موسوعة الفقه الإسلامي

5 - كتاب الصيام
ويشتمل على ما يلي:
1 - فقه الصيام.
2 - حكم الصيام.
3 - فضائل الصيام.
4 - أقسام الصيام.
5 - أحكام الصيام.
6 - سنن الصيام.
7 - ما يجب على الصائم.
8 - ما يحرم على الصائم.
9 - ما يكره للصائم.
10 - ما يجوز للصائم.
11 - أقسام المفطرات.
12 - قضاء الصيام.
13 - صيام التطوع.
14 - الاعتكاف.

(3/119)


1 - فقه الصيام
- الصوم: هو التعبد لله بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني، إلى غروب الشمس، بنية الصوم.
- حكمة تنويع العبادات:
نوَّع الله عز وجل العبادات لحكم عظيمة:
1 - لئلا تمل النفوس، ويصيبها السأم والملل من العمل الواحد، فإذا انتقلت من عبادة إلى أخرى نشطت للعمل.
2 - نوّع الله العبادات ليختبر العبد هل يتبع هواه ويفعل ما يوافق طبعه، أم يفعل ما أمره به ربه، فجعل من الدين ما ينقسم إلى كف عن المحبوبات كالصيام، فإنه امتناع عن المحبوبات من الطعام، والشراب، والجماع ابتغاء وجه الله عز وجل.
ومن الدين ما هو بذل للمحبوبات كالزكاة، والصدقة، وذلك بذل للمحبوب -وهو المال- ابتغاء وجه الله عز وجل.
وربما يهون على بعض الناس أن يصلي ألف ركعة ولا يبذل درهماً واحداً، وربما يهون على بعض الناس أن يبذل ألف درهم ولا يصوم يوماً واحداً.
فجاءت الشريعة بالتنويع ليعرف من يطيع هواه، ومن يطيع مولاه.
3 - العبادات أقسام:
بعضها بدني محض كالصلاة، وبعضها مالي محض كالزكاة، وبعضها مركب منهما كالجهاد والحج، ولكلٍّ حكمة، وفي كلٍّ منافع؛ ليتبين المؤمن

(3/121)


من المنافق، والكريم من البخيل، والشجاع من الجبان.
- حكمة مشروعية الصيام:
شرع الله عز وجل الصيام لحكم عظيمة لا تحيط بها العقول، ومنها:
1 - أن الصوم عبادة عظيمة جعله الله وسيلة لتقوى الله عز وجل، والتقوى من أعظم مقامات الدين بعد الإيمان، وبها ينال المؤمن السعادة في الدنيا والآخرة.
2 - الصوم مدرسة خلقية كبرى، يتدرب فيها المؤمن على مكارم الأخلاق، وضبط النفس، وكبح جماحها، ومقاومة الأهواء، ومحاربة نزغات الشيطان، والكرم والبذل ابتغاء وجه الله تعالى.
3 - الصوم تزكية للنفس، وتطهير لها من الأخلاق الرذيلة، والأخلاط الرديئة، وفيه راحة للجهاز الهضمي، يستريح فيه من الامتلاء والتفريغ، فيستعيد نشاطه وقوته.
4 - الصوم من أعظم الطاعات التي يثاب عليها المؤمن ثواباً لا حدود له؛ لأنه لله، ولأنه قائم على الصبر الذي أجره بغير حساب، ففيه الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر عن الشهوات، والصبر على أقدار الله.
5 - الصوم يُعلِّم المؤمن الأمانة، وحسن مراقبة الله في السر والعلن، ويعوِّد النفس على الانضباط في الأكل والشرب وسائر الأحكام، وهو سر بين العبد وربه.
6 - الصوم يقوي الإرادة، ويشد العزيمة لفعل الأوامر، واجتناب النواهي، ويساعد على صفاء الذهن للذكر والفكر.

(3/122)


7 - الصوم يُشعر المسلمين كافة بطعم الأخوة والوِحدة في مشارق الأرض ومغاربها؛ لأنهم جميعاً يصومون رمضان في وقت واحد، ويصومون ويفطرون في كل بلد في وقت واحد.
8 - الصوم يبعث في الإنسان عاطفة الرحمة والشفقة والأخوة، فيدفعه إحساسه بالجوع إلى صلة الآخرين، ومواساة الفقراء والمعوزين، ويتذكر بحرمانه من الأكل والشرب في وقت محدود إباحته له طول العام، فيُكثر من الشكر لربه.
9 - الصوم يجدد حياة الإنسان، ويريح المعدة وجهاز الهضم من العمل المستمر، ويخلِّص الجسم من الفضلات المترسبة، والأطعمة والعفونات غير المهضومة، ويضيق مجاري الشيطان الذي يؤز النفوس للمعاصي.
10 - الصوم جهاد للنفس، وتخليص لها مما علق بها من شوائب الدنيا وآثامها، وكسر حدة الشهوة، وعبودية النفس والهوى.
11 - إجابة الدعاء، وحصول النصر، مرتبط بتطهير النفوس وصفائها، وخلوصها وسموها، وتعلقها بالخالق دون غيره.
وفي رمضان تتوجه القلوب المخبتة، والأنفس الصائمة، والألسن الذاكرة، لرب الأرض والسماء، فيستجيب دعاءها، ويقضي حاجاتها، وينصرها على عدوها.
12 - في الصوم سكون النفس الأمّارة بالسوء، وكسر سورتها عن حمل الجوارح على المعاصي، فالنفس إذا جاعت سكنت جميع الأعضاء من العين واللسان والأذن والبطن والفرج عن المعاصي، وإذا شبعت تحركت للمعاصي.
13 - الصوم عبادة عظيمة جليلة، جمعت خصال الخير كلها بالتقوى، وتقطع

(3/123)


دابر خصال الشر كلها، وبها يحصل كمال الإيمان والتقوى، ولهذا كتب الله الصيام علينا وعلى الأمم السابقة قبلنا.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} [البقرة:183].
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». متفق عليه (1).
- صلاح القلب:
خلق الله الإنسان مركباً من الجسد والقلب، ولا صلاح للجسد مطلقاً إلا بصلاح القلب، وصلاح القلب واستقامته بإقباله بالكلية على ربه، وأنسه به.
ولما كان فضول الطعام والشراب، وفضول الكلام والمنام، وفضول مخالطة الأنام، مما يقطعه عن ربه، ويعيقه عن السير إليه، ويزيده شعثاً ويشتته في كل واد، اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يُذهب فضول الطعام والشراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات والشبهات التي تعيقه عن سيره إلى الله تعالى.
وشرع سبحانه لعباده الاعتكاف الذي مقصوده عكوف القلب على الله، وجمعيته عليه، والخلوة به، والأنس به، والانقطاع عن غيره.
وشرع لهم حبس اللسان عن اللغو وكل ما لا ينفع في الآخرة، وشرع لهم قيام الليل، وتلاوة القرآن، والإحسان إلى الناس، وفي ذلك كله صلاح
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5066) , ومسلم برقم (1400) , واللفظ له.

(3/124)


القلب بالإيمان، وصلاح الجسد بالأعمال الصالحة، وصلاح الفرد والأمة، وظهور الحق، وزوال الباطل.
عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (وَأَهْوَى النّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَىَ أُذُنَيْهِ) «إنّ الحَلاَلَ بَيّنٌ وَإنّ الحَرَامَ بَيّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنّ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ، فَمَنِ اتّقَى الشّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإنّ لِكُلّ مَلِكٍ حِمىً، أَلاَ وَإِنّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلّهُ وَإذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ». متفق عليه (1).
- قوة العبادات:
الله تبارك وتعالى له الخلق والأمر، وقد جعل في مخلوقاته قوة من قوته، وجعل في أوامره قوة، فجعل في السماء قوة، وفي الأرض قوة، وفي الشمس قوة، وفي الجبال قوة .. وهكذا.
وجعل سبحانه في أوامره قوة، فجعل في الإيمان قوة، وجعل في العبادات قوة، وجعل في الطاعات قوة.
وقوة الأوامر الشرعية أعظم من قوة المخلوقات، فقوة الإيمان, وقوة الأعمال الصالحة، وقوة الأخلاق الحسنة، وقوة الوضوء والصلاة والزكاة والصيام والحج تجمع للعبد خيري الدنيا والآخرة بحذافيره.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ
الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52) , ومسلم برقم (1599) , واللفظ له.

(3/125)


نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فُصِّلَت:30 - 32].
- قوة رمضان:
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ». متفق عليه (1).
- قوة الصيام:
1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِى لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ». متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أبْوَابٍ، فِيهَا باب يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لا يَدْخُلُهُ إِلا الصَّائِمُونَ». متفق عليه (3).
- قوة صوم رمضان:
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ
مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (4).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3277) , ومسلم برقم (1079) , واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1894) , ومسلم برقم (1151) , واللفظ له.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3257) , واللفظ له، ومسلم برقم (1152).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1901)، ومسلم برقم (760).

(3/126)


2 - حكم الصيام
- أنواع الصوم:
الصيام الذي شرعه الله عز وجل قسمان:
1 - صيام واجب، وهو ثلاثة أنواع:
1 - ما يجب للزمان نفسه، وهو صوم شهر رمضان.
2 - ما يجب لعلة وسبب، وهو صوم الكفارات.
3 - ما يجب لإيجاب الإنسان ذلك على نفسه، وهو صوم النذر.
2 - صيام مستحب، وهو صيام التطوع، وهو نوعان:
1 - صيام التطوع المطلق كصيام يوم وإفطار يوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ونحوهما.
2 - صيام التطوع المقيد كصيام الإثنين من كل أسبوع، وصيام أيام البيض من كل شهر، وصيام يوم عرفة ويوم عاشوراء من كل عام ونحو ذلك.
- حكم صوم رمضان:
يجب صوم رمضان على كل مسلم، بالغ، عاقل، مقيم، قادر على الصوم ذكراً كان أو أنثى، خالٍ من الموانع كالحيض والنفاس، وهذا خاص بالنساء.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)} [البقرة:183 - 184].

(3/127)


2 - وقال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة:185].
3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفق عليه (1).
4 - وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أَعْرَابِيّاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، أخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ، فَقال: «الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إِلا أنْ تَطَّوَّعَ شَيْئاً». فَقال: أخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ، فَقال: «شَهْرَ رَمَضَانَ إِلا أنْ تَطَّوَّعَ شَيْئاً». فَقال: أخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ، فَقال: فَأخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرَائِعَ الإسْلامِ، قال: وَالَّذِي أكْرَمَكَ، لا أتَطَوَّعُ شَيْئاً، وَلا أنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ شَيْئاً. فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أوْ: دَخَلَ الجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ». متفق عليه (2).
- منزلة الصيام في الإسلام:
1 - صيام رمضان ركن من أركان الإسلام العظام، فرضه الله عز وجل في شعبان في السنة الثانية من الهجرة، وقد صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعة رمضانات في تسع سنين، ثم توفي.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8) , واللفظ له، ومسلم برقم (16).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1891) , واللفظ له، ومسلم برقم (11).

(3/128)


2 - الصيام من أعظم العبادات التي تورث التقوى، ولهذا أضافه الله إليه تشريفاً وتعظيماً له، وهو سر بين العبد وربه.
3 - شهر رمضان أفضل الشهور، وليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة؛ لأن فيها ليلة القدر، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأواخر من رمضان، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام، وليلة القدر أفضل ليالي العام.
- أركان الصيام:
للصيام ركنان:
الأول: النية، بأن ينوي المسلم الصيام قبل الفجر.
عَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أوْ إلَى امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ». متفق عليه (1).
الثاني: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)} [البقرة:187].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

(3/129)


- شروط صحة الصيام:
شروط صحة الصيام ثلاثة:
1 - الإسلام؛ لأن الصيام عبادة، فلا يصح من كافر.
2 - النية؛ لأن الصيام عبادة، فلا يصح إلا بنية.
3 - الطهارة من الحيض والنفاس -وهذا خاص بالنساء-.
- وقت الصيام:
1 - وقت الصيام يبدأ من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، من أي يوم.
2 - البلاد التي لا تطلع عليها الشمس إلا لحظات، أو لا تغيب عنها الشمس إلا لحظات، أو لا تغيب عنها الشمس صيفاً، أو لا تطلع فيها الشمس شتاءً، أو البلاد التي يستمر نهارها ستة أشهر، وليلها كذلك، أو أكثر أو أقل ونحو ذلك:
فهذه البلاد يُقدَّر وقت الصلاة والصيام فيها بأقرب بلد إليهم يتميز فيه الليل من النهار، فيحددون أوقات الصلوات الخمس، وأول الشهر، ونهايته، وبدء الإمساك في رمضان، ووقت الإفطار، حسب توقيت ذلك البلد في الصيف والشتاء.
- مراحل فرض الصيام:
الصيام فيه نوع مشقة على النفوس، فأُخذت به على التدريج شيئاً فشيئاً لتعتاده وتألفه على ثلاث مراحل:
الأولى: فرض صيام عاشوراء، وهو العاشر من محرم.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيَّةِ،

(3/130)


وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُهُ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى المَدِينَةِ، صَامَهُ وَأمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قال: «مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ». متفق عليه (1).
الثانية: ثم نُسخ إيجاب صيام عاشوراء، وفُرض صيام رمضان على التخيير بين الصيام والفدية كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)} [البقرة:183 - 184].
الثالثة: ثم فُرض صوم رمضان على كل مسلم بدون تخيير كما قال سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة:185].
- أقسام المسلمين في رمضان:
المسلمون في رمضان على ثلاثة أقسام:
قسم يجب عليه الصيام، وقسم يجب عليه الفطر، وقسم يجوز له الفطر والصوم.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2002) , ومسلم برقم (1125) , واللفظ له.

(3/131)


1 - الذين يجب عليهم الصيام:
وهم: كل مسلم، بالغ، عاقل، صحيح غير مريض، مقيم غير مسافر، والمرأة الطاهرة من الحيض والنفاس.
2 - الذين يجب عليهم الفطر وعليهم القضاء:
1 - الحائض والنفساء.
عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَألْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أسْألُ، قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ. أخرجه مسلم (1).
2 - من خشي الهلاك بصومه فيجب عليه الفطر لإنقاذ نفسه أو غيره.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29].
3 - الذين يجوز لهم الفطر والصوم هم:
الأول: المريض: وللمريض ثلاث حالات:
1 - أن يكون مرضه يسيراً لا يتأثر بالصوم كالزكام والصداع اليسير، فهذا لا يجوز له أن يفطر.
2 - أن يزيد مرضه بالصوم، أو يتأخر برؤه، ويشق عليه الصوم لكن لا يضره، فهذا يستحب له الفطر، ويكره له الصوم.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (335).

(3/132)


قال الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة:185].
3 - أن يشق عليه الصوم، ويتسبب في ضرر قد يفضي به إلى الهلاك، فهذا يجب عليه الفطر، ويحرم عليه الصوم؛ لما فيه من تعريض نفسه للهلاك، وهو محرم.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29].
الثاني: المسافر: والمسافر له ثلاث حالات:
1 - أن يشق عليه الصوم، أو يعوقه عن فعل الخير، فهذا الفطر في حقه أولى من الصيام.
1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَرَأى زِحَاماً وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا». فَقالوا: صَائِمٌ، فَقالَ: «لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا المُفْطِرُ، قال: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِي يَوْمٍ حَارٍّ، أكْثَرُنَا ظِلاً صَاحِبُ الكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ، قال: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ المُفْطِرُونَ، فَضَرَبُوا الأبْنِيَةِ وَسَقَوُا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليَوْمَ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1946) , واللفظ له، ومسلم برقم (1115).

(3/133)


بِالأجْرِ». متفق عليه (1).
2 - أن يشق عليه الصوم مشقة شديدة قد تفضي به إلى الهلاك، فهذا يجب عليه الفطر؛ حفظاً للنفس من الهلاك.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29].
2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَامَ الفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ، حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: «أولَئِكَ العُصَاةُ، أولَئِكَ العُصَاةُ». أخرجه مسلم (2).
3 - أن لا يشق عليه الصوم، ولا يعوقه عن فعل الخير، فهذا الصوم في حقه أولى من الفطر.
1 - قال الله تعالى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)} [البقرة:184].
2 - وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرو الأسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللهِ، فَمَنْ أخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أحَبَّ أنْ يَصُومَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ». متفق عليه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2890)، ومسلم برقم (1119) , واللفظ له.
(2) أخرجه مسلم برقم (1114).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1943) , ومسلم برقم (1121) , واللفظ له.

(3/134)


3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّهَا قَالَتْ: سَألَ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرو الأسْلَمِيُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأفْطِرْ». متفق عليه (1).
الثالث: الحامل والمرضع:
الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما، أو على الجنين، أو الرضيع، فيجوز لهما الفطر، وتطعمان عن كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليهما.
الرابع: المريض الذي لا يرجى برؤه، والشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة:
فهؤلاء يفطرون، ويطعمون عن كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليهم.
قال الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)} [البقرة:184].
- حكم الحائض أو النفساء إذا طهرت:
1 - إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل الفجر فيجب عليها الصوم كغيرها، ويصح صومها وإن أخرت الغسل لما بعد الفجر.
2 - إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار فلا يلزمها الإمساك بقية اليوم، فلها أن تأكل وتشرب، ولزوجها أن يجامعها إذا قدم من سفر وهو مفطر.
3 - يجوز للحائض أن تأكل ما يقطع الحيض من أجل رمضان أو الحج إذا لم يضرّ بها، وتأخذ -إذا انقطع الدم- حكم الطاهرات في الصيام، والصلاة، والطواف، والجماع، وفي كل ما يجوز للطاهرات.
4 - المستحاضة، وهي التي لا ينقطع عنها الدم، لها حكم الطاهرات في كل شيء
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1943) , ومسلم برقم (1121) , واللفظ له.

(3/135)


فتصوم، وتصلي كغيرها.
- وقت الفطر للمسافر:
1 - إذا بدأ المسلم السفر قبل الفجر، فيجوز له الفطر؛ لأنه قد دخل في السفر.
2 - أن يبدأ السفر بعد الفجر، فيباح له الفطر ذلك اليوم إذا فارق البلد، ولا يفطر قبل السفر؛ لأنه لا يجوز له أن يقصر الصلاة حتى يخرج من البلد، فكذلك لا يجوز أن يفطر حتى يخرج من البلد.
عَنِ ابْنِ عَبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: لا تَعِبْ عَلَى مَنْ صَامَ وَلا عَلَى مَنْ أفْطَرَ، قَدْ صَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فِي السَّفَرِ وَأفْطَرَ. متفق عليه (1).
3 - أن ينوي الصوم وهو مسافر، ثم يبدو له أن يفطر، فيجوز له الفطر؛ لأنه من رخص السفر.
عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلا المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ. متفق عليه (2).
- حكم تقدم رمضان بالصيام:
1 - لا يجوز لأحد تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين من أجل الاحتياط لرمضان لما يلي:
تمييز فرائض العبادات عن نوافلها، وليستعد المسلم لصوم رمضان بنشاط ورغبة، ولأن صيام رمضان معلق برؤية الهلال، فمن تقدَّمه تنطَّعَ في الدين، وتجاوز الحدود التي فرضها الله.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1948)، ومسلم برقم (1113) , واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1947) , واللفظ له، ومسلم برقم (1118).

(3/136)


2 - يجوز للمسلم إذا كان عليه صوم واجب كقضاء رمضان، أو صوم نذر، أو له عادة صيام كصيام الإثنين أن يصوم قبل رمضان؛ لأن صومه ليس من أجل رمضان.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَتَقَدَّمَنَّ أحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أوْ يَوْمَيْنِ، إِلا أنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ». متفق عليه (1).
- حكم من ترك صيام رمضان:
من ترك صيام رمضان جاحداً لوجوبه كفر.
ومن ترك صيام رمضان تهاوناً وكسلاً فليس بكافر، لكنه آثم إثماً عظيماً، فتجب عليه التوبة، وقضاء ما ترك من الصيام الواجب.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1914) , واللفظ له، ومسلم برقم (1082).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8) , واللفظ له، ومسلم برقم (16).

(3/137)


3 - فضائل الصيام
- فقه فضائل الأعمال:
من رحمة الله عز وجل بعباده أن جعل لكل عمل صالح فضائل؛ لكي ترغب النفوس فيه، وتكثر منه.
وإذا عرف المسلم فضيلة العمل من صلاة، أو زكاة، أو صيام، أو حج أو غيرها، سهل عليه فعله، وزادت محبته في قلبه، ونشطت جوارحه لأدائه، وشمر لكسب الأجر الموعود عليه، وتلذذ بفعله والإكثار منه، وحفظ به أوقاته، ونافس فيه غيره.
قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [النحل:97].
- فضائل رمضان:
1 - قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة:185].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3277) , ومسلم برقم (1079) , واللفظ له.

(3/138)


3 - وَعَنِ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لامْرَأةٍ مِنَ الأنْصَارِ (سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا): «مَا مَنَعَكِ أنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟» قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلا نَاضِحَانِ، فَحَجَّ أبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ، قالَ: «فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً». متفق عليه (1).
4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (2).
- فضائل صيام رمضان:
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} [البقرة:183].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه». متفق عليه (3).
3 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِى لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ» متفق عليه (4).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1782) , ومسلم برقم (1256) , واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2009) , واللفظ له، ومسلم برقم (759).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (38) , واللفظ له، ومسلم برقم (760).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1894) , ومسلم برقم (1151) , واللفظ له.

(3/139)


- فضائل الصوم:
1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ، هُوَ لِي وَأنَا أجْزِي بِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَخُلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أبْوَابٍ، فِيهَا باب يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لا يَدْخُلُهُ إِلا الصَّائِمُونَ». متفق عليه (2).
- فضل الصوم في سبيل الله:
عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً». متفق عليه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1894) , ومسلم برقم (1151) , واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3257) , واللفظ له، ومسلم برقم (1152).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2840) , واللفظ له، ومسلم برقم (1153).

(3/140)


4 - أقسام الصيام
- أقسام الصيام:
الصيام الذي شرعه الله عز وجل قسمان:
صيام فرض، وصيام تطوع.
وصيام الفرض ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
صوم رمضان، وصوم الكفارات، وصوم النذر.
وصيام التطوع ينقسم إلى قسمين:
1 - صيام التطوع المطلق كصيام ثلاثة أيام من كل شهر ونحوها.
2 - وصيام التطوع المقيد كصوم يوم الإثنين، وصوم عرفة، وصوم عاشوراء، وصوم أيام البيض ونحو ذلك.
- أقسام الصيام من حيث الحكم:
الصيام على أربعة أوجه:
1 - الصوم الواجب، وهو ثلاثة أنواع:
صوم شهر رمضان، والصوم الواجب بالنذر، والصوم الواجب في كفارة الجماع في نهار رمضان، وفي كفارة قتل الخطأ، وفي كفارة الظهار، وفي كفارة اليمين.
2 - الصوم المستحب، وهو صوم التطوع، وهو أنواع منها:
صوم يوم الإثنين، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة، وصوم
يوم عاشوراء ونحو ذلك.

(3/141)


3 - الصوم المكروه، وهو أنواع منها:
صيام أيام التشريق .. صوم المريض .. صوم المسافر الذي يشق عليه السفر .. صوم الدهر ونحو ذلك.
4 - الصوم المحرم، وهو أنواع منها:
صوم الحائض، وصوم النفساء، وصوم يوم عيد الفطر، وصوم يوم عيد الأضحى، وصوم يوم الشك، والوصال ليوم أو يومين ونحو ذلك.
- أنواع الصيام في الكفارات:
1 - كفارة الجماع في نهار رمضان هي:
عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: هَلَكْتُ، يَا رَسُولَ اللهِ! قالَ: «وَمَا أهْلَكَكَ؟». قال: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأتِي فِي رَمَضَانَ، قال: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟» قال: لا، قال: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟». قال: لا، قال: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟». قال: لا، قال: ثُمَّ جَلَسَ، فَأتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تمرٌ، فَقَالَ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا». قال: أفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أهْلُ بَيْتٍ أحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أنْيَابُهُ، ثُمَّ قال: «اذْهَبْ فَأطْعِمْهُ أهْلَكَ». متفق عليه (1).
2 - كفارة قتل الخطأ، بأن يقتل مؤمناً خطأً، فيجب عليه أن يعتق رقبة مؤمنة، فإن
لم يستطع صام شهرين متتابعين.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1936) , ومسلم برقم (1111) , واللفظ له.

(3/142)


قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)} [النساء:92].
3 - كفارة الظهار، كأن يقول الزوج لزوجته: أنت علي كظهر أمي يريد تحريمها، فيجب عليه قبل أن يمس زوجته عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)} [المجادلة:3، 4].
4 - كفارة اليمين، بأن يحلف المسلم على شيء فيحنث فيه، فيجب عليه على التخيير:
عتق رقبة مؤمنة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم.
فإن لم يجد شيئاً من ذلك فيجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام.
قال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ
وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة:89].

(3/143)


5 - كفارة جزاء الصيد، بأن يقتل المحرم بالحج أو العمرة صيداً برياً، فيجب عليه أن يقوِّمه بدراهم، ويطعم كل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن طعام كل مسكين يوماً.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)} [المائدة:95].
- الأشياء التي لا ينقطع بها تتابع الصيام:
من وجب عليه صيام شهرين متتابعين فإنه لا يقطع التتابع ما يلي:
العيدان، والسفر المبيح للفطر، والمرض المبيح للفطر، والحيض، والنفاس.

(3/144)


5 - أحكام الصيام
- ثبوت دخول رمضان:
يجب صيام رمضان إذا ثبت دخول الشهر.
ويثبت دخول شهر رمضان بأحد أمرين:
1 - رؤية هلال رمضان.
فإذا شهد بدخول رمضان مسلم، عدل، قوي البصر، رجلاً كان أو امرأة فقد ثبت دخوله، ووجب صومه.
2 - إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً.
فإذا لم ير الناس الهلال مع صحو السماء ليلة الثلاثين من شعبان أصبحوا مفطرين، وكذا لو حال دون رؤيته غيم أو قتر فإنه لا يصام.
1 - قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185].
2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ». متفق عليه (1).
- أحكام رؤية الهلال:
1 - الطريق إلى معرفة دخول الشهر هو رؤية الهلال بالبصر لا بالحساب الفلكي.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: «إِنَّا أمَّةٌ أمِّيَّةٌ، لا نَكْتُبُ
وَلا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا». يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلاثِينَ.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1909) , واللفظ له، ومسلم برقم (1081).

(3/145)


متفق عليه (1).
2 - إذا رأى هلال رمضان جمع من المسلمين العدول وجب صومه، ويجوز الاكتفاء بخبر الواحد إن كان ثقة.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الهِلاَلَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بصِيَامِهِ. أخرجه أبو داود (2).
3 - إذا رأى هلال شوال اثنان من المسلمين العدول وجب الإفطار، ولا يقبل في خروج رمضان أقل من شاهدين.
عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ زَيْد قَالَ: أَلاَ إِنِّي جَالَسْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَاءَلْتُهُمْ، وَإِنَّهُمْ حَدَّثونِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ وَانْسُكُوا لَهَا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا ثلاَثِينَ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا». أخرجه أحمد والنسائي (3).
4 - إذا صام الناس بشهادة واحدٍ ثلاثين يوماً فلم ير الهلال، لم يفطروا حتى يروا الهلال.
5 - إذا صام الناس ثمانية وعشرين يوماً ثم رأوا هلال شوال فيجب عليهم أن يفطروا، ويصوموا يوماً بعد العيد قضاء؛ لأن الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَقالَ:
«لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الهِلالَ، وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1913) , واللفظ له، ومسلم برقم (1080).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2342).
(3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (18895) , والنسائي برقم (2116) , وهذا لفظه.

(3/146)


فَاقْدُرُوا لَهُ». متفق عليه (1).
6 - إذا رئي الهلال نهاراً فهو لليلة المقبلة، فإن غاب قبل الشمس فهو لليلة الماضية.
- حكم من رأى الهلال ورُدّ قوله:
من رأى من المسلمين الهلال وحده، ورُدَّ قوله فإنه يصوم سراً إذا رأى هلال رمضان، ويفطر سراً إذا رأى هلال شوال؛ لئلا يخالف الجماعة.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا رَأيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأيْتُمُوهُ فَأفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ». متفق عليه (2).
- حكم صوم يوم الشك:
1 - يوم الشك: هو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر ونحوهما مما يمنع الرؤية.
2 - إذا تبين أن يوم الشك من رمضان، فمن صامه بنية أنه من رمضان فصومه صحيح، ومن صامه احتياطاً لرمضان مع صحو السماء فهو آثم، وصومه غير صحيح.
عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَنْ صَامَ اليَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أبو داود والترمذي (3).
3 - من أفطر يوم الشك ثم تبين في أثناء النهار أنه من رمضان وقد أكل وشرب
فيجب عليه الإمساك بقية اليوم، ولا يلزمه القضاء؛ لأن النية تتبع العلم،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1906) , واللفظ له، ومسلم برقم (1080).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1900) , واللفظ له، ومسلم برقم (1080).
(3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2334) , والترمذي برقم (686) , وهذا لفظه.

(3/147)


والعلم لم يحصل إلا أثناء النهار، والله لم يكلف أحداً أن ينوي ما لم يعلم.
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً مِنْ أسْلَمَ: «أنْ أذِّنْ فِي النَّاسِ: أنَّ مَنْ كَانَ أكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ اليَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ». متفق عليه (1).
- حكم إعلان رؤية الهلال:
صيام رمضان من العبادات العامة العظمى، فيجب على إمام المسلمين إذا ثبتت لديه رؤية الهلال شرعاً أن يعلن للمسلمين دخول شهر رمضان وخروجه، بأوسع وسيلة مباحة، وأسرعها بلاغاً؛ ليتمكن المسلمون من فعل ما يجب، وما يسن، في وقت مبكر.
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً مِنْ أسْلَمَ: «أنْ أذِّنْ فِي النَّاسِ: أنَّ مَنْ كَانَ أكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ اليَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ». متفق عليه (2).
- اختلاف المطالع:
1 - التوقيت اليومي يختلف من بلد إلى بلد، فإذا طلع الفجر في المشرق فلا يلزم أهل المغرب أن يمسكوا في نفس الوقت؛ لأن الليل قد يكون بدأ عندهم.
ولو غابت الشمس في المشرق فلا يجوز لأهل المغرب الفطر؛ لأنه عندهم قد يكون بدأ النهار، وهذا أمر معقول ومحسوس ومعلوم.
2 - كما يختلف المسلمون في الإمساك والإفطار اليومي في كل بلد، فكذلك لا بد أن يختلفوا في الإمساك والإفطار الشهري؛ لأنه لكل بلد رؤيتهم، ولا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2007) , واللفظ له، ومسلم برقم (1135).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2007) , واللفظ له، ومسلم برقم (1135).

(3/148)


يلزم غيرهم الصوم معهم.
عَنْ كُرَيْبٍ أنَّهُ كَانَ فِيَ رَمَضَانِ بِالشَّامِ ثُمَّ قَدِمَ المَدِينَةَ فَسَألَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَتَى رَأيْتُمُ الهِلالَ؟ فَقُلْتُ: رَأيْنَاهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: أنْتَ رَأيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاثِينَ، أوْ نَرَاهُ، فَقُلْتُ: أوَ لا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لا، هَكَذَا أمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (1).
3 - إذا رؤي الهلال في بلد فإنه يجب الصوم على أهل البلاد التي لا تختلف مطالعها، وإذا اختلفت المطالع لم يجب.
- من يلزمه الصوم بالرؤية:
إذا رأى الهلال أهل بلد لزمهم الصوم، وحيث أن مطالع الهلال مختلفة، فلكل إقليم، أو قطر، أو بلد حكم يخصه في بدء الصيام ونهايته حسب رؤيتهم، وفي الإمساك والإفطار اليومي.
- حكم صوم جميع المسلمين برؤية واحدة:
1 - يجوز أن يصوم المسلمون جميعاً في أقطار الأرض برؤية واحدة، ويفطرون برؤية واحدة، خاصة في هذا الزمان الذي يمكن فيه إبلاغ الخبر للعالم كله في أقل من دقيقة واحدة.
وهذا أمر حسن يدل على وحدة المسلمين، واجتماع كلمتهم، وإلى أن
يتحقق ذلك إن شاء الله تعالى، فعلى كل مسلم في أنحاء الأرض أن يصوم مع دولته، ولا ينقسم أهل البلد على أنفسهم فيصوم بعضهم معها، وبعضهم
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1087).

(3/149)


مع غيرها؛ حسماً لمادة الفرقة التي نهى الله عنها.
2 - ليلة القدر واحدة لا تتعدد -ولو اختلفت المطالع-، فإذا كانت ليلة القدر في ليلة سبع وعشرين في بلد، فهي ليلة القدر في العالم كله، ولو لم تكن ليلة سبع وعشرين.
- حكم من لم يعلم بدخول رمضان:
1 - من لم يعلم بدخول رمضان فحكمه في وجوب الصوم من وقت علمه، فيمسك إن كان في النهار، ولا قضاء عليه.
2 - من نام ليلة الثلاثين من شعبان وقال إن كان غداً من رمضان فأنا صائم فصام، ثم تبين أنه أول يوم من رمضان، فصومه صحيح؛ لأن تردده في ثبوت الشهر، لا في نية الصيام.
- حكم نية الصيام:
1 - الصيام مركب من ركنين: النية، والإمساك عن المفطرات.
فلو أمسك عن الطعام بلا نية الصيام فلا صيام له، وإذا نوى الإفطار أفطر ولو لم يأكل؛ لأنه سقط الركن الأول، الذي هو أساس الأعمال، وأعظم مقومات العبادة، وهو النية.
2 - يجب على المسلم ليحصل على الأجر أن يصوم رمضان إيماناً واحتساباً، لا رياء ولا سمعة، ولا تقليداً للناس، ولا متابعة لأهل بلده، بل يصوم لأن الله أمره، ويحتسب الأجر عند الله.
3 - يجب على المسلم تعيين نية الصيام من الليل قبل طلوع الفجر للصوم الواجب كصوم رمضان؛ لأن الصوم عبادة لها بداية ونهاية، فلا بد أن تسبقه

(3/150)


النية.
4 - السنة في صيام التطوع أن ينويه قبل الفجر، ويصح صوم التطوع بنية من النهار إن لم يفعل ما يفطِّر بعد طلوع الفجر.
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟». فَقُلْنَا: لا، قال: «فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ». ثُمَّ أتَانَا يَوْماً آخَرَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: «أرِينِيهِ، فَلَقَدْ أصْبَحْتُ صَائِماً». فَأكَلَ. أخرجه مسلم (1).
5 - من نوى الصوم ثم تسحر وغلبه النوم، ولم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس، فصومه صحيح ولا قضاء عليه.
- حكم صوم رمضان بنية من النهار:
1 - يجب صوم رمضان بنية من الليل، ويصح صومه بنية من النهار إذا لم يعلم وجوبه بالليل، كما لو قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار، فإنه يمسك بقية يومه ولا يلزمه القضاء وإن كان قد أكل؛ لأن الأحكام الشرعية لا تلزم إلا بعد العلم بها، والتمكن من العمل بها.
2 - من وجب عليه الصوم نهاراً كالمجنون يفيق، والصبي يبلغ، والكافر يسلم، هؤلاء تُجزيهم النية من النهار حين الوجوب، ولو بعد أن أكلوا وشربوا، ولا قضاء عليهم.
- حكم صوم المجنون:
المجنون ليس من المكلفين، فلا تجب عليه عبادة.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1154).

(3/151)


وإذا جُن المسلم جميع النهار في رمضان من قبل الفجر أو بعد الفجر إلى غروب الشمس، فلا يصح صومه، ولا يلزمه القضاء؛ لأنه ليس أهلاً للعبادة.
- حكم صوم المغمى عليه:
1 - من نوى الصوم، ثم صام فأغمي عليه جميع النهار أو بعضه فصومه صحيح إن شاء الله.
2 - من فقد شعوره بإغماء، أو مرض، أو جنون، ثم أفاق، فلا يلزمه قضاء الصوم والصلاة؛ لارتفاع التكليف عنه.
3 - من فقد شعوره بفعله واختياره بسكر ونحوه ثم أفاق فعليه التوبة والاستغفار، ويلزمه قضاء ما تركه من صوم وصلاة.
- حكم صوم النائم:
إذا تسحر المسلم ثم نام ولم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس:
فإن كان معذوراً فصومه صحيح، ولا قضاء عليه.
وإن كان غير معذور فصومه صحيح، لكنه آثم بالنوم عن الصلوات المفروضة .. وتعطيل وقت الطاعة والعمل .. والإسراف في النوم.
فعليه التوبة والاستغفار، وقضاء ما فاته من الصلوات.
- حكم صوم الصبي:
العبادات لا تجب إلا على البالغ العاقل، لكن ينبغي لولي أمر الصغير أن يأمره بالصيام، ويرغبه فيه، ليعتاد عليه من الصغر ما دام مستطيعاً له.
1 - عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالتْ: أرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأنْصار: «مَنْ أصْبَحَ مُفْطِراً فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أصْبَحَ صَائِماً

(3/152)


فَليَصُمْ». قالتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإفْطَار. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلاَثةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ». أخرجه أبو داود والترمذي (2).
- حكم صوم رمضان بنية واحدة:
1 - صوم رمضان عبادة واحدة مستقلة مركبة من أجزاء وهي الأيام، كالصلاة عبادة مستقلة مركبة من أركان وهي القيام والركوع والسجود وغيرها، فيجوز صوم رمضان بنية واحدة في أول الشهر، وكذا كل صيام متتابع كصوم كفارة الجماع في نهار رمضان، وكفارة الظهار وقتل الخطأ ونحوها، ما لم يقطعه بسفر أو مرض، أو يصيب المرأة حيض أو نفاس، فيلزم حينئذ استئناف النية.
2 - يجب تعيين نية الصوم من واجب أو تطوع، فينوي ما يصوم له من أداء رمضان أو قضائه أو نذر أو كفارة أو تطوع.
عَنْ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا
يُصِيبُهَا أوْ إلَى امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ». متفق عليه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1960) , واللفظ له، ومسلم برقم (1136).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4403) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (1423).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

(3/153)


- حكم من صام في بلد ثم سافر:
إذا صام المسلم في بلد ثم سافر إلى بلد آخر فحكمه في الصيام والإفطار حكم البلد الذي انتقل إليه، فيفطر معهم إذا أفطروا.
وإن أفطر معهم لأقل من تسعة وعشرين يوماً قضى يوماً بعد العيد، ولو صام معهم أكثر من ثلاثين يوماً فلا يفطر إلا معهم.
- حكم من صام أو أفطر خطأً:
1 - إذا أذن المؤذن قبل الوقت، ثم أفطر بعض المسلمين بأذانه، فعليهم قضاء ذلك اليوم، وهكذا لو تأخر المؤذن فلم يؤذن إلا بعد وقت طويل من طلوع الفجر، فأمسكوا بأذانه، فعليهم قضاء ذلك اليوم؛ لأن الله عز وجل حد حدوداً، وجعل لكل عبادة بداية ونهاية، وأوجب على المسلم أن يصوم يوماً كاملاً من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وحق الله يجب ضمانه.
وهذا الخطأ يُسقط الإثم، ولكنه لا يُسقط الحق، فالحق ثابت، ودَيْن الله أحق أن يُقضى.
2 - إذا صام المسلمون وحال دون الشمس غيم أو قتر فأفطروا ثم طلعت الشمس، أمسكوا إلى الغروب، وصومهم صحيح، ولا قضاء عليهم.
عَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَتْ: أفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ. أخرجه البخاري (1).
- حكم الصيام في السفر:
لكل مسلم في الصلاة والصيام حكم المكان الذي هو فيه، فالصائم يمسك
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1959).

(3/154)


ويفطر في المكان الذي هو فيه، سواء كان على سطح الأرض، أو كان على سفينة في البحر، أو كان على طائرة في الجو.
والمسافر في رمضان له ثلاث حالات:
1 - إن كان الصيام والفطر بالنسبة له سواء فالصيام أولى.
2 - وإن كان يشق عليه الصيام في السفر فالفطر أولى.
3 - وإن كان يشق عليه الصيام في السفر مشقة شديدة فالفطر في حقه واجب، ويقضي فيما بعد.
عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلا المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ. متفق عليه (1).
- حكم صيام الكبير والعاجز:
1 - العاجز عن الصيام لا يخلو من أمرين:
1 - أن يكون عجزه غير مستمر، فهذا يفطر ويقضي.
2 - أن يكون المرض مستمراً، وعجزه مستمراً، كالمريض الذي لا يرجى برؤه، والكبير الذي لا يقدر على الصيام، فهذا يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً.
2 - من أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، مقيماً كان أو مسافراً، أطعم عن كل يوم مسكيناً، ويكفيه ذلك عن الصيام.
3 - من أصابه الخرف والتخليط فلا صيام عليه ولا كفارة؛ لأنه مرفوع عنه القلم.
قال الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)} [البقرة:184].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1947) , ومسلم برقم (1118).

(3/155)


- صفة الإطعام:
إذا لم يستطع المسلم الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم عن كل يوم مسكيناً، وله في الإطعام طريقان:
الأول: أن يصنع طعاماً حسب طعام أوسط الناس في بلده، ويطعمه ثلاثين فقيراً عن كامل شهر رمضان.
الثاني: أن يعطي الفقراء ستة أصواع من أرز أو بر أو نحوهما من طعام بلده، ويقسمها على الثلاثين، ومعها اللحم الذي يكفيها أو غيره، حسب عادة بلده، ويخرجها عن كامل شهر رمضان.
- وقت الإطعام:
من أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فهو بالخيار:
إن شاء أطعم عن كل يوم من رمضان بيومه .. وإن شاء قدَّم الإطعام عن الشهر كله في أول رمضان .. وإن شاء أخره كله إلى آخر يوم.
فالحمد للهِ على حسن التسهيل والتيسير: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة:185].

(3/156)


6 - سنن الصيام
- سنن الصيام:
للصيام سنن وآداب ينبغي للمسلم فعلها والحرص عليها، ليكمل صيامه، ويزيد أجره، ويحصل له كمال التقوى.
وأهم سنن الصيام في رمضان ما يلي:
أكل السحور .. وتأخير السحور .. وتعجيل الفطر .. والفطر على الرطب أو التمر .. والدعاء عند الفطر .. والجود بأنواع الخير .. والإكثار من الصدقة والإطعام .. وقراءة القرآن ومدارسته .. والمحافظة على صلاة التراويح في رمضان .. وقيام الليل .. وإحياء الليل في العشر الأواخر من رمضان بأنواع العبادة .. وتحري ليلة القدر .. وقيام ليلتها .. والاعتكاف.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} [البقرة:183].
- فضل أكل السحور:
1 - عَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أهْلِ الكِتَابِ، أكْلَةُ السَّحَرِ». أخرجه مسلم (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1923) , واللفظ له، ومسلم برقم (1095).
(2) أخرجه مسلم برقم (1096).

(3/157)


- أفضل السحور:
يسن للمسلم إذا أراد الصيام أن يتسحر بما تيسر من طعام حلال من تمر ونحوه.
1 - قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187].
2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «نِعْمَ سَحُورُ المُؤْمِنِ التَّمْرُ». أخرجه أبو داود (1).
- وقت السحور:
يسن تأخير السحور إلى ما قبل أذان الفجر الثاني بمقدار خمسين آية = خمس دقائق تقريباً.
1 - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قال: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً. متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ ابنِ عُمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ بِلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أمِّ مَكْتُومٍ». ثُمَّ قال: وَكَانَ رَجُلاً أعْمَى، لا يُنَادِي حَتَّى يُقال لَهُ: أصْبَحْتَ أصْبَحْتَ. متفق عليه (3).
- بركة السحور:
في السحور بركات حسية ومعنوية وشرعية منها:
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2345).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1921) , واللفظ له، ومسلم برقم (1097).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (617) , واللفظ له، ومسلم برقم (1092).

(3/158)


1 - امتثال أمر الله ورسوله، وهذه أعظم البركات.
2 - أن الأكل جعله الله سبباً يقوي الصائم على طاعة الله وعبادته.
3 - أن السحور يعطي الصائم قوة لا يمل معها من العبادة.
4 - أن السحور يكون سبباً للقيام من النوم في وقت السحر، الذي هو وقت الدعاء والاستغفار، ووقت نزول الرب عز وجل إلى السماء الدنيا.
5 - أن السحور يكون سبباً لصلاة الفجر مع الجماعة في وقتها الفاضل.
6 - في أكل السحور مخالفة أهل الكتاب وهي مطلوبة شرعاً.
7 - أن المسلم إذا قام للسحور يحصل منه للمسلمين خير ينتفع به غيره من طعام، أو مال، أو علم، أو قضاء حاجة.
عَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى السَّحُورِ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ: «هَلُمَّ إِلَى الغَدَاءِ المُبَارَكِ». أخرجه أحمد وأبو داود (1).
- حكم من سمع النداء والإناء في يده:
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالإنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلاَ يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ». أخرجه أبو داود (2).
- وقت فطر الصائم:
1 - عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا، وَأدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ». متفق
عليه (3).
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17143)، وأخرجه أبو داود برقم (2344) وهذا لفظه.
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2350).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1954) , واللفظ له، ومسلم برقم (1100).

(3/159)


2 - وَعَنْ عَبْداللهِ بن أبِي أوْفَى رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أمْسَيْتَ؟ قال: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عَلَيْكَ نَهَاراً، قال: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». فَنَزَلَ فَجَدَحَ، ثُمَّ قال: «إِذَا رَأيْتُمُ اللَّيْلَ أقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ». وَأشَارَ بِإِصْبَعِهِ قِبَلَ المَشْرِقِ. متفق عليه (1).
- فضل تعجيل الفطر:
1 - يستحب للصائم تعجيل الفطر إذا سمع الأذان، أو تحقق غروب الشمس، وتعجيل الفطر دليل على بقاء الخير عند من عجله، ورأس الخير هو اتباع السنة، الذي هو أساس خيري الدنيا والآخرة.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ». متفق عليه (2).
2 - تعجيل الفطر شعار أهل الإسلام، وتأخير الفطر شعار أهل الكتاب.
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِراً مَا عَجَّلَ النَّاسُ الفِطْرَ، لأَنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (3).
- حكم تعجيل المغرب والإفطار:
يسن للصائم أن يفطر إذا سمع الأذان، ثم يصلي المغرب في وقتها.
عَنْ أبِي عَطِيَّةَ قَالَ: دَخَلْتُ أنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ لَهَا مَسْرُوقٌ: رَجُلانِ مِنْ أصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، كِلاهُمَا لا يَأْلُو عَنِ الخَيْرِ، أحَدُهُمَا يُعَجِّلُ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1956) , واللفظ له، ومسلم برقم (1101).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1957) , واللفظ له، ومسلم برقم (1098).
(3) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (2353)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (1698).

(3/160)


المَغْرِبَ وَالإفْطَارَ، وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ المَغْرِبَ وَالإفْطَارَ، فَقَالَتْ: مَنْ يُعَجِّلُ المَغْرِبَ وَالإفْطَارَ؟ قال: عَبْدُاللهِ، فَقَالَتْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ. أخرجه مسلم (1).
- ما يفطر به الصائم:
السنة أن يفطر الصائم على الرطب أو التمر، فإن لم يتيسر أفطر على الماء، فإن لم يتيسر أفطر على ما تيسر من طعام أو شراب حلال، فإن لم يجد ما يفطر عليه نوى بقلبه الفطر.
1 - عَنْ أَنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمرَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ. أخرجه أبو داود والترمذي (2).
2 - وعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أبِي أوْفَى رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قالَ لِبَعْضِ القَوْمِ: «يَا فُلانُ قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا». فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ أمْسَيْتَ؟ قالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَوْ أمْسَيْتَ؟ قال: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». قالَ: إِنَّ عَلَيْكَ نَهَاراً، قالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُمْ، فَشَرِبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قال: «إِذَا رَأيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا، فَقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ». متفق عليه (3).
- حكمة الفطر على التمر أو الماء:
1 - إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع الجسم
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1099).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2356) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (696).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1955) , واللفظ له، ومسلم برقم (1101).

(3/161)


به، والصائم يفقد كمية من السكر المخزون في جسمه أثناء الصيام، وأكل الرطب أو التمر يعيد إليه بإذن الله ما فقده من السكر والنشاط.
وهبوط نسبة السكر عند الإنسان عن حدها المعتاد يسبب ما يشعر به الصائم من ضعف وكسل وروغان البصر، والفطر على التمر يعيد إليه بسرعة ما فقده من السكر.
2 - وأما الماء فالكبد يحصل لها بالصوم نوع يُبس، فإذا رُطِّبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده.
- ما يقوله الصائم عند الإفطار:
1 - يسن للصائم عند الإفطار أن يسمي، وإذا نسي ثم ذكر قال: بسم الله أوله وآخره.
عَنْ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنْتُ غُلاماً فِي حَجْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا غُلامُ، سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ». فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. متفق عليه (1).
2 - إذا أفطر وشرب الماء قَالَ: «ذهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ العُرُوقُ وَثبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ». أخرجه أبو داود (2).
3 - أن يحمد الله عند الانتهاء.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5376) , واللفظ له، ومسلم برقم (2022).
(2) حسن، أخرجه أبو داود برقم (2357).

(3/162)


أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا». أخرجه مسلم (1).
- ما يقوله الصائم إذا شُتم:
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إِذَا أصْبَحَ أحَدُكُمْ يَوْماً صَائِماً، فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ». متفق عليه (2).
- فضل الجود بالخير في رمضان:
يسن للمسلم الإكثار من الصدقة والإطعام، وقراءة القرآن ومدارسته، والجود بأنواع الخير، ويتأكد ذلك في رمضان؛ لما فيه من شرف الزمان.
عَنْ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - القُرْآنَ: فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام، كَانَ أجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ. متفق عليه (3).
- ما يقوله الصائم إذا أفطر عند أحد:
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَجَاءَ بخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَأَكَلَ ثمَّ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ
الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلاَئِكَةُ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (4).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2734).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1894)، ومسلم برقم (1151).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1902) , واللفظ له، ومسلم برقم (2308).
(4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3854) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1747).

(3/163)


- فضل إطعام الصائمين:
الإطعام مستحب في كل وقت، ويتأكد في رمضان؛ لما فيه من تفريغ قلوب الصائمين والقائمين للعبادة.
عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كَانَ لَهُ مِثلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئاً». أخرجه الترمذي وابن ماجه (1).
- فضل صلاة التراويح:
تسن صلاة التراويح في ليالي شهر رمضان بعد صلاة العشاء الآخرة (إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، مع الوتر).
هذا هو السنة، ومن صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (2).
- فضل الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر:
يسن للمسلم أن يجتهد في العشر الأواخر من رمضان، ويحيي الليل بأنواع العبادة.
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ العَشْرُ، أحْيَا
اللَّيْلَ وَأيْقَظَ أهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَرَ. متفق عليه (3).
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْتَهِدُ فِي العَشْرِ
_________
(1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (807) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1746).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (37) , واللفظ له، ومسلم برقم (759).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2024) , ومسلم برقم (1174) , واللفظ له.

(3/164)


الأوَاخِرِ، مَا لا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ. أخرجه مسلم (1).
- فضل العمرة في رمضان:
تسن العمرة في رمضان، وهي فيه تعدل حجة.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لامْرَأةٍ مِنَ الأنْصَارِ: «مَا مَنَعَكِ أنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟». قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلا نَاضِحَانِ، فَحَجَّ أبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحاً نَنْضِحُ عَلَيْهِ، قال: «فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً». متفق عليه (2).
- فضل الاعتكاف في رمضان:
يسن للصائم الاعتكاف في رمضان، لا سيما في العشر الأواخر؛ لأنه أقرب إلى صيانة النفس عن المنهيات، وإتيانها بالمأمورات، ورجاء أن يصادف ليلة القدر.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. متفق عليه (3).
- فضل ليلة القدر:
يسن للمسلم إحياء ليلة القدر بالصلاة والذكر والدعاء وتلاوة القرآن وبذل
المعروف، وهي ليلة عظيمة القدر، حيث يفرق فيها كل أمر حكيم.
وليلة القدر خير من ألف شهر، وذلك يساوي ثلاثة وثمانون عاماً وأربعة أشهر، وهي في العشر الأواخر، وترجى ليلة سبع وعشرين من رمضان.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1175).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1782) , ومسلم برقم (1256) , واللفظ له.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2026) , واللفظ له، ومسلم برقم (1172).

(3/165)


1 - قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدْر:1 - 5].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: «قُولِي اللهمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي». أخرجه الترمذي وابن ماجه (2).
- حكم العمرة ليلة القدر:
تسن العمرة في كل وقت، وهي في رمضان آكد؛ لأنها فيه تعدل حجة.
أما تخصيص ليلة القدر بعمرة فبدعة؛ لأنه تخصيص لعبادة في زمن لم يخصصه الشرع، وإنما خص الشرع ليلة القدر بالقيام فيها، وإحياء ليلها بالعبادة والصلاة.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ
مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1901)، ومسلم برقم (760).
(2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3513) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (3850).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1901) , واللفظ له، ومسلم برقم (759).

(3/166)


7 - ما يجب على الصائم
- يجب على الصائم ما يلي:
1 - يجب على الصائم الفطر إذا أذن المغرب، والإمساك عن المفطرات إذا تبين له طلوع الفجر الثاني.
1 - قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)} [البقرة:187].
2 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أبِي أوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ قالَ: «يَا فُلانُ! انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». قال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ عَلَيْكَ نَهَاراً، قال: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». قال: فَنَزَلَ فَجَدَحَ، فَأتَاهُ بِهِ، فَشَرِبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قال بِيَدِهِ: «إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَا هُنَا، وَجَاءَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا، فَقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ». متفق عليه (1).
2 - يجب على المسلم اجتناب الكذب والغيبة والسب في كل وقت، وفي رمضان آكد.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1941) , ومسلم برقم (1101) , واللفظ له.

(3/167)


عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». أخرجه البخاري (1).
3 - عدم الرفث والصخب، وعدم الرد على من جهل عليه.
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قال اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأنَا أجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ». متفق عليه (2).
4 - يجب على الصائم حفظ الجوارح عن المعاصي والآثام في كل وقت، وفي رمضان آكد.
قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} [الإسراء:36].
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (6057).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1904) , واللفظ له، ومسلم برقم (1151).

(3/168)


8 - ما يحرم على الصائم
- يحرم على الصائم ما يلي:
1 - الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات في النهار.
قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187].
2 - الوصال يوماً أو يومين فأكثر من غير أكل وشرب بينهما.
1 - عَنْ أبِي سَعِيدٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تُوَاصِلُوا، فَأيُّكُمْ إِذَا أرَادَ أنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ». قالوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ». أخرجه البخاري (1).
2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالوِصَالَ». مَرَّتَيْنِ، قِيلَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قال: «إِنِّي أبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ، فَاكْلَفُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ». متفق عليه (2).
3 - تحرم الغيبة والنميمة ونحوهما في كل وقت، وهي في رمضان أشد حرمة؛ لحرمة الزمان.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1963).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1966) , واللفظ له، ومسلم برقم (1103).

(3/169)


عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». أخرجه البخاري (1).
4 - تقبيل الزوجة ومباشرتها نهاراً إذا خشي نزول المني.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ. متفق عليه (2).
5 - استعمال الإبر المغذية، وغسيل الكلى في نهار رمضان.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (6057).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1927) , واللفظ له، ومسلم برقم (1106).

(3/170)


9 - ما يكره للصائم
- يكره للصائم ما يلي:
1 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق في النهار.
2 - ذوق الطعام في النهار بلا حاجة.
3 - الحجامة إن خشي الضعف.
4 - الفصد إن خشي الضعف.
5 - مضغ العلك في النهار.
6 - تقبيل ومباشرة الزوجة في النهار بشهوة.
7 - فضول الكلام والنظر والنوم.
8 - جمع الريق وبلعه.
9 - بلع النخامة سواء كانت من الرأس، أو الحلق، للصائم وغيره؛ لأنها مستقذرة طبعاً.

(3/171)


10 - ما يجوز للصائم
- يجوز للصائم ما يلي:
1 - تقبيل الزوجة ومباشرتها، إن أمن نزول المني، ولو تحركت شهوته.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أمْلَكُكُمْ لإرْبِهِ. متفق عليه (1).
- من قبّل زوجته أو باشرها وهو صائم فأمذى أو أمذت فلا شيء عليهما.
ومن علم أنه يمني بالتقبيل أو المباشرة، وهي مس بشرة الزوجة فيما دون الفرج لم يجز له ذلك.
فإن فعل وأمنى أو أمنت هي فقد أفطر الذي أنزل منهما، وبطل صومه، وأثم بفعله، وعليه القضاء دون الكفارة.
فإن جامعها نهاراً وهو صائم فهو آثم، وعليه القضاء والكفارة.
2 - أن يصبح يوم الصيام جنباً، فمن أجنب ليلاً، ثم أصبح صائماً، فصومه صحيح، ولا قضاء عليه، ولا إثم عليه.
ومن احتلم وهو صائم فصومه صحيح، ولا قضاء عليه.
عَنْ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ. متفق عليه (2).
3 - الأكل والشرب في نهار رمضان ناسياً لا يفسد الصوم، ولا يوجب القضاء،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1927) , ومسلم برقم (1106) , واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1925) , واللفظ له، ومسلم برقم (1109).

(3/172)


وكذلك الجماع ناسياً.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأكَلَ أوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ». متفق عليه (1).
4 - الاغتسال وصب الماء على الرأس للتبرد من الحر والعطش.
عَنْ أبِي بَكْر بْن عَبدِالرَّحمنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ النَّاسَ فِي سَفَرِهِ عَامَ الفَتْحِ بالفِطْرِ وَقَالَ: «تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ» وَصَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ الَّذِي حَدَّثنِي: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالعَرْجِ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ المَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنَ العَطَشِ أَوْ مِنَ الحَرِّ. أخرجه أبو داود (2).
5 - المضمضة والاستنشاق من غير مبالغة.
عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بَالِغْ فِي الاِسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِماً». أخرجه أبو داود والترمذي (3).
6 - الحجامة إن كانت لا تضعفه، والتبرع بالدم إن كان لا يضعفه، والفصد إن كان لا يضعفه، ونحو ذلك.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ. متفق عليه (4).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1933) , ومسلم برقم (1155) , واللفظ له.
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2365).
(3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2366) وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (788).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1938) , واللفظ له، ومسلم برقم (1202).

(3/173)


- أحوال أخذ الدم:
الحجامة والفصد والتبرع بالدم لا يفطر الصائم.
ويجوز ذلك في حق الصائم الذي لا يضعف به .. ويكره في حق من يضعف به .. ويحرم في حق من بلغ به الضعف إلى أن تكون سبباً في إفطاره.
عَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ سُئِلَ: أكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الحِجَامَةَ لِلصَّائِم؟ قَالَ: لا، إِلا مِنْ أجْلِ الضَّعْفِ. وَزَادَ شَبابةُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (1).
7 - خروج القيء، فمن غلبه القيء، أو استقاء لحاجة، فصومه صحيح، ولا قضاء عليه ولا كفارة.
8 - كل ما لا يسمى أكلاً ولا شرباً، ولا يقصد به الأكل والشرب كالكحل والقطرة والحقنة والأدهان والطيب والبخور والحنا ومعجون الأسنان ونحو ذلك.
9 - كل ما لا يمكن التحرز منه كالطعام بين الأسنان، والدم اليسير من اللثة والأسنان، إذا اختلط بالريق وغلبه.
وغبار الطريق والطحين والدخان، ونحو ذلك مما لا يمكن التحرز منه إذا بلعه الصائم، والرعاف والنزيف، وخروج المذي والودي ونحو ذلك.
10 - بلع النخامة والبلغم لا يفطر الصائم، لكن ذلك مستقذر، فينبغي للإنسان لفظه لقذارته وضرره.
11 - ذوق الطعام للحاجة ما لم يصل إلى الجوف فيفطر به.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1940).

(3/174)


12 - وصال الصيام إلى السحر، والأَوْلى تركه.
عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تُوَاصِلُوا، فَأيُّكُمْ أرَادَ أنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ». قالوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ». أخرجه البخاري (1).
- ما يباح فعله أثناء الصوم:
الأشياء التي لا يفطر بها الصائم، ويجوز للصائم فعلها أثناء النهار ما يلي:
قطرة العين والأنف والأذن .. وبخاخ الربو .. وبخاخ الأنف .. والكحل .. والتحاميل .. والحقن الشرجية .. وتحليل الدم .. والدهانات .. والمراهم.
وإبر الأنسولين .. والإبر العلاجية غير المغذية .. والأقراص التي توضع تحت اللسان لعلاج الأزمات القلبية .. والتخدير إن أفاق جزءاً من النهار .. ومنظار الكشف على المعدة ونحو ذلك مما هو ليس بأكل ولا شرب.
_________
(1) صحيح/ أخرجه البخاري برقم (1967).

(3/175)


11 - أقسام المفطرات
- فقه المفطرات:
المفطرات هي كل ما يزيد الجسم قوة أو ضعفاً، وهي نوعان:
1 - الطعام والشراب الذي يمد الجسم بالتغذية، فيتولد الدم الكثير الذي يجري في العروق، ويزيد قوة الشهوة، ويسهل للشيطان أن يجري في هذا الدم، فيغوي بني آدم، ويزين لهم المعاصي.
2 - خروج الأشياء المنهكة للجسم، والتي تزيد الجسم ضعفاً إلى ضعف، فيضعف المسلم بسببها عن الطاعة والعبادة، كالجماع والحيض والنفاس ونحو ذلك.
فمنع الشرع منه رحمة بالعبد وشفقة عليه؛ لئلا يزيد ضعفه إلى ضعف آخر فيقصِّر في أداء ما أمره الله به.
فهذان الأمران هما أساس المفطرات، وعليهما مدار كل مفطر.
- الأشياء التي يفسد بها الصوم:
يفسد الصوم بما يلي:
1 - الأكل والشرب في نهار رمضان.
2 - الجماع في نهار رمضان.
3 - إنزال المني يقظة بتقبيل، أو مباشرة، أو استمناء ونحو ذلك.
4 - استعمال الإبر المغذية للبدن في نهار رمضان.
وهذه المفطرات يفطر بها الصائم إذا فعلها عالماً، متعمداً، ذاكراً لصومه.

(3/176)


5 - خروج دم الحيض والنفاس.
6 - الردة عن الإسلام.
- شروط المفطرات:
شروط المفطرات ثلاثة: العلم .. والذكر .. والعمد.
والصائم له حالتان:
الأولى: أن يفعل شيئاً من مفسدات الصيام السابقة ناسياً، أو جاهلاً، أو بغير قصد، فصومه صحيح، ولا قضاء عليه.
1 - قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأكَلَ أوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ». متفق عليه (1).
الثانية: أن يفعل شيئاً من مفسدات الصيام مختاراً، عالماً، ذاكراً، من غير رخصة شرعية، فهذا قد فسد صومه، وهو آثم بفعله، وعليه أن يتوب إلى الله من ذنبه، ولا يصح منه الأيام التي أفطرها، وإن كان الفطر بالجماع فعليه إثم الفطر والجماع.
قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)} [الأحزاب:5].
- منافذ المفطرات:
ما يفسد الصيام له ستة منافذ:
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1933) , ومسلم برقم (1155) , واللفظ له.

(3/177)


1 - قسم من الفم: وهو الأكل والشرب عمداً.
2 - قسم من الأنف: وهو المبالغة في الاستنشاق حتى دخل الماء في جوفه.
3 - قسم من الفرج: وهو ثلاثة أقسام:
الجماع .. ونزول المني في غير احتلام بمباشرة أو تقبيل ونحو ذلك .. وخروج دم الحيض والنفاس.
4 - قسم من الدماغ: وهو نوعان:
الجنون .. والإغماء .. فمن جن أو أغمي عليه فسد صومه، ولا قضاء عليه؛ لارتفاع التكليف عنه.
5 - قسم من سائر البدن: وهو الإبر المغذية للبدن.
6 - قسم من العروق: كحقن الدم في الجسم، وغسيل الكلى، ويكون بإخراج الدم من الجسم، ثم إعادته نقياً مع إضافة بعض المواد إليه.
وهذه الأقسام كلها مفسدة للصوم.
- حكم استخدام الصائم الإبر:
الإبر نوعان:
1 - الإبر المغذية التي تستخدم في إطعام المرضى، فهذه تفطِّر من استعملها؛ لأنها بمعنى الأكل والشرب.
2 - الإبر غير المغذية التي تستخدم للدواء للتغذية مثل إبر الأنسولين ونحوها، فهذه لا تفطر الصائم؛ لأنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعناهما.
- حكم استخدام بخاخ الربو:
من كان عنده ضيق في التنفس فيجوز له استخدام البخار، أو بخاخ الربو، من

(3/178)


أجل توسيع الشعب الهوائية وترطيبها، ولا يفطر بذلك الصائم.
- حكم حقن الدم في الصائم:
إذا احتاج الصائم إلى دم، كأن يحصل معه نزيف، أو ينقص دمه، فحُقن به دم، فإنه يفطر بذلك؛ لأن الدم خلاصة الغذاء، والغذاء من المفطرات، فيفطر ويقضي فيما بعد.
- الذين يجوز لهم الفطر في رمضان:
الذين يجوز لهم الفطر في رمضان سبعة:
أربعة من أهل القضاء .. وثلاثة من أهل الكفارة.
فأهل القضاء أربعة، وهم:
المسافر إذا أفطر .. والمريض إذا أفطر .. والحامل إذا خافت على نفسها أو ولدها فأفطرت .. والمرضع إذا خافت على الرضيع فأفطرت.
فهؤلاء إذا أفطروا فعليهم القضاء بلا كفارة.
وأهل الكفارة ثلاثة، وهم:
المريض الذي لا يرجى برؤه .. وصاحب العطش الذي لا يصبر عن الماء .. والكبير من الرجال والنساء الذي لا يستطيع الصوم.
فهؤلاء جميعاً يفطرون ويطعمون عن كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليهم.
- حكم الجماع في نهار رمضان:
1 - إذا أنزل الصائم في نهار رمضان باستمناء ومباشرة زوجته بدون جماع، فهو آثم، وعليه القضاء دون الكفارة.
2 - من سافر في نهار رمضان، وصام في سفره، ثم جامع زوجته، فعليه القضاء

(3/179)


دون الكفارة، ولا إثم عليه.
3 - من جامع في نهار رمضان وهو مقيم فعليه القضاء والكفارة والإثم إن كان متعمداً، عالماً، ذاكراً.
فإن كان مكرهاً، أو جاهلاً، أو ناسياً، فصومه صحيح، ولا قضاء عليه ولا كفارة، والمرأة كالرجل في الحالتين.
- كفارة الفطر بالجماع في نهار رمضان:
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! قال: «وَمَا أهْلَكَكَ؟». قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأتِي فِي رَمَضَانَ، قال: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟» قالَ: لا، قال: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟». قال: لا، قالَ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟». قال: لا، قال: ثُمَّ جَلَسَ، فَأتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمر، فَقَالَ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا». قال: أفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أهْلُ بَيْتٍ أحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أنْيَابُهُ، ثُمَّ قال: «اذْهَبْ فَأطْعِمْهُ أهْلَكَ». متفق عليه (1).
- متى تسقط الكفارة بالجماع:
تسقط الكفارة فيما يلي:
1 - إذا جامع زوجته في السفر.
2 - إذا جامع زوجته في قضاء رمضان.
3 - إذا جامع زوجته في رمضان دون الفرج فأنزل.
4 - إذا كان معذوراً بجهل، أو نسيان، أو إكراه، فلا قضاء عليه ولا كفارة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1936) , ومسلم برقم (1111) , واللفظ له.

(3/180)


5 - إذا واقع زوجته في صوم نفل أو نذر.
لا تجب الكفارة مطلقاً بغير الجماع في نهار رمضان ممن يلزمه الصوم.
- حكم من احتال للجماع في نهار رمضان:
من احتال لجماع أهله في رمضان فأفطر بالطعام أو الشراب، ثم جامع أهله لتسقط عنه الكفارة فهذا قد خرق حرمة رمضان بالفطر .. وفَعَل الجماع المحرم في نهار رمضان .. واحتال لمقارفة المحرم .. وأفسد صوم غيره بالجماع فعلى الحاكم أن يستتيبه .. وعليه التوبة إلى الله من ذنبه العظيم .. وعليه القضاء .. وعليه الكفارة المغلظة.
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ؛ أنَّ رَجُلاً وَقَعَ بِامْرَأتِهِ فِي رَمَضَانَ، فَاسْتَفْتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً؟». قال: لا، قال: «وَهَلْ تَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَيْنِ؟». قال: لا، قال: «فَأطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا». متفق عليه (1).
- حكم الكفارة إذا كرر الجماع:
1 - تجب الكفارة على من جامع في نهار رمضان متعمداً على الترتيب:
عتق رقبة مؤمنة .. فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين .. فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً.
2 - من جامع في نهار رمضان ثم كفر، ثم جامع في يوم آخر، فعليه كفارة أخرى.
3 - من جامع مراراً في يوم واحد، فعليه كفارة واحدة، لكن إثمه أعظم.
4 - من جامع في نهار رمضان ولم يكفر، ثم جامع في يوم آخر، فعليه كفارة لكل يوم؛ لأن كل يوم عبادة مفردة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1936) , ومسلم برقم (1111)، واللفظ له.

(3/181)


- أقسام الناس في الصيام والقضاء:
الناس في رمضان أربعة أصناف:
1 - من يلزمه صوم رمضان أداءً، وهو كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصيام مقيم.
2 - من يفطر ويقضي وهم سبعة:
المريض الذي يرجى زوال مرضه .. المسافر .. الحائض والنفساء .. الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو الجنين أو الرضيع .. المفطر لإنقاذ من وقع في هلكة.
3 - من لا يجب عليه الصيام أداءً ولا قضاءً، وإنما تجب عليه الكفارة بدل الصيام وهم ثلاثة:
الشيخ الكبير .. والعجوز الكبيرة .. والمريض الذي لا يرجى برؤه.
4 - من لا يجب عليه الصيام أداء ولا قضاءً، ولا يصح منه، وهم أربعة:
1 - الكافر: فالصوم عبادة لا تصح من كافر.
2 - الصغير دون البلوغ: والمميز يصح منه، ولا يجب عليه أداءً ولا قضاءً.
3 - المجنون: لأنه مرفوع عنه القلم.
4 - الخرف في عقله: لأنه مرفوع عنه القلم، فلا يجب عليه، ولا يطعم عنه.

(3/182)


12 - قضاء الصيام
- الذين يجب عليهم الصيام والقضاء والإطعام.
1 - الله عز وجل أوجب صيام رمضان أداءً في حق غير ذوي الأعذار.
2 - وأوجبه قضاءً في حق ذوي الأعذار التي تزول كالسفر والمرض والحيض والنفاس.
3 - وأوجب الإطعام في حق من لا يستطيع الصيام أداء ولا قضاء كالكبير، والمريض الذي لا يرجى برؤه.
- حكم قضاء رمضان:
1 - يجب على من أفطر في نهار رمضان بعذر أن يقضي جميع الأيام التي أفطرها؛ لأنها دين لله يجب أداؤه إلا إن كان عاجزاً عن الصيام فيطعم عن كل يوم مسكيناً.
2 - ويسن قضاء رمضان فوراً متتابعاً، وإذا ضاق الوقت وجب التتابع، وإن أخر قضاء رمضان إلى ما بعد رمضان آخر بغير عذر فهو آثم، وعليه القضاء.
3 - قضاء رمضان لا يجب على الفور، وإنما يجب على التراخي وجوباً موسعاً، لكن تستحب المبادرة بالقضاء.
1 - قال الله تعالى: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)} [المؤمنون:61].
2 - وَعَنْ أبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أسْتَطِيعُ أنْ أقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ، الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أوْ

(3/183)


بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (1).
- حكم قضاء من أفطر رمضان متعمداً:
من أفطر رمضان أو بعضه عالماً متعمداً ذاكراً من غير عذر، لم يجزه صيام الدهر كله، فلا يشرع له القضاء، ولا يصح منه، وهو آثم إثماً عظيماً؛ لأنه انتهك حرمة الشهر، وحرمة الأمر، متعمداً من غير عذر، فعليه التوبة والاستغفار من ذنبه.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)} [النساء:110].
- حكم صوم التطوع قبل القضاء:
1 - من كان عليه قضاء من رمضان فإنه يبدأ بالقضاء قبل التطوع؛ لأن الفرض مقدم على النفل، وأداء الفرائض أحب إلى الله.
2 - من كان عليه صيام من رمضان فالسنة أن يقضيه، ثم يصوم الستة أيام من شوال؛ ليحصل على فضيلة ثواب صوم الدهر، باتباع رمضان بست من شوال.
عَنْ أبِي أيُّوبَ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ». أخرجه مسلم (2).
3 - السنة أن يبادر المسلم إلى قضاء ما فاته من رمضان، لكن لو صام تطوعاً قبل أن يقضي ذلك جاز له، خاصة إذا كان الصوم مما له فضيلة تفوت كيوم
عرفة، والعاشر من محرم ونحوهما؛ لأن وقت القضاء موسّع.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1950) , ومسلم برقم (1146) , واللفظ له.
(2) أخرجه مسلم برقم (1164).

(3/184)


- حكم قضاء الصيام عن الميت:
من مات وعليه صيام من رمضان فله ثلاث حالات:
1 - أن يتصل عذره بموته فلا يتمكن من القضاء حتى يموت وهو غير قادر على القضاء، فهذا ليس عليه ولا على ورثته صيام ولا إطعام.
2 - أن يزول عذره، ويتمكن من القضاء، لكنه لم يقض حتى مات، فهذا يصوم عنه وليه؛ لأنه دَيْن يجب قضاؤه.
3 - أن يموت وعليه صوم نذر، فهذا يصوم عنه وليه؛ لأنه دَيْن في ذمته يجب قضاؤه.
1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أفَأقْضِيهِ عَنْهَا؟ قال: «نَعَمْ» قال: «فَدَيْنُ اللهِ أحَقُّ أنْ يُقْضَى». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». متفق عليه (2).
- حكم الصيام والإطعام في القضاء:
من مات وعليه صيام واجب كقضاء رمضان، أو صوم نذر، فالسنة أن يقضيه عنه وليه، والولي هو الوارث، وإن قضاه عنه غيره أجزأ عنه.
وإن صام عنه رجال أو نساء بعدد الأيام التي عليه جاز ذلك.
وإن جمع وليه المساكين بعدد الأيام التي عليه وأطعمهم أجزأ ذلك عنه.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1953) , واللفظ له، ومسلم برقم (1148).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1952) , واللفظ له، ومسلم برقم (1147).

(3/185)


- صفة قضاء صيام رمضان:
من كان عليه قضاء من رمضان فله أن يقضيه متتابعاً أو مفرقاً حسب الأرفق به، فإن استويا فالتتابع في القضاء أولى؛ لأن القضاء يحكي الأداء، والمسارعة في القضاء أولى للقادر.
قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة:185].
- حكم من نوى الإفطار:
من نوى الإفطار أفطر؛ لأن الصيام مركب من ركنين: النية، والإمساك عن المفطرات، فإذا نوى الإفطار جازماً سقط الركن الأول، وهو أساس الأعمال، وعليه قضاء يوم مكانه.
- حكم من أكل فبان خلاف ظنه:
من أكل أو شرب أو جامع معتقداً أنه في ليل فبان نهاراً، أو أكل أو شرب أو جامع ظاناً غروب الشمس فتبين أنها لم تغرب، فصومه في الحالتين صحيح، ولا قضاء عليه؛ لأنه الأصل، وقد اجتهد وفَعَل ما يجوز له شرعاً، فظهر أنه مخطئ، لكن يجب عليه الإمساك فوراً.
قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ
قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)} [الأحزاب:5].

(3/186)


- حكم قضاء الست من شوال:
1 - صيام الأيام الستة من شوال لا تقضى إذا فات وقتها من غير عذر.
2 - من كان معذوراً بمرض لا يمكن معه الصوم، أو استغرقت المرأة صيام شوال قضاءً، فلهذين صيام الست من شوال في ذي القعدة قضاءً كالرواتب الفائتة لعذر.

(3/187)


13 - صيام التطوع
- أنواع الصيام:
الصيام نوعان:
1 - الصيام الواجب: وهو ثلاثة أنواع هي:
صيام رمضان .. وصيام الكفارات .. وصيام النذر.
2 - صيام التطوع: وهو كل صيام مشروع ليس بواجب، وهو نوعان:
1 - تطوع مطلق كصيام يوم وإفطار يوم.
2 - وتطوع مقيد كصيام يوم عرفة وعاشوراء ونحوهما.
وصيام التطوع بعضه آكد من بعض.
- حكمة مشروعية صيام التطوع:
صوم التطوع فيه ثواب عظيم، وزيادة في الأجر، وجبر لما يحصل في الصيام الواجب من نقص أو خلل.
وثمرة الصيام حصول التقوى، وفي صيام التطوع حفظ جوارح المسلم من الآثام على مدار العام، والتقرب إلى الله بما يحب.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ قال: مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَألَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا

(3/188)


تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنَا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ». أخرجه البخاري (1).
- هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في صيام التطوع:
1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قال: مَا صَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَهْراً كَامِلاً قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ، وَيَصُومُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: لا وَاللهِ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: لا وَاللهِ لا يَصُومُ. متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أنْ لا يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أنْ لا يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئاً، وَكَانَ لا تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّياً إِلا رَأيْتَهُ، وَلا نَائِماً إِلا رَأيْتَهُ. أخرجه البخاري (3).
3 - وَعَنَْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ شَهْراً أكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ: «خُذُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا». وَأحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا. متفق عليه (4).
- أنواع صيام التطوع:
صوم التطوع المشروع أربعة أنواع:
1 - ما يتكرر بتكرر الأيام كصوم يوم وفطر يوم.
2 - ما يتكرر بتكرر الأسابيع، وهو صوم يوم الإثنين.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (6502).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1971) , واللفظ له، ومسلم برقم (1157).
(3) أخرجه البخاري برقم (1972).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1970) , ومسلم برقم (782).

(3/189)


3 - ما يتكرر بتكرر الشهور، وهو صيام ثلاثة أيام من كل شهر.
4 - ما يتكرر بتكرر السنين، وهو ما يلي:
صيام يوم عرفة .. والعاشر من محرم .. وست من شوال .. وتسع ذي الحجة .. وصوم أكثر شهر الله المحرم .. وصوم أكثر شعبان.
- أقسام صيام التطوع:
ينقسم صيام التطوع إلى ثمانية أقسام:
الأول: صوم يوم وإفطار يوم: وهو أفضل صيام التطوع، وهو صوم داود - صلى الله عليه وسلم -.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أحَبَّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَأحَبَّ الصَّلاةِ إِلَى اللهِ صَلاةُ دَاوُدَ (عَلَيْهِ السَّلام). كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً». متفق عليه (1).
الثاني: صيام شهر الله المحرم: وهو أفضل الصيام بعد رمضان، وآكده العاشر ثم التاسع، وصوم العاشر يكفر ذنوب السنة الماضية، ويسن أن يصوم التاسع ثم العاشر مخالفة لليهود.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَأفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ». أخرجه مسلم (2).
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ، فَرَأى اليَهُودَ
تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقال: «مَا هَذَا». قالوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1131) , ومسلم برقم (1159) , واللفظ له.
(2) أخرجه مسلم برقم (1163).

(3/190)


اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قال: «فَأنَا أحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ». فَصَامَهُ وَأمَرَ بِصِيَامِهِ. متفق عليه (1).
3 - وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَإِذَا كَانَ العَامُ المُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا اليَوْمَ التَّاسِعَ». قال: فَلَمْ يَأْتِ العَامُ المُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (2).
الثالث: صيام ست من شوال: والأفضل أن تكون متتابعة بعد العيد، ويجوز تفريقها.
عَنْ أبِي أيُّوبَ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ». أخرجه مسلم (3).
الرابع: صيام ثلاثة أيام من كل شهر: وهي كصيام الدهر.
ويسن أن تكون أيام البيض، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كل شهر، أو يصوم أيام الإثنين، أو يصوم ما شاء من الشهر.
1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاَثٍ، لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ. متفق عليه (4).
2 - وَعَنْ أَبي ذرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أَبَا ذرٍّ إِذا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثلاَثةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثلاَث عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ». أخرجه
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2004) , واللفظ له، ومسلم برقم (1130).
(2) أخرجه مسلم برقم (1134).
(3) أخرجه مسلم برقم (1164).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1178) , واللفظ له، ومسلم برقم (721).

(3/191)


الترمذي (1).
3 - وَعَنْ مُعَاذَةُ أنَّهَا سَألَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أيَّامٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقُلْتُ لَهَا: مِنْ أيِّ أيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أيِّ أيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ. أخرجه مسلم (2).
الخامس: صيام يوم الإثنين من كل أسبوع.
عَنْ أبِي قَتَادَةَ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الإثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: «فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ». أخرجه مسلم (3).
السادس: صيام تسعة أيام من أول شهر ذي الحجة، وأفضلها التاسع، وهو يوم عرفة، ويسن صيامه لغير حاج، وصيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية، ويستحب للمسافر صوم يوم عرفة وعاشوراء؛ لأنه يفوت وقتهما.
1 - عَنْ أبِي قَتَادَةَ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ صَوْمِهِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ عُمَرُ: رَضِينَا بِاللهِ رَبّاً، وَبِالإسْلامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا، وَبِبَيْعَتِنَا بَيْعَةً. قال: فَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ؟ فَقَالَ: «لا صَامَ وَلا أفْطَرَ (أوْ مَا صَامَ وَمَا أفْطَرَ»). قال: فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟ قال: «وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ؟». قال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمَيْنِ؟ قال: «لَيْتَ أنَّ اللهَ قَوَّانَا لِذَلِكَ». قال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟ قال: «ذَاكَ
صَوْمُ أخِي دَاوُدَعَلَيْهِ السَّلام». قال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الإثْنَيْنِ، قال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ». قال: فَقَالَ «صَوْمُ ثَلاثَةٍ مِنْ كُلِّ
_________
(1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (761).
(2) أخرجه مسلم برقم (1160).
(3) أخرجه مسلم برقم (1162).

(3/192)


شَهْرٍ، وَرَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ، صَوْمُ الدَّهْرِ». قال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالبَاقِيَةَ». قال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ». أخرجه مسلم (1).
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ». قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ». أخرجه البخاري (2).
السابع: الصيام في سبيل الله لمن يطيقه بلا ضرر ولا تفويت مصلحة.
عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً». متفق عليه (3).
الثامن: صيام أكثر شعبان: ويسن أن لا يخلي شهراً من صيام.
عَنْ عَائِشَةَ رضيَ اللهُ عَنهَا قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ، فَمَا رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأيْتُهُ أكْثَرَ صِيَاماً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ. متفق عليه (4).
هذه أهم الأيام التي يسن صومها، ويسن للمسلم المحافظة عليها زيادة في الأجر، وسداً لنقص الصوم الواجب.
- أفضل صيام التطوع:
1 - عَنْ عَبْداللهِ بن عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أخْبِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنِّي أقُولُ: وَاللهِ لأصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلأقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ. فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بأبي أنْتَ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1162).
(2) أخرجه البخاري برقم (969).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2840) , واللفظ له، ومسلم برقم (1153).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1969) , واللفظ له، ومسلم برقم (1156).

(3/193)


وَأمِّي، قال: «فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أيَّامٍ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ». قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قال: «فَصُمْ يَوْماً وَأفْطِرْ يَوْمَيْنِ». قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قال: «فَصُمْ يَوْماً وَأفْطِرْ يَوْماً، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام، وَهُوَ أفْضَلُ الصِّيَامِ». فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ عَبْداللهِ بْن عَمْرو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَبْدَاللهِ، ألَمْ أخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ». فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «فَلا تَفْعَلْ، صُمْ وَأفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ». متفق عليه (2).
3 - وَعنْ عَبْداللهِ بْن عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ: كَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً وَأحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللهِ صَلاةُ دَاوُدَ: كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ». متفق عليه (3).
- الذين لا يجوز لهم صوم التطوع إلا بإذن:
يسن صوم التطوع للرجال والنساء على حد سواء.
والذين لا يجوز لهم صوم التطوع إلا بإذن هم:
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1976) , واللفظ له، ومسلم برقم (1159).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1975) , واللفظ له، ومسلم برقم (1159).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3420) , واللفظ له، ومسلم برقم (1159).

(3/194)


الزوجة لا تصوم تطوعاً إلا بإذن زوجها .. والأَمَة لا تصوم تطوعاً إلا بإذن سيدها .. والعبد لا يصوم تطوعاً إلا بإذن سيده .. والأجير لا يصوم تطوعاً إلا بإذن من استأجره إن كان الصوم يضر بعمله.
أما صوم رمضان، وقضاء رمضان إذا ضاق وقته فيصام بلا إذن أحد.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَصُومُ المَرْأةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ». متفق عليه (1).
- ما يفعله الصائم إذا دعي لطعام:
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ». أخرجه مسلم (2).
2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أمِّ سُلَيْمٍ، فَأتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، قال: «أعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ». متفق عليه (3).
- حكم قطع صوم التطوع:
1 - الواجب نية الصيام المفروض قبل الفجر؛ لأن النية ركن في كل عبادة من أولها.
2 - يصح صوم النفل بنية من النهار إن لم يكن قد أتى بمفطر بعد الفجر وقبل
النية، ويثاب على الصوم من وقت النية؛ لأن ما قبله لا نية فيه، فلا يقع عبادة.
3 - يسن للصائم تطوعاً إكمال صومه، ولا ينبغي قطعه بلا عذر؛ لما فيه من
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5192) , واللفظ له، ومسلم برقم (1026).
(2) أخرجه مسلم برقم (1150).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1982) , واللفظ له، ومسلم برقم (2481).

(3/195)


تفويت الأجر، ولا يجب قضاؤه.
4 - ينبغي للصائم تطوعاً مراعاة المصلحة في إمضاء صومه أو فطره، فإن حقق فطره مصلحة له أو لغيره كإدخال السرور على قلب من دعاه إلى وليمة نهاراً، أوحصل له عذر، فهذا يسن له الفطر، وإن لم تكن مصلحة فالأولى كسب الأجر بالصوم.
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ: «يَا عَائِشَةُ! هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟». قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ، قال: «فَإِنِّي صَائِمٌ». قَالَتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ (أوْ جَاءَنَا زَوْرٌ) قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ (أوْ جَاءَنَا زَوْرٌ) وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شَيْئاً، قال: «مَا هُوَ». قُلْتُ: حَيْسٌ، قال: «هَاتِيهِ». فَجِئْتُ بِهِ فَأكَلَ. أخرجه مسلم (1).
- حكم صيام يوم السبت والأحد:
يستحب صيام يوم السبت والأحد؛ لأنهما عيدان للمشركين، وبصيامهما تحصل المخالفة لهم، ويكره إفراد السبت أو الأحد بالصيام؛ لأن فيه تعظيم عيد الكفار، ويجوز صوم الجمعة أو السبت أو الأحد إذا قرنه بغيره.
- ما يكره صومه من الأيام والشهور:
1 - يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم، إلا إذا كان يوافق عادة له في صيامه فلا يكره؛
لأن يوم الجمعة يوم عيد فلا يصام مفرداً.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يَصُومَنَّ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1154).

(3/196)


أحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلا يَوْماً قَبْلَهُ أوْ بَعْدَهُ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقالَ: «أصُمْتِ أمْسِ؟». قالتْ: لا، قال: «تُرِيدِينَ أنْ تَصُومِي غَداً؟». قالتْ: لا، قال: «فَأفْطِرِي». أخرجه البخاري (2).
2 - يكره إفراد رجب بالصوم؛ لأن أهل الجاهلية يعظمونه، وفي صومه إحياء لذلك.
- الأيام المنهي عن صيامها:
1 - صوم يوم عيد الفطر والأضحى.
1 - عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ. متفق عليه (3).
2 - وَعَنْ أبِي عُبَيْدٍ قالَ: شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَجَاءَ فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ، نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ. متفق عليه (4).
2 - صيام أيام التشريق إلا لحاج لم يجد الهدي، وهي الأيام الثلاثة التي تلي العيد.
1 - قال الله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1985) , واللفظ له، ومسلم برقم (1144).
(2) أخرجه البخاري برقم (1986).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1991) , ومسلم برقم (827) , واللفظ له.
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1990) , ومسلم برقم (1137) , واللفظ له.

(3/197)


2 - وَعَنْ نُبَيْشَةَ الهُذَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيَّامُ التَّشْرِيقِ أيَّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ». أخرجه مسلم (1).
3 - صوم يوم الجمعة منفرداً:
أما إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة، أو يوم عاشوراء، أو وافق صياماً معتاداً له، فلا حرج في إفراده بالصيام؛ لأنه لم يتعمده بعينه.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يَصُومَنَّ أحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلا يَوْماً قَبْلَهُ أوْ بَعْدَهُ». متفق عليه (2).
4 - صوم يوم الشك على نية الاحتياط لصوم رمضان.
ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَتَقَدَّمَنَّ أحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أوْ يَوْمَيْنِ، إِلا أنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ». متفق عليه (3).
2 - وَعَنْ عَمَّار رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَنْ صَامَ اليَوْمَ الَّذِي يَشُكُ فِيهِ النّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أبو داود والترمذي (4).
5 - صيام الدهر: لما فيه من المشقة والضعف والحرج.
عَنْ عَبْداللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّكَ
لَتَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ». فَقُلْتُ: نَعَمْ، قال: «إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ العَيْنُ، وَنَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ، لا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ، صَوْمُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ صَوْمُ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1141).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1985) , واللفظ له، ومسلم برقم (1144).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1914) , واللفظ له، ومسلم برقم (1082).
(4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2334) , والترمذي برقم (686).

(3/198)


الدَّهْرِ كُلِّهِ». قُلْتُ: فَإِنِّي أُطيقُ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قال: «فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام، كَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً، وَلا يَفِرُّ إِذَا لاقَى». متفق عليه (1).
6 - صوم المرأة تطوعاً بغير إذن زوجها، فإن كان غائباً فلها أن تصوم بلا إذنه.
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَصُمِ المَرْأةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ، وَلا تَأْذَنْ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ، وَمَا أنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ أمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ أجْرِهِ لَهُ». متفق عليه (2).
- فضل صيام الواجب والمسنون:
1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ، هُوَ لِي وَأنَا أجْزِي بِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَخُلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ». متفق عليه (3).
2 - وَعَنْ سَهْلٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَاباً يُقال لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ مِنْهُ أحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقال أيْنَ الصَّائِمُونَ، فَيَقُومُونَ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أحَدٌ». متفق عليه (4).
3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأحْصَنُ
لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». متفق عليه (5).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1979) , ومسلم برقم (1159) , واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5192) , ومسلم برقم (1026) , واللفظ له.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7492) , ومسلم برقم (1151) , واللفظ له.
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1896) , واللفظ له، ومسلم برقم (1152).
(5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5066) , ومسلم برقم (1400) , واللفظ له.

(3/199)


14 - الاعتكاف
- الاعتكاف: هو لزوم مسجد لطاعة الله تعالى.
- حكمة مشروعية الاعتكاف:
القلوب مع كثرة الاختلاط تتعلق بما سوى الله، وتتأثر به، وتنشغل به.
ومن رحمة العزيز الرحيم أن شرع لعباده ما يقطعهم عن ذلك، ويصلهم بربهم، ويذكِّرهم بالله، وذلك بحبس النفس على طاعة الله، والأنس به، والتلذذ بعبادته، وإخلاء القلب عن كل ما يشغل عن ذكر الله عز وجل، لتعتاد النفوس ذكر خالقها، وتتلذذ بالخلوة به، وتنشط لطاعته وعبادته، فشرع لهم الاعتكاف تحقيقاً لهذه المقاصد.
- حقيقة الاعتكاف:
الاعتكاف هو عكوف القلب على الله، وقطع المعتكف علائقه بما سواه، والخلوة بربه، والتلذذ بمناجاته، وجمعية نفسه وخواطره وأفكاره عليه.
وسر الاعتكاف ولبه الاتصال الدائم بالخالق، وقطع العلائق عن الخلائق، بالتفكر في أسماء الله وصفاته، وذكر نعمه وآلائه، وذكر خلقه وشرعه، وذكر اليوم الآخر، ولزوم العبادات الخاصة من الذكر، والدعاء، والاستغفار، والصلاة، وقراءة القرآن ونحو ذلك مما يُصلح القلب من القربات والطاعات وحسن الأخلاق.
- حكم الاعتكاف:
الاعتكاف قربة إلى الله عز وجل.

(3/200)


ويصح الاعتكاف في كل وقت من العام ليلة، أو يوماً، أو أياماً، أو غيرها.
ويسن الاعتكاف في رمضان، وهو في العشر الأواخر من رمضان آكد؛ لما يرجى فيها من موافقة ليلة القدر.
ويصح الاعتكاف بلا صوم، وهو مع الصوم أفضل، ويجب بالنذر.
والاعتكاف من الطاعات المستحبة والأعمال الجليلة، ولهذا شرعه الله لنا ولمن قبلنا من الأمم من الرجال والنساء.
1 - قال الله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)} [البقرة:125].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ عَشْرَةَ أيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْماً. أخرجه البخاري (1).
3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. متفق عليه (2).
4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُجَاوِرُ فِي العَشْرِ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ، وَيَقُولُ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ». متفق عليه (3).
- شروط صحة الاعتكاف:
يشترط لصحة الاعتكاف ثلاثة شروط:
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (2044).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2026) , واللفظ له، ومسلم برقم (1172).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2020) , واللفظ له، ومسلم برقم (1169).

(3/201)


الإسلام .. ونية الاعتكاف .. وأن يكون في مسجد تقام فيه الجماعة.
- أفضل أماكن الاعتكاف:
1 - الاعتكاف في المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو المسجد الأقصى أفضل من غيرها من المساجد، فإن عيَّن الأعلى كالمسجد الحرام لم يجز فيما دونه، وإن عيَّن الأدنى جاز الاعتكاف فيه وفي الأعلى.
2 - أفضل المساجد المسجد الحرام، والصلاة فيه بمائة ألف صلاة، ثم المسجد النبوي، والصلاة فيه بألف صلاة، ثم المسجد الأقصى، والصلاة فيه بمائتين وخمسين صلاة.
3 - يسن الاعتكاف في أي مسجد من مساجد المسلمين تقام فيه الجماعة.
قال الله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187].
- أفضل أوقات الاعتكاف:
أفضل أوقات الاعتكاف للرجال والنساء العشر الأواخر من رمضان.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. متفق عليه (1).
- أقل مدة الاعتكاف:
يصح الاعتكاف في أي وقت، وفي أي مدة: ليلة، أو يوماً، أو أياماً، أو شهراً ونحو ذلك، وأفضل الاعتكاف في رمضان، وأفضله في العشر الأواخر منه.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ عَشْرَةَ أيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْماً. أخرجه
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2026) , واللفظ له، ومسلم برقم (1172).

(3/202)


البخاري (1).
2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أنْ أعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَقال لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أوْفِ نَذْرَكَ». فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً. متفق عليه (2).
- وقت بداية الاعتكاف ونهايته:
1 - إذا أراد المسلم أن يعتكف يوماً دخل المعتكف بعد صلاة الفجر، وخرج بعد غروب الشمس، وإذا أراد أن يعتكف ليلة دخل المعتكف قبل غروب الشمس، وخرج بعد طلوع الشمس من الغد.
وإذا أراد أن يعتكف يوماً وليلة دخل معتكفه قبل غروب الشمس، وخرج بعد غروب الشمس من الغد.
2 - إذا أراد المسلم اعتكاف العشر الأواخر من رمضان دخل معتكفه قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين، وخرج بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان.
عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهَا قالتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أضْرِبُ لَهُ خِبَاءً، فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ. متفق عليه (3).
- أقسام الاعتكاف:
الاعتكاف ينقسم إلى قسمين:
1 - الاعتكاف المسنون: وهو ما تطوع به المسلم تقرباً إلى الله عز وجل، وطلباً لثوابه، واقتداءً بالرسول - صلى الله عليه وسلم -.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (2044).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2042) , واللفظ له، ومسلم برقم (1656).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2033) , واللفظ له، ومسلم برقم (1173).

(3/203)


وهو مشروع كل وقت، وهو في رمضان أفضل، وآكده في العشر الأواخر من رمضان.
2 - الاعتكاف الواجب: وهو ما أوجبه المسلم على نفسه:
إما بالنذر المطلق كأن يقول: للهِ علي أن أعتكف يوماً، فيجب عليه الوفاء به.
وإما بالنذر المقيد كأن يقول: للهِ علي إن شفاني الله أن أعتكف أسبوعاً مثلاً، فيجب عليه الوفاء به.
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ». أخرجه البخاري (1).
2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أنْ أعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَقال لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أوْفِ نَذْرَكَ». فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً. متفق عليه (2).
- حكم نذر الاعتكاف:
1 - من نذر الصلاة أو الاعتكاف في أحد المساجد الثلاثة لزمه الوفاء بنذره كما سبق، وإن عين الأفضل كالمسجد الحرام لم يجز فيما دونه، وإن عين ما دونه جاز فيه وفي الأفضل منه.
عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَامَ يَوْمَ الفَتْحِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي نَذرْتُ للهِ إِنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: «صَلِّ هَاهُنَا»، ثمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «صَلِّ هَاهُنَا»، ثمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ:
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (6696).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2042) , واللفظ له، ومسلم برقم (1656).

(3/204)


«شَأْنُكَ إِذنْ». أخرجه أبو داود (1).
2 - من نذر الصلاة أو الاعتكاف في بلد أو مسجد غير المساجد الثلاثة فلا يلزمه، فيجوز له الاعتكاف والصلاة في أي مسجد وبلد؛ لأن البقاع كلها سواء، ولا تشد الرحال إلا للمساجد الثلاثة فقط.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى». متفق عليه (2).
- ما يجوز للمعتكف فعله:
يباح للمعتكف فعل ما يلي:
1 - تنظيف بدنه من الشعث والوسخ، وترجيل الشعر، وحلق الرأس، وتقليم الأظفار، والاغتسال، ولبس أحسن الثياب، والبخور والطيب.
2 - الخروج من المسجد لحاجة الإنسان التي لا بد منها كقضاء الحاجة، والوضوء، والغسل ونحو ذلك.
3 - الخروج للأكل والشرب إذا لم يتيسر وصوله إليه في المسجد.
4 - الأكل والشرب والنوم في المسجد في مكان أو خباء، مع المحافظة على نظافة المسجد وصيانته عن الأقذار.
5 - حضور حلق الذكر والعلم أحياناً في المسجد الذي يعتكف فيه.
6 - زيارة مريض له حق عليه، وشهود جنازة من له حق عليه، كأحد الوالدين أو
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3305).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1189) , واللفظ له، ومسلم برقم (1397).

(3/205)


قريب ونحوهما.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لا يَدْخُلُ البَيْتَ إِلا لِحَاجَةِ الإنْسَانِ. متفق عليه (1).
- ما يسن للمعتكف فعله:
يسن للمعتكف فعل ما يلي:
1 - الإكثار من ذكر الله .. والتفكر في آلاء الله ونعمه .. والإعراض عن كل ما يشغله عن ربه .. واجتناب ما لا يعنيه من قول أو فعل.
2 - يسن له الاشتغال والاجتهاد بأنواع العبادة كتلاوة القرآن، والدعاء، وكثرة الاستغفار، وصلاة النوافل، والتهجد، والوتر، والإحسان بالقول والفعل، وحفظ الوقت فيما ينفعه.
3 - الاجتهاد ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وآكدها ليالي الوتر، وأرجاها ليلة سبع وعشرين.
- حكم اعتكاف النساء في المسجد:
يسن الاعتكاف في المسجد للنساء كما يسن للرجال، ما لم تخش منه فتنة أو حرج، فتُمنع منه النساء درءاً للمفسدة.
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهَا قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2029) , ومسلم برقم (297) , واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2026) , واللفظ له، ومسلم برقم (1172).

(3/206)


رَمَضَانٍ، وَإِذَا صَلَّى الغَدَاةَ دَخَلَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ. قال: فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ أنْ تَعْتَكِفَ فَأذِنَ لَهَا، فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً، فَسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ فَضَرَبَتْ قُبَّةً، وَسَمِعَتْ زَيْنَبُ بِهَا فَضَرَبَتْ قُبَّةً أخْرَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الغَدَاةِ أبْصَرَ أرْبَعَ قِباب، فَقال: «مَا هَذَا». فَأخْبِرَ خَبَرَهُنَّ، فَقال: «مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هَذَا؟ آلْبِرُّ؟ انْزِعُوهَا فَلا أرَاهَا». فَنُزِعَتْ، فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ العَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ. متفق عليه (1).
- شروط اعتكاف المرأة:
يشترط لصحة اعتكاف المرأة ثلاثة شروط:
1 - أن يأذن لها وليها في الاعتكاف.
2 - أن لا يكون في اعتكافها فتنة لها أو لغيرها.
3 - أن تستتر عن الرجال في خباء خاص بالنساء؛ لئلا تَفتن أو تُفتن.
- حكم اعتكاف المرأة المستحاضة:
يسن للمرأة المسلمة الاعتكاف في المسجد، سواء كانت طاهراً، أو مستحاضة، أو حائضاً، لكن ينبغي للمستحاضة والحائض أن تتحفظ لئلا تلوث المسجد، وليس للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها؛ لأنه ليس بمسجد حقيقة.
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتِ: اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأةٌ مِنْ أزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، فَرُبَّمَا وَضَعْنَا الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي. أخرجه البخاري (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2041) , واللفظ له، ومسلم برقم (1173).
(2) أخرجه البخاري برقم (2037).

(3/207)


2 - وَعَنْ أمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: أمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الفِطْرِ وَالأضْحَى، العَوَاتِقَ وَالحُيَّضَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فَأمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قال: «لِتُلْبِسْهَا أخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا». متفق عليه (1).
- حكم زيارة المرأة زوجها في معتكفه:
يجوز للمرأة أن تزور زوجها في معتكفه، وله أن يخلو بها، ويقلبها إلى بيتها، ولأهله وأصحابه أن يزوروه.
عَنْ عَلِيّ بن الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أخْبَرَتْهُ: أنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي المَسْجِدِ، فِي العَشْرِ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ باب المَسْجِدِ عِنْدَ باب أمِّ سَلَمَةَ، مَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأنْصار، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقال لَهُمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ». فَقالا: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئاً». متفق عليه (2).
- حكم قطع الاعتكاف:
1 - يسن للمسلم إذا نوى الاعتكاف وشرع فيه أن يتمه، ويجوز له قطع الاعتكاف لعذر أو مصلحة قبل تمام المدة، ولا حرج عليه.
2 - الاعتكاف سنة، ومن قطعه لعذر فيستحب له قضاؤه ولا يجب، ولا حرج
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (974) , ومسلم برقم (890) , واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2035) , واللفظ له، ومسلم برقم (2175).

(3/208)


عليه.
عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهَا قالتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أضْرِبُ لَهُ خِبَاءً، فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ، فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أنْ تَضْرِبَ خِبَاءً فَأذِنَتْ لَهَا، فَضَرَبَتْ خِبَاءً، فَلَمَّا رَأتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ، فَلَمَّا أصْبَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَأى الأخْبِيَةَ، فَقال: «مَا هَذَا». فَأُخْبِرَ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «آلْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ». فَتَرَكَ الاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْراً مِنْ شَوَّالٍ. متفق عليه (1).
- ما يبطل به الاعتكاف:
يبطل الاعتكاف بما يلي:
1 - الخروج من المسجد لغير حاجة.
2 - الجماع، فمن جامع زوجته وهو معتكف بطل اعتكافه، وله مباشرتها ولمسها من غير شهوة، والاحتلام لا يفسد الاعتكاف.
3 - السكر.
4 - الردة.
1 - قال الله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)} [البقرة:187].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا اعْتَكَفَ، يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لا يَدْخُلُ البَيْتَ إِلا لِحَاجَةِ الإنْسَانِ. متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2033) , واللفظ له، ومسلم برقم (1173).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2029)، ومسلم برقم (297) , واللفظ له.

(3/209)