موسوعة
الفقه الإسلامي 6 - كتاب الحج
والعمرة
ويشتمل على ما يلي:
1 - شعائر الحج والعمرة.
2 - حكم الحج والعمرة.
3 - شروط الحج والعمرة.
4 - أركان الحج والعمرة.
5 - واجبات الحج والعمرة.
6 - سنن الحج والعمرة.
7 - مواقيت الحج والعمرة.
8 - باب الإحرام.
9 - باب الفدية.
10 - باب الهدي.
11 - صفة العمرة.
12 - صفة الحج.
13 - صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
14 - أحكام الحج والعمرة.
15 - زيارة المسجد النبوي.
(3/211)
1 - شعائر الحج
والعمرة
· مكانة البيت الحرام:
جعل الله عز وجل البيت الحرام مباركاً .. وهدىً للعالمين .. وأمناً للعباد
.. وقياماً للناس .. وقبلة لصلاتهم .. ومكاناً لنسكهم.
وعظَّم سبحانه بيته الحرام:
فجعل المسجد الحرام فناءً له .. وجعل مكة فناءً للمسجد الحرام .. وجعل
الحرم فناءً لمكة .. وجعل المواقيت فناءً للحرم .. وجعل جزيرة العرب فناءً
للمواقيت.
وجعل للقدوم إليه نية خاصة .. وشعاراً خاصاً .. وأعمالاً خاصة .. كل ذلك
تعظيماً وتشريفاً وتكريماً لبيته الحرام.
· فضل البيت الحرام:
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي
بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ
مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران:96 - 97].
2 - وقال الله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ
قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ
ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)} [المائدة:97].
3 - وقال الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ
(3/213)
أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
(144)} [البقرة:144].
4 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ
وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا
إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ
وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)} [البقرة:125].
5 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ
أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ
وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)} [الحج:26].
· فضل المسجد الحرام:
1 - قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا
بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ
قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
(126)} [البقرة:126].
2 - وقال الله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ
بِهَذَا الْبَلَدِ (2)} [البلد:1 - 2].
3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ
صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ». متفق عليه (1).
4 - وَعَنْ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ
فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ وَصَلاَةٌ فِي المَسْجِدِ
الحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ». أخرجه
أحمد وابن ماجه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1190) , واللفظ له، ومسلم برقم (1394).
(2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (14750) , وأخرجه ابن ماجه برقم (1406) , وهذا
لفظه.
(3/214)
· حرمة المسجد الحرام:
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً
الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ
نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} [الحج:25].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا
شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا
الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ
رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا} [المائدة:2].
3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ: «لا
هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ
فَانْفِرُوا». وَقَالَ يَوْمَ الفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ: «إِنَّ هَذَا
البَلَدَ حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ، فَهُوَ
حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ
يَحِلَّ القِتَالُ فِيهِ لأحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلا سَاعَةً
مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ،
لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلا يَلْتَقِطُ إِلا مَنْ
عَرَّفَهَا، وَلا يُخْتَلَى خَلاهَا».
فَقَالَ العَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِلا الإذْخِرَ، فَإِنَّهُ
لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ: «إِلا الإذْخِرَ». متفق عليه (1).
· خصائص الحرم:
اختص الله عز وجل حرم مكة بما يلي:
أن فيه أول بيت وضع للناس .. وأن من دخله كان آمناً .. وأن فيه مناسك الحج
وشعائره .. وأن الصلاة تضاعف فيه .. وإثم السيئات يعظم فيه .. وأنه يحرم
على المشرك دخوله .. ويحرم البدء بالقتال فيه .. ويحرم قتل أو تنفير صيده
..
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1834) , ومسلم برقم (1353) , واللفظ
له.
(3/215)
ويحرم قطع شجره وحشيشه إلا الإذخر .. ويحرم
التقاط لقطته إلا لمنشد.
قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي
بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ
مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران:96 - 97].
· حدود حرم مكة:
من الغرب: الشميسي وهو الحديبية، ويبعد عن الكعبة (22) كيلومتر تقريباً على
طريق جدة.
ومن الشرق: من جهة الطائف ضفة وادي عرنة الغربية، ويبعد (15) كيلومتر
تقريباً.
ومن جهة الجعرانة شرائع المجاهدين، ويبعد (16) كيلومتر تقريباً.
ومن الشمال: التنعيم، ويبعد (7) كيلومتر تقريباً.
ومن الجنوب: أضاة لين على طريق اليمن، وتبعد (12) كيلومتر تقريباً.
· حدود منى:
من الغرب: جمرة العقبة.
من الشرق: وادي محسر.
من الشمال: جبل عظيم مرتفع.
من الجنوب: جبل عظيم مرتفع.
· حدود المزدلفة:
من الغرب: وادي محسر.
من الشرق: مفيض المأزمين الغربي.
(3/216)
من الشمال: جبل ثبير.
من الجنوب: جبل المريخيات.
· حدود عرفات:
من الغرب: وادي عرنة.
من الشرق: الجبال المحيطة المطلة على ميدان عرفات.
من الشمال: ملتقى وادي وصيق بوادي عرنة.
من الجنوب: ما بعد مسجد نمرة جنوباً بنحو كيلو ونصف تقريباً.
(3/217)
2 - حكم الحج
والعمرة
1 - الحج
- الحج: هو التعبد للهِ بقصد مكة في زمن معين لأداء مناسك الحج.
- حكم الحج:
الحج ركن من أركان الإسلام.
فيجب على كل مسلم، حر، بالغ، عاقل، قادر، في عمره مرة على الفور.
1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ
الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران:97].
2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا
إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاةِ،
وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أيُّهَا النَّاسُ! قَدْ فَرَضَ
اللهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا». فَقَالَ رَجُلٌ: أكُلَّ عَامٍ؟ يَا
رَسُولَ اللهِ! فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلاثاً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا
اسْتَطَعْتُمْ». ثُمَّ قال: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ
مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى
أنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا
اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ، عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ». أخرجه مسلم
(2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8) , واللفظ له، ومسلم برقم (16).
(2) أخرجه مسلم برقم (1337).
(3/218)
- وقت فرض الحج:
فرض الله عز وجل الحج في أواخر السنة التاسعة من الهجرة.
وحج النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة واحدة هي حجة الوداع.
- فضائل الحج:
1 - قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ
فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ
وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ
خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)}
[البقرة:197].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الأعْمَالِ أفْضَلُ؟ قال: «إِيمَانٌ بِاللهِ
وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ».
قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ حَجَّ للهِ، فَلَمْ
يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». متفق عليه
(2).
4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا
بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةُ».
متفق عليه (3).
5 - وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالتْ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ألا نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقال:
«لَكِنَّ أحْسَنَ الجِهَادِ وَأجْمَلَهُ الحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ».
فَقالتْ عَائِشَةُ: فَلا أدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1519) , واللفظ له، ومسلم برقم (83).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1521) , واللفظ له، ومسلم برقم (1350).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1773) , ومسلم برقم (1349).
(3/219)
البخاري (1).
- حكمة مشروعية الحج:
للحج حكم ومحاسن وأسرار كثيرة أهمها:
1 - الحج مظهر عملي للأخوة والوحدة الإسلامية.
حيث تذوب في الحج فوارق الأجناس والألوان واللغات والأوطان والطبقات، وتبرز
حقيقة العبودية، والأخوة الإيمانية.
فالجميع بلباس واحد .. يتجهون لقبلة واحدة .. ويعبدون إلهاً واحداً.
2 - الحج مدرسة الإيمان والأعمال الصالحة.
يتعود فيها المسلم على الصبر والرحمة والتواضع، ويتذكر فيها اليوم الآخر
وأهواله، ويستشعر فيه لذة العبودية لله، ويعرف عظمة ربه، وافتقار الخلائق
كلها إليه.
3 - في الحج إظهار العبودية, وشكر النعمة.
ففي الإحرام يُظهر الحاج التذلل للمعبود بالشعث، ويتصور بصورة عبد سخط عليه
مولاه، فيتعرض بسوء حاله لعطف مولاه ورحمته إياه، وفي عرفة يقف بمنزلة عبد
عصى مولاه، فوقف بين يديه متضرعاً إليه، معظماً له، حامداً له، مستغفراً
لزلاته، مستقيلاً لعثراته.
وفي الطواف بمنزلة عبد معتكف بباب مولاه، لائذ بجنابه، حتى يقضي حاجته.
وفي الحج شكر لنعمة العافية والغنى، وباستعمالهما في طاعة المنعم.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1861).
(3/220)
4 - في الحج تذكير بأحوال الأنبياء
والمرسلين.
في عبادتهم، ودعوتهم، وأخلاقهم، وجهادهم، وصبرهم، ورحمتهم.
وفيه توطين النفوس على ترك المحبوب لما هو أحب منه بفراق الأهل والأولاد
والأموال طاعة لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
5 - الحج ميزان وبرهان يعرف به المسلمون أحوال بعضهم ما هم عليه من علم، أو
جهل، أو غنى أو فقر، أو استقامة أو انحراف.
6 - الحج موسم عظيم لكسب الأجور، وغسل الذنوب، وتكفير السيئات، ونزول
الرحمات، وإغاثة اللهفات.
يقف فيه العبد مع جموع الحجاج بين يدي ربه، معظماً لربه، مقراً بتوحيده،
معترفاً بذنبه، مظهراً عجزه عن القيام بحق ربه، فيتوب الله عليه ويغفر له،
فيرجع من الحج نقياً من الذنوب كيوم ولدته أمه.
7 - الحج مجمع عظيم يرى فيه المسلم إخوانه المسلمين من ذرية أبيه آدم،
فيفرح ويستبشر بهم، ويفشي بينهم السلام، ويطعم الطعام، ويأمرهم بالمعروف،
وينهاهم عن المنكر، ويوصيهم بتقوى الله عز وجل.
8 - الحج مجمع كبير للبر والمنافع والإحسان.
يدعو فيه الدعاة .. ويعلم فيه العلماء .. ويفتي فيه المفتون .. ويعظ فيه
الواعظون .. ويتعارف فيه المؤمنون.
وينفق فيه الكرماء .. ويتصدق فيه الأغنياء .. ويطعم فيه الأسخياء .. فيؤدي
الحجاج نسكهم على بصيرة، ويعودون إلى بلادهم بالهدى والعلم، والسنن
النبوية، والأخلاق الإسلامية.
(3/221)
9 - الحج مجمع أهل الإيمان والأعمال
الصالحة.
تقوم فيه العبادة والدعوة والتعليم .. والتواصي بالحق .. وتحيا فيه السنن
.. وتموت البدع .. ويتعلم فيه الجاهل .. ويتوب العاصي .. ويتذكر الغافل ..
ويكرم فيه ضيوف الرحمن.
2 - العمرة
- العمرة: هي التعبد لله بالطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق
أو التقصير.
- حكم العمرة:
العمرة واجبة في العمر مرة.
وتسن في كل وقت من العام، وفي أشهر الحج أفضل، والعمرة في رمضان تعدل حجة.
1 - قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ
مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ
صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ
إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ
اللهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لاَ
قِتَالَ فِيهِ الحَجُّ وَالعُمْرَةُ». أخرجه أحمد وابن ماجه (1).
- فضل العمرة:
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (25322) , وأخرجه ابن ماجه برقم (2901) , وهذا
لفظه.
(3/222)
كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ
المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةُ». متفق عليه (1).
- فضل المتابعة بين الحج والعمرة:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «تَابعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا
يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَث الحَدِيدِ».
أخرجه النسائي (2).
- فضل العمرة في رمضان:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قال: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم - مِنْ حَجَّتِهِ، قال لأُمِّ سِنَانٍ الأنْصاريَّةِ:
«مَا مَنَعَكِ مِنَ الحَجِّ». قالتْ: أبُو فُلانٍ، تَعْنِي زَوْجَهَا،
كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أحَدِهِمَا، وَالآخَرُ يَسْقِي أرْضاً
لَنَا. قال: «فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أوْ حَجَّةً
مَعِي». متفق عليه (3).
- كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؟:
اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر كلها في أشهر الحج في ذي
القعدة:
عمرة الحديبية سنة ست .. وعمرة القضاء سنة سبع .. وعمرة الجعرانة سنة ثمان
.. وعمرته مع حجته سنة عشر من الهجرة.
وكلها أحرم بها قادماً إلى مكة.
عَنْ قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَألْتُ أنَساً رَضِيَ اللهُ
عَنْه: كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أرْبَعاً:
عُمْرَةُ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ المُشْرِكُونَ،
وَعُمْرَةٌ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ
صَالَحَهُمْ، وَعُمْرَةُ الجِعِرَّانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1773) , واللفظ له، ومسلم برقم (1349).
(2) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (2630) , انظر السلسلة الصحيحة برقم (1200).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1863) , واللفظ له، ومسلم برقم (1256).
(3/223)
-أُرَاهُ- حُنَيْنٍ. قُلْتُ: كَمْ حَجَّ؟
قال: وَاحِدَةً. متفق عليه (1).
- حكمة مشروعية العمرة:
شرع الله عز وجل العمرة عبادة لله وتشريفاً للبيت الحرام، وتعظيماً للبقاع
الطاهرة، وتكريماً للأماكن المقدسة، لتكون أسهل النسكين على زوار مكة،
فيدخلونها بحسن الأدب محرمين ملبين، معظمين لله ولبيته الحرام.
ولما كانت مكة محط الرحال، ومجمع المسلمين من كل مكان، شرع الله لهم العمرة
في جميع السنة، ليتم التعارف، وتتحقق المصالح طوال العام، رحمة من الله
بعباده.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1778) , واللفظ له، ومسلم برقم (1252).
(3/224)
3 - شروط الحج
والعمرة
- شروط وجوب الحج والعمرة:
يشترط لوجوب الحج والعمرة ما يلي:
الإسلام .. والعقل .. والبلوغ .. والحرية .. والاستطاعة.
والاستطاعة: هي وجود الزاد والراحلة، ووجود المحرم بالنسبة للمرأة.
فالإسلام والعقل شرطان للصحة .. والبلوغ والعتق شرطان للإجزاء ..
والاستطاعة شرط للوجوب، فمن لا يستطيع لا يجب عليه الحج، وإن حج مع المشقة
فحجه صحيح، وإن حجت المرأة بلا محرم فحجها صحيح لكنها آثمة.
فلا يصح الحج من كافر ولا مجنون.
ولو حج الصبي والعبد صح حجهما، لكن إذا بلغ الصبي، وعتق العبد، وجب عليهما
الحج مرة أخرى، وإن ماتا أجزأ عنهما.
- شروط الاستطاعة:
1 - سلامة البدن من الأمراض التي تعوقه عن أعمال الحج والعمرة، ومن لا
يستطيع بنفسه لزمه أن ينيب عنه غيره.
2 - ملك ما يكفيه في حجه وعمرته حتى يعود.
3 - أمن الطريق، بأن يأمن على نفسه وماله وقت الحج.
4 - وجود المحرم بالنسبة للمرأة.
1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ
(3/225)
غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [آل
عمران:97].
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قال: قال النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم -: «لا تُسَافِرِ المَرْأةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ،
وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ». فَقال رَجُلٌ:
يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أرِيدُ أنْ أخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا،
وَامْرَأتِي تُرِيدُ الحَجَّ؟ فَقال: «اخْرُجْ مَعَهَا». متفق عليه (1).
- من هو القادر على الحج؟:
القادر على الحج من كان صحيح البدن، قادرا ًعلى السفر، ووجد زاداً وراحلة
يتمكن بهما من أداء الحج ويرجع.
وذلك بعد قضاء الواجبات كالديون الحالّة، والنفقات اللازمة لأهله .. فهذا
هو القادر على الحج.
- درجات القدرة:
من كان قادراً على الحج بماله وبدنه لزمه الحج بنفسه.
ومن كان قادراً على الحج بماله، عاجزاً ببدنه، وجب عليه أن ينيب من يحج
عنه.
ومن كان قادراً ببدنه، عاجزاً بماله لم يجب عليه الحج.
ومن كان عاجزاً عن الحج بماله وبدنه سقط عنه الحج.
والحج في سبيل الله، فمن كان ليس لديه مال، يجوز له أن يأخذ من الزكاة
مالاً يحج به.
قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1862) , واللفظ له، ومسلم برقم (1341).
(3/226)
اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)}
[آل عمران:97].
- حكم حج من عليه دين:
من كان عليه دين حالّ فعليه أن يؤديه لأهله ثم يحج ويعتمر.
وإن كانت نفقة الحج تغطي ديونه قضى الدين ولا يحج.
وإن كانت نفقة الحج لا تغطي شيئاً بالنسبة للديون فله أن يحج؛ لأن الحج
مجلبة للرزق، وهو حق الله فيؤديه.
ومن كان عليه دين مؤجل فله أن يحج ما لم يحل القسط، ولا يلزم أن يتحلل من
أصحاب الدين إذا كان قادراً على السداد.
عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «تَابعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا
يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَث الحَدِيدِ».
أخرجه النسائي (1).
- صفة الحج المبرور:
الحج المبرور: هو ما كان خالصاً لله .. موافقاً للسنة .. ولم يخالطه إثم ..
والنفقة فيه من حلال .. واشتغل فيه صاحبه بالطاعات والأعمال الصالحة ..
كالعبادة والدعوة .. وإطعام الطعام .. وإفشاء السلام .. والأمر بالمعروف ..
والنهي عن المنكر .. واجتناب الرفث والفسوق والجدال .. والتحلي بمكارم
الأخلاق.
وعلامته: أن تظهر ثمرته على صاحبه، بأن تكون حاله بعده أحسن منها قبله.
_________
(1) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (2630) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (1200).
(3/227)
- حكم أخذ المال على العمل الصالح:
المستحب للمسلم الفقير أن يأخذ المال ليحج، لا أن يحج ليأخذ المال، فإن
الارتزاق بأعمال البر ليس من أعمال الصالحين.
وفرق بين أن يكون الدين مقصود المسلم، والدنيا وسيلة، وبين أن تكون الدنيا
مقصوده، والدين وسيلة، فالأول مشروع، والثاني مذموم.
وهكذا في جميع الأرزاق المأخوذة على العمل الصالح كالإمامة، والأذان،
والتعليم، والجهاد وغير ذلك.
عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله
- صلى الله عليه وسلم -: «إِنّمَا الأَعْمَالُ بِالنّيّةِ، وَإِنّمَا
لاِمْرِىءٍ مَا نَوَىَ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَىَ الله وَرَسُولِهِ،
فَهِجْرَتُهُ إلَى الله وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا
يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَىَ مَا هَاجَرَ
إلَيْهِ». متفق عليه (1).
- حكم الحج من مال حرام:
إذا حج المسلم بمال حرام، أو على دابة أو سيارة مغصوبة، فهو آثم ومستحق
للعقوبة، لكن حجه صحيح ومجزئ؛ لأن أفعال الحج مخصوصة، والتحريم لمعنى خارج
عنها، كما لو صلى في ثوب مغصوب، أو صلى في مكان مغصوب، فالصلاة صحيحة، لكنه
آثم.
- حكم الحج عن الغير:
أحوال الحج عن الغير:
1 - من أراد حج الفريضة عن غيره فلا بد أن يكون قد حج عن نفسه.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , ومسلم برقم (1907) , واللفظ له.
(3/228)
2 - يشرع الحج عن الغير نفلاً ولو كان
مستطيعاً؛ لأن النيابة إذا جازت في الفرض ففي النفل أولى.
3 - يجوز للمرأة أن تحج وتعتمر عن الرجل فرضاً ونفلاً، كما يجوز للرجل أن
يحج ويعتمر عن المرأة فرضاً ونفلاً.
4 - من حج عن غيره أو اعتمر أحرم من أي ميقات، ولا يلزمه إنشاء السفر من
بلد من يحج عنه، ولا يلزم من أنابه الإمساك عن محظورات الإحرام وقت النسك.
5 - لا يجوز الحج والعمرة عن الحي إلا بإذنه فرضاً كان أو تطوعاً؛ لأنها
عبادة تدخلها النيابة، ويسقط الحج عن الميت بحج أحد عنه ولو بدون إذن وليه؛
لأنه دَيْن، فإذا قضاه أحد سقط عنه.
6 - يجب الحج عن الميت إذا كان قد استطاع في حياته ولم يحج إذا كان له
تركه، وإلا فلا يجب على الوارث، ويشرع للوارث وغيره الحج عنه، سواء أوصى به
أم لا.
1 - عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أنَا جَالِسٌ
عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ أتَتْهُ امْرَأةٌ،
فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا
مَاتَتْ، قال: فَقَالَ: «وَجَبَ أجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ المِيرَاثُ».
قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ،
أفَأصُومُ عَنْهَا؟ قال: «صُومِي عَنْهَا». قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ
قَطُّ، أفَأحُجُّ عَنْهَا؟ قال: «حُجِّي عَنْهَا». أخرجه مسلم (1).
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ
الفَضْلُ رَدِيفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَتِ امْرَأةٌ
مِنْ خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ،
فَجَعَلَ النَّبِيُّ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1149).
(3/229)
- صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ
الفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقالتْ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ
أدْرَكَتْ أبِي شَيْخاً كَبِيراً، لا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ،
أفَأحُجُّ عَنْهُ؟ قال: «نَعَمْ». وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. متفق
عليه (1).
- فضل حج النساء:
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قالتْ: قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللهِ، ألا نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقال: «لَكِنَّ
أحْسَنَ الجِهَادِ وَأجْمَلَهُ الحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ». فَقالتْ
عَائِشَةُ: فَلا أدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (2).
- حكم سفر المرأة بلا محرم:
لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج أو العمرة أو غيرهما إلا ومعها محرم، سواء
كانت شابة أم عجوزاً، وسواء كان معها نساء أم لا، وسواء كان السفر طويلاً
أم قصيراً؛ صيانة لعرضها، وخوفاً عليها من الفتنة.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم -: «لا تُسَافِرِ المَرْأةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلا
يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ». فَقال رَجُلٌ: يَا
رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أرِيدُ أنْ أخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا،
وَامْرَأتِي تُرِيدُ الحَجَّ؟ فَقال: «اخْرُجْ مَعَهَا». متفق عليه (3).
- حكم استئذان المرأة زوجها في الحج:
1 - يسن للمرأة أن تستأذن زوجها في حج الفريضة، فإن أذن وإلا حجت بدون
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1855) , واللفظ له، ومسلم برقم (1334).
(2) أخرجه البخاري برقم (1861).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1862) , واللفظ له، ومسلم برقم (1341).
(3/230)
إذنه؛ لأن حج الفريضة مقدم على حق الزوج،
ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
2 - إن كان عليها حج نذر فالأولى أن تستأذن زوجها، وله منعها منه، فلا تخرج
إلا بإذنه.
3 - إن أرادت حج تطوع فيجب عليها أن تستأذن زوجها، ولا يجوز لها الخروج
للحج وغيره إلا بإذنه.
- حكم حج المرأة وعمرتها بلا محرم:
1 - يشترط لوجوب الحج على المرأة وجود محرم لها من زوج، أو من يحرم عليه
نكاحها أبداً كأب، أو أخ، أو ابن ونحوهم.
2 - إذا أبى المَحْرم أن يحج معها فإنه لا يجب عليها الحج، فإن حجت بلا
محرم فهي آثمة، وحجها صحيح.
3 - إذا لم يكن للمرأة محرم ولا ولي، وحجت مع رفقة مأمونة، والطريق آمن،
فحجها صحيح، وهي آثمة، فمثلها لا يجب عليها الحج، فهي غير قادرة.
4 - من عليها عدة وفاة أو طلاق ونحوهما فلا تحج حتى تخرج من العدة.
1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ
الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران:97].
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عَنْهمُا، أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ
- صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ، وَلا
تُسَافِرَنَّ امْرَأةٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقال:
يَا رَسُولَ اللهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ
امْرَأتِي حَاجَّةً، قال: «اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ
(3/231)
امْرَأتِكَ». متفق عليه (1).
- حكم حج الصغير وعمرته:
1 - إذا أحرم الصبي بالحج أو العمرة صح نفلاً.
فإن كان مميزاً فعل كما يفعل البالغ من الرجال والنساء.
وإن كان صغيراً عقد الإحرام عنه وليه، ويطوف ويسعى به، ويرمي عنه الجمرات،
والأفضل أن يؤدي الصغير بنفسه ما قدر عليه من مناسك الحج أو العمرة.
2 - إذا حج الصغير أو المملوك، ثم بلغ الصغير، وعتق المملوك، فعلى كل واحد
منهما حجة أخرى، فإن ماتا قبل البلوغ والعتق أجزأ عنهما الحج الأول.
3 - يصح حج الصبي، ومن حج به فهو مأجور له مثل أجره.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم -، لَقِيَ رَكْباً بِالرَّوْحَاءِ، فَقَالَ: «مَنِ القَوْمُ؟».
قَالُوا: المُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أنْتَ؟ قال: «رَسُولُ اللهِ».
فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأةٌ صَبِيّاً فَقَالَتْ: ألِهَذَا حَجٌّ؟ قال:
«نَعَمْ، وَلَكِ أجْرٌ». أخرجه مسلم (2).
- حكم دخول المشرك المسجد الحرام:
لا يجوز للمشرك دخول المسجد الحرام.
ويجوز دخوله بقية مساجد المسلمين لمصلحة شرعية كرجاء إسلامه ونحوه.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3006) , واللفظ له، ومسلم برقم (1341).
(2) أخرجه مسلم برقم (1336).
(3/232)
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ
هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ
فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)} [التوبة:28].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم - خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ
بَنِي حَنِيفَةَ، يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أثَالٍ، فَرَبَطُوهُ
بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أطْلِقُوا ثُمَامَةَ». فَانْطَلَقَ إلَى نَخْلٍ
قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ:
أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ. متفق
عليه (1).
- حكم تملُّك أرض المشاعر:
1 - منى ومزدلفة وعرفات مشاعر كالمساجد، فلا يجوز لأحد أن يبني فيها بيتاً
ويؤجره، أو يأخذ أرضاً ويؤجرها، فإن فعل فالناس معذورون ببذل الأجرة،
والإثم على من أخذها.
2 - على إمام المسلمين أن يمنع استغلال أراضي المشاعر، وأن ينظم نزول
الحجاج في المشاعر بما يراه مناسباً يحقق المصلحة، والسلامة، والأمن،
والراحة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَاب النَّبيِّ
- صلى الله عليه وسلم - قَالَ: خَطَبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -
النَّاسَ بمِنىً وَنَزَّلَهُمْ مَنَازِلَهُمْ فَقَالَ: «لِيَنْزِلِ
المُهَاجِرُونَ هَا هُنَا وَأَشَارَ إِلَى مَيْمَنَةِ القِبْلَةِ
وَالأَنْصَارُ هَا هُنَا وَأَشَارَ إِلَى مَيْسَرَةِ القِبْلَةِ ثمَّ
لِيَنْزِلِ النَّاسُ حَوْلَهُمْ». أخرجه أبو داود والنسائي (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (462) , واللفظ له، ومسلم برقم (1764).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1951) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم
(2996).
(3/233)
3 - المسجد الحرام وجميع مشاعر الحج لا
يجوز أن يختص بها أحد دون أحد، بل هي مشتركة بين عموم المسلمين، إذ هي محل
نسكهم ومتعبدهم، وهي حرم الرب الذي جعله للناس سواء، ووقَفَه على العالمين
فهم فيه سواء، كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ
لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ
بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} [الحج:25].
(3/234)
4 - أركان الحج
والعمرة
- أركان الحج:
أركان الحج أربعة:
نية الإحرام بالحج .. والوقوف بعرفة .. وطواف الإفاضة .. والسعي.
1 - نية الإحرام بالحج:
عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنّمَا الأَعْمَالُ بِالنّيّةِ، وَإِنّمَا
لاِمْرِىءٍ مَا نَوَىَ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَىَ اللهِ
وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ
هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوّجُهَا،
فَهِجْرَتُهُ إلَىَ مَا هَاجَرَ إلَيْهِ». متفق عليه (1).
2 - الوقوف بعرفة:
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى
الصَّلاَةِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ
طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي وَاللهِ مَا تَرَكْتُ
مِنْ حَبْلٍ إِلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَهِدَ صَلاَتَنَا هَذِهِ
وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بعَرَفَةَ قَبْلَ ذلِكَ
لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثهُ». أخرجه أبو
داود والترمذي (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , ومسلم برقم (1907) , واللفظ له.
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1950) , وأخرجه الترمذي برقم (891) , وهذا
لفظه.
(3/235)
3 - طواف الإفاضة:
قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ
وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} [الحج:29].
4 - السعي بين الصفا والمروة:
قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ
فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ
يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ
عَلِيمٌ (158)} [البقرة:158].
- حكم حج من ترك شيئاً من هذه الأركان:
من ترك نية الإحرام بالحج لم ينعقد نسكه أصلاً، ومن فاته الوقوف بعرفة فقد
فاته الحج، ومن ترك طواف الإفاضة أو السعي بين الصفا والمروة لم يتم حجه
حتى يطوف ويسعى.
- أركان العمرة:
أركان العمرة ثلاثة:
نية الإحرام .. والطواف بالبيت .. والسعي بين الصفا والمروة.
- حكم من ترك شيئاً من هذه الأركان:
من ترك نية الإحرام بالعمرة لم ينعقد نسكه أصلاً.
ومن ترك الطواف أو السعي لم تتم عمرته حتى يطوف ويسعى.
قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ
مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ
صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ
إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196].
(3/236)
5 - واجبات الحج
والعمرة
- واجبات الحج:
واجبات الحج سبعة وهي:
الإحرام من الميقات المعتبر له .. والمبيت بمنى ليالي أيام التشريق لغير
أهل السقاية والخدمة ونحوهم .. والمبيت بمزدلفة ليلة النحر، ومعظم الليل
للضعفاء ونحوهم .. ورمي جميع الجمار .. والحلق أو التقصير .. وطواف الوداع
لغير أهل مكة عند الخروج منها غير حائض ونفساء.
1 - قال الله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا
بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ
مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)}
[الفتح:27].
2 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ
أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ، إِلاَّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ
المَرْأَةِ الحَائِضِ. متفق عليه (1).
- حكم من ترك شيئاً من واجبات الحج:
من ترك واجباً من واجبات الحج متعمداً، عالماً بالحكم، فهو آثم، وحجه صحيح،
لكنه ناقص، ولا دم عليه، وعليه التوبة والاستغفار، وإن ترك الواجب جاهلاً
أو ناسياً فحجه صحيح، ولا إثم عليه، ولا دم عليه، لكنه ترك الأفضل والأكمل.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1755) , ومسلم برقم (1328) , واللفظ
له.
(3/237)
- واجبات العمرة:
واجبات العمرة اثنان:
الإحرام من الميقات المعتبر له .. والحلق أو التقصير.
- حكم من ترك شيئاً من واجبات العمرة:
من ترك واجباً من واجبات العمرة متعمداً، عالماً بالحكم، فهو آثم، وعمرته
صحيحة، لكنها ناقصة، ولا دم عليه.
ومن ترك الواجب جاهلاً أو ناسياً فعمرته صحيحة، ولا إثم عليه، ولا دم عليه،
لكن فاته الأفضل والأكمل.
قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ
مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ
صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ
إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ
تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)} [البقرة:196].
(3/238)
6 - سنن الحج
والعمرة
- سنن الحج:
سنن الحج هي كل ما عدا الأركان والواجبات كسنن الإحرام من غُسل، وطيب،
وتلبية وغيرها، وسنن الطواف كالاضطباع، والرَّمل، وتقبيل الحجر الأسود
وغيرها.
وسنن الحج القولية والفعلية كالمبيت بمنى ليلة عرفة .. وطواف القدوم ..
والتلبية والتهليل والتكبير .. والدعاء بعد رمي الجمرة الأولى والثانية ..
والإكثار من الدعاء والذكر والاستغفار في عرفات والمزدلفة ونحو ذلك مما
سيأتي في موضعه.
- حكم من ترك شيئاً من سنن الحج:
من ترك سنة من سنن الحج فلا إثم عليه، ولا دم عليه، لكنه ترك الأفضل
والأكمل.
فإن الحج المبرور هو ما أكمل فيه الحاج الأركان والواجبات والسنن، ولم
يخالطه إثم.
1 - قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ
فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ
وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ
خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)}
[البقرة:197].
2 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ
(3/239)
لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ
لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةُ». متفق عليه (1).
- سنن العمرة:
سنن العمرة هي كل ما عدا الأركان والواجبات وهي:
1 - سنن أقوال كالتلبية، والدعاء، والذكر.
2 - وسنن أفعال كالغسل، والطيب، والرمل، والاضطباع في الطواف، وتقبيل الحجر
الأسود، ومسح الركن اليماني، والدعاء على الصفا والمروة وغيرها مما سيأتي
في موضعه.
- حكم من ترك شيئاً من سنن العمرة:
من ترك سنة من سنن العمرة فلا إثم عليه ولا دم، لكنه ترك الأفضل والأكمل.
قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ
مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ
صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ
إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1773) , ومسلم برقم (1349).
(3/240)
7 - مواقيت الحج
والعمرة
- المواقيت: جمع ميقات، وهو مكان العبادة وزمنها.
- أقسام المواقيت:
المواقيت قسمان:
مواقيت زمانية .. ومواقيت مكانية.
1 - المواقيت الزمانية:
هي أشهر الحج الثلاثة: شوال .. وذو القعدة .. وذو الحجة.
فلا يصح الحج في غير هذه الأشهر الثلاثة.
1 - فبداية وقت الإحرام بالحج في شوال .. ونهايته قبل طلوع فجر ليلة النحر،
فمن أحرم بالحج قبل أشهر الحج أو بعدها لم يصح، ومن أحرم بالحج بعد طلوع
الفجر من ليلة النحر فقد فاته الحج.
2 - جميع أعمال الحج تنتهي بغروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة إلا
الطواف والسعي للمعذور.
فمن أخر الطواف أو السعي إلى نهاية ذي الحجة لعذر فحجه صحيح.
1 - قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ
فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ
وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ
خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)}
[البقرة:197].
2 - عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى
الصَّلاَةِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ
طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ
(3/241)
رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي وَالله
مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَهِدَ صَلاَتَنَا
هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بعَرَفَةَ قَبْلَ
ذلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثهُ».
أخرجه أبو داود والترمذي (1).
3 - ميقات العمرة الزماني: جميع السنة.
وأفضلها في أشهر الحج، ثم في رمضان، ثم باقي السنة.
2 - المواقيت المكانية:
وهي الأماكن التي يُحرم منها من أراد الحج أو العمرة، وهي خمسة:
الأول: ذو الحليفة: وهو ميقات أهل المدينة ومن مر بها.
وهو أبعد المواقيت عن مكة، يقع جنوب المدينة، بينه وبين مكة (420) كيلومتر
تقريباً، وبينه وبين المسجد النبوي (13) كيلومتر تقريباً، وتستحب الصلاة في
هذا الوادي المبارك.
الثاني: الجحفة: وهي ميقات أهل الشام ومصر والمغرب ومن حاذاها أو مر بها،
وهي قرية قرب رابغ التي جعلت الآن ميقاتاً، وتبعد عن مكة (186) كيلومتر
تقريباً.
ويُحرم الناس الآن من رابغ الواقعة غرباً عنها.
الثالث: قرن المنازل: وهو ميقات أهل نجد والطائف ومن حاذاه أو مر به.
وهو المشهور الآن بالسيل الكبير، بينه وبين مكة (75) كيلومتر تقريباً،
ووادي مَحْرم هو أعلى قرن المنازل.
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1950) , وأخرجه الترمذي برقم (891) , وهذا
لفظه.
(3/242)
الرابع: يلملم: وهو ميقات أهل اليمن ومن
حاذاه أو مر به.
وهو واد يبعد عن مكة (120) كيلومتر تقريباً، ويسمى الآن السعدية.
الخامس: ذات عرق: وهي ميقات أهل العراق ومن حاذاها أو مر بها.
وتسمى الضريبة، بينها وبين مكة (100) كيلومتر تقريباً.
1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ،
وَلأهْلِ الشَّامِ الجُحْفَةَ، وَلأهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ،
وَلأهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أتَى عَلَيْهِنَّ
مِنْ غَيْرِ أهْلِهِنَّ، لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ،
فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أهْلِهِ، وَكَذَاكَ حَتَّى أهْلُ
مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ عَائشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - وَقَّتَ لأَهْلِ العِرَاقِ ذَاتَ عِرْق. أخرجه أبو داود
والنسائي (2).
- حكمة مشروعية المواقيت:
لما كان بيت الله معظماً مشرفاً .. جعل الله له حصناً وهو مكة .. وحمىً وهو
الحرم .. وللحرم حرم وهي المواقيت التي لا يجوز لمريد الحج أو العمرة
تجاوزها إليه إلا بإحرام؛ تعظيماً لله تعالى .. ولبيته الحرام.
- ميقات مَنْ هو دون المواقيت:
1 - من كان منزله دون المواقيت من جهة مكة فإنه يُحرم بالحج والعمرة من
مكانه، مثل أهل الشرائع وبحرة وجدة ونحوهم.
2 - من جاوز الميقات وهو لا يريد الحج أو العمرة، ثم أنشا نية الحج أو
العمرة،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1526) , واللفظ له، ومسلم برقم (1181).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود (1739) وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (2653).
(3/243)
فإنه يحرم من حيث أنشأ النية إلا العمرة
المفردة، إن نواها من الحرم خرج ليحرم من الحل، وإن نواها من الحل أحرم من
حيث أنشأ النية.
- ميقات من لم يمر بالمواقيت:
من جاء من طريق لا يمر على المواقيت براً أو بحراً أو جواً، فإنه يحرم إذا
حاذى أقرب المواقيت إليه، ولا يجوز له تجاوز الميقات بلا إحرام إذا كان
مريداً للحج أو العمرة.
- ميقات أهل مكة:
1 - من أراد من أهل مكة أو غيرهم ممن جاء إلى مكة أن يحرم بالعمرة وحدها،
أو متمتعاً بها إلى الحج، فإنه يخرج للإحرام بذلك إلى الحل من أي جهة،
وأفضله الجعرانة، والتنعيم، والحديبية.
2 - من نوى الحج في مكة من أهلها أو من غيرهم، مفرداً أو قارناً، فإنه يحرم
به منها.
3 - من أراد الحج من مكة فالسنة أن يحرم منها، وإن أحرم من الحل أجزأ.
4 - من أراد العمرة من أهل مكة أحرم من أدنى الحل، فإن أحرم بالعمرة من
الحرم عالماً متعمداً فهو آثم، فعليه التوبة والاستغفار، وعمرته صحيحة، ولا
دم عليه.
وإن أحرم بالعمرة من الحرم جاهلاً فعمرته صحيحة ولا إثم عليه ولا دم.
- صفة الإحرام في الطائرة:
1 - من ركب الطائرة من أي بلد كان، وقد أراد الحج أو العمرة أو هما معاً،
فإنه يحرم في الطائرة إذا حاذى الميقات الذي يمر به جواً، فيلبس ملابس
(3/244)
الإحرام، ثم ينوي الإحرام.
2 - إذا لم يكن مع المسافر ملابس الإحرام أو لم يجدها، فإنه يحرم بالسراويل
أو القميص، ويكشف رأسه، فإذا نزل اشترى ملابس الإحرام ولبسها.
3 - لا يجوز للحاج أو المعتمر أن يؤخر الإحرام حتى ينزل في مطار جدة ويحرم
منه؛ لأن جدة دون الميقات، فإن فعل لزمه الرجوع إلى أقرب هذه المواقيت
ليحرم منه.
فإن لم يرجع وأحرم في المطار أو دون الميقات متعمداً عالماً بالحكم فهو
آثم، ونسكه صحيح.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَاتٍ، فَقالَ: «مَنْ لَمْ يَجِدِ الإزَارَ
فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ
فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ». متفق عليه (1).
- حكم الإحرام قبل الميقات:
السنة التي يجب اتباعها أن يحرم من أراد الحج أو العمرة من الميقات الذي
وقّته النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيّنه، ويكره الإحرام قبل الميقات،
لكنه ينعقد.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - وَقَّتَ لأهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلأهْلِ
الشَّامِ الجُحْفَةَ، وَلأهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ، وَلأهْلِ
اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، وَقَالَ: «هُنَّ لَهُمْ وَلِكُلِّ آتٍ أتَى
عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ،
وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أنْشَأ، حَتَّى أهْلُ مَكَّةَ
مِنْ مَكَّةَ». متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1843) , ومسلم برقم (1178).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1524) , ومسلم برقم (1181) , واللفظ
له.
(3/245)
- حكم مجاوزة الميقات بلا إحرام:
الذين يمرون بالميقات لهم حالتان:
الأولى: من يريد الحج أو العمرة، فهذا لا يجوز له مجاوزة الميقات بلا
إحرام، ومن جاوزه ناسياً أو جاهلاً رجع إليه وأحرم منه، ولا إثم عليه.
ومن جاوزه متعمداً عالماً ذاكراً بغير إحرام فهو آثم، ويجب عليه أن يعود
إلى الميقات ليحرم منه، فإن لم يعد، وأحرم دون الميقات، فهو آثم، ونسكه
صحيح، ولا دم عليه.
الثانية: من لا يريد الحج أو العمرة، فهذا يجوز له مجاوزة الميقات بلا
إحرام.
- حكم من مر بميقاتين:
يجب على من يمر بميقاتين ألا يتجاوز أولهما إلا محرماً، إن كان يريد الحج
أو العمرة، فإذا مر الشامي أو المصري أو المغربي ونحوهم بميقات أهل المدينة
قبل الوصول إلى ميقاته الأصلي الجحفة، فلا يجوز له أن يؤخر إحرامه إلى
ميقاته، بل يحرم من أول ميقات يمر به وهو ذو الحليفة.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - وَقَّتَ لأهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلأهْلِ
الشَّامِ الجُحْفَةَ، وَلأهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ، وَلأهْلِ
اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ
غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ
ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أنْشَأ، حَتَّى أهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. متفق
عليه (1).
- حكم إتمام الحج والعمرة:
إذا أحرم البالغ بالحج أو العمرة لزمه الإتمام.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1524) , واللفظ له، ومسلم برقم (1181).
(3/246)
أما الصبي فلا يلزمه الإتمام؛ لأنه غير
مكلف ولا ملزم بالواجبات، فإن صَدّ المحرم عدو عن البيت أو حبسه مرض ذَبَح
ما تيسر من الهدي، وحَلّ من إحرامه، فإن كان مشترطاً حَلّ ولا هدي عليه.
قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196].
- حكم خروج القادم من مكة لأداء عمرة:
يكره للقادم إلى مكة إذا حج أو اعتمر الخروج من مكة إلى الحل كالتنعيم
لأداء عمرة تطوع له أو لغيره؛ وذلك بدعة لم يفعله النبي - صلى الله عليه
وسلم - ولا أصحابه رضي الله عنهم، لا في رمضان ولا في الحج ولا في غيرهما
ألبتة.
وعمرة عائشة رضي الله عنها لم يأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بها، بل
أذن لها بعد المراجعة تطييباً لقلبها، والطواف بالبيت أفضل من الخروج
إليها.
وعمرة عائشة رضي الله عنها من التنعيم خاصة بالحائض التي لم تتمكن من إتمام
عمرة الحج كعائشة، فلا تشرع لغيرها من النساء الطاهرات، فضلاً عن الرجال،
فينبغي لزوم السنة، وترك ما سواها.
(3/247)
8 - باب الإحرام
- الإحرام: هو نية الدخول في النسك حجاً كان أو عمرة.
- حكمة مشروعية الإحرام:
شرع الله الإحرام لإظهار تذلل العبد لربه، وذلك بإظهار الشعث، وترك الرفث،
والمنع من أسباب الزينة.
والإحرام مبدأ النسك والعبادة، فهو للحج أو العمرة كتكبيرة الإحرام للصلاة
يَحْرم بعدها ما كان مباحاً قبلها، فكذلك المُحْرِم يترك بعد الإحرام ما
كان مباحاً له من قبل.
والإحرام من المواقيت زيادة في شرف البيت وفضله، فجعل لبيته الحرام حرماً
آمناً، وأكد ذلك وقواه بأن جعل لحرمه حرماً وهو المواقيت المعروفة.
فلا يدخل من أراد النسك إلى الحرم إلا إذا كان على وصف معين، ونية معينة؛
تعظيماً لله، وتكريماً وتشريفاً لبيته وحرمه.
{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى
الْقُلُوبِ (32)} [الحج:32].
- أقسام الناس في الإحرام:
الناس في الإحرام ثلاثة أقسام:
الأول: مَنْ وطنه خارج المواقيت.
الثاني: مَنْ وطنه ما بين الميقات والحرم.
الثالث: مَنْ وطنه الحرم.
فالأول يحرم من الميقات، فإن جاوزه رجع إليه وأحرم منه، فإن لم يرجع
(3/248)
وأحرم دونه فهو آثم، وقد ترك واجباً عليه،
وإحرامه مجزئ.
ومَنْ هو دون الميقات من جهة مكة يحرم من مكانه، ولا يدخل الحرم إلا
بإحرام.
فإن جاوزه إلى الحرم لزمه أن يرجع إلى مكانه ليحرم منه، فإن لم يرجع وأحرم
من الحرم فهو آثم، لأنه ترك واجباً عليه، وإحرامه مجزئ.
ومَنْ هو في الحرم يُحرم من الحرم من حيث أنشأ النية مفرداً، أو قارناً.
وإذا أراد العمرة أو الحج متمتعاً خرج إلى أدنى الحل ليحرم منه، فإن أحرم
للعمرة من الحرم فهو آثم؛ لأنه ترك واجباً عليه وإحرامه مجزئ.
عَنِ الأسْود قَالَ: قَالتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا: يَا رَسُولَ
اللهِ، يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأصْدُرُ بِنُسُكٍ؟ فَقِيلَ لَهَا:
«انْتَظِرِي، فَإِذَا طَهُرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأهِلِّي،
ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا، وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ
أوْ نَصَبِكِ». متفق عليه (1).
- أنواع الإحرام بالحج:
يُحرم المسلم بالحج على إحدى كيفيات ثلاث:
الإفراد .. أو القران .. أو التمتع.
1 - فالإفراد: أن يُهل بالحج وحده قائلاً: لبيك حجاً.
2 - والقران: أن يُهل بالعمرة والحج معاً قائلاً: لبيك عمرة وحجاً، أو
يُدخل الحج على العمرة قبل الطواف.
3 - والتمتع: أن يُهل بالعمرة فقط في أشهر الحج قائلاً: لبيك عمرة، ثم إذا
فرغ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1787) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211).
(3/249)
من العمرة حل، ثم يحرم بالحج في العام
نفسه.
ويسن للمسلم أن يهل بهذا مرة .. وبهذا مرة .. وبهذا مرة .. إحياءً للسنة ..
وعملاً بها بوجوهها المشروعة.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَنْ أرَادَ مِنْكُمْ أنْ يُهِلَّ
بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أرَادَ أنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ،
فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أرَادَ أنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلْيُهِلَّ». قَالَتْ
عَائِشَةُ: فَأهَلَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحَجٍّ،
وَأهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ وَأهَلَّ نَاسٌ بِالعُمْرَةِ، وَالحَجِّ
وَأهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ فِيمَنْ أهَلَّ بِالعُمْرَةِ. أخرجه
مسلم (1).
- كيفية اختيار النسك:
1 - إذا أراد المسلم أن يفرد العمرة بسفرة، ويفرد الحج بسفرة، فهذا الإفراد
أفضل له من القران والتمتع الذي يؤديه في سفرة واحدة.
2 - إذا أراد أن يجمع النسكين العمرة والحج في سفرة واحدة، وقدم إلى مكة في
أشهر الحج، ولم يسق الهدي، فهذا التمتع أفضل له.
3 - إذا أراد أن يجمع بين النسكين العمرة والحج، ويقرن بينهما في سفرة
واحدة، ويسوق الهدي من بلده، فهذا القران أفضل له اقتداءً بالنبي - صلى
الله عليه وسلم -.
والذي اختاره الله عز وجل لنبيه القِران، وسوق الهدي.
والذي اختاره الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأمته هو التمتع بلا سوق
الهدي.
فالتمتع أفضل الأنساك .. وأسهلها وأيسرها .. وأكثرها عملاً وأجراً.
1 - عَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ حَجَّ مَعَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ سَاقَ البُدْنَ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1211).
(3/250)
مَعَهُ، وَقَدْ أهَلُّوا بِالحَجِّ
مُفْرَداً، فَقال لَهُمْ: «أحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ، بِطَوَافِ
البَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا، ثُمَّ أقِيمُوا
حَلالاً، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأهِلُّوا بِالحَجِّ،
وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً». فَقالوا: كَيْفَ
نَجْعَلُهَا مُتْعَةً، وَقَدْ سَمَّيْنَا الحَجَّ؟ فَقال: «افْعَلُوا مَا
أمَرْتُكُمْ، فَلَوْلا أنِّي سُقْتُ الهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي
أمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ
مَحِلَّهُ». فَفَعَلُوا. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - بَعَثَنِي إِلَى اليَمَنِ، قال: فَوَافَقْتُهُ فِي
العَامِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «يَا أبَا مُوسَى! كَيْفَ قُلْتَ حِينَ أحْرَمْتَ؟». قال قُلْتُ:
لَبَّيْكَ إِهْلالاً كَإِهْلالِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،
فَقَالَ: «هَلْ سُقْتَ هَدْياً؟». فَقُلْتُ: لا، قال: «فَانْطَلِقْ فَطُفْ
بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ أحِلَّ». متفق عليه (2).
- حكم من أطلق نية الإحرام:
من أحرم إحراماً مطلقاً، قاصداً أداء ما فرض الله عليه، ولم يعين نوعاً من
أنواع النسك لعدم معرفته به، جاز وصح حجه، وفعل واحداً من الثلاثة تمتعاً
أو قراناً أو إفراداً.
وكذا لو قال: أهللت بما أهلّ به فلان صح وفَعَل مثله.
عَنْ أبِي مُوسَى رَضِي الله عَنْه قال: بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - إِلَى قَوْمٍ بِاليَمَنِ، فَجِئْتُ وَهُوَ بِالبَطْحَاءِ،
فَقال: «بِمَا أهْلَلْتَ». قُلْتُ: أهْلَلْتُ كَإِهْلالِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم -، قال: «هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ». قُلْتُ: لا، فَأمَرَنِي
فَطُفْتُ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1568) , واللفظ له، ومسلم برقم (1216).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1559) , ومسلم برقم (1221) , واللفظ
له.
(3/251)
أمَرَنِي فَأحْلَلْتُ. متفق عليه (1).
- سنن الإحرام:
1 - الغسل عند الإحرام، ولو كانت المرأة حائضاً أو نفساء.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: نُفِسَتْ أسْمَاءُ بِنْتُ
عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أبِي بَكْرٍ، بِالشَّجَرَةِ فَأمَرَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أبَا بَكْرٍ يَأْمُرُهَا أنْ تَغْتَسِلَ
وَتُهِلَّ. أخرجه مسلم (2).
2 - تطييب البدن قبل الإحرام.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ: كُنْتُ أطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - لإحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ
أنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ. متفق عليه (3).
3 - إحرام الرجل في إزار ورداء أبيضين نظيفين.
وإحرام المرأة فيما شاءت من الثياب غير متبرجة بزينة.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: انْطَلَقَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ المَدِينَةِ، بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ
وَادَّهَنَ، وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ، هُوَ وَأصْحَابُهُ، فَلَمْ
يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الأرْدِيَةِ وَالأُزُرِ تُلْبَسُ، إِلا
المُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الجِلْدِ. أخرجه البخاري (4).
4 - نية الإحرام عقب صلاة فريضة، أو نافلة كتحية المسجد أو ركعتي الوضوء.
عَنْ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
قال: «اللَّيْلَةَ أتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي -وَهُوَ بِالعَقِيقِ- أنْ صَلِّ
فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ». أخرجه
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1559) , واللفظ له، ومسلم برقم (1221).
(2) أخرجه مسلم برقم (1209).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1539) , واللفظ له، ومسلم برقم (1189).
(4) أخرجه البخاري برقم (1545).
(3/252)
البخاري (1).
5 - التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند ركوب الدابة.
عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -، وَنَحْنُ مَعَهُ بِالمَدِينَةِ الظُّهْرَ أرْبَعاً،
وَالعَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى
أصْبَحَ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى البَيْدَاءِ، حَمِدَ
اللهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ. أخرجه
البخاري (2).
6 - استقبال القبلة عند الإهلال.
عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا إِذَا
صَلَّى بِالغَدَاةِ بِذِي الحُلَيْفَةِ، أمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَرُحِلَتْ،
ثُمَّ رَكِبَ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ قَائِماً،
ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَبْلُغَ الحَرَمَ، ثُمَّ يُمْسِكُ، حَتَّى إِذَا
جَاءَ ذَا طُوىً بَاتَ بِهِ حَتَّى يُصْبِحَ، فَإِذَا صَلَّى الغَدَاةَ
اغْتَسَلَ، وَزَعَمَ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ
ذَلِكَ. أخرجه البخاري (3).
7 - رفع الصوت بالتلبية، والمرأة لا ترفع صوتها بحضرة الرجال الأجانب.
عَنِ السَّائِب بْنِ خَلاَّدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ
أَصْحَابي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بالإهْلاَلِ وَالتَّلْبيَةِ».
أخرجه أبو داود والترمذي (4).
- كيفية الإحرام:
يسن لمريد الإحرام بالحج أو العمرة أن يغتسل، ويتنظف، ويتطيب في بدنه، ولا
يطيب ثيابه، ويلبس إزاراً ورداءً أبيضين نظيفين بعد أن يتجرد من
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (2337).
(2) أخرجه البخاري برقم (1551).
(3) أخرجه البخاري برقم (1553).
(4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1814) , وأخرجه الترمذي برقم (829) , وهذا
لفظه.
(3/253)
المخيط، ويلبس النعلين.
ويسن للمرأة أن تغتسل للإحرام ولو كانت حائضاً أو نفساء، وتلبس ما شاءت من
الثياب الساترة، وتجتنب لباس الشهرة، والثياب الضيقة، وما فيه تشبه بالرجال
أو الكفار.
ويسن أن يحرم عقب صلاة فريضة إن تيسر.
وليس للإحرام صلاة تخصه، لكن لو أحرم عقب ركعتين مسنونتين فلا حرج كتحية
المسجد، أو ركعتي الوضوء، أو صلاة الضحى ونحو ذلك.
وينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده من حج أو عمرة.
ويسن إحرامه وإهلاله دبر الصلاة في المسجد، أو إذا ركب واستقلت به راحلته،
مستقبلاً القبلة.
ويسن للمحرم أن يذكر نسكه، فيقول من يريد العمرة: لبيك عمرة، ويقول المفرد:
لبيك حجاً، ويقول القارن: لبيك عمرة وحجاً، ويقول المتمتع: لبيك عمرة.
- حكم اشتراط التحلل من النسك عند العذر:
1 - يسن للمحرم إذا كان مريضاً أو خائفاً أن يشترط عند إحرامه التحلل متى
حبسه حابس عن إتمام النسك من مرض أو عذر.
فإذا اشترط ولم يتمكن من إتمام النسك بسبب حصر، أو مرض، أو عذر حلّ ولا هدي
عليه.
2 - إذا لم يشترط المحرم، وحبسه عارض، لزمه دم يذبحه ثم يحل.
1 - قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
(3/254)
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ
مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ
فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ
فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
الْهَدْيِ} [البقرة:196].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا:
«لَعَلَّكِ أرَدْتِ الحَجَّ». قَالَتْ: وَاللهِ لا أجِدُنِي إِلا وَجِعَةً،
فَقَالَ لَهَا: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي، قُولِي: اللهمَّ مَحِلِّي حَيْثُ
حَبَسْتَنِي». وَكَانَتْ تَحْتَ المِقْدَادِ بْنِ الأسْوَدِ. متفق عليه
(1).
- ما يُفعل بالمحرم إذا مات:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما أَنَّ رَجُلاً وَقَصَهُ
بَعِيرُهُ، وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ
مُحْرِمٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ
وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُمِسُّوهُ طِيباً، وَلاَ
تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ
مُلَبِّياً». متفق عليه (2).
- صفة إحرام الحائض والنفساء:
يسن للحائض والنفساء ما يسن للطاهرة من الاغتسال والإحرام بالحج أو العمرة.
فإن أحرمت بالحج فتبقى على إحرامها، وتؤدي مناسك الحج، لكن لا تطوف بالبيت
حتى تطهر، ثم تغتسل، ثم تكمل نسكها بالطواف، ثم تحل.
وإن أحرمت الحائض أو النفساء بالعمرة فتبقى حتى تطهر، ثم تغتسل، ثم تؤدي
نسك العمرة، ثم تحل.
وللحائض والنفساء أن تدخل المسجد الحرام وغيره من المساجد، وتجلس
تذكر الله، وتقرأ القرآن، لكن تعتزل المصلى وقت الصلاة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5089) , واللفظ له، ومسلم برقم (1207).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1267) , واللفظ له، ومسلم برقم (1206).
(3/255)
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها
قَالَتْ: نُفِسَتْ أسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أبِي بَكْرٍ،
بِالشَّجَرَةِ فَأمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أبَا بَكْرٍ،
يَأْمُرُهَا أنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ. أخرجه مسلم (1).
- حكم التلبية:
التلبية شعار الحج والعمرة.
يصوت بها الرجل، وتجهر بها المرأة إلا عند الرجال الأجانب فتسر بها.
ويسن الإكثار من التلبية من حين الإحرام إلى بداية طواف العمرة، وإلى رمي
جمرة العقبة في الحج يوم العيد.
ويلبي راكباً وماشياً .. وفي حال النزول والصعود .. وعلى كل حال.
1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ تَلْبِيَةَ
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَبَّيْكَ اللهمَّ! لَبَّيْكَ،
لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ
وَالمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ». متفق عليه (2).
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ أسَامَةَ رَضِيَ
الله عَنْه كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مِنْ عَرَفَةَ
إِلَى المُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أرْدَفَ الفَضْلَ مِنَ المزْدَلِفَةِ إِلَى
مِنًى، قال: فَكِلاهُمَا قال: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم
- يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ. متفق عليه (3).
- صفة التلبية:
يسن للمحرم عقب الإحرام أن يلبي بتلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -؛
لملازمته لها في جميع
نسكه من حج أو عمرة.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1209).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1549) , ومسلم برقم (1184) , واللفظ
له.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1544) , واللفظ له، ومسلم برقم (1281).
(3/256)
1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ
عَنْهُمَا قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُهِلُّ
مُلَبِّداً، يَقُولُ: «لَبَّيْكَ اللهمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ
لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لا شَرِيكَ
لَكَ». لا يَزِيدُ عَلَى هَؤُلاءِ الكَلِمَاتِ. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ مِنْ
تَلْبيَةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَبَّيْكَ إِلَهَ الحَقِّ.
أخرجه النسائي وابن ماجه (2).
- فضل التلبية:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبي إِلاَّ لَبَّى مَنْ عَنْ
يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى
تَنْقَطِعَ الأَرْضُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا». أخرجه الترمذي وابن ماجه
(3).
- ما يجوز للمحرم فعله:
يجوز للمحرم بعد إحرامه ما يلي:
الاغتسال للنظافة والتبرد .. وغسل رأسه .. وغسل ثيابه وتبديلها .. وتسريح
شعر الرأس .. وحك رأسه وجلده.
وله لبس الإزار والرداء والحزام والحذاء، ولو كان ذلك كله مخيطاً.
وله لبس الساعة في اليد، وخاتم الفضة، ونظارة العين، وسماعة الأذن.
وله شم الريحان والطيب بلا قصد منه للتلذذ به بل لاختباره، وله شد الإزار
بعضه ببعض أو بحزام أو يجعله وزرة على شكل تنُّورة المرأة.
ويجوز له أن يكتحل، ويحتجم لوجع ونحوه ولو قطع بعض الشعر، وله نزع
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5915) , واللفظ له، ومسلم برقم (1184).
(2) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (2752) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم
(2920).
(3) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (828) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم
(2921).
(3/257)
الضرس، وفقء الدُّمَّل، وإماطة الأذى،
ومداواة الجرح، ونزع الظفر الذي انكسر ونحو ذلك.
وله تغطية وجهه ليتقي الغبار، أو الشمس، أو البرد ونحو ذلك.
وله الاستظلال بالخيمة، أو السيارة، أو الشمسية ونحو ذلك.
ويجوز الخضاب بالحناء ونحوه للرجل والمرأة.
ويجوز له صيد البحر وطعامه، وذبح بهيمة الأنعام والدجاج ونحوها من الحيوان
الأهلي.
ويجوز للمحرم قتل الصائل المؤذي في الحل والحرم كالأسد والذئب والنمر
والفهد والحية والعقرب والفأرة، وكل مؤذ كالوزغ والبعوض ونحوهما.
ويجوز للمرأة لبس الحلي، ولبس السراويل والثياب والخفين، غير أنها لا
تنتقب، ولا تلبس القفازين.
وللمرأة أن تلبس ما شاءت من اللباس الشرعي، وتجتنب ما فيه زينة، أو شهرة،
أو إسراف، أو تشبه بالرجال، أو الكفار، وللمرأة إسدال خمارها على وجهها عند
الحاجة، ويجب عند مرور الأجانب بها.
1 - قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ
مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
(96)} [المائدة:96].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ
فِي الحَرَمِ: العَقْرَبُ، وَالفَأْرَةُ، وَالحُدَيَّا، وَالغُرَابُ،
وَالكَلْبُ العَقُورُ» متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1829) , ومسلم برقم (1198) , واللفظ
له.
(3/258)
3 - وَعَنْ أمِّ الحُصَيْنِ رَضِيَ اللهُ
عَنْها قَالَتْ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
حَجَّةَ الوَدَاعِ، فَرَأيْتُ أسَامَةَ وَبِلالا، وَأحَدُهُمَا آخِذٌ
بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَالآخَرُ رَافِعٌ
ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الحَرِّ، حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ.
أخرجه مسلم (1).
4 - وَعَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: احْتَجَمَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُحْرِمٌ، بِلَحْيِ جَمَلٍ، فِي
وَسَطِ رَأْسِهِ. متفق عليه (2).
5 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ
أهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أهَلَّ بِحَجٍّ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْرَمَ بِعُمْرَةٍ
وَلَمْ يُهْدِ فَلْيُحْلِلْ، وَمَنْ أحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأهْدَى فَلا
يُحِلُّ، حَتَّى يُحِلَّ بِنَحْرِ هَدْيِهِ، وَمَنْ أهَلَّ بِحَجِّه
فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ». قَالَتْ فَحِضْتُ، فَلَمْ أزَلْ حَائِضاً حَتَّى
كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ أهْلِلْ إلا بِعُمْرَةٍ، فَأمَرَنِي
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أنْ أنْقُضَ رَأْسِي، وَأمْتَشِطَ،
وَأهِلَّ بِحَجٍّ، وَأتْرُكَ العُمْرَةَ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، حَتَّى
قَضَيْتُ حَجِّي. متفق عليه (3).
6 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ حُنَيْنٍ أنَّ ابنَ عبَّاسٍ أرْسَلهُ إلى أبِي
أيُوبَ فقَالَ: أرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُاللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، أسْألُكَ
كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ رَأْسَهُ
وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَوَضَعَ أبُو أيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ،
فَطَأْطَأهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ، ثُمَّ قال لإنْسَانٍ يَصُبُّ:
اصْبُبْ، فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ،
فَأقْبَلَ بِهِمَا وَأدْبَرَ،
ثُمَّ قال: هَكَذَا رَأيْتُهُ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ. متفق عليه
(4).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1298).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1836) , واللفظ له، ومسلم برقم (1203).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (319) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1840) , ومسلم برقم (1205) , واللفظ
له.
(3/259)
- ما لايجوز للمحرم فعله:
ما لا يجوز للمحرم أن يفعله على ثلاثة أوجه:
أحدها: في نفسه.
فلا يحلق شعره، ولا يقلم ظفره، ولا يمس طيباً.
الثاني: في لبسه.
فلا يلبس الرجل المخيط، ولا يغطي رأسه، ولا يلبس الخفين.
ولا تغطي المرأة وجهها، ولا تنتقب، ولا تلبس القفازين، ولا يلبس المحرم
ثوباً مسه الطيب.
الثالث: في غيره، وهو نوعان:
1 - أحدهما: قتل الصيد البري المأكول، أو أَكْله.
2 - الثاني: الجماع، وعقد النكاح وخطبته.
- محظورات الإحرام:
محظورات الإحرام: هي الأعمال الممنوعة على المحرم بسبب إحرامه.
وتنقسم محظورات الإحرام إلى قسمين:
الأول: محظورات تفسد الحج والعمرة، وهو واحد فقط، وهو الجماع في الحج قبل
رمي جمرة العقبة يوم العيد، والجماع قبل إتمام نسك العمرة.
وهذان أشد المحظورات إثماً، وأعظمها تأثيراً في النسك.
ويلزم إتمام هذا الحج رغم فساده، وإتمام العمرة رغم فسادها.
وعليهما قضاء الحج في العام القابل، والهدي بدنة، وكذلك العمرة يقضيها،
وعليه فدية الأذى.
(3/260)
وإذا أُكرهت المرأة على الجماع فإن حجها
صحيح، ولا إثم عليها، ولا فدية عليها.
وإذا جامع في الحج بعد رمي جمرة العقبة، وقبل أن يطوف ويسعى، لم يفسد حجه،
لكنه آثم، ويجب عليه أن يخرج إلى الحل ويُحرم، ليطوف الإفاضة محرماً؛ لأنه
فسد ما بقي من إحرامه، فوجب أن يجدده، وعليه الفدية، وإن جامع المحرم قبل
التحلل من العمرة، أو قبل التحلل الأول من الحج قبل رمي جمرة العقبة،
ناسياً أو جاهلاً، فلا يفسد نسكه، ولا إثم عليه، ولا كفارة، ولا غيرها.
1 - قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ
بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَحِيمًا (5)} [الأحزاب:5].
2 - وقال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ
فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ
وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ
خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)}
[البقرة:197].
الثاني: محظورات لا تفسد الحج والعمرة، وهي إحدى عشرة.
1 - حلق شعر الرأس أو تقصيره أو نتفه أو إزالته، وشعر سائر البدن.
قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196].
2 - تقليم الأظافر، وفيه الإثم لا الفدية.
قص الأظافر كحلق الشعر بالنسبة للمحرم، وقضاء التفث يكون بما يلي:
حلق الرأس .. وتقليم الأظفار .. ونتف الإبط.
(3/261)
قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا
تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ
الْعَتِيقِ (29)} [الحج:29].
3 - استعمال الطيب على الثوب أو البدن.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ
مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ
رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، أوْ قَالَ: فَأوْقَصَتْهُ، فَقال النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم -: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي
ثَوْبَيْنِ، وَلا تَمَسُّوهُ طِيباً، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلا
تُحَنِّطُوهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّياً».
متفق عليه (1).
4 - تغطية رأس الرجل بملاصق.
فلا يجوز للمحرم أن يلبس على رأسه عمامة، ولا طاقية، ولا غترة، ولا قلنسوة،
ولا غيرها.
ويجوز له أن يستظل بمنفصل عنه كشمسية، أو سيارة، أو خيمة، أو شجرة ونحو
ذلك.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم -، خَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَعِيرِهِ، فَوُقِصَ، فَمَاتَ، فَقَالَ:
«اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلا
تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ،
فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّياً». متفق عليه (2).
5 - لبس الذكر المخيط.
والمخيط: هو كل ما خيط على قدر البدن كله كالثوب والقميص .. أو على قدر
نصفه الأعلى كالفنيلة .. أوعلى نصفه الأسفل كالسراويل .. وكل ما خيط على
قدر العضو: لليدين كالقفازين .. وللرجلين كالخفين .. وللرأس
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1850) , واللفظ له، ومسلم برقم (1206).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1365) , ومسلم برقم (1206) , واللفظ
له.
(3/262)
كالعمامة والطاقية ونحو ذلك.
فلا يجوز للمحرم لبس هذه الأشياء على صفتها، لكن لو التحف بها أو اتزر جاز
له ذلك.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَجلاً قَالَ:
يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قال رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَلْبَسُ القُمُصَ، وَلا العَمَائِمَ،
وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا البَرَانِسَ، وَلا الخِفَافَ، إِلا أحَدٌ لا
يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أسْفَلَ
مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئاً مَسَّهُ
الزَّعْفَرَانُ، أوْ وَرْسٌ». متفق عليه (1).
6 - قتل صيد البر المأكول أو صيده.
وصيد البر: ما كان وحشياً مباحاً أكله.
فلا يجوز للمُحْرم التعرض لصيد البر المأكول، سواء كان بالقتل، أو الذبح،
أو الإشارة، أو الإعانة، أو الدلالة، وعدم الأكل منه.
1 - قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ
مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
(96)} [المائدة:96].
2 - وَعَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
أنَّهُ أهْدَى لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، حِمَاراً
وَحْشِيّاً، وَهُوَ بِالأبْوَاءِ أوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ،
فَلَمَّا رَأى مَا فِي وَجْهِهِ قال: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلا
أنَّا حُرُمٌ». متفق عليه (2).
7 - دواعي الجماع.
فيحرم على المحرم قبلة المرأة بشهوة، ومباشرتها فيما دون الفرج، فإن أنزل
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1542) , واللفظ له، ومسلم برقم (1177).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1825) , واللفظ له، ومسلم برقم (1193).
(3/263)
لم يفسد حجه ولا إحرامه، لكنه آثم، وعليه
الفدية.
قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ
الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا
تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ
الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)}
[البقرة:197].
8 - خطبة المرأة وعقد النكاح.
عَنْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَنْكِحُ المُحْرِمُ وَلا يُنْكَحُ وَلا
يَخْطُبُ». أخرجه مسلم (1).
9 - الفسوق والجدال.
يجب اجتناب الفسوق والجدال في كل وقت، ويتأكد تحريم ذلك على المحرم.
قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ
الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا
تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ
الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)}
[البقرة:197].
10 - تغطية وجه المرأة بالنقاب أو البرقع، ويديها بالقفازين.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَامَ رَجُلٌ
فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، مَاذَا تَأْمُرُنَا أنْ نَلْبَسَ مِنَ
الثِّيَابِ فِي الإِحْرَامِ؟ فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«لا تَلْبَسُوا القَمِيصَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا العَمَائِمَ، وَلا
البَرَانِسَ، إِلا أنْ يَكُونَ أحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلانِ فَلْيَلْبَسِ
الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْ أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلا تَلْبَسُوا
شَيْئاً مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلا الوَرْسُ، وَلا تَنْتَقِبِ المَرْأةُ
المُحْرِمَةُ، وَلا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ». متفق عليه (2).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1409).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1838) , واللفظ له، ومسلم برقم (1177).
(3/264)
11 - جماع المرأة بعد التحلل الأول في
الحج.
ومن جامع فلا يفسد نسكه، ولكنه آثم، وعليه الفدية والغسل والتوبة.
- حكم من فعل شيئاً من محظورات الإحرام:
من فعل شيئاً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا إثم عليه
ولا فدية، لكن عليه أن يتخلى عن المحظور فوراً.
ومن فعلها متعمداً عالماً ذاكراً لحاجة، فعليه الفدية، ولا إثم عليه.
ومن فعلها متعمداً بلا عذر ولا حاجة فعليه الفدية مع الإثم.
1 - قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ
بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَحِيمًا (5)} [الأحزاب:5].
2 - وقال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ
مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ
صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196].
3 - وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجلاً أتَى
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِالجِعْرَانَةِ، وَأنَا عِنْدَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَاتٌ (يَعْنِي
جُبَّةً). وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالخَلُوقِ، فَقَالَ:
إِنِّي أحْرَمْتُ بِالعُمْرَةِ وَعَلَيَّ هَذَا، وَأنَا مُتَضَمِّخٌ
بِالخَلُوقِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: «مَا كُنْتَ صَانِعاً فِي
حَجِّكَ؟». قال: أنْزِعُ عَنِّي هَذِهِ الثِّيَابَ، وَأغْسِلُ عَنِّي هَذَا
الخَلُوقَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: «مَا كُنْتَ صَانِعاً فِي حَجِّكَ،
فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1536) , ومسلم برقم (1180) , واللفظ
له.
(3/265)
- الفرق بين إحرام الرجل والمرأة:
المرأة كالرجل في المنع من محظورات الإحرام إلا فيما يلي:
1 - لبس المخيط، فلها أن تلبس من الثياب ما شاءت غير متبرجة.
2 - تغطية الرأس، فلها أن تغطي رأسها.
3 - تغطية الوجه عند الرجال الأجانب بما يستره، ولكن لا تلبس النقاب ولا
البرقع ولا القفازين.
- ما يجوز للمحرم قتله وصيده:
1 - ذبح الحيوانات والطيور الأهلية المباحة كبهيمة الأنعام، والدجاج
والحمام ونحو ذلك.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ
أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ
غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا
يُرِيدُ (1)} [المائدة:1].
2 - صيد البحر.
قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا
لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا
دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)}
[المائدة:96].
3 - قتل محرم الأكل المفترس وهو كل ذي ناب من السباع كالأسد، والنمر، وكل
ذي مخلب من الطير كالصقر والنسر.
4 - قتل كل ما أمر الشرع بقتله، وكل ما يؤذي، وكل ما لا يؤمن أذاه كالحية،
والعقرب، والفأرة، والكلب العقور ونحوها.
ويجوز قتل البعوض والذباب والقمل والبراغيث إذا كانت تؤذيه.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، كُلُّهُنَّ
(3/266)
فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ:
الغُرَابُ، وَالحِدَأةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالفَأْرَةُ، وَالكَلْبُ
العَقُورُ». متفق عليه (1).
5 - قتل الآدمي الصائل عليه إذا لم يندفع إلا بالقتل.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ!
أرَأيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مَالِي؟ قال: «فَلا تُعْطِهِ
مَالَكَ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قال: «قَاتِلْهُ». قال: أرَأيْتَ
إنْ قَتَلَنِي؟ قال: «فَأنْتَ شَهِيدٌ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟
قال: «هُوَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم (2).
- حكم الأضحية للحاج:
السنة لمن أراد الحج الاكتفاء بالهدي عن الأضحية؛ لأن النبي - صلى الله
عليه وسلم - ذبح الهدي، ولم يُضح في حجته.
ومن أراد أن يضحي، وحج في عشر ذي الحجة، فلا ينبغي له عند الإحرام أن يأخذ
من بدنه وشعره وظفره شيئاً، لكن يجوز له حلق رأسه أو تقصيره فقط إن كان
متمتعاً، لكون الحلق أو التقصير نسكاً.
عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «إِذَا دَخَلَتِ العَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ
يُضَحّيَ، فَلاَ يَمَسّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئاً». أخرجه مسلم
(3).
- حكم من أحرم بالحج ثم فاته:
من أحرم بالحج، ثم فاته الحج لعذر فلا إثم عليه، ويتحلل بعمرة، ثم يرجع إلى
بلده، فإذا كان العام القادم حج وأهدى ما تيسر من الهدي.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1829) , واللفظ له، ومسلم برقم (1198).
(2) أخرجه مسلم برقم (140).
(3) أخرجه مسلم برقم (1977).
(3/267)
- حكم الإحرام بالثياب:
1 - يجب على المحرم الذكر أن يحرم بالإزار والرداء، ويحرم عليه لبس المخيط،
وتُحرم المرأة فيما شاءت من الثياب غير متبرجة.
2 - مَنْ طبيعة عمله تتطلب لباساً خاصاً كالجنود وأمثالهم فهؤلاء من لم
يتمكن منهم من لباس الإحرام يُحرم بلباسه، وعليه فدية الأذى صيام، أو طعام،
أو ذبيحة.
قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ
مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ
صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196].
- حكم الإحرام بالخفين:
1 - السنة أن يحرم الرجل بالنعلين ولا يجوز له أن يحرم بالخفين ولا
الجوربين إلا إذا لم يجد النعلين، فيلبس الخفين ولا يقطعهما.
والخف: كل ما يغطي الكعبين.
2 - يجوز للمرأة أن تحرم بالخفين أو الجوربين أو النعلين.
3 - لا يجوز للمحرم ولا المحرمة لبس القفازين.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَاتٍ، فَقال: «مَنْ لَمْ يَجِدِ الإزَارَ
فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ
فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ». متفق عليه (1).
- حكم المرأة المتمتعة إذا حاضت قبل الطواف:
1 - إذا حاضت المرأة المحرمة المتمتعة قبل الطواف مكثت حتى تطهر، ثم
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1843) , ومسلم برقم (1178).
(3/268)
تغتسل، ثم تكمل عمرتها، ثم تحل، ثم تحرم
بالحج فيما بعد.
2 - إذا حاضت المرأة المتمتعة قبل الطواف، وخشيت فوات الحج، رفضت العمرة،
وأحرمت بالحج، وصارت قارنة، ومثلها المعذور بمرض، أو زحام، أو ضيق وقت ونحو
ذلك.
3 - إن أصاب الحيض المرأة المتمتعة أثناء الطواف خرجت منه، وأحرمت بالحج،
وصارت قارنة.
4 - الحائض والنفساء تفعل مناسك الحج كلها غير الطواف بالبيت، فلا تطوف حتى
تطهر.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: خَرَجْنَا مُوَافِينَ
لِهِلالِ ذِي الحِجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«مَنْ أحَبَّ أنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ، فَإنِّي لَوْلا أنِّي
أهْدَيْتُ لأهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ». فَأهَلَّ بَعْضُهُمْ بِعُمْرَةٍ
وَأهَلَّ بَعْضُهُمْ بِحَجٍّ وَكُنْتُ أنَا مِمَّنْ أهَلَّ بِعُمْرَةٍ،
فَأدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إلَى النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ،
وَامْتَشِطِي وَأهِلِّي بِحَجٍّ». فَفَعَلْتُ، حَتَّى إذَا كَانَ لَيْلَةُ
الحَصْبَةِ، أرْسَلَ مَعِي أخِي عَبْدَالرَّحْمَن بْنَ أبِي بَكْرٍ،
فَخَرَجْتُ إلَى
التَّنْعِيمِ، فَأهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي. متفق عليه (1).
- مراتب الوطء في الحج:
مراتب الوطء في الحج أربع:
الأولى: أن يطأ المُحْرم زوجته قبل عرفة، أو في عرفة، أو بعد عرفة قبل
التحلل الأول.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (317) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211).
(3/269)
فهذا حجه فاسد، ويلزمه إتمامه، وهو آثم،
وعليه قضاؤه، وعليه الفدية بدنة.
الثانية: أن يطأ زوجته بعد التحلل الأول.
فهذا حجه صحيح، لكنه آثم، وعليه فدية الأذى.
الثالثة: أن يطأ زوجته بعد التحلل الثاني.
فهذا جائز، وحجه صحيح، ولا إثم عليه ولا فدية.
الرابعة: أن يجامع زوجته ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً.
فهذا حجه صحيح، ولا إثم عليه ولا فدية.
(3/270)
9 - باب الفدية
- الفدية: هي ما يجب على الحاج أو المعتمر بسبب فعل محظور أو إحصار.
- أقسام الدماء:
تنقسم الدماء في الحج والعمرة إلى خمسة أقسام:
الأول: دم التمتع والقران، ويجب على المتمتع والقارن.
قال الله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى
الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ
عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)} [البقرة:196].
الثاني: دم الفدية عن فعل محظور لمن به أذى.
قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ
رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}
[البقرة:196].
الثالث: دم الجزاء في صيد البر المأكول.
1 - قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ
مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
(96)} [المائدة:96].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا
الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا
فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ
مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ
أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ
عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ
ذُو انْتِقَامٍ (95)} [المائدة:95].
الرابع: دم الوطء الواجب على من وطئ امرأته قبل أن يحل من حجه أو عمرته.
(3/271)
الخامس: دم الإحصار الذي يجب على من حُبس
عن إتمام النسك بسبب عدو أو مرض أو نحوهما.
قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196].
فدم التمتع والقران يأكل منه الحاج، ويهدي، ويطعم الفقراء.
والدماء الأربعة الأخيرة يذبحها، ويطعمها الفقراء، ولا يأكل منها.
فهذه هي الدماء الواجبة في الحج والعمرة.
وكل ما سوى ذلك من الدماء فلا يجب ولا يسن، والأصل براءة الذمة، ولم يثبت
بدليل شرعي أن ترك ما يجب كفعل ما يحرم في وجوب الفدية، فمن ترك واجباً فهو
آثم، وعليه التوبة والاستغفار.
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: رَأيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَقُولُ:
«لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لا أدْرِي لَعَلِّي لا أحُجُّ
بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ». أخرجه مسلم (1).
- حكمة مشروعية الفدية:
دماء الجنايات، وهدي الإحصار ونحوها هي دماء كفارات شرعت جبراً للجناية،
وتداركاً للتقصير في النسك، أو الحاصل بالتعدي على الإحرام أو الحرم.
وليست مشروعية الفدية للتخفيف من شأن المعصية؛ بل لتكميل ما نقص من نسك
الحج أو العمرة لمن وقع منه ذلك.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1297).
(3/272)
- أقسام محظورات الإحرام:
تنقسم محظورات الإحرام من حيث الفدية إلى أربعة أقسام:
1 - ما لا فدية فيه: وهو الخطبة، وعقد النكاح، وقص الظفر.
2 - ما فديته مغلظة: وهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول، وفديته بدنة.
3 - ما فديته الجزاء بمثله أو بدله: وهو قتل الصيد البري.
4 - ما فديته فدية أذى: وهو بقية محظورات الإحرام كالحلق والطيب ونحوهما.
- مكان أداء الفدية:
وقت الفدية إذا وجد سببها، ومكانها حيث وجد سببها.
فإن كانت عن فعل محظور فتجب حين فِعْله في الحل أوالحرم.
وإن كانت عن إحصار فتجب إذا حصل في الحل أو الحرم.
وجزاء الصيد في الحرم لمساكين الحرم، ويجزئ الصيام في كل مكان.
1 - قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا
الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا
فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ
مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:95].
- فدية فعل المحظور:
هي ما يجب بسبب فعل أحد محظورات الإحرام.
- أقسام فدية فعل المحظور:
تنقسم فدية فعل المحظور إلى ثلاثة أقسام:
(3/273)
الأول: فدية لبس المخيط، وحلق الشعر،
وتغطية الرأس، والطيب، وتسمى فدية الأذى.
فهذه يخير فيها المسلم بين ثلاثة أشياء:
صيام ثلاثة أيام .. أو إطعام ستة مساكين .. أو ذبح شاة.
ويجزئ الصيام في كل مكان.
أما الإطعام والذبيحة فلفقراء مكة.
ويكفي في إطعام ستة مساكين وجبة طعام لكل مسكين حسب العرف والعادة، أو نصف
صاع من بر أو أرز أو تمر ونحوها لكل مسكين.
1 - قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ
رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}
[البقرة:196].
2 - وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: «لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ». قال:
نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«احْلِقْ رَأْسَكَ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أيَّامٍ، أوْ أطْعِمْ سِتَّةَ
مَسَاكِينَ، أوِ انْسُكْ بِشَاةٍ». متفق عليه (1).
الثاني: فدية المباشرة والجماع قبل التحلل.
ولهذه الفدية ثلاث حالات:
1 - فدية المباشرة فيما دون الفرج قبل التحلل، وفدية الجماع في الحج بعد
التحلل الأول كفدية الأذى السابقة.
2 - فدية الجماع في الحج قبل التحلل الأول بدنة، ويفسد حجه، لكن عليه أن
يكمله، فإن لم يجد سقطت عنه.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1814) , واللفظ له، ومسلم برقم (1201).
(3/274)
3 - فدية الجماع في العمرة كفدية الأذى على
التخيير.
ومن جامع جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا إثم عليه ولا فدية، ونسكه صحيح.
الثالث: فدية قتل الصيد البري المأكول.
من قتل صيداً برياً متعمداً فله حالتان:
الأولى: إن كان الصيد له مِثْل من النعم فهو مخير: إما أن يخرج مثله، يذبحه
ويطعمه مساكين الحرم، أو يقوَّم المثل بدراهم يشتري بها طعاماً، ويطعم كل
مسكين نصف صاع، أو يصوم عن كل نصف صاع يوماً.
والصيد الذي له مِثْل من النعم:
مثل النعامة فيها بدنة .. وحمار الوحش وبقرته والوعل والأيِّل فيه بقرة ..
وفي الضبع كبش .. وفي الغزال عنز .. وفي الأرنب عناق .. وفي الضب جدي ..
وفي اليربوع جفرة .. وفي الحمامة شاة .. وهكذا.
وما سوى ذلك يحكم به عدلان من ذوي الخبرة.
الثانية: إن كان الصيد لا مثل له من بهيمة الأنعام كالعصفور والجراد،
فيقوَّم الصيد بدراهم، ثم يخير بين أن يشتري بقيمته طعاماً ويطعمه المساكين
لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن كل نصف صاع يوماً.
ويقدِّر القيمة اثنان من أهل الخبرة العدول.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ
وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ
مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا
بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ
ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ
وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو
انْتِقَامٍ (95)} [المائدة:95].
(3/275)
- حكم من اشترك في قتل الصيد:
إذا اشترك جماعة في قتل صيد فليس عليهم إلا جزاء واحد، فليس في الصيد إلا
مثله لا أمثاله، فالجزاء والإطعام يشترك فيه كل من قتل الصيد، أما إذا
اختاروا الصيام فعلى كل واحد منهم الصيام كله.
- حكم قتل الصيد:
إذا قتل المحرم الصيد البري المأكول فهو آثم، وعليه الجزاء.
ومن قتل صيداً بعد صيد فإثمه أعظم، وعليه لكل مرة جزاء.
ومن قتل صيداً في الحرم فإثمه أعظم، وعليه الجزاء سواء كان محرماً أم غير
محرم.
ومن قتل الصيد ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا إثم عليه ولا جزاء.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ
وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ
مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا
بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ
ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ
وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو
انْتِقَامٍ (95)} [المائدة:95].
- حكم من كرر المحظور:
1 - من كرر محظوراً من جنس واحد ولم يفد فدى مرة واحدة، إلا الصيد فعليه
جزاؤه بحسب عدده.
2 - من كرر محظوراً من أجناس، بأن حلق رأسه، ومس طيباً، ولم يفد، فدى لكل
جنس مرة.
(3/276)
- ما يجزئ في الفدية والهدي:
1 - يجب أن تكون الفدية أو الهدي أو الأضحية أو العقيقة من بهيمة الأنعام
.. وأن تبلغ السن المعتبر شرعاً .. وأن تكون سليمة من العيوب.
وأفضلها أسمنها .. وأغلاها ثمناً .. وأنفسها عند أهلها.
2 - السن المعتبر شرعاً في بهيمة الأنعام:
من الإبل ثني له خمس سنين فأكثر .. ومن البقر ثني له سنتان .. ومن الضأن
جذع له ستة أشهر فأكثر .. ومن المعز ثني له سنة فأكثر.
3 - يسن أن يذبح بنفسه، فإن لم يحسن الذبح وكَّل غيره، ولا يعطي الجزار
منها أجرته.
عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَرْبَعَةٌ لاَ يَجْزِينَ فِي الأَضَاحِي:
العَوْرَاءُ البَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالمَرِيضَةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا،
وَالعَرْجَاءُ البَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالكَسِيرَةُ الَّتِي لاَ تُنْقِي».
أخرجه أبو داود والنسائي (1).
- حكم صيد الحرم:
يحرم على المحرم والحلال إذا كان داخل حدود الحرم ما يلي:
1 - صيد الحيوان والطير، وتنفيره، والإعانة على صيده.
2 - قطع الشجر والنبات إلا ما زرعه وغرسه الآدمي، وما دعت إليه الحاجة
كالإذخر، ويجوز أخذ الثمرة والكمأة والفقع، وما انكسر من الشجر أو يبس.
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2802) , وأخرجه النسائي برقم (4370) , وهذا
لفظه.
(3/277)
10 - باب الهدي
- الهدي: هو كل ما يهدي إلى الحرم تقرباً إلى الله عز وجل، وما وجب بسبب
تمتع، أو قران، أو إحصار.
- حكم الهدي:
الهدي: كل ما يهدي إلى الحرم تقرباً إلى الله من الإبل والبقر والغنم.
1 - يجب الهدي على القارن والمتمتع إن لم يكونا من حاضري المسجد الحرام.
وحاضري المسجد الحرام هم أهل الحرم وما اتصل به.
2 - يجب الهدي على المحصر عن الحج أو العمرة، فإن لم يجد سقط عنه.
3 - يسن التطوع بالهدي من القادر لمساكين الحرم.
4 - من لم يجد الهدي أو لم يملك ثمنه يصوم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا
رجع إلى أهله، إذا كان متمتعاً أو قارناً.
ويصوم الثلاثة أيام قبل يوم عرفة، فإن فات صامها في أيام التشريق.
5 - من حج مفرداً، أو حج متمتعاً أو قارناً من أهل مكة أو الحرم فليس عليه
هدي.
1 - قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ
مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ
صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ
إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ
تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)} [البقرة:196].
(3/278)
- حكمة مشروعية الهدي:
هدي التطوع والتمتع والقران دماء نسك، شرعت إراقتها في الحرم تقرباً إلى
الله عز وجل، وشكراً لنعمة القيام بإتمام النسكين الحج والعمرة، وتكرمة
لضيوف الرحمن، وتوسعة على فقراء مكة؛ ليكتمل السرور, وتتم النعمة، وتحصل
المحبة والمودة، ويلهج الحجاج بالذكر والحمد.
1 - قال الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ
رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ
مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا
مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)} [الحج:27 - 28].
2 - وقال الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ
اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا
صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا
الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (36)} [الحج:36].
- أنواع الهدي:
الهدي ثلاثة أنواع:
الأول: هدي التمتع والقران.
والهدي: خروف أو شاة من الغنم، أو سُبع بدنة، أو سُبع بقرة.
ويجب على المتمتع والقارن إن لم يكن من حاضري المسجد الحرام، فإن لم يجد
صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله.
ويستحب للمتمتع والقارن الأكل من هذا الهدي، والإطعام منه.
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما في صفةِ حجِّ النبيِّ -
صلى الله عليه وسلم -، -وفيه-: ... ثُمَّ
(3/279)
انْصَرَفَ إِلَى المَنْحَرِ، فَنَحَرَ
ثَلاَثاً وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيّاً فَنَحَرَ مَا
غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِى هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ
بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِى قِدْرٍ، فَطُبِخَتْ، فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا،
وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا. أخرجه مسلم (1).
الثاني: هدي التطوع.
وهو ما يهديه الحاج المفرد، أو المعتمر تطوعاً، وما يهديه المتمتع والقارن
زيادة على الواجب، وما يبعثه غير الحاج والمعتمر هدياً إلى مكة ليذبح بها
تقرباً إلى الله تعالى، ويستحب لمن تطوع بهذا الهدي الأكل منه.
1 - قال الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ
اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا
صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا
الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا
وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ
لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)}
[الحج:36 - 37].
2 - وَعنْ عَليٍّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: أهْدَى النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَأمَرَنِي بِلُحُومِهَا فَقَسَمْتُهَا،
ثُمَّ أمَرَنِي بِجِلالِهَا فَقَسَمْتُهَا، ثُمَّ بِجُلُودِهَا
فَقَسَمْتُهَا. متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: أنَا فَتَلْتُ قَلائِدَ
هَدْيِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ
أبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْءٌ
أحَلَّهُ اللهُ لَهُ حَتَّى نُحِرَ الهَدْيُ. متفق عليه (3).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1218).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1718) , واللفظ له، ومسلم برقم (1317).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1700) , واللفظ له، ومسلم برقم (1321).
(3/280)
الثالث: هدي الإحصار.
الإحصار: هو المنع من إتمام الحج والعمرة أو أحدهما.
1 - من أحرم بالحج أو العمرة، فصده عدو عن الحرم، أو أصابه مرض أو حادث،
فلم يستطع الوصول إلى البيت، فهذا ينحر ما تيسر من الهدي في مكانه، ثم يحلق
رأسه أو يقصر، ثم يتحلل من إحرامه.
2 - من كُسر أو مرض أو عرج أو فاته الوقوف بعرفة:
فإن كان مشترطاً حلّ ولا شيء عليه، وإن لم يشترط ذبح ما تيسر من الهدي، ثم
حلق أو قصر، ثم حل.
والمحصر إذا لم يجد الهدي أو عجز عنه سقط عنه.
1 - قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ
لَهَا: «لَعَلَّكِ أرَدْتِ الحَجَّ». قَالَتْ: وَاللهِ لا أجِدُنِي إِلا
وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي، قُولِي: اللهمَّ مَحِلِّي
حَيْثُ حَبَسْتَنِي». وَكَانَتْ تَحْتَ المِقْدَادِ بْنِ الأسْوَدِ. متفق
عليه (1).
- وقت ذبح الهدي:
1 - هدي التمتع والقران والتطوع يبدأ وقته من صباح يوم النحر إلى غروب شمس
اليوم الثالث عشر من أيام التشريق.
2 - هدي الإحصار وقته عند وجود سببه في الحل أو الحرم.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5089) , واللفظ له، ومسلم برقم (1207).
(3/281)
- مكان ذبح الهدي:
1 - هدي التمتع والقران والتطوع يذبح داخل حدود الحرم في مكة، أو منى، أو
مزدلفة، أو غيرها من الحرم، ويستحب أن يأكل منه، ويطعم الفقراء ومساكين
الحرم.
2 - هدي الإحصار يذبح في الموضع الذي أُحصر فيه.
- صفة تقليد الهدي:
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: فَتَلْتُ قَلائِدَ بُدْنِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا
وَأشْعَرَهَا وَأهْدَاهَا، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ أحِلَّ
لَهُ. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أفْتِلُ قَلائِدَ
الغَنَمِ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَبْعَثُ بِهَا، ثُمَّ
يَمْكُثُ حَلالاً. متفق عليه (2).
- كيفية الذبح والنحر:
السنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، ويذبح غيرها من البقر والغنم،
ويجوز العكس، ويستحب أن يوجهها إلى القبلة، والنحر للإبل يكون في أسفل
الرقبة من جهة الصدر.
والذبح للبقر والغنم في أعلى الرقبة من عند الرأس، يضجعها على جنبها
الأيسر، ويضع رجله اليمنى على رقبتها، ثم يمسك برأسها ويذبح، ويقول عند
الذبح أو النحر (باسم الله، والله أكبر).
1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أرْبَعاً، وَالعَصْرَ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1696) واللفظ له، ومسلم برقم (1321).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1703) , واللفظ له، ومسلم برقم (1321).
(3/282)
بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، فَبَاتَ
بِهَا، فَلَمَّا أصْبَحَ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَجَعَلَ يُهَلِّلُ
وَيُسَبِّحُ، فَلَمَّا عَلا عَلَى البَيْدَاءِ لَبَّى بِهِمَا جَمِيعاً،
فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ أمَرَهُمْ أنْ يَحِلُّوا، وَنَحَرَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَاماً. أخرجه البخاري (1).
2 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه أنَّهُ أتَى عَلَى رَجُلٍ
وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ بَارِكَةً، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَاماً
مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - بِكَبْشَيْنِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ،
وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. متفق عليه (3).
- ماذا يفعل بالهدي إذا عطب:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ ذُؤَيْباً أبَا قَبِيصَةَ
حَدَّثَهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَبْعَثُ
مَعَهُ بِالبُدْنِ ثُمَّ يَقُولُ: «إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ، فَخَشِيتَ
عَلَيْهِ مَوْتاً، فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا،
ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلا تَطْعَمْهَا أنْتَ وَلا أحَدٌ مِنْ
أهْلِ رُفْقَتِكَ». أخرجه مسلم (4).
- ماذا يفعل بلحوم الهدي:
1 - قال الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ
اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا
صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا
الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (36)} [الحج:36].
2 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أمَرَنِي رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - أنْ أقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأنْ
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1714).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1713) , ومسلم برقم (1320) , واللفظ
له.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5565) , ومسلم برقم (1966).
(4) أخرجه مسلم برقم (1326).
(3/283)
أتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا
وَأجِلَّتِهَا، وَأنْ لا أعْطِيَ الجَزَّارَ مِنْهَا، قال: «نَحْنُ
نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا». متفق عليه (1).
- حكم نقل اللحوم خارج الحرم:
ما يذبحه الحجاج ثلاثة أنواع:
1 - هدي التمتع والقران، وهدي التطوع، فهذا يُذبح في الحرم، ويأكل منه،
ويُطعم الفقراء، ويجوز نقله عند الحاجة ليوزع على الفقراء خارج الحرم.
2 - ما يذبح داخل الحرم جزاء لصيد، أو فدية لأذى، أو فعل محظور.
فهذا كله لفقراء مكة، ولا يأكل منه.
3 - ما يذبح خارج الحرم كهدي الإحصار، أو فدية جزاء أو أذى ونحو ذلك.
فهذا يوزع حيث ذُبح، ولا يأكل منه، ويجوز نقله إلى مكان آخر في الحل أو
الحرم.
قال الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ
لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ
فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ
وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
(36)} [الحج:36].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1707) , ومسلم برقم (1317) , واللفظ
له.
(3/284)
11 - صفة العمرة
- صفة دخول مكة:
يسن للقادم إلى مكة أن يدخلها في النهار، ويغتسل قبل الطواف بالبيت،
ويدخلها من أعلاها، ويخرج من أسفلها، ويقطع التلبية إذا دخل حدود الحرم،
ويؤدي العمرة في النهار، يفعل الأيسر له في جهة الدخول والخروج، وفي الدخول
في النهار أو الليل، وفي الخروج في النهار أو الليل، وفي أداء العمرة في
النهار أو الليل، حسب اليسر والمصلحة، والجهة والوقت.
1 - عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا إِذَا
دَخَلَ أدْنَى الحَرَمِ أمْسَكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ، ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي
طِوىً، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ، وَيُحَدِّثُ أنَّ
نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. متفق عليه
(1).
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ دَخَلَ مِنْ أعْلاهَا، وَخَرَجَ مِنْ
أسْفَلِهَا. متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ -وَخَرَجَ مِنْ كُداً مِنْ
أعْلَى مَكَّةَ. أخرجه البخاري (3).
- أعمال العمرة:
من أراد العمرة فعليه فعل أربعة أشياء:
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1573) , واللفظ له، ومسلم برقم (1259).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1577) , واللفظ له، ومسلم برقم (1258).
(3) أخرجه البخاري برقم (1578).
(3/285)
الإحرام كما سبق .. ثم الطواف بالبيت .. ثم
السعي بين الصفا والمروة .. ثم الحلق أو التقصير.
- الطواف: هو التعبد لله بالدوران حول الكعبة سبعة أشواط مع الدعاء.
- فضل الطواف بالبيت:
1 - قال الله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ
وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا
إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ
وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)} [البقرة:125].
2 - وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ لاِبْنِ
عُمَرَ: مَا لِي لاَ أَرَاكَ تَسْتَلِمُ إِلاَّ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ،
الحَجَرَ الأَْسْوَدَ، وَالرُّكْنَ اليَمَانِيَ؟ فَقال ابْنُ عُمَرَ: إِنْ
أَفْعَلْ، فَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَقُولُ:
«إِنَّ اسْتِلاَمَهُمَا يَحُطُّ الخَطَايَا»، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:
«مَنْ طَافَ أُسْبُوعاً يُحْصِيهِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ لَهُ
كَعِدْلِ رَقَبَةٍ»، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا رَفَعَ رَجُلٌ
قَدَماً وَلاَ وَضَعَهَا، إِلاَّ كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَحُطَّ
عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ». أخرجه أحمد
والترمذي (1).
- حكمة مشروعية الطواف:
بيت الله الحرام أطهر مكان في الأرض، وأشرف بقعة خلقت، شرفه الله وعظمه،
وجعله حرماً آمناً لخلقه، جعله الله مكاناً للطائفين والعاكفين والركع
السجود.
فالطائف بالطواف يلزم المكان المنسوب إلى ربه .. ويلتجئ إلى حمى
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (4462) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (959).
(3/286)
مولاه .. فيكبر ربه ويعظمه .. ويقرع باب
إحسانه وإنعامه.
يلتمس العفو عن السيئات .. والصفح عن الزلات .. ويسأل ربه الجنة .. والنجاة
من النار، فهو كمثل عبد معتكف بباب مولاه، لائذ بحماه، طالب لإحسانه ورضاه،
لا يقضي حاجته سواه.
- شروط الطواف:
يشترط لصحة الطواف بالبيت ما يلي:
1 - نية الطواف، والنية محلها القلب.
عَنْ عُمَر بن الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،
وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى
دُنْيَا يُصِيبُهَا أوْ إلَى امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا
هَاجَرَ إلَيْهِ». متفق عليه (1).
2 - الطهارة من الحدث الأكبر وهو الجنابة والحيض والنفاس.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيّ -
صلى الله عليه وسلم - لا نَذْكُرُ إلا الحَجَّ، فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ
طَمِثْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأنَا
أبْكِي، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ». قُلْتُ: لَوَدِدْتُ وَاللهِ أنِّي لَمْ
أحُجَّ العَامَ. قال: «لَعَلَّكِ نُفِسْتِ». قُلْتُ: نَعَمْ، قال: «فَإنَّ
ذَلِكِ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِي مَا
يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أنْ لا تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي».
متفق عليه (2).
3 - ستر العورة.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي أبُو بَكْرٍ
الصِّدِّيقُ فِي الحَجَّةِ الَّتِي
أمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَبْلَ حَجَّةِ
الوَدَاعِ، فِي رَهْطٍ، يُؤَذِّنُونَ فِي النَّاسِ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (305) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211).
(3/287)
يَوْمَ النَّحْرِ: لا يَحُجُّ بَعْدَ
العَامِ مُشْرِكٌ، وَلا يَطُوفُ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ. متفق عليه (1).
4 - أن يكون الطواف على الكعبة كلها.
فمن طاف من داخل الحِجْر فطوافه ناقص لا يصح؛ لأن الحِجْر من البيت.
قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ
وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} [الحج:29].
5 - أن يجعل البيت عن يساره؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
6 - أن يبدأ طوافه من الحجر الأسود، وينتهي به.
عَنْ عَبْداللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: رَأيْتُ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ
الرُّكْنَ الأسْوَدَ، أوَّلَ مَا يَطُوفُ حِينَ يَقْدَمُ، يَخُبُّ ثَلاثَةَ
أطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ. متفق عليه (2).
7 - أن يكون الطواف سبعة أشواط كاملة.
فمن نقص من الأشواط لم يصح طوافه؛ لأن عدد الأشواط مقدر كعدد ركعات الصلاة،
فلا يصح إلا كاملاً.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: رَمَلَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - مِنَ الحَجَرِ إِلَى الحَجَرِ ثَلاثاً، وَمَشَى
أرْبَعاً. أخرجه مسلم (3).
8 - الموالاة بين الأشواط إلا لعذر.
فمن قطع طوافه عابثاً بطل طوافه؛ لأن الأشواط كركعات الصلاة.
ومن قطع طوافه لعذر ليصلي المكتوبة، أو يستريح من تعب، أو يقضي
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (369) , ومسلم برقم (1347) , واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1603) , ومسلم برقم (1261) , واللفظ
له.
(3) أخرجه مسلم برقم (1262).
(3/288)
حاجته، أو يصلي على جنازة ونحو ذلك، فإنه
يبني على ما طاف، وطوافه صحيح.
- سنن الطواف:
1 - الوضوء قبل الطواف.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ أوَّلَ شَيْءٍ بَدَأ بِهِ -حِينَ
قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ تَوَضَّأ، ثُمَّ طَافَ.
متفق عليه (1).
2 - اضطباع الرجال عند الطواف فقط.
والاضطباع: أن يجعل المحرم وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على عاتقه
الأيسر، ليكون منكبه الأيمن مكشوفاً.
والسنة الاضطباع عند البدء بالطواف إلى نهاية الطواف بالبيت، ثم يسوي رداءه
بعد الفراغ من الطواف.
والاضطباع محله الطواف فقط دون غيره من المناسك.
ويسن الاضطباع في طواف القدوم، وطواف العمرة فقط.
عَن يَعْلَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -
طَافَ بالبَيْتِ مُضْطَبعاً وَعَلَيْهِ بُرْدٌ. أخرجه أبو داود والترمذي
(2).
3 - الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأولى، والمشي في الأربعة الباقية.
والرَّمَل: الإسراع في المشي مع تقارب الخطى.
والرمل سنة للرجال دون النساء في كل طواف بعده سعي كطواف القدوم،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1615)، واللفظ له، ومسلم برقم (1235).
(2) حسن صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1883) , وأخرجه الترمذي برقم (859) ,
وهذا لفظه.
(3/289)
وطواف العمرة، ومن فاته الرمل في الأشواط
الثلاثة الأولى فلا يقضيه في الأربعة الباقية؛ لأن هيئتها السكينة فلا
تغير، ولأنه فات محله.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - وَأصْحَابُهُ مَكَّةَ، وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى
يَثْرِبَ، قال المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَداً قَوْمٌ
قَدْ وَهَنَتْهُمُ الحُمَّى، وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً، فَجَلَسُوا مِمَّا
يَلِي الحِجْرَ، وَأمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ
يَرْمُلُوا ثَلاثَةَ أشْوَاطٍ، وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ،
لِيَرَى المُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: هَؤُلاءِ
الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنَّ الحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ، هَؤُلاءِ أجْلَدُ
مِنْ كَذَا وَكَذَا، قال ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أنْ
يَأْمُرَهُمْ أنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ كُلَّهَا، إِلا الإبْقَاءُ
عَلَيْهِمْ. متفق عليه (1).
4 - التكبير، واستلام الحجر الأسود وتقبيله في كل شوط إن تيسر.
ولاستلام الحجر الأسود أربع درجات:
أن يستلم الحجر بيده اليمنى ويقبله بفمه، وهذه أفضلها، فإن لم يستطع استلمه
بيده وقبّل يده، فإن لم يستطع استلمه بعصا وقبّلها، فإن لم يستطع أشار إليه
بيده وكبر ومضى.
1 - عَنْ نَافِعٍ قَالَ: رَأيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الحَجَرَ
بِيَدِهِ، ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأيْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ. أخرجه مسلم (2).
2 - وعَنْ أبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - يَطُوفُ بِالبَيْتِ، وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ
بِمِحْجَنٍ مَعَهُ، وَيُقَبِّلُ المِحْجَنَ. أخرجه مسلم (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1602) , ومسلم برقم (1266) , واللفظ
له.
(2) أخرجه مسلم برقم (1268).
(3) أخرجه مسلم برقم (1275).
(3/290)
3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ
عَنْهُمَا قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالبَيْتِ
عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أتَى الرُّكْنَ أشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ
عِنْدَهُ وَكَبَّرَ. أخرجه البخاري (1).
4 - وَعَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأيْتُ
عُمَرَ يُقَبِّلُ الحَجَرَ وَيَقُولُ: إِنِّي لأقَبِّلُكَ، وَأعْلَمُ
أنَّكَ حَجَرٌ، وَلَوْلا أنِّي رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- يُقَبِّلُكَ لَمْ أقَبِّلْكَ. متفق عليه (2).
5 - استلام الركن اليماني باليد اليمنى.
والسنة للمرأة أن تطوف بالبيت متسترة معتزلة للرجال، ولا تزاحم الرجال في
الطواف، وعند الحجر الأسود، وعند الركن اليماني.
عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - كَانَ لا يَسْتَلِمُ إِلا الحَجَرَ وَالرُّكْنَ اليَمَانِيَ. متفق
عليه (3).
6 - الدعاء بين الركن اليماني والحجر الأسود بما ورد.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ السَّائِب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ:
«?رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً
وَقِنَا عَذابَ النَّارِ». أخرجه أحمد وأبو داود (4).
7 - الدعاء أثناء الطواف بالأدعية الشرعية الواردة في القرآن والسنة.
8 - التوجه بعد الفراغ من الطواف إلى مقام إبراهيم وهو يتلو:
{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125].
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1613).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1597) , ومسلم برقم (1270) , واللفظ
له.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1609) , ومسلم برقم (1267).
(4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (15399) , وأخرجه أبو داود برقم (1892) , وهذا
لفظه.
(3/291)
9 - الصلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم بعد
الطواف، فإن لم يتيسر صلى الركعتين في أي مكان يخشع فيه قلبه.
والسنة أن يقرأ في الركعة الأولى بسورة الكافرون، وفي الثانية بالإخلاص.
ويصلي المسلم ركعتي الطواف في أي وقت بعد الطواف.
1 - عَنِ ابْن عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - فَطَافَ بِالبَيْتِ سَبْعاً، وَصَلَّى خَلْفَ
المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا، وَقَدْ قال اللهُ
تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ بسُورَتَيِ
الإخْلاَصِ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ}. أخرجه الترمذي والنسائي (2).
- حكم الطواف والناس يصلون المكتوبة:
يجوز لمن ليس من أهل الجماعة كالمرأة، ومَنْ جَمَع الصلاة ونحوهما كالمريض
والمعذور أن يطوف خلف الصفوف ما لم يؤذ.
عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: شَكَوْتُ إلَى رَسُولِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنِّي أشْتَكِي، قال: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ
النَّاسِ وَأنْتِ رَاكِبَةٌ». فَطُفْتُ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - يُصَلِّي إلَى جَنْبِ البَيْتِ، يَقْرَأ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ
مَسْطُورٍ. متفق عليه (3).
- حكم الكلام والتعليم والإفتاء أثناء الطواف:
يجوز للمسلم الكلام أثناء الطواف، لكن الأَوْلى تركه.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1627) , واللفظ له، ومسلم برقم (1234).
(2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (869) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم
(2963).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (464) , واللفظ له، ومسلم برقم (1276).
(3/292)
ويسن للطائف الدعاء، والأمر بالمعروف،
والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل، وجواب المستفتي ونحو ذلك، ثم يعود للذكر
والدعاء.
1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - بِالبَيْتِ، فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ،
يَسْتَلِمُ الحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ، لأنْ يَرَاهُ النَّاسُ، وَلِيُشْرِفَ،
وَلِيَسْألُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ. أخرجه مسلم (1).
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ، رَبَطَ
يَدَهُ إِلَى إِنْسَانٍ، بِسَيْرٍ أوْ بِخَيْطٍ أوْ بِشَيْءٍ غَيْرِ
ذَلِكَ، فَقَطَعَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ، ثُمَّ
قال: «قُدْهُ بِيَدِهِ». أخرجه البخاري (2).
- حكمة مشروعية استلام الحجر الأسود:
استلام الحجر الأسود مبدأ الطواف بالبيت، كأنه مبدأ الإقبال على الله
والوقوف ببابه، معظماً له، محباً له، راغباً فيما عنده، والحجر يشهد يوم
القيامة لمن استلمه بالحق.
- حكم المرور أمام المصلي:
المصلي يناجي ربه، فلا يجوز لأحد أن يمر بين المصلي وسترته، ومن مر فهو
آثم، سواء كان في الحرم أو غيره من المساجد، وسواء كانت الصلاة فرضاً أو
نفلاً، وسواء كان المار رجلاً أو امرأة.
عَنْ أبِي جُهَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي
مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ خَيْراً لَهُ مِنْ أنْ
يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْه».
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1273).
(2) أخرجه البخاري برقم (1620).
(3/293)
قال أبُو النَّضْرِ: لا أدْرِي، أقَالَ
أرْبَعِينَ يَوْماً، أوْ شَهْراً، أوْ سَنَةً. متفق عليه (1).
- حكم الطواف راكباً:
السنة أن يطوف المسلم بالبيت ماشياً، ويجوز الطواف بالبيت راكباً ولو مع
القدرة على المشي، إذا دعت الحاجة إليه كزحام ونحوه، ويجوز للمريض والكبير
والعاجز ونحوهم الطواف راكباً على عربة ونحوها.
1 - عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: شَكَوْتُ إلَى
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنِّي أشْتَكِي، قَالَ: «طُوفِي مِنْ
وَرَاءِ النَّاسِ وَأنْتِ رَاكِبَةٌ». فَطُفْتُ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - يُصَلِّي إلَى جَنْبِ البَيْتِ، يَقْرَأ بِالطُّورِ
وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. متفق عليه (2).
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ
الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ. متفق عليه (3).
- حكم الطهارة في الطواف:
1 - تجب الطهارة في الطواف من الحدث الأكبر كالجنابة، والحيض، والنفاس.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قالتْ: قَدِمْتُ مَكَّةَ
وَأنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أطُفْ بِالبَيْتِ، وَلا بَيْنَ الصَّفَا
وَالمَرْوَةِ، قالتْ: فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -، قال: «افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أنْ لا
تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي». متفق
عليه (4).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (510) , واللفظ له، ومسلم برقم (507).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (464) , واللفظ له، ومسلم برقم (1276).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1607) , واللفظ له، ومسلم برقم (1272).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1650) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211).
(3/294)
2 - تسن الطهارة من الحدث الأصغر ولا تجب.
عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ أوَّلَ شَيْءٍ بَدَأ بِهِ -حِينَ
قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ تَوَضَّأ، ثُمَّ طَافَ.
متفق عليه (1).
3 - من طاف بالبيت على غير طهارة فطوافه صحيح، لكنه ترك الأفضل.
ومن طاف وعليه الحدث الأكبر من غير عذر فطوافه غير صحيح.
ومن طاف جنباً ناسياً أو جاهلاً فلا إعادة عليه.
4 - إذا طافت المرأة في الحج أو العمرة وهي حائض: فإن كانت متعمدة لغير عذر
فطوافها غير صحيح.
وإن كانت جاهلة أو ناسية، أو خشيت فوات رفقتها، فطافت وهي حائض فطوافها
صحيح.
- السعي: هو التعبد لله بالمشي بين الصفا والمروة سبعة أشواط مع الدعاء.
- شروط السعي:
يشترط لصحة السعي بين الصفا والمروة ما يلي:
1 - أن يكون السعي بعد الطواف بالبيت.
2 - أن يكون السعي سبعة أشواط كاملة متوالية إلا لعذر.
3 - أن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة.
4 - أن يكون السعي في المسعى.
5 - أن يكون السعي في نسك حج أو عمرة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1615) , واللفظ له، ومسلم برقم (1235).
(3/295)
- سنن السعي:
يسن في السعي ما يلي:
1 - أن يكون على طهارة إن تيسر.
2 - أن يستلم الحجر الأسود قبل الخروج للسعي.
3 - أن يقرأ إذا اقترب من الصفا مرة واحدة: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ
مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158].
4 - أن يقول عند صعود الصفا: أبدأ بما بدأ الله به.
عَنْ جَابِر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ -وفيه-: فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأ: {إِنَّ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}. «أبْدَأ بِمَا بَدَأ اللهُ بِهِ».
فَبَدَأ بِالصَّفَا. أخرجه مسلم (1).
5 - أن يستقبل القبلة عند الوقوف على الصفا والمروة للذكر والدعاء، ويدعو
بما ورد، ويكرره ثلاث مرات كما سبق.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ فَتحِ مَكّةَ،
قَالَ: فَلَمّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصّفَا فَعَلاَ عَلَيْهِ،
حَتّى نَظَرَ إلَى البَيْتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَحْمَدالله
وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ. أخرجه مسلم (2).
6 - أن يمشي بين الصفا والمروة، ويفعل على المروة كما فعل على الصفا،
ويجوز له الركوب لمصلحة وحاجة.
7 - أن يسعى سعياً شديداً بين العلمين الأخضرين، وهذا خاص بالرجال دون
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1218).
(2) أخرجه مسلم برقم (1780).
(3/296)
النساء.
8 - الذكر والدعاء بين الصفا والمروة بما تيسر مما ورد في الكتاب والسنة.
- حكم السعي:
السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة، فلا يتم النسك إلا به.
لكنه لا يصح إلا في نسك، ولا يشرع تكراره كالطواف.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ
فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ
يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ
عَلِيمٌ (158)} [البقرة:158].
2 - وَعَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمْ يَطُفِ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَلا أصْحَابُهُ، بَيْنَ الصَّفَا
وَالمَرْوَةِ، إِلا طَوَافاً وَاحِداً. أخرجه مسلم (1).
3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا سُئِلتْ: مَا أرَى عَلَيَّ
جُنَاحاً أنْ لا أتَطَوَّفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، قَالَتْ: لِمَ؟
قُلْتُ: لأنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ
مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآيَةَ. فَقَالَتْ: لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ
لَكَانَ: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ لا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، إِنَّمَا
أنْزِلَ هَذَا فِي أنَاسٍ مِنَ الأنْصَارِ، كَانُوا إِذَا أهَلُّوا،
أهَلُّوا لِمَنَاةَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلا يَحِلُّ لَهُمْ أنْ
يَطَّوَّفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَلَمَّا قَدِمُوا مَعَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْحَجِّ، ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ،
فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ فَلَعَمْرِي! مَا
أتَمَّ اللهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ. متفق
عليه (2).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1279).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1643) , ومسلم برقم (1277) , واللفظ
له.
(3/297)
- حكم تقديم السعي على الطواف:
1 - يجب أن يكون الطواف للعمرة بالبيت أولاً، ثم يكون السعي بعده، كما فعل
النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع نسكه، فلا يجوز تقديم السعي على
الطواف في العمرة، ومن سعى قبل أن يطوف فعليه أن يطوف ثم يسعى.
2 - السنة أن يكون الطواف للحج أولاً، ثم يكون السعي بعده، كما فعل النبي -
صلى الله عليه وسلم - في جميع نسكه، ويجوز في يوم النحر خاصة تقديم بعض
الأنساك على بعض، وتقديم السعي على الطواف، لكن تقديم الطواف على السعي
أفضل.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ
بِمِنىً لِلنَّاسِ يَسْألُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أشْعُرْ
فَحَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحَ؟ فَقَالَ: «اذْبَحْ وَلا حَرَجَ». فَجَاءَ
آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ؟ قال: «ارْمِ
وَلا حَرَجَ». فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَيْءٍ
قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ إلا قال: «افْعَل وَلا حَرَجَ». متفق عليه (1).
- حكم سعي الحائض بين الصفا والمروة:
يصح السعي بين الصفا والمروة بلا طهارة.
ويجوز للمرأة الحائض أن تسعى بين الصفا والمروة، لكن الأَوْلى أن تكون
طاهرة.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قالتْ: قَدِمْتُ مَكَّةَ
وَأنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أطُفْ بِالبَيْتِ، وَلا بَيْنَ الصَّفَا
وَالمَرْوَةِ، قالتْ: فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (83) , واللفظ له، ومسلم برقم (1306).
(3/298)
قال: «افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الحَاجُّ،
غَيْرَ أنْ لا تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي». متفق عليه (1).
- حكم السعي راكباً:
السنة السعي بين الصفا والمروة ماشياً.
ويجوز السعي راكباً ولو مع القدرة على المشي للحاجة الداعية إليه كزحام
ونحوه.
ويجوز للكبير والمريض والعاجز السعي راكباً على عربة ونحوها.
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - بِالبَيْتِ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ،
يَسْتَلِمُ الحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ، لأنْ يَرَاهُ النَّاسُ، وَلِيُشْرِفَ،
وَلِيَسْألُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ. أخرجه مسلم (2).
- الحلق: هو التعبد للهِ بحلق شعر الرأس أو تقصيره في نسك.
- حكم الحلق أو التقصير:
الحلق أو التقصير من واجبات الحج والعمرة.
1 - قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196].
2 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: حَلَقَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - وَطَائِفَةٌ مِنْ أصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ.
متفق عليه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1650) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211).
(2) أخرجه مسلم برقم (1273).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1729) , واللفظ له، ومسلم برقم (1301).
(3/299)
- حكمة مشروعية الحلق أو التقصير:
شرع الله عز وجل الحلق أو التقصير بعد اكتمال أعمال العمرة؛ ليتحلل به
المحرم من إحرامه، ويحل له ما كان محظوراً عليه من قبل إحرامه.
وشرعه الله بعد غالب أعمال الحج؛ ليتحلل به المحرم من إحرامه بالحج، وإنما
عجل به قبل الانتهاء من أعمال الحج خشية الوقوع في محظورات الإحرام إذا طال
به أمد المنع، وفيه إشعار بتسليم الرقاب لرب العباد بعد حلاوة الطاعة.
- أنواع حلق الرأس:
1 - حلق واجب: وهو حلقه عبودية للهِ تعالى في نسك حج أو عمرة.
2 - حلق مباح: وهو حلقه للتبرد أو النظافة أو الحاجة.
3 - حلق محرم: وهو حلقه تشبهاً بالكفار.
4 - حلق شرك: وهو حلقه بين يدي شيخه، أو صنمه خضوعاً وعبودية له.
- فضل الحلق في النسك:
1 - قال الله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا
بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ
مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)}
[الفتح:27].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهمَّ! اغْفِرْ
لِلْمُحَلِّقِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قال:
«اللَّهمَّ! اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ!
وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قال: «اللَّهمَّ! اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ». قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللهِ! وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قال: «وَلِلْمُقَصِّرِينَ». متفق
(3/300)
عليه (1).
- صفة الحلق أو التقصير:
1 - إذا فرغ المسلم من سعي العمرة حلق شعر رأسه وهو الأفضل، أو قصر شعر
رأسه يعمه بالتقصير، والسنة أن يبدأ الحالق بيمين المحلوق.
والمرأة تقصر من شعر رأسها قدر أنملة من طرف ظفيرتيها.
2 - المفرد والمتمتع يحلق أو يقصر بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر.
والقارن يحلق أو يقصر إذا رمى جمرة العقبة، وذبح الهدي يوم النحر.
3 - يسقط حلق الرأس وتقصيره عن الأقرع ومن لا شعر له.
- صفة أداء العمرة:
1 - إذا أحرم المسلم بالحج أو العمرة قصد مكة ملبياً.
ويسن دخوله من أعلاها إن كان أيسر لدخوله.
ثم يدخل المسجد الحرام من أي جهة شاء.
فإذا أراد دخول المسجد الحرام قدم رجله اليمنى، ثم قال ما يقال عند دخول
المساجد:
«اللَّهمَّ افْتَحْ لِي أبْوَابَ رَحْمَتِكَ». أخرجه مسلم (2).
«أَعُوذ بالله العَظِيمِ وَبوَجْهِهِ الكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ
مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». أخرجه أبو داود (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1728) , ومسلم برقم (1302) , واللفظ
له.
(2) أخرجه مسلم برقم (713).
(3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (466).
(3/301)
2 - السنة إذا أراد الطواف أن يكون
متوضئاً، فإذا وصل الكعبة بدأ بالطواف من الحجر الأسود، ويجعل البيت عن
يساره، ويسن أن يضطبع إذا أراد أن يطوف، ويرمل في الأشواط الثلاثة الأولى
من الحجر إلى الحجر، ويمشي في الأشواط الأربعة الأخيرة.
3 - إذا حاذى الحجر الأسود استقبله، واستلمه بيده، وقبله بفمه، فإن لم
يستطع مسحه بيده اليمنى وقبلها، فإن لم يستطع استلمه بعصاً ونحوها وقبلها،
فإن لم يستطع أشار إليه بيده ولا يقبلها.
ويقول إذا حاذاه (الله أكبر) مرة واحدة، ويفعل ذلك في كل شوط.
ويدعو أثناء طوافه بما شاء من الأدعية الشرعية، ويذكر الله ويوحده.
4 - فإذا مر بالركن اليماني استلمه بيده اليمنى بدون تقبيل ولا تكبير، يفعل
ذلك في كل شوط إن تيسر، فإن شق استلامه مضى في طوافه بلا تكبير ولا إشارة.
ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
فيطوف سبعة أشواط كاملة من وراء الكعبة والحِجْر، يكبر كلما حاذى الحجر
الأسود، ويستلمه ويقبله في كل شوط إن أمكن وهكذا.
5 - إذا فرغ من الطواف غطى كتفه الأيمن، وتقدم إلى مقام إبراهيم - صلى الله
عليه وسلم - وهو يقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}.
6 - يصلي ركعتين خفيفتين خلف مقام إبراهيم إن تيسر، وإلا صلى في أي مكان من
الحرم.
ويسن أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة الكافرون، ويقرأ في
الثانية بعد الفاتحة سورة الإخلاص.
(3/302)
ثم ينصرف من حين يسلم، والدعاء بعد
الركعتين هنا غير مشروع، وكذلك الدعاء عند مقام إبراهيم لا أصل له.
7 - يرجع إلى الحجر الأسود، ويستلمه إن تيسر، ثم يخرج إلى الصفا، ويسن أن
يقرأ إذا قرب منه: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}.
ويقول: أبدأ بما بدأ الله به.
8 - إذا صعد على الصفا، ورأى البيت، وقف مستقبلاً القبلة، ثم يكبر ثلاثاً،
ويرفع يديه عند الدعاء، يوحد الله ويكبره ويحمده قائلاً: «لا إِلَهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ، أنْجَزَ
وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ». متفق عليه
(1).
ثم بعد هذا الذكر يرفع يديه ويدعو الله بما تيسر من الأدعية الشرعية، ثم
يعيد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة، يجهر بالذكر،
ويسر بالدعاء.
9 - ينزل من الصفا متجهاً إلى المروة ذاكراً داعياً، بخشوع وتذلل، يمشي حتى
يحاذي العلم الأخضر الأول، فإذا حاذاه سعى سعياً شديداً إلى العلم الأخضر
الثاني، ثم يمشي إلى المروة، وفي كل ذلك يهلل ويكبر ويدعو.
10 - إذا وصل إلى المروة رقاها، واستقبل البيت، ووقف للذكر والدعاء، رافعاً
يديه عند الدعاء، يقول ما قاله على الصفا، ويكرره ثلاثاً كما فعل على
الصفا.
11 - ينزل من المروة متجهاً إلى الصفا، يمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع
سعيه، يفعل ذلك سبعاً متوالية.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4114) , ومسلم برقم (1218) , واللفظ
له.
(3/303)
ذهابه سَعْية، ورجوعه سَعْية، يبدأ بالصفا،
ويختم بالمروة، وتسن للسعي الطهارة.
12 - إذا أكمل السعي وفرغ منه، حلق رأسه وهو الأفضل، أو قصّر من شعر رأسه
يعمه بالتقصير.
والمرأة لا يجوز لها حلق الشعر، وإنما تقصر من شعرها قدر أنملة من طرف
ظفيرتيها.
وبذلك تمت العمرة، وحل له كل شيء حرم عليه وهو مُحْرِم كاللباس، والطيب،
والجماع ونحو ذلك.
والمرأة كالرجل في الطواف والسعي إلا أنها لا ترمل في طواف ولا سعي ولا
تضطبع.
(3/304)
12 - صفة الحج
- صفة الحج الذي فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبيَّنه، وأمر به
أصحابه رضي الله عنهم.
- أعمال الحج تبدأ من اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وتنتهي بغروب شمس
اليوم الثالث عشر منه.
- ما يفعله الحاج قبل اليوم الثامن:
1 - يحرم المتمتع من الميقات قائلاً: لبيك عمرة.
ثم يطوف .. ثم يسعى .. ثم يحلق رأسه وهو الأفضل أو يقصر .. ثم يحل من
إحرامه .. ثم يلبس ثيابه.
2 - يحرم القارن من الميقات قائلاً: لبيك عمرة وحجاً.
ثم يطوف القادم من خارج مكة طواف القدوم .. ثم يسعى بين الصفا والمروة ..
ولا يحلق رأسه ولا يحل .. بل يبقى على إحرامه إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم
النحر.
3 - يحرم المفرد من الميقات قائلاً: لبيك حجاً.
ثم يطوف القادم من خارج مكة طواف القدوم .. ثم يسعى بين الصفا والمروة، ولا
يحل من إحرامه حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر.
وطواف القدوم سنة للمفرد والقارن، ويجوز لهما تأخير السعي إلى ما بعد طواف
الإفاضة بعد عرفة.
وهذه أيام الحج وأعماله:
1 - اليوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية:
(3/305)
يسن للمحلين بمكة، وأهل مكة، الاغتسال
والتطيب، ثم الإحرام بالحج ضحى اليوم الثامن من ذي الحجة، يحرم كل حاج من
مكانه الذي هو فيه في مكة أو منى أو غيرهما قائلاً: لبيك حجاً.
وأما القارن أو المفرد فهو باق على إحرامه.
ثم يخرج كل من أراد الحج إلى منى قبل الزوال.
والسنة أن يصلي بها مع الإمام محرماً الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر،
قصراً بلا جمع، فإن لم يتيسر صلاها جماعة في مكانه في منى.
يصلي كل صلاة في وقتها .. ويكثر من التلبية .. ويبيت بها ليلة التاسع ..
ويصلي التهجد والوتر .. ويحفظ جوارحه من الآثام.
1 - عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ: سَألْتُ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ
رَضِيَ اللهُ عَنهُ قُلْتُ: أخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ
يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنىً، قُلْتُ: فَأيْنَ صَلَّى العَصْرَ
يَوْمَ النَّفْرِ؟ قال: بِالأبْطَحِ، ثُمَّ قال: افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ
أُمَرَاؤُكَ. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ:
صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ أكْثَرُ مَا
كُنَّا قَطُّ وَآمَنُهُ، بِمِنىً رَكْعَتَيْنِ. متفق عليه (2).
2 - اليوم التاسع يوم عرفة:
السنة أن يصلي الحاج الفجر بمنى، ثم يجلس للذكر والدعاء.
فإذا طلعت الشمس من اليوم التاسع سار من منى إلى عرفة راكباً ملبياً
مكبراً، فينزل بنمرة إلى الزوال إن تيسر.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1653) , واللفظ له، ومسلم برقم (1309).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1656) , واللفظ له، ومسلم برقم (696).
(3/306)
ونمرة مكان على حدود عرفة من جهة مكة،
وليست من عرفة، وقد بني فيها الآن مسجد اسمه مسجد نمرة، مقدمته في نمرة
ومؤخرته داخل عرفة.
فإذا زالت الشمس رحل إلى أول عرفة.
ويسن لإمام المسلمين أن يخطب هناك، وهو الآن داخل المسجد فيخطب بالحجاج
خطبة تناسب الحال.
يذكِّرهم فيها بربهم .. ويقرر فيها التوحيد .. ويعلمهم مناسك حجهم ..
ومهمات دينهم.
فإذا فرغ الإمام من الخطبة أذن المؤذن لصلاة الظهر ثم يقيم، ثم يصلي الإمام
بهم الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ركعتين ركعتين، يجمع بينهما جمع تقديم
بأذان واحد وإقامتين، فإن لم يتيسر صلى الحاج جماعة مع رفقته في منزله
بعرفة جمعاً وقصراً كما سبق.
ثم يسن له بعد الصلاة أن يتوجه إلى عرفات ليقف بها.
والوقوف بعرفة معناه وجود الحاج في عرفة في اليوم التاسع، سواء كان قائماً
أم جالساً أم راكباً، والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يصح الحج بدونه.
ويبدأ وقت الوقوف بعرفة من طلوع فجر اليوم التاسع، إلى طلوع فجر اليوم
العاشر، فمن وقف بعرفة في هذا الوقت ولو لحظة فقد صح حجه.
والسنة أن يدخل عرفة بعد زوال الشمس، ويقف بها إلى غروب الشمس.
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى
الصَّلاَةِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ
طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ
رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي وَاللهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلاَّ
وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ
(3/307)
حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «مَنْ شَهِدَ صَلاَتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى
نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بعَرَفَةَ قَبْلَ ذلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً
فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (1).
وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة.
وقد وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الجبل المسمى جبل عرفة.
فيسن للحاج أن يقف عنده، ويجعله بينه وبين القبلة، ويستقبل القبلة، ويجعل
حبل المشاة بين يديه، ولا يصعد الجبل، ولا يرقى على الصخرات، ولا يقف بوادي
عرنة وهو واد قبل عرفة.
فإن لم يتيسر للحاج الوقوف عند الجبل وقف في أي مكان من عرفة.
ويسن للحاج في يوم عرفة أن يقف للذكر والدعاء في مكان يخشع فيه قلبه ..
ويستقبل القبلة .. ويرفع يديه بخشوع وتذلل سواء كان جالساً على الأرض أو
راكباً على راحلته .. ويذكر الله ويدعوه .. ويسأله ويستغفره .. ويلبي ويكبر
ويهلل .. ويتذكر عظمة هذا اليوم وفضله.
ويكثر من الدعاء بما ورد في القرآن والسنة .. ويكثر من الاستغفار والتوبة
.. ويكثر من الثناء على الله عز وجل والصلاة على النبي - صلى الله عليه
وسلم - .. ويظهر الافتقار إلى الله تعالى .. ويلح في الدعاء .. ويظل يذكر
الله ويدعوه حتى يغيب قرص الشمس.
ثم ينصرف الحاج من عرفة إلى مزدلفة بعد غروب الشمس، ومن وقف
بعرفة نهاراً، ثم دفع قبل الغروب، فحجه صحيح، لكنه ترك الأفضل.
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1950) , وأخرجه الترمذي برقم (891) , وهذا
لفظه.
(3/308)
1 - عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْها
أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ
أكْثَرَ مِنْ أنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْداً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ
عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلائِكَةَ،
فَيَقُولُ: مَا أرَادَ هَؤُلاءِ؟». أخرجه مسلم (1).
2 - وَعَنْ مُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيّ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ،
وَنَحْنُ غَادِيَانِ مِنْ مِنىً إِلَى عَرَفَاتٍ عَنِ التَّلْبِيَةِ:
كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟
قَالَ: كَانَ يُلَبِّي المُلَبِّي لاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ
المُكَبِّرُ فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ. متفق عليه (2).
وفي ليلة العاشر: ينصرف إلى مزدلفة ويبيت بها.
فإذا غابت الشمس من يوم عرفة أفاض الحاج من عرفة إلى مزدلفة.
ويسن للحاج أن ينصرف بسكينة ملبياً، ولا يزاحم الناس بنفسه أو دابته، وإذا
وجد فجوة أسرع.
فإذا وصل إلى مزدلفة أذن وصلى بها المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين جماعة،
يجمع بينهما جمع تأخير بأذان واحد وإقامتين.
ويبيت تلك الليلة بمزدلفة، ويصلي التهجد والوتر.
ثم يصلي الفجر مع سنتها بغلس بعد دخول الوقت.
فإذا صلى الفجر أتى المشعر الحرام، وهو الآن مسجد مزدلفة، فيقف هناك
مستقبلاً القبلة رافعاً يديه للذكر والدعاء .. يحمد الله ويهلل ويكبر ويلبي
.. ويدعو قائماً أو قاعداً أو راكباً حتى يسفر جداً.
ثم يدفع الحاج من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس.
وإن لم يتيسر له الذهاب إلى المشعر الحرام وقف في أي مكان من مزدلفة،
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1348).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (970) , واللفظ له، ومسلم برقم (1285).
(3/309)
واستقبل القبلة ودعا حتى يسفر جداً.
ويجوز للضعفاء وذوي الأعذار من الرجال والنساء ومن يرافقهم أن يدفعوا من
مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر، أو إذا مضى أكثر الليل، ثم يرموا جمرة
العقبة إذا وصلوا منى.
1 - عَن عُرْوَةَ قَالَ: سُئِلَ أسَامَةُ وَأنَا جَالِسٌ: كَيْفَ كَانَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ حِينَ
دَفَعَ؟ قال: كَانَ يَسِيرُ العَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. متفق
عليه (1).
2 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا: أنَّهُ دَفَعَ مَعَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - وَرَاءَهُ زَجْراً شَدِيداً، وَضَرْباً وَصَوْتاً
لِلإبِلِ، فَأشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ، وَقال: «أيُّهَا النَّاسُ،
عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ البِرَّ لَيْسَ بِالإيضَاعِ». أخرجه
البخاري (2).
3 - وَعَنْ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِجَمْعٍ، لَيْسَ
بَيْنَهُمَا سَجْدَةٌ، وَصَلَّى المَغْرِبَ ثَلاثَ رَكَعَاتٍ، وَصَلَّى
العِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ. أخرجه مسلم (3).
4 - وَعَنْ عَبْداللهِ مَوْلَى أسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ
أسْمَاءَ أنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ المُزْدَلِفَةِ،
فَقَامَتْ تُصَلِّي، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قالتْ: يَا بُنَيَّ، هَلْ
غَابَ القَمَرُ؟
قُلْتُ: لا، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قالتْ: هَلْ غَابَ القَمَرُ؟ قُلْت:
نَعَمْ، قالتْ: فَارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلْنَا وَمَضَيْنَا، حَتَّى رَمَتِ
الجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتِ الصُّبْحَ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1666) , واللفظ له، ومسلم برقم (1280).
(2) أخرجه البخاري برقم (1671).
(3) أخرجه مسلم برقم (1288).
(3/310)
فِي مَنْزِلِهَا، فَقُلْتُ لَهَا: يَا
هَنْتَاهُ، مَا أُرَانَا إِلا قَدْ غَلَّسْنَا، قالتْ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أذِنَ لِلظُّعُنِ. متفق عليه (1).
3 - اليوم العاشر يوم النحر، يوم العيد، يوم الحج الأكبر:
يدفع الحاج من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس بسكينة، ويكثر في طريقه من
التلبية.
فإذا بلغ محسراً، وهو وادٍ بين مزدلفة ومنى، أسرع قدر رمية حجر سواء كان
راكباً أو ماشياً.
ويلتقط سبع حصيات من طريقه إلى الجمرات، أو من عند الجمرات، وإن أخذها من
مزدلفة جاز.
ويلبي ويكبر في طريقه، ويقطع التلبية إذا رمى جمرة العقبة، فإذا وصل إلى
منى قام بأعمال يوم العيد وهي كما يلي على الترتيب:
رمي جمرة العقبة .. ثم النحر .. ثم الحلق أو التقصير .. ثم الطواف .. ثم
السعي.
فإذا وصل إلى جمرة العقبة، وهي آخر الجمرات من جهة منى، وأولها من جهة مكة،
رماها بسبع حصيات بعد طلوع الشمس، يكبر مع كل حصاة، ويرفع يده اليمنى
بالرمي، جاعلاً مكة عن يساره، ومنى عن يمينه عند الرمي، ثم ينصرف ويحل من
إحرامه.
وإذا رمى جمرة العقبة حلت له جميع محظورات الإحرام إلا النساء، إلا من ساق
الهدي فلا يحل حتى ينحر هديه.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1679) , واللفظ له، ومسلم برقم (1291).
(3/311)
والسنة في حصى الجمار أن تكون صغيرة بين
الحمص والبندق، مثل حصى الخذف.
ولا يجوز الرمي بحصاة كبيرة، ولا بغير الحصى كالخفاف والنعال والمعادن
ونحوها.
ولا يجوز لمن يرمي الجمار أن يؤذي الناس، ولا يزاحمهم عند الرمي وغيره.
ويبدأ وقت رمي جمرة العقبة يوم العيد من طلوع الشمس، ويستمر وقت الرمي إلى
طلوع فجر اليوم الحادي عشر.
فإن رمى قبل الفجر أو بعده صح وأجزأ، لكن الأفضل الرمي بعد طلوع الشمس من
يوم النحر.
والعمل الثاني من أعمال يوم العيد نحر الهدي.
فيذبح المتمتع والقارن هديه.
ويسن أن يأكل من لحمه .. ويشرب من مرقه .. ويطعم منه المساكين، والهدي واجب
على المتمتع والقارن، ومستحب للمفرد.
والعمل الثالث من أعمال يوم العيد الحلق أو التقصير، فيحلق الرجل رأسه وهو
الأفضل، أو يقصر من جميعه، أما المرأة فتقصر من شعر رأسها قدر أنملة من
أطرافه.
والعمل الرابع من أعمال يوم العيد الطواف بالبيت العتيق.
فإذا رمى الحاج جمرة العقبة، ونحر هديه، وحلق أو قصر، اغتسل، ولبس ثيابه،
وتطيب، وأفاض إلى مكة ضحى، ليطوف بالبيت طواف الإفاضة،
(3/312)
وهو طواف الحج، ولا رمل فيه، ثم يصلي بعده
ركعتين خلف مقام إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -.
ويبدأ وقت طواف الإفاضة بعد طلوع فجر يوم العيد، وأفضل وقته ضحى يوم العيد.
ويجوز أن يطوف آخر الليل لمن وقف بعرفة، وتعجل من مزدلفة، ويجوز أن يؤخره
عن يوم العيد، لكنه خلاف الأفضل.
والعمل الخامس من أعمال يوم العيد السعي بين الصفا والمروة، فيسعى الحاج
بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً، وإن كان مفرداً أو قارناً، ولم يسع مع
طواف القدوم، طاف وسعى كالمتمتع، وإن سعى بعد طواف القدوم -وهو الأفضل- فلا
سعي عليه بعد طواف الإفاضة.
ثم قد حل للحاج كل شيء مما حرم عليه حال الإحرام حتى النساء.
ثم يرجع الحاج إلى منى، ويصلي بها الظهر إن تيسر، ويمكث الحاج في منى بقية
يوم العيد، وأيام التشريق ولياليها.
ويصلي الصلوات الخمس مع الجماعة في أوقاتها قصراً بلا جمع في مسجد الخيف إن
تيسر، وإلا صلى جماعة في أي مكان من منى.
1 - قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا
مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ
عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ
كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ
حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (199)} [البقرة:198 - 199].
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا: أنَّ أسَامَةَ بْنَ
زَيْدٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا كَانَ
(3/313)
رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
مِنْ عَرَفَةَ إِلَى المُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أرْدَفَ الفَضْلَ مِنَ
المُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنىً، قال: فَكِلاهُمَا قال: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم - يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ. أخرجه
البخاري (1).
3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قال: «اللَّهمَّ اغْفِرْ
لِلْمُحَلِّقِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قال:
«اللَّهمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ
وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قال: «وَلِلْمُقَصِّرِينَ». متفق عليه (2).
4 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ انْتَهَى إِلَى
الجَمْرَةِ الكُبْرَى، جَعَلَ البَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ
يَمِينِهِ، وَرَمَى بِسَبْعٍ، وَقال: هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ
عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (3).
5 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم -، قَالَتْ: كُنْتُ أطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- لإحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ.
متفق عليه (4).
4 - اليوم الحادي عشر:
أيام التشريق ثلاثة:
اليوم الحادي عشر .. واليوم الثاني عشر .. واليوم الثالث عشر.
سميت بذلك لأن لحوم الهدي كانت تُشرَّق فيها، وتقطع، وتجفف بالشمس، وهي
أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1686).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1728) , ومسلم برقم (1302) , واللفظ
له.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1748) , واللفظ له، ومسلم برقم (1296).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1539) , واللفظ له، ومسلم برقم (1189).
(3/314)
ويجب على الحاج البقاء في منى أيام التشريق
ولياليها، ورمي الجمرات الثلاث كل يوم بعد الزوال.
ومقدار الحصى لكل يوم إحدى وعشرون حصاة، يلتقطها كل يوم من أي مكان في منى.
ويسن أن يذهب إلى الجمرات ويرميها ماشياً إن تيسر، فيرمي في اليوم الحادي
عشر بعد الزوال الجمرة الأولى، وهي الصغرى التي تلي مسجد الخيف، ويرفع يده
اليمنى مع كل حصاة، مستقبلاً القبلة إن تيسر، ويرميها بسبع حصيات متعاقبات
قائلاً (الله أكبر) مع كل حصاة.
فإذا فرغ تقدم قليلاً عن يمينه، ووقف مستقبلاً القبلة، رافعاً يديه، فيذكر
الله ويدعوه طويلاً بقدر سورة البقرة.
ثم يسير إلى الجمرة الوسطى، ويرميها بسبع حصيات كما سبق، ويرفع يده اليمنى
مع كل حصاة ويكبر.
فإذا فرغ تقدم قليلاً إلى الأمام، ووقف مستقبلاً القبلة رافعاً يديه، ويدعو
طويلاً، لكن أقل من دعائه في الأولى ثم يسير إلى جمرة العقبة، ويرميها كما
سبق بسبع حصيات، جاعلاً مكة عن يساره، ومنى عن يمينه، ولا يقف عندها
للدعاء، وبذلك يكون قد رمى إحدى وعشرين حصاة عن اليوم الأول من أيام
التشريق.
ثم يرجع إلى رحله، ويشتغل بالذكر والدعاء، وتلاوة القرآن، والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، وإطعام الطعام، وإفشاء السلام وغير ذلك من
الأعمال الصالحة.
(3/315)
5 - اليوم الثاني عشر:
إذا زالت الشمس من اليوم الثاني عشر فَعَل ما فَعَله في اليوم الحادي عشر،
يرمي الجمار الثلاث كلها بعد الزوال كما سبق، فإن أحب التعجل في هذا اليوم
فإنه يخرج من منى قبل غروب الشمس.
فإن غربت الشمس وهو مستقر في منى لزمه المبيت والرمي في اليوم الثالث عشر.
وإن أراد التأخر إلى اليوم الثالث عشر عاد إلى رحله، وبقي فيه، وهذا هو
الأفضل؛ لأنه فِعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع.
قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ
تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا
إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ
إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)} [البقرة:203].
6 - اليوم الثالث عشر:
يرمي الحاج في اليوم الثالث عشر الجمار الثلاث بعد الزوال كما سبق، وينتهي
وقت الرمي بغروب شمس اليوم الثالث عشر.
ويجوز للمعذور ألا يبيت في منى، وأن يجمع رمي يومين في يوم واحد، وأن يؤخر
الرمي إلى آخر أيام التشريق، أو يرمي في الليل؛ لأن أيام التشريق كلها وقت
للرمي.
وصفة الرمي إذا أخره:
يبدأ بالرمي عن اليوم الأول من أيام التشريق، فيرمي الجمرات الثلاث مرتبة
كما سبق بعد الزوال، ثم يرجع للجمرة الصغرى ويرمي مرتباً كما سبق عن اليوم
الثاني عشر .. وهكذا يرمي عن اليوم الثالث عشر.
(3/316)
وبذلك يكون الحاج قد فرغ من أعمال الحج.
ثم بعد رمي اليوم الثالث عشر بعد الزوال يخرج الحاج من منى، والرمي لا
يُقضى إذا فات وقته.
ومن السنة إذا خرج أن ينزل بالأبطح إن تيسر، ويصلي به الظهر والعصر،
والمغرب والعشاء، ويبيت به بعض الليل.
ثم ينزل إلى مكة، ويطوف طواف الوداع إن كان من غير أهل مكة, والحائض
والنفساء لا طواف للوداع عليهما.
فإذا طاف للوداع نفر إلى بلده.
ويسن للمسلم إذا فرغ من حجه أن يذكر الله عز وجل الذي وفقه لأداء الطاعة،
ويحمده على ما يسر له من أداء الفريضة، ويستغفره من التقصير.
قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ
كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة:200].
- ما يقوله إذا رجع من الحج أو العمرة أو غيرها:
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا قَفَلَ مِنَ الجُيُوشِ أوِ
السَّرَايَا أوِ الحَجِّ أوِ العُمْرَةِ، إِذَا أوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أوْ
فَدْفَدٍ، كَبَّرَ ثَلاثاً، ثُمَّ قال: «لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا
شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ،
لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ،
وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1797) , ومسلم برقم (1344) , واللفظ
له.
(3/317)
13 - صفة حجة النبي
- صلى الله عليه وسلم -
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ
أذَّنَ فِي النَّاسِ فِي العَاشِرَةِ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - حَاجٌّ، فَقَدِمَ المَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ
أنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَيَعْمَلَ مِثْلَ
عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ، حَتَّى أتَيْنَا ذَا الحُلَيْفَةِ،
فَوَلَدَتْ أسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أبِي بَكْرٍ،
فَأرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: كَيْفَ أصْنَعُ؟
قال: «اغْتَسِلِي، وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأحْرِمِي». فَصَلَّى رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي المَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ،
حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى البَيْدَاءِ، نَظَرْتُ إِلَى
مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ، مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ
مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ
ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أظْهُرِنَا،
وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ القُرْآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ
بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: «لَبَّيْكَ
اللَّهمَّ! لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ
الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ». وَأهَلَّ
النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِمْ شَيْئاً مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - تَلْبِيَتَهُ، قال جَابِرٌ: لَسْنَا نَنْوِي إِلا
الحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ العُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أتَيْنَا البَيْتَ
مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاثاً وَمَشَى أرْبَعاً، ثُمَّ
نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلام، فَقَرَأ:
{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}. فَجَعَلَ المَقَامَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ، كَانَ يَقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قُلْ هُوَ
اللهُ أحَدٌ، وَقُلْ يَا أيُّهَا الكَافِرُونَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البَابِ إِلَى الصَّفَا،
فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ
شَعَائِرِ اللَّهِ}. «أبْدَأ بِمَا بَدَأ اللهُ بِهِ». فَبَدَأ بِالصَّفَا،
فَرَقِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى رَأى البَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ،
فَوَحَّدَ اللهَ، وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: «لا
(3/318)
إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ
لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،
لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ، أنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ،
وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ». ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قال مِثْلَ
هَذَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى المَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا
انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا
مَشَى، حَتَّى أتَى المَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى المَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ
عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى المَرْوَةِ
فَقَالَ: «لَوْ أنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ
أسُقِ الهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ
مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً». فَقَامَ سُرَاقَةُ
ابْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ألِعَامِنَا
هَذَا أمْ لأبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
أصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الأخْرَى، وَقَالَ: «دَخَلَتِ العُمْرَةُ فِي
الحَجِّ». مَرَّتَيْنِ «لا بَلْ لأبَدٍ أبَدٍ».
وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم
-، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ، وَلَبِسَتْ ثِيَاباً صَبِيغاً،
وَاكْتَحَلَتْ، فَأنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أبِي
أمَرَنِي بِهَذَا، قال: فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ
إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُحَرِّشاً عَلَى فَاطِمَةَ،
لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِياً لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ. فَأخْبَرْتُهُ أنِّي أنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا،
فَقَالَ: «صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الحَجَّ؟». قال
قُلْتُ: اللَّهمَّ! إِنِّي أهِلُّ بِمَا أهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قال:
«فَإِنَّ مَعِيَ الهَدْيَ فَلا تَحِلُّ». قال: فَكَانَ جَمَاعَةُ الهَدْيِ
الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ وَالَّذِي أتَى بِهِ النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم - مِائَةً، قال: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ
وَقَصَّرُوا، إِلا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ كَانَ مَعَهُ
هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى،
فَأهَلُّوا بِالحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ وَالفَجْرَ،
ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ
شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ
(3/319)
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلا
تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلا أنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ، كَمَا
كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَأجَازَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ القُبَّةَ قَدْ
ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ
أمَرَ بِالقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأتَى بَطْنَ الوَادِي، فَخَطَبَ
النَّاسَ وَقَالَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ،
كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا،
ألا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أمْرِ الجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ،
وَدِمَاءُ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أوَّلَ دَمٍ أضَعُ مِنْ
دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعاً فِي
بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ،
وَأوَّلُ رِباً أضَعُ رِبَانَا، رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالمُطَّلِبِ،
فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ،
فَإِنَّكُمْ أخَذْتُمُوهُنَّ بِأمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ
فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أنْ لا يُوطِئْنَ
فُرُشَكُمْ أحَداً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ
ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ
تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأنْتُمْ
تُسْألُونَ عَنِّي، فَمَا أنْتُمْ قَائِلُونَ؟».
قَالُوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ
بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا
إِلَى النَّاسِ: «اللَّهمَّ! اشْهَدْ، اللَّهمَّ! اشْهَدْ». ثَلاثَ
مَرَّاتٍ، ثُمَّ أذَّنَ ثُمَّ أقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أقَامَ
فَصَلَّى العَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئاً، ثُمَّ رَكِبَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أتَى المَوْقِفَ، فَجَعَلَ
بَطْنَ نَاقَتِهِ القَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ
المُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ
وَاقِفاً حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً
حَتَّى غَابَ القُرْصُ، وَأرْدَفَ أسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ،
حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ
اليُمْنَى: «أيُّهَا النَّاسُ! السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ».
(3/320)
كُلَّمَا أتَى حَبْلاً مِنَ الحِبَالِ
أرْخَى لَهَا قَلِيلا، حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أتَى المُزْدَلِفَةَ،
فَصَلَّى بِهَا المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ بِأذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ،
وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئاً، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، وَصَلَّى الفَجْرَ، حِينَ
تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ، بِأذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ
القَصْوَاءَ، حَتَّى أتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ،
فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً
حَتَّى أسْفَرَ جِدّاً، فَدَفَعَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأرْدَفَ
الفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَجُلاً حَسَنَ الشَّعْرِ أبْيَضَ
وَسِيماً، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّتْ
بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الفَضْلِ،
فَحَوَّلَ الفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ عَلَى
وَجْهِ الفَضْلِ، يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ،
حَتَّى أتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ
الوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الجَمْرَةِ الكُبْرَى، حَتَّى أتَى
الجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ،
يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، مِثْلِ حَصَى الخَذْفِ، رَمَى مِنْ
بَطْنِ الوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلاثاً
وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أعْطَى عَلِيّاً فَنَحَرَمَا غَبَرَ،
وَأشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ،
فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَطُبِخَتْ، فَأكَلا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ
مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأفَاضَ
إِلَى البَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأتَى بَنِي
عَبْدِالمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: «انْزِعُوا بَنِي
عَبْدِالمُطَّلِبِ، فَلَوْلا أنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى
سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ». فَنَاوَلُوهُ دَلْواً فَشَرِبَ
مِنْهُ. أخرجه مسلم (1).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1218).
(3/321)
14 - أحكام الحج
والعمرة
- فضل عشر ذي الحجة:
أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأواخر في رمضان؛ لأن فيها يوم
عرفة، ويوم النحر يوم الحج الأكبر.
وليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة؛ لأن فيها ليلة
القدر التي هي خير من ألف شهر.
ونسبة أيام عشر ذي الحجة إلى سائر الأيام كنسبة أماكن المناسك إلى سائر
البقاع، ولهذا يسن في أيام عشر ذي الحجة الإكثار من الأعمال الصالحة كالحج،
وصوم يوم عرفة لغير حاج، والتكبير، والتهليل، والتحميد، والصدقات،
والإحسان، وأعمال البر .. ونحو ذلك.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا
فِي هَذِهِ». قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلاَّ
رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ».
أخرجه البخاري (1).
- ما يُمنع في عشر ذي الحجة:
إذا دخلت عشر ذي الحجة فلا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره وظفره
وبشرته شيئاً إلى أن يذبح أضحيته.
أما المضحَّى عنه كالأهل والولد فلا يحرم عليهم أخذ شيء من ذلك، ومن أراد
أن يضحي وأخذ من بدنه شيئاً استغفر الله، ولا فدية عليه.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (969).
(3/322)
عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها
أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا دَخَلَتِ العَشْرُ،
وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحّيَ، فَلاَ يَمَسّ مِنْ شَعَرِهِ
وَبَشَرِهِ شَيْئاً». أخرجه مسلم (1).
- حكم نية الحج:
النية شرط في صحة كل عمل.
فنية الحج تكفي لجميع أعماله، كنية الصلاة تكفي لجميع أعمالها.
فينوي الحاج أداء مناسك الحج كلها، فلو وقف بعرفة نائماً أو جاهلاً أنها
عرفة صح وقوفه وحجه.
- أفضل الأنساك:
1 - الحج الذي استقر عليه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعل أصحابه
رضي الله عنهم أن القران أفضل لمن ساق الهدي .. والتمتع أفضل لمن لم يسق
الهدي.
والمتمتع إذا ساق الهدي أفضل من متمتع اشتراه من مكة.
والقارن السائق الهدي أفضل من متمتع لم يسق الهدي، أو ساق الهدي من أدنى
الحل.
ومن أراد أن يفرد العمرة بسفرة، والحج بسفرة، فهذا الإفراد أفضل له.
وقد اختار الله لرسوله القران وسوق الهدي.
والذي اختاره الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأمته هو التمتع بلا سَوق
الهدي، وقَلْب القران والإفراد إلى التمتع.
2 - من أحرم قارناً أو مفرداً فالأولى أن يقلب نسكه إلى عمرة؛ ليصير
متمتعاً، ولو بعد أن طاف وسعى إذا لم يسق الهدي، ومن أحرم قارناً ومعه
الهدي فلا
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1977).
(3/323)
يحل حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر.
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا
مَنْ أهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ،
وَمِنَّا مَنْ أهَلَّ بِالحَجِّ، وَأهَلَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - بِالحَجِّ، فَأمَّا مَنْ أهَلَّ بِالحَجِّ، أوْ جَمَعَ الحَجَّ
وَالعُمْرَةَ، لَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ. متفق عليه
(1).
2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ حَجَّ
مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ سَاقَ البُدْنَ مَعَهُ،
وَقَدْ أهَلُّوا بِالحَجِّ مُفْرَداً، فَقال لَهُمْ: «أحِلُّوا مِنْ
إِحْرَامِكُمْ، بِطَوَافِ البَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ،
وَقَصِّرُوا، ثُمَّ أقِيمُوا حَلالاً، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ
التَّرْوِيَةِ فَأهِلُّوا بِالحَجِّ، وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا
مُتْعَةً». فَقالوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً، وَقَدْ سَمَّيْنَا
الحَجَّ؟ فَقال: «افْعَلُوا مَا أمَرْتُكُمْ، فَلَوْلا أنِّي سُقْتُ
الهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لا يَحِلُّ
مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ». فَفَعَلُوا. متفق
عليه (2).
- أنواع الطواف في الحج:
الطواف بالبيت في الحج ثلاثة أنواع:
الأول: طواف القدوم، ويسمى طواف الورود، وطواف التحية.
وهو مسنون للآفاقي القادم من خارج مكة من قارن ومفرد.
ومن ذهب من الميقات إلى منى أو عرفات ولم يدخل مكة فلا يسن له أن يطوف
للقدوم بعد عرفة؛ لأنه فات وقته.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: أنَّ أوَّلَ شَيْءٍ بَدَأ بِهِ
-حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1562) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1568) , واللفظ له، ومسلم برقم (1216).
(3/324)
أنَّهُ تَوَضَّأ، ثُمَّ طَافَ، ثُمَّ لَمْ
تَكُنْ عُمْرَةً. متفق عليه (1).
الثاني: طواف الإفاضة، ويسمى طواف الزيارة، وهو ركن من أركان الحج لا يتم
إلا به.
1 - قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ
وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} [الحج:29].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: حَجَجْنَا مَعَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ،
فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأرَادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهَا
مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أهْلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهَا
حَائِضٌ، قال: «حَابِسَتُنَا هِيَ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ أفَاضَتْ
يَوْمَ النَّحْرِ، قال: «اخْرُجُوا». متفق عليه (2).
الثالث: طواف الوداع، ويسمى طواف الصَّدَر، وهو واجب من واجبات الحج، لكنه
يسقط عن المرأة الحائض.
1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أنْ
يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ، إِلا أنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ.
متفق عليه (3).
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّاسُ
يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «لا يَنْفِرَنَّ أحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالبَيْتِ».
أخرجه مسلم (4).
- وقت طواف الإفاضة:
يبدأ وقت طواف الإفاضة من بعد منتصف ليلة النحر لمن وقف بعرفة،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1615) , واللفظ له، ومسلم برقم (1230).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1733) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1755) , واللفظ له، ومسلم برقم (1328).
(4) أخرجه مسلم برقم (1327).
(3/325)
ويمتد إلى نهاية شهر ذي الحجة.
وأفضل أوقاته يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق، فإن لم يتيسر فالأفضل أن
لا يؤخره عن أيام التشريق إلا لعذر.
ويشترط في طواف الإفاضة أن يكون مسبوقاً بالوقوف بعرفة، فلا يصح قبل الوقوف
بعرفة.
- حكم من حاضت قبل طواف الإفاضة:
المرأة الحائض لها حالتان:
الأولى: أن تستطيع البقاء في مكة حتى تطهر ثم تطوف بالبيت.
فهذه يلزمها ذلك، وهذا هو السنة.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيّ -
صلى الله عليه وسلم - لا نَذْكُرُ إلا الحَجَّ، فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ،
طَمِثْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأنَا
أبْكِي، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ». قُلْتُ: لَوَدِدْتُ وَاللهِ أنِّي لَمْ
أحُجَّ العَامَ. قال: «لَعَلَّكِ نُفِسْتِ». قُلْتُ: نَعَمْ، قال: «فَإنَّ
ذَلِكِ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِي مَا
يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أنْ لا تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي».
متفق عليه (1).
الثانية: أن لا تستطيع البقاء في مكة حتى تطهر ثم تطوف بالبيت؛ لأن رفقتها
لا ينتظرونها، أو لكونها مضطرة للسفر، فهذه معذورة ومضطرة للسفر فتطوف
بالبيت على حالها؛ للضرورة وشدة الحرج، وهذا وُسْعها، ولا يكلف الله نفساً
إلا وسعها.
ويباح للمرأة في الحج تناول ما يمنع الحيض إذا لم يسبب لها ضرر.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (305) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211).
(3/326)
1 - قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ
مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ
كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ،
فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ
بِأمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». متفق عليه (1).
- الفرق بين الرجل والمرأة في الحج والعمرة:
المرأة كالرجل في جميع مناسك الحج والعمرة إلا فيما يلي:
1 - يجب الحج على الرجل المستطيع مطلقاً، ولا يجب على المرأة إلا إذا وُجِد
المَحْرم.
2 - الرجل يجب عليه أن يكشف رأسه، وله تغطية وجهه، أما المرأة فلها أن تكشف
عن رأسها ولها أن تغطيه، ولها أن تكشف عن وجهها ولها أن تغطيه بخمار لا
نقاب، ما لم تكن بحضرة أجانب فيلزمها سترهما.
3 - الرجل لا يلبس المخيط، ويجوز ذلك للمرأة.
4 - الرجل يجهر بالتلبية في كل حال، وتخفيها المرأة بحضرة الرجال الأجانب.
5 - يسن للرجل الاضطباع والرمل في الطواف، ولا يشرع ذلك للمرأة.
6 - يسن للرجل الإسراع بين العلمين الأخضرين في المسعى، ولا يسن ذلك
للنساء.
7 - الرجل لا يجوز له لبس الخفين والجوربين في الإحرام، ويجوز ذلك للمرأة.
8 - الرجل يسن له الحلق أو التقصير في النسك، والمرأة يسن لها التقصير ولا
يجوز الحلق.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7288) , واللفظ له، ومسلم برقم (1337).
(3/327)
9 - الرجل يجب عليه طواف الوداع في الحج
إذا أراد الخروج من مكة، والمرأة إذا حاضت يسقط عنها طواف الوداع.
- أحوال الناس في الحج:
إذا أحرم المسلم بالحج أو العمرة فلا يخرج عما يلي:
1 - أن يتم حجه من أوله إلى آخره، ويتم عمرته من أولها إلى آخرها، فهذا
عليه أن يحمد الله على إكمال نسكه، ويستغفره من التقصير، ويسأله القبول.
2 - أن يفوته الحج فيخرج منه بعمرة، وعليه حجة الإسلام.
3 - أن يفسد حجه بالجماع، فمن جامع قبل الوقوف بعرفة وهو محرم فسد حجه،
ويمضي فيه، وعليه بدنة، وعليه الحج في العام القادم، وإن جامع بعد عرفة
فحجه صحيح، لكنه آثم، وعليه بدنة.
4 - أن يُحصر بمرض، أو عدو، أو ذهاب نفقة، أو حَبْس ظالم، فهذا يذبح ما
تيسر من الهدي حيث أُحصر إن لم يكن اشترط، ثم يحل، فإن لم يتمكن حل ولا شيء
عليه.
قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196].
- فضل يوم عرفة:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أكْثَرَ مِنْ أنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ
عَبْداً مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ
يُبَاهِي بِهِمُ المَلائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أرَادَ هَؤُلاءِ؟». أخرجه
مسلم (1).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1348).
(3/328)
- أفضل الزاد:
1 - قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ
فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ
وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ
خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)}
[البقرة:197].
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قال: كَانَ أهْلُ
اليَمَنِ يَحُجُّونَ وَلا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ
المُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَألُوا النَّاسَ، فَأنْزَلَ
اللهُ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}.
أخرجه البخاري (1).
- فضل الركوب في الحج:
خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - لحجة الوداع يوم السبت لخمس بقين من ذي
القعدة، ووصل مكة في الخامس من ذي الحجة أو الرابع، وقد خرج النبي - صلى
الله عليه وسلم - لحجة الوداع راكباً، واعتمر عمره الأربع راكباً.
فالسنة الركوب للحج والعمرة، والتنقل بين المشاعر راكباً.
1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - وَنَحْنُ مَعَهُ، بِالمَدِينَةِ الظُّهْرَ أرْبَعاً،
وَالعَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى
أصْبَحَ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى البَيْدَاءِ، حَمِدَ
اللهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأهَلَّ
النَّاسُ بِهِمَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا، أمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا، حَتَّى
كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أهَلُّوا بِالحَجِّ. متفق عليه (2).
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ أسَامَةَ رَضِيَ
الله عَنْه كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مِنْ عَرَفَةَ
إِلَى المُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أرْدَفَ الفَضْلَ، مِنَ المزْدَلِفَةِ إِلَى
مِنىً، قال:
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1523).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1551) , واللفظ له، ومسلم برقم (690).
(3/329)
فَكِلاهُمَا قال: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ. متفق
عليه (1).
- يوم الحج الأكبر:
يوم الحج الأكبر هو يوم النحر، سمي بذلك:
لما في ليلته من الوقوف بعرفة .. والمبيت بمزدلفة .. ولما في نهاره من
الرمي .. والنحر .. والحلق .. والطواف .. والسعي.
ويوم عرفة مقدِّمة ليوم النحر بين يديه، فيه الوقوف والتضرع والتوبة، فهو
كالطهور والاغتسال بين يدي يوم النحر.
ثم يوم النحر تكون الوفادة والزيارة، ولهذا كان فيه معظم أعمال الحج.
عَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ، قال: «أتَدْرُونَ أيُّ يَوْمٍ هَذَا».
قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ
سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قال: «ألَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ». قُلْنَا:
بَلَى، قال: «أيُّ شَهْرٍ هَذَا». قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ،
فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقال:
ألَيْسَ ذُو الحَجَّةِ قُلْنَا بَلَى قال: أيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا اللهُ
وَرَسُولُهُ أعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ
بِغَيْرِ اسْمِهِ، قال: «ألَيْسَتْ بِالبَلْدَةِ الحَرَامِ». قُلْنَا:
بَلَى، قال: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ،
كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا،
إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، ألا هَلْ بَلَّغْتُ». قالوا: نَعَمْ،
قال: «اللَّهمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ
مُبَلَّغٍ أوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً،
يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1543) , واللفظ له، ومسلم برقم (1280).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1741) , واللفظ له، ومسلم برقم (1679).
(3/330)
- إفاضات الحج:
إفاضات الحجاج من المشاعر ثلاث:
الأولى: من عرفة إلى مزدلفة ليلة عيد النحر.
الثانية: من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس من يوم النحر.
الثالثة: من منى إلى مكة لطواف الإفاضة يوم النحر.
1 - قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا
مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ
عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ
كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ
حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (199)} [البقرة:198 - 199].
2 - وقال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا
نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} [الحج:29].
- وقفات الدعاء في الحج:
في الحج ست وقفات للدعاء وهي:
على الصفا .. وعلى المروة -وهاتان في سعي العمرة والحج- .. وفي عرفة .. وفي
مزدلفة .. وبعد رمي الجمرة الصغرى .. وبعد رمي الجمرة الوسطى .. وهذه
الأربع في الحج.
فهذه ست وقفات للدعاء في الحج والعمرة ثبتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم
-.
- صفة بناء الكعبة:
بناء الكعبة الموجود حالياً ليس هو الذي أراد النبي - صلى الله عليه وسلم -
أن يبنيها عليه، وقد
(3/331)
تركه لكونهم حديثي عهد بجاهلية.
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ، لَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ
بِجَاهِلِيَّةٍ، لأمَرْتُ بِالبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأدْخَلْتُ فِيهِ مَا
أخْرِجَ مِنْهُ، وَألْزَقْتُهُ بِالأرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ
بَاباً شَرْقِيّاً وَبَاباً غَربيّاً، فَبَلَغْتُ بِهِ أسَاسَ
إِبْرَاهِيمَ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَائِشَةُ! لَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو
عَهْدٍ بِشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الكَعْبَةَ، فَألْزَقْتُهَا بِالأرْضِ،
وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ بَاباً شَرْقِيّاً وَبَاباً غَرْبِيّاً،
وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أذْرُعٍ مِنَ الحِجْرِ، فَإِنَّ قُرَيْشاً
اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الكَعْبَةَ». متفق عليه (2).
- أين يصلي إذا دخل الكعبة:
دخول الكعبة ليس بفرض ولا سنة مؤكدة، ولم يدخلها النبي - صلى الله عليه
وسلم - إلا عام الفتح.
ومن دخلها فيسن له أن يصلي فيها، ويكبر الله، ويوحده ويدعوه.
فإذا دخل مع الباب صلى فيما شاء منها.
والأفضل أن يجعل بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع، والباب خلفه.
1 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - دَخَلَ الكَعْبَةَ، وَأسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلالٌ،
وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الحَجَبِيُّ، فَأغْلَقَهَا عَلَيْهِ، وَمَكَثَ
فِيهَا، فَسَألْتُ بِلالاً حِينَ خَرَجَ: مَا صَنَعَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم -؟ قال: جَعَلَ عَمُوداً عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُوداً عَنْ
يَمِينِهِ، وَثَلاثَةَ أعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وَكَانَ البَيْتُ يَوْمَئِذٍ
عَلَى سِتَّةِ أعْمِدَةٍ، ثُمَّ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1586) , واللفظ له، ومسلم برقم (1333).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1586)، ومسلم برقم (1333) , واللفظ له.
(3/332)
صَلَّى. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ نَافِعٍ أنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا دَخَلَ
الكَعْبَةَ، مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ حِينَ يَدْخُلُ، وَجَعَلَ البَابَ
قِبَلَ ظَهْرِهِ، فَمَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِدَارِ
الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيباً مِنْ ثَلاثَةِ أذْرُعٍ صَلَّى،
يَتَوَخَّى المَكَانَ الَّذِي أخْبَرَهُ بِهِ بِلالٌ: أنَّ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِيهِ. قال: وَلَيْسَ عَلَى أحَدِنَا بَأْسٌ
إنْ صَلَّى فِي أيِّ نَوَاحِي البَيْتِ شَاءَ. متفق عليه (2).
- فضل سقاية الحاج:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى، فَقال العَبَّاسُ: يَا
فَضْلُ، اذْهَبْ إِلَى أمِّكَ، فَأْتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا. فَقال: «اسْقِنِي». قال: يَا رَسُولَ اللهِ،
إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أيْدِيَهُمْ فِيهِ. قال: «اسْقِنِي». فَشَرِبَ
مِنْهُ، ثُمَّ أتَى زَمْزَمَ، وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا،
فَقال: «اعْمَلُوا، فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ». ثُمَّ قال: «لَوْلا
أنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ، حَتَّى أضَعَ الحَبْلَ عَلَى هَذِهِ». يَعْنِي:
عَاتِقَهُ، وَأشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ. أخرجه البخاري (3).
- حكم نزول الحجاج في المشاعر:
الحج من العبادات المقيدة بمكان خاص، وزمان خاص، وأعمال خاصة.
فينبغي لكل حاج الاقتداء بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجه.
فيقف في عرفات عند جبل عرفات، يجعله بينه وبين القبلة إن تيسر، وهذا هو
الأفضل، فإن لم يتيسر وقف في أي مكان من عرفة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (505) , واللفظ له، ومسلم برقم (1329).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (506) , واللفظ له، ومسلم برقم (1329).
(3) أخرجه البخاري برقم (1635).
(3/333)
ويقف في مزدلفة عند المشعر الحرام وهو مكان
المسجد الآن، وهذا هو الأفضل، فإن لم يتيسر وقف في أي مكان من مزدلفة ومنى
مناخ من سبق.
وعلى إمام المسلمين أن ينظم نزول الناس في المشاعر بما يحقق الأمن والراحة
للحجاج كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَاب النَّبيِّ
- صلى الله عليه وسلم - قَالَ: خَطَبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -
النَّاسَ بمِنىً وَنَزَّلَهُمْ مَنَازِلَهُمْ فَقَالَ: «لِيَنْزِلِ
المُهَاجِرُونَ هَاهُنَا» وَأَشَارَ إِلَى مَيْمَنَةِ القِبْلَةِ
«وَالأَنْصَارُ هَاهُنَا» وَأَشَارَ إِلَى مَيْسَرَةِ القِبْلَةِ «ثمَّ
لِيَنْزِلِ النَّاسُ حَوْلَهُمْ». أخرجه أبو داود والنسائي (1).
- حكم المبيت بمنى:
1 - السنة أن يبيت الحاج ليلة عرفة في منى.
والمبيت بمنى ليالي أيام التشريق واجب على كل حاج.
ومن ترك المبيت بمنى ليلتين أو ثلاثاً من ليالي أيام التشريق من غير عذر
فهو آثم، وعليه التوبة والاستغفار، ونسكه صحيح، فإن كان معذوراً بمرض، أو
حُبِس عن الوصول إليها فلا إثم عليه.
ومن لم يجد مكاناً في منى نزل بجوار آخر خيمة من منى من أي جهة ولو كان
خارج منى.
ولا ينبغي للحاج أن يبيت بمنى على الأرصفة أو في الطرق، فيضر نفسه، ويؤذي
غيره، ويعطل السير.
2 - يجوز لمن يشتغل بمصالح الحجاج العامة كرجال المطافي، والمرور،
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1951) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم
(2996).
(3/334)
والأطباء ونحوهم أن يبيتوا ليالي منى
خارجها إذا لزم الأمر، ولا إثم عليهم.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ العَبَّاسَ رَضيَ اللهُ
عَنْهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِيَبِيتَ بِمَكَّةَ
لَيَالِيَ مِنىً، مِنْ أجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأذِنَ لَهُ. متفق عليه (1).
- ما يحصل به التحلل الأول والثاني:
1 - يحصل التحلل الأول للمفرد والقارن والمتمتع برمي جمرة العقبة يوم
العيد، إلا من ساق الهدي فلا يحل حتى ينحر، ويباح للحاج في هذا التحلل كل
شيء إلا النساء.
2 - يحصل التحلل الثاني بإكمال بقية أعمال يوم النحر، وهي:
رمي جمرة العقبة .. والحلق أو التقصير .. والطواف .. والسعي.
ويباح للحاج بعد إكمال هذه الأعمال كل شيء حرم عليه قبل الإحرام حتى
النساء.
- صفة أداء أعمال يوم النحر:
السنة أن يرتب الحاج أعمال يوم النحر كما يلي:
رمي جمرة العقبة ضحىً .. ثم ذبح الهدي .. ثم الحلق أو التقصير والحلق أفضل
.. ثم الطواف .. ثم السعي .. والمفرد والقارن لا يكرر السعي إذا كان قد سعى
بعد طواف القدوم، هذا هو السنة في هذا اليوم.
فإن قدَّم بعض أعمال هذا اليوم على بعض فلا حرج عليه كأن يحلق قبل أن يذبح،
أو يطوف قبل أن يرمي ونحو ذلك.
1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ فِي حَجَّةِ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1745) , واللفظ له، ومسلم برقم (1315).
(3/335)
الوَدَاعِ، فَجَعَلُوا يَسْألُونَهُ، فَقال
رَجُلٌ: لَمْ أشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحَ، قال: «اذْبَحْ وَلا
حَرَجَ». فَجَاءَ آخَرُ فَقال: لَمْ أشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أنْ
أرْمِيَ، قال: «ارْمِ وَلا حَرَجَ». فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ
قُدِّمَ وَلا أخِّرَ إِلا قال: «افْعَلْ وَلا حَرَجَ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم -: زُرْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ، قال: «لا حَرَجَ».
قال: حَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحَ، قال: «لا حَرَجَ». قال: ذَبَحْتُ قَبْلَ
أنْ أرْمِيَ، قال: «لا حَرَجَ». متفق عليه (2).
3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم - فَقال: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أمْسَيْتُ، فَقال: «لا
حَرَجَ». قال: حَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أنْحَرَ، قال: «لا حَرَجَ». متفق عليه
(3).
- صفة رمي الجمار:
عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِاللهِ أنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي اللهُ
عَنْهُمَا كَانَ يَرْمِي الجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ
يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ،
فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ قِيَاماً طَوِيلاً، فَيَدْعُو
وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الجَمْرَةَ الوُسْطَى كَذَلِكَ،
فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ
القِبْلَةِ قِيَاماً طَوِيلاً، فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ
يَرْمِي الجَمْرَةَ ذَاتَ العَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي، وَلا يَقِفُ
عِنْدَهَا، وَيَقُولُ: هَكَذَا رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- يَفْعَلُ. أخرجه البخاري (4).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1736) , واللفظ له، ومسلم برقم (1306).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1722) , واللفظ له، ومسلم برقم (1307).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1723) , واللفظ له، ومسلم برقم (1307).
(4) أخرجه البخاري برقم (1752).
(3/336)
- وقت رمي الجمار:
1 - رمي الجمار في أيام التشريق كله بعد الزوال.
ومن رمى قبل الزوال لزمه أن يعيده بعد الزوال، لوقوعه في غير وقته.
فإن لم يعده وغابت شمس اليوم الثالث عشر ولم يرم فهو آثم؛ لتركه الواجب،
ولا رمي لفوات وقت الرمي، ونسكه صحيح.
2 - أيام التشريق الثلاثة بالنسبة إلى الرمي كاليوم الواحد.
فمن رمى عن يوم منها في يوم آخر أجزأه، ولا شيء عليه، لكنه ترك الأفضل.
3 - يجوز لأهل الأعذار كالمرضى ومن يضره الزحام، ومن يشتغل بمصالح المسلمين
أن يؤخرو رمي أيام التشريق إلى اليوم الثالث عشر، ويرمي مرتباً لكل يوم بعد
الزوال.
4 - السنة أن يرمي الجمار أيام التشريق بعد الزوال في النهار، فإن خشي من
الزحام رماها مساءً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت ابتداء الرمي
ولم يؤقت آخره.
1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أمْسَيْتُ، فَقال: «لا
حَرَجَ». قال: حَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أنْحَرَ، قال: «لا حَرَجَ». متفق عليه
(1).
2 - وَعَنْ وَبَرَةَ قَالَ: سَألْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا:
مَتَى أرْمِي الجِمَارَ؟ قال: إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِهْ، فَأعَدْتُ
عَلَيْهِ المَسْألَةَ، قال: كُنَّا نَتَحَيَّنُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ
رَمَيْنَا. أخرجه البخاري (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1723) , واللفظ له، ومسلم برقم (1306).
(2) أخرجه البخاري برقم (1746).
(3/337)
- حكم التوكيل في الرمي:
السنة لكل حاج أن يباشر أعمال الحج بنفسه.
ويجوز للضعفاء والمرضى من الرجال والنساء أن يوكلوا من الحجاج من يرمي
عنهم.
وصفة الرمي عنه أن يرمي الوكيل عن نفسه، ثم يرمي عن موكله، عند كل جمرة في
مكانه، فيرمي الصغرى مثلاً عن نفسه، ثم عن وكيله ثم الوسطى كذلك، ثم جمرة
العقبة كذلك، ويرمي الرجل أو المرأة عن الأطفال الصغار.
ومن رمى الجمار دفعة واحدة أجزأ عن واحدة، ويكمل الست الباقية.
- أفضل أوقات الرمي:
رمي جمرة العقبة ضحى يوم النحر.
والرمي أيام التشريق نهاراً بعد الزوال .. ثم الرمي ليلاً .. ثم رمي يومين
في يوم واحد .. ثم جمعهن في اليوم الثالث عشر نهاراً بعد الزوال.
- حكم الحج والعمرة عمن لا يستطيع:
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ
الفَضْلُ رَدِيفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَتِ امْرَأةٌ
مِنْ خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ،
فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْلِ
إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقالتْ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ أدْرَكَتْ أبِي
شَيْخاً كَبِيراً، لا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أفَأحُجُّ عَنْهُ؟ قال:
«نَعَمْ». وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1855) , واللفظ له، ومسلم برقم (1334).
(3/338)
- حكم إدخال الحج على العمرة:
يشرع للمضطر الذي أحرم بالعمرة، وخاف أن يفوته الحج، أن يدخل الحج على
العمرة قبل الشروع في طواف العمرة، كالمرأة تخاف نزول الحيض، فتُدخل الحج
عليها وتصير قارنة.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَأهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ
وَلَمْ أكُنْ سُقْتُ الهَدْيَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالحَجِّ مَع عُمْرَتِهِ، ثُمَّ
لاَ يُحِلُّ حَتَى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعاً» قَالَتْ: فَحِضْتُ،
فَلَمَّا دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي
كُنْتُ أهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، فَكَيْفَ أصْنَعُ بِحَجَّتِي؟ قال: «انْقُضِي
رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأمْسِكِي عَنِ العُمْرَةِ، وَأهِلِّي
بِالحَجِّ». قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَيْتُ حَجَّتِي أمَرَ عَبْدَالرَّحْمَنِ
بْنَ أبِي بَكْرٍ، فَأرْدَفَنِي، فَأعْمَرَنِي مِنَ التَّنْعِيمِ، مَكَانَ
عُمْرَتِي الَّتِي أمْسَكْتُ عَنْهَا. متفق عليه (1).
- حكم إدخال العمرة على الحج:
يجوز للمسلم إذا أحرم بالحج مفرداً أن يدخل عليه العمرة ويصير قارناً أو
متمتعاً.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: أهْلَلْنَا
مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا
مَكَّةَ أمَرَنَا أنْ نَحِلَّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَكَبُرَ ذَلِكَ
عَلَيْنَا، وَضَاقَتْ بِهِ صُدُورُنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم -، فَمَا نَدْرِي أشَيْءٌ بَلَغَهُ مِنَ السَّمَاءِ أمْ
شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ النَّاسِ! فَقَالَ: «أيُّهَا النَّاسُ! أحِلُّوا،
فَلَوْلا الهَدْيُ الَّذِي مَعِي، فَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ». قال:
فَأحْلَلْنَا حَتَّى وَطِئْنَا النِّسَاءَ، وَفَعَلْنَا مَا يَفْعَلُ
الحَلالُ، حَتَّى إِذَا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (317) , ومسلم برقم (1211) , واللفظ له.
(3/339)
كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَجَعَلْنَا
مَكَّةَ بِظَهْرٍ، أهْلَلْنَا بِالحَجِّ. أخرجه مسلم (1).
- فضل ماء زمزم:
1 - عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ لهُ في مكة: «مَنْ أَنْتَ؟» قَالَ: قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ،
قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ،
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي، كَرِهَ أَنِ انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ، فَذَهَبْتُ
آخُذُ بِيَدِهِ فَقَدَعَنِي صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي،
ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: «مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا؟». قَالَ
قُلْتُ: قَدْ كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلاَثِينَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ
وَيَوْمٍ، قَالَ: «فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟». قَالَ قُلْتُ: مَا كَانَ لِي
طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ
بَطْنِي، وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ، قَالَ: «إِنَّهَا
مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْم». أخرجه مسلم (2).
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَقَيْتُ رَسُولَ
الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ زَمْزَمَ، فَشَرِبَ قَائِماً،
وَاسْتَسْقَىَ وَهُو عِنْدَ البَيْتِ. متفق عليه (3).
- حكم الصوم يوم عرفة:
يسن لغير الحاج صوم يوم عرفة، وصيامه يكفر ذنوب السنة الماضية والباقية.
أما الحاج فلا يشرع له صوم يوم عرفة بعرفة.
عَنْ أمِّ الفَضْلِ بِنْتِ الحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّ نَاساً
اخْتَلَفُوا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم -، فَقال بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقال بَعْضُهُمْ: لَيْسَ
بِصَائِمٍ،
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1216).
(2) أخرجه مسلم برقم (2473).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1637) , ومسلم برقم (2027) , واللفظ
له.
(3/340)
فَأرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ،
وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ، فَشَرِبَهُ. متفق عليه (1).
- أفضل وقت رمي الجمار:
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: رَمَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - الجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحىً، وَأمَّا بَعْدُ، فَإِذَا
زَالَتِ الشَّمْسُ. أخرجه مسلم (2).
- وقت الإفاضة من مزدلفة إلى منى:
عَنْ عَمْرو بن مَيْمُونٍ قالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ صَلَّى
بِجَمْعٍ الصُّبْحَ، ثُمَّ وَقَفَ فَقال: إِنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا لا
يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أشْرِقْ ثَبِيرُ،
وَأنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَالَفَهُمْ، ثُمَّ أفَاضَ
قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. أخرجه البخاري (3).
- حكم تأخير طواف الإفاضة:
1 - السنة أن يطوف الحاج طواف الإفاضة يوم العيد.
ويجوز له تأخيره إلى أيام التشريق، وإلى نهاية شهر ذي الحجة.
ولا يجوز تأخيره عن ذي الحجة إلا لعذر كالمريض الذي لا يستطيع الطواف
ماشياً أو محمولاً، أو امرأة نفست قبل أن تطوف ونحو ذلك.
2 - إذا أخر الحاج طواف الإفاضة فطافه عند الخروج أجزأ عن الوداع، لكنه ترك
الأفضل.
- صفة حج الحائض:
1 - إذا أحرمت المرأة بالعمرة ثم حاضت قبل الطواف:
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1661) , واللفظ له، ومسلم برقم (1123).
(2) أخرجه مسلم برقم (1299).
(3) أخرجه البخاري برقم (1684).
(3/341)
فإن طهرت قبل اليوم التاسع أتمت عمرتها، ثم
أحرمت بالحج وخرجت مع الناس.
وإن لم تطهر قبل يوم عرفة أدخلت الحج على العمرة فتقول: لبيك حجاً وعمرة،
فتصير قارنة، وتقف مع الناس في المشاعر، وتفعل ما يفعل الحاج غير أنها لا
تطوف بالبيت، فإذا طهرت اغتسلت وطافت بالبيت.
2 - إذا كانت الحائض مع رفقة لا ينتظرونها، ولا تستطيع البقاء في مكة، فلها
أن تتلجم بما يمنع نزول الدم، وتطوف وهي حائض؛ لأنها مضطرة، وهذا ما
تستطيعه، وكذا لو كانت جاهلة أو ناسية، ونسكها صحيح.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ
النَّفْرِ، فَقالتْ: مَا أُرَانِي إِلا حَابِسَتَكُمْ، قال النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم -: «عَقْرَى حَلْقَى، أطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ».
قِيلَ: نَعَمْ، قال: «فَانْفِرِي». متفق عليه (1).
- حكم الحج عمن لا يستطيع:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَتِ امْرَأةٌ مِنْ
خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، قالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ
فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ، أدْرَكَتْ أبِي شَيْخاً
كَبِيراً، لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ
يَقْضِي عَنْهُ أنْ أحُجَّ عَنْهُ؟ قال: «نَعَمْ». متفق عليه (2).
- فضل من مات في الحج:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ
مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ
رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، أوْ قال: فَأوْقَصَتْهُ، فَقال النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم -: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1771) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1854) , واللفظ له، ومسلم برقم (1334).
(3/342)
وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ،
وَلا تَمَسُّوهُ طِيباً، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلا تُحَنِّطُوهُ،
فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّياً». متفق عليه (1).
- حكم العمرة بعد الحج:
ليس من السنة أن يعتمر الحاج بعد فراغه من الحج، لكن من حاضت وأدخلت الحج
على العمرة، فهذا يكفيها طوافها بالبيت وسعيها عن الحج والعمرة، فإن رغبت
أن تعتمر بعدالحج فلها ذلك.
عَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ عَائِشَةَ حَاضَتْ،
فَنَسَكَتِ المَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالبَيْتِ،
قال: فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ قالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ،
أتَنْطَلِقُونَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأنْطَلِقُ بِالحَجِّ؟ فَأمَرَ
عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أبِي بَكْرٍ أنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى
التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ فِي ذِي الحَجَّةِ. وَأنَّ
سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ ابْنِ جُعْشُمٍ لَقِيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - وَهُوَ بِالعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا، فَقال: ألَكُمْ هَذِهِ
خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «لا بَلْ لِلأبَدِ». متفق عليه (2).
- حكم الرَّمَل في الطواف:
يسن الرَّمَل في طوافين فقط:
طواف العمرة .. وطواف القدوم في الحج.
وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يرملوا في الأشواط الثلاثة
الأولى من الطواف في العمرة، ليرى المشركون جَلَدهم وقوتهم، ولم يرملوا بين
الركنين حيث لا يراهم الكفار.
ثم في حجة الوداع أمرهم أن يرملوا من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1850) , واللفظ له، ومسلم برقم (1206).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1785) , واللفظ له، ومسلم برقم (1216).
(3/343)
وهذا قدر زائد على ما قبله، فدل ذلك كله
على أن الرَّمَل سنة في طواف العمرة، وطواف القدوم.
والرَّمَل سنة للقادم من خارج مكة، فليس على أهل مكة رَمَل عند الطواف
بالبيت، ولا بين الصفا والمروة.
1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأصْحَابُهُ، فَقال المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ
يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَقَدْ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأمَرَهُمُ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ الثَّلاثَةَ،
وَأنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أنْ
يَأْمُرَهُمْ أنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ كُلَّهَا إِلا الإِبْقَاءُ
عَلَيْهِمْ. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيْهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قالَ لِلرُّكْنِ: أمَا وَاللهِ إِنِّي
لأعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أنِّي رَأيْتُ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ،
فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ قال: فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ، إِنَّمَا كُنَّا
رَاءَيْنَا بِهِ المُشْرِكِينَ، وَقَدْ أهْلَكَهُمُ اللهُ، ثُمَّ قال:
شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلا نُحِبُّ أنْ
نَتْرُكَهُ. متفق عليه (2).
- ما يفعل الحاج بعد خروجه من منى:
السنة إذا فرغ الحاج من حجه في اليوم الثالث عشر أن يخرج بعد الرمي من منى
وينزل بالأبطح، ويصلي هناك الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم يرقد رقدة ثم
يسير لطواف الوداع ثم ينفر إلى بلده.
عَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - أنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ،
وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ، وَرَقَدَ رَقْدَةً بِالمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ
إِلَى البَيْتِ فَطَافَ بِهِ.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1602) , واللفظ له، ومسلم برقم (1266).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1605) , واللفظ له، ومسلم برقم (1270).
(3/344)
أخرجه البخاري (1).
- كم يقيم الحاج بعد تمام النسك:
السنة لمن فرغ من الحج أن يعود إلى بلده.
عَنْ العَلاء بن الحَضْرَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لِلْمُهَاجِرِ إِقَامَةُ
ثَلاثٍ بَعْدَ الصَّدَرِ بِمَكَّةَ». كَأنَّهُ يَقُولُ لا يَزِيدُ
عَلَيْهَا. متفق عليه (2).
- حكم طواف الوداع:
1 - طواف الوداع لا يجب على أهل مكة، ولا على مَنْ منزله دون المواقيت كأهل
جدة ونحوهم.
2 - من سافر من أهل مكة بعد فراغه من الحج فعليه أن يطوف للوداع ليكون آخر
عهده بالبيت.
3 - طواف الوداع واجب على كل حاج من غير أهل مكة، إلا الحائض والنفساء
فيسقط عنهما، ومن تركه متعمداً فهو آثم ونسكه صحيح.
1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ
يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «لا يَنْفِرَنَّ أحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالبَيْتِ».
أخرجه مسلم (3).
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أمِرَ النَّاسُ
أنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ
بِالبَيْتِ، إِلا أنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ. متفق عليه (4).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (1764).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3933) , ومسلم برقم (1352) , واللفظ
له.
(3) أخرجه مسلم برقم (1327).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1755) , واللفظ له، ومسلم برقم (1328).
(3/345)
- حكم من نذر ما لا يطيق:
1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
رَأى شَيْخاً يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ، قَالَ: «مَا بَالُ هَذَا». قالوا:
نَذَرَ أنْ يَمْشِيَ. قال: «إِنَّ اللهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ
لَغَنِيٌّ». وَأمَرَهُ أنْ يَرْكَبَ. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَذَرَتْ
أُخْتِي أَنْ تَمْشِي إلَىَ بَيْتِ الله حَافِيَةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ
أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -،
فَاسْتَفْتَيْتُهُ، فَقَالَ: «لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ». متفق عليه (2).
- حكم حج من لم يستطع الوقوف بمزدلفة:
إذا دفع الحاج من عرفة إلى مزدلفة، وحبسه عذر منعه من الوصول إلى مزدلفة
كزحام ومرض ونحوهما، وخشي خروج وقت العشاء، فيصلي في الطريق إليها.
ومن حُبس عاجزاً عن الوصول إلى مزدلفة، ولم يصل إلا بعد طلوع الفجر، أو بعد
طلوع الشمس، وقف بمزدلفة قليلاً، ثم يستمر متجهاً إلى منى ولا شيء عليه،
ونسكه صحيح.
- أوقات خطب الإمام في الحج:
يسن لإمام المسلمين في الحج أن يبين للحجاج مناسك الحج، ويوصيهم بتقوى
الله، والتعاون على البر والتقوى، واجتناب الفرقة والخلاف،
وإخلاص الدين لله.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1865) , ومسلم برقم (1642).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1866) , ومسلم برقم (1644) , واللفظ
له.
(3/346)
وخطب الإمام في الحج كما يلي:
1 - يوم السابع من ذي الحجة بمكة، يعلمهم ما يفعلون في نسكهم إلى يوم عرفة.
2 - يوم عرفة بعد الزوال قبل الصلاة يذكِّرهم بالله، ويقرر قواعد التوحيد،
ويعلمهم ما يفعلونه في الوقوف بعرفة والمزدلفة، والإفاضة إلى منى ونحو ذلك.
3 - يوم النحر بمنى، يعلمهم ما بقي من المناسك، ويوصيهم بتقوى الله عز وجل.
4 - اليوم الحادي عشر في منى، في أواسط أيام التشريق يعلمهم كيفية الانصراف
من منى إلى مكة، وأحكام التعجل، وطواف الوداع ونحو ذلك.
عَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ، قال: «أتَدْرُونَ أيُّ يَوْمٍ هَذَا».
قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ
سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قال: «ألَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ». قُلْنَا:
بَلَى، قال: «أيُّ شَهْرٍ هَذَا». قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ،
فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقال:
«ألَيْسَ ذُو الحَجَّةِ» قُلْنَا بَلَى قال: «أيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» قُلْنَا
اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ
بِغَيْرِ اسْمِهِ، قال: «ألَيْسَتْ بِالبَلْدَةِ الحَرَامِ». قُلْنَا:
بَلَى، قال: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ،
كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا،
إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، ألا هَلْ بَلَّغْتُ». قالوا: نَعَمْ،
قال: «اللَّهمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ
مُبَلَّغٍ أوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلا
تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». متفق
عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1741) , واللفظ له، ومسلم برقم (1679).
(3/347)
- أحكام الفوات والإحصار:
1 - من فاته الوقوف بعرفة فاته الحج وتحلل بعمرة، ويقضيه فيما بعد إن كان
فرضه، ويذبح ما استيسر من الهدي، وإن اشترط حلّ ولا هدي عليه.
2 - من صده عدو عن البيت أهدى، ثم حلق أو قصر، ثم حل، وإن صده عن عرفة تحلل
بعمرة، وذبح الهدي.
3 - من حَصَره مرض أو ذهاب نفقة ونحو ذلك: فإن كان مشترطاً حل ولا شيء
عليه، وإن لم يكن اشترط أن محلي حيث حبستني ذبح ما تيسر من الهدي، ثم حلق
أو قصر، ثم حل.
4 - من كُسِر أو عَرِج أو مَرِض حل، وعليه الحج من قابل إن كان فرضه.
1 - قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196].
2 - وَعَنْ عَبْداللهِ بن عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَرَجْنَا
مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُعْتَمِرِينَ، فَحَالَ كُفَّارُ
قُرَيْشٍ دُونَ البَيْتِ، فَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
بُدْنَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ. متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1812) , واللفظ له، ومسلم برقم (1230).
(3/348)
15 - زيارة المسجد
النبوي
- حدود حرم المدينة:
من الشرق: الحرة الشرقية.
من الغرب: الحرة الغربية.
من الشمال: جبل ثور خلف جبل أحد.
من الجنوب: جبل عَيْر وبسفحه الشمالي وادي العقيق.
1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم -: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ
المَدِينَةَ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا، لا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلا يُصَادُ
صَيْدُهَا». أخرجه مسلم (1).
2 - وَعَنْ عَلِيّ بن أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَنْ زَعَمَ
أنَّ عِنْدَنَا شَيْئاً نَقْرَؤُهُ إِلا كِتَابَ اللهِ وَهَذِهِ
الصَّحِيفَةَ، (قال: وَصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي قِرَابِ سَيْفِهِ) فَقَدْ
كَذَبَ، فِيهَا أسْنَانُ الإبِلِ، وَأشْيَاءُ مِنَ الجِرَاحَاتِ، وَفِيهَا
قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ
عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً، أوْ آوَى مُحْدِثاً،
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا
يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفاً وَلا عَدْلا، وَذِمَّةُ
المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أدْنَاهُمْ، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى
غَيْرِ أبِيهِ، أوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ
اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ
يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفاً وَلا عَدْلا». متفق عليه (2).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1362).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1870) , ومسلم برقم (1370) , واللفظ
له.
(3/349)
- خصائص المساجد الثلاثة:
المساجد الثلاثة هي:
المسجد الحرام بمكة .. والمسجد النبوي بالمدينة .. والمسجد الأقصى بالقدس.
1 - المسجد الحرام بناه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وابنه إسماعيل.
وهو أول بيت وضع للناس، جعله الله مباركاً وهدى للعالمين، وهو قبلة
المسلمين في صلاتهم، وإليه حجهم.
2 - المسجد النبوي بناه محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله
عنهم، وقد أسس على التقوى.
3 - المسجد الأقصى بناه يعقوب - صلى الله عليه وسلم -، وهو أولى قبلتي
المسلمين.
ففي مكة حرم ومسجد .. وفي المدينة حرم ومسجد .. وفي القدس مسجد بلا حرم.
وثواب الصلاة مضاعف في هذه المساجد الثلاثة.
ولهذه الخصائص وغيرها لا تشد الرحال إلا لهذه المساجد الثلاثة.
أما زيارة القبور فيحرم شد الرحال إليها سواء كانت لنبي أو غيره.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي
بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)} [آل عمران:96].
2 - وقال الله تعالى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى
التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ
يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)}
[التوبة:108].
(3/350)
3 - وقال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي
أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ
هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} [الإسراء:1].
4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ
مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه
وسلم -، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى». متفق عليه (1).
5 - وَعَنْ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ
فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ وَصَلاَةٌ فِي المَسْجِدِ
الحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ». أخرجه
أحمد وابن ماجه (2).
6 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - عَن الصَّلاةِ فِي بَيتِ المَقدِسِ أَفضَلُ أَو فِي
مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقالَ: «صَلاةٌ فِي
مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَواتٍ فِيهِ وَلَنِعْمَ
المُصَلَّى» أخرجه الحاكم (3).
- فضائل المدينة:
1 - أن الله جعلها حرماً آمناً كما جعل مكة حرماً آمناً.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ
مَكَّةَ وَدَعَا لأهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ
إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا
بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لأهْلِ مَكَّةَ». متفق عليه (4).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1189) , واللفظ له، ومسلم برقم (1397).
(2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (14750) , وأخرجه ابن ماجه برقم (1406) , وهذا
لفظه.
(3) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (8553) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (2902).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2129) , ومسلم برقم (1360) , واللفظ
له.
(3/351)
2 - شد الرحال إليها للصلاة في المسجد
النبوي.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ:
المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -،
وَمَسْجِدِ الأَقْصَى». متفق عليه (1).
3 - أن الله سماها طابة وطيبة.
1 - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّهَا طَيْبَةُ (يَعْنِي المَدِينَةَ)
وَإِنَّهَا تَنْفِي الخَبَثَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الفِضَّةِ».
متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى
سَمَّى المَدِينَةَ طَابَةَ». أخرجه مسلم (3).
4 - أنها قرية تأكل القرى وتنتصر عليها.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ القُرَى، يَقُولُونَ
يَثْرِبُ، وَهِيَ المَدِينَةُ، تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ
خَبَثَ الحَدِيدِ». متفق عليه (4).
5 - أن الإيمان يأرز إليها، فيقصدها المسلمون لمحبتها وبركتها.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى المَدِينَةِ، كَمَا
تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا». متفق عليه (5).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1189) , واللفظ له، ومسلم برقم (1397).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4050) , ومسلم برقم (1384) , واللفظ
له.
(3) أخرجه مسلم برقم (1385).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1871) , ومسلم برقم (1382).
(5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1876) , ومسلم برقم (147).
(3/352)
6 - فضل الصبر على لأوائها وجَهْدها.
عَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ سُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «إِنِّي أحَرِّمُ مَا بَيْنَ لابَتَيِ المَدِينَةِ، أنْ يُقْطَعَ
عِضَاهُهَا، أوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا». وَقَالَ: «المَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ
لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، لا يَدَعُهَا أحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلا
أبْدَلَ اللهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَلا يَثْبُتُ أحَدٌ عَلَى
لأوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلا كُنْتُ لَهُ شَفِيعاً، أوْ شَهِيداً، يَوْمَ
القِيَامَةِ». أخرجه مسلم (1).
7 - خطورة الإحداث فيها، وعقوبة من أساء إلى أهلها.
1 - عَنْ عَلِيّ بن أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَنْ زَعَمَ
أنَّ عِنْدَنَا شَيْئاً نَقْرَؤُهُ إِلا كِتَابَ اللهِ وَهَذِهِ
الصَّحِيفَةَ، (قال: وَصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي قِرَابِ سَيْفِهِ) فَقَدْ
كَذَبَ، فِيهَا أسْنَانُ الإبِلِ، وَأشْيَاءُ مِنَ الجِرَاحَاتِ، وَفِيهَا
قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ
عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً، أوْ آوَى مُحْدِثاً،
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا
يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفاً وَلا عَدْلا، وَذِمَّةُ
المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أدْنَاهُمْ، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى
غَيْرِ أبِيهِ، أوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ
اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ
يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفاً وَلا عَدْلا». متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أرَادَ أهْلَهَا بِسُوءٍ (يُرِيدُ
المَدِينَةَ) أذَابَهُ اللهُ كَمَا يَذُوبُ المِلْحُ فِي المَاءِ». أخرجه
مسلم (3).
3 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَلا يُرِيدُ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1363).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1870) , ومسلم برقم (1370) , واللفظ
له.
(3) أخرجه مسلم برقم (1386).
(3/353)
أحَدٌ أهْلَ المَدِينَةِ بِسُوءٍ إِلا
أذَابَهُ اللهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ، أوْ ذَوْبَ المِلْحِ فِي
المَاءِ». أخرجه مسلم (1).
8 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لها بالبركة.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: كَانَ
النَّاسُ إِذَا رَأوْا أوَّلَ الثَّمَرِ جَاؤوا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا أخَذَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- قال: «اللَّهمَّ! بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي
مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي
مُدِّنَا، اللَّهمَّ! إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ
وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ،
وَإِنِّي أدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ، بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ،
وَمِثْلِهِ مَعَهُ». قال: ثُمَّ يَدْعُو أصْغَرَ وَلِيدٍ لَهُ فَيُعْطِيهِ
ذَلِكَ الثَّمَرَ. أخرجه مسلم (2).
2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اللَّهمَّ! بَارِكْ لَنَا فِي
صَاعِنَا وَمُدِّنَا، وَاجْعَلْ مَعَ البَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ». أخرجه مسلم
(3).
9 - أنه لا يدخلها الطاعون ولا الدجال.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «عَلَى أنْقَابِ المَدِينَةِ مَلائِكَةٌ، لا
يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلا الدَّجَّالُ». متفق عليه (4).
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «يَأْتِي المَسِيحُ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ،
هِمَّتُهُ المَدِينَةُ، حَتَّى يَنْزِلَ دُبُرَ أحُدٍ، ثُمَّ تَصْرِفُ
المَلائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ
الشَّامِ، وَهُنَالِكَ يَهْلِكُ». أخرجه مسلم (5).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1363).
(2) أخرجه مسلم برقم (1373).
(3) أخرجه مسلم برقم (1374).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1880) , ومسلم برقم (1379).
(5) أخرجه مسلم برقم (1380).
(3/354)
10 - أن الصلاة في المسجد النبوي بألف
صلاة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ
صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ». متفق عليه (1).
- حكم زيارة المسجد النبوي:
يسن للمسلم أن يزور المسجد النبوي للصلاة فيه في أي وقت.
وزيارة المسجد النبوي ليست من مناسك الحج أو العمرة، ويتم الحج والعمرة
بدونها، فإذا دخل المسلم المسجد النبوي صلى فيه ركعتين تحية المسجد، ثم ذهب
إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ووقف أمامه، وسلم عليه قائلاً:
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ثم يخطو خطوة عن يمينه، ويسلم
على أبي بكر الصديق رضي الله عنه كذلك.
ثم يخطو خطوة عن يمينه ويسلم على عمر رضي الله عنه كذلك.
- فضل الصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -:
الصلاة في المسجد النبوي فرضاً أو نفلاً تعدل ألف صلاة فيما سواه إلا
المسجد الحرام، والصلاة في بقية مساجد المدينة كالصلاة في غيرها بعشر
صلوات.
1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أفْضَلُ مِنْ ألْفِ صَلاةٍ
فِيمَا سِوَاهُ إِلا المَسْجِدَ الحَرَامَ». متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1190) , واللفظ له، ومسلم برقم (1394).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1190) , ومسلم برقم (1395) , واللفظ
له.
(3/355)
مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى
حَوْضِي». متفق عليه (1).
- حكم حرم المدينة:
المدينة حرم ما بين عَيْر إلى ثور، لا يُقطع شجرها، ولا يُنَفَّر صيدها.
وصيد مكة فيه الإثم والجزاء .. وصيد المدينة فيه الإثم دون الجزاء.
1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم -: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ
المَدِينَةَ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا، لا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلا يُصَادُ
صَيْدُهَا». أخرجه مسلم (2).
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ
رَأيْتُ الظِّبَاءَ بِالمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتُهَا، قال رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا حَرَامٌ». متفق
عليه (3).
3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «المَدِينَةُ حَرَمٌ، فَمَنْ أحْدَثَ فِيهَا
حَدَثاً أوْ آوَى مُحْدِثاً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ
وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَدْلٌ وَلا
صَرْفٌ». أخرجه مسلم (4).
4 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ
- صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اللَّهمَّ! إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ
مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَماً، وَإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ حَرَاماً مَا
بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا، أنْ لا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلا يُحْمَلَ فِيهَا
سِلاحٌ لِقِتَالٍ، وَلا تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلا لِعَلْفٍ». أخرجه
مسلم (5).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1196) , ومسلم برقم (1391).
(2) أخرجه مسلم برقم (1362).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1873) , واللفظ له، ومسلم برقم (1372).
(4) أخرجه مسلم برقم (1371).
(5) أخرجه مسلم برقم (1374).
(3/356)
- فضل سكنى المدينة:
1 - عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أبِي زُهَيْرٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قال:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «تُفْتَحُ
اليَمَنُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأهْلِهِمْ
وَمَنْ أطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ،
وَتُفْتَحُ الشَّامُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ
بِأهْلِيهِمْ وَمَنْ أطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ. وَتُفْتَحُ العِرَاقُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ،
فَيَتَحَمَّلُونَ بِأهْلِيهِمْ وَمَنْ أطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ
لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أنَس بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ،
إِلا مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلا
عَلَيْهِ المَلائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ
المَدِينَةُ بِأهْلِهَا ثَلاثَ رَجَفَاتٍ، فَيُخْرِجُ اللهُ كُلَّ كَافِرٍ
وَمُنَافِقٍ». متفق عليه (2).
- فضل الصلاة في مسجد قباء:
1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ، رَاكِباً وَمَاشِياً،
فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ أخرجه مسلم (3).
2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - كَانَ يَزُورُ قُبَاءً، رَاكِباً وَمَاشِياً. أخرجه مسلم
(4).
3 - وَعَنْ سَهْل بن حُنَيْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1875) , واللفظ له، ومسلم برقم (1388).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1881) , واللفظ له، ومسلم برقم (2943).
(3) أخرجه مسلم برقم (1399).
(4) أخرجه مسلم برقم (1399).
(3/357)
بَيْتِهِ ثمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ
فَصَلَّى فِيهِ صَلاَةً كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ». أخرجه النسائي وابن
ماجه (1).
- ما يسن للمسلم زيارته في المدينة:
يسن لمن زار المدينة أن يزور مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومسجد
قباء، وذلك ليصلي فيهما، ولا يجوز شد الرحال لزيارة القبور.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - قَبْرَ أمِّهِ، فَبَكَى وَأبْكَى مَنْ حَوْلَهُ،
فَقَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أنْ أسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ
لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أنْ أزُورَ قَبْرَهَا فَأذِنَ لِي، فَزُورُوا
القُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ». أخرجه مسلم (2).
2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - لَعَنَ زَوَّارَاتِ القُبُورِ. أخرجه الترمذي وابن ماجه
(3).
3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ
اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ
مَسَاجِدَ». قَالَتْ: فَلَوْلا ذَاكَ أبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أنَّهُ
خُشِيَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِداً. متفق عليه (4).
_________
(1) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (699) , وأخرجه ابن ماجه برقم (1312) , وهذا
لفظه.
(2) أخرجه مسلم برقم (976).
(3) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1056) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم
(1576).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1330) , ومسلم برقم (529) , واللفظ له.
(3/358)
|