد حاجة الفقراء والمساكين، وترفع آفة الذل والفقر، وتقطع دابر الجرائم الخلقية والمالية كالسرقات، والنهب، والسطو.
5 - الزكاة جسر قوي يربط بين الأغنياء والفقراء، فتصفو النفوس، وتزول الأحقاد والبغضاء، ويرتفع الذل والفقر، وينعم الجميع بالأمن والمحبة والرحمة.
6 - الزكاة تزيد في حسنات مؤديها، وتكفر خطاياه، فهي تزيد المال كمية وبركة، وتزيد إيمان من أخرجها، وتزيد أعماله وحسناته، وتزيد أخلاقه حسناً وكمالاً وجمالاً، فيتعود السماحة، ويرتاض لأداء الأمانات، وإيصال الحقوق.

(3/9)


فهي بذل وعطاء، وكرم وسخاء، وذلك محبوب للرب، وللنفس، وللخلق.
7 - الزكاة سبب لدخول الجنة، والنجاة من النار، والأمن في الدنيا ويوم القيامة.
1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} [البقرة:261].
2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274].
- حكم الزكاة:
الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة.
والزكاة فرض عين على كل من توفرت فيه شروط وجوبها.
ولا تصح الزكاة من كافر ولا تقبل؛ لأنها عبادة، فلا تقبل إلا من مسلم.
ولا تجب على مملوك؛ لأنه وماله ملك لسيده.
ولا تجب في الأموال العامة كالأوقاف، وما ليس له مالك معين.
1 - قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)} [البقرة:110].
2 - وقال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة:103].
3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى

(3/10)


خمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفق عليه (1).
4 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذاً رَضيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى اليَمَنِ، فَقال: «ادْعُهُمْ إِلَى: شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أمْوَالِهِم، تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم». متفق عليه (2).
5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى المُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ». متفق عليه (3).
- قوة الزكاة:
كل شيء له قوة، وقوة الزكاة الزيادة والنماء والبركة.
فكل شيء زاد عدداً، أو نما حجماً، أو تبارك سعة فقد زكا.
والزكاة وإن كانت في ظاهرها نقص كمية المال، لكن آثارها المحسوسة زيادة المال بركة وكثرة وكمية.
فقد يفتح الله للعبد من أبواب الرزق ما لا يخطر بباله إذا قام بما أوجب الله من إخراج الزكاة والصدقات.
وفي الزكاة زيادة أخرى، وهي زيادة الإيمان في قلب صاحبها.
وهي كذلك تزيد في خلق الإنسان، فالزكاة بذل وعطاء، والبذل والعطاء
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8) , واللفظ له، ومسلم برقم (16).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1395) , واللفظ له، ومسلم برقم (19).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1463) , ومسلم برقم (982) , واللفظ له.

(3/11)


والكرم من الأخلاق التي تزيد قيمة المؤمن عند الله وعند الناس.
والإنفاق سواء كان واجباً أو تطوعاً يزيد في انشراح الصدر، وطمأنينة القلب.
والزكاة سبب لرفعة الدرجات، ومضاعفة الحسنات، وتكفير السيئات، ودخول الجنات.
1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274].
2 - وقال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} [البقرة:261].
3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَتَصَدَّقُ أحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، إِلا أخَذَهَا اللهُ بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أوْ قَلُوصَهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ، أوْ أعْظَمَ». متفق عليه (1).
- صفة المال الذي ينفع صاحبه:
المال لا ينفع صاحبه إلا إذا توفرت فيه ثلاثة شروط:
1 - أن يكون حلالاً طيباً في نفسه وكسبه.
2 - أن لا يشغل صاحبه عن طاعة الله ورسوله.
3 - أن يؤدي حق الله فيه من زكاة وصدقات.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1410) , ومسلم برقم (1014) , واللفظ له.

(3/12)


عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟». متفق عليه (1).
- المالك الحقيقي للمال:
الله جل جلاله خالق هذا الكون ومالكه، ويتصرف في ملكه كما يشاء، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه.
ونظام المال في الإسلام يقوم على أساس الاعتراف بأن الله وحده هو المالك الأصيل للمال، وله سبحانه وحده الحق في تنظيم قضية تملك الأموال، وإيجاب الحقوق في المال، وتحديدها وتقديرها، وبيان مصارفها، وطرق اكتسابها، وطرق إنفاقها.
1 - قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)} [آل عمران:26].
2 - وقال الله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)} [الحديد:7].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (91) , ومسلم برقم (1015) , واللفظ له.

(3/13)


- الحقوق المتعلقة بالمال:
الحقوق المتعلقة بالمال ثلاثة:
الأول: حق الله تعالى، ويقتضي هذا الحق التعبد لله باكتساب المال الحلال من طرق حلال، واستعماله في وجه حلال، وبذله في مرضاة الله عز وجل.
الثاني: حق الفرد، وذلك بالانتفاع بهذا المال فيما هو مباح شرعاً، والاستعانة به على طاعة الله وعبادته.
الثالث: حق الأمة، وذلك بأداء الزكاة الواجبة فيه، والإحسان إلى الفقراء والمساكين منه، وتأليف قلوب الشاردين عن الإسلام به.
- وقت فرض الزكاة:
فرض الله سبحانه الزكاة في أول الإسلام بمكة قبل الهجرة، وكان فرضها مطلقاً، ولم يحدد فيه المال الذي تجب فيه، ولا قدر ما ينفق فيه، ولا وقته، وإنما ترك الله ذلك لشعور المسلمين وسجيتهم في الكرم والإعطاء والإحسان كما قال سبحانه:
{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)} [المعارج:24 - 25].
وفي السنة الثانية من الهجرة لما امتلأت القلوب بالإيمان، وجاء التنافس في الأعمال الصالحة فرض الله عز وجل مقادير الزكاة، وبيّن الأموال التي تجب فيها، وأوقات إخراجها، وأحكامها التفصيلية النهائية.
وفي السنة التاسعة من الهجرة بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - السعاة والجباة لجبايتها وتوزيعها.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ

(3/14)


قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} [التوبة:60].
- فضائل الزكاة:
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)} [البقرة:277].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)} [الروم:39].
3 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274].
4 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا تَصَدَّقَ أحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلا يَقْبَلُ اللهُ إِلا الطَّيِّبَ، إِلا أخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً، فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أعْظَمَ مِنَ الجَبَلِ، كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أوْ فَصِيلَهُ». متفق عليه (1).
5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ،
وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إِنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1410) , ومسلم برقم (1014) , واللفظ له.

(3/15)


فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (1).
6 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أعْرَابيا أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ، إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجَنَّةَ. قال: «تَعْبُدُ اللهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، المَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ». قال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا أزِيدُ عَلَى هَذَا. فَلَمَّا وَلَّى، قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَرَّهُ أنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا». متفق عليه (2).
- مقادير الزكاة:
جعل الله عز وجل قدر الزكاة على حسب التعب في المال الذي تُخرج منه:
1 - الركاز: وهو ما وجده الإنسان مدفوناً بلا تعب، ويجب فيه الخمس = 20%.
2 - ما فيه التعب من طرف واحد، وهو ما سقي بلا مؤنة، ويجب فيه نصف الخمس، أي العشر = 10%.
3 - ما فيه التعب من طرفين (البذر والسقي) وهو ما سقي بمؤنة، ويجب فيه ربع الخمس، أي نصف العشر = 5%.
4 - ما يكثر فيه التعب والتقليب طول العام كالنقود، وعروض التجارة، يجب فيه ثمن الخمس، أي ربع العشر = 2.5%.
- شروط وجوب الزكاة:
تجب الزكاة في الأموال بأمرين:
وجود الشروط، وانتفاء الموانع.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1423) , واللفظ له، ومسلم برقم (1031).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1397) , واللفظ له، ومسلم برقم (14).

(3/16)


والشروط قسمان:
شروط فيمن تجب في ماله الزكاة، وشروط في المال نفسه.
1 - الشروط الواجبة في صاحب المال:
يشترط في صاحب المال الذي تجب فيه الزكاة شرطان:
الأول: الإسلام، فلا زكاة على الكافر حتى يسلم؛ لأن الزكاة عبادة مطهرة، والكافر لا طهرة له ما دام على كفره، فلا تقبل منه، ولكنه سيحاسب عليها يوم القيامة، وعلى تركه الإسلام وشرائعه.
قال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)} [التوبة:54].
الثاني: الحرية، فلا تجب الزكاة على العبد؛ لأنه وما عنده مال مملوك لسيده.
2 - الشروط الواجبة في المال الذي تجب فيه الزكاة:
يشترط في المال الذي تجب فيه الزكاة ما يلي:
1 - أن يكون المال من الأصناف التي تجب فيها الزكاة.
2 - أن يبلغ النصاب المقدر شرعاً.
3 - أن يحول الحول على المال إلا المعشرات.
4 - أن يكون المال مملوكاً لصاحبه ملكاً تاماً مستقراً، فلا زكاة في مال لا مالك له. ... فإذا نقص من هذه الشروط شرط لم تجب الزكاة.
- الذين تجب عليهم الزكاة:
تجب الزكاة في مال الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والعاقل والمجنون،

(3/17)


إذا كان المال مستقراً، وبلغ نصاباً، وحال عليه الحول، وكان المالك مسلماً حراً.
قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103].
- الذين لا تصح منهم الزكاة:
1 - الكافر لا تصح منه الزكاة، ولا تقبل منه؛ لأنها عبادة، لكنه سيحاسب على تركه الإسلام وشرائعه.
2 - العبد لا تجب عليه الزكاة ولا تصح؛ لأنه وما في يده ملك لسيده.
- ما لا يشترط له الحول من الأموال:
1 - الركاز، تجب الزكاة في قليله وكثيره، ولا يشترط له نصاب ولا حول.
2 - الخارج من الأرض كالحبوب والثمار، يزكى عند وجوده، كما قال سبحانه: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ... [الأنعام:141].
3 - ربح التجارة، حوله تابع لحول أصله.
4 - نتاج السائمة من بهيمة الأنعام، حوله تابع لحول أصله.
- حكم المال المستفاد أثناء الحول:
المال المستفاد في أثناء الحول ثلاثة أنواع:
1 - المال المستفاد من ربح المال الذي عنده كربح التجارة، ونتاج السائمة، فهذا يضم إلى أصله، ويعتبر حوله حول أصله.
2 - المال المستفاد من غير جنس المال الذي عنده، فمن ماله إبلاً، واستفاد ذهباً أو عقاراً بإرث أو بيع ونحو ذلك، فهذا المال المستفاد يعتبر له حول من يوم

(3/18)


استفادته إن كان نصاباً.
3 - المال المستفاد من جنس المال الذي عنده، لكن ليس من نماء المال الأول، كأن يكون عنده خمسون من الإبل، ومضى عليها بعض الحول، ثم يشتري خمسين أخرى، فهذا يضم المال المستفاد إلى النصاب، ولكن يجعل له حولاً يبدأ من تملكه له.
- حكم زكاة الوقف:
الوقف هو ما يوقفه الإنسان على غيره من مال ابتغاء وجه الله.
والأوقاف قسمان:
1 - الأوقاف العامة: وهي كل ما وقف على جهات خيرية عامة كالمساجد، والمدارس، والرباط، والمزارع ونحوها، فهذه ليس فيها زكاة.
وكل ما أعد للإنفاق في وجوه البر العامة فهو كالوقف لا زكاة فيه.
2 - الأوقاف الخاصة: وهي كل وقف على شخص أو أشخاص معينين كالوقف على أولاده وأقاربه، فهذه تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول.
- حكم زكاة الدين:
الديون نوعان:
1 - دين يرجى أداؤه، بأن يكون للإنسان دين على موسر مقر بالدين، فهذا الدين يخرج صاحبه زكاته في كل حول إذا بلغ نصاباً، وهذا هو الأفضل والأسلم،
وإن شاء أخر زكاته حتى يقضيه، ثم يزكيه لما مضى من السنين.
2 - دين لا يرجى أداؤه، بأن يكون على معسر، أو على جاحد، ولا بينة، فهذا إذا

(3/19)


قبضه زكّاه مرة واحدة لسنة واحدة عن كل ما مضى من السنين؛ لأن قبضه إياه يشبه تحصيل ما خرج من الأرض، يزكى عند الحصول عليه.
- حكم زكاة الأمانة:
من له أمانة عند غيره فيجب عليه إخراج الزكاة عنها؛ لأنها في حكم المال الموجود، ولا يحل لمن عنده أمانة أن يتصرف فيها إلا بإذن صاحبها.
فإن أنفقها الذي هي عنده، وكان فقيراً، فلا يجب على الإنسان أن يخرج زكاتها، لكن إذا قبضها صاحبها أخرج زكاتها لسنة واحدة عن كل ما مضى؛ لأنه أنظر المعسر، والإنظار كالصدقة: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} [البقرة:280].
- حكم زكاة المال المغصوب:
المال المغصوب، والمسروق، والضائع ونحو ذلك كل ذلك يزكيه صاحبه إذا رجع إليه وقبضه، ويبتدئ له حولاً جديداً تبدأ الزكاة منه؛ لأنه قبل ذلك لا يملك التصرف فيه.
- حكم زكاة المال المرهون:
إذا كان المال المرهون من الأموال الزكوية كالحلي وعروض التجارة ففيه الزكاة على صاحبه ربع العشر.
- حكم زكاة من عليه دين:
1 - الزكاة واجبة على كل من عنده مال زكوي، سواء كان عليه دين أم ليس عليه
دين، والدَّين لا يمنع إخراج الزكاة نهائياً؛ لأن الدَّين واجب في الذمة، والزكاة واجبة في المال، ولا علاقة للدين بالمال الذي وجبت زكاته، فعليه

(3/20)


أن يخرج الزكاة، وإذا احتاج المدين إلى ما يسدد دينه يعطى من الزكاة.
2 - الزكاة واجبة مطلقاً، ولو كان المزكي عليه دين يُنقِص النصاب، إلا ديناً وجب قبل حلول الزكاة، فيجب أداؤه، ثم يزكي ما بقي بعده من المال.
- الأموال التي لا تجب فيها الزكاة:
أموال الدولة العامة، والأوقاف العامة، وما أعد للإنفاق في وجوه البر، وما ليس له مالك معين، وكل ما أعد للقنية والاستعمال كالأثاث، والثياب، والدار، والدابة، والسيارة ونحو ذلك.
- الأموال التي تجب فيها الزكاة:
1 - الأثمان، وهما الذهب والفضة.
2 - الأوراق المالية.
3 - عروض التجارة.
4 - بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم).
5 - الخارج من الأرض من الزروع والثمار.
6 - الركاز.
7 - المعادن.
- حد الغنى:
الغنى درجات وأنواع، يفسَّر في كل باب بما يناسبه:
1 - الغني في باب الزكاة من عنده نصاب الزكاة.
2 - الغني في باب أهل الزكاة من عنده كفاية سنة.

(3/21)


3 - الغني في باب النفقات من عنده ما ينفقه على من تجب عليه مؤنته.
4 - الغني في باب زكاة الفطر من عنده ما يزيد على قوت يومه.
- فضل الزكاة:
الزكاة والنفقة الواجبة أفضل من صدقة التطوع؛ لأن أداء الفرائض أحب إلى الله من النوافل، ولأن الزكاة مزكية للنفوس، ومطهرة من الذنوب.
1 - قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة:103].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ قال: مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَألَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنَا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ». أخرجه البخاري (1).
- قيمة المال:
1 - المال قوام حياة الأفراد والجماعات، فيجب أن يوزع توزيعاً عادلاً يكفل لكل فرد كفايته، حتى لا يبقى فرد مضيَّع لا قوام له، ولهذا أمرنا الله بحفظه، وصرفه في مكانه اللائق به كما قال سبحانه: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ
اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)} [النساء:5].
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (6502).

(3/22)


2 - حث الإسلام على أفضل وسيلة لجمع المال وهي الكسب، وعلى أفضل وسيلة لتوزيعه بالعدل بإخراج الزكاة والصدقات التي ترفع مستوى الفقير إلى حد الكفاية، وتجلب المودة والمحبة.
3 - الزكاة حق من حقوق الفقراء في أموال الأغنياء، فليست منَّة يهبها الغني للفقير، وإنما هي حق استودعه الله الغني ليؤديه إلى أهله، وينال بذلك الأجر المضاعف.

(3/23)


1 - الأموال التي تجب فيها الزكاة
1 - زكاة الذهب والفضة
- حكم زكاة الذهب والفضة:
تجب الزكاة في الذهب الفضة سواء كانت نقوداً، أو سبائك، أو حلياً، أو تِبْراً، إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول.
1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} [التوبة:34 - 35].
2 - وَعَنْ أبي سَعِيدٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوْسُقٍ صَدَقَةٌ». متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَماً دِرْهَماً وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ فَإِذا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ». أخرجه أبو داود والترمذي (2).
- مقدار نصاب الذهب:
1 - يجب في الذهب إذا بلغ عشرين ديناراً فأكثر ربع العشر.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1405) , واللفظ له، ومسلم برقم (979).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1574) , والترمذي برقم (620) , وهذا لفظه.

(3/24)


2 - أقل نصاب الذهب خمس أواق = (20) ديناراً بالعدد.
والدينار = (20) مثقالاً بالوزن، والمثقال = (4.25) جراماً من الذهب.
فيكون أقل نصاب الذهب هو: 20×4.25=85 جراماً.
- كيفية إخراج زكاة الذهب:
1 - إذا بلغ الذهب النصاب وهو (85) جراماً فأكثر وجبت فيه الزكاة ربع العشر =2.5%.
2 - إذا أراد الإنسان إخراج الزكاة، ومعرفة مقدار الواجب يفعل ما يلي:
1 - يقسم مجموع جرامات الذهب على أربعين، والناتج هو مقدار الزكاة الواجبة.
فلو كان يملك (600) جرام من الذهب مثلاً:
600 ÷ 40 = 15 جراماً هو مقدار الزكاة الواجبة في هذا المال.
2 - أو يقسم الجرامات على (10)، ثم على (4) والحاصل هو مقدار الزكاة الواجبة:
600 ÷ 10 = 60 جرام، ثم 60 ÷ 4 = 15 جراماً هو الواجب عليه .. وهكذا.
3 - وإذا أراد الإنسان إخراج زكاة الذهب بالريال مثلاً.
ضرب سعر الجرام بالريال بمجموع الجرامات، ثم قسم الناتج على أربعين.
فإذا كان سعر الجرام الآن (50) ريالاً مثلاً نفعل ما يلي:
600 × 50 = 30.000 ريال، ثم يقسم على أربعين: 30.000 ÷ 40 = 750 ريالاً، هي مقدار الزكاة الواجبة، وهي قيمة (15) جرام بالريال .. وهكذا.

(3/25)


- مقدار نصاب الفضة:
1 - يجب في الفضة إذا بلغت بالعدد (200) درهم فأكثر، أو بالوزن (5) أواق فأكثر، ربع العشر = 2.5%.
2 - أقل نصاب الفضة بالوزن خمس أواق، وهي تساوي (595) جراماً من الفضة.
والأوقية بالعدد = (40) درهماً فيكون نصاب الفضة بالعدد:
5×40=200 درهم أقل نصاب الفضة.
- كيفية إخراج زكاة الفضة:
1 - إذا بلغت الفضة النصاب وهو (595) جراماً فأكثر بالوزن، أو مائتي درهم بالعدد فأكثر وجبت فيها الزكاة ربع العشر، فتقسم الجرامات أو الدراهم على أربعين، والناتج هو مقدار الزكاة الواجبة ربع العشر كما سبق.
2 - إذا كان الإنسان يملك (1600) جرام من الفضة مثلاً، ويريد إخراج زكاته يفعل هكذا:
1600 ÷ 40 = 40 جرام هو مقدار الزكاة الواجبة بالجرام.
3 - وإذا أراد الإنسان إخراج زكاة الفضة بالريال مثلاً، فإنه يضرب سعر جرام الفضة بالريال بمجموع الجرامات، ثم يقسم الناتج على أربعين كما سبق.
فإذا كان سعر جرام الفضة الآن (3) ريالات نفعل ما يلي:
1600 × 3 = 4800 ريال، ثم يقسم المبلغ على أربعين ليخرج مقدار الزكاة الواجبة هكذا: 4800 ÷ 40 = 120 ريالاً .. وهكذا.

(3/26)


- حكم ضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب:
1 - الذهب مال مستقل، والفضة مال مستقل، فلا يُضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب، كما لا يُضم البر إلى الشعير في تكميل النصاب؛ لأن الجنس لا يُضم إلى غيره.
2 - إذا كان الذهب والفضة عروض تجارة كما يفعله الصيارفة فيضم بعضها إلى بعض مع سائر الأموال الأخرى، وتخرج زكاتها ربع العشر.
- أحوال صناعة الذهب والفضة:
تصنيع الذهب والفضة له ثلاث حالات:
1 - إن كان القصد من التصنيع التجارة ففيه زكاة عروض التجارة ربع العشر؛ لأنه صار سلعة تجارية، فيقوَّم بنقد بلده، ثم يزكى.
2 - وإن كان القصد من التصنيع اتخاذه تحفاً كالأواني من أباريق، وصحون، وملاعق، وسكاكين ونحو ذلك، فهذا الاتخاذ محرم، لكن تجب فيه الزكاة إذا بلغ نصاباً ربع العشر.
3 - وإن كان القصد من التصنيع الاستعمال المباح أو الإعارة كالحلي ففيه الزكاة ربع العشر، إذا بلغ نصاباً، وحال عليه الحول.
- حكم زكاة الحلي المعد للاستعمال:
1 - الحلي من الذهب والفضة تجب فيه الزكاة مطلقاً، سواء كان ملبوساً، أو مدخراً، أو معداً للتجارة، إذا بلغ النصاب، وحال عليه الحول.
2 - يباح للنساء لبس ما جرت عادتهن بلبسه من غير إسراف ذهباً كان أو فضة، وعليهن إخراج زكاته كل عام.
3 - من جهل الحكم يلزمه إخراج الزكاة من حين علم، وما مضى من الأعوام قبل

(3/27)


العلم فليس فيه زكاة؛ لأن الأحكام الشرعية إنما تلزم بعد العلم بها.
1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} [التوبة:34 - 35].
2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلا فِضَّةٍ، لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ، فَأحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ». أخرجه مسلم (1).
3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعاً أقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ، يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أنَا مَالُكَ، أنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الآيةَ. متفق عليه (2).
- حكم زكاة ما سوى الذهب والفضة:
لا تجب الزكاة في الحلي ما سوى الذهب والفضة كاللؤلؤ، والألماس، والياقوت ونحوها إذا كانت للبس والاستعمال.
فإن كانت عروضاً معدة للتجارة ففيها الزكاة ربع العشر إذا بلغت نصاب الذهب أو الفضة، وحال عليها الحول.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (987).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1403) , واللفظ له، ومسلم برقم (987).

(3/28)


2 - زكاة الأوراق النقدية
- بداية الأوراق النقدية:
كان تعامل الناس قديماً بالذهب والفضة يشترون بها السلع، ويقدِّرون بها ثمن الأشياء.
وفي هذا العصر قلَّ تعامل الناس بهما في تقدير قيمة الأشياء، وبيع السلع وشرائها، حيث استبدلوا بهما العملات الورقية في دفع قيمة السلع والأشياء، وأصدرت كل دولة عملة ورقية خاصة بها، لها قيمة مالية، وحلّت محل الذهب والفضة في التعامل والبيع والشراء.
- أنواع العملات النقدية:
الأوراق النقدية تسمى بالأوراق المالية، وتسمى بالعملات الورقية، وقد أصدرت كل دولة عملة خاصة بها، تختلف قيمتها وقوتها وفئاتها من بلد لآخر، يتعامل بها الناس فيما بينهم في الداخل والخارج، ويصرف ويستبدل بعضها ببعض، حسب اتفاق بين دول العالم، جعلها مقبولة في التعامل والصرف في أي بلد.
ومن هذه الأوراق المالية المتداولة حالياً:
الريال، والدرهم، والدينار، والدولار، والجنيه، والليرة، والروبية، واليّن، والفرنك وغيرها.
وقد تم إصدارها بفئات مختلفة حسب الحاجة والطلب؛ تيسيراً على الناس في التعامل والحمل، والعد، والتسليم، والصرف.

(3/29)


ومن هذه الفئات المتداولة:
فئة (1) (5) (10) (20) (50) (100) (200) (1000) (5000) (10000) (50000) (100000) (500000) وغيرها.
- قيمة الأوراق النقدية:
الأوراق النقدية نقد قائم بذاته؛ لأن الثمنيّة غير مقصورة على الذهب والفضة، والدرهم والدينار لا يُعرف له حد طبيعي ولا شرعي، بل مرجعه إلى العادة والعرف.
فإذا اصطلح الناس على جَعْل شيء ثمناً أخذ حكم الأثمان.
وقد اصطلح الناس في هذا العصر على اعتبار الأوراق النقدية عملة ذات قيمة مالية، سارية المفعول بين الأشخاص والدول.
- حكم زكاة الأوراق النقدية:
1 - الأوراق النقدية نقد قائم بذاته كالذهب والفضة في وجوب الزكاة، وجريان الربا، والصرف.
2 - تجب الزكاة في الأوراق النقدية إذا بلغت نصاب أحد النقدين الذهب والفضة، وحال عليها الحول.
3 - الزكاة في الأوراق النقدية واجبة مطلقاً كالذهب والفضة، سواء قُصد بها التجارة أم لم يقصد، إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول، وكانت مملوكة له؛ لأنها مال اصطلح الناس على تملكه، والتعامل به.
1 - قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة:103].

(3/30)


2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: بَعَثَ مُعَاذاً رَضيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى اليَمَنِ، فَقال: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أمْوَالِهِم، تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم». متفق عليه (1).
- مقدار نصاب الأوراق النقدية:
نصاب الأوراق النقدية الذي تجب فيه الزكاة هو نصاب الذهب والفضة، فتقوّم بنصاب أحد النقدين.
فإذا كان نصاب الذهب (85) جراماً، وقيمة الجرام وقت إخراج الزكاة (40) ريالاً سعودياً مثلاً:
فنضرب نصاب الذهب بقيمة الجرام، والناتج هو أقل نصاب الأوراق النقدية هكذا.
85×40=3400 ريال، وزكاتها الواجبة ربع العشر (85) ريالاً = 2.5% إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول.
- كيفية إخراج زكاة الأوراق النقدية:
إخراج زكاة الأوراق النقدية كالذهب والفضة، وعروض التجارة، يجب فيها العشر، وإخراجها له عدة طرق:
1 - إذا كان المال المملوك مثلاً (40.000) ريال، يقسم على أربعين فيخرج ربع العشر (2.5%)، وهو مقدار الزكاة الواجبة هكذا:
40.000÷40=1000 ريال.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1395) , واللفظ له، ومسلم برقم (19).

(3/31)


2 - أو يقسم المال على (10)، والناتج يقسم على (4) والناتج هو ربع العشر مقدار الزكاة الواجبة هكذا.
40.000 ÷ 10 = 4000 ريال، ثم نقسم: 4000 ÷ 4 = 1000 ريال.
3 - أو يضرب مجموع المال السابق في (2.5)، ثم يقسم على (100) والناتج هو مقدار الزكاة الواجبة ربع العشر هكذا:
40.000× 2.5 =100.000 ريال، ثم يقسم على 100:
100.000 ÷ 100 = 1000 ريال ... وهكذا.
- كيفية زكاة الرواتب:
الموظف أو العامل الذي يتقاضى راتباً شهرياً أو أسبوعياً، ويوفِّر منه، الأَوْلى والأحسن أن يزكي عن جميع ما يملكه من النقود الموجودة حينما يحول الحول على أول نصاب ملكه منها.
فيكون قد أخرج زكاة ما حال عليه الحول، وعجل زكاة ما لم يحل الحول عليه، وتعجيل الزكاة قبل تمام الحول جائز، بل مستحب، لا سيما إذا دعت الحاجة أو المصلحة إليه.
وهذا أعظم لأجره، وأرفع لدرجته، وأوفر لراحته، وإيثار مصلحة الفقراء.
وإن لم تطب نفسه بذلك، حسب بداية كل مبلغ يوفره، ثم أخرج زكاته بعد مضي الحول عليه من تاريخ تملكه إياه، وبلوغه النصاب.
- كيفية إخراج زكاة الصداق:
صداق المرأة - وهو مهر زواجها - مال كسائر الأموال.
1 - إن قبضته، وبلغ النصاب، وحال عليه الحول، أخرجت زكاته ربع العشر.

(3/32)


2 - إن كان صداق المرأة مؤجلاً فلا يخلو كالدين من أمرين:
إن كان زوجها موسراً وفيّاً وجب عليها إخراج زكاة المهر المؤجل، وإن كان زوجها معسراً وجب عليها إخراج زكاته إذا قبضته لسنة واحدة.
3 - إذا قبضت المرأة صداقها، ثم طلقها زوجها قبل الدخول، وقد بلغ المهر النصاب، وحال عليه الحول، فلها نصف المهر، وتخرج زكاة نصف المهر، ويخرج الزوج زكاة النصف الثاني.
- كيفية إخراج زكاة الآجار:
من أجر داراً أو أرضاً أو محلاً فإن المؤجِّر يملك الأجرة من حين العقد، وتجب الزكاة في أجرتها إذا بلغت نصاباً، وحال عليها الحول من حين بدء العقد.
وزكاة العين المؤجرة ربع العشر من كامل الأجرة = 2.5%.
فلو أجر أرضاً بـ (120) ألف ريال، تقسم الأجرة على أربعين، والناتج هو مقدار الزكاة الواجبة: 120.000÷40=3000 ريال.

(3/33)


3 - زكاة عروض التجارة
- عروض التجارة: هي كل ما أعد للبيع والشراء لأجل الربح.
- أنواع عروض التجارة:
عروض التجارة هي كل ما أعد للبيع والشراء بقصد الربح من الأموال، والأراضي، والأطعمة، والحيوانات، والآلات، والسيارات، والمعادن، والملابس، والمباني وغيرها من الأشياء كالأسهم.
وهي أعم أموال الزكاة وأوسعها، وأكثر تجارة الناس في هذه العروض.
- حكم زكاة عروض التجارة:
تجب الزكاة في جميع الأموال والأشياء إذا كانت للتجارة، وبلغت النصاب، وحال عليها الحول، فالأصل في الأموال وجوب الزكاة إلا ما استثناه الدليل.
والتاجر إنما يريد الحصول على الأموال بواسطة البيع والشراء في السلع، فهي أموال تُقلّب، والهدف الحصول على الربح.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة:267].
2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)} ... [المعارج:24 - 25].
3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: بَعَثَ مُعَاذاً رَضيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى

(3/34)


اليَمَنِ، فَقال: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أمْوَالِهِم، تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم». متفق عليه (1).
- شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة:
يشترط لوجوب الزكاة في عروض التجارة ما يلي:
أن يقصد بها التجارة، وأن تبلغ نصاب أحد النقدين الذهب والفضة، وأن يحول عليها الحول.
- مقدار زكاة عروض التجارة:
زكاة عروض التجارة هي ربع العشر، أي 2.5%.
يخرجها من كامل القيمة، أو من العروض نفسها.
- أحوال استعمال الأموال:
الأموال والأشياء التي يملكها الإنسان لها ثلاث حالات:
1 - البيوت والعقارات والسيارات والآلات ونحوها إذا كانت معدة للسكنى أو الاستعمال لا للتجارة، فلا زكاة فيها.
2 - إن كانت هذه الأشياء معدة للآجار فالزكاة على الأجرة ربع العشر من حين العقد إذا بلغت نصاباً، وحال عليها الحول قبل أن ينفقها.
3 - إن كانت معدة للتجارة وجبت الزكاة في قيمتها ربع العشر إذا بلغت نصاباً، وحال عليها الحول.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1395) , واللفظ له، ومسلم برقم (19).

(3/35)


وآلات المزارع والمصانع والمتاجر لا زكاة في قيمتها، وتجب الزكاة في أجرتها ربع العشر إذا بلغت نصاباً، وحال عليه الحول.
- كيفية إخراج زكاة عروض التجارة:
1 - إذا جاء موعد إخراج الزكاة ضم التاجر ماله بعضه إلى بعض: رأس المال، والأرباح، وقيمة البضائع، والديون المرجوة الأداء.
2 - يقوِّم البضائع التي يملكها، ويقدِّر قيمتها بحسب سعر السوق، ويجتهد في التقدير؛ لأنها عبادة، والإنسان مؤتمن على عبادته.
3 - يجمع قيمة البضائع والأشياء مع النقود، والديون التي له على الناس، ثم يؤدي ما عليه من ديون حالّة.
4 - يُخرج من المال الباقي الزكاة، ومقدارها ربع العشر.
5 - الأحسن أن يخرج زكاة عروض التجارة بالأوراق النقدية؛ لأن النصاب معتبر بالقيمة فيُخرَج منها كالعين من سائر الأموال الحب من الحب، والذهب من الذهب.
وإن شاء أخرج من العروض أو القيمة بحسب مصلحة الآخذ للزكاة، وحصول المنفعة الراجحة.
- حكم زكاة الأسهم:
الأسهم لها حالتان:
1 - إذا اشترى الإنسان الأسهم بقصد الاستمرار في التملك والاستثمار، وأَخْذ عائدها السنوي، فيخرج الزكاة ربع العشر على الأرباح دون رأس المال، إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول من حين الشراء.

(3/36)


2 - إن كان قصده المتاجرة في الأسهم بيعاً وشراءً فهي كعروض التجارة، تجب فيها الزكاة مع الأرباح ربع العشر إذا بلغت نصاب أحد النقدين، وحال عليها الحول من حين بدء الاستثمار والتداول، والمعتبر عند إخراج الزكاة قيمة الأسهم السوقية وقت وجوبها.
- كيفية إخراج زكاة الأسهم:
إذا ملك الإنسان (100) سهم في إحدى الشركات، وقيمة السهم عند الشراء (50) ريالاً، وعند وجوب الزكاة صارت قيمة السهم (500) ريال مثلاً، فيخرج الزكاة ربع العشر حسب قيمة السهم السوقية؛ لأن العبرة بقيمة الشيء عند وجوب الزكاة لا بشرائه.
1 - فإن كانت الأسهم للتجارة والتداول بالبيع والشراء، فيخرج الزكاة ربع العشر حسب قيمة الأسهم وقت وجوب الزكاة إذا حال عليها الحول .. هكذا:
100 × 500 = 50.000 ريال قيمة الأسهم السوقية.
الزكاة: 50.000 ÷ 40 = 1250 ريال، زكاة الأسهم 2.5 %.
2 - إن كانت الأسهم للاستثمار والتنمية لا للبيع، فالزكاة على الربح فقط ربع العشر كزكاة الأجرة .. هكذا:
قيمة الأسهم عند الشراء = 100 × 50 = 5000 ريال.
قيمة الأسهم السوقية = 100 × 500 = 50.000 ريال.
ربح الأسهم: 50.000 - 5000 = 45000 ريال.
زكاة الأرباح: 45000 ÷ 40 = 1125 ريال ربع العشر.

(3/37)


- أنواع زكاة الأسهم في الشركات:
1 - الشركات الزراعية:
1 - إن كان استثمارها في الحبوب والثمار ونحوها مما يكال ويدخر ففيها زكاة الحبوب والثمار بشروطها.
2 - إن كان في بهيمة الأنعام ففيها زكاة بهيمة الأنعام بشروطها.
3 - إن كان لها مال سائل، أو عروض تجارة، ففيه زكاة النقود ربع العشر بشروطها.
2 - الشركات الصناعية:
مثل شركات الأدوية، والكهرباء، والإسمنت، والحديد ونحوها، فهذه تجب الزكاة في صافي أرباحها ربع العشر، إذا بلغت نصاباً، وحال عليها الحول، كالعقارات المعدة للكراء، تجب الزكاة في أجرتها لا في عينها.
3 - الشركات التجارية:
مثل شركات الاستيراد والتصدير، وشركات المضاربة، وشركات التحويلات، ونحوها من شركات البيع والشراء مما يجوز التعامل به شرعاً.
فهذه تجب فيها زكاة عروض التجارة، تؤخذ من جميع رأس المال والأرباح، ومقدارها ربع العشر، إذا بلغت العروض النصاب، وحال عليها الحول.
- كيفية زكاة الأموال المحرمة:
الأموال المحرمة قسمان:
1 - إن كان المال حراماً بأصله كالخمر، والخنزير ونحوهما، فهذا لا يجوز

(3/38)


تملكه، وليس مالاً زكوياً، فيجب إتلافه، والتخلص منه.
2 - إن كان المال حراماً بوصفه لا بذاته، لكنه مأخوذ بغير حق ولا عقد كالمغصوب، والمسروق، أو مقبوض بعقد فاسد كالربا، والقمار ونحوهما:
فهذه الأموال وأمثالها لها حالتان:
1 - إن عَرف أهلها ردها عليهم، وهم يخرجون زكاتها بعد قبضها لعام واحد.
2 - وإن جَهِل أهلها تصدق بها عنهم، فإن ظهروا وأجازوا فالأجر له ولهم، وإن لم يجيزوا ضمنها لهم، وإن أبقاها في يده فهو آثم، وعليه زكاتها.
- حكم زكاة المساهمات العقارية والتجارية:
المساهمات التجارية، والمساهمات في العقار، كلها تجب فيها الزكاة كل سنة إذا بلغت النصاب؛ لأنها عروض تجارة، فتقدّر قيمتها كل سنة حين وجوب الزكاة، سواء كانت تساوي قيمة الشراء، أو تزيد، أو تنقص، ثم يخرج الزكاة ربع العشر من مجموع المال.
- حكم زكاة الأرض:
إذا كان عند الإنسان أرض ولم تباع، أو كان ينتظر ارتفاع قيمتها، فلا تزكى إلا عن سنة واحدة إذا تم البيع، ربع العشر من كل المال.

(3/39)


4 - زكاة بهيمة الأنعام
- بهيمة الأنعام هي الإبل، والبقر، والغنم.
- الحيوانات التي تجب فيها الزكاة:
الحيوانات قسمان:
الأول: ما تجب فيه زكاة بهيمة الأنعام، وهي السائمة من الإبل، والبقر، والغنم.
الثاني: ما لا تجب فيه الزكاة مطلقاً، وهو باقي الحيوانات كالخيل، والبغال، والحمير، والطيور وغيرها.
فإن كانت للتجارة ففيها زكاة عروض التجارة ربع العشر، إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول.
- أنواع بهيمة الأنعام:
بهيمة الأنعام ثلاثة أصناف: الإبل، والبقر، والغنم.
فتجب الزكاة في الإبل سواء كانت عِراباً، أو بخاتي -وهي التي لها سنامان-، وتجب الزكاة في البقر سواء كانت البقرة المعتادة، أو الجواميس، وتجب الزكاة في الغنم سواء كانت من الضأن، أو الماعز.
- حكم زكاة بهيمة الأنعام:
بهمية الأنعام من الإبل والبقر والغنم لها أربع حالات:
1 - أن تكون سائمة ترعى في كلإ مباح أكثر العام، ومعدة للدر والنسل، فهذه تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول.
2 - أن تكون للدر والنسل، لكن يشتري لها صاحبها العلف، أو يحصده أو

(3/40)


يجمعه لها، فهذه لا زكاة فيها؛ لأنها ليست من عروض التجارة، ولا من السوائم.
3 - أن تكون معدة للتجارة، فهذه فيها زكاة عروض التجارة إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول، سواء كانت سائمة، أو معلوفة، أو مركوبة.
4 - أن تكون عاملة كالإبل التي يؤجرها صاحبها للنقل، والبقر التي تؤجر للسقي والحرث، فهذه لا زكاة فيها، لكن تجب الزكاة في أجرتها إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول.
- شروط وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام:
يشترط لوجوب الزكاة في بهيمة الأنعام ما يلي:
1 - بلوغ النصاب.
2 - أن يحول الحول على النصاب.
3 - أن تكون سائمة ترعى أكثر الحول في الكلأ المباح.
- حكم زكاة الإبل:
تجب الزكاة في الإبل إذا كانت سائمة، وبلغت النصاب، وحال عليها الحول، وأقل نصاب الإبل خمس، فإذا بلغت خمساً فأكثر وجبت فيها الزكاة، ولا زكاة فيما دونها.
1 - عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ مِنَ الإبِلِ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوَاقٍ صَدَقَةٌ،
وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ صَدَقَةٌ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1447) , واللفظ له، ومسلم برقم (979).

(3/41)


2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ هَذَا الكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى البَحْرَيْنِ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ، الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أمَرَ اللهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلا يُعْطِ: «فِي أرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإبِلِ فَمَا دُونَهَا، مِنَ الغَنَمِ، مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، إِذَا بَلَغَتْ خَمْساً وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتّاً وَثَلاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتّاً وَأرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ -يَعْنِي- سِتّاً وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلا أرْبَعٌ مِنَ الإبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إِلا أنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْساً مِنَ الإبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ». أخرجه البخاري (1).
3 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أعرابيّاً سَألَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الهِجْرَةِ، فَقال: «وَيْحَكَ، إِنَّ شَأنَهَا شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ تُؤَدِّي صَدَقَتَهَا». قال: نَعَمْ، قال: «فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ البِحَارِ، فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئاً». متفق عليه (2).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1454).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1452) , واللفظ له، ومسلم برقم (1865).

(3/42)


- أنصبة الإبل ومقدار زكاتها الواجبة:
من ... إلى ... مقدار الزكاة الواجبة
1 4 ... ليس فيها زكاة
5 9 ... شاة واحدة
10 14 ... شاتان
15 19 ... ثلاث شياه
20 24 ... أربع شياه
25 35 ... بنت مخاض، وهي أنثى الإبل التي أتمت سنة
36 45 ... بنت لبون، وهي أنثى الإبل التي أتمت سنتين
46 60 ... حقة، وهي أنثى الإبل التي أتمت ثلاث سنين
61 75 ... جذعة، وهي أنثى الإبل التي أتمت أربع سنين
76 90 ... بنتا لبون
91 120 ... حقتان

ويستقرالنصاب في الإبل إذا زادت على مائة وعشرين، فإذا زادت على مائة وعشرين فالواجب في كل (40) بنت لبون، وفي كل (50) حقة، وما دون العشر عفو، فإذا كملت عشراً انتقلت الفريضة ما بين الحقاق وبنات اللبون.
ففي (121) ثلاث بنات لبون.
وفي (130) حقة وبنتا لبون.
وفي (140) حقتان وبنت لبون.
وفي (150) ثلاث حقاق.
وفي (160) أربع بنات لبون.

(3/43)


وفي (170) ثلاث بنات لبون وحقة.
وفي (180) بنتا لبون وحقتان.
وفي (190) ثلاث حقاق وبنت لبون.
وفي (200) أربع حقاق، أو خمس بنات لبون.
وهكذا كلما زادت عشراً تغيرت الفريضة.
- حكم من وجبت عليه سن ولم تكن عنده:
من وجبت عليه سن معينة من الإبل ولم تكن عنده تلك السن فهو مخير:
إما أن يخرج السن الذي تحته، ويعطي الساعي الذي يجمع الزكاة فوقها شاتين أو قيمتهما.
وأما أن يخرج السن الذي فوقه، ويأخذ من الساعي شاتين أو قيمتهما.
فمن وجبت عليه في الزكاة بنت مخاض ولم تكن عنده، أخرج بدلها بنت لبون، وأخذ من الساعي شاتين أو قيمتهما.
ومن وجبت عليه جذعة ولم تكن عنده، أخرج بدلها حقة، وجعل معها شاتين أو قيمتهما .. وهكذا.
وإن أخرج الواجب وزيادة فقد أدى الواجب، وله أجر الإحسان على الزيادة.
- حكم زكاة البقر:
تجب الزكاة في البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة، وما قبل ذلك لا زكاة فيه.
1 - عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى اليَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذ مِنَ البَقَرِ مِنْ كُلِّ ثلاَثِينَ تَبيعاً أَوْ تَبيعَةً وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً. أخرجه أبو داود

(3/44)


والترمذي (1).
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «فِي ثلاَثِينَ مِنَ البَقَرِ تَبيعٌ أَوْ تَبيعَةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (2).
- أنصبة البقر ومقدار زكاتها الواجبة:
من ... إلى ... مقدار الزكاة الواجبة
1 29 ... ليس فيه زكاة
30 39 ... تبيع أو تبيعة، وهو ما له سنة
40 59 ... مسنة، وهي ما تم له سنتان
60 69 ... تبيعان أو تبيعتان

ثم كل في (30) تبيع أو تبيعة من البقر.
وفي كل (40) مسنة، وما دون العشر عفو فإذا كملت عشراً انتقلت الفريضة ما بين التبيعة والمسنة.
ففي (50) مسنة.
وفي (60) تبيعان.
وفي (70) تبيع ومسنة.
وفي (80) مسنتان.
وفي (90) ثلاثة أتبعة.
وفي (100) تبيعان ومسنة.
وفي (110) مسنتان وتبيع.
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1576) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (623).
(2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (622) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1804).

(3/45)


وفي (120) أربع تبيعات، أو ثلاث مسنات .. وهكذا.
- حكم زكاة الغنم:
تجب الزكاة في الغنم إذا بلغت أربعين شاة فأكثر، وحال عليها الحول، سواء كانت من الضأن، أو المعز، أو الذكور، أو الإناث، أو الصغار، أو الكبار، ويضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب.
عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ هَذَا الكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى البَحْرَيْنِ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ، الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أمَرَ اللهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلا يُعْطِ: « ... وَفِي صَدَقَةِ الغَنَمِ: فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلاثِ مِائَةٍ فَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاثِ مِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلا أنْ يَشَاءَ رَبُّهَا». أخرجه البخاري (1).
- أنصبة الغنم ومقدار زكاتها الواجبة:
من ... إلى ... مقدار الزكاة الواجبة
1 39 ... ليس فيه زكاة
40 120 ... شاة واحدة ...
121 200 ... شاتان
201 399 ... ثلاث شياه
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1454).

(3/46)


فإذا زادت على ذلك ففي كل مائة شاة.
ففي (399) ثلاث شياه.
وفي (400) أربع شياه.
وفي (499) أربع شياه.
وفي (500) خمس شياه .. وهكذا.
- حكم إخراج الذكر في زكاة بهيمة الأنعام:
لا يجوز إخراج الذكر في الزكاة إلا في ثلاث مسائل:
1 - أن يكون النصاب كله ذكوراً.
2 - في زكاة البقر خاصة يجوز إخراج التبيع أو التبيعة.
3 - ابن اللبون والحِقّ والجذع يجزئ عن بنت مخاض عند عدمها.
عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ الَّتِي أمَرَ اللهُ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -: «وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَماً أوْ شَاتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا، وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ». أخرجه البخاري (1).
- حكم خِلطة الأموال:
1 - الخِلطة: هي الشركة التي تجعل الأموال كالمال الواحد.
وتجب الزكاة في مال الشركة كما تجب في مال الرجل الواحد بما يلي:
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1448).

(3/47)


1 - أن يكون كل من الشريكين مسلم حر.
2 - أن يبلغ المال المختلط النصاب.
3 - أن يحول الحول على المال.
4 - أن لا يتميز مال أحدهما عن الآخر.
2 - لا يجوز للمسلم أن يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة.
عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ: كَتَبَ لَهُ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ». أخرجه البخاري (1).
- أثر الخلطة في الزكاة:
الشركة تجعل المالين كالمال الواحد .. والشركة جائزة .. لكن إن كانت من أجل التهرب من الصدقة فهي غير جائزة، وفاعلها آثم، وذلك من الحيل المحرمة.
فالشركة قد تفيد الشريكين تخفيفاً، كأن يكون لكل منهما أربعون شاة، فإذا ضم مالهما صار ثمانين، زكاته شاة واحدة، ولو كانا منفردين لوجب على كل واحد شاة.
وقد يكون في الشركة تثقيلاً على الشريكين، كأن يكونا شريكين في (30)
بقرة، فيجب عليهما تبيع أو تبيعة، ولو كانا منفردين لم يجب عليهما شيء، وهكذا في سائر الأموال.
فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشريكين عن جمع مالهما تهرباً من الصدقة، وعن
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1450).

(3/48)


تفريقه تهرباً من الصدقة.
- صفة ما يؤخذ في زكاة بهيمة الأنعام:
1 - يؤخذ في زكاة بهيمة الأنعام الوسط، الذي لا ظلم فيه على الغني، ولا هضم فيه لحق الفقير، ويتحقق ذلك بأمرين:
الأول: على الساعي، فلا يأخذ خيار أموال الناس، فلا يأخذ الحامل، ولا الفحل، ولا التي ترضع ولدها، ولا السمينة المعدة للأكل، ونحو ذلك من كرائم الأموال، إلا أن تطيب نفس صاحبها بذلك.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ: «إِنَّكَ سَتَأتِي قَوْماً أهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى: أنْ يَشْهَدُوا أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأخْبِرْهُمْ أنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأخْبِرْهُمْ أنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ». متفق عليه (1).
الثاني: على المالك، فلا يعطي المالك شرار المال كالمريضة، والمعيبة، والهرمة، والكسيرة، والهزيلة ونحوها.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة:267].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1496) , واللفظ له، ومسلم برقم (19).

(3/49)


2 - يؤخذ في زكاة بهيمة الأنعام من الغنم الجذع من الضأن، وهو ما له ستة أشهر، والثنية من المعز، وهي ما لها سنة.
ويؤخذ من البقر تبيع أو تبيعة، وهو ما له سنة.
ويؤخذ من الإبل ما له سنة إلى أربع سنوات فأكثر حسب الواجب.
3 - زكاة بهيمة الأنعام وغيرها واجبة في عين المال، باقية في ذمة صاحبها حتى يؤديها لأهلها، فإذا تلف المال بغير تعد منه ولا تفريط سقطت عنه.
- أين تؤخذ زكاة بهيمة الأنعام:
تؤخذ زكاة بهيمة الأنعام في مكانها، ولا تجلب إلى المصدق.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ جَلَبَ وَلاَ جَنَبَ وَلاَ تُؤْخَذ صَدَقَاتُهُمْ إِلاَّ فِي دُورِهِمْ». أخرجه أحمد وأبو داود (1).
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (7012) وأخرجه أبو داود برقم (1591) وهذا لفظه.

(3/50)


5 - زكاة الحبوب والثمار
- أنواع الخارج من الأرض:
يخرج الله عز وجل من الأرض لعباده ما لا يحصيه إلا هو من النباتات، والأحجار، والمعادن، والبترول، والغاز وغيرها.
وقد سخر الله ذلك لعباده، ويسر لهم الانتفاع به، وأمرهم بالصدقة منه، ورغبهم في بذله في سبيل الله كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة:267].
- حكم زكاة الحبوب والثمار:
1 - تجب الزكاة في كل حب يكال ويدخر مما يزرعه الآدمي، إذا بلغ النصاب، سواء كان قوتاً أو لم يكن، كالقمح والبر، والشعير والذرة، والأرز والدخن، والفول والحمص، والعدس والفستق وغيرها من الحبوب.
2 - تجب الزكاة في كل ثمر يكال ويدخر كالتمر والزبيب ونحوهما إذا بلغ النصاب.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة:267].
2 - وقال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ

(3/51)


وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)} [الأنعام:141].
3 - وَعَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدَري رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوْسُقٍ صَدَقَةٌ». متفق عليه (1).
- ما لا تجب فيه الزكاة:
لا تجب الزكاة فيما يلي:
1 - الفواكه كالتفاح والبرتقال، والموز والمشمش، والمنجا والبطيخ، والرمان، والتوت وغيرها من الفواكه.
2 - الخضروات كالقرع، والبطاطس، والباذنجان، والفلفل، والبصل، والكراث، والطماطم وغيرها من الخضار.
3 - القطن، والعلف، والعشب، والزهور ونحوها.
4 - العسل، والصمغ ونحوهما.
5 - ما يخرج من البحر من الأسماك، والنبات، والأحجار ونحوها.
6 - إذا كان كل ما سبق للتجارة، وبلغت نصاب عروض التجارة، وحال عليها الحول، فهي عروض تجارة، فيها ربع العشر من كامل القيمة، وإن لم تكن للتجارة فلا زكاة فيها أصلاً.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1405) , واللفظ له، ومسلم برقم (979).

(3/52)


- شروط وجوب زكاة الحبوب والثمار:
يشترط في وجوب زكاة الحبوب والثمار ما يلي:
1 - أن تكون الحبوب والثمار مما يكال ويدخر.
2 - أن يبلغ المال النصاب، وهو خمسة أوسق = (612) كيلوجرام.
3 - أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة.
- مقدار نصاب الحبوب والثمار:
1 - تجب الزكاة في الحبوب والثمار إذا بلغت خمسة أوسق.
2 - الوسق = 60 صاعاً، والصاع النبوي = 2.40 كيلوجرام.
3 - نصاب الزكاة بالأوسق: خمسة أوسق.
نصاب الزكاة بالأصواع: 5 × 60 = 300 صاع.
نصاب الزكاة بالكيلوجرام: 300 × 2.40 = 612 كيلوجرام.
4 - الصاع النبوي = 2.40 كيلوجرام، فالإناء الذي يتسع لهذا يعادل الصاع النبوي، وهو ما يعادل أربعة أمداد متوسطة من البر.
- مقدار الزكاة الواجبة في الحبوب والثمار:
يختلف مقدار الزكاة الواجبة في الحبوب والثمار باختلاف طرق السقي كما يلي:
1 - العشر: ويجب في كل ما يسقى بلا مؤنة ولا كلفة إذا بلغ النصاب، كالذي يسقيه المطر، أو يشرب من مياه العيون والأنهار بلا كلفة، ويعادل 10% من المحصول.
2 - نصف العشر: ويجب في كل ما يسقى بمؤنة كمياه الآبار التي تُخرج بالآلات

(3/53)


والمكائن، أو بماء يشتريه للسقي، ويعادل 5% من المحصول.
3 - ثلاثة أرباع العشر: ويجب في كل ما يسقى بماء الآبار تارة، وتسقيه الأمطار تارة، إذا بلغ نصاباً، ويعادل 7.5%.
وإن جهل المقدار الغالب أخرج العشر احتياطاً؛ لأن الأصل وجوب العشر.
1 - عَنْ ابْنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أوْ كَانَ عَثَرِيّاً العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ». أخرجه البخاري (1).
2 - وَعَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «فِيمَا سَقَتِ الأَنْهَارُ وَالغَيْمُ العُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ العُشْرِ». أخرجه مسلم (2).
- وقت وجوب الزكاة:
وقت وجوب الزكاة في الحبوب والثمار إذا اشتد الحب، وبدا صلاح الثمرة.
وصلاح الثمر أن يحمر أو يصفر، وصلاح العنب أن يكون ليناً حلواً.
فإذا باعها صاحبها قبل بدو الصلاح فالزكاة على المشتري؛ لأن صاحبها أخرجها من ملكه قبل وجوب الزكاة.
وإن باعها بعد بدو الصلاح فالزكاة على صاحبها لا على المشتري؛ لأن الزكاة وجبت وهي ملكه.
- وقت إخراج الزكاة:
1 - يجب إخراج الزكاة من الحبوب بعد التصفية، ومن الثمار بعد الجفاف؛ لأنه
وقت الكمال، وحالة الادخار.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1483).
(2) أخرجه مسلم برقم (981).

(3/54)


2 - لا يشترط الحول في زكاة الحبوب والثمار؛ لأن الخارج نماء في ذاته، فوجبت فيه الزكاة يوم حصاده، كما قال سبحانه: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ... [الأنعام:141].
- حكم ضم الأجناس إلى بعضها لتكميل النصاب:
1 - الأصل أن يخرج زكاة كل جنس منه، ويجوز أن يضم أنواع الجنس الواحد بعضها إلى بعض لتكميل النصاب، فيضم أنواع الحنطة إلى بعضها، وأنواع الثمر إلى بعضه.
2 - لا تضم الأجناس بعضها إلى بعض لتكميل النصاب، فلا يضم البر إلى الشعير، ولا التمر إلى الزبيب، ولا الحمص إلى الفول ونحو ذلك.
3 - يجوز ضم محاصيل الجنس الواحد بعضه إلى بعض لتكميل النصاب إذا كان بعضه يبكر، وبعضه يتأخر، ما دام في عام واحد.
- وقت خرص النخيل والأعناب:
ينبغي للحاكم إذا بدا صلاح الحبوب والثمار أن يرسل السعاة لخرص ثمار النخيل والعنب، ليعرف مقدارها، ومقدار الزكاة الواجبة فيها على أصحابها، ويعرِّفهم بذلك.
- حكم زكاة النخيل:
1 - تجب الزكاة في ثمر النخيل إذا بلغت النصاب خمسة أوسق (612) كيلوجرام.
العشر فيما سقي بلا مؤنة .. ونصف العشر فيما سقي بمؤنة.
2 - ليس في الفسائل ولا في أمهاتها زكاة، ولكن إذا بيعت بالدراهم، وبلغت

(3/55)


النصاب، وحال عليها الحول، ففيها زكاة عروض التجارة ربع العشر.
3 - ليس في النخيل التي تغرس لقصد بيع ثمرتها زكاة، لكن الزكاة تجب في ثمرتها إذا بلغت النصاب.
4 - يخرج زكاة كل نوع منه إذا بلغ النصاب:
السكري من السكري، والبرحي من البرحي، والخلاص من الخلاص وهكذا، وذلك أبرأ للذمة، وأنفع للفقراء.
- صفة الزكاة التي يخرجها المالك:
1 - يخرج زكاة الحبوب والثمار من الوسط، لا الجيد ولا الرديء، إلا إن طابت نفسه بالجيد فيخرج أجود ما عنده، وهو أعظم أجراً.
2 - يخرج زكاة كل جنس ونوع منه، البر من البر، والثمر من الثمر، وإذا باعه وأخرج القيمة جاز، وينظر مصلحة الفقراء في إخراج العين أو القيمة.
3 - الزكاة معتبرة بالكمية والكيفية، فنقص الوصف فيها كنقص المقدار منها، كل ذلك لا يجوز.
- كيفية إخراج زكاة الحبوب والثمار:
1 - يجمع المزارِع ما تحصَّل من الحبوب والثمار، ثم يقضي ما عليه من دين حالّ، ويخرج ما أنفقه على الزرع والنخل من تكاليف البذر، والسماد، والحصاد، والجذاذ ونحو ذلك.
2 - يخرج الزكاة من الحب أو الثمر الباقي إذا بلغ النصاب وقدره خمسة أوسق = 612 كيلوجرام.
3 - إذا حصل المزارع (12000) كيلو من التمر من مزرعته، وعليه دين، ونفقات

(3/56)


بما يعادل قيمة (4000) كيلو، فتجب عيله زكاة (8000) كيلو من التمر فقط.
وكيفية إخراجها:
1 - إن كان السقي بلا كلفة ففيها العشر = 10% فتقسم على عشرة هكذا: 8000÷10=800 كيلو، هي مقدار الزكاة الواجبة.
2 - إن كان السقي بكلفة ففيها نصف العشر = 5% فتقسم على عشرين هكذا: 8000÷20=400 كيلو، هي مقدار الزكاة الواجبة .. وهكذا.
- حكم زكاة البساتين المؤجرة:
1 - تجب الزكاة العشر أو ربع العشر على مستأجر الأرض أو البساتين في جميع ما يخرج منها، من حب وثمر يكال ويدخر إذا بلغ الخارج منها النصاب؛ لأن الزكاة حق الزرع، فوجبت على المستأجر دون المالك.
2 - يخرج المستأجر الزكاة بعد أن يحسم آجار المزرعة السنوية، ثم يخرج الزكاة حسب ما سبق، العشر أو نصف العشر.
3 - مالك الأرض أو البستان يخرج زكاة أجرة الأرض أو البستان إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول من تاريخ عقد الإجارة، ومقدارها ربع العشر من الأجرة.
- حكم زكاة الزرع أو الثمر إذا تلف:
الزرع أو الثمر له حالتان:
1 - إن تلف الزرع أو الثمر قبل الوجوب فهذا لا زكاة عليه، سواء تلف بتعد، أو
تفريط أو غير ذلك.

(3/57)


2 - أن يتلف بعد الوجوب: فإن كان بتعد منه ضمن الزكاة، وإن تلف بلا تعد ولا تفريط لم يضمن.
والتعدي: فعل ما لا يجوز كأن يشعل النار فيه.
والتفريط: ترك ما يجب كأن يتركه ويهمله حتى جاء المطر فأفسده.
- حكم زكاة ما يخرج من البحر:
1 - كل ما يخرج من البحر كاللؤلؤ، والمرجان، والأسماك، وغيرها كل ذلك لا زكاة فيه، سواء قذفه البحر، أو استخرجه الإنسان.
2 - إن كان ما يُستخرج من البحر للتجارة فهو عروض تجارة، إذا بلغ النصاب، وحال عليه الحول، فيُخرج من قيمته ربع العشر.

(3/58)


6 - زكاة الركاز
- الركاز: ما وُجِد من دفن الجاهلية.
- حكم زكاة الركاز:
1 - الركاز الذي تجب فيه الزكاة هو ما وجد من دفن الجاهلية بعلامة تدل عليه.
2 - من وجد ركازاً ليس عليه علامة الكفر، ولا أنه من الجاهلية، فهذا لقطة يعرِّفه من وجده سنة، فإن وجد صاحبه سلمه له، وإن لم يجده فهو لمن وجده.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة:267].
- مقدار زكاة الركاز:
1 - يجب في الركاز إذا وجده الإنسان الخمس، وأربعة أخماسه لواجده من مسلم وكافر.
2 - يجب الخمس في قليله وكثيره، ولا يشترط له حول، ولا نصاب، فمتى وجده أخرج زكاته.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «العَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالبِئْرُ جُبَارٌ، وَالمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ». متفق عليه (1).
- مصرف الركاز:
يصرف خمس الركاز إلى إمام المسلمين، والإمام يصرفه في مصالح
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1499) , واللفظ له، ومسلم برقم (1710).

(3/59)


المسلمين كالفيء المطلق، سواء كان واجده مسلماً أو كافراً، والأربعة أخماس لواجده.
- ماذا يفعل من وجد كنزاً:
من وجد كنزاً فلا يخلو من إحدى خمس حالات:
1 - أن يجده في أرض موات، فهذا يخرج خُمسه، وله أربعة أخماسه.
2 - أن يجده في طريق مسلوك، أو قرية مسكونة، فهذا يعرِّفه سنة، فإن جاء صاحبه دفعه له، وإن لم يأت أحد فهو له.
3 - أن يجده في ملكه المنتقل إليه من غيره، فهذا له، فإن ادعاه المالك الأول ببينة فهو له.
4 - أن يجده في ملك غيره، فهو لصاحب الملك؛ لأن الأرض وما فيها ملكه.
5 - أن يجده في دار الحرب، فإن وجده بنفسه فهو ركاز يخرج خُمسه، وله أربعة أخماسه، وإن عثر عليه بمعونة جمع من المسلمين فهو غنيمة، حكمه حكمها.

(3/60)


7 - زكاة المعادن
- المعادن: هي كل ما يخرج من الأرض من غير جنسها مما له قيمة.
- أنواع المعادن:
المعادن التي خلقها الله في الأرض كثيرة وتنحصر في ثلاثة أنواع:
1 - المعادن الجامدة التي تذوب بالنار كالذهب والفضة، والحديد والنحاس، والرصاص والألمنيوم ونحوها.
2 - المعادن الجامدة التي لا تذوب بالنار كالياقوت، واللؤلؤ، والكحل، والملح، والجص، والنُّوَرَة ونحوها.
3 - المعادن السائلة كالبترول والقار والغاز ونحوها.
- حكم زكاة المعادن:
المعادن على اختلاف أنواعها إذا بلغت نصاب أحد النقدين فتجب فيها الزكاة.
إن استخرجها الشخص بنفسه أو مع غيره أخرج زكاتها، وإن كانت ملكاً للدولة فلا زكاة فيها؛ لأنها تعتبر من الأموال العامة التي لا مالك لها.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة:267].

(3/61)


2 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «العَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالبِئْرُ جُبَارٌ، وَالمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ». متفق عليه (1).
- مقدار زكاة المعادن:
1 - إذا كان ما يُستخرج من الأرض من المعادن ذهباً أو فضة فزكاته -كما تقدم- ربع العشر.
2 - إن كان ما يُستخرج من المعادن غير الذهب والفضة كالحديد والنحاس ونحوها من بقية المعادن، فإذا بلغت قيمته نصاب الذهب أو الفضة (85) جرام من الذهب، أو (595) جرام من الفضة، فزكاته كذلك ربع العشر.
3 - ينظر مصلحة الفقراء فيما يخرجه إما ربع عشر قيمته، أو ربع عشر عينه.
- وقت إخراج زكاة المعادن:
يجب إخراج زكاة المعادن ربع العشر من حين الحصول عليها، إذا بلغت النصاب؛ لأنها مال مستفاد من الأرض، فلم يُعتبر لها حول كالحبوب والثمار.
فمتى حازها الإنسان وملكها أخرج زكاتها مباشرة، فإن كانت أقل من النصاب فلا زكاة فيها، ولا يُضم جنس إلى غيره في تكميل النصاب.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1499) , واللفظ له، ومسلم برقم (1710).

(3/62)


2 - إخراج الزكاة
- أنواع أموال الزكاة:
الأموال التي تجب فيها الزكاة نوعان:
الأول: ما هو نام في نفسه كالحبوب والثمار، أو غير نام كالمعادن.
فهذه تجب الزكاة فيها عند الجني والحصاد إذا بلغت النصاب.
الثاني: ما يرصد للنماء والتجارة كالذهب والفضة، والأوراق النقدية، والمواشي، وعروض التجارة ونحوها.
فهذه لا زكاة في نصابها حتى يحول عليها الحول.
- أقل نصاب الأموال:
1 - أقل نصاب الذهب: (85) جراماً من الذهب.
2 - أقل نصاب الفضة: (595) جراماً من الفضة.
3 - أقل نصاب الأوراق النقدية: مثل نصاب الذهب والفضة.
4 - أقل نصاب عروض التجارة: مثل نصاب الذهب والفضة.
5 - أقل نصاب بهيمة الأنعام:
(5) من الإبل، (30) من البقر، (40) من الغنم.
6 - أقل نصاب الحبوب والثمار: (5) أوسق = (612) كيلوجرام.
7 - أقل نصاب المعادن: مثل نصاب الذهب والفضة.
8 - نصاب الركاز: الخمس في قليله وكثيره.

(3/63)


- وقت إخراج الزكاة:
1 - يجب إخراج الزكاة على الفور إذا حل وقت وجوبها إلا لمصلحة أو ضرورة.
2 - يجوز تعجيل الزكاة قبل وجوبها إذا ملك النصاب.
3 - يجوز إخراج الزكاة قبل سنة أو سنتين، وصرفها للفقراء على شكل رواتب شهرية إذا اقتضت المصلحة ذلك.
4 - من ملك أموالاً متفاوتة في الزمن كالرواتب، وآجار العقارات، والإرث ونحوها، أخرج زكاة كل مال بعد تمام حوله.
وإن طابت نفسه، وآثر جانب الفقراء وغيرهم، جعل لإخراج زكاته شهراً واحداً من شهور السنة كرمضان، وهذا أسهل عليه، وأعظم لأجره.
5 - إذا اجتمع عند المسلم نقود تبلغ النصاب فيجب عليه إخراج زكاتها بعد تمام الحول، سواء أعدها للنفقة، أو الزواج، أو شراء عقار، أو لقضاء دين أو غير ذلك.
- مكان إخراج الزكاة:
الأفضل إخراج زكاة كل مال في فقراء بلده.
ويجوز نقل الزكاة إلى بلد آخر لمصلحة، أو قرابة، أو شدة حاجة؛ لأن الأصل في الزكاة أنها تؤخذ من الأغنياء، وترد إلى الفقراء في البلد.
- حكم إخراج الزكاة:
1 - يجب على المسلم إخراج الزكاة فوراً عند وجوبها؛ لأنها عبادة تتعلق بها حقوق الخلق، فيحرم تأخيرها عن وقت الوجوب، فإن لم يتمكن من إخراجها في وقتها لأمر يتعلق به، أو بالمال، أو بمن تصرف إليه، جاز له

(3/64)


التأخير حتى يتمكن من أدائها.
2 - إذا مات من عليه الزكاة ولم يخرجها أخرجها الوارث من التركة قبل الوصية وقسمة التركة.
- حكم دفع الزكاة للحاكم:
1 - إذا طلب ولي الأمر الزكاة من الأغنياء وجب دفعها إليه، وتبرأ الذمة بذلك، ولهم أجرها، والإثم على من بدلها.
2 - يجوز للحاكم إذا كان عادلاً أميناً على مصالح المسلمين أن يأخذ الزكاة من الأغنياء ويصرفها في مصارفها الشرعية.
3 - يجب على الإمام بعث السعاة لقبض زكاة الأموال الظاهرة كالزروع والثمار، وسائمة بهيمة الأنعام ونحوها؛ لأن من الناس من يجهل وجوب الزكاة، ومنهم من يتكاسل، ومنهم من ينسى.
1 - قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة:103].
2 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذاً رَضيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى اليَمَنِ، فَقال: «ادْعُهُمْ إِلَى: شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أمْوَالِهِم، تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1395) , واللفظ له، ومسلم برقم (19).

(3/65)


- حكم ضمان الزكاة:
1 - الزكاة بعد وجوبها أمانة في يد المزكي يجب عليه إخراجها، فإذا تلفت:
فإن تعدى، أو فرط ضمن، وإن لم يتعد، ولم يفرط لم يضمن.
2 - الزرع إذا هلك بآفة سماوية قبل حصاده، والثمرة إذا تلفت قبل الجذاذ، والمال إذا تلف قبل تمام الحول، فالزكاة تسقط فيما تلف.
3 - إن تلف المال بعد وجوب الزكاة فيه بآفة سماوية كالنار أو الرياح ونحوهما:
فإن كان تمكَّن من إخراجها ولم يخرجها فعليه إخراجها، وإن لم يتمكن من إخراجها سقطت.
- حكم تعجيل الزكاة قبل وجوبها:
يجوز تعجيل الزكاة وإخراجها قبل الحول، وقبل عام أو عامين، خاصة في وقت حاجة الفقراء والمساكين، وأوقات الشدة والمجاعة، والكوارث ونحو ذلك مما تتحقق به مصالح المسلمين، وما يرفع الشدة والبأساء عن الفقراء.
- كيفية توزيع الزكاة:
يجوز أن يعطى الجماعة من الزكاة ما يكفي الواحد وعكسه، ويجوز أن يعطي صنفاً دون صنف، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، والأحوال، والحاجات.
والأفضل ما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين، وما يسد حاجة الفقراء والمساكين.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ

(3/66)


وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} [التوبة:60].
- حكم المال غير المقدور عليه:
المال غير المقدور عليه لا زكاة فيه حتى يقبضه.
فمن له مال لم يتمكن من قبضه بسبب غير عائد إليه كنصيبه من عقار، أو إرث، فلا زكاة فيه حتى يقبضه، فإذا قبضه زكاه عما مضى لسنة واحدة.
- صفة زكاة المال:
الله عز وجل يأمر بالعدل والإحسان، فإذا كان المال متساوياً كالنقود أخرج الواجب منه، وإن كان المال مختلفاً كالحب، والثمر، وبهيمة الأنعام أخرج الزكاة من أوسط المال، لا من أحسنه، ولا من رديئه.
فلا يخرج أحسن المال، ولا أجود ثماره، إلا إذا طابت نفسه بذلك، كما لا يجوز إخراج الرديء عن الجيد، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة:267].
- حكم إخراج الزكاة عن الغير:
السنة أن يخرج الإنسان زكاة ماله بنفسه، فلا يجوز لأحد أن يخرج زكاة غيره عنه إلا بتوكيل منه؛ لأن الزكاة من العبادات الكبيرة، وكل عبادة لا يجوز فعلها إلا بنية، وهي لم تحصل من صاحبها، فلا يجزئ إخراجها عنه.
عَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا

(3/67)


يُصِيبُهَا أوْ إلَى امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ». متفق عليه (1).
- حكم نقل الزكاة إلى بلد آخر:
1 - زكاة المال تتعلق بالمال فيخرجها في بلده، وزكاة الفطر تتعلق بالبدن فيخرجها المسلم حيثما وجد.
2 - الأَوْلى أن تؤدى زكاة المال في البلد الذي فيه المال؛ لأنه محل أطماع الفقراء، وهو أيسر للدفع، وهم أقرب إليه من البعيد، والأقارب أولى من الأباعد.
3 - يجوز نقل الزكاة إلى بلد آخر لمصلحة شرعية راجحة كأن يكون في البلد الآخر أقارب فقراء لمن عليه الزكاة، أو يكون أهل البلد الآخر أشد حاجة، أو يكونوا أنفع للمسلمين، أو مجاهدون في سبيل الله، أو حلّت بهم نكبة، أو مجاعة، أو لم يكن في بلده فقراء ونحو ذلك.
4 - مقصود الزكاة تطهير النفوس من الشح والبخل، وسد حاجة الفقراء والمساكين، وحفظ الدين وإشاعته في العالم كله.
والله سبحانه حصر المستحقين دون أماكنهم فقال سبحانه:
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} ... [التوبة:60].
- حكم تأخير الزكاة:
1 - الزكاة ركن من أركان الإسلام، وعبادة من العبادات العظام، وهي قرينة
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

(3/68)


الصلاة في القرآن، فالصلاة أداء حق الخالق، والزكاة أداء حق المخلوق، فمن أخرهما عند وجوبهما فقد ظلم نفسه، وعصى ربه، وتعرض لسخطه.
2 - الزكاة كغيرها من أعمال الخير تكون في الزمن الفاضل أفضل، لكن متى وجبت الزكاة، وتم الحول، وجب على الإنسان أن يخرجها ولا يؤخرها؛ لأن الأصل في الواجبات القيام بها فوراً، وإذا طرأت على المسلمين حاجة، أو فاقة، أو حلت بهم نكبة، فالأفضل تقديم زكاة ماله؛ لحسن موقعها، وبالغ نفعها، وعظيم ثوابها.
- حكم منع الزكاة:
1 - من منع الزكاة جاحداً لوجوبها وهو عارف بالحكم كفر، وأُخذت منه، وقُتل إن لم يتب؛ لأنه مرتد.
وإن منعها بخلاً وتهاوناً لم يكفر، لكنه ارتكب إثماً عظيماً، فتؤخذ منه، وتصرف لأهلها.
2 - الزكاة عبادة لله عز وجل، وحق لأهل الزكاة، وإذا منع المسلم زكاته عن غيره كان منتهكاً لحقين:
حق الله تعالى، وحق أهل الزكاة.
فإذا تاب سقط حق الله؛ لأن الله تواب يحب توبة العبد، ويقبل توبته كما قال سبحانه:
{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)} [الشورى:25].
أما حق أهل الزكاة فلا بد أن يؤديه لهم؛ لأنه حقهم، وحبسه عنهم ظلم لهم،

(3/69)


والظلم من أعظم المحرمات.
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ». متفق عليه (1).
- عقوبة مانع الزكاة:
1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} [التوبة:34 - 35].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعاً أقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ، يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أنَا مَالُكَ، أنَا كَنْزُكَ» ثُمَّ تَلا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الآيةَ. أخرجه البخاري (2).
3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلا أحْمِيَ عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُجْعَلُ صَفَائِحَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبَاهُ وَجَبِينُهُ، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَ عِبَادِهِ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ». أخرجه مسلم (3).
4 - عَنْ أبِي ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، أوْ: وَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ -أوْ كَمَا حَلَفَ- مَا مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إِبِلٌ، أوْ بَقَرٌ، أوْ غَنَمٌ، لا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2400) , واللفظ له، ومسلم برقم (1564).
(2) أخرجه البخاري برقم (1403).
(3) أخرجه مسلم برقم (987).

(3/70)


يُؤَدِّي حَقَّهَا، إِلا أتِيَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، أعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأسْمَنَهُ، تَطَؤُهُ بِأخْفَافِهَا، وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، كُلَّمَا جَازَتْ أخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أولاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ». متفق عليه (1).
هذه عقوبة مانع الزكاة في الآخرة.
أما عقوبة مانع الزكاة في الدنيا فنوعان:
1 - عقوبة قدرية كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف:96].
2 - عقوبة شرعية، ولها حالتان:
إن كان مانع الزكاة في قبضة الحاكم أخذها منه قهراً، وسلمها لأهلها، وإن كان مانع الزكاة خارجاً عن قبضة الحاكم فعلى الحاكم أن يقاتله.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْتُخْلِفَ أبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ. قال عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ لأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أُمِرْتُ أنْ أقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَمَنْ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ». فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَاللهِ! لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلا أنْ رَأيْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أنَّهُ الحَقُّ. متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1460) , واللفظ له، ومسلم برقم (987).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1399) , ومسلم برقم (20) , واللفظ له.

(3/71)


3 - آداب إخراج الزكاة
- الزكاة عبادة من العبادات، سواء كانت واجبة، أو مستحبة.
وللزكاة والصدقة آداب وشروط لا تصح ولا تقبل ولا تكمل إلا بها، وهي كما يلي:
1 - أن تكون الصدقة خالصة لله عز وجل، لا يشوبها رياء ولا سمعة.
عَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». متفق عليه (1).
2 - أن تكون الصدقة من الكسب الحلال الطيب، فالله طيب لا يقبل إلا طيباً.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة:267].
3 - أن تكون الصدقة من جيد ماله وأحبه إليه.
قال الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)} [آل عمران:92].
4 - أن لا يستكثر ما تصدق به، وأن يستصغر عطيته ليسلم من العجب.
قال الله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)} [المدَّثر:6].
5 - أن يشكر الله على نعمة المال والإنفاق، ويجتنب الزهو والإعجاب.
قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

(3/72)


يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)} [الأنفال:26].
6 - أن يسر بالصدقة ولا يجهر بها إلا لمصلحة شرعية، ليسلم من الرياء.
قال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)} [البقرة:271].
7 - أن يسارع بالصدقة قبل حصول الموانع.
قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)} [المنافقون:10].
8 - أن يدفع الصدقة للأحوج، والقريب المحتاج أولى من غيره.
1 - قال الله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)} [الأنفال:75].
2 - عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ». أخرجه الترمذي والنسائي (1).
9 - أن يحذر مما يبطل الصدقة كالمن والأذى.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} ... [البقرة:264]
_________
(1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (658) , والنسائي برقم (2582) , وهذا لفظه.

(3/73)


10 - أن يعطي الصدقة مبتسماً بوجه بشوش ونفس طيبة، ويرضي السعاة.
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: إِنَّ نَاساً مِنَ المُصَدِّقِينَ يَأْتُونَنَا فَيَظْلِمُونَنَا، قال فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ». أخرجه مسلم (1).
11 - أن يكثر من الإنفاق في وجوه البر والخير، وذلك سبب لزيادة ماله.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا: اللهمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الآخَرُ اللهمَّ: أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً». متفق عليه (2).
12 - تنويع الصدقة حسب المصلحة وحاجة الفقراء.
قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)} [البقرة:245].
13 - الإكثار من الصدقة في أوقات الحاجة والأوقات الفاضلة.
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274].
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (989).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1442) , واللفظ له، ومسلم برقم (1010).

(3/74)


4 - أهل الزكاة
- أهل الزكاة:
الله عز وجل حكيم عليم، قد يعيِّن المستحق، وقدر ما يستحقه كالفرائض وأهلها.
وقد يعيِّن ما يُستحق دون من يستحقه كالكفارات، مثل كفارة الظهار، واليمين ونحوهما.
وقد يعيِّن المستحق دون قدر ما يستحقه كأهل الزكاة الذين لا يجوز صرفها إلا لهم، وهم ثمانية كما قال سبحانه:
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} [التوبة:60].
- أقسام أهل الزكاة:
أهل الزكاة من حيث تملُّك المال قسمان:
الأول: من يأخذ الزكاة بسبب يستقر الأخذ به وهو الفقر، والمسكنة، والعمل، والتأليف.
فمن أخذ من الزكاة بأحد هذه الأسباب شيئاً مَلَكه، وصرفه فيما يشاء كسائر أمواله.
الثاني: من يأخذ الزكاة بسبب لا يستقر به الملك وهو الكتابة، والغرم، والغزو، وابن السبيل.

(3/75)


فمن أخذها من هؤلاء صرفها في الجهة التي استحق الأخذ بها، وأعاد ما زاد عنها.
- جهات صرف الزكاة:
فرض الله عز وجل الزكاة لتحقيق أمرين عظيمين:
الأول: سد حاجة المسلمين.
الثاني: معونة الإسلام، وتقويته، وحفظه.
فلا تعطى الزكاة للكفار؛ لما في ذلك من تقويتهم، وإعانتهم على الباطل إلا المؤلفة ... قلوبهم.
ولا تعطى الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله تعالى؛ لأن الله فرضها معونة على طاعته، فلا تعطى لتارك الصلاة، ومقترف الكبائر والمحرمات، حتى يتوب إلى ربه.
أما من أظهر بدعة، أو فجوراً، فإنه يستحق العقوبة، فلا يجوز أن يعطى من الزكاة ما يستعين به على إظهار بدعته وفجوره.
قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2].
- من تعطى الزكاة:
الزكاة إنما تدفع إلى أحد شخصين:
إما محتاج إليها كالفقراء، والمساكين، وفي الرقاب، والغارم لقضاء دينه، وابن السبيل.
وإما لمن يحتاج إليه المسلمون كالعامل في جبايتها، والغازي في سبيل الله،

(3/76)


والمؤلفة قلوبهم، والغارم لإصلاح ذات البين.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} [التوبة:60].
- أصناف أهل الزكاة:
أهل الزكاة الذين يجب أن تصرف الزكاة لهم ثمانية فقط، وهم:
الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمون، وفي سبيل الله، وابن السبيل.
1 - الفقراء: وهم الذين لا يجدون شيئاً، أو يجدون بعض الكفاية، والفقير الذي يستحق الزكاة: هو الذي لا يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة.
ويختلف ذلك بحسب الزمان والمكان، حسب غلاء المعيشة ورخصها.
2 - المساكين: وهم الذين يجدون أكثر الكفاية أو نصفها.
ولفظ الفقراء إذا أُفرد دخل فيه المساكين، وكذا عكسه، فيطلق كل منهما على الآخر، وإذا اجتمعا في كلام واحد تميز كل منهما بمعنى.
3 - العاملون عليها: وهم جباتها، وحفّاظها، والقاسمون لها، فإن كان لهم رَزْق راتب من الإمام فلا يعطون من الزكاة.
4 - المؤلفة قلوبهم: وهم السادة المطاعون في قومهم.
والمؤلفة قلوبهم قسمان: مسلمون، وكفار.
فالمسلمون أربعة أقسام:
1 - سادة مطاعون في قومهم أسلموا لكن إيمانهم ضعيف، فيعطون من الزكاة

(3/77)


ترغيباً لهم، ليثبت الإيمان في قلوبهم.
2 - قوم لهم شرف ورئاسة أسلموا، فيعطون لترغيب نظرائهم من الكفار ليُسلموا مثلهم.
3 - قوم لهم قوة ورئاسة يراد بتأليفهم أن يجاهدوا من يليهم من الكفار، ويحموا من يليهم من المسلمين.
4 - قوم لهم شرف ومكانة وسلطة يراد بإعطائهم من الزكاة أن يَجْبوا الزكاة ممن لا يعطيها.
والمؤلفة قلوبهم من الكفار قسمان:
1 - كافر يرجى إسلامه، فيعطى من الزكاة لتميل نفسه إلى الإسلام.
2 - كافر يخشى شره، فيعطى لكف شره وشر غيره عن المسلمين.
5 - في الرقاب: وهم الأرقاء، والمكاتبون، فيعطون من الزكاة ليخلصوا من الرق.
وفك الرقاب على ثلاثة أقسام:
1 - المكاتَب المسلم الذي اشترى نفسه من سيده، فيعطى من الزكاة ما يعينه على فك رقبته من الرق.
2 - إعتاق الرقيق المسلم، فيعطى من الزكاة ليعتق من الرق.
3 - فداء الأسير المسلم من أيدي المشركين، فيعطى الكفار الذين أسروه من الزكاة ليفكوا أسره.
6 - الغارمون: الغارم هو من عليه دين.
والغارمون الذين يستحقون الزكاة ثلاثة أقسام:
1 - غارم لمصلحة نفسه، فهذا يعطى من الزكاة إن كان مسلماً، وعليه دين حالّ لا

(3/78)


يستطيع سداده.
2 - غارم لمصلحة غيره، كمن عليه دين بسبب الضمان.
فإذا كان الضامن والمضمون عنه معسرين فيعطى من الزكاة لسداد هذا الدين.
3 - الغارم لإصلاح ذات البين، كمن يصلح بين قبيلتين مختلفتين بماله، فهذا يعطى من الزكاة، سواء كان غنياً أو فقيراً؛ تشجيعاً له على مكارم الأخلاق، وصنائع المعروف، ولئلا تقل الرغبة في الإحسان والمواساة.
7 - في سبيل الله: وهم الغزاة المجاهدون في سبيل الله.
وسبيل الله الذي تُدفع فيه الزكاة أربعة أضرب:
1 - الغزاة في سبيل الله، وهؤلاء يعطون من الزكاة إذا لم يكن لهم راتب من الإمام، أولهم راتب لا يكفيهم، فيعطون ما يتجهزون به للغزو، وما يعينهم على الجهاد في سبيل الله.
2 - عدة القتال وما يحتاجه المجاهدون من آلات وسلاح، فيصرف من الزكاة لشراء ما يحتاجه المجاهدون من سيارات، وأسلحة تعينهم على قتال عدوهم من الكفار.
3 - الدعاة إلى الله، والمبلغون لدينه، والمعلمون لكتابه وشرعه، والمتفرغون لطلب العلم، فيعطون من الزكاة إذا كانوا فقراء، وليس لهم مرتب من الإمام، أو لهم رَزْق لا يكفيهم.
ويصرف من الزكاة لكل ما يعين على الدعوة، ونشر العلم، من طبع المصاحف، وكتب العلم النافعة ونحو ذلك.
4 - الحجاج الفقراء، فيعطى المسلم من الزكاة إذا كان فقيراً ليحج؛ لأن الحج في

(3/79)


سيبل الله.
عنْ أُمِّ مَعْقَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ أَبُو مَعْقَلٍ حَاجّاً مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا قَدِمَ قَالَتْ أُمُّ مَعْقَلٍ: قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ عَلَيَّ حَجَّةً فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ حَتَّى دَخَلاَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ عَلَيَّ حَجَّةً وَإِنَّ لأَبي مَعْقَلٍ بَكْراً، قَالَ أَبُو مَعْقَلٍ: صَدَقَتْ، جَعَلْتُهُ فِي سَبيلِ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَعْطِهَا فَلْتَحُجَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ فِي سَبيلِ اللهِ» فَأَعْطَاهَا البَكْرَ. أخرجه أبو داود (1).
8 - ابن السبيل: وهو المسافر المنقطع به سفره، وليس معه ما يوصله إلى بلده، فيعطى من الزكاة ما يكفيه للوصول إلى بلده ولو كان غنياً.
وابن السبيل ضربان:
1 - من انقطع به السفر، وليس معه ما يوصله إلى بلده.
2 - من كان في بلده، ويريد أن ينشئ سفراً لطاعة، أو مصلحة، ولا مال له.
فهذا يعطى من الزكاة ما يحتاجه، كمن يريد السفر للحج، والعلاج ونحو ذلك.
- من يقدم في الزكاة:
يجوز صرف الزكاة إلى صنف واحد من أهل الزكاة، ويجوز دفعها إلى شخص واحد من أهل الزكاة في حدود حاجته، وإن كانت الزكاة كثيرة فيستحب تفريقها على تلك الأصناف، ويبدأ بمن حاجته أهم وأشد وأقرب، ولا يجوز صرف الزكاة لغير الأصناف الثمانية.
- الذين يجوز أخذهم من الزكاة:
1 - يجوز أن تصرف الزكاة لمسلم يريد الزواج وهو فقير يريد إعفاف نفسه،
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1988).

(3/80)


ويجوز سداد دين الميت من الزكاة إن كان ورثته فقراء.
2 - ويجوز لمن له دين على فقير أن يعطي الفقير من زكاته إن لم يكن عن تواطؤ بينهما، بأن يعطيه ليسدد له، ولا يجوز إسقاط الدين واعتباره من الزكاة.
3 - إذا تفرغ قادر على الكسب لطلب العلم أو تعليمه فإنه يعطى من الزكاة؛ لأن طلب العلم نوع من الجهاد في سبيل الله، ونفعه متعد.
4 - يسن دفع الزكاة إلى فقراء المسلمين من أهل بلده، ويسن أن يعطي زكاته لأقاربه الفقراء الذين لا تلزمه نفقتهم كالإخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات ونحوهم.
- حكم الإخبار بالزكاة:
1 - من يُخرج الزكاة إذا كان يعلم أن فلاناً من أهل الزكاة، وأنه يقبل الزكاة، فهذا يعطيه ولا يخبره أنها زكاة؛ لعلمه بحاله، ولما في ذلك من الغضاضة عليه.
2 - إن كان صاحب المال لا يدري عنه، أو كان لا يقبل الزكاة، فهنا يخبره أنها زكاة؛ ليتأكد من محل صدقته الواجب.
- ما يقوله من أخذ الزكاة:
يسن لمن أخذ الزكاة أن يدعو لمن أعطاه بما يناسب الحال والمال مما ورد.
فيقول: «الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ». متفق عليه (1).
أو يقول: «اللهمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلانٍ». متفق عليه (2).
أو يقول: «اللهمَّ بَارِكْ فِيهِ وَفِي إِبلِهِ». أخرجه النسائي (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4166)، ومسلم برقم (1078).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1497)، ومسلم برقم (1078).
(3) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (2458).

(3/81)


يقول هذا مرة، وهذا مرة، إحياءً للسنة.
- حكم دفع الزكاة للكفار:
لا يجوز دفع الزكاة للكفار والمشركين إلا المؤلفة قلوبهم.
ويجوز أن يعطى الكفار من صدقة التطوع.
1 - قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)} [الإنسان:8].
2 - وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أمِّي، وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدِمَتْ عَلَيَّ أمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أفَأصِلُ أمِّي؟ قال: «نَعَمْ صِلِي أمَّكِ». متفق عليه (1).
- حكم دفع الزكاة لبني هاشم:
1 - بنو هاشم لا يحل لهم الأخذ من الزكاة المفروضة، ولا الكفارات؛ لأن الزكاة تطهير لأموال الناس من الأوساخ، وتطهير لنفوسهم من الذنوب، فهي غسالة الأوساخ والذنوب، فلا تليق بمنصب سيد الأنبياء والرسل وآله ومواليهم.
وقد كرم الله مقام النبوة وآله أن يكونوا محلاً للغسالة، وشرفهم عنها.
2 - بنو هاشم هم النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله الذين هم:
(آل أبي طالب) و (آل العباس) و (آل الحارث) و (آل أبي لهب) وكلهم أبناء عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أخَذَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا تمْرَةً
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2620)، ومسلم برقم (1003) , واللفظ له.

(3/82)


مِنْ تمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «كِخْ كِخْ». لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قال: «أمَا شَعَرْتَ أنَّا لا نَأكُلُ الصَّدَقَةَ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ عَبْدالمُطَّلِبِ بن رَبِيعَةَ وَالفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا هِيَ أوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلا لآلِ مُحَمَّدٍ». أخرجه مسلم (2).
- حكم دفع الزكاة للوالدين:
1 - يجب على الأولاد أن ينفقوا على آبائهم وأمهاتهم إذا احتاجوا.
2 - يجوز دفع الزكاة للوالدين وإن علوا إذا كانوا فقراء، وهو عاجز عن نفقتهم، ما لم يدفع بذلك واجباً عليه من النفقة فتحرم عليهم.
3 - إذا تحمل أحد الوالدين ديناً أو دية فيجوز أن يدفع له ابنه الزكاة، ويقضي عنه بها دينه، وهو أحق به.
قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} [الإسراء:23 - 24].
- حكم دفع الزكاة للأولاد:
1 - يجب على الآباء النفقة على أولادهم إذا احتاجوا.
2 - يجوز دفع الزكاة للأولاد إذا كانوا فقراء، وهو عاجز عن النفقة عليهم، ما لم
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1491) , واللفظ له، ومسلم برقم (1069).
(2) أخرجه مسلم برقم (1072).

(3/83)


يدفع بذلك واجباً عليه من النفقة فتحرم عليهم.
3 - إذا تحمل أحد الأولاد ديناً أو دية فيجوز لوالده أن يقضي عنه دينه من الزكاة، وهو أحق به.
4 - إذا كان الوالد أو الولد غنياً، وكان من الغزاة، أو من العاملين في جباية الزكاة، أو كان غارماً، فإنه يجوز للولد دفع الزكاة لوالده وعكسه.
والسبب: أن استحقاق الزكاة مقيد بوصف الفقر، والمسكنة، والعمالة، والتأليف، والغرم وهكذا، وكل من انطبق عليه هذا الوصف فهو من أهل الزكاة.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} [التوبة:60].
- حكم دفع الزكاة للأغنياء:
1 - الغني هو من يجد كفاف عيشه وعيش من يعولهم طول العام، إما من مال موجود، أو من تجارة، أو من صنعة ونحو ذلك.
2 - لا يجوز أن تُدفع الزكاة إلى غني إلا لخمسة:
إذا كان من العاملين عليها، أو من المؤلفة قلوبهم، أو من المجاهدين في سبيل الله، أو من الغارمين لإصلاح ذات البين، أو ابن سبيل منقطع.
3 - يجوز للغني أن يأكل من الزكاة إذا أهدى إليه الفقير منها، أو اشتراها الغني بماله.
1 - عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَحِلُّ

(3/84)


الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلاَّ لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ فِي سَبيلِ اللهِ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بمَالِهِ، أَوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى المِسْكِينِ فَأَهْدَاهَا المِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ». أخرجه أحمد وأبو داود (1).
2 - وَعَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلاَنِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَهُوَ يُقَسِّمُ الصَّدَقَةَ، فَسَأَلاَهُ مِنْهَا فَرَفَعَ فِينَا البَصَرَ وَخَفَضَهُ فَرَآنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: «إِنَّ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ». أخرجه أبو داود والنسائي (2).
- حكم دفع الزكاة للزوج:
1 - يجوز للزوجة أن تدفع زكاتها إلى زوجها إذا كان من أهل الزكاة؛ لأنه لا يجب على المرأة الإنفاق على زوجها، فيجوز لها دفع الزكاة له كالأجنبي؛ بل هو أحق.
1 - عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ زَيْنَبَ امْرَأةُ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّكَ أمَرْتَ اليَوْمَ بِالصَّدَقَةِ، وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي، فَأرَدْتُ أنْ أتَصَدَّقَ بِهِ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أنَّهُ وَوَلَدَهُ أحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ». متفق عليه (3).
2 - وَعَنْ بِلالٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ زَيْنَبَ امْرَأةِ عَبْدِاللهِ قَالتْ لهُ: سَلِ النَّبِيّ َ - صلى الله عليه وسلم -: أيَجْزِي عَنِّي أنْ أنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأيْتَامٍ لِي فِي حَجْرِي، فَقالَ: «نَعَمْ لَهَا
أجْرَانِ، أجْرُ القَرَابَةِ وَأجْرُ الصَّدَقَةِ». متفق عليه (4).
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (11538) , وأبو داود برقم (1636) , وهذا لفظه.
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1633) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (2598).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1462) , واللفظ له، ومسلم برقم (80).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1466) , واللفظ له، ومسلم برقم (1000).

(3/85)


- حكم دفع الزكاة للزوجة:
1 - زكاة الرجل لا يجوز أن تدفع إلى زوجته؛ لأن نفقتها واجبة عليه، فتستغني بها عن أخذ الزكاة.
2 - إذا كانت الزوجة عليها دين لا تستطيع سداده فيجوز لزوجها أن يعطيها من الزكاة من سهم الغارمين ما تسدد به ما عليها من الدين، وهي أحق من الأجنبي؛ لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة.
قال الله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)} [الأنفال:75].
- حكم صرف الزكاة في القُرَب:
فرض الله عز وجل الزكاة في ثمانية أصناف فقط، فلا يجوز صرفها فيما سواها كبناء المساجد، والمدارس، والسدود، والربط، وإصلاح الطرق ونحو ذلك من أعمال البر والخير؛ لأن الله عز وجل عين مصارف الزكاة، وهذه ليست منها.
- حكم الخطأ في الزكاة:
إذا أعطى المسلم الزكاة الواجبة أو صدقة التطوع لأحد يظنه أهلاً فبان أنه غير أهل للزكاة كأن يعطيها لغني يظنه فقيراً بعد الاجتهاد والتحري فإنها تجزئه، وتُقبل عند الله، وتنفع من أخذها؛ لأنه اتقى الله ما استطاع، واجتهد في التحري، والمجتهد إذا أخطأ فله أجر، وإذا أصاب فله أجران.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «قال رَجُلٌ: لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ

(3/86)


عَلَى سَارِقٍ، فَقال: اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ، لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقال: اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ؟ لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقال: اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ، وَعَلَى زَانِيَةٍ، وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأتِيَ: فَقِيلَ لَهُ: أمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ: فَلَعَلَّهُ أنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأمَّا الزَّانِيَةُ: فَلَعَلَّهَا أنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأمَّا الغَنِيُّ: فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ، فَيُنْفِقُ مِمَّا أعْطَاهُ اللهُ». متفق عليه (1).
- حكم تنمية أموال الزكاة:
1 - ما وجب من الزكاة يصرف فوراً لأهل الزكاة، ولا يجوز تأخيره عند الغني من أجل تنيمته والتجارة فيه لصالح فرد أو جميعة ونحوهما؛ لأنه حق لأهل الزكاة، فلا يجوز حبسه عنهم.
2 - إذا ملك الفقير الزكاة فله أن ينفقها على نفسه، أو يهديها، أو يبيعها، أو ينميها كما يفعل بسائر أمواله.
3 - إذا استلمت جمعية البر أو أي صندوق خيري أموال الزكاة فلا يجوز حبسها عن أهلها لتنميتها، بل تؤدى لأهلها فوراً.
4 - إذا جُمعت الصدقات من غير الزكاة لمصالح المسلمين فلا مانع من تنميتها، والتجارة فيها، وصرفها فيما بعد في أبواب البر على شكل رواتب، أو قروض، أو إعانات، أو بناء مساجد، أو طباعة كتب نافعة ونحو ذلك.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1421) , واللفظ له، ومسلم برقم (1022).

(3/87)


2 - زكاة الفطر
- زكاة الفطر: هي الصدقة التي تجب بالفطر من رمضان.
- وقت فرضها:
فرضت زكاة الفطر في السنة التي فُرض فيها صيام شهر رمضان، وهي السنة الثانية من الهجرة.
- حكمة مشروعية زكاة الفطر:
فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائمين مما أصاب صيامهم من النقص والخلل، وشكراً لله على إكمال عدة الصيام، وإشاعة السرور والفرح بين الأغنياء والفقراء في يوم العيد، بإطعام الجائعين، ومواساة المحتاجين.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ. أخرجه أبو داود وابن ماجه (1).
- حكم زكاة الفطر:
تجب زكاة الفطر على كل مسلم، ذكراً كان أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، حراً أو عبداً، إذا ملك صاعاً من طعام، فاضلاً عن قوته وقوت من تلزمه نفقته.
ويستحب إخراجها عن الجنين في بطن أمه.
1 - قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} [الأعلى:14 - 15].
_________
(1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1609) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1827).

(3/88)


2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قال: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الفِطْرِ، صَاعاً مِنْ تَمْرٍ أوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأمَرَ بِهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ. متفق عليه (1).
- أنواع زكاة الفطر:
1 - السنة إخراج زكاة الفطر من كل طعام يقتاته الناس كالبر، أو الشعير، أو التمر، أو الزبيب، أو الأقط، أو الأرز، أو الذرة، أو الدخن، أو غيرها من كل حب وثمر يقتات، ولا يجوز إخراج القيمة بدل الطعام إلا عند الحاجة.
2 - إذا كان قوت أهل البلد من غير الحبوب والثمار كاللبن، واللحم، والسمك، ونحوها فيُخرجون زكاة الفطر من قوتهم الحلال كائناً ما كان؛ لأن المقصود سد حاجة المساكين يوم العيد، ومواساتهم من جنس ما يقتات أهل بلدهم.
3 - أفضل أنواع هذه الأطعمة أنفعها للمتصدَّق عليه، وأحبها إليه؛ لأنه الذي يحصل به الإغناء المطلوب للمساكين في ذلك اليوم.
1 - عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ، صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، أوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، أوْ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أوْ صَاعاً مِنْ أقِطٍ، أوْ صَاعاً مِنْ زَبِيبٍ. متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الفِطْرِ صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ، وَالأقِطُ وَالتَّمْرُ. متفق عليه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1503) , واللفظ له، ومسلم برقم (984).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1506) , واللفظ له، ومسلم برقم (985).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1510) , واللفظ له، ومسلم برقم (985).

(3/89)


- مقدار زكاة الفطر:
الواجب في زكاة الفطر صاع من أي صنف من الطعام عن كل إنسان.
الصاع = 4 أمداد، ويعادل بالوزن (2.40) كيلو جرام.
1 - عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الفِطْرِ صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ، وَالأقِطُ وَالتَّمْرُ. متفق عليه (1).
2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الفِطْرِ، صَاعاً مِنْ تَمْرٍ أوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأمَرَ بِهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ. متفق عليه (2).
- وقت وجوب زكاة الفطر:
تجب زكاة الفطر على كل مسلم بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان؛ لأنه وقت الفطر من جميع رمضان.
فمن مات بعد غروب الشمس وجبت عليه زكاة الفطر، ومن وُلِد أو أسلم بعد غروب الشمس فلا تجب عليه؛ لعدم وجود سبب الوجوب في حقه.
ويُخرج الأب زكاة الفطر عن أهله وأولاده، وإن أخرجها كل واحد عن نفسه جاز.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1510) , واللفظ له، ومسلم برقم (985).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1503) , واللفظ له، ومسلم برقم (984).

(3/90)


- مصرف زكاة الفطر:
زكاة الفطر تصرف للفقراء والمساكين؛ لأنها طعمة لهم، وهي أشبه بالكفارة، فلا تعطى إلا لمن يستحق الكفارة.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ. أخرجه أبو داود وابن ماجه (1).
- وقت إخراج زكاة الفطر:
1 - يبدأ وقت إخراج زكاة الفطر من غروب الشمس ليلة عيد الفطر، إلى ما قبل صلاة العيد.
2 - الأفضل إخراج زكاة الفطر يوم العيد قبل صلاة العيد، ويحرم تأخيرها عن صلاة العيد إلا لعذر.
3 - زكاة الفطر عبادة من العبادات، من أداها في وقتها فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد صلاة العيد وأخرها من غير عذر، فهي عبادة قد فات محلها، وهو آثم بتأخيرها، فتكون صدقة من الصدقات، وإن كان معذوراً قضاها، ولا إثم عليه.
عَنِ ابْنِ عُمَررَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ بِزَكَاةِ الفِطْرِ، قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ. متفق عليه (2).
_________
(1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1609) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1827).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1509) , واللفظ له، ومسلم برقم (986).

(3/91)


4 - يجوز تقديم زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين؛ لأن بعض الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين.
- حكم إخراج زكاة الفطر بعد خروج وقتها:
1 - زكاة الفطر عبادة من العبادات، ولها وقت يجب أداؤها فيه، ويحرم تأخيرها عن وقتها إلا لعذر.
2 - زكاة الفطر لا تسقط بعد خروج وقتها؛ لأنها حق واجب للفقراء في ذمته، فلا يسقط عنه إلا بالأداء.
أما حق الله في التأخير عن وقتها فلا يسقط إلا بالتوبة والاستغفار.
- مكان إخراج زكاة الفطر:
زكاة المال تُخرج في بلد المال، وزكاة الفطر تُخرج حيثما كان الإنسان، ولا يُعدل عن ذلك إلا لحاجة ومصلحة.

(3/92)


3 - صدقة التطوع
- صدقة التطوع: هي التعبد لله بإنفاق مال، أو عمل غير واجب فيما يحبه الله.
- حكمة مشروعية الصدقة:
1 - دعا الإسلام إلى البذل وحض عليه؛ رحمة بالضعفاء، ومواساة للفقراء، إلى جانب ما فيه من كسب الأجر ومضاعفته، وتطهير النفوس من آفة البخل والشح، والتخلق بأخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من البذل، والإحسان، والعطاء ونحو ذلك مما يجلب المحبة والمودة.
2 - الصلوات منها الواجب، والتطوع، والصدقات منها الواجب، والتطوع، والتطوع تكمَّل به الفرائض يوم القيامة، وباب مفتوح لكسب الأجر وزيادة الحسنات.
- حكم صدقة التطوع:
1 - صدقة التطوع مستحبة في كل وقت، وفي كل مكان، وفي كل حال.
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274].
2 - صدقة التطوع تتأكد في زمان وأحوال:
فالزمان: كرمضان، والعشر الأُوَل من ذي الحجة، وهي أفضل.
1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ

(3/93)


رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ. متفق عليه (1).
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبيلِ اللهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذلِكَ بشَيْءٍ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (2).
3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ». قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ». أخرجه البخاري (3).
وأوقات الحاجة أفضل.
دائمة كفصل الشتاء، أو طارئة كأن تحدث كارثة، أو مجاعة، أو مصيبة، أو جدب ونحو ذلك.
قال الله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)} [البلد:11 - 17].
- فضائل صدقة التطوع:
1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} [البقرة:261].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6) , واللفظ له، ومسلم برقم (2308).
(2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (757) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1727).
(3) أخرجه البخاري برقم (969).

(3/94)


2 - وقال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)} [الحديد:7].
3 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274].
4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلا يَقْبَلُ اللهُ إِلا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ». متفق عليه (1).
5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا: اللهمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الآخَرُ اللهمَّ: أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً». متفق عليه (2).
- أنواع الصدقات:
الصدقة أنواع كثيرة، فكل معروف وإحسان صدقة.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ». متفق عليه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1410) , واللفظ له، ومسلم برقم (1014).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1442) , واللفظ له، ومسلم برقم (1010).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2989) , واللفظ له، ومسلم برقم (1009).

(3/95)


2 - وَعَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ نَاساً مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللهِ! ذَهَبَ أهْلُ الدُّثُورِ بِالأجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أمْوَالِهِمْ، قال: «أوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ، عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أحَدِكُمْ صَدَقَةٌ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أيَأتِي أحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أجْرٌ، قال: «أرَأيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الحَلالِ كَانَ لَهُ أجْراً». أخرجه مسلم (1).
3 - وَعَنْ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ». قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ». قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قال: «فَيُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ». قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قال: «فَيَأْمُرُ بِالخَيْرِ، أوْ قال: بِالمَعْرُوفِ». قال: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قال: «فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ». متفق عليه (2).
4 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ». أخرجه البخاري (3).
5 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً أوْ يَزْرَعُ زَرْعاً، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أوْ إِنْسَانٌ، أوْ بَهِيمَةٌ، إِلا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ». متفق عليه (4).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1006).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6022) , واللفظ له، ومسلم برقم (1008).
(3) أخرجه البخاري برقم (6021).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2320) , واللفظ له، ومسلم برقم (1353).

(3/96)


- أفضل الصدقة:
ثواب الصدقة يتعلق بالمتصدِّق، والمتصدَّق عليه، وبالمال المتصدق به.
1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنىً، وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ». أخرجه البخاري (1).
2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، أيُّ الصَّدَقَةِ أعْظَمُ أجْراً؟ قَالَ: «أنْ تَصَدَّقَ وَأنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الفَقْرَ وَتَأمُلُ الغِنَى، وَلا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلانٍ كَذَا، وَلِفُلانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ». متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «جُهْدُ المُقِلِّ وَابْدَأْ بمَنْ تَعُولُ». أخرجه أحمد وأبو داود (3).
4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «دِينَارٌ أنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ أنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أنْفَقْتَهُ عَلَى أهْلِكَ، أعْظَمُهَا أجْراً الَّذِي أنْفَقْتَهُ عَلَى أهْلِكَ». أخرجه مسلم (4).
5 - وَعَن أُمِّ كُلْثُومٍ بنتِ عُقْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَت: قَالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الكَاشِحِ» أخرجه الحاكم (5).
- أحوال الإنفاق من المال:
الإنفاق من المال على ثلاث درجات:
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1426).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1419) , واللفظ له، ومسلم برقم (1032).
(3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8702) , وأبو داود برقم (1677).
(4) أخرجه مسلم برقم (995).
(5) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (1515) , انظر الإرواء (892).

(3/97)


1 - الزكاة المفروضة، وهي أعظم الحقوق.
2 - إذا نزل بالناس نازلة من مجاعة أو كارثة وجب صرف المال إليها.
3 - الصدقات والهدايا، وهي حقوق مستحبة، وهي من مكارم الأخلاق من مواساة قرابة .. وإعطاء سائل .. وصلة أرحام .. وإعارة محتاج ونحو ذلك من مكارم الأخلاق.
1 - قال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} [البقرة:177].
2 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ». أخرجه مسلم (1).
- فضل المبادرة بالصدقة:
1 - قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} [المنافقون:10 - 11].
2 - وَعَنْ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا،
فَإِنَّهُ يَأتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا، يَقُولُ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1728).

(3/98)


الرَّجُلُ: لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالأمْسِ لَقَبِلْتُهَا، فَأمَّا اليَوْمَ فَلا حَاجَةَ لِي بِهَا». متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - العَصْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعاً، دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ، وَرَأَى مَا فِي وُجُوهِ القَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ، فَقَالَ: «ذَكَرْتُ وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ تِبْراً عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ، أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ». أخرجه البخاري (2).
- فضل الصدقة الجارية:
1 - قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)} [البقرة:245].
2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». أخرجه مسلم (3).
- حكم الصدقة بكل المال:
يجوز للمسلم أن يتصدق بجميع ماله إذا كان قوياً مكتسباً، صابراً غير مدين، ليس عنده من يجب الإنفاق عليه، قوي الإيمان واليقين، والأفضل أن يترك لنفسه ما يعفه عن السؤال والإشراف.
عَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَتَصَدَّقَ
فَوَافَقَ ذلِكَ عِنْدِي مَالاً فَقُلْتُ: اليَوْمَ أَسْبقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْماً، قَالَ: فَجِئْتُ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1411) , واللفظ له، ومسلم برقم (1011).
(2) أخرجه البخاري برقم (1221).
(3) أخرجه مسلم برقم (1631).

(3/99)


بنِصْفِ مَالِي، فَقَالََ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟» قُلْتُ مِثلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالََ يَا أَبَا بَكْرٍ: «مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟» قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَسْبقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَداً. أخرجه أبو داود والترمذي (1).
- فضل الإكثار من الصدقة:
1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا: اللهمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الآخَرُ اللهمَّ: أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً». متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ، دَعَاهُ خَزَنَةُ الجَنَّةِ، كُلُّ خَزَنَةِ بابٍ: أيْ فُلُ هَلُمَّ». قال أبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَاكَ الَّذِي لا تَوَى عَلَيْهِ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي لأَرْجُو أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». متفق عليه (3).
- قوة الصدقة:
1 - عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّارَ فَأعْرَضَ وَأشَاحَ، ثُمَّ قال: «اتَّقُوا النَّارَ». ثُمَّ أعْرَضَ وَأشَاحَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ كَأنَّمَا يَنْظُرُ
إِلَيْهَا، ثُمَّ قال: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يجِدْ، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». متفق
_________
(1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1678) , والترمذي برقم (3675) , وهذا لفظه.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1442) , واللفظ له، ومسلم برقم (1010).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2841) , واللفظ له، ومسلم برقم (1027).

(3/100)


عليه (1).
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَتَصَدَّقُ أحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، إِلا أخَذَهَا اللهُ بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أوْ قَلُوصَهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ، أوْ أعْظَمَ». متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ». أخرجه مسلم (3).
- فضل اليد العليا:
اليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة، والمنفقة أعلى من الآخذة، وأعلى من السائلة.
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنىً، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ». متفق عليه (4).
- فضل الترغيب في الصدقة:
1 - عَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ، أوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، قَالَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا
شَاءَ». متفق عليه (5).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6540) , ومسلم برقم (1016) , واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1410) , ومسلم برقم (1014) , واللفظ له.
(3) أخرجه مسلم برقم (2588).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1427) , واللفظ له، ومسلم برقم (1034).
(5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1432) , واللفظ له، ومسلم برقم (2627).

(3/101)


2 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي، فَقَالَ: «مَا عِنْدِي» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أَدُلّهُ عَلَىَ مَنْ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَلّ علىَ خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ». أخرجه مسلم (1).
- أفضل أحوال الصدقة:
1 - الصدقة في رمضان وعشر ذي الحجة أفضل من غيرهما؛ لشرف الزمان، والصدقة في الجهاد وحالات الشدة والحاجة أفضل من غيرهما؛ لأهمية الحال.
2 - إذا تعارض شرف الزمان، وشرف المكان، وشرف الحال، فإنه يقدم شرف الحال؛ لأن الصدقة عبادة شرعت لدفع الحاجة، وإذا كان الفضل يتعلق بذات العبادة كانت مراعاته أولى من الفضل الذي يتعلق بزمانها أو مكانها، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.
1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274].
2 - وقال الله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)} [البلد:11 - 17].
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1893).

(3/102)


- مقدار صدقة التطوع:
1 - تسن صدقة التطوع بما زاد عن حاجة الإنسان وحاجة من يمونه ممن تجب عليه نفقته.
قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)} [البقرة:219].
2 - إذا تصدق المسلم بما يُنقص مؤنة من يعول فهو آثم؛ لأنه نَفَع الأجنبي، وحَرَم وأضاع من تلزمه مؤنته.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَفَى بِالمَرْءِ إِثْماً أنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ». أخرجه مسلم (1).
3 - إذا علم المسلم من نفسه قوة الصبر والتوكل فلا حرج عليه أن يتصدق بكل ما يملك إذا لم يتضرر هو أو من يعول، ومن تصدق بما يملك وخرج يتكفف الناس فقد ظلم نفسه.
- أولى الناس بالصدقة:
أولى الناس بالصدقة أهل المتصدق، وأولاده، وأقاربه، وجيرانه، وذو الحاجة الماسة.
ولا يجوز للمسلم أن يتصدق على البعيد وهو محتاج إلى ما يتصدق به لنفقته ونفقة عياله.
عَنْ جَابِر بنِ عَبدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لِرَجُلٍ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ
فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (996).

(3/103)


قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا». يَقُولُ: فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ. أخرجه مسلم (1).
- فضل الصدقة على الأقارب:
1 - عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّهَا أعْتَقَتْ وَلِيدَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «لَوْ أعْطَيْتِهَا أخْوَالَكِ، كَانَ أعْظَمَ لأَجْرِكِ». متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ أبُو طَلْحَةَ أكْثَرَ الأَنْصار بِالمَدِينَةِ مَالا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أحَبُّ أمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. قال أنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الايَةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. قَامَ أبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. وَإِنَّ أحَبَّ أمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ للهِ، أرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ حَيْثُ أرَاكَ اللهُ. قال: فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا فِي الأقْرَبِينَ». فَقال أبُو طَلْحَةَ: أفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَسَمَهَا أبُو طَلْحَةَ فِي أقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. متفق عليه (3).
- فضل الصدقة على الحيوان:
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (997).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2592) , ومسلم برقم (999) , واللفظ له.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1461) , واللفظ له، ومسلم برقم (998).

(3/104)


عَلَيْهِ العَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْراً فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقال: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلأ خُفَّهُ ثُمَّ أمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أجْراً؟ قال: «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ، قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِىٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِى إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ». متفق عليه (2).
- فضل الصدقة بالزرع:
1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً أوْ يَزْرَعُ زَرْعاً، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أوْ إِنْسَانٌ، أوْ بَهِيمَةٌ، إِلا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ». متفق عليه (3).
2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إِلا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ». أخرجه مسلم (4).
- فضل الصدقة في سبيل الله:
1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ
سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)}
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2363) , واللفظ له، ومسلم برقم (2244).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3467) , ومسلم برقم (2245) , واللفظ له.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2320) , واللفظ له، ومسلم برقم (1553).
(4) أخرجه مسلم برقم (1552).

(3/105)


[البقرة:261].
2 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ، فَقَالَ: هَذِه فِي سَبِيلِ الله، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَكَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ سَبْعُمِائَةِ نَاقَةٍ، كُلّهَا مَخْطُومَةٌ». أخرجه مسلم (1).
- فضل الصدقة عن الميت:
1 - عَنْ ابْن عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ تُوُفِّيَتْ أمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أمِّي تُوُفِّيَتْ وَأنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قال: «نَعَمْ». قال: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أنَّ حَائِطِيَ المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا. أخرجه البخاري (2).
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّ رَجُلاً أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تُوصِ، وَأظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أفَلَهَا أجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قال: «نَعَمْ». متفق عليه (3).
- فضل الإيثار:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ بَاتَ بِهِ ضَيْفٌ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلاّ قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِهِ، فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: نَوّمِي الصّبْيَةَ وَأَطْفِئِي السّرَاجَ وَقَرّبِي لِلضّيْفِ مَا عِنْدَكِ، قَالَ فَنَزَلَتْ هََذِهِ الاَيَةُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ
كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}. متفق عليه (4).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1892).
(2) أخرجه البخاري برقم (2756).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1388)، ومسلم برقم (1004) , واللفظ له.
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3798) , ومسلم برقم (2054) , واللفظ له.

(3/106)


- فضل الصدقة وإن وقعت في غير محلها:
من تصدق بصدقة فوقعت في غير محلها وهو لا يعلم فقد ثبت أجره.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال رَجُلٌ: لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ، فَقال: اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ، لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقال: اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ؟ لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقال: اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ، وَعَلَى زَانِيَةٍ، وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأتِيَ: فَقِيلَ لَهُ: أمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ: فَلَعَلَّهُ أنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأمَّا الزَّانِيَةُ: فَلَعَلَّهَا أنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأمَّا الغَنِيُّ: فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ، فَيُنْفِقُ مِمَّا أعْطَاهُ اللهُ». متفق عليه (1).
- فضل الصدقة من الحلال الطيب:
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)} [البقرة:267 - 268].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ
تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلا يَصْعَدُ إِلَى اللهِ إِلا الطَّيِّبُ، فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فُلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ». متفق
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1421) , واللفظ له، ومسلم برقم (1022).

(3/107)


عليه (1).
- حكم الصدقة من الحرام:
الله تبارك وتعالى غني عن العالمين، فلا يرضى لعباده ولا من عباده إلا كل طيب وحلال، ولا يتقبل الأعمال إلا من المتقين، ولا يقبل الصدقات إذا كانت من حرام وخبيث.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)} [المائدة:27].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟». متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ». أخرجه مسلم (3).
- حكم إظهار الصدقة:
إخفاء صدقة التطوع أفضل من إظهارها، ولا يشرع الجهر بالصدقة إلا لمصلحة من الاقتداء به، أو رفع التهمة عنه ونحوهما.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7430) , واللفظ له، ومسلم برقم (1014).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (91) , واللفظ له، ومسلم برقم (1015) , واللفظ له.
(3) أخرجه مسلم برقم (224).

(3/108)


1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274].
2 - وقال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)} [البقرة:271].
3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إِنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (1).
- ما يبطل الصدقة:
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)} [البقرة:264].
2 - وَعَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ». قال فَقَرَأهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثَ مِرَاراً قال أبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال:
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1423) , واللفظ له، ومسلم برقم (1031).

(3/109)


«المُسْبِلُ وَالمَنَّانُ وَالمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلِفِ الكَاذِبِ». أخرجه مسلم (1).
- حكم صدقات المشرك قبل إسلامه:
إذا أسلم المشرك فله أجر صدقته قبل الإسلام.
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، أرَأيْتَ أشْيَاءَ كُنْتُ أتَحَنَّثُ بِهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ، أوْ عَتَاقَةٍ، وَصِلَةِ رَحِمٍ، فَهَلْ فِيهَا مِنْ أجْرٍ؟ فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ». متفق عليه (2).
- حكم الأكل من الصدقة:
إذا وصلت الصدقة إلى مستحقها مَلَكها، إن شاء باعها، وإن شاء صرفها على نفسه، أو أكرم بها غيره.
1 - عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أتِيَ بِلَحْمٍ، تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ: «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ». متفق عليه (3).
2 - وَعَنْ أمِّ عَطِيَّةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: بُعِثَ إِلَى نُسَيْبَةَ الأَنْصاريَّةِ بِشَاةٍ، فَأرْسَلَتْ إِلَى عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا مِنْهَا، فَقال: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عِنْدَكُمْ شَيْءٌ». فَقُلْتُ: لا، إِلا مَا أرْسَلَتْ بِهِ نُسَيْبَةُ مِنْ تِلْكَ الشَّاةِ، فَقال: «هَاتِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا». متفق
عليه (4).
- حكم شراء الصدقة:
لا يجوز لأحد تَصَدَّق بصدقة على إنسان أن يشتريها منه؛ لأنه أخرجها من
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (106).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1436) , واللفظ له، ومسلم برقم (123).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1495) , واللفظ له، ومسلم برقم (1074).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1446) , واللفظ له، ومسلم برقم (1076).

(3/110)


ملكه لله، فلا يحل له الرجوع فيما أعطاه لله ولو كانت بقيمة، أما غيره فيجوز له شراؤها.
عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأرَدْتُ أنْ أشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَألْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: «لا تَشْتَرِه، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ العَائِدَ فِي صَدَقَتهِ كَالعَائِدِ فِي قَيْئِهِ». متفق عليه (1).
- حكم الصدقة على الكافر:
تسن الصدقة على المسلم، وتشرع الصدقة على الكافر؛ تأليفاً لقلبه، وسداً لجوعته، وتفريجاً لكربته، ويثاب على ذلك المسلم المتصدق.
1 - قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [الممتحنة:8].
2 - وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدِمَتْ عَلَيَّ أمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أفَأصِلُ أمِّي؟ قال: «نَعَمْ صِلِي
أمَّكِ». متفق عليه (2).
- حكم الصدقة على بني هاشم:
النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تحل له الزكاة الواجبة، ولا صدقة التطوع، وبنو هاشم ومواليهم لا تحل لهم الزكاة الواجبة، ولا تحل لهم صدقة التطوع؛ لشرف النبوة،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1490) , واللفظ له، ومسلم برقم (1620).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2620) , ومسلم برقم (1003) , واللفظ له.

(3/111)


ولأنها أوساخ لا تليق بذلك المقام.
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أخَذَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تمْرَةً مِنْ تمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كِخْ كِخْ، ارْمِ بِهَا، أمَا عَلِمْتَ أنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟». متفق عليه (1).
- حكم الهدية لبني هاشم:
بنو هاشم جميعاً ومواليهم تجوز الهدية لهم لا الصدقة.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أتِيَ بِطَعَامٍ سَألَ عَنْهُ: «أهَدِيَّةٌ أمْ صَدَقَةٌ». فَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ، قال لأَصْحَابِهِ: «كُلُوا» وَلَمْ يَأْكُلْ، وَإِنْ قِيلَ هَدِيَّةٌ ضَرَبَ بِيَدِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأكَلَ مَعَهُمْ. متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلَحْمٍ، فَقِيلَ: تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ، قال: «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ». متفق عليه (3).
- حكم صدقة المرأة من بيت زوجها:
1 - يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها بإذنه غير مُفسدة، فلزوجها الأجر،
ولها من الأجر مثله.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أنْفَقَتِ المَرْأةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَهَا أجْرُهَا بِمَا أنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أجْرَ بَعْضٍ شَيْئاً». متفق عليه (4).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1485) , ومسلم برقم (1069) , واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2576) , واللفظ له، ومسلم برقم (1077).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2577) , واللفظ له، ومسلم برقم (1074).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2065) , واللفظ له، ومسلم برقم (1024).

(3/112)


2 - إذا أنفقت من بيته عن غير أمره، وهي تعلم أنه يرضى، غير مُفسدة، فلها نصف الأجر، ولزوجها نصف الأجر.
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا أنْفَقَتِ المَرْأةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا، عَنْ غَيْرِ أمْرِهِ، فَلَهُ نِصْفُ أجْرِهِ». متفق عليه (1).
3 - لا يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها إذا علمت أنه لا يرضى، فلا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه.
- حكم إعطاء من سأل بالله:
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنِ اسْتَعَاذ باللهِ فَأَعِيذوهُ وَمَنْ سَأَلَ باللهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَكَافِؤهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِؤنَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ». أخرجه أبو داود والنسائي (2).
- حكم إعطاء السائل:
يسن إعطاء السائل ولو صغرت العطية.
1 - قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة:7 - 8].
2 - وَعَنْ أُمِّ بُجَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْها قالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ، إِنَّ المِسْكِينَ لَيَقُومُ عَلَى بَابي فَمَا أَجِدُ لَهُ شَيْئاً أُعْطِيهِ إِيَّاهُ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنْ لَمْ تَجِدِي لَهُ شَيْئاً تُعْطِينَهُ إِيَّاهُ إِلاَّ ظِلْفاً مُحْرَقاً فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ فِي يَدِهِ». أخرجه أبو داود والترمذي (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2066) , واللفظ له، ومسلم برقم (1026).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1672) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (2567).
(3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1667) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (665).

(3/113)


- حكم السؤال من غير حاجة:
1 - يحرم على الإنسان سؤال الناس الزكاة، أو الصدقة وعنده ما يكفيه، ومن سأل الناس تكثراً فإنما يجمع جمراً يوقد عليه في نار جهنم.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَألَ النَّاسَ أمْوَالَهُمْ تَكَثُّراً، فَإِنَّمَا يَسْألُ جَمْراً، فَلْيَسْتَقِلَّ أوْ لِيَسْتَكْثِر». أخرجه مسلم (1).
2 - من أبيح له شيء من الزكاة أو الصدقة أبيح له سؤاله وطلبه؛ لأنه يطلب حقه الذي أبيح له، والأولى التعفف والسكوت، وعدم السؤال.
1 - عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لأنْ يَأخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَسْألَ النَّاسَ، أعْطَوْهُ أوْ مَنَعُوهُ». أخرجه البخاري (2).
2 - وَعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثاً: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ». متفق عليه (3).
- مفاسد السؤال من غير حاجة:
1 - سؤال غير الله عند الحاجة ظلم في حق الله؛ لأن الله أمر بسؤاله وحده، لأنه قاضي الحاجات وحده، وظلم في حق السائل؛ لأنه أذل نفسه لغير الله، وظلم في حق المسؤل؛ لأنه قد يعطي وهو كاره.
2 - سؤال غير الله من غير حاجة فيه ذل للسائل، وتعطيل للقوى والمواهب، وجحد لنعمة الله بالتشبه بالفقراء، وخداع للناس، وكذب عليهم، وأكل
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1041).
(2) أخرجه البخاري برقم (1471).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1477) , واللفظ له، ومسلم برقم (593).

(3/114)


لأموال الناس بالباطل، وكل ذلك محرم.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْألُ النَّاسَ، حَتَّى يَأتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ». متفق عليه (1).
- حكم أخذ ما جاء من غير سؤال:
من أعطاه الله شيئاً من غير سؤال ولا إشراف نفس فليأخذه فإنما هو رزق ساقه الله إليه، فإن شاء تموّله، وإن شاء تصدق به.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ يَقُولُ: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِينِي العَطَاءَ، فَأقُولُ: أعْطِهِ أفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى أعْطَانِي مَرَّةً مَالاً، فَقُلْتُ: أعْطِهِ أفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خُذْهُ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ وَأنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لا فَلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ». متفق عليه (2).
- فضل التعفف عن السؤال:
1 - عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ إِنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصار سَألُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقال: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ وَمَا أعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ». متفق عليه (3).
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1474) , واللفظ له، ومسلم برقم (1040).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1473)، ومسلم برقم (1045) , واللفظ له.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1469) , واللفظ له، ومسلم برقم (1053).

(3/115)


لَأنْ يَأخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَأتِيَ رَجُلاً فَيَسْألَهُ، أعْطَاهُ أوْ مَنَعَهُ». متفق عليه (1).
- حكم سؤال السلطان:
1 - يستحب للمسلم أن يعف نفسه عن السؤال، فإن احتاج سأل السلطان؛ لأنه أمين المسلمين على بيت مالهم، وكل مسلم له حق في بيت المال.
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِ المَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ إِلاَّ أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَاناً أَوْ فِي أَمْرٍ لاَ بُدَّ مِنْهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (2).
2 - يستحب للمسلم أن لا يكثر من سؤال السلطان، لا سيما أهل العلم والفضل؛ لأنه إسقاط لوقارهم، وجلال العلم فيهم، وانهماك في جمع المال.
1 - عَنْ حَكِيم بن حِزَامٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَألْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأعْطَانِي، ثُمَّ سَألْتُهُ فَأعْطَانِي، ثُمَّ سَألْتُهُ فَأعْطَانِي ثُمَّ، قال: «يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ
حُلْوَةٌ، فَمَنْ أخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأكُلُ وَلا يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى». قال: حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لا أرْزَأ أحَداً بَعْدَكَ شَيْئاً، حَتَّى أفَارِقَ الدُّنْيَا. متفق عليه (3).
2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ إِنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصار سَألُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1470) , واللفظ له، ومسلم برقم (1042).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1639) , والترمذي برقم (681) , وهذا لفظه.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1472) , واللفظ له، ومسلم برقم (1035).

(3/116)


فَقال: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ وَمَا أعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ». متفق عليه (1).
- حكم إعطاء من سأل بفحش وغلظة:
1 - عَنْ عُمَر بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَسْماً، فَقُلْتُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَغَيْرُ هَؤُلاءِ كَانَ أحَقَّ بِهِ مِنْهُمْ، قال: «إِنَّهُمْ خَيَّرُونِي أنْ يَسْألُونِي بِالفُحْشِ أوْ يُبَخِّلُونِي، فَلَسْتُ بِبَاخِلٍ». أخرجه مسلم (2).
2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنْتُ أمْشِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قال: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. متفق عليه (3).
- من تحل له المسألة:
1 - عَنْ سَمُرَةَ بنِ جُندُب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «المَسَائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ فَمَنْ شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ إِلاَّ أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذا سُلْطَانٍ أَوْ فِي أَمْرٍ لاَ يَجِدُ مِنْهُ بُدّاً». أخرجه أحمد وأبو داود (4).
2 - وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الهِلالِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأتَيْتُ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1469) , واللفظ له، ومسلم برقم (1053).
(2) أخرجه مسلم برقم (1056).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3149) , واللفظ له، ومسلم برقم (1057).
(4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (20529) , وأبو داود برقم (1639) , وهذا لفظه.

(3/117)


رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أسْألُهُ فِيهَا، فَقَالَ: «أقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا». قال: ثُمَّ قال: «يَا قَبِيصَةُ! إِنَّ المَسْألَةَ لا تَحِلُّ إِلا لأَحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ المَسْألَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ المَسْألَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَاماً مِنْ عَيْشٍ (أوْ قال سِدَاداً مِنْ عَيْشٍ). وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلاثَةٌ مِنْ ذَوِي الحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أصَابَتْ فُلاناً فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ المَسْألَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَاماً مِنْ عَيْشٍ (أوْ قال سِدَاداً مِنْ عَيْشٍ) فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ المَسْألَةِ، يَا قَبِيصَةُ سُحْتاً يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتاً». أخرجه مسلم (1).
- فضل شكر المعروف:
السنة لمن صُنع إليه معروف أن يكافئه، فإن لم يجد دعا له.
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالََ لِفَاعِلِهِ جَزَاكَ اللهُ خَيْراً فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثنَاءِ». أخرجه الترمذي (2).
- مراتب المواساة بالمال:
المواساة بالمال لها ثلاث درجات:
الأولى: أن تُؤْثر الفقير على نفسك، وهذه مرتبة الصديقين، وهي أعلاها.
الثانية: أن تُنْزله منزلة نفسك، وترضى بمشاركته لك في مالك.
الثالثة: أن تُنْزله منزلة عبدك، فتعطيه ابتداء، ولا تُحوجه للسؤال، وهذه أدناها.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1044).
(2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2035).

(3/118)