موسوعة
الفقه الإسلامي الباب الثاني عشر
كتاب النكاح وتوابعه
ويشتمل على ما يلي:
1 - كتاب النكاح.
2 - الإيلاء.
3 - الظهار.
4 - الطلاق.
5 - الرجعة.
6 - الخلع.
7 - اللعان.
8 - العدة: وتشمل:
1 - الإحداد.
2 - الاستبراء.
9 - الرضاع.
10 - الحضانة.
(4/5)
1 - كتاب النكاح
ويشتمل على ما يلي:
1 - أحكام النكاح.
2 - العيوب في النكاح.
3 - شروط النكاح.
4 - المحرمات في النكاح.
5 - الشروط في النكاح.
6 - خطبة المرأة.
7 - عقد النكاح.
8 - نكاح الكفار.
9 - الصداق.
10 - وليمة العرس.
11 - زينة النساء والرجال.
12 - آداب الزفاف.
13 - أحكام الحمل والولادة.
14 - الحقوق الزوجية.
15 - أحكام القسم بين الزوجات.
16 - أحكام النفقة.
17 - النشوز.
(4/7)
النكاح
· النكاح: هو عقد شرعي يقتضي حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر.
والنكاح هو الزواج، ويطلق النكاح على العقد والوطء.
· فقه النكاح:
الزواج والزوجية سنة من سنن الله تعالى في الخلق، وهذه السنة عامة مطلقة في
عالم النبات، وعالم الحيوان.
أما عالم الإنسان فإن الله لم يجعله كغيره من العوالم المطلقة الغرائز، بل
كرَّمه ووضع له النظام الملائم لسيادته، والذي يحفظ شرفه، ويصون كرامته،
وذلك بالنكاح الشرعي الذي يجعل اتصال الرجل بالمرأة اتصالاً كريماً، قائماً
على الرضا، وعلى المحبة، وعلى الإيجاب والقبول.
وبذلك أشبع الغريزة بالطريق السليم، وحَفِظ النسل من الضياع، وصان المرأة
عن أن تكون مطية لكل راكب.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
(1)} [النساء:1].
2 - وقال الله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)} [الذاريات:49].
3 - وقال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا
مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ
(36)} [يس:36].
(4/9)
· روح النكاح:
الله عز وجل خلق المرأة كرامة ونعمة للرجل.
تجلب إليه الأنس والسرور .. وتقاسمه الهموم والغموم .. ويكون بوجودها
بمثابة الملك المخدوم .. والسيد المحشوم.
كما جعل سبحانه الرجل كرامة ونعمة للمرأة.
يقوم عليها .. ويسعى عليها بكل ما تشتهي .. ويقضي حاجاتها .. ويرفع مستوى
ضعفها .. ويجعلها سيدة بيت .. وأم أولاد .. ويستمتع كل منهما بالآخر، ويسكن
إليه، ويأنس به.
قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً
وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)}
[الروم:21].
(4/10)
1 - أحكام النكاح
· حكمة مشروعية النكاح:
شرع الله الزواج لما فيه من المصالح العظيمة التي أهمها:
1 - إرواء الغريزة الجنسية بأحسن وسيلة، وقضاء الوطر مع السلامة من
الأمراض، وبذلك يسكن البدن عن الاضطراب، ويكف النظر عن التطلع إلى الحرام.
2 - إعفاف النفس بالحلال، وصيانتها عن الحرام، ووقايتها من الفتن.
3 - الزواج سكن وطمأنينة، وذلك لما يحصل به من الألفة والمودة، والانبساط
بين الزوجين.
4 - الزواج يحصل به تكوين الأسرة الصالحة التي هي نواة المجتمع.
فالزوج يكد ويكتسب، وينفق ويعول، والزوجة تدبر المنزل، وتنظم المعيشة،
وتربي الأطفال.
5 - إنجاب الأولاد، وتكثير النسل بأحسن وسيلة مع المحافظة على الأنساب التي
يحصل بها التعارف والتعاون، والتآلف والتناصر.
6 - إشباع غريزة الأبوة والأمومة التي تنمو بوجود الأطفال، ونمو مشاعر الود
والعطف والحنان.
7 - ترابط الأسر، وتقوية أواصر المحبة بين العائلات.
8 - حفظ النوع الإنساني من الزوال والانقراض بالإنجاب والتوالد.
9 - الزواج عبادة يستكمل بها الإنسان شطر دينه، ويستكثر به من النسل الذي
(4/11)
يعبد الله عز وجل.
· فضل الزواج:
الزواج من آكد سنن المرسلين الواجب اتباعهم.
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ
وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ
يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)}
[الرعد:38].
2 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً
وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ
وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)} [النحل:72].
3 - وقال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ
مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ
اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)} [النور:32].
4 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَبَاباً لا نَجِدُ شَيْئاً، فَقَالَ
لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ،
مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أغَضُّ لِلْبَصَرِ،
وَأحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ،
فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». متفق عليه (1).
· حكم النكاح:
يختلف حكم النكاح بحسب اختلاف أحوال الناس كما يلي:
1 - يجب النكاح على من قدر عليه، وتاقت نفسه إليه، وخشي العنت؛ لأن إعفاف
النفس بالحلال وصيانتها عن الحرام كل ذلك واجب، ولا يتم ذلك إلا بالزواج.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5066) , واللفظ له، ومسلم برقم (1400).
(4/12)
2 - يستحب النكاح لمن لا يخشى الوقوع في
الزنا إن لم يتزوج، ولا يخشى أن يظلم زوجته إن تزوج، وكان تائقاً للنكاح،
وقادراً عليه.
وهذه الحالة هي الغالبة على أكثر الناس.
3 - يحرم النكاح على من لا تتوق نفسه إليه، وليس له قدرة عليه، بأن يعلم من
نفسه عدم القدرة على الوطء، أو عدم القدرة على الإنفاق، أو عدم القدرة على
أداء الحقوق الواجبة؛ لأن كل ما أدى إلى الحرام فهو حرام.
4 - ويكره النكاح لمن خاف الوقوع في الجور والظلم، والضرر، والتقصير، كأن
يخاف العجز عن الإنفاق، أو إساءة العشرة، أو فتور الرغبة في النساء، أو
تشغله عن تعلم العلم وتعليمه ونحو ذلك.
5 - ويباح النكاح إذا انتفت الدواعي إليه، وانتفت الموانع منه، بأن لا تتوق
نفسه إليه، لكنه قادر عليه.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى
فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)} [النساء:3].
2 - وقال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ
مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ
اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)} [النور:32].
3 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ
مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أغَضُّ لِلْبَصَرِ،
وَأحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ،
فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5066) , ومسلم برقم (1400)، واللفظ له.
(4/13)
· أركان النكاح:
أركان النكاح أربعة:
الزوج .. والزوجة .. والولي .. والإيجاب والقبول.
فإن اختل ركن من هذه الأركان لم يصح النكاح.
· حكم الإعراض عن الزواج:
الزواج نعمة وضرورة لا غنى عنها، والإعراض عن الزواج يفوِّت على الإنسان
كثيراً من المنافع والمصالح، ولا يمتنع عن الزواج إلا عاجز أو فاجر.
فلما حصل التغالي في المهور، وكثرت النفقات التي ترهق الزوج، عزف الرجال عن
الزواج، وقعدت النساء بلا أزواج، فسار من هؤلاء وهؤلاء في دروب الريبة، مما
جعل الرجل والمرأة على حذر في اختيار من يقترن به، فكثر الشر، وعمت الفتن،
فيجب على الأمة المسلمة العمل على تهيئة أسباب الزواج، وتيسير وسائله،
لينعم به الرجال والنساء على حد سواء، وينقطع به دابر الشر والفساد في
الأرض.
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «إِذا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ
وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ
وَفَسَادٌ عَرِيضٌ». أخرجه الترمذي (1).
· حكم التبتل:
التبتل: هو الانقطاع للعبادة، وحرمان النفس من لذائذ الحياة المباحة.
_________
(1) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1084).
(4/14)
وقد جاء الإسلام بإرضاء النفوس والغرائز
بطيبات الحياة المباحة، ونهى عن العنت والمشقة، وحرمان النفوس مما أحل
الله، فأعطى كل ذي حق حقه، وهذا هو العدل.
فلله عز وجل حقه من العبادة .. وللبدن حقه من طيبات الحياة .. وللنفس حقها
من الراحة، فلا رهبانية في الإسلام، ولا حرمان ولا عنت ولا مشقة.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا
طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا
يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87)} [المائدة:87].
2 - وَعَنْ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُاللهِ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ، فَقُلْنَا ألا
نَسْتَخْصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أنْ نَنْكِحَ
المَرْأةَ بِالثَّوْبِ، ثُمَّ قَرَأ عَلَيْنَا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} الآية.
متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِي اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَ ثَلاثَةُ
رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،
يَسْألُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا
أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأيْنَ نَحْنُ مِنَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ، قال أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فَإِنِّي أُصَلِّي
اللَّيْلَ أبَداً، وَقَالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ،
وَقَالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أتَزَوَّجُ أبَداً، فَجَاءَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أنْتُمُ الَّذِينَ
قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أمَا وَاللهِ إِنِّي لأخْشَاكُمْ للهِ
وَأتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أصُومُ وَأفْطِرُ، وأُصَلِّي وَأرْقُدُ،
وَأتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».
متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5075) , واللفظ له، ومسلم برقم (1404).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5063) , واللفظ له، ومسلم برقم (1401).
(4/15)
· تعدد الزوجات:
رغَّب الإسلام كل رجل بالزواج بامرأة واحدة، وهذا هو الأصل، وهو الغالب،
وهو الأفضل لمن خاف عدم العدل.
أما تعدد الزوجات فهو أمر نادر، يلجأ الإنسان إليه عند الحاجة إليه، ولم
توجبه الشريعة على أحد، وإنما أباحته الشريعة بشروط خاصة، ولأسباب داعية.
قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى
فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)} [النساء:3].
· أسباب تعدد الزوجات:
أباح الله عز وجل تعدد الزوجات لأسباب عامة وخاصة:
1 - أسباب التعدد العامة:
1 - معالجة حالة قلة الرجال، وكثرة النساء، صيانة للنساء من التبذل
والانحراف.
2 - تكثير النسل الذي تكثر به الأمة، ويكثر به من يعبد الله وحده، وتقوى به
الأمة المسلمة.
2 - أسباب التعدد الخاصة:
1 - زيادة القدرة الجنسية عند بعض الرجال، فلا تكفيه زوجة واحدة، إما لكبر
سنها، أو لكراهيتها الجماع، أو لطول مدة حيضها.
2 - عقم المرأة، أو مرضها، أو سوء طباعها، فقد تكون عقيمة لا تلد، أو مريضة
لا تستطيع تلبية رغبات زوجها، أو سيئة الخلق لا تمكِّن نفسها من زوجها.
(4/16)
3 - كراهية الرجل للمرأة، إما بسبب نزاع
بينه وبينها، أو بينه وبين أهلها، فيشتد الأمر، ويتصلب الطرفان، وتستعصي
الحلول.
فأباح الله التعدد رحمة بالعباد تحقيقاً لهذه المصالح العظمى التي تعود على
الزوجين والأمة بكل خير ومصلحة.
· شروط تعدد الزوجات:
1 - أباح الله عز وجل للرجل أن يتزوج بأربع نساء فقط بشروط هي:
قدرة بدنية يتمكن بها من الجماع .. وقدرة مالية يتمكن بها من الإنفاق ..
وقدرة على العدل بين الزوجات.
فإن خاف أن لا يعدل بين زوجاته، فليس له أن يتزوج إلا واحدة، أو ما ملكت
يمينه؛ لأن ملك اليمين لا يجب عليه القسم لها.
2 - لما أباح العليم الحكيم تعدد الزوجات نهى أن يكون ذلك بين الأقارب
الذين تجمعهم نسب قريبة جداً كالجمع بين الأختين، أو بين المرأة وعمتها أو
خالتها، لما يجره من قطيعة الرحم، وإشعال نار العداوة بين الأقارب، فإن
الغيرة بين الضرات شديدة جداً.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «لا يُجْمَعُ بَيْنَ المَرْأةِ وَعَمَّتِهَا، وَلا
بَيْنَ المَرْأةِ وَخَالَتِهَا». متفق عليه (1).
· حكم الزواج بأكثر من أربع:
لا يجوز للرجل أن يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات في وقت واحد.
وفي هذا المباح غنى وكفاية، فهو يلبي حاجة الرجل للجماع في كل يوم مع
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5109) , واللفظ له، ومسلم برقم (1408).
(4/17)
مرور كل شهر، بسبب نزول الحيض بمقدار أسبوع
لكل واحدة منهن.
ويسد الباب أمام الانحراف، أو ما قد يتخذه بعض الرجال من العشيقات
والخدينات، ويحمي النساء من الجور عليهن بسبب العجز عن القيام بحقوقهن.
قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى
فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)} [النساء:3].
· حكم نكاح امرأة المفقود:
إذا تزوجت امرأة المفقود فقدم الأول قبل وطء الثاني فهي للأول.
وإن قدم بعد الوطء فله أخذها زوجة بالعقد الأول بدون طلاق الثاني، ويطؤها
بعد إكمال عدتها، وللأول تركها مع الزوج الثاني، ويأخذ قدر الصداق الذي
أعطاها من الثاني.
· حكم نكاح الأَمة:
لا يجوز وطء امرأة في الشرع إلا بنكاح أو ملك يمين، وقد أباح الله عز وجل
للمسلم أن يتزوج المرأة الحرة، ورخص سبحانه في الزواج من غير الحرة في حالة
الفقر مع مشقة الانتظار، فإذا خاف الإنسان العنت، ووجدت المشقة، حل الزواج
من المؤمنات غير الحرائر اللواتي في ملك الآخرين.
ويصح هذا النكاح بثلاثة شروط:
أن تكون الأَمَة مؤمنة .. وأن يعقد عليها عقد نكاح .. وأن يدفع لها الصداق.
قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ
الْمُحْصَنَاتِ
(4/18)
الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ
أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ
مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ
أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ
الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا
خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)} [النساء:25].
· حكم نكاح مُلك اليمين:
لا ينكح عبد سيدته؛ لأنه مملوك لها، ولا ينكح سيد أمته؛ لأنه يملك وطأها
بملك اليمين، فلا يحتاج لعقد نكاح.
ومن حَرُم وطؤها بعقد نكاح حَرُم وطؤها بملك يمين إلا أمة كتابية، فلا يجوز
نكاحها، ويجوز وطؤها بملك يمين.
· حكم أم الولد:
أم الولد: هي الأمة التي حملت من سيدها وولدت له.
فهذه يجوز لسيدها وطؤها وتأجيرها كالأمة، ولا يجوز بيعها ولا هبتها ولا
وقفها كالحرة.
وتعتد بحيضة واحدة يُعلم بها براءة رحمها.
· حكم نكاح المسبيات:
النساء المسبيات في الجهاد الإسلامي تستبرأ أرحامهن بحيضة واحدة، يُعلم بها
خلو أرحامهن من الحمل، فإذا تم الاستبراء جاز نكاحها إن أسلمت أو كانت
كتابية، فيطؤها ويباشرها من غير عقد نكاح؛ لأنها حلال له بملك اليمين.
(4/19)
· حكم تزويج المملوك:
1 - العبد المملوك إذا طلب من سيده نكاحاً زوّجه أو باعه؛ لأنه إذا لم يزوج
وقع في الحرام.
2 - إن طلبت الأمة من سيدها النكاح وطئها، أو زوّجها، أو باعها، ليعفها عن
الحرام.
قال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ
عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ
مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)} [النور:32].
(4/20)
2 - العيوب في
النكاح
- العيب: هو آفة تَمنع أو تُنقص كمال الاستمتاع بين الزوجين.
- أقسام العيوب:
تنقسم العيوب بين الزوجين إلى ثلاثة أقسام:
الأول: عيوب خاصة بالرجل، وهي: الجَبَّ، والعِنَّة، والخصاء، فالجب قطع
الذكر .. والعنة عدم القدرة على الإيلاج .. والخصاء قطع الخصية.
الثاني: عيوب خاصة بالمرأة، وهي: الرَّتَق، والقَرَن، والعَفَل.
فالرتق: انسداد الفرج بأصل الخلقة، والقَرَن: انسداد في الفرج، والعَفَل:
سائل في الفرج يمنع لذة الوطء.
الثالث: عيوب مشتركة بين الرجل والمرأة كالجنون، والبرص، والجذام، وسيلان
بول أو غائط، وباسور وناسور، والعمى، والخَرَس، والطَّرَش، والأمراض
المعدية ونحو ذلك.
- أقسام العيوب من حيث الاستمتاع:
تنقسم العيوب من حيث الاستمتاع إلى قسمين:
1 - عيوب جنسية تمنع الاستمتاع كالجَبّ والعِنَّة والخصاء في الرجل، والرتق
والقرن والعفل في المرأة.
2 - عيوب لا تمنع الاستمتاع، ولكنها أمراض منفرة من كمال العشرة، وهي التي
لا يمكن بقاء الزوجية معها إلا بضرورة كالجنون، والأمراض المعدية، والقروح
السيالة ونحو ذلك.
(4/21)
- حكم العيوب في النكاح:
1 - كل عيب ينفِّر الزوج الآخر منه ولا يحصل به مقصود النكاح فإنه يوجب
الخيار لكلٍّ منهما كالبرص، والخرس، والجنون والجذام، وقروح سيالة، وعيوب
في الفرج، واستطلاق بول، وسل، وأيدز، وبخر في الفم، وريح منكرة، وشلل في
البدن أو الأعضاء ونحو ذلك.
2 - من وجدت زوجها مجبوباً، أو بقي له ما لا يطأ به، أو كان مقطوع الخصية،
فلها الفسخ إن شاءت، فإن علمت به ورضيت قبل العقد أو بعد الدخول سقط حقها
في الفسخ، وإن بان الزوج عقيماً ثبت الخيار للزوجة؛ لأن لها حقاً في الولد.
3 - إذا تم الفسخ لأجل أحد هذه العيوب السابقة ونحوها:
فإن كان الفسخ قبل الدخول فلا مهر للمرأة، وإن كان بعد الدخول فلها المهر
المسمى في العقد، ويرجع الزوج ليأخذ المهر ممن غره.
ولا يصح نكاح خنثى مشكل قبل تبيُّن أمره.
4 - من وجدت زوجها عنيناً أُجِّل سنة منذ الحكم عليه.
فإن وطئ فيها وإلا فلها الفسخ، وإن رضيت به عنيناً قبل الدخول أو بعده سقط
خيارها.
(4/22)
3 - شروط النكاح
- شروط النكاح:
يشترط لصحة النكاح ما يلي:
1 - تعيين الزوجين.
2 - رضا الزوجين.
3 - الولي، فلا يصح نكاح امرأة إلا بولي.
4 - أن يكون النكاح على مهر.
5 - خلو الزوجين من الموانع التي تمنع صحة النكاح من نسب محرم أو مصاهرة،
أو رضاع، أو اختلاف دين ونحو ذلك.
6 - الإيجاب والقبول بلفظ النكاح أو التزويج.
- حكم إكراه المرأة على الزواج:
المرأة التي تعرف مصالح النكاح لا يجوز إجبارها على النكاح، لا من أبيها
ولا من غيره من الأولياء، فيكون أمرها بيدها سواء كانت بكراً أو ثيباً.
ولا يجوز لأحد إجبار ابنته البالغة العاقلة على النكاح ممن لا ترضاه، ولا
يجوز إجبار المرأة على البقاء مع زوج لا ترضاه، ويجب تلبية طلبها إذا طلبت
فسخ نكاحها.
1 - عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا
أنَّ أبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأتَتْ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَدَّ نِكَاحَهُ. أخرجه البخاري
(1).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (5138).
(4/23)
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا أنَّ امْرَأةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا
أعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أكْرَهُ الكُفْرَ فِي
الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أتَرُدِّينَ
عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ». قَالَتْ: نَعَمْ، قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً». أخرجه
البخاري (1).
- حكم استئذان المرأة في الزواج:
يجب على ولي المرأة المكلفة أن يستأذنها في زواجها بكراً كانت أو ثيباً،
فإن عقد عليها لأحد وهي غير راضية فلها فسخ العقد.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «لا تُنْكَحُ الأيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا
تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ،
وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قال: «أنْ تَسْكُتَ». متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللهِ، إِنَّ البِكْرَ تَسْتَحِي؟ قال: «رِضَاهَا صَمْتُهَا». متفق عليه
(3).
- حكم تزويج الصغيرة:
يستحب للأب ألا يزوج ابنته حتى تبلغ ويستأذنها.
ويجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة دون إذنها، ولها الخيار إذا بلغت.
وقد زوّج أبو بكر رضي الله عنه ابنته عائشة أم المؤمنين من رسول اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - وهي صغيرة بنت ست سنين دون إذنها.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (5273).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5136) , واللفظ له، ومسلم برقم (1419).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5137) , واللفظ له، ومسلم برقم (1420).
(4/24)
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنها أنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ
سِنِينَ، وأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ، وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ
تِسْعاً. متفق عليه (1).
- حكم تزويج المجنون والمعتوه:
يجوز للولي عقد النكاح على فاقد الأهلية من ذكر أو أنثى كالمجنون والمعتوه
دون الرجوع إليهم لأخذ رأيهم؛ لأن تصرفات فاقد الأهلية أو ناقصها ترجع إلى
وليه.
- الكفاءة المعتبرة في الزواج:
الكفاءة المعتبرة بين الزوجين هي في الدين، والحرية.
فإذا زوج الولي عفيفة بفاجر، أو حرة بعبد، فالنكاح صحيح، وللمرأة الخيار في
البقاء أو فسخ النكاح.
والكفاءة في الزواج معتبرة في الزوج دون الزوجة، فيشترط في الرجل أن يكون
كفؤاً للمرأة، ولا يشترط في المرأة أن تكون كفؤاً للرجل.
والكفاءة حق للمرأة والأولياء؛ لأن تزوجها بغير الكفء يلحق العار بها
وبأوليائها.
- ولي النكاح:
الولي: هو من يتولى تزويج المرأة.
والأحق بتزويج البنت هو أبوها .. ثم وصيه في النكاح .. ثم جدها لأب .. ثم
ابنها .. ثم أخوها .. ثم عمها .. ثم أقرب العصبة نسباً .. ثم الحاكم.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5133) , واللفظ له، ومسلم برقم (1422).
(4/25)
- شروط الولي:
يشترط أن يكون ولي النكاح ذكراً، حراً، بالغاً، عاقلاً، رشيداً، ويشترط
الاتفاق في الدين، وللحاكم تزويج من لا ولي لها.
- أقسام الولاية:
تنقسم ولاية النكاح إلى قسمين:
1 - ولاية إجبار: ويمكلها الأب، والجد، والسيد، والحاكم.
فلكل واحد من هؤلاء الحق في تزويج عديم الأهلية أو ناقصها بسبب الصغر أو
الجنون أو العته ونحو ذلك.
2 - ولاية اختيار: ويملكها بقية العصبات الأقرب فالأقرب.
وترتيب الأولياء:
الأبوة .. ثم البنوة .. ثم الأخوة .. ثم العمومة .. ثم المعتق .. ثم
الحاكم.
- حكم عضل الولي:
العضل: هو منع الولي المرأة العاقلة من الزواج بكفئها إذا طلبت ذلك.
والعضل محرم؛ لما فيه من إلحاق الضرر بالمرأة ومنعها حقها.
وإذا عضل الولي انتقلت الولاية إلى من بعده؛ لتعذر التزويج من جهته، لأنه
أصبح ظالماً، فنزعت منه الولاية.
قال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ
فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا
بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ
وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)}
[البقرة:232].
(4/26)
- حكم النكاح بلا ولي:
إذا تزوجت امرأة بلا ولي فنكاحها فاسد، فيزوجها وليها إن كان موجوداً، وإن
لم يكن موجوداً زوّجها الحاكم من زوجها المذكور، وليس عليها عدة؛ لأن الماء
واحد، ولا يحتاج هذا النكاح الفاسد إلى طلاق ولا فسخ، بل يكفي عقد صحيح
جديد، سواء كانت حاملاً أم لا.
ولا يصح تزويج مَنْ نكاحها فاسد لغير صاحب النكاح الفاسد قبل طلاق، أو فسخٍ
من صاحب النكاح الفاسد، وبراءة الرحم بحيضة، أو وضع الحمل.
1 - قال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ
مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور:32].
2 - وعَنْ أَبي مُوسَى َ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بوَلِيٍّ». أخرجه أبو داود
والترمذي (1).
3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بغَيْرِ إِذنِ وَلِيِّهَا
فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ
دَخَلَ بهَا فَلَهَا المَهْرُ بمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا فَإِنِ
اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ». أخرجه أبو
داود والترمذي (2).
- حكم زواج العبد بدون إذن سيده:
العبد لا يملك نفسه؛ لأنه مال مملوك لسيده، وحيث أن عقد النكاح له تبعات
مالية من مهر ونفقة، لذا جُعِل أمر تزويج العبد إلى سيده.
فإذا تزوج العبد بدون إذن سيده فنكاحه فاسد، لكن يثبت به النسب؛ لأنه
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2085) , وأخرجه الترمذي برقم (1101).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2083) , وأخرجه الترمذي برقم (1102) , وهذا
لفظه.
(4/27)
وطء شبهة.
- حكم الزواج بنية الطلاق:
لا يجوز النكاح بنية الطلاق، ولا النكاح المؤقت بمدة كنكاح المتعة؛ لما فيه
من الغش والخداع، والعبث بهذا العقد العظيم، والتنقل في مراتع الشهوات بين
الذواقين والذواقات، ولما يجلبه من العداوة والبغضاء بين أفراد الأمة.
وكتمان نية الطلاق من أعظم الغش والخداع والعبث واللعب بأحكام الله, وتجاوز
حدوده.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)}
[النساء:14].
- حكم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها:
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «لا يُجْمَعُ بَيْنَ المَرْأةِ وَعَمَّتِهَا، وَلا
بَيْنَ المَرْأةِ وَخَالَتِهَا». متفق عليه (1).
- حكم نكاح المرأة في عدة أختها:
العقد على المرأة في عدة أختها إن كان الطلاق رجعياً فهو باطل ومحرم، وإن
كان الطلاق بائناً فهو محرم.
- حكم النكاح إذا كان أحد الزوجين لا يصلي:
1 - إذا كان زوج المرأة لا يصلي فلا يحل لها أن تبقى معه، ويحرم عليه
وطؤها؛ لأن تارك الصلاة كافر، ولا ولاية لكافر على مسلمة، وإن كانت
الزوجة لا تصلي وجب فراقها إن لم تتب إلى الله تعالى؛ لأنها كافرة لا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5108) , ومسلم برقم (1408) , واللفظ
له.
(4/28)
يجوز البقاء معها.
2 - إذا كان الزوج والزوجة لا يصليان حين عقد النكاح، فالعقد صحيح؛ لأنهم
جميعاً كفار، أما إن كانت الزوجة تصلي حين العقد، وزوجها لا يصلي، أو كانت
الزوجة لا تصلي، وزوجها يصلي، ثم اهتديا، فالواجب تجديد عقد النكاح؛ لأن
أحدهما حين العقد كافر.
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ
وَالكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ». أخرجه مسلم (1).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (82).
(4/29)
4 - المحرمات في
النكاح
- المرأة التي يجوز العقد عليها:
يجوز للمسلم أن يعقد النكاح على أي امرأة مسلمة أو كتابية، غير محرمة عليه،
سواء كان هذا التحريم مؤبداً أو مؤقتاً.
والتحريم المؤبد: هو ما يمنع المرأة أن تكون زوجة للرجل في جميع الأوقات.
والتحريم المؤقت: هو ما يمنع المرأة من التزوج بها ما دامت على حالة خاصة.
- أقسام المحرمات من النساء:
تنقسم المحرمات من النساء إلى قسمين:
الأول: المحرمات إلى الأبد، وهن ثلاثة أقسام:
1 - محرمات بالنسب، وهن سبع:
الأم وإن علت .. والبنت وإن سفلت .. والأخت .. والعمة .. والخالة .. وبنات
الأخ .. وبنات الأخت.
2 - محرمات بالرضاع، وهن سبع:
المرضعة .. أم المرضعة .. أم زوج المرضعة .. أخت المرضعة .. أخت زوج
المرضعة .. بنات المرضعة وإن نزلن .. الأخت من الرضاعة.
فالرضيع الذي رضع خمس رضعات فأكثر في الحولين يحرم عليه الزواج بواحدة مما
سبق.
(4/30)
وكل امرأة حَرُمت من النسب حَرُم مثلها من
الرضاع إلا أم أخيه من الرضاع، وأخت ابنه من الرضاع فلا تحرم.
3 - محرمات بالمصاهرة، وهن أربع:
أم زوجته وإن علت .. وبنت زوجته التي دخل بها .. وزوجة الابن وإن نزل ..
وزوجة الأب وإن علا.
وهؤلاء الأربع يحرمن عليه بمجرد العقد على التأبيد، إلا بنت زوجته، إذا عقد
على أمها، ولم يدخل بها، حلت له بنتها.
1 - قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ
وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ
وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ
وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ
وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي
دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ
أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ
سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)} [النساء:23].
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - فِي بِنْتِ حَمْزَةَ: «لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ
الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هِيَ بِنْتُ أخِي مِنَ
الرَّضَاعَةِ». متفق عليه (1).
- ضابط المحرمات من النسب:
جميع أقارب الرجل من النسب يحرم عليه الزواج بهن إلا بنات أعمامه .. وبنات
عماته .. وبنات أخواله .. وبنات خالاته.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2645) , واللفظ له، ومسلم برقم (1447).
(4/31)
فهذه النساء الأربع من أقاربه حلال له.
الثاني: المحرمات إلى أمد محدد، وهن:
1 - الجمع بين زوجته وأختها.
2 - الجمع بين المرأة وعمتها، أو بين المرأة وخالتها.
فإذا ماتت أو طلقت حلت الأخرى بعد انتهاء العدة.
3 - زوجة الغير، ومعتدته حتى تخرج من العدة.
قال الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ} [النساء:24].
4 - مطلقته ثلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره.
قال الله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى
تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا
أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ
حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [البقرة:230].
5 - المحرمة بالحج أو العمرة حتى تحل.
وَعَنْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَنْكِحُ المُحْرِمُ وَلا يُنْكَحُ وَلا
يَخْطُبُ». أخرجه مسلم (1).
6 - تحرم المسلمة على الكافر حتى يسلم.
7 - تحرم الكافرة على المسلم حتى تسلم إلا الكتابية.
8 - تحرم الزانية على الزاني وغيره حتى تتوب إلى الله.
9 - المعتدة حتى تخرج من العدة.
فهؤلاء النساء يحرمن جميعاً حتى يزول السبب المانع من النكاح.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1409).
(4/32)
- حكم الجمع بين الأختين:
لا يجوز للرجل أن يجمع بين أختين في عصمته بنكاح.
ويجوز الجمع بين الأختين بملك اليمين، ولكن إذا وطئ إحداهما لم تحل له
الأخرى حتى يحرِّم الموطوءة بإخراج عن ملكه، أو تزوج لها من غيره بعد
الاستبراء.
- كم ينكح المسلم؟:
يجوز للرجل المسلم الحر أن يتزوج أربع نساء، ويجمع بينهن في وقت واحد، وله
أن يطأ بملك اليمين ما شاء.
ولا يحل له أن يتزوج أكثر من أربع نساء، فإن عقد على خامسة فالنكاح باطل،
ويجب التفريق بينهما.
ومن أسلم وتحته أكثر من أربع أمسك أربعاً وفارق الباقي.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى
فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)} [النساء:3].
2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ غَيْلاَنَ بْنَ
سَلَمَةَ الثقَفِيَّ أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ
فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ فَأَمَرَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ
يَتَخَيَّرَ أَرْبَعاً مِنْهُنَّ. أخرجه أبو داود والترمذي (1).
- حكمة تحريم نكاح الأقارب من النسب:
جعل الله بين الناس ضروباً من الصلة يتراحمون بها، وأقوى هذه الصلات
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2241) , وأخرجه الترمذي برقم (1128) , وهذا
لفظه.
(4/33)
صلة القرابة، وصلة الرحم.
فأما صلة القرابة فأقواها ما يكون بين الأولاد ووالديهم من العاطفة، فكلٌّ
منهما ينظر إلى الآخر كَنَظره إلى بعض أعضائه، وعاطفة الأم أقوى من عاطفة
الأب؛ لأن الولد يتكون جنيناً من دمها.
لهذا كان تحريم نكاح الأمهات مقدماً على تحريم البنات.
والصلة بين الإخوة والأخوات تشبه الصلة بين الوالد وأولاده، فالأخ والأخت
من أصل واحد، وبينهما عاطفة فطرية، فلا يشتهي بعضهم التمتع ببعض.
والعمات والخالات من طينة الأب والأم، والنفس تعاف الاستمتاع بهما؛ لعاطفة
حب التكريم والاحترام لهما.
وأما بنات الأخ والأخت فهما من الإنسان بمنزلة بناته، حيث أن أخاه وأخته
كنفسه، فلا تشتهيها النفس؛ لعاطفة الحب والحنان لهما.
- حكمة التحريم بالرضاع:
من رحمة الله عز وجل بالبشر أن وسع لهم دائرة القرابة بإلحاق الرضاع
بالنسب؛ لأن بدن الرضيع يتكون من لبن المرضعة وصاحب اللبن، فتنظر المرضعة
إلى الرضيع كأنه جزء من بدنها، فلهذا لا تنبعث له الشهوة.
- حكمة التحريم بالمصاهرة:
إن زوجة الرجل شقيقة روحه، فينبغي أن تكون أمها بمنزلة أمه في الاحترام،
وبنتها بمنزلة ابنته في العطف والحنان، وكذلك تكون زوجة ابنه بمنزلة ابنته
في العطف والحنان، كما يُنزِّل الابن امرأة أبيه منزلة أمه في التكريم
(4/34)
والاحترام.
فسبحان الحكيم العليم الذي شرع أحسن الشرائع.
- حكم نكاح بنات الزنا:
1 - أولاد الزنا من بنين وبنات لا ذنب لهم، فهم جناية آبائهم وأمهاتهم،
وعلى ولي الأمر حسن تربيتهم، والعناية بهم، وتزويجهم.
2 - يحرم على الزاني أن يتزوج ابنته من الزنا، كما يحرم على الأم نكاح
ابنها من الزنا.
- حكم نكاح المشركة:
لا يحل للمسلم نكاح المشركة، ولا يحل للمشرك أن ينكح المسلمة.
1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ
وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا
تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ
مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ
وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ
وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}
[البقرة:221].
- حكم نكاح نساء أهل الكتاب:
يباح للمسلم أن ينكح الحرة من نساء أهل الكتاب؛ مع أنه لا يؤمن أن يميل
إليها فتفتنه عن الدين، أو يتولى أهل دينها، أو تؤثر على أولاده منها.
وإنما أباح الله الزواج من نساء أهل الكتاب لتحصل المخالطة والمعاشرة التي
من خلالها تَعرف سماحة الإسلام فتُسلم.
قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ
وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ
(4/35)
قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ
وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي
الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)} [المائدة:5].
- حكم زواج المسلمة بغير المسلم:
يحرم زواج المسلمة بغير المسلم، سواء كان من أهل الكتاب أو غيرهم؛ لأنها
أعلى منه بتوحيدها وإيمانها، وإذا وقع هذا الزواج فهو فاسد ومحرم، يجب
إنهاؤه فوراً؛ لأنه لا ولاية لكافر على مسلم أو مسلمة.
قال الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ
وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا
تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ
مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ
وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ
وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}
[البقرة:221].
- حكم نكاح الملاعَنة:
لا يجوز للزوج الذي لاعن امرأته أن يتزوجها؛ لأنها محرمة عليه أبداً.
(4/36)
5 - الشروط في
النكاح
- أنواع الشروط في النكاح:
الشروط في النكاح أربعة أنواع:
شروط يجب الوفاء بها .. وشروط لا يجب الوفاء بها .. وشروط فيها نفع للمرأة
.. وشروط نهى الإسلام عنها، ولكل نوع من هذه الشروط حكم خاص به.
1 - الشروط التي يجب الوفاء بها:
هي ما كانت من مقتضيات العقد، ولم تتضمن تغييراً لحكم الله ورسوله كاشتراط
العشرة بالمعروف، والإنفاق عليها، وكسوتها، وسكناها، والقَسْم لها، وأنها
لا تخرج من بيته إلا بإذنه، ولا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، ولا تنفق من بيته
إلا برضاه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ونحو ذلك.
فهذه الشروط كلها يجب الوفاء بها؛ لأنها مما أمر الله ورسوله بها.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «أحَقُّ الشُّرُوطِ أنْ تُوفُوا بِهِ مَا
اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ». متفق عليه (1).
2 - الشروط التي لا يجب الوفاء بها:
هي الشروط التي يصح معها عقد النكاح، لكنها باطلة؛ لمنافاتها لمقتضى العقد.
كاشتراط ترك الإنفاق عليها، أو عدم الوطء لها، أو ترك المجيء لها، أو
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2721) , واللفظ له، ومسلم برقم (1418).
(4/37)
اشتراط أن لا مهر لها، أو يعزل عنها، أو
اشتراط أن تنفق عليه ونحو ذلك.
فالعقد في نفسه صحيح، لكن هذه الشروط كلها باطلة؛ لأنها تنافي العقد،
ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد شرعاً.
عَنْ عُرْوَةَ أنَّ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا أخْبَرَتْهُ: أنَّ
بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا: وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ
مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئاً، قالتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى
أهْلِكِ، فَإِنْ أحَبُّوا أنْ أقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ، وَيَكُونَ
وَلاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأَهْلِهَا فَأبَوْا،
وَقالوا: إِنْ شَاءَتْ أنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونَ
وَلاؤُكِ لَنَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
-، فَقال لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ابْتَاعِي،
فَأعْتِقِي، فَإِنَّمَا الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ». قال: ثُمَّ قَامَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: «مَا بَالُ أنَاسٍ
يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَنِ اشْتَرَطَ
شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ
مَرَّةٍ، شَرْطُ اللهِ أحَقُّ وَأوْثَقُ». متفق عليه (1).
3 - الشروط التي فيها نفع للمرأة:
هي الشروط التي لا تنافي العقد كأن تشترط المرأة أن لا يخرجها من دارها، أو
بلدها، أو زيادة في مهرها، أو أن لا يتزوج عليها، أو لا يسافر بها ونحو ذلك
مما لا ينافي عقد النكاح.
فالعقد صحيح، ويجب على الزوج الوفاء بالشرط، فإن خالف فللزوجة الفسخ إن
شاءت.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ
أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2561) , واللفظ له، ومسلم برقم (1504).
(4/38)
إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ
مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ
(1)} [المائدة:1].
2 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أحَقُّ الشُّرُوطِ أنْ تُوفُوا بِهِ مَا
اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ». متفق عليه (1).
4 - الشروط التي نهى الإسلام عنها، وهي نوعان:
الأول: شروط فاسدة تبطل عقد النكاح، ومنها:
1 - نكاح الشغار: وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو غيرهما ممن له
الولاية عليها، على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته أو غيرهما ممن له الولاية
عليها، ويتم النكاح بموجب هذا الشرط.
وهذا النكاح فاسد ومحرم، سواء سمي فيه مهر أو لم يسم.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهْما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - نَهَى عَنِ الشِّغَارِ. متفق عليه (2).
- حكم الشغار إذا حصل:
إذا تم نكاح الشغار بين رجلين وامرأتين فعلى كل واحد من الرجال تجديد عقد
النكاح دون شرط الأخرى، فيعقد على من دخل بها عقداً جديداً، بمهر جديد،
ويفعل الآخر مثله، ولا حاجة إلى الطلاق؛ لأن العقد الأول باطل، ومن لم يرغب
في تجديد العقد فعليه فراق من دخل بها.
2 - نكاح المحلِّل: وهو أن يتزوج الرجل المرأة المطلقة ثلاثاً بشرط أنه متى
حلَّلها للأول طلقها، أو نوى التحليل بقلبه، أو اتفقا عليه قبل العقد.
وهذا النكاح فاسد ومحرم، ومن فعله فهو ملعون.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2721) , واللفظ له، ومسلم برقم (1418).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5112) , واللفظ له، ومسلم برقم (1415).
(4/39)
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ
النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَعَنَ اللهُ المُحَلِّلَ
وَالمُحَلَّلَ لَهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (1).
- الزواج الذي تحل به المطلقة ثلاثاً للأول:
المطلقة ثلاثاً لا تحل لزوجها الأول إلا بثلاثة شروط:
أن يكون زواجها بالزوج الثاني صحيحاً .. وأن يكون عن رغبة .. وأن يدخل بها
ويذوق عسيلتها وتذوق عسيلته -يعني يجامعها-.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: جَاءَتِ امْرَأةُ رِفاعَةَ
القُرَظِيِّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالتْ: كُنْتُ عِنْدَ
رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَأبَتَّ طَلاقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ
بْنَ الزَّبِيرِ، إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَقالَ:
«أتُرِيدِينَ أنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لا، حَتَّى تَذُوقِي
عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ». متفق عليه (2).
3 - نكاح المتعة: وهو أن يعقد الرجل على المرأة ليطأها ويتمتع بها يوماً،
أو أسبوعاً، أو شهراً، أو سنة، أو أقل أو أكثر، ويدفع لها مهراً، فإذا
انتهت المدة فارقها.
وهذا النكاح فاسد ومحرم، وقد أُحل في أول الإسلام لفترة ثم حُرِّم إلى
الأبد؛ لأنه يضر بالمرأة، ويجعلها سلعة تنتقل من يد إلى يد، ويضر بالأولاد
كذلك، حيث لا يجدون بيتاً يستقرون فيه، ومقصده قضاء الشهوة، فهو يشبه الزنا
من حيث الاستمتاع، وإذا وقع هذا النكاح فيجب إنهاؤه، ولها المهر بما استحل
من فرجها.
عَنْ سَبْرَةَ الجُهَنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «يَا أيُّهَا
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2076) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم
(1119).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2639) , واللفظ له، ومسلم برقم (1433).
(4/40)
النَّاسُ إِنِّي قَدْ كُنْتُ أذِنْتُ
لَكُمْ فِي الاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ
ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ
فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً».
أخرجه مسلم (1).
الثاني: شروط فاسدة لا تبطل عقد النكاح، ومنها:
1 - اشتراط المرأة عند الزواج طلاق ضرتها.
فهذا النكاح صحيح، والشرط فاسد ومحرم؛ لأنها شرطت عليه إبطال حقه وحق
امرأته بفراقها، وكسر قلبها، وشماتة أعدائها، وهذه أضرار لا يجوز له الوفاء
بها.
أما لو اشترطت أن لا يتزوج عليها فالشرط صحيح، ولها الفسخ إن تزوج عليها.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - أنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. «وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا
يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أخِيهِ، وَلا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ
أخِيهِ، وَلا تَسْألُ المَرْأةُ طَلاقَ أخْتِهَا لِتَكْفَأ مَا فِي
إِنَائِهَا». متفق عليه (2).
2 - إذا شرط الزوج في عقد النكاح إسقاط حق من حقوق المرأة كما سبق، كأن
يشترط أن لا مهر لها، ولا نفقة لها، أو أن يقسم لها أقل من ضرتها أو أكثر،
فالنكاح صحيح، والشرط باطل؛ لمخالفته أمر الله ورسوله.
3 - إذا شرطها الزوج مسلمة فبانت كتابية، أو شرطها بكراً فبانت ثيباً، أو
شرط نفي عيب لا ينفسخ به عقد النكاح كالعمى والخرس ونحوهما فبانت بخلاف ما
ذُكر، فالنكاح صحيح، وله الفسخ إن شاء.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1406).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2140) , واللفظ له، ومسلم برقم (1413).
(4/41)
4 - إذا تزوج امرأة على أنها حرة فبانت
أَمَة فله الخيار إن كانت ممن تحل له، وإذا تزوجت المرأة رجلاً حراً فبان
عبداً فلها الخيار في البقاء أو الفسخ.
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ» زَادَ
أَحْمَدُ: «إِلاَّ صُلْحاً أَحَلَّ حَرَاماً أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً»
وَزَادَ سُلَيْمَانُ ابْنُ دَاوُدَ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ». أخرجه أبو داود (1).
- حكم النكاح الباطل:
النكاح الباطل لا اعتبار له، فلا يحتاج إلى طلاق ولا فسخ، ولا يجب به عدة
ولا مهر بدون الوطء؛ لأنه باطل كنكاح خامسة، ونكاح زوجة الغير، ونكاح ذات
مَحْرم، ونكاح الموطوءة بشبهة، ونكاح المعتدة.
فهذا النكاح باطل، ويجب التفريق بينهما فوراً، وعلى الموطوءة الاستبراء
بحيضة، لِتُعْلم براءة الرحم.
وإذا وطئ المرأة بالنكاح الباطل فلها مهر مثلها بما استحل من فرجها.
_________
(1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3594).
(4/42)
6 - خطبة المرأة
- الخطبة: هي إعلام المرأة أو وليها بالرغبة في زواجها.
- حكمة مشروعية الخطبة:
يحرص الإسلام على إقامة الزواج على أمتن الأسس؛ لتتحقق الغاية منه، وهي
الدوام والبقاء، وسعادة الأسرة، لينشأ الأولاد في جو من الحب والألفة.
والخطبة قبل الزواج طريق لتعرُّف كلٍّ من الخاطِبَيْن على الآخر، فإذا
وُجِد التلاقي والتجاوب أمكن الإقدام على الزواج، الذي هو رابطة دائمة في
الحياة، وسكن وطمأنينة.
قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً
وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)}
[الروم:21].
- أفضل النساء:
الزوجة أهم ركن من أركان الأسرة، فهي سكن للزوج، وحرث له، وشريكة حياته،
وربة بيته، ومنجبة أولاده، ومهوى فؤاده.
من أجل هذا عني الإسلام باختيار الزوجة الصالحة، وجعلها خير متاع ينبغي
التطلع إليه، والحرص عليه.
وأفضل النساء المرأة الصالحة التي تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها،
ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره، وتفعل ما أمرها الله به، وتجتنب ما
نهى الله عنه.
(4/43)
فهي صالحة في دينها، وعقلها، وخلقها، وحسن
عشرتها.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ
الدُّنْيَا المَرْأةُ الصَّالِحَةُ». أخرجه مسلم (1).
- اختيار الزوجة:
حسن اختيار المرأة ذو هدفين:
إسعاد الرجل .. وتربية أولاده تربية صالحة.
وأهم مقومات المرأة الصالحة التي يحسن خطبتها ما يلي:
1 - أن تكون المرأة دينة عفيفة.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «تُنْكَحُ المَرْأةُ لأرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا
وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ».
متفق عليه (2).
2 - أن تكون ودوداً ولوداً.
عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذاتَ
حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لاَ تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: «لاَ».
ثمَّ أَتَاهُ الثانِيَةَ فَنَهَاهُ ثمَّ أَتَاهُ الثالِثةَ فَقَالَ:
«تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بكُمُ الأُمَمَ».
أخرجه أبو داود والنسائي (3).
3 - أن تكون بكراً.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قال: كُنَّا مَعَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَفَلْنَا:
كُنَّا قَرِيباً مِنَ المَدِينَةِ تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ،
فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1467).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5090) , واللفظ له، ومسلم برقم (1466).
(3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2050) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم
(3227).
(4/44)
خَلْفِي، فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ
كَانَتْ مَعَهُ، فَسَارَ بَعِيرِي كَأحْسَنِ مَا أنْتَ رَاءٍ مِنَ
الإِبِلِ، فَالتَفَتُّ فَإِذَا أنَا بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
-، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قال:
«أتَزَوَّجْتَ». قُلْتُ: نَعَمْ، قال: «أبِكْراً أمْ ثَيِّباً». قال:
قُلْتُ: بَلْ ثَيِّباً، قال: «فَهَلا بِكْراً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ».
متفق عليه (1).
4 - أن تكون من بيت كريم معروف بالأمانة وحسن الخلق.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - قال: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ،
أحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ
يَدِهِ». متفق عليه (2).
5 - أن تكون حسيبة طيبة الأصل؛ لأن ولدها ربما أشبه أهلها.
6 - أن تكون جميلة صالحة؛ لأنها أسكن لنفسه، وأغض لبصره.
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «الَّتِي تَسُرُّهُ
إِذا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذا أَمَرَ، وَلاَ تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا
وَمَالِهَا بمَا يَكْرَهُ». أخرجه النسائي (3).
- اختيار الزوج:
يجب على الولي أن يختار لكريمته الرجل الصالح، فيزوجها من صاحب الدين،
والخلق الحسن، والمعدن الطيب، والنسب الشريف، الصالح التقي، الذي إن أحبها
أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.
ولا يجوز للولي أن يزوج كريمته من الفاجر، أو الظالم، أو الفاسق، أو
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5247) , واللفظ له، ومسلم برقم (715).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5082) , واللفظ له، ومسلم برقم (2527).
(3) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (3231).
(4/45)
المبتدع، أو شارب الخمر، ومن فعل ذلك فقد
تعرض لسخط الله، وجنى على المرأة، وتسبب في قطع رحمها، وخان الأمانة.
1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «إِذا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ
وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ
وَفَسَادٌ عَرِيضٌ». أخرجه الترمذي (1).
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، خِيَارُهُمْ فِي
الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا». متفق عليه
(2).
- من تباح خطبتها:
يشترط لإباحة الخطبة شرطان:
الأول: أن تكون ممن يجوز نكاحها شرعاً، بأن لا تكون من المحارم المحرمة
تحريماً مؤبداً كالأخت والعمة ونحوهما، ولا من المحرمات تحريماً مؤقتاً
كأخت الزوجة والمعتدة ونحوهما.
الثاني: ألا تكون المرأة مخطوبة لخاطب آخر.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «لا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلا يَخْطُبْ
بَعْضُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ بَعْضٍ». متفق عليه (3).
- حكم خطبة المعتدة:
تحرم خطبة المعتدة، سواء كانت عدتها عدة وفاة أم عدة طلاق، وسواء كان
الطلاق رجعياً أم بائناً؛ لأن المعتدة من طلاق رجعي في عصمة زوجها، وله
_________
(1) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1084).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3493) , واللفظ له، ومسلم برقم (2526).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5142) , ومسلم برقم (1412) , واللفظ
له.
(4/46)
مراجعتها في أي وقت شاء، والمعتدة من طلاق
بائنٍ بينونة صغرى حق الزوج لا يزال متعلقاً بها، وله حق إعادتها بعقد جديد
ما دامت في العدة.
أما البائن بينونة كبرى، أو المتوفى عنها زوجها، فتجوز خطبتها أثناء العدة
بطريق التعريض لا التصريح؛ لانقطاع رابطة الزوجية بالوفاة أو الطلاق
البائن.
وإنما حَرُمت خطبة المتوفى عنها زوجها بطريق التصريح رعاية لحزن المرأة
وإحدادها من جانب، ومحافظة على شعور أهل الميت وورثته من جانب آخر.
وحَرُمت الخطبة للبائن بطريق التصريح لئلا يُظن أن هذا الخاطب كان سبباً في
تصدع النكاح السابق، ولئلا تكذب المرأة في الإخبار بانتهاء عدتها.
ويباح التصريح والتعريض في خطبة المعتدة لزوجها الذي طلقها طلاقاً بائناً
دون الثلاث.
قال الله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ
خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ
أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا
أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ
حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ
مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
حَلِيمٌ (235)} [البقرة:235].
- كيفية التعرف على المخطوبة:
أباح الشرع التعرف على المخطوبة بطريقين:
الأول: النظر المباشر من الخاطب للمخطوبة، وهي كذلك.
1 - عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ امْرَأةً جَاءَتْ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا
(4/47)
رَسُولَ اللهِ، جِئْتُ لأهَبَ لَكَ
نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأ رَأْسَهُ،
فَلَمَّا رَأتِ المَرْأةُ أنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئاً جَلَسَتْ،
فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أصْحَابِهِ فَقَالَ: أيْ رَسُولَ اللهِ، إِنْ لَمْ
تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأتَاهُ رَجُلٌ فَأخْبَرَهُ أنَّهُ
تَزَوَّجَ امْرَأةً مِنَ الأنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «أنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟». قال: لا، قال: «فَاذْهَبْ
فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّ فِي أعْيُنِ الأنْصَارِ شَيْئاً». أخرجه مسلم
(2).
3 - وَعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ خَطَبَ
امْرَأَةً فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «انْظُرْ إِلَيْهَا
فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا». أخرجه الترمذي والنسائي
(3).
الثاني: إذا لم يتيسر له النظر إليها أرسل إليها الخاطب امرأة يثق بها،
تنظر إليها، وتخبره بصفتها.
وللمرأة كذلك أن ترسل رجلاً يتعرف على خطيبها، ويخبرها بصفاته وأخلاقه.
- كيفية النظر إلى المخطوبة:
يختبئ الخاطب في مكان يرى فيه من يريد أن يتزوجها، وينظر منها إلى ما يدعوه
إلى نكاحها من وجهها ويديها، وشعرها وجسمها، وذلك بعلم أهلها بلا خلوة.
وتفعل المرأة كالرجل.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5126) , واللفظ له، ومسلم برقم (1425).
(2) أخرجه مسلم برقم (1424).
(3) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1087) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم
(3235).
(4/48)
وللخاطب ومخطوبته أن يجلسا في مكان وينظر
كل منهما إلى الآخر بحضور أحد محارمها.
ولا يجوز للخاطب أن يخلو بالمخطوبة ولا يصافحها؛ لأنها محرمة على الخاطب
حتى يعقد عليها، ولأنه لا يؤمَن مع الخلوة الوقوع فيما حرم الله، ولا يجوز
تبادل الصور بين الزوجين في الخطبة، وخير الأمور ما جاء به الإسلام وهو
النظر فقط، مع تجنب الخلوة؛ حماية للشرف، وصيانة للعرض.
1 - عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا خَطَبَ أَحَدُكُمُ المَرْأَةَ
فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا
فَلْيَفْعَلْ». قَالَ: فَخَطَبْتُ جَارِيَةً فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا
حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا وَتَزَوُّجِهَا
فَتَزَوَّجْتُهَا. أخرجه أحمد وأبو داود (1).
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأةً
مِنَ الأنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ
نَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ فَإِنَّ فِي عُيُونِ الأنْصَارِ شَيْئاً». قال: قَدْ
نَظَرْتُ إِلَيْهَا. أخرجه مسلم (2).
- حكم النظر إلى النساء الأجنبيات:
النظر للنساء الأجنبيات إن كان لشهوة فهو محرم.
وإن كان النظر لغير شهوة، ومقصود لذاته، فهو محرم.
وإن كان لغير شهوة، وغير مقصود لذاته، فهو مباح بقدر الحاجة مع غض البصر عن
الوجه وذلك كالنظر في الطريق وعند البيع ونحو ذلك.
_________
(1) حسن/ أخرجه أحمد برقم (14586) , وأخرجه أبو داود برقم (2082) , وهذا
لفظه.
(2) أخرجه مسلم برقم (1424).
(4/49)
قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ
يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى
لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} [النور:30].
- حكم خلو الرجل بالمرأة بين الناس:
عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللهُ عَنه قَالَ: جَاءَتِ امْرَأةٌ مِنَ
الأنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَخَلا بِهَا،
فَقَالَ: «وَاللهِ إِنَّكُنَّ لأحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ». متفق عليه (1).
- حكم نظر النساء للرجال:
نظر المرأة إلى الرجل له حالتان:
الأولى: أن تنظر إلى الرجل وإلى ملامح وجهه وشخصه بشهوة أو بغيرها، فهذا
محرم، إلا إن كان من أجل الخطبة في النكاح.
قال الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ
وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31].
الثانية: أن تنظر إلى الرجل في البيع والشراء، والسؤال والاستفتاء، وفي
المسجد والطريق، بدون تصعيد بصرها إلى ملامح وجهه، فهذا جائز في الجملة
للحاجة.
- حكم عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح:
عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَتِ امْرَأةٌ إِلَى رَسُولِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، قَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللهِ، ألَكَ بِي حَاجَةٌ؟ فَقَالَتْ بِنْتُ أنَسٍ: مَا أقَلَّ
حَيَاءَهَا، وَاسَوْأتَاهْ وَاسَوْأتَاهْ، قال: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ،
رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ
نَفْسَهَا. أخرجه البخاري (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5234) , واللفظ له، ومسلم برقم (2509).
(2) أخرجه البخاري برقم (5120).
(4/50)
- حكم لبس دبلة الخطوبة:
لبس الذهب محرم على الرجال، وإذا لبسه الزوج من أجل الخطوبة كان أشد إثماً،
لارتكابه النهي الصريح، وتشبهه بالكفار، وتشبهه بالنساء، ومن تشبه بقوم فهو
منهم.
1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ،
وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. أخرجه البخاري (1).
2 - وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - رَأَىَ خَاتِماً مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ
فَطَرَحَهُ وَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَىَ جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ
فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ» فَقِيلَ لِلرّجُلِ بَعْدَمَا ذَهَبَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لاَ،
وَالله لاَ آخُذُهُ أَبَداً، وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -. أخرجه مسلم (2).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (5885).
(2) أخرجه مسلم برقم (2090).
(4/51)
7 - عقد النكاح
- أركان عقد النكاح:
أركان عقد النكاح أربعة:
الزوج .. والزوجة .. والولي .. والصيغة وهي الإيجاب والقبول.
- شروط عقد النكاح:
يشترط لصحة عقد النكاح ما يلي:
1 - رضا الزوجين الخاليين من الموانع التي تمنع صحة النكاح كالمحرمية من
نسب، أو رضاع، أو اختلاف دين.
2 - حصول الإيجاب: وهو اللفظ الصادر من الولي أو من يقوم مقامه بأن يقول:
زوجتك أو أنكحتك فلانة ونحوهما.
3 - حصول القبول: وهو اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه بأن يقول:
قبلت هذا الزواج أو النكاح.
فإذا حصل الإيجاب والقبول انعقد النكاح.
ولا يجوز الإيجاب والقبول إلا بالعربية لمن قدر عليها.
ومن عجز عن النطق بالعربية انعقد زواجه بلغته التي يفهمها ويتكلم بها؛ لأن
العبرة في العقود للمعاني.
وينعقد زواج الأخرس بإشارته إن فُهمت، وللغائب بوكيل أو كتاب.
- وقت عقد النكاح:
يجوز عقد النكاح في كل وقت إلا حال الإحرام، ويجوز في كل مكان،
(4/52)
ويجوز في أي حال إلا في وقت العدة، ويجوز
في حال الطهر، وحال الحيض، سواء كانت بكراً أم ثيباً.
- حكم التوكيل في الزواج:
كل عقد يجوز للإنسان أن يعقده بنفسه يجوز له أن يوكل فيه غيره كالبيع،
والإجارة، والتزويج ونحو ذلك.
ويصح التوكيل من الرجل الكامل الأهلية لغيره، ولولي المرأة أن يعقد عليها
برضاها بدون توكيل منها له.
1 - عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ لِرَجُلٍ: «أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَكَ فُلاَنَةَ؟»
قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «أَتَرْضَيْنَ أَنْ أُزَوِّجَكِ
فُلاَناً؟» قَالَتْ: نَعَمْ. فَزَوَّجَ أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ، فَدَخَلَ
بهَا الرَّجُلُ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقاً وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئاً
وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الحُدَيْبيَةَ، وَكَانَ مَنْ شَهِدَ الحُدَيْبيَةَ
لَهُ سَهْمٌ بخَيْبَرَ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَوَّجَنِي فُلاَنَةَ وَلَمْ أَفْرِضْ لَهَا
صَدَاقاً وَلَمْ أُعْطِهَا شَيْئاً، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي
أَعْطَيْتُهَا مِنْ صَدَاقِهَا سَهْمِي بخَيْبَرَ فَأَخَذتْ سَهْماً
فَبَاعَتْهُ بمِائَةِ أَلْفٍ. أخرجه أبو داود وابن حبان (1).
2 - وَعَنْ أُمِّ حَبيبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ
ابْنِ جَحْشٍ فَهَلَكَ عَنْهَا وَكَانَ فِيمَنْ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ
الحَبَشَةِ فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- وَهِيَ عِنْدَهُمْ. أخرجه أبو داود (2).
- خطبة عقد النكاح:
1 - يستحب للعاقد أن يخطب بين يدي عقد النكاح بخطبة الحاجة، ثم يعقد بين
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2117) وهذا لفظه، وأخرجه ابن حبان برقم
(4060).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2086).
(4/53)
الزوجين برضاهما بالإيجاب والقبول، ثم يشهد
على ذلك رجلين.
وخطبة الحاجة في النكاح وغيره هي:
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أُوتِيَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَوَامِعَ الخَيْرِ وَخَوَاتِمَهُ
أَوْ قَالَ: فَوَاتِحَ الخَيْرِ فَعَلَّمَنَا خُطْبَةَ الصَّلاَةِ
وَخُطْبَةَ الحَاجَةِ، خُطْبَةُ الصَّلاَةِ: «التَّحِيَّاتُ للهِ
وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبيُّ
وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ
اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ». وَخُطْبَةُ الحَاجَةِ: «إِنِ
الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ
وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ». ثمَّ تَصِلُ خُطْبَتَكَ بثلاَثِ
آيَاتٍ مِنْ كِتَاب اللهِ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}،
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا
وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
ثم يقول: «أمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ
الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ
مُحْدَثةٍ بدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي
النَّارِ». أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه (1).
2 - يصح عقد الزواج من غير خطبة؛ لأن الخطبة مستحبة غير واجبة.
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (218) , والنسائي برقم (1578)، وابن ماجه
برقم (1892) , وأصله في مسلم برقم (867)، (868).
(4/54)
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- فَقالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ لَكَ مِنْ نَفْسِي.
فَقال رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا، قال: «قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ
مِنَ القُرْآنِ». متفق عليه (1).
- حكم الإشهاد على عقد النكاح:
يسن الإشهاد على عقد النكاح بشاهدين عدلين مكلفين، وإذا كان النكاح معلَناً
مشهوداً عليه من اثنين فهذا كماله، وإن كان معلَناً بدون شاهدين، أو
مشهوداً عليه بدون إعلان فهو صحيح.
لكن الشهادة على عقد الزواج أفضل؛ لأنه عقد من العقود العظيمة، ولأن
بالشهادة على الزواج التمييز بين الحلال والحرام، والتوثق لأمر الزواج،
والاحتياط لإثباته عند الحاجة إليه، ولدفع الظِّنَّة والتهمة عن الزوجين
بالشهود والإعلان.
- حكم الزواج بلا قَسْم:
يجوز للرجل أن يتزوج امرأة ويشترط عليها أن يأتيها متى شاء، فإذا رضيت بذلك
فله نكاحها؛ لأن القَسْم حق لها، وقد رضيت بإسقاطه، ويسمى عرفاً زواج
المسيار.
- حكم التهنئة بالنكاح:
يسن الدعاء للمتزوجين بعد عقد النكاح بما ورد في السنة، ومنه:
1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- رَأى عَلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أثَرَ صُفْرَةٍ، قال: «مَا
هَذَا؟». قال: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ
ذَهَبٍ،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2310) , واللفظ له، ومسلم برقم (1425).
(4/55)
قال: «بَارَكَ اللهُ لَكَ، أوْلِمْ وَلَوْ
بِشَاةٍ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهْا قَالتْ: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم -، فَأتَتْنِي أُمِّي فَأدْخَلَتْنِي الدَّارَ،
فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأنْصَارِ فِي البَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الخَيْرِ
وَالبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ. متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى
الله عليه وسلم - كَانَ إِذا رَفَّأَ الإنْسَانَ إِذا تَزَوَّجَ قَالَ:
«بَارَكَ اللهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ».
أخرجه أبو داود والترمذي (3).
- حكم التهاني في المناسبات:
الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز، فلا يحرم منها
ولا يكره إلا ما نهى عنه الله ورسوله، أو تضمن مفسدة.
وبناء على هذا الأصل فتجوز جميع التهاني التي اعتادها الناس وتعارفوا عليها
في المناسبات إن لم يقصدوا التعبد بها.
- الآثار المترتبة على عقد النكاح:
إذا تم عقد الزواج بأركانه وشروطه ترتب عليه ما يلي:
1 - حِلّ استمتاع كل من الزوجين بالآخر ما لم يمنع منه مانع شرعي.
2 - حِلّ الوطء في القبل لا في الدبر.
قال الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى
شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا
أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)} [البقرة:223].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5155) , واللفظ له، ومسلم برقم (1427).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5156) , واللفظ له، ومسلم برقم (1426).
(3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2130) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم
(1091).
(4/56)
3 - حِلّ الوطء في حال الطهر لا في حال
الحيض والنفاس والإحرام.
قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى
فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى
يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ
اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ
(222)} [البقرة:222].
4 - حِلّ النظر إلى الزوجة، ولمس سائر بدنها، والاستمتاع بها في أي وقت.
5 - ملك الزوج حبس الزوجة وعدم الخروج إلا بإذنه.
6 - وجوب المهر المسمى على الزوج للزوجة.
7 - وجوب النفقة على الزوج بتأمين الطعام واللباس والسكن.
قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ
يُسْرًا (7)} [الطلاق:7].
8 - ثبوت حرمة المصاهرة بين الزوجين والأقارب.
9 - ثبوت نسب الأولاد من الزوج.
10 - ثبوت حق الإرث بين الزوجين.
11 - وجوب العدل بين الزوجات عند التعدد.
(4/57)
8 - نكاح الكفار
- حكم نكاح الكفار:
حرم الله عز وجل على المسلم أن ينكح مشركة، كما حرم على المشرك أن ينكح
مسلمة؛ لأن الزواج لا يربط بين قلبين ليست عقيدتهما واحدة.
والله الذي كرم الإنسان، ورفعه على الحيوان، يريد لهذه الصلة ألا تكون
ميلاً حيوانياً، ولا اندفاعاً شهوانياً؛ إنما يريد أن يرفعها حتى يصلها
بالله في علاه، وتقوم عبودية الله من خلالها.
إن الزواج نسب في الله، وهو أعلى الأنساب، ولا ينبغي للأعلى أن يكون مثل
الأدنى، أو يكون تحته.
قال الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ
وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا
تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ
مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ
وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ
وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}
[البقرة:221].
- حكم أنكحة الكفار:
نكاح الكفار من أهل الكتاب وغيرهم حكمه كنكاح المسلمين فيما يجب به من مهر
ونفقة ونحو ذلك، وتحرم عليهم من النساء من تحرم علينا، وإذا ترافعوا إلينا
حكمنا عليهم بما أنزل الله علينا.
والكفار يقرّون على أنكحتهم الفاسدة بشرطين:
أن يعتقدوا صحتها في دينهم .. وأن لا يترافعوا إلينا.
(4/58)
- حكم النكاح إذا أسلم أحد الزوجين:
1 - إذا أسلم الزوج: فإن كان ممن يجوز له البقاء مع امرأته أقررنا النكاح
كزوج كتابية، ولو وقع النكاح بدون ولي.
وإن كان لا يجوز له الاستمرار لم يُقرّ عليه، ووجب التفريق بينهما، كما لو
أسلم وتحته ذات رحم مُحرَّم كالأخت، أو تحته أختان، أو في عصمته أكثر من
أربع نساء، وكل ما سوى ذلك لا يُلتفت إليه.
وإذا أسلم أحد الزوجين الكافرين بعد الدخول فالنكاح موقوف:
فإذا أسلم الزوج، فإن كان تحته كتابية فالنكاح باق، وإن كان تحته كافرة غير
كتابية فإن أسلمت فهي زوجته، وإن لم تسلم وجب عليه فراقها.
وإن أسلمت الزوجة، وانقضت عدتها، ولم يسلم زوجها، فلها أن تنكح زوجاً غيره.
وإن شاءت انتظرت إسلامه، فإن أسلم كانت زوجته من غير تجديد عقد نكاح ولا
دفع مهر، ولا تمكِّنه من نفسها حتى يسلم.
وإذا أسلم الزوجان معاً، أو أسلم زوج كتابية، بقيا على نكاحهما.
وإن أسلم زوج غيركتابية قبل الدخول بطل النكاح؛ لأن المسلم لا يجوز أن ينكح
كافرة.
وإذا أسلمت المرأة الكافرة قبل دخول الكافر بها بطل النكاح؛ لأن المسلمة لا
تحل لكافر.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ
الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ
بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ
إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ
وَآتُوهُمْ مَا
(4/59)
أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ
تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا
بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا
أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ (10)} [الممتحنة:10].
- حكم النكاح إذا ارتد أحد الزوجين:
إذا ارتد الزوجان أو أحدهما عن الإسلام قبل الدخول بطل النكاح.
وإن حصلت الردة بعد الدخول وقف الأمر على انقضاء العدة:
فإن تاب فيها من ارتد منهما فعلى نكاحهما، وإن لم يتب انفسخ النكاح بعد
انقضاء العدة، وتُحسب العدة منذ بداية الردة، والمرتد كافر بخروجه عن
الإسلام إلى الكفر.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ
كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)}
[البقرة:217].
- حكم الكافر إذا أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة:
إذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع نسوة فله حالتان:
إن أسلمن أو كن كتابيات اختار منهن أربعاً وفارق الباقي.
وإن لم يسلمن فارقهن بعد انقضاء العدة؛ لأن الكافرة محرمة على المسلم.
- حكم من أسلم وتحته امرأة محرَّمة:
إذا أسلم الكافر وتحته أختان اختار منهما واحدة، وإن جمع بين المرأة وعمتها
أو خالتها اختار واحدة منهما، وهكذا الحكم في كل محرمة عليه بسبب النسب، أو
الرضاع، أو المصاهرة كابنته، أو أخته من الرضاع، أو أم زوجته.
(4/60)
- صفة عقد نكاح الكفار:
إذا جاءنا الكفار قبل عقد النكاح بينهم عقدناه على حكمنا بإيجاب، وقبول،
وولي، وشاهدي عدل منا، وإن جاؤا بعد عقد النكاح بينهم:
فإن كانت المرأة خالية من موانع النكاح أقررناهم عليه، وإن كان بالمرأة
مانع من موانع النكاح فرقنا بينهما.
- حكم صداق الكافرة:
إن كانت المرأة الكافرة قد سمي لها مهر وقبضته استقر، صحيحاً كان المهر أو
فاسداً كخمر وخنزير ونحوهما، وإن كانت لم تقبضه: فإن كان صحيحاً أخذته، وإن
كان فاسداً أو لم يفرض لها مهر، فلها مهر المثل صحيحاً.
- الأنكحة التي هدمها الإسلام:
1 - نكاح الاستبضاع: وهو أن يقول الرجل لامرأته أرسلي إلى فلان فاستبضعي
منه، ويعتزلها حتى يتبين حملها من غيره، وكانوا يفعلونه رغبة في نجابة
الولد.
2 - نكاح البغايا: وهو أن تنصب المرأة على بابها راية تكون علماً على أنها
زانية، فمن أرادها دخل عليها، فإذا حملت ووضعت جُمع لها من زنا بها ودَعَوا
لهم القافة فألحقوا الولد بالذي يرون، ثم دعي ابنه.
3 - نكاح الخِدْن: وهو أن تتخذ المرأة خِدْناً يطؤها في السر.
4 - نكاح الرهط: وهو أن يجتمع رهط من الرجال على المرأة فيدخلون عليها
وكلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت أرسلت إليهم وألحقته بمن شاءت منهم، فيدعى
ابنه.
(4/61)
فلما بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم
- هدم نكاح الجاهلية كله إلا ما وافق الإسلام فأقره وأبطل ما سواه.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ
يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل
عمران:85].
2 - وَعَنْ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا
أخْبَرَتْهُ: أنَّ النِّكَاحَ فِي الجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أرْبَعَةِ
أنْحَاءٍ، فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ. أخرجه البخاري
(1).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (5127).
(4/62)
9 - الصداق
- الصداق: هو ما تستحقه الزوجة على زوجها بالنكاح من مال ونحوه.
وله أسماء عشرة هي:
صداق، وصدقة، ونِحْلة، وأجر، وفريضة، ومهر، وطَوْل، ونكاح، وحباء، وعقر.
- حكمة مشروعية الصداق:
رفع الإسلام مكانة المرأة وأكرمها وأعطاها حقها في التملك وحسن المعاشرة،
وفرض لها المهر إذا تزوجت، وجعل المهر حقاً للمرأة على الرجل الذي تزوجها،
يكرمها به؛ جبراً لخاطرها، وإشعاراً بقدرها، وعوضاً عن الاستمتاع بها، يطيب
نفسها، ويرضيها بقوامة الرجل عليها، ويبرهن على حسن نية زوجها، ويُشْعِر
بقدرها وعزتها.
قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ
اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}
[النساء:34].
- حكم الصداق:
الصداق حق واجب للزوجة على زوجها بما استحل من فرجها.
وهو ملك لها لا يحل لأحد أن يأخذ منه شيئاً إلا إذا طابت المرأة نفساً بهذا
الأخذ.
ولأبيها خاصة أن يأخذ من صداقها مالا يضرها وما لا تحتاج إليه ولو لم تأذن.
(4/63)
1 - قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ
صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا
فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)} [النساء:4].
2 - وقال الله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ
بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
(24)} [النساء:24].
3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ
يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ
بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا
مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء:25].
4 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ
زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ
شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ
تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ
مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)} [النساء:20 - 21].
5 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - رَأى عَلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أثَرَ
صُفْرَةٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟». قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي
تَزَوَّجْتُ امْرَأةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قال: «فَبَارَكَ
اللهُ لَكَ، أوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». متفق عليه (1).
- مقدار الصداق:
كل ما جاز أن يكون ثمناً أو أجرة جاز أن يكون صداقاً، قَلّ أو كثر.
ويسن تخفيف مهر الزوجة، وتيسير صداقها، وخير الصداق أيسره؛ لأن كثرة
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5155) , ومسلم برقم (1427) , واللفظ
له.
(4/64)
الصداق يثقل كاهل الزوج، ويسبب بغض الزوج
لزوجته.
ولا حد لأقل المهر ولا لأكثره.
ويحرم إذا بلغ حد الإسراف، أو قصد به المباهاة، أو أثقل كاهل الزوج بالديون
والمسألة، أو كان محرماً كمسروق أو خمر ونحوهما.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ
زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ
شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20)} [النساء:20].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأةً
مِنَ الأنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ
نَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ فَإِنَّ فِي عُيُونِ الأنْصَارِ شَيْئاً». قال: قَدْ
نَظَرْتُ إِلَيْهَا، قال: «عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا؟». قال: عَلَى
أرْبَعِ أوَاقٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَى
أرْبَعِ أوَاقٍ؟ كَأنَّمَا تَنْحِتُونَ الفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا
الجَبَلِ، مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ، وَلَكِنْ عَسَى أنْ نَبْعَثَكَ فِي
بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ». أخرجه مسلم (1).
3 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَتِ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ
وَهَبَتْ نَفْسَهَا للهِ وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ:
«مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ». فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا،
قَالَ: «أَعْطِهَا ثَوْباً». قَالَ: لاَ أَجِدُ، قَالَ: «أَعْطِهَا وَلَوْ
خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ». فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ: «مَا مَعَكَ مِنَ
القُرْآنِ». قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا
مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ». متفق عليه (2).
4 - وَعَنْ أبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: سَألْتُ
عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: كَمْ كَانَ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1424).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5029) , واللفظ له، ومسلم برقم (1425).
(4/65)
صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -؟ قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لأزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ
أُوقِيَّةً وَنَشّاً، قَالَتْ: أتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قال: قُلْتُ: لا،
قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَهَذَا
صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأزْوَاجِهِ. أخرجه مسلم
(1).
- صداق أزواج وبنات النبي - صلى الله عليه وسلم -:
كانت مهور أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة درهم.
وتعادل اليوم (140) ريالاً سعودياً تقريباً.
وكانت مهور بناته - صلى الله عليه وسلم - أربعمائة درهم تقريباً.
وهي تعادل اليوم (110) ريالات سعودية تقريباً.
ولنا في رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، مع مراعاة اختلاف
الأماكن والأزمان، وتغير قيمة السلع والأثمان.
- أنواع الصداق:
كل ما صح أن يكون ثمناً صح أن يكون مهراً وإن قَلّ.
والمهر نوعان:
1 - المهر المسمى: وهو ما سمي في العقد أو بعده بالتراضي.
2 - مهر المثل: وهو مهر امرأة تماثل الزوجة وقت العقد بمن يساويها من
أقاربها.
وتكون المماثلة في الصفات المرغوبة عادة وهي:
الجمال والمال، والسن والعقل، والدين والأدب، والبكر والثيب، والنسب والحسب
ونحو ذلك مما يختلف بسببه الصداق.
ويجوز أن يكون الصداق نقداً، أو عيناً، أو منفعة دينية أو دنيوية.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1426).
(4/66)
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ
اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا
فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا
مُبِينًا (20)} [النساء:20].
2 - وقال الله تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى
ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ
أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ
سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)} [القصص:27].
3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - رَأى عَلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أثَرَ صُفْرَةٍ، قَالَ:
«مَا هَذَا؟». قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأةً عَلَى
وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: «بَارَكَ اللهُ لَكَ، أوْلِمْ وَلَوْ
بِشَاةٍ». متفق عليه (1).
4 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَتِ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ
وَهَبَتْ نَفْسَهَا للهِ وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ:
«مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ». فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا،
قَالَ: «أَعْطِهَا ثَوْباً». قَالَ: لاَ أَجِدُ، قَالَ: «أَعْطِهَا وَلَوْ
خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ». فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ: «مَا مَعَكَ مِنَ
القُرْآنِ». قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا
مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ». متفق عليه (2).
5 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - أعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا.
متفق عليه (3).
- أحوال وجوب المهر المسمى:
يجب المهر المسمى كله فيما يلي:
1 - إذا حصل الدخول بالزوجة في نكاح صحيح أو فاسد.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5155) , واللفظ له، ومسلم برقم (1427).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5029) , واللفظ له، ومسلم برقم (1425).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5086) , واللفظ له، ومسلم برقم (1365).
(4/67)
2 - إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بغَيْرِ إِذنِ مَوَالِيهَا
فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثلاَث مَرَّاتٍ، فَإِنْ دَخَلَ بهَا فَالمَهْرُ لَهَا
بمَا أَصَابَ مِنْهَا فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ
وَلِيَّ لَهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (1).
- أحوال وجوب مهر المثل:
يجب مهر المثل كله فيما يلي:
1 - إذا عقد الرجل على زوجته ولم يسم لها مهراً.
2 - إذا تزوج امرأة على أن لا مهر لها فيجب لها مهر المثل بالدخول أو الموت
قبله.
3 - إذا عقد عليها وسمى لها مهراً محرماً، أو مجهولاً، أو غير مقدور على
تسليمه، أو غير مال كميتة، فيجب لها مهر المثل بالدخول أو الموت قبله.
4 - المكرهة على الزنا.
5 - الموطوءة بنكاح باطل كالخامسة، والمعتدة، والموطوءة بشبهة.
6 - إذا توفي الزوج بعد العقد وقبل الدخول، ولم يفرض للمرأة صداقاً، فلها
مثل صداق نسائها، وعليه العدة، ولها الميراث.
- وجوب نصف المهر:
يجب على الزوج نصف المهر إذا طلق زوجته قبل الدخول بها، وكان قد فرض لها
صداقاً.
وإن طلقها قبل الدخول، ولم يفرض لها صداقاً، فلا مهر لها، لكن تجب
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2083) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم
(1102).
(4/68)
عليه المتعة للمرأة حسب يُسْر الزوج
وعُسْره.
قال الله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا
لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ
عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا
بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ
لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ
يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ
لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)} [البقرة:236 - 237].
- الأحوال التي يسقط فيها المهر:
يسقط المهر كله فيما يلي:
1 - إذا أبرأت المرأة زوجها من دفع المهر، أو وهبته له.
2 - إذا كانت الفرقة قبل الدخول من قِبَل المرأة، كأن ارتدت عن الإسلام، أو
فسخت العقد لإعساره، أو عيبه.
3 - إذا فسخ الزوج العقد قبل الدخول بسبب عيب في الزوجة.
4 - إذا قتلت المرأة زوجها عمداً بجناية عليه.
- حكم الزيادة أو النقص من المهر:
1 - إذا زاد الزوج شيئاً على المهر المسمى بعد العقد، وتراضى الطرفان،
فحكمها حكم أصل المهر، فتَلزم بالدخول أو الموت عن الزوجة.
قال الله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا
بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ
بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)}
(4/69)
[النساء:24].
2 - يجوز للمرأة العفو عن المهر كله أو الحط منه لزوجها بعد تمام العقد،
سواء كان بلفظ الإبراء، أو الهبة، أو الصدقة، ولا يجوز لغيرها إسقاط المهر
أو العفو عن بعضه إلا برضاها وإجازتها.
- تأكد المهر:
يجب المهر المسمى أو مهر المثل بنفس العقد.
ويتأكد وجوب المهر في العقد الصحيح بما يلي:
1 - الموت أو الدخول بالزوجة.
2 - موت أحد الزوجين قبل الدخول.
3 - طلاق الزوج زوجته قبل الدخول في مرض الموت.
- شروط الصداق:
يشترط في الصداق ثلاثة شروط:
1 - أن يكون مما يجوز تملكه وبيعه من نقد وعين ونحوهما.
2 - أن يكون الصداق معلوماً.
3 - أن يسلم من الغرر بأن يكون مقدوراً على تسليمه.
- وقت دفع الصداق:
يستحب دفع الصداق عند العقد.
ويجوز تأجيل المهر كله أو بعضه، ويجوز تعجيل بعض المهر وتأجيل بعضه
إلى أجل قريب أو بعيد، إذا كان الأجل معلوماً، والمؤجل معلوماً.
(4/70)
وإذا لم يتفق على تعجيل المهر أو تأجيله
عمل بحسب عرف البلد، وإذا لم يكن هناك عرف دفع الزوج المهر حالاً؛ لأن
الأصل أن المهر يجب بتمام العقد، لأن المهر أثر من آثاره، وإذا عجز الزوج
عن دفع معجل المهر فللزوجة الحق في طلب فسخ الزواج قبل الدخول أو بعده.
- قابض المهر:
المرأة الرشيدة هي التي تقبض مهرها، وتتصرف فيه، فإن كانت غير رشيدة قبض
وليها المهر بالنيابة عنها.
ويجوز لولي الزوجة قبض مهرها عنها برضاها.
وللمرأة منع نفسها من زوجها قبل الدخول حتى تقبض مهرها المعجل، وليس لها
الحق في المنع بالنسبة للمؤجل.
ويجب المهر للمرأة بالعقد، ويستقر كاملاً بالدخول بها.
- حكم التصرف في المهر:
المهر حق خالص للزوجة، ولا يجوز لأحد أن يتصرف فيه إلا بإذنها ورضاها؛ لأن
المهر ملكها، فتتصرف فيه بما شاءت ببيع، أو شراء، أو هبة ونحو ذلك.
ويجوز للمرأة الرشيدة أن تهب زوجها جميع الصداق الذي تقرر به النكاح؛ لأنها
ملكته، وتقرر بالوطء، سواء قبضته منه أم لم تقبضه.
قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ
طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا
(4)} [النساء:4].
(4/71)
- ضمان المهر:
ضمان المهر إذا هلك يكون على من بيده المهر، فإن هلك قبل القبض ضمنه الزوج،
وإن هلك بعد القبض ضمنته الزوجة، وإن هلك في يد الزوج بآفة سماوية ضمن
الزوج مثله أو قيمته، وإن هلك بفعل الزوجة وهو في يد زوجها، أو بآفة سماوية
بعد القبض، أصبحت مستوفية له بهذا الهلاك.
وإن هلك بفعل أجنبي ضمنه لها، وإن أخذت المرأة الصداق فوجدته معيباً فهي
بالخيار:
إن شاءت أمسكته وأخذت من الزوج أرش النقص، وإن شاءت ردته وأخذت قيمته يوم
العقد، وإن شاءت أخذت مثله سليماً.
- حكم الاختلاف في المهر:
الاختلاف في المهر إما أن يكون في تسميته، أو في مقداره، أو في جنسه، أو في
صفته، أو في قبضه، والحكم في ذلك كما يلي:
1 - إذا اختلف الزوجان في تسمية المهر ولم تكن بينة لأحدهما، فالقول قول
الزوج بيمينه؛ لأنه يدعي ما يوافق الأصل، وللزوجة مهر المثل بالدخول أو
الموت، فإن طلق ولم يدخل بها فلها المتعة فقط.
2 - إن اختلفا في مقدار المهر المسمى، أو جنسه، أو صفته، بعد العقد، ولا
بينة لأحدهما، فالقول قول من يدعي مهر المثل منهما.
فإن ادعت الزوجة أكثر من مهر المثل فالقول قول الزوج بيمينه، وإن ادعى
الزوج أقل من مهر المثل فالقول قول الزوجة مع يمينها.
3 - إن اختلفا في قبض المهر ولم تكن بينة لأحدهما فالقول قول الزوجة مع
(4/72)
يمينها؛ لأن الأصل عدم القبض، وبقاء المهر.
- صداق المعسر:
كل ما صح أن يكون ثمناً صح أن يكون مهراً وإن قل.
وإذا كان الزوج فقيراً أو معسراً جاز له أن يجعل صداق المرأة منفعة كتعليم
قرآن، أو علم، أو كتابة، أو خدمة كرعي غنم، أو بناء دار ونحو ذلك من
المنافع المباحة شرعاً.
1 - قال الله تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى
ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ
أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ
سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)} [القصص:27].
2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَتِ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ
وَهَبَتْ نَفْسَهَا للهِ وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ:
«مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ». فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا،
قَالَ: «أَعْطِهَا ثَوْباً». قَالَ: لاَ أَجِدُ، قَالَ: «أَعْطِهَا وَلَوْ
خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ». فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ: «مَا مَعَكَ مِنَ
القُرْآنِ». قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا
مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ». متفق عليه (1).
- الملزم بالجَهاز:
الجَهاز: هو أثاث بيت الزوجية من فُرُش، وأواني ونحوهما.
والجهاز واجب على الزوج كما تجب عليه النفقة.
والمهر المدفوع ليس للجَهاز، وإنما هو عطاء ونِحْلة للمرأة المتزوجة في
مقابل حِلّ الاستمتاع بها، فهو حق للزوجة على زوجها.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5029) , واللفظ له، ومسلم برقم (1425).
(4/73)
وإن دفع الزوج مقداراً من المال زائداً على
المهر للجهاز أعدت منه الزوجة بيت الزوجية من أثاث وما يلزم لها عادة.
1 - قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ
وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ
أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق:6]. 2 - وقال الله
تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ
رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)}
[الطلاق:7].
(4/74)
10 - وليمة العرس
- وليمة العرس: هي الطعام بمناسبة الزواج.
- حكمة مشروعية الوليمة:
شرع الإسلام وليمة العرس إعلاناً للنكاح في البلد، وابتهاجاً بمناسبة
الزواج، فرحة للزوجين، وسروراً للأهل والأقارب، وتكريماً لمن حضر ودعا
للزوجين بالخير والبركة.
- حكم وليمة العرس:
تجب وليمة العرس على الزوج، وتسن بشاة أو أكثر، حسب اليسر والعسر، وحال
الزوج، وقدر المدعوين.
1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - رَأى عَلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أثَرَ
صُفْرَةٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟». قال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي
تَزَوَّجْتُ امْرَأةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: «فَبَارَكَ
اللهُ لَكَ، أوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا أوْلَمَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ،
أوْلَمَ بِشَاةٍ. متفق عليه (2).
- وقت الوليمة:
وقت عمل الوليمة واسع، فيجوز عمل وليمة العرس عند العقد أو بعده، أو عند
الدخول أو بعده، حسب أعراف الناس وعاداتهم.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5155) , ومسلم برقم (1427) , واللفظ
له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5168) , واللفظ له، ومسلم برقم (1428).
(4/75)
ويجوز عمل الوليمة ليلاً أو نهاراً، حسب
عرف الناس وعادتهم.
- أنواع طعام الوليمة:
لا حد للوليمة من جهة القلة والكثرة، فيرجع في ذلك إلى العرف، وحال الزوج،
وعدد المدعويين.
وما يقدم في الوليمة من الطعام راجع إلى العرف، وكثرة الناس وقلتهم، ما لم
يصل إلى حد الإسراف والمباهاة فيحرم.
1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - بَيْنَ خَيْبَرَ وَالمَدِينَةِ ثَلاثاً يُبْنَى عَلَيْهِ
بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ.
متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا أوْلَمَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم - عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ،
أوْلَمَ بِشَاةٍ. متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - أعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا،
وَأوْلَمَ عَلَيْهَا بِحَيْسٍ. متفق عليه (3).
4 - وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ:
أوْلَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ
بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ. أخرجه البخاري (4).
- من يشارك في عمل الوليمة:
وليمة العرس تجب على الزوج شكراً لربه، وإعلاناً للنكاح، وتكريماً لمن حضر.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5085) , واللفظ له، ومسلم برقم (1365).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5168) , واللفظ له، ومسلم برقم (1428).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5169) , واللفظ له، ومسلم برقم (1365).
(4) أخرجه البخاري برقم (5172).
(4/76)
ويستحب أن يشارك أهل الفضل والسعة من
الأقارب في إعداد وليمة العرس.
1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ
بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،
عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «أوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ
فِي مَقْسَمِهِ، وَجَعَلُوا يَمْدَحُونَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -، قَالَ: وَيَقُولُونَ: مَا رَأيْنَا فِي السَّبْيِ
مِثْلَهَا، قال: فَبَعَثَ إِلَى دِحْيَةَ فَأعْطَاهُ بِهَا مَا أرَادَ،
ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّي فَقَالَ: «أصْلِحِيهَا». قال: ثُمَّ خَرَجَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا
جَعَلَهَا فِي ظَهْرِهِ نَزَلَ، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهَا القُبَّةَ،
فَلَمَّا أصْبَحَ قال: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ
عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَأْتِنَا بِهِ». قال: فَجَعَلَ الرَّجُلُ
يَجِيءُ بِفَضْلِ التَّمْرِ وَفَضْلِ السَّوِيقِ، حَتَّى جَعَلُوا مِنْ
ذَلِكَ سَوَاداً حَيْساً، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ الحَيْسِ،
وَيَشْرَبُونَ مِنْ حِيَاضٍ إِلَى جَنْبِهِمْ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ، قال:
فَقَالَ أنَسٌ: فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - عَلَيْهَا. متفق عليه (2).
- من يدعى للوليمة:
يسن أن يدعو الزوج إلى وليمة العرس الأهل، والأقارب، والصالحين -فقراء
كانوا أم أغنياء- رجالاً ونساءً وصبياناً، ولا يجوز أن يخص بالدعوة
الأغنياء دون الفقراء.
1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهْما أنَّ رَسُولَ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5155) , ومسلم برقم (1427) , واللفظ
له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (371)، ومسلم برقم (88) (1365) كتاب
النكاح, واللفظ له.
(4/77)
إِلَى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا». متفق
عليه (1).
2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: أبْصَرَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءً وَصِبْيَاناً مُقْبِلِينَ مِنْ
عُرْسٍ، فَقَامَ مُمتَنّاً فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أنْتُمْ مِنْ أحَبِّ
النَّاسِ إِلَيَّ». متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ:
بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهِ الأغْنِيَاءُ
وَيُتْرَكُ المَسَاكِينُ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى
اللهَ وَرَسُولَهُ. متفق عليه (3).
- حكم الإسراف في الوليمة:
السنة أن تقام ولية العرس بأي طعام مباح.
ويحرم الإسراف في طعام الوليمة وغيره، وليس من الإسراف كثرة الطعام لكثرة
من حضر الوليمة.
قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
(31)} [الأعراف:31].
- حكم إجابة دعوة العرس:
إجابة الدعوة إلى وليمة العرس واجبة على من دعي إليها؛ لما فيه من إظهار
الاهتمام بالمتزوج، وإدخال السرور عليه، وتطييب نفسه بإجابة دعوته.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنه أنَّهُ كَانَ يَقُولُ: شَرُّ
الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا الأغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ
الفُقَرَاءُ، وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ -
صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (4).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5173) , واللفظ له، ومسلم برقم (1429).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5180) , واللفظ له، ومسلم برقم (2508).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5177) , ومسلم برقم (1432) , واللفظ
له.
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5177) , واللفظ له، ومسلم برقم (1432).
(4/78)
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ
اللهُ عَنهْما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا
دُعِيَ أحَدُكُمْ إِلَى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا». متفق عليه (1).
- شروط إجابة الدعوة:
يشترط لإجابة دعوة العرس ما يلي:
أن يكون الداعي مسلماً .. وأن يكون ممن لا يجب هجره أو يسن .. وأن لا يكون
في مكان الدعوة منكر لا يمكن إزالته .. وأن لا يكون كسب الداعي محرماً
لعينه كالخمر والخنزير .. وأن لا تتضمن الدعوة إسقاط واجب أو ما هو أوجب
منها .. وأن يخصه بالدعوة برسالة أو بطاقة أو مكالمة .. وأن لا يمنع المجيب
مانع من مرض أو عمل ونحوهما .. وأن لا تتضمن الدعوة ضرراً أو تكليفاً كسفر
ونفقة ونحوهما.
- حكم حضور الوليمة التي فيها منكر:
من دعي إلى وليمة العرس، وعلم أن في الوليمة منكراً يقدر على تغييره، حضر
وغيَّره، وإن لم يقدر فلا يلزمه الحضور، والمنكر كالإسراف في الطعام،
والغناء، والتصوير، والتبرج، والاختلاط، والخمور ونحو ذلك من المحرمات.
ومن حضر ثم علم بالمنكر أزاله، فإن لم يقدر على إزالته انصرف.
وإن علم بالمنكر، ولم يره، ولم يسمعه فالأَوْلى له الانصراف؛ ليحمي نفسه من
الإثم والعقوبة.
1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5173) , واللفظ له، ومسلم برقم (1429).
(4/79)
غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ
الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ (68)} [الأنعام:68].
2 - وَعَنْ أبِي عَامِرٍ -أوْ أبُو مَالِكٍ- الأشْعَرِيّ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ قَالَ: وَاللهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه
وسلم - يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ
الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ». أخرجه البخاري معلقاً (1).
- حكم الأكل من طعام الوليمة:
إجابة الدعوة واجبة، أما الأكل فليس بواجب.
ويستحب الأكل من طعام الوليمة لكل من حضر.
ومن دعي إلى الوليمة وهو صائم، إن كان صومه واجباً حضر ودعا وانصرف، وإن
كان صومه تطوعاً فيستحب له أن يفطر جبراً لقلب من دعاه، وإدخالاً للسرور
عليه.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ
صَائِماً فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِراً فَلْيَطْعَمْ». أخرجه مسلم
(2).
- ما يقوله بعد الأكل من الوليمة:
يستحب لمن أجاب الدعوة، وحضر الوليمة، أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ من الأكل
بما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنه:
1 - «اللَّهمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ، وَاغْفِرْ لَهُمْ
وَارْحَمْهُمْ». أخرجه مسلم (3).
2 - «اللَّهمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي، وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي».
أخرجه مسلم (4).
_________
(1) صحيح/ أخرجه البخاري معلقاً برقم (5590) , واللفظ له، ووصله ابن حبان
برقم (6719).
(2) أخرجه مسلم برقم (1431).
(3) أخرجه مسلم برقم (2042).
(4) أخرجه مسلم برقم (2055).
(4/80)
3 - «أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ
وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلاَئِكَةُ».
أخرجه أبو داود وابن ماجه (1).
- حكم إعلان النكاح:
يسن إعلان النكاح وضرب الجواري عليه بالدف والغناء المباح الذي ليس فيه وصف
الجمال والمفاتن، وذكر الفجور ونحو ذلك.
والسبب في إعلان النكاح ليخرج بذلك عن نكاح السر المنهي عنه، وإظهاراً
للفرح بما أحل الله من الطيبات، وإشهاراً له بين الخاص والعام، والقريب
والبعيد.
والإعلان يكون بما جرت به العادة، بشرط ألا يصحبه محظور نهى الإسلام عنه
كشرب الخمر، أو اختلاط الرجال بالنساء، أو التبرج، أو التصوير، أو العزف
بآلات الغناء والطرب، أو الغناء بالفجور والميوعة وفحش القول.
1 - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الحَلاَلِ وَالحَرَامِ
الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ». أخرجه الترمذي والنسائي (2).
2 - وَعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ:
دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ،
فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ
بِالدُّفِّ، يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ،
حَتَّى قالتْ جَارِيَةٌ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقال:
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - «لا تَقُولِي هَكَذَا، وَقُولِي مَا
كُنْتِ تَقُولِينَ». أخرجه
البخاري (3).
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3854) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم
(1747).
(2) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1088) , وأخرجه النسائي برقم (3369) , وهذا
لفظه.
(3) أخرجه البخاري برقم (4001).
(4/81)
3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا
أنَّهَا زَفَّتِ امْرَأةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَائِشَةُ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟
فَإِنَّ الأنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ». أخرجه البخاري (1).
- حكم اختلاط الرجال بالنساء في حفل الزواج:
لا يجوز اختلاط الرجال بالنساء في حفلات الزواج وغيرها؛ لما في ذلك من
الفتنة لهم ولهن بالرؤية والكلام، وإطلاق البصر فيما حرم الله.
ولا يجوز دخول الزوج على زوجته بين النساء السافرات وغيرهن؛ لما فيه من
عظيم الفتنة، والتشبه بالكفار، والشماتة والحسد، ولا يجوز خدمة الغلمان
والكبار للنساء في حفلات الزواج وغيرها، ولا تجوز خدمة النساء المتبرجات
للرجال كذلك؛ لما في ذلك من حصول الفتنة والوقوع في الحرام.
- حكم الغناء في حفلات الزواج:
يباح غناء الجواري في العرس، والضرب بالدف، إعلاناً للنكاح، وترويحاً
للنفوس باللهو البريء بشرط خلوه من المجون وفحش القول، وكونه بين النساء لا
بين الرجال.
ولا يجوز الغناء الذي يصف مفاتن النساء وشعورهن، ويشتمل على الفجور
والخلاعة والميوعة.
ويحرم استعمال آلات اللهو كعود ومزمار وموسيقى في الزواج وغيره.
ويحرم استئجار مغنيين ومغنيات للغناء في حفل الزواج وغيره.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (5162).
(4/82)
ويحرم التبرج والرقص مع التثني والتكسر
الذي يحرك الغرائز والشهوات بين النساء، فإن كان بحضرة الرجال مع النساء
فهو أشد حرمة وعقوبة؛ لما فيه من عظيم الفتنة، وتجاوز حدود الله.
عَنْ أبِي عَامِرٍ -أوْ أبُو مَالِكٍ- الأشْعَرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قالَ: وَاللهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ
وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ». أخرجه البخاري معلقاً وأبو داود
(1).
- حكم التصوير في حفل الزواج وغيره:
1 - يحرم التصوير لكل ذي روح، وهو من الكبائر.
وتحرم صور ذوات الأرواح كلها، مجسمة أو غير مجسمة، لها ظل أو لا ظل لها،
يدوية أو فوتغرافية، ملوَّنة أو غير ملوَّنة.
ويحرم تعليق صورة كل ذي روح على الجدران وغيرها.
ولا يجوز من التصوير إلا ما كان لضرورة كمجال الطب، وإثبات الشخصية،
والتعرف على المجرمين ونحو ذلك فيجوز للحاجة.
2 - يحرم تصوير حفل الزفاف رجالاً أو نساءً أو كلاهما، وأشد منه وأقبح
تصويره بالفيديو أو الجوال، وأقبح منه وأشد خطراً وضرراً بيعه في الأسواق،
وعرضه على الناس.
ومن أباح تصوير ذوات الأرواح، وحَسَّن ذلك للناس فعليه وزره ووزر من
عمل به إلى يوم القيامة، وقد ظهرت عواقبه الوخيمة، وآثاره السيئة في عصرنا
هذا.
_________
(1) صحيح/ أخرجه البخاري معلقاً برقم (5590) , واللفظ له، ووصله أبو داود
برقم (4039).
(4/83)
- أحكام المصورين:
المصورون أقسام:
من صور الصورة لتُعبد -وهو صانع الأصنام- فهذا كافر، وهو أشد الناس عذاباً.
ومن صور الصورة وقصد مضاهاة خلق الله فهذا كافر، وله من العذاب أشده.
ومن صور الصورة ولم يقصد بها أن تُعبد ولا المضاهاة؛ فهذا فاسق لا يكفر،
لكنه صاحب ذنب كبير.
1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ
قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ
كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ
بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)} [النحل:24 - 25].
2 - وَعَنْ عَبْداللهِ بْن عُمَرَ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ
الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أحْيُوا مَا
خَلَقْتُمْ». متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلّ مُصَوّرٍ فِي النّارِ،
يَجْعَلُ لَهُ بِكُلّ صُورَةٍ صَوّرَهَا نَفْساً فَتُعَذّبُهُ فِي
جَهَنّمَ». متفق عليه (2).
4 - وَعَنْ عَبْدَاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ أشَدَّ النَّاسِ
عَذَاباً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ». متفق عليه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5951) , واللفظ له، ومسلم برقم (2108).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2225) , ومسلم برقم (2110)، واللفظ له.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5950) , واللفظ له، ومسلم برقم (2109).
(4/84)
- ما يفعله الرجل إذا رأى امرأة فأعجبته:
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- رَأى امْرَأةً، فَأتَى امْرَأتَهُ زَيْنَبَ، وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً
لَهَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أصْحَابِهِ فَقَالَ: «إِنَّ
المَرْأةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ
شَيْطَانٍ، فَإِذَا أبْصَرَ أحَدُكُمُ امْرَأةً فَلْيَأْتِ أهْلَهُ،
فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ». أخرجه مسلم (1).
- حكم خدمة العروس للمدعوين:
يحسن بأقارب الزوج والزوجة خدمة المدعوين، والاحتفاء بهم، وإكرامهم بالقول
والفعل.
ويجوز أن تقوم العروس بخدمة المدعويين إذا كانت متسترة، وأُمنت الفتنة، إذا
لم يوجد من يخدم سواها.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: دَعَا أبُو أُسَيْدٍ
السَّاعِدِيُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي عُرْسِهِ،
وَكَانَتِ امْرَأتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ، وَهِيَ العَرُوسُ، قال
سَهْلٌ: تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟
أنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا أكَلَ سَقَتْهُ
إِيَّاهُ. متفق عليه (2).
- حكم نعت الزوجة امرأة لزوجها:
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِي اللهُ عَنهُ قال: قال النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم -: «لا تُبَاشِرُ المَرْأةُ
المَرْأةَ، فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا». أخرجه
البخاري (3).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1403).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5176) , واللفظ له، ومسلم برقم (2006).
(3) أخرجه البخاري برقم (5240).
(4/85)
11 - زينة النساء
والرجال
- الزينة: هي كل ما يتزين به الإنسان مما يُكسب جمالاً وحُسناً.
- حكم الزينة:
رغّب الإسلام في الزينة للرجال والنساء لما فيها من زيادة الحسن والجمال
الذي يحبه الله، واهتم الإسلام بزينة المرأة وحسن لباسها وَزِيِّها أكثر من
اهتمامه بزينة الرجل ولباسه؛ لأن الزينة أمر أساسي للمرأة، فإن الله قد
فطرها على حب الظهور بالزينة والجمال، ومن أجل هذا أباح الإسلام للمرأة من
الزينة أكثر مما أبيح للرجل؛ لأن الزينة تلبية لنداء الأنوثة، وإدخال
السرور على الزوج، وحسنها وجمالها يزيد من رغبة الزوج بها ومحبته لها.
1 - قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ
لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ
نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)} [الأعراف:32].
2 - وقال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ
لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ
خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)}
[الأعراف:26].
3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ
فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ». قال رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ
يُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قال: «إنَّ
اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ». أخرجه مسلم (1).
4 - وَعَنْ أَبي الأَحْوَصِ عَنْ أَبيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبيَّ - صلى
الله عليه وسلم - فِي ثوْبٍ دُونٍ فَقَالَ: «أَلَكَ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (91).
(4/86)
مَالٌ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «مِنْ أَيِّ
المَالِ؟» قَالَ: قَدْ آتَانِي اللهُ مِنَ الإبلِ وَالغَنَمِ وَالخَيْلِ
وَالرَّقِيقِ. قَالَ: «فَإِذا آتَاكَ اللهُ مَالاً فَلْيُرَ أَثرُ نِعْمَةِ
اللهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ». أخرجه أبو داود والنسائي (1).
- أقسام الزينة:
تنقسم الزينة إلى ثلاثة أقسام:
الأولى: الزينة الخُلقية: وهي الصفات المحمودة التي أمر بها الإسلام،
وأعلاها صفة الإيمان التي هي منبع أحسن الصفات كالتقوى، والصبر، والحلم،
والكرم، والشجاعة ونحوها.
الثانية: الزينة الخارجية: وهي كل ما يُدْرَك بالبصر، سواء كان في الإنسان
كحسن الوجه، وجمال البشرة، واعتدال القامة، وسعة العيون ونحو ذلك، أو كان
حول الإنسان كالسماء وما فيها من الشمس والقمر والنجوم، وكالأرض وما فيها
من الحيوان والنبات والجبال ونحو ذلك.
الثالثة: الزينة المكتسبة: وهي كل زينة خارجة عن الجسم المزين بها كاللباس
والكحل والطيب والخضاب ونحو ذلك.
ومن كملت له هذه الزينات الثلاث فقد كمل حسنه وجماله.
قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا
يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ
مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} [الأعراف:26].
- حكم استعمال المرأة للزينة:
تنقسم الزينة من حيث استعمال النساء لها إلى ثلاثة أقسام:
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4063) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم
(5224).
(4/87)
الأولى: الزينة المباحة: وهي كل زينة
أباحها الشرع للنساء مما فيه جمال وعدم ضرر كألوان الثياب، والحرير،
والحلي، والطيب، ووسائل التجميل المباحة ونحو ذلك.
الثانية: الزينة المستحبة: وهي كل زينة رغّب فيها الشرع وحث عليها ومن ذلك
ما ورد في سنن الفطرة.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «الفِطْرَةُ خَمْسٌ -أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ-
الخِتَانُ وَالاِسْتِحْدَادُ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الإِبْطِ
وَقَصُّ الشَّارِبِ». متفق عليه (1).
الثالثة: الزينة المحرمة: وهي كل ما حرمه الشرع وحذر منه، مما تعتبره
النساء زينة، سواء نص الشرع على تحريمه كالنمص، والوشم، ووشر الأسنان، ووصل
الشعر، أو كان عن طريق التشبه بالكفار، أو التشبه بالرجال.
ففاعل المحرم يستحق العقاب، ومن تركه امتثالاً فهو مثاب، وفاعل المستحب
مثاب، وفاعل المباح لا يثاب ولا يعاقب.
فإن كان المباح وسيلة فحكمه حكم ما كان وسيلة إليه.
فالطيب مثلاً مباح، لكن إن كان وسيلة لإدخال السرور على الزوج صار مستحباً.
وإن كان وسيلة لقصد فتنة الرجال الأجانب فهو محرم.
- أنواع الزينة المباحة للمرأة:
يباح للنساء من الزينة ما يلي:
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5889) واللفظ له، ومسلم برقم (257).
(4/88)
الأول: اللباس: وهو نعمة عظيمة يستر جسد
الإنسان، ويحفظه من الأذى، إلى جانب ما فيه من الجمال والزينة.
ويجوز لبس كل لباس لكن بشروطه الشرعية.
1 - قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا
يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ
مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} [الأعراف:26].
2 - وَعَنْ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «حُرِّمَ لِبَاسُ الحَرِيرِ وَالذهَب
عَلَى ذكُورِ أُمَّتِي وَأُحِلَّ لإنَاثهِمْ». أخرجه الترمذي والنسائي (1).
الثاني: الحلي: فيباح للمرأة أن تلبس من الحلي ما شاءت بلا إسراف ولا
مباهاة.
سواء كان من الذهب، أو الفضة، أو اللؤلؤ، أو الألماس ونحو ذلك، وسواء كان
في الرقبة، أو اليد، أو الأصابع، أو الرأس، أو الأرجل؛ لأن الحلي زينة
للمرأة يزيدها حسناً وجمالاً، لكن لا يجوز كشفه للأجانب.
قال الله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي
الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)} [الزُّخرُف:18].
الثالث: الطيب: فيباح للمرأة أن تتطيب بما شاءت من أنواع العطور، سواء في
بدنها أو لباسها، وهي مأجورة على حسن تجملها وطيبها لزوجها.
ويحرم على المرأة مس الطيب إذا أرادت الخروج من بيتها لأماكن الرجال
كالمساجد والأسواق؛ لأن ذلك يحرك شهوة الرجال، ويلفت أنظارهم.
1 - عَنْ زَيْنَبَ امْرَأةِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَتْ:
قال لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا
شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ المَسْجِدَ فَلا تَمَسَّ طِيباً». أخرجه مسلم (2).
_________
(1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1720) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم
(5265).
(2) أخرجه مسلم برقم (443).
(4/89)
2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ قَالَ: لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَجَدَ مِنْهَا رِيحَ الطِّيب يَنْفَحُ
وَلِذيْلِهَا إِعْصَارٌ فَقَالَ: يَا أَمَةَ الجَبَّارِ جِئْتِ مِنَ
المَسْجِدِ. قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: وَلَهُ تَطَيَّبْتِ. قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ حِبي أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ: «لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ لاِمْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِهَذا المَسْجِدِ
حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنَ الجَنَابَةِ». أخرجه أبو داود
وابن ماجه (1).
3 - وَعَنْ أَبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ وَالمَرْأَةُ إِذا
اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بالمَجْلِسِ فَهِيَ كَذا وَكَذا يَعْنِي
زَانِيَةً». أخرجه أبو داود والترمذي (2).
الرابع: الكحل: وهو زينة وجمال، والكحل بالإثمد زينة ودواء.
الخامس: الخضاب: وهو جعل الحنا في اليدين والرجلين وهو يكسب المرأة زينةً
وجمالاً.
السادس: تسريح شعر الرأس وتنظيفه والعناية به تجملاً للزوج.
أما صبغ شعر الرأس بالسواد تجملاً للزوج فلا مانع منه، وأما صبغه بالسواد
للتدليس والتغرير من أجل الزواج فهو محرم، وأما صبغ المرأة الشعر الأسود
لتحويله إلى لون آخر كالذهبي والأصفر والأحمر، فهذا عبث بالشعر، ولا ينبغي
لعاقلة أن تفعله، لما فيه من التشويه، والتشبه بالكافرات.
السابع: وسائل التجميل الحديثة: فيباح للمرأة أن تتزين لزوجها بكل ما
يرغِّبه
فيها مما ليس فيه محذور شرعي.
فيباح لها التزين بما ظهر من الأصباغ والمساحيق الحديثة بشروط:
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4174) وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم
(4002).
(2) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (4173)، وأخرجه الترمذي برقم (2786) , وهذا
لفظه.
(4/90)
أن لا يكون فيه ضرر عليها .. أو لا يُظهر
المرأة بصورة مستهجنة بشعة منفرة .. وليس فيه تشبه بالكافرات .. وليس فيه
تغيير الخلقة الأصلية كالعدسات اللاصقة الملونة، والرموش والحواجب الصناعية
ونحو ذلك .. وأن لا تمنع وصول الماء إلى البشرة عند الوضوء أو الغسل .. وأن
لا يكون فيها إسراف ولا تبذير ولا إضاعة للأوقات في شرائها واستعمالها.
وقد أثبت الطب أن في أكثر هذه الأصباغ والمساحيق ضرراً على بشرة المرأة على
المدى الطويل لا سيما الوجه وما فيه.
1 - قال الله تعالى: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ
وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ
فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا
مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)}
[النساء:119].
2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَشَبَّهَ بقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».
أخرجه أحمد وأبو داود (1).
- حكم إبداء المرأة زينتها:
زينة المرأة قسمان:
زينة ظاهرة .. وزينة باطنة.
1 - فالزينة الباطنة: كالقلادة، والخلخال، والسوار، والخاتم والكحل ونحوها.
فهذه لا يجوز إبداؤها وإظهارها للأجانب.
2 - وأما الزينة الظاهرة: فهي ما تتزين به المرأة خارج بدنها كظاهر الثياب
ونحوها مما لا يمكن إخفاؤه.
_________
(1) حسن/ أخرجه أحمد برقم (5114) , وأخرجه أبو داود برقم (4031).
(4/91)
فهذه لا جناح على المرأة إذا ظهر منها بدون
قصد الفتنة.
وقد ذكر الله الزينتين الظاهرة والباطنة، ونهى عن إبداء الزينة الظاهرة
مطلقاً إلا ما ظهر منها كظاهر الثياب، ونهى عن إبداء الزينة الباطنة مطلقاً
إلا لمن استثناهم الله من المحارم.
1 - قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ
وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ
بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} [النور:30].
2 - وقال الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ
أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ
إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى
جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ
آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ
أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ
أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ
الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ
النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ
مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ
الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)} [النور:31].
- عورة المرأة:
العورة: هي ما يجب ستره من جسم الرجل أو المرأة، وما لا يجوز النظر إليه.
وعورة المرأة نوعان:
1 - عورة المرأة بالنسبة للرجال الأجانب، فالمرأة بالنسبة لهؤلاء كلها
عورة،
فيجب عليها ستر جميع بدنها إلا ما ظهر دون قصد كثيابها الظاهرة، أو شيء خرج
من بدنها كيدها أو وجهها دون قصد منها.
1 - قال الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ
أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا
(4/92)
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ
بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ
نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ
أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ
يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ
لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ
جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)}
[النور:31].
2 - وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ
النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ
تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا». قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَاذْهَبْ
فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِى أَعْيُنِ الأَنْصَارِ شَيْئًا». أخرجه
مسلم (1).
2 - عورة المرأة عند محارمها أو النساء.
وعورتها بالنسبة لهؤلاء جميع جسمها ما عدا ما يظهر منها غالباً كالوجه
والرأس، والرقبة والنحر، والكفين والقدمين.
ومحارم المرأة: هم من تحرم عليهم بسبب القرابة كالأب والابن، والأخ والعم
والخال، أو بسبب النكاح كوالد زوجها أو ابنه، أو بسبب الرضاع كأبيها وابنها
وأخيها من الرضاع ونحوهم.
- أقسام اللباس:
اللباس ثلاثة أقسام:
1 - قسم حلال للذكور والإناث: وهو جميع أنواع الملابس التي لم يمنع الشرع
منها.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1424).
(4/93)
2 - وقسم حرام على الذكور والإناث: وهي
الملابس المسروقة والمغصوبة ونحوها، وما فيه تشبه بالكفار، وما فيه تشبه كل
واحد من الرجال والنساء بالآخر، وما فيه شهرة وخيلاء.
3 - وقسم حرام على الذكور دون الإناث، مثل الحرير والذهب والفضة إلا خاتم
الفضة للرجال فهو حلال.
- شروط لباس المرأة:
شروط لباس المرأة تنقسم إلى قسمين:
الأول: شروط التفصيل والخياطة:
1 - أن يكون اللباس ساتراً لجميع البدن، ليستر العورة، ويستر الزينة التي
نهيت المرأة عن إبدائها للرجال الأجانب.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ
وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ
ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَحِيمًا (59)} [الأحزاب:59].
2 - أن يكون اللباس واسعاً مريحاً لحركة أعضاء البدن، فلا يجوز أن تلبس
المرأة اللباس الضيق الذي يصف مفاتن الجسم عند الأجانب والمحارم والنساء.
ويحرم عليها لبس البنطلون؛ لأنه من الثياب الضيقة التي تحدد أجزاء الجسم،
ولما فيه من الفتنة، والتشبه بالرجال، والتشبه بالكافرات، ولما فيه
من الشهرة والخيلاء.
1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النّارِ لَمْ أَرَهُمَا،
قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النّاسَ،
وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ
(4/94)
عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاتٌ،
رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الجَنّةَ،
وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإنّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا
وَكَذَا». أخرجه مسلم (1).
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ
بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. أخرجه
البخاري (2).
3 - أن لا يشبه لباس الرجال في الزي والطول.
فلباس الرجال فوق الكعبين، ولباس النساء أسفل الكعبين ليستر القدمين.
فيحرم على النساء لبس القصير من الثياب سواء كانت كبيرة أو صغيرة.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «مَنْ جَرَّ ثوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ
إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ
يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بذيُولِهِنَّ، قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا».
فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ. قَالَ: «فَيُرْخِينَهُ
ذِرَاعًا لاَ يَزِدْنَ عَلَيْهِ». أخرجه الترمذي والنسائي (3).
4 - أن لا يشبه لباس الكافرات، فمن تشبه بقوم فهو منهم.
عَنْ عَبْداللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:
رَأَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيّ ثَوْبَيْنِ
مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ «إِنّ هََذِهِ مِنْ ثِيَابِ الكُفّارِ، فَلاَ
تَلْبَسْهَا». أخرجه
مسلم (4).
الثاني: ما يجب مراعاته في نوع اللباس:
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2128).
(2) أخرجه البخاري برقم (5885).
(3) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1731) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم
(5336).
(4) أخرجه مسلم برقم (2077).
(4/95)
1 - أن يكون ساتراً، لا شفافاً يصف ما
تحته؛ لأن الشفاف يزيد المرأة جمالاً وزينة وفتنة، ويكشف العورة، وذلك
محرم.
2 - أن يكون جميلاً، لكن لا يكون زينة في نفسه بلفت أنظار الرجال إليها،
ويفتنهم بها.
3 - أن يكون لباساً محتشماً، فلا تلبس ثياب شهرة ترفع بسببها الأبصار
إليها، وتفتن الناس بها.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ لَبسَ ثوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا
أَلْبَسَهُ اللهُ ثوْبَ مَذلَّةٍ يَوْمَ القِيَامَةِ ثمَّ أَلْهَبَ فِيهِ
نَاراً». أخرجه أبو داود وابن ماجه (1).
- صفة لباس المرأة في الصلاة:
يجب على المرأة إذا أرادت الصلاة أن تصلي بقميص يستر بدنها .. وخمار يستر
رأسها .. وجلباب تلتحف به من فوق القميص.
ووجه المرأة ليس بعورة في الصلاة فالسنة أن تكشفه أثناء الصلاة، وإن كانت
تصلي بحضرة رجال أجانب فتغطيه.
أما الكفان والقدمان فليسا بعورة، فلا يلزم سترهما في الصلاة إلا بحضرة
الأجانب.
- حكم قص شعر المرأة:
قص شعر رأس المرأة له صور:
الأولى: أن يكون القص فاحشاً: وهذا تفعله المتشبهات من النساء بالرجال
فتبدو
_________
(1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (4029) , وأخرجه ابن ماجه برقم (3607) وهذا
لفظه.
(4/96)
كأنها رجل، وهذا القص محرم، ومن فعله فهو
ملعون.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ،
وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. أخرجه البخاري (1).
الثانية: قص المشابهة المحرَّم: وهو أن تقص المسلمة شعرها تشبهاً بالنساء
الكافرات.
وهذا القص محرم؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم.
الثالثة: تخفيف الشعر: وهو أن يكثر ويحصل منه أذية أو مشقة عند غسله أو
تسريحه، فتخفف منه للحاجة.
فهذا الأصل عدم تغيير الخلقة، وقد خلق الله الشعر للمرأة جمالاً لها، فلا
يحل الأخذ منه إلا في النسك، وعند حصول الضرر أو الأذى، فيزال منه بقدر
الحاجة، ويبقى ما سوى ذلك على المنع؛ لأنه خروج عن سنن الفطرة.
وأمهات المؤمنين قصصن شعورهن كالوفرة بعد موت رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - من باب التقشف؛ لأنه لا رغبة لهن في الزواج، ولا يحل لهن ذلك.
1 - عَنْ أبِي سَلَمَةَ قال: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أنَا وَأخُوهَا مِنَ
الرَّضَاعَةِ، فَسَألَهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
مِنَ الجَنَابَةِ؟ فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرِ الصَّاعِ، فَاغْتَسَلَتْ،
وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ، وَأفْرَغَتْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلاثاً،
قَالَ: وَكَانَ أزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذْنَ
مِنْ رؤُوسِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كَالوَفْرَةِ. أخرجه مسلم (2).
2 - وَعَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ
بْنَ أبِي سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ عَلَى المِنْبَرِ، فَتَنَاوَلَ قُصَّةً
مِنْ شَعَرٍ، وَكَانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيٍّ، فَقالَ: يَا أهْلَ
المَدِينَةِ،
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (5885).
(2) أخرجه مسلم برقم (320).
(4/97)
أيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ النَّبِيَّ
- صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ، وَيَقُولُ: «إِنَّمَا
هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ». متفق عليه
(1).
- حكم لبس الشعر المستعار:
يحرم على المرأة حلق شعر رأسها كله، ويحرم عليها قصه تشبهاً بالرجال، أو
النساء الكافرات، ولها قص بعضه عند الحاجة بإذن زوجها، وتركه أزين وأجمل.
ولبس المرأة (الباروكة) وهي الشعر المستعار محرم.
فإن كانت المرأة قرعاء فلا حرج في لبسها تجملاً للزوج بإذنه، وعمليات
التجميل إن كانت لإزالة عيوب في الشعر فتباح.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ جَارِيَةً مِنَ الأنْصَارِ
تَزَوَّجَتْ، وَأنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شَعَرُهَا، فَأرَادُوا أنْ
يَصِلُوهَا، فَسَألُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «لَعَنَ
اللهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ». متفق عليه (2).
- حكم إزالة شعر الجسد:
لا يجوز لأحد أن يغير خلق الله في الإنسان أو يزيله إذا كان معتاداً على
الخلقة الأصلية من شعر وغيره.
1 - ما نبت على جسد المرأة غير شعر الرأس يجوز للمرأة إزالته كشعر اليدين
والرجلين والساقين والظهر والصدر والوجه، فهذا إذا وُجِد يزال بما لا ضرر
فيه على بشرة المرأة، لا سيما إذا كان كثيفاً يؤثر على زينة المرأة
وجمالها، وكمال الاستمتاع بها. ونتف شعر الحاجب محرم، وهو من الكبائر.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3468) , واللفظ له، ومسلم برقم (2127).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5934) , واللفظ له، ومسلم برقم (2123).
(4/98)
عنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قالَ: لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ،
وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ تَعَالَى.
مَالِي لا ألْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِيّ ُ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ
فِي كِتَابِ اللهِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ
عَنْهُ فَانْتَهُوا}. متفق عليه (1).
2 - إذا ظهر في وجه المرأة شعر فيستحب لها إزالته تزيناً لزوجها؛ لأن الله
خلق وجه المرأة بلا شعر، فيعتبر عيباً، وإزالة العيوب جائز شرعاً.
3 - يجوز للرجل إزالة شعر جسده من الظهر والصدر والساق إذا زاد عن العادة،
ولم يضر البدن، ولم يقصد التشبه بالنساء، وناله منه أذى.
- حكم لبس الكعب العالي:
يجوز للمرأة لبس ما شاءت من الحذاء والنعال والخفاف والجوارب.
ولا ينبغي للمرأة لبس الأحذية ذات الكعب العالي؛ لما يلي:
ما في لبسها من الزور والكذب، والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، ولما
فيه من التشبه بالكافرات، ولما فيها من الكبر والعجب، ولما فيها من التبرج
المشين، ولما فيها من الخطر والضرر على الجسم والأرحام بسبب عدم اعتدال
الجسم أثناء المشي.
- حكم صوت المرأة:
صوت المرأة ليس بعورة، لكنه فتنة.
ولهذا أُمرت النساء بالتصفيق عند السهو في الصلاة؛ لأن في صوتها فتنة،
فتخاطب الرجال بقدر الحاجة بكلام مختصر جزل، لا خضوع فيه ولا هزل،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5931) , واللفظ له، ومسلم برقم (2125).
(4/99)
لئلا يحصل بسبب صوتها فتنة الرجال الأجانب،
ويفعل الرجال كذلك عند مخاطبة النساء.
قال الله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ
النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ
الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)}
[الأحزاب:32].
- حكم الإسراف في الزينة:
الإسراف: صرف المال في المباح زائداً على ما ينبغي، والتبذير: صرف المال
فيما لا ينبغي كالمحرمات، والاعتدال: في كل شيء محمود، والإسراف في كل شيء
مذموم.
وإسراف النساء في اللباس والزينة فتنة وبلاء.
فقد تُفتن المرأة في دينها بالزينة .. وقد يتسلط عليها من لا خير فيه ..
وقد تُفسد بلباسها غيرها من نساء المسلمين .. وقد تجرهن إلى الاقتداء بها
وصرف الأموال في الإكثار من الملابس .. وقد يستشرفها الشيطان لتتطاول
بلباسها على من سواها .. ثم يجرها إلى ما هو أعظم ليراها الرجال بهذا
اللباس الفاضح .. فتحصل لها ولهم الفتنة .. وتفسد البيوت.
وربما فتنت فتنة تشقى بها الأبد فتخسر الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ
فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)} [النور:19].
- الزينة المحرمة:
شرع الإسلام للمرأة التجمل والتزين لزوجها بكل ما أباحه الله تعالى من
طِيب، ولباس، وحلي ونحو ذلك.
ورخص للمرأة في مجال الزينة أكثر مما رخص للرجل؛ تلبية لفطرتها
(4/100)
وأنوثتها، وحرصاً على دوام المحبة وحسن
العشرة بين الزوجين.
وحرم الإسلام كل زينة فيها تغيير لخلق الله، وخروج عن الفطرة، وكل ما فيه
تدليس وإيهام كالوشم، والنمص، ووصل الشعر، وتفليج الأسنان، وجراحة التجميل
من غير حاجة ونحو ذلك مما فيه تغيير لخلق الله كالعدسات الملونة، والأصباغ
للشعور بالأحمر أو الأصفر أو الأزرق، لما فيه من الفتنة والتشبه بالكافرات،
والسفور والتعري والاختلاط بالرجال الأجانب.
ويحرم على المرأة لبس الكعب العالي؛ لأنه من التبرج الذي نهى الله عنه،
وتُمنع المرأة من النقاب والبرقع الذي يظهر زينتها؛ لأن ذلك ذريعة إلى
التوسع فيما لا يجوز وقد حصل.
ولا يجوز للمرأة لبس البنطلون ولو كانت أمام النساء، لأنه يبين تفاصيل
البدن، ولما فيه من التشبه بالرجال والكافرات، ولا يجوز للمرأة صبغ الأظافر
بما يمنع وصول الماء عند الوضوء والغسل كالمناكير ونحوها مما يمنع أو يضر،
ويجوز بالحنا ونحوه مما لا يمنع وصول الماء.
وتحرم كل زينة فيها إسراف واختيال وعجب.
ولا يجوز لها نتف الحواجب، وإطالة الأظفار ونحو ذلك.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم -، أوْ قال أبُو القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -:
«بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ، تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجِّلٌ
جُمَّتَهُ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ،
فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَعَنَ اللهُ
الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ
لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ، مَا لِي لا ألْعَنُ مَنْ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5789) , واللفظ له، ومسلم برقم (2088).
(4/101)
لَعَنَ رَسُولُ اللهِ، وَهُوَ فِي كِتَابِ
اللهِ؟. متفق عليه (1).
- حكم التبرج:
التبرج: هو خروج المرأة عن الحشمة، وإظهار مفاتها، وإبراز محاسنها، لتفتن
الرجال بها، ليقع الجميع فيما حرم الله.
والتبرج يكون في اللباس والزينة، وهو محرم لما فيه من عظيم الفتنة.
فأعز ما تملكه المرأة الشرف والحياء والعفاف، والمحافظة على هذه الصفات
محافظة على إنسانية المرأة في أسمى صورها.
وخروج المرأة عن الاحتشام إلى التبرج والتبذل مثير للغريزة الجنسية، ومطلق
لها من عنانها، يسهل الوقوع فيما حرم الله.
من أجل هذا عني الإسلام عناية خاصىة بملابس المرأة وزينتها، وأمرها بغض
البصر، وعدم إبداء الزينة ولو كانت عجوزاً أو صغيرة أو امرأة صالحة.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ
وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ
جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ
اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} [الأحزاب:59].
2 - وقال الله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا
يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ
أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ
يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)}
[النور:60].
3 - وقال الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ
أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ
إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى
جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5943) , واللفظ له، ومسلم برقم (2125).
(4/102)
زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ
آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ
أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31].
4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
الله - صلى الله عليه وسلم -: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النّارِ لَمْ
أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ
بِهَا النّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاتٌ،
رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الجَنّةَ،
وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإنّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا
وَكَذَا». أخرجه مسلم (1).
5 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - رَأى امْرَأةً، فَأتَى امْرَأتَهُ زَيْنَبَ، وَهِيَ تَمْعَسُ
مَنِيئَةً لَهَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أصْحَابِهِ
فَقَالَ: «إِنَّ المَرْأةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي
صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا أبْصَرَ أحَدُكُمُ امْرَأةً فَلْيَأْتِ
أهْلَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ». أخرجه مسلم (2).
- أسباب التبرج:
وقعت كثير من نساء المسلمين ضحية للتبرج بسبب الجهل والتقليد الأعمى، وضعف
الإيمان، ثم جاء الأعداء من الكفار والمنافقين فنفخوا فيه وأوصلوه إلى
غايته ومداه، فأصبح من المألوف والمعتاد أن يرى المسلم
المرأة المسلمة في الأسواق والجامعات وغيرها متبذلة، متبرجة، خارجة في
زينتها، كاشفة عن محاسنها، متزينة متعطرة، لابسة الملابس القصيرة الشفافة
الفاتنة التي تغري الرجال بها، وأصبحت المرأة تفتخر بحضور مسابقات الجمال،
وترتاد أماكن الفجور والفسق تعرض نفسها وجسمها أمام سفلة
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2128).
(2) أخرجه مسلم برقم (1403).
(4/103)
الناس، وشارك الإعلام وتجار الأزياء في
التغرير بالمرأة حتى وصلت إلى هذا المستوى الحيواني الرخيص.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ
وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} [البروج:10].
2 - وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضيَ اللهُ عَنهْما عَنِ النَّبِيِّ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرَّ عَلَى
الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ». متفق عليه (1).
- صفة التبرج:
التبرج: هو كل ما تفعله المرأة لفتنة الرجال بها بإبداء زينتها .. وكشف
جمال وجهها .. وإبراز مفاتن جسدها .. ومحاسن ملابسها وحليها .. وحلاوة
كلامها .. وحسن صوتها .. وتبخترها وتمايلها في مشيتها.
فهذا وأمثاله من التبرج الذي نهى الله عنه، وحذر النساء منه بقوله سبحانه:
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ
الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ
أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب:33].
- نتائج التبرج:
أدى تبرج النساء إلى انحلال الأخلاق، وتدمير الآداب، وزوال العفاف
والاحتشام، فظهرت الفتن، وكثر الفسق، وانتشر الزنا، وانهدم كيان الأسرة،
وأُهملت الواجبات الدينية، وكُسِرت القيم الأخلاقية، وتُركت العناية
بالأطفال، وشب الأولاد والبنات على حب الصور، والغناء، والتمثيل،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5096) , واللفظ له، ومسلم برقم (2740).
(4/104)
والميوعة، والإباحية، والاختلاط، واللهو
واللعب.
واشتدت أزمة الزواج، وأصبح الحرام أيسر حصولاً من الحلال.
- علاج مأساة التبرج:
لعلاج هذا الهبوط المشين للمرأة المسلمة لابد مما يلي:
تقوية الإيمان بالله في النفوس .. والإشادة بالفضيلة والحشمة والتستر ..
وشَغْل الأوقات بطلب العلم .. وتذكير الناس باليوم الآخر .. وصفة نعيم
الجنة .. وعذاب النار .. ومعرفة سعة رحمة الله .. وعظمة قدرته وبطشه بمن
عصاه.
إلى جانب حماية الأخلاق والآداب بمنع الإعلام من نشر الصور الرخيصة التي
تثير الغرائز، ومنع مسابقات الجمال والرقص الفاجر، وتصميم اللباس المحتشم،
وترغيب النساء فيه، وتحقير ملابس العري، ومظاهر الفسق، وألوان التبرج.
تبدأ المرأة بنفسها، ثم تدعو غيرها، وبمرور الزمن يصلح الله الأحوال.
1 - قال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ
قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا
كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ
فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)} [الحديد:16].
2 - وقال الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)}
[الحديد:17].
- حكم مصافحة المرأة الأجنبية:
المرأة الأجنبية: هي من ليست زوجة ولا محرماً للرجل.
(4/105)
المَحْرم: من يحرم على الرجل نكاحها على
التأبيد إما بالقرابة أو الرضاع أو المصاهرة.
1 - لا يجوز لرجل أن يصافح امرأة أجنبية عنه، وأشد منه أن يقبِّلها، وأشد
منه أن يخلو بها في غرفة أو سيارة، سواء كان شاباً أو شيخاً كبيراً، وسواء
كانت المرأة شابة أو عجوزاً، وسواء كانت المصافحة بحائل أو بغير حائل.
عَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتَ رُقَيْقَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: بَايَعْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نِسْوَةٍ؛ فَلَقَّنَنَا فِيمَا
اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ. قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا
مِنْ أَنْفُسِنَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَايِعْنَا؟ قَالَ: «إِنِّي
لاَ أُصَافِحُ النِّسَاءَ». أخرجه أحمد والنسائي (1).
2 - يجوز لأب الزوج وابن الزوج أن يصافحوا زوجته.
ولا يجوز لأخ الزوج، أو عمه، أو خاله، أو ابن عمه، أو ابن خاله وغيرهم من
الأقارب أن يصافحوا زوجته، أو يروا وجهها؛ لأن هؤلاء أجانب عنها، وليسوا
بمحارم لها.
- حكم سفر المرأة بلا محرم:
يحرم على المرأة أن تخلو بأجنبي بلا محرم.
ويحرم عليها أن تسافر بلا محرم، سواء كانت في سيارة، أو قطار، أو طائرة،
أو سفينة، وسواء كانت ماشية أو راكبة، وسواء كانت كبيرة أو صغيرة.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم -: «لا تُسَافِرِ المَرْأةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلا
يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ». فَقال رَجُلٌ: يَا
رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أرِيدُ أنْ أخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا،
وَامْرَأتِي تُرِيدُ الحَجَّ؟ فَقالَ:
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (27006) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم
(4181).
(4/106)
«اخْرُجْ مَعَهَا». متفق عليه (1).
- صفة الحجاب الشرعي:
الحجاب الشرعي: هو أن تحجب المرأة كل ما يفتن الرجال بنظرهم إليه كالوجه،
والكفين، والشعر، والعنق، والساق، والقدم، والذراع ونحو ذلك من مفاصل
البدن.
- شروط الحجاب الشرعي:
يشترط في حجاب المرأة المسلمة ما يلي:
أن يكون لباس وحجاب المرأة ساتراً لجميع بدنها .. وأن يكون ثخيناً لا
يَشِفّ عما تحته .. فضفاضاً غير ضيق .. غير مزين يستدعي أنظار الرجال ..
وغير مطيب يثير غرائز الرجال .. وأن لا يكون لباس شهرة يصرف الأنظار إليه
.. وأن لا يشبه لباس الرجال .. وأن لا يشبه لباس الكافرات .. وأن لا يكون
فيه صلبان ولا تصاوير .. وأن يكون تاماً يغطي رأسها ووجهها وجميع بدنها.
- حكم الحجاب:
شرع الله الحجاب للنساء صيانة لأعراض النساء من الفجار، وحفظاً لهن
وللرجال من الفتنة، والحجاب الشرعي واجب على كل امرأة مسلمة بالغة.
1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ
مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ
وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا
أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ
عَظِيمًا (53)} [الأحزاب:53].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1862) , واللفظ له، ومسلم برقم (1341).
(4/107)
2 - وقال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي
بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى
وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب:33]
3 - وَعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ عَلى عَائِشَةَ
فَشَبَّبَ وقالَ:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ
لُحُومِ الغَوَافِلِ
قَالَتْ: لَسْتَ كَذَاكَ. قُلْتُ: تَدَعِينَ مِثْلَ هَذَا يَدْخُلُ
عَلَيْكِ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ}.
فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ العَمَى، وَقَالَتْ: وَقَدْ كَانَ
يَرُدُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (1).
4 - وَعَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في قصة الإفك ... وفيه: وَكَانَ
صَفْوَانُ بْنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ، قَدْ
عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ فَادَّلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي،
فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي،
وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الحِجَابُ عَلَيَّ،
فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي
بِجِلْبَابِي. متفق عليه (2).
- شروط لبس النقاب:
النقاب: هو ما تغطي به المرأة وجهها مع فتحتين لعينيها، ويسمى البرقع.
ويشترط في لبس النقاب ما يلي:
أن يكون ساتراً للخدين .. وأن لا يكون في العينين كحل .. وأن يكون له حاجة
.. وأن لا يقع فتنة بإبراز العينين .. وأن لا يكون زينة في نفسه .. وأن
يكون النقب بقدر العين.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4756) واللفظ له، ومسلم برقم (2488).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4750) , ومسلم برقم (2770) , واللفظ
له.
(4/108)
- حكم نظر المرأة إلى الأعمى:
يجوز للمرأة كشف وجهها عند الأعمى؛ لأنه لا يتمكن من النظر إليها، ولا
يُخشى من نظره فتنة.
أما نظر المرأة إليه فلا يجوز؛ لأن نظرها إلى الرجال الأجانب ممنوع، سواء
الأعمى أو المبصر؛ لئلا تحصل لها الفتنة به، بل حتى النظر إلى صور النساء
والرجال في الصحف والأفلام يُخاف منه إثارة الشهوة عند الرجل أو المرأة،
وذلك موجب للإثم والفتنة.
عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ زَوْجَهَا
المَخْزُومِيَّ طَلَّقَهَا، فَأبَى أنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ
إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرَتْهُ، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا نَفَقَةَ لَكِ فَانْتَقِلِي،
فَاذْهَبِي إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَكُونِي عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ
رَجُلٌ أعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ». أخرجه مسلم (1).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1480).
(4/109)
12 - آداب الزفاف
- الزفاف: هو زف المرأة لزوجها وخلوته بها.
- حكم تزين المرأة لزوجها:
1 - رغَّب الإسلام الرجال والنساء في الزينة، وهي في حق النساء آكد؛ تلبية
لفطرة المرأة، فكل أنثى مولعة بأن تكون جميلة، وأن تبدو جميلة.
وقد ضبط الإسلام زينة المرأة، وخص بها زوجها ومحارمها وبنات جنسها.
2 - يجب على المرأة ليلة الزفاف وغيرها أن تتزين لزوجها بما يدعوه إلى
الرغبة فيها، وقَصْر نظره عليها، والاستمتاع بها بالنظافة .. والطيب ..
وتسريح الشعر .. ولبس الثياب الجميلة .. ولبس الحلي .. وكحل العيون ..
والحنا .. وإزالة شعر العانة والإبط .. وقص الأظفار، ونظافة الفم والأسنان
.. واستعمال العطور وأدوات الزينة المباحة .. وحسن الخلق .. وحسن التبعل
ونحو ذلك مما يرغبه فيها.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ
الدُّنْيَا المَرْأةُ الصَّالِحَةُ». أخرجه مسلم (1).
- حكم تزين الرجل لزوجته:
الله عز وجل جميل يحب الجمال، وقد أمر الله عز وجل بأخذ الزينة في الجُمَع
والأعياد والمساجد وغيرها.
ويجدر بالرجل أن يكون نظيف البدن والثوب، طيب الرائحة، حَسَن الهيئة،
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1467).
(4/110)
حَسَن الخلق، حَسَن المعاملة، فالزوجة تريد
من زوجها مثل ما يريد منها من التجمل والزينة وحسن الخلق.
1 - قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ
وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}
[البقرة:228].
2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ
بْنَ عَوْفٍ، جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبِهِ
أثَرُ صُفْرَةٍ، فَسَألَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،
فَأخْبَرَهُ أنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأةً مِنَ الأنْصَارِ، قال: «كَمْ سُقْتَ
إِلَيْهَا». قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «أوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: مَا مَسِسْتُ حَرِيراً وَلا
دِيبَاجاً ألْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلا
شَمِمْتُ رِيحاً قَطُّ أوْ عَرْفاً قَطُّ أطْيَبَ مِنْ رِيحِ أوْ عَرْفِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (2).
4 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: لَمْ
يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشاً وَلا مُتَفَحِّشاً،
وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلاقاً». متفق
عليه (3).
- وقت الدخول بالزوجة:
يجوز للرجل أن يدخل على عروسه ليلاً أو نهاراً، وذلك يختلف بحسب عادات
الناس.
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهْا قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم -، فَأتَتْنِي أمِّي فَأدْخَلَتْنِي
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5153) , واللفظ له، ومسلم برقم (1427).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3561) , واللفظ له، ومسلم برقم (2330).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3559) , واللفظ له، ومسلم برقم (2321).
(4/111)
الدَّارَ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلا رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ضُحىً. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - بَيْنَ خَيْبَرَ وَالمَدِينَةِ ثَلاثاً، يُبْنَى عَلَيْهِ
بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ،
فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلا لَحْمٍ، أمَرَ بِالأنْطَاعِ
فَأُلْقِيَ فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالأقِطِ وَالسَّمْنِ، فَكَانَتْ
وَلِيمَتَهُ. متفق عليه (2).
- صفة الخلوة الصحيحة:
الخلوة الصحيحة: هي أن يجتمع الزوجان بعد عقد الزواج في مكان يأمنان فيه من
اطلاع الناس عليهما كدار أو بيت مغلق الباب، أو غرفة نوم.
ويشترط في الخلوة الصحيحة ألا يكون بأحد الزوجين مانع طَبَعي، أو حسي، أو
شرعي، يمنع من الوطء أو الاتصال الجنسي.
والمانع الشرعي: أن يكون هناك ما يُحَرِّم الوطء شرعاً كالحيض والنفاس،
وصوم رمضان، والإحرام بالحج أو العمرة، والاعتكاف ونحو ذلك.
والمانع الحسي: مثل مرض بأحد الزوجين يمنع الوطء.
والمانع الطبعي: ما يمنع النفس بطبيعتها عن الجماع كوجود رجل أو امرأة
معهما.
فكل خلوة وجد فيها مانع من الموانع الثلاثة السابقة فهي فاسدة.
- حكم الخلوة:
1 - الخلوة الصحيحة كالوطء في ثبوت كل المهر .. وثبوت النسب .. ولزوم
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5160) , واللفظ له، ومسلم برقم (1422).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5159) , واللفظ له، ومسلم برقم (1365).
(4/112)
العدة .. وحرمة التزوج بامرأة محرمة إلى
أجل .. أو أربع سواها، حتى تخرج من العدة .. وثبوت الميراث.
2 - لا تكون الخلوة كالوطء في الإحصان، والغسل، وحرمة بنت الزوجة، وتحليل
المطلقة ثلاثاً، ففي هذه الأحوال لا بد من الوطء.
- زفاف المرأة لزوجها:
يحسن بأقارب العروس ومن يحبها أن يشاركن في زفاف المرأة إلى زوجها تطييباً
لقلبها، وإظهاراً للفرح والسرور بزواجها، ويدعون لها بالخير والبركة.
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا زَفَّتِ امْرَأةً إِلَى
رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«يَا عَائِشَةُ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟ فَإِنَّ الأنْصَارَ
يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ». أخرجه البخاري (1).
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهْا قَالتْ: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم -، فَأتَتْنِي أُمِّي فَأدْخَلَتْنِي الدَّارَ،
فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأنْصَارِ فِي البَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الخَيْرِ
وَالبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ. متفق عليه (2).
- حكمة مشروعية الجماع:
شهوة الجماع كشهوة الطعام، كل منهما غريزة مركوزة في كل إنسان، الطعام
لبقاء البدن, والجماع لبقاء النسل.
وقد أكرم الإسلام الرجل والمرأة بالنكاح الشرعي الذي يتم من خلاله قضاء
الوطر، واستمتاع كل من الزوجين بالآخر، ودَفْع الضرر عنهما، وإعفاف كل
منهما.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (5162).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5156) , واللفظ له، ومسلم برقم (1422).
(4/113)
- مقاصد الجماع:
مقاصد الجماع في الإسلام هي:
حفظ النسل .. وتكثير المسلمين .. وإخراج الماء الذي يضر احتباسه .. وقضاء
الوطر، ونيل اللذة، والتمتع بالنعمة.
وهذه الأخيرة تنفرد وتبلغ كمالها في الجنة لكل من دخلها.
- حكم الجماع:
الجماع واجب على الرجل، والتمكين واجب على المرأة، إذا وُجِدت الرغبة،
وانتفى العذر، وحصل الزواج.
وكثرة الجماع وقلته تختلف بحسب الشهوة، والمحبة، والرغبة، وبحسب اختلاف
أحوال الرجال والنساء.
والاعتدال محمود، والمستحب ألا يعطلها متى وجدت الشهوة منهما.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا بَاتَتِ المَرْأةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا،
لَعَنَتْهَا المَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ ثَلاثَةُ
رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،
يَسْألُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا
أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأيْنَ نَحْنُ مِنَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ، قال أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فَإِنِّي أُصَلِّي
اللَّيْلَ أبَداً، وَقَالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ،
وَقَالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أتَزَوَّجُ أبَداً، فَجَاءَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أنْتُمُ الَّذِينَ
قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أمَا وَاللهِ إِنِّي لأخْشَاكُمْ للهِ
وَأتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أصُومُ وَأفْطِرُ،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3237) , ومسلم برقم (1436) , واللفظ
له.
(4/114)
وأُصَلِّي وَأرْقُدُ، وَأتَزَوَّجُ
النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». متفق عليه (1).
- أنفع الجماع:
أنفع الجماع ما حصل بعد الهضم، وعند اعتدال البدن، إذا اشتدت الشهوة، وحصل
الانتشار التام من غير تكلف.
ولا ينبغي أن يستدعي شهوة الجماع ويتكلفها، ويحمل نفسه عليها، وليبادر إليه
إذا هاجت به كثرة المني، واشتد شبقه.
وجماع المرأة المحبوبة للنفس يقلل إضعافه للبدن مع كثرة استفراغه للمني.
وجماع البغيضة يهد البدن، ويوهن القوى مع قلة استفراغه.
وجماع الحائض مضر طبعاً وشرعاً.
وأحسن أشكال الجماع أن يعلو الرجل المرأة مستفرشاً لها بعد الملاعبة
والتقبيل.
وأردأ أشكال الجماع أن تعلوه المرأة أو يجامعها على ظهره، لأن المني في هذه
الحال يتعسر خروجه كله، فربما بقي في العضو منه فيتعفن، وربما سال إلى
الذكر رطوبات تضره من فرج المرأة، ولأن الرحم لا يتمكن من الاشتمال على ماء
الرجل لتخليق الولد، ولما فيه من مخالفة الفطرة التي طبع الله عليها الذكور
والإناث.
- الجماع الضار:
الجماع الضار نوعان:
الأول: جماع ضار شرعاً، ومراتبه في التحريم بعضها أشد من بعض.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5063) , واللفظ له، ومسلم برقم (1406).
(4/115)
فالتحريم العارض أرق من اللازم كتحريم
الجماع حال الإحرام، والصيام، والاعتكاف، وتحريم المظاهر منها قبل التكفير،
وتحريم وطء الحائض ونحو ذلك، ولهذا لا حد في هذا الجماع.
وأما التحريم اللازم فنوعان:
الأول: ما لا سبيل إلى حِلَّه ألبتة كذوات المحارم كالأم والبنت، فهذا من
أضر الجماع، وهو يوجب القتل حداً.
الثاني: ما يمكن أن يكون حلالاً كالأجنبية، فإن كانت متزوجة ففي وطئها
حقان، حق لله، وحق للزوج، فإن كانت مكرهة ففيه ثلاثة حقوق، فإن كان لها
أقارب يلحقهم العار، ففيه أربعة حقوق، فإن كانت ذات مَحْرم منه ففيه خمسة
حقوق، ومضرة هذا النوع بحسب درجاته في التحريم.
الثاني: جماع ضار طبعاً، وهذا الجماع نوعان:
1 - نوع ضار بكيفيته كما تقدم.
2 - نوع ضار بكميته كالإكثار من الجماع، فإنه يضعف البصر وسائر القوى،
ويسقط القوة، ويطفئ الحرارة الغريزية.
- ما يفعله الزوج إذا دخل على زوجته:
1 - يسن للعريس إذا دخل على زوجته أن يسلم عليها، ويلاطفها، ويكلمها، ويضع
يده على مقدَّمة رأسها، ويسمي الله تعالى، ويدعو بالبركة قائلاً:
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا
عَلَيْهِ وَأَعُوذ بكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ
شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (1).
_________
(1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (2160) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم
(2252).
(4/116)
2 - تسن التسمية عند الوطء وقول ما ورد من
الدعاء.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم -: «لَوْ أنَّ أحَدَهُمْ إِذَا أرَادَ أنْ يَأْتِيَ أهْلَهُ
قال: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ
الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا
وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أبَداً». متفق عليه (1).
3 - يجوز للزوج أن يجامع زوجته في قُبلها من أي جهة شاء، مقبلة ومدبرة، من
أمامها أو من خلفها، إذا كان ذلك في الفرج.
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتِ اليَهُودُ تَقُولُ: إِذَا
أتَى الرَّجُلُ امْرَأتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا، كَانَ الوَلَدُ
أحْوَلَ، فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ
أَنَّى شِئْتُمْ} متفق عليه (2).
4 - إذا وطئ الرجل زوجته ثم أراد أن يعود إليها سُن له أن يتوضأ وضوء
الصلاة.
عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أتَى أحَدُكُمْ أهْلَهُ، ثُمَّ
أرَادَ أنْ يَعُودَ، فَلْيَتَوَضَّأْ». أخرجه مسلم (3).
5 - الغسل بين الجماعين أفضل، ويجوز أن يطوف على نسائه بغسل واحد.
عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -
كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ. متفق عليه (4).
6 - يجوز أن يغتسل الزوجان معاً في مكان واحد، ولو رأى منها، ورأت هي منه.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أغْتَسِلُ أنَا
وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6388) , واللفظ له، ومسلم برقم (1434).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4528) , ومسلم برقم (1435) , واللفظ
له.
(3) أخرجه مسلم برقم (308).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (268) , ومسلم برقم (309) , واللفظ له.
(4/117)
تَخْتَلِفُ أيْدِينَا فِيهِ. متفق عليه
(1).
7 - يستحب أن لا ينام الجنب حتى يتوضأ وضوءه للصلاة.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - كَانَ إِذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ، وَهُوَ جُنُبٌ، تَوَضَّأ وُضُوءَهُ
لِلصَّلاةِ، قَبْلَ أنْ يَنَامَ. متفق عليه (2).
8 - الغسل قبل النوم أفضل.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْن أَبِي قَيْس قَالَ: سألتُ عَائِشَةَ عَنْ وِتْرِ
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ الحَدِيثَ. قُلْتُ: كَيْفَ
كَانَ يَصْنَعُ فِي الجَنَابَةِ؟ أكَانَ يَغْتَسِلُ قَبْلَ أنْ يَنَامَ أمْ
يَنَامُ قَبْلَ أنْ يَغْتَسِلَ؟ قَالَتْ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ
يَفْعَلُ، رُبَّمَا اغْتَسَلَ فَنَامَ، وَرُبَّمَا تَوَضَّأ فَنَامَ،
قُلْتُ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعَةً. أخرجه مسلم
(3).
9 - يستحب أن ينوي الزوجان بنكاحهما إعفاف نفسهما، وإحصانها من الوقوع فيما
حرم الله عليهما، ليكتب لهما أجر المباضعة.
عَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ نَاساً مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أيَأتِي أحَدُنَا
شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أجْرٌ، قال: «أرَأيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا
فِي حَرَامٍ أكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا
فِي الحَلالِ كَانَ لَهُ أجْراً». أخرجه مسلم (4).
10 - يستحب للعريس صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه في داره،
ويسلم عليهم، ويدعو لهم، ويدعون له.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (261) , واللفظ له، ومسلم برقم (319).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (286) , ومسلم برقم (305) , واللفظ له.
(3) أخرجه مسلم برقم (307).
(4) أخرجه مسلم برقم (1006).
(4/118)
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
أَوْلَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ بَنَى بِزَيْنَبَ،
فَأَشْبَعَ المُسْلِمِينَ خُبْزاً وَلَحْماً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى
أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ، وَدَعَا لَهُنَّ،
وَسَلَّمْنَ عَلَيْهِ، وَدَعَوْنَ لَهُ، فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ صَبِيحَةَ
بِنَائِهِ. أخرجه النسائي في الكبرى (1).
11 - يحرم على كل من الزوجين نشر أسرار الفراش والوقاع.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ
فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)} [النور: 19].
12 - حسن معاشرة الزوجة، والصبر على ما يصدر منها.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَإِذَا
شَهِدَ أمْراً فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أوْ لِيَسْكُتْ، وَاسْتَوْصُوا
بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أعْوَجَ
شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أعْلاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ
تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً». متفق
عليه (2).
13 - تقبيل الزوجة، وملاطفتها، ومداعبتها، وملاعبتها، وهي كذلك.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَفَلْنَا مَعَ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَةٍ، فَتَعَجَّلْتُ عَلَى
بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي، فَنَخَسَ بَعِيرِي
بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كَأجْوَدِ مَا أنْتَ
رَاءٍ مِنَ الأبِلِ، فَإِذَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ:
«مَا يُعْجِلُكَ». قُلْتُ: كُنْتُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرُسٍ، قال: «أبِكْراً
أمْ ثَيِّباً».
قُلْتُ: ثَيِّباً، قال: «فَهَلا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ». متفق
عليه (3).
_________
(1) صحيح/ أخرجه النسائي في «الكبرى» برقم (6881).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3331) , ومسلم برقم (1468) , واللفظ
له.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5079) , واللفظ له، ومسلم برقم (715).
(4/119)
- حكم إتيان المرأة في الدبر:
1 - يجوز إتيان المرأة في قُبلها من أي جهة شاء ما دام في موضع الحرث وهو
القبل.
قال الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى
شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا
أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)} [البقرة:223].
2 - يحرم إتيان المرأة في دبرها؛ لأنه تنفر منه الفطرة، ويأباه الطبع، لأن
الدبر محل الأذى والقذر، وإذا كان الله حرّم الوطء في الفرج حال الحيض
العارض، فتحريمه في مكان الأذى والقذر اللازم أشد وأعظم، وفِعْل ذلك موجب
للعنة الله، وعلى من فَعَله المسارعة إلى التوبة والاستغفار.
1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29)
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ
غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْعَادُونَ (31)} [المعارج: 29 - 31].
2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي
دُبُرِهَا». أخرجه أحمد وأبو داود (1).
- حكم إتيان الحائض:
يحرم على الزوج أن يطأ زوجته وهي حائض، ومن جامع زوجته وهي حائض فعليه
المبادرة إلى التوبة والاستغفار، لارتكابه ما حرم الله.
ويجوز للزوج أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض ويباشرها.
فإذا انقطع الدم عنها، وطهرت من حيضها، جاز لزوجها أن يجامعها بعد أن تغسل
موضع الدم منها، أو تتوضأ، أو تغتسل، أيّ ذلك فَعَلَتْ جاز له إتيانها،
_________
(1) حسن/ أخرجه أحمد برقم (9733) , وأخرجه أبو داود برقم (2162) , وهذا
لفظه.
(4/120)
والغسل أفضل وأحوط.
1 - قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى
فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى
يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ
اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ
(222)} [البقرة:222].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَتْ إحْدَانَا
إذَا كَانَتْ حَائِضاً، فَأرَادَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ
يُبَاشِرَهَا، أمَرَهَا أنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ
يُبَاشِرُهَا. قَالَتْ: وَأيُّكُمْ يَمْلِكُ إرْبَهُ، كَمَا كَانَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَمْلِكُ إرْبَهُ. متفق عليه (1).
- حكم العزل:
يجوز للزوج أن يعزل ماءه عند الجماع عن الزوجة.
وترك العزل أولى؛ لما فيه من تفويت لذة المرأة، وتفويت كثرة النسل وهو
مقصود من النكاح.
1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَنْهَنَا. متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذُكِرَ
العَزْلُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «وَلِمَ
يَفْعَلُ ذَلِكَ أحَدُكُمْ؟ فَإِنَّهُ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلا
اللهُ خَالِقُهَا». أخرجه مسلم (3).
3 - وَعَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أُخْتِ
عُكَّاشَةَ، قَالَتْ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي
أُنَاسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أنْ أنْهَى عَنِ الغِيلَةِ،
فَنَظَرْتُ فِي
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (302) , واللفظ له، ومسلم برقم (293).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5209) , ومسلم برقم (1440).
(3) أخرجه مسلم برقم (1437).
(4/121)
الرُّومِ وَفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ
يُغِيلُونَ أوْلادَهُمْ، فَلا يَضُرُّ أوْلادَهُمْ ذَلِكَ شَيْئاً». ثُمَّ
سَألُوهُ، عَنِ العَزْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«ذَلِكَ الوَأْدُ الخَفِيُّ». أخرجه مسلم (1).
- حكم من حرّم زوجته على نفسه:
من حرّم على نفسه شيئاً حلالاً غير وطء زوجته فله فعله إذا كفر كفارة يمين.
فإذا حرم الرجل زوجته على نفسه كأن يقول: أنتِ علي حرام، فهو على ما نواه
من طلاق، أو ظهار، أو يمين، فإذا كفّر حلَّ له وطؤها.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ
اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ
مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)} [التحريم:1 - 2].
2 - وعَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ
بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». متفق عليه (2).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1442).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907).
(4/122)
13 - أحكام الحمل
والولادة
- صفة خلق الإنسان:
يخلق الله العزيز القدير الإنسان في بطن أمه في ظلمات ثلاث:
ظلمة البطن .. وظلمة الرحم .. وظلمة المشيمة.
ويصوره كيف شاء ذكراً أو أنثى، تاماً أو ناقصاً، أبيضاً أو أسوداً وغير ذلك
من الصفات الجسدية والعقلية والأخلاقية.
1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ
يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)} [آل عمران:6].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ
الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ
مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ
لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ
مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ
وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ
الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} ... [الحج:5].
3 - وقال الله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ
مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ
الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ
يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)} [الشورى:49 - 50].
4 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ
مَلَكاً، يَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ
مُضْغَةٌ، فَإذَا أرَادَ أنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قال: أذَكَرٌ أمْ أنْثَى،
شَقِيٌّ أمْ سَعِيدٌ، فَمَا الرِّزْقُ وَالأجَلُ، فَيُكْتَبُ
(4/123)
فِي بَطْنِ أمِّهِ». متفق عليه (1).
- كيف تحمل المرأة:
1 - تفرز المرأة بأمر الله كل شهر بويضة، فإذا جاء موعد القدر، وجامع الرجل
زوجته، لقح الحيوان المنوي من الرجل تلك البويضة، فاتحدت النطفتان، وحملت
المرأة، وهي النطفة والأمشاج.
قال الله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ
نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ
السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)} [الإنسان:2 - 3].
2 - أكثر ما تلد النساء مولوداً واحداً كل سنة، وقد تلد توأمين ذكرين، أو
أنثيين، أو ذكراً وأنثى، وقد تلد ثلاثة أو أكثر.
قال الله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا
يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ
الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ
يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)} [الشورى:49 - 50].
- أنواع التوائم:
التوائم نوعان:
أحدهما: توأم متشابه: يخلقه الله من حيوان منوي واحد من الرجل، وبويضتين من
المرأة، فيكون التوأمان متشابهان تمام التشابه.
الثاني: توأم غير متشابه: يحدث بأمر الله من حيوانين منويين من الرجل
يلقحان بويضتين من المرأة، كل واحد يلقح بويضة. والله أعلم.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (318) , واللفظ له، ومسلم برقم (2646).
(4/124)
- سر شبه الحمل:
إذا جامع الرجل زوجته، فإن سبق وعلا ماؤه كان الشبه له، وإن سبق وعلا ماؤها
كان الشبه لها بإذن الله تعالى.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ امْرَأةً قَالَتْ لِرَسُولِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: هَلْ تَغْتَسِلُ المَرْأةُ إِذَا
احْتَلَمَتْ وَأبْصَرَتِ المَاءَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ». فَقَالَتْ لَهَا
عَائِشَةُ: تَرِبَتْ يَدَاكِ، وَألَّتْ. قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «دَعِيهَا، وَهَلْ يَكُونُ الشَّبَهُ إِلا مِنْ
قِبَلِ ذَلِكِ، إِذَا عَلا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أشْبَهَ الوَلَدُ
أخْوَالَهُ، وَإِذَا عَلا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أشْبَهَ أعْمَامَهُ».
أخرجه مسلم (1).
- سر الذكورة والأنوثة:
إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أَذْكَرا بإذن الله، وإن علا ماء المرأة آنثا
بإذن الله تعالى.
عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ قَائِماً عِنْدَ رَسُولِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ حِبْرٌ مِنْ أحْبَارِ اليَهُودِ
-وفيه-: فَقَالَ: جِئْتُ أسْألُكَ عَنِ الوَلَدِ؟ قال: «مَاءُ الرَّجُلِ
أبْيَضُ وَمَاءُ المَرْأةِ أصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا، فَعَلا مَنِيُّ
الرَّجُلِ مَنِيَّ المَرْأةِ، أذْكَرَا بِإِذْنِ اللهِ، وَإِذَا عَلا
مَنِيُّ المَرْأةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ، آنَثَا بِإِذْنِ اللهِ». قال
اليَهُودِيُّ: لَقَدْ صَدَقْتَ، وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ، ثُمَّ انْصَرَفَ
فَذَهَبَ. أخرجه مسلم (2).
- حكم الإنجاب بالتلقيح:
الله عز وجل هو الخالق وحده لا شريك له، يخلق ما يشاء بالأسباب، وبدون
الأسباب، وبضد الأسباب، وله سبحانه سنة جارية، وقدرة قاهرة، وبيده
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (314).
(2) أخرجه مسلم برقم (315).
(4/125)
مقاليد الأمور كلها.
ومن سنته في الإنجاب أن يطأ الرجل المرأة فتحمل منه، وللتلقيح أحوال:
1 - إذا حملت الزوجة من مائين أجنبيين، أو من بيضتها وماء أجنبي، فهذا حمل
سفاح محرم شرعاً.
2 - إذا حملت الزوجة من ماء زوجها بعد انتهاء عقد الزوجية بوفاة أو طلاق،
فهذا حمل محرم.
3 - إذا كان الماء من الزوجين، والرحم أجنبي مستعار، فهذا حمل محرم.
4 - إذا كان الماء من الزوجين وُضِع في رحم زوجة له أخرى، فهذا حمل محرم.
5 - إذا كان الماء من الزوجين وُضِع في رحم الزوجة ذات البويضة، يوضع في
أنبوب ثم يُنقل إلى رحم الزوجة نفسها، فهذا العمل يَحفّ به عدد من المخاطر
والمحاذير، فيباح للمضطر، والضرورة تقدّر بقدرها، وعلى المسلم إذا ابتلي
بهذا حسن الاحتياط، وسؤال من يثق بدينه وعلمه، وإجراء ذلك عند طبيب يثق
بأمانته.
- حكم تحويل الحمل:
1 - الذكر والأنثى إذا كملت أعضاء خلقهما، لا يجوز تحويل أحدهما إلى النوع
الآخر.
ومحاولة التحويل جريمة يستحق فاعلها العقاب؛ لأنها تغيير لخلق الله، وهو
محرم.
2 - من اجتمع في خلقه وأعضائه علامات الرجال والنساء، فينظر في حاله، فإن
(4/126)
غلبت عليه الذكورة، جاز علاجه طبياً بما
يزيل الاشتباه في أنوثته بالجراحة أو الهرمونات، وإن غلبت عليه الأنوثة،
جاز علاجه بما يزيل الاشتباه في ذكوريته.
- مدة الحمل:
أقل مدة الحمل ستة أشهر، وغالبها تسعة أشهر، وغالب مدة الحمل والرضاع
ثلاثون شهراً.
1 - قال الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ
ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف:15].
2 - وقال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ
حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
[البقرة:233].
- حكم تناول ما يمنع الحمل:
1 - يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل والمرأة، وهو ما يُعرف
بالإعقام، ولا يجوز إلا عند تيقن الضرر المحقق.
2 - يجوز للمرأة تناول ما يمنع الحمل إذا رضي زوجها، ولم تتضرر بتناوله،
ولم يكن المنع من أجل عدم القدرة على النفقة.
ويجوز للمرأة تناول ما يمنع الحمل في الصور الآتية:
وجود الضرر المحقق كأن تكون المرأة لا تلد ولادة عادية .. أو مريضة يضرها
أن تحمل كل سنة .. أو ضعيفة لا تطيق الحمل والرضاع والعمل ونحو ذلك من
الحالات.
ففي هذه الصور وأمثالها لا مانع من منع الحمل أو تأخيره، إذا رضي
(4/127)
الزوجان بذلك، وكان بوسيلة مشروعة لا تضر
المرأة، وقرر ذلك طبيب ثقة.
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَنْهَنَا. متفق عليه (1).
- حكم إسقاط ما في الرحم:
إسقاط ما في رحم المرأة له أحوال:
1 - يباح إلقاء النطفة قبل أربعين يوماً لعذر، بشرط إذن الزوج، وعدم تضرر
الزوجة.
2 - يحرم إسقاط الجنين بعد مرور أربعين يوماً إلا إذا كان هناك خطر محقق
على حياة الأم.
3 - إذا نُفخت الروح في الحمل فيحرم إسقاطه؛ لأنه قَتْل للنفس المعصومة،
إلا إذا قرر الأطباء أنه لا يعيش إلا أحدهما، فتقدم سلامة الأم.
4 - إذا بلغ الحمل أربعة أشهر فأكثر فيحرم إسقاطه؛ لأنه قَتْل صريح للنفس
المحرم قتلها، فالإجهاض جناية فاحشة موجبة للقصاص أو الدية.
ومن أسقط هذا الحمل خطأ كأن يضرب الحامل فَتُسقط الحمل، فعليه الكفارة
والدية غرة عبد أو أَمَة، وهي بقدر عُشْر دية أمه.
1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ
نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا
(31)} [الإسراء:31].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5207) , ومسلم برقم (1440) , واللفظ
له.
(4/128)
2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا
الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)} [التكوير:8 -
9].
3 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُبََبْلُغُ بِهِ
النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَدْخُلُ المَلَكُ عَلَى
النُّطْفَةِ بَعْدَ مَا تَسْتَقِرُّ فِى الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ أَوْ
خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَيَقُولُ: يَارَبِّ أَشَقِىٌّ أَوْ
سَعِيدٌ فَيُكْتَبَانِ، فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى
فَيُكْتَبَانِ وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَثَرُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ ثُمَّ
تُطْوَى الصُّحُفُ فَلاَ يُزَادُ فِيهَا وَلاَ يُنْقَصُ». أخرجه مسلم (1).
- حكم تحديد النسل:
النسل نعمة كبرى منّ الله بها على عباده، وأباح من أجلها الزواج ورغّب فيه؛
لتكثر أمة الإسلام، ويكثر من يعبد الله من هذه الأمة، وتحصل به القوة
والمنفعة.
والله عز وجل قد خلق كل إنسان، وخلق رزقه، فلا يفوته أبداً، ولا يقصر عنه
أبداً.
فلا يجوز تحديد النسل مطلقاً؛ لأنه تحكُّم في حياة البشر وكثرتهم، وسوء ظن
بالله إذا كان من أجل الفقر، وتقليل للأمة الإسلامية.
1 - قال الله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ
مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ
الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ
يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)} [الشورى:49 - 50].
2 - وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ
إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ
امْرَأَةً ذاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ إِلاَّ أَنَّهَا لاَ تَلِدُ
أَفَأَتَزَوَّجُهَا، فَنَهَاهُ ثمَّ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2644).
(4/129)
أَتَاهُ الثانِيَةَ فَنَهَاهُ ثمَّ أَتَاهُ
الثالِثةَ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: «تَزَوَّجُوا الوَلُودَ الوَدُودَ فَإِنِّي
مُكَاثِرٌ بكُمْ». أخرجه أبو داود والنسائي (1).
- حكم البشارة بالحمل:
تستحب بشارة الزوج بالحمل؛ لأن ذلك يسره ويفرحه، فإن فاتت البشارة استحب
تهنئته.
والفرق بينهما: أن البشارة إعلام له بما يسره، والتهنئة دعاءٌ له بالخير
بعد أن عَلم به.
وقد بشر الله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بإسحاق كما قال سبحانه:
{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112)}
[الصافات:112].
وبشرت الملائكة زكريا بيحيى كما قال سبحانه: {يَازَكَرِيَّا إِنَّا
نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ
سَمِيًّا (7)} [مريم:7].
وقال سبحانه: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي
مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)
فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ
أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ
وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)} [آل عمران:38 -
39].
- حكم تحنيك المولود:
التحنيك: هو مضغ التمرة ونحوها، ثم وضع شيء منها على الإصبع، ثم إدخال
الإصبع وتحريكه في فم المولود.
والتحنيك سنة مستحبة عند الولادة، يقوم بها والد المولود أو والدته، أو أحد
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2050) , وأخرجه النسائي برقم (3227).
(4/130)
من أهل العلم والفضل، فيحنكه ويدعو له.
1 - عَنْ أبِي مُوسَى رَضِي اللهُ عَنْه قَالَ: وُلِدَ لِي غُلامٌ،
فَأتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَمَّاهُ
إِبْرَاهِيمَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالبَرَكَةِ،
وَدَفَعَهُ إِلَيَّ. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله
عليه وسلم - كَانَ يُؤْتَىَ بِالصّبْيَانِ، فَيُبَرّكُ عَلَيْهِمْ،
وَيُحَنّكهُمْ. أخرجه مسلم (2).
- وقت تسمية المولود:
يستحب تسمية المولود في اليوم السابع من ولادته، وتجوز يوم الولادة، كما
يجوز بين يوم الولادة إلى السابع وبعده، والأمر في ذلك واسع بحمد الله.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلاَمٌ، فَسَمَّيْتُهُ
بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ». متفق عليه (3).
- من يقوم بالتسمية:
يقوم الأب والأم باختيار الاسم الحسن لمولودهما، فإن اختلفا فالحق في
التسمية للأب؛ لأنه يدعى لأبيه، ويجوز أن يكل الأبوان التسمية إلى غيرهما
من قريب أو غيره، وقد يموت المولود قبل أن يسمى فتشرع تسميته أسوة بغيره.
والسقط وهو الجنين الذي يسقط قبل تمام ستة أشهر ينبغي أن يسمى؛ ليدعى يوم
القيامة باسمه.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5467) , واللفظ له، ومسلم برقم (2145).
(2) أخرجه مسلم برقم (2147).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1303) , ومسلم برقم (2315) , واللفظ
له.
(4/131)
- تسمية المولود:
من حق المولود على والديه أن يختارا له اسماً حسناً في لفظه ومعناه، يفخر
به إذا ذُكر به أمام غيره، ذكراً كان أو أنثى.
ويسن أن يختار للمولود أحسن الأسماء وأحبها إلى الله كعبد الله وعبد الرحمن
.. ثم التسمية بالتعبيد لأيٍّ من أسماء الله الحسنى كعبد العزيز وعبد الملك
ونحوهما .. ثم التسمية بأسماء الأنبياء والرسل كمحمد وإبراهيم ونحوهما ..
ثم التسمية بأسماء الصالحين .. ثم ما كان وصفاً صادقاً للإنسان مثل يزيد
وحسن ونحوهما.
عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى
الله عليه وسلم - «إِنّ أَحَبّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ عَبْدُاللهِ
وَعَبْدُالرَّحْمَن». أخرجه مسلم (1).
- الأسماء الممنوعة:
يجب على المسلم اجتناب الأسماء المخالفة للشرع، ومنها:
1 - الأسماء المعبدة لغير الله كعبد الرسول، وعبد الكعبة ونحوهما.
2 - الأسماء المختصة بالله وحده كالرحمن والخالق والأحد ونحوها.
3 - أسماء اليهود والنصارى مثل: جورج، ديفيد، جوزيف، مايكل، يارا، ديانا،
جانكلين؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم.
4 - أسماء الطغاة والجبابرة كفرعون، وقارون ونحوهما، وأسماء الملاحدة مثل
ماركس ولينين وستالين ونحوها.
5 - الأسماء التي فيها تشاؤم أو معان مذمومة تكرهها النفوس مثل: حرب،
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2132).
(4/132)
وحمار، وكلب، وجعل ونحوها.
6 - الأسماء التي فيها ميوعة ورخاوة مثل: هيام، ونهاد، وسهام، وفاتن،
وشادية ونحوها.
7 - الأسماء التي فيها تزكية دينية للمسمى مثل: برة، ونافع، وأفلح ونحوها.
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تُسَمّ غُلاَمَكَ رَبَاحاً، وَلاَ
يَسَاراً، وَلاَ أَفْلَحَ، وَلاَ نَافِعاً». أخرجه مسلم (1).
- حكم تغيير الاسم الممنوع شرعاً:
ينبغي المبادرة إلى تغيير الأسماء التي فيها مخالفة شرعية كما سبق،
واستبدالها بأحد الأسماء المستحبة أو المباحة مع مراعاة تقارب الألفاظ بين
الاسم الجديد والقديم.
وقد غيَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأسماء الممنوعة، فغير اسم عاصية
فسماها جميلة، وحَزْن باسم سهل، وبرّة بزينب، وجثّامة إلى حسّانة، وشهاباً
إلى هشام، وحرباً إلى سلم.
1 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ ابْنَةً لِعُمَرَ
كَانَتْ يُقَالُ لَهَا عَاصِيَةُ، فَسَمّاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - جَمِيلَةَ. أخرجه مسلم (2).
2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ زَيْنَبَ كَانَ
اسْمُهَا بَرّةَ، فَقِيلَ: تُزَكّي نَفْسَهَا، فَسَمّاهَا رَسُولُ الله -
صلى الله عليه وسلم - زَيْنَبَ. أخرجه مسلم (3).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (2136).
(2) أخرجه مسلم برقم (2139).
(3) أخرجه مسلم برقم (2141).
(4/133)
- حكم تكنية الصغير:
يجوز تكنية الطفل الصغير بأبي فلان، أو أم فلان، تكريماً له، وإشعاراً له
بمكانته، مع ما فيه من الفأل الحسن.
ومن كان له أولاد فإنه يكنى بأكبر أولاده الذكور، ويجوز أن يكنى من له
أولاد بغير أولاده كما كان أبو بكر، وأبو حفص رضي الله عنهما، إذ لم يكن
لأبي بكر ابن اسمه بكر، ولا لعمر ابن اسمه حفص.
ويجوز أن يكنى الرجل أو المرأة بالبنت فيقال أبو عائشة، أو أبو ريحانة أو
أم صفية ونحو ذلك.
- حكم العقيقة عن المولود:
العقيقة: هي ما يذبح عن المولود.
والعقيقة سنة مؤكدة، وتسن عن الغلام شاتان، وعن البنت شاة.
- وقت ذبح العقيقة:
وقت ذبح العقيقة في اليوم السابع من الولادة، فإن فات ففي أي يوم شاء، ولا
تشرع العقيقة عن السقط؛ لأنه لا يسمى مولوداً، وإذا وضعت المرأة المولود
حياً ثم مات فيحسن العقّ عنه.
- حكمة مشروعية العقيقة:
العقيقة شكر لله على نعمة متجددة، وقربة إلى الله، وفداء للمولود.
ولما كان الذكر أعظم نعمة وامتناناً من الله تعالى، كان الشكر عليه أكثر،
فصار له شاتان، وللأنثى شاة.
1 - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سُئِلَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ العَقِيقَةِ
(4/134)
فَقَالَ: «لاَ يُحِبُّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ
العُقُوقَ» وَكَأَنَّهُ كَرِهَ الاِسْمَ. قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - إِنَّمَا نَسْأَلُكَ، أَحَدُنَا يُولَدُ لَهُ. قَالَ: «مَنْ
أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَنْسُكْ عَنْهُ عَنِ الغُلاَمِ
شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنِ الجَارِيَةِ شَاةٌ». أخرجه أبو داود
والنسائي (1).
2 - وَعَنْ سَلْمَان بْن عَامِرٍ الضَّبِّيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَعَ الغُلامِ
عَقِيقَةٌ، فَأهْرِيقُوا عَنْهُ دَماً، وَأمِيطُوا عَنْهُ الأذَى». أخرجه
البخاري (2).
- شروط العقيقة:
السنة أن تكون العقيقة من الغنم، وتجوز من الإبل والبقر، إلا أنه لا يجزئ
فيها شَرَك في دم، فلا يجزئ البعير أو البقرة إلا عن واحد.
والعقيقة كالأضحية يجب أن تبلغ السن المعتبر شرعاً، وأن تكون سليمة من
العيوب، وأفضلها أغلاها وأسمنها وأنفسها عند أهلها.
ويحسن أن يأكل من العقيقة ويطعم، ويتصدق، ويجوز أن يوزع لحمها نيئاً
ومطبوخاً، وأن يدعو الأقارب والأغنياء والفقراء إليها؛ لما في ذلك من جلب
المحبة، والدعاء للمولود.
ومن كبر ولم يُعقّ عنه فله أن يَعقّ عن نفسه؛ ليحصل له فك الرهان.
- حكم ختان المولود:
السنن التي تُفعل عند ولادة المولود التحنيك، وتسميته، والعق عنه،
والختان: وهو قطع حشفة الذكر، وخفض الأنثى بلا إنهاك.
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2842) , وأخرجه النسائي برقم (4212) , وهذا
لفظه.
(2) أخرجه البخاري برقم (5472).
(4/135)
والختان واجب في حق الرجال، مباح في حق
النساء، وهو من خصال الفطرة، ومن أسباب دفع الشبق، وفيه وقاية من الأمراض
والأوساخ، وعلامة تميز الرجل المسلم من الكافر.
ويجوز الختان في أي وقت، وفي السابع أولى، فيجوز قبل السابع وبعده إلى قبل
وقت البلوغ، فإذا بلغ وجب ختانه.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الفِطْرَةُ خَمْسٌ: الخِتَانُ،
وَالاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأظْفَارِ، وَنَتْفُ
الآبَاطِ». متفق عليه (1).
- أحكام المولود:
إذا ولد المولود فله ثلاثة أحكام:
1 - الصلاة عليه إن مات إذا بلغ أربعة أشهر، ونفخت فيه الروح.
2 - أحكام تتعلق بماله من ميراث ووصية ونحوها، إذا ولد حياً حياة مستقرة.
3 - بقية الأحكام تتعلق بوضع ما فيه خلق إنسان كالنفاس والعدة ونحوهما.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5891) , واللفظ له، ومسلم برقم (257).
(4/136)
14 - الحقوق الزوجية
- أقسام الحقوق الزوجية:
إذا وقع عقد الزواج صحيحاً، ترتبت عليه آثاره، ووجبت بمقتضاه الحقوق
الزوجية.
والحقوق الزوجية تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
حقوق الزوجة .. وحقوق الزوج .. وحقوق مشتركة بينهما.
فيجب على كل واحد من الزوجين أداء ما عليه من الحقوق للآخر، والقيام بما
عليه من الواجبات، ليصفو العيش بينهما، وتهنأ الأسرة، وتكمل السعادة
الزوجية.
الأول: حقوق الزوجة:
يجب على الزوج لزوجته حقوقاً كثيرة وهذه أهمها:
1 - حسن المعاشرة بالمعروف:
فيجب على الزوج حسن معاشرة زوجته، وإكرامها، والتلطف معها، ومداعبتها،
والرفق بها، وتأديبها، وتعليمها ما ينفعها، ورحمتها، وتطييب خاطرها، وكف
الأذى عنها ونحو ذلك مما يؤلف قلبها، ويجلب المحبة والمودة.
1 - قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ
كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ
فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)} [النساء:19].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: « .. اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً،
(4/137)
فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ،
وَإِنَّ أعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أعْلاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ
كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا
بِالنِّسَاءِ خَيْراً». متفق عليه (1).
2 - إعفاف الزوجة بالوطء:
وذلك بأن يستمتع بها، ويجامعها، ويعفها بالوطء عن الحرام، وعن التطلع إلى
غيره، فإن للمرأة شهوة كالرجل.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا
عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ
مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْعَادُونَ (7)} [المؤمنون:5 - 7].
3 - دفع المهر لها عند عقد الزواج:
قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ
طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا
(4)} [النساء:4].
4 - الإنفاق على الزوجة بالمعروف:
وذلك بتوفير ما تحتاج إليه الزوجة من سكن، ولباس، وطعام، ودواء ونحو ذلك،
غنية كانت أو فقيرة.
1 - قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ
يُسْرًا (7)} [الطلاق:7].
2 - وقال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ
وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق:6].
3 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنّ النَّبيَّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ فِي حِجةِ الوداع: « ... فَاتَّقُوا اللهَ فِي
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5186) , واللفظ له، ومسلم برقم (1468).
(4/138)
النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أخَذْتُمُوهُنَّ
بِأمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ،
وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أحَداً تَكْرَهُونَهُ،
فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ،
وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ». أخرجه
مسلم (1).
5 - الصبر على أذى الزوجة:
فمن حق الزوجة الصبر على أذاها، والعفو عن زلتها.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ
مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ». أخرجه مسلم (2).
6 - صيانة الزوجة عما يشينها، والمحافظة عليها:
فمن حق المرأة على زوجها أن يصونها ويحفظها من كل ما يثلم عرضها، ويخدش
شرفها، ويمتهن كرامتها، فيمنعها من السفور والتبرج، ويحول بينها وبين
الاختلاط بالأجانب، ولا يسمح لها أن تفسد في خلق ولا دين، أو تخالف أوامر
الله ورسوله، ويأمرها بفعل الواجبات، وترك المحرمات، فهو الراعي المسئول
عنها، والمكلف بحفظها ورعايتها.
1 - قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا
فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ
أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34].
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ،
وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1218).
(2) أخرجه مسلم برقم (1469).
(4/139)
وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا». متفق
عليه (1).
7 - تعليم الزوجة أمور دينها:
بأن يعلم الزوج زوجته الضروري من أمور دينها، أو يأذن لها في حضور مجالس
العلم، لتعبد الله على بصيرة، وتنجو من النار بالعلم والعمل الصالح.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا
مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم:6].
8 - الخروج من البيت عند الحاجة:
فمن حقها أن تخرج بإذن الزوج لشهود جماعة في الصلاة، أو زيارة أهلها
وأقاربها وجيرانها، أو حضور مجالس العلم، بشرط الحجاب، واجتناب التبرج
والسفور والعطور والاختلاط وكل محرم.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى
المَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ». متفق عليه (2).
9 - عدم إفشاء سرها، وعدم ذكر عيوبها:
فيجب على الزوج حفظ أسرار الفراش والجماع معها، وعدم ذكر عيوبها، أو
الشماتة بها.
10 - استشارتها في الأمور التي تخصها وأولادها وغيرها.
11 - المبيت عندها بعد العشاء.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (893) , واللفظ له، ومسلم برقم (1829).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (865) , واللفظ له، ومسلم برقم (442).
(4/140)
عَنْ عَبْداللهِ بْن عَمْرِو بْنِ العَاصِ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «يَا عَبْدَاللهِ، ألَمْ أخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ
وَتَقُومُ اللَّيْلَ». فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَلا
تَفْعَلْ، صُمْ وَأفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ
حَقّاً، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ
حَقّاً، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقّاً». متفق عليه (1).
12 - العدل بينها وبين ضرتها:
فيجب على الزوج العدل بين زوجاته في السكن واللباس، والطعام والشراب،
والمبيت والنفقة بقدر الاستطاعة.
فيعاشر زوجاته باللطف والبشاشة، ولا يمنعهن حقوقهن، ولا يحرمهن ما يطلبن من
المباح، ولا يكلفهن ما لا يطقن، ويرعاهن ويخدمهن؛ لتتحقق سعادته وسعادتهن.
1 - قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ
وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}
[البقرة:228].
2 - وقال الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ
النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ
فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ
اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)} [النساء:129].
3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى
إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ». أخرجه أبو داود
والترمذي (2).
13 - عدم الجمع بين الزوجات في مسكن واحد إلا برضاهن:
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1975) , واللفظ له، ومسلم برقم (1159).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2133) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم
(1141).
(4/141)
فمن حق الزوجة أن لا يجمع بينها وبين ضرتها
إلا برضاها، ولا يهضم حقها، أو يهدر كرامتها، أو ينساها ويهملها فلا يهتم
بها.
14 - خدمة الزوجة وإعانتها على العمل في بيتها:
عَنِ الأسْوَدِ قَالَ: سَألْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قالتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ
أهْلِهِ، تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ، فَإذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ خَرَجَ إلَى
الصَّلاةِ. أخرجه البخاري (1).
الثاني: حقوق الزوج:
للزوج على زوجته حقوق كثيرة أهمها:
1 - أن تطيعه في غير معصية الله:
فيجب على المرأة السمع والطاعة لزوجها في كل ما يأمرها به مما لا يخالف
الشرع، ويحرم عليها أن تطيعه في معصية الله؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق، إنما الطاعة في المعروف.
1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم -: «أرِيتُ النَّارَ فَإذَا أكْثَرُ أهْلِهَا
النِّسَاءُ، يَكْفُرْن». قِيل: أيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قال: «يَكْفُرْنَ
العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لَوْ أحْسَنْتَ إلَى إحْدَاهُنَّ
الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأتْ مِنْكَ شَيْئاً، قَالَتْ: مَا رَأيْتُ مِنْكَ
خَيْراً قَطُّ». متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا مِنْ
رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَتَأْبَى عَلَيْهِ، إِلا
كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (676).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (29) , واللفظ له، ومسلم برقم (907).
(4/142)
سَاخِطاً عَلَيْهَا، حَتَّى يَرْضَى
عَنْهَا». متفق عليه (1).
2 - أن تصون عرضه، وتحفظ ماله وولده:
ومن حق الزوج على زوجته أن تصون عرضه، وتحافظ على شرفها، وأن ترعى ماله
وولده وسائر حقوقه.
1 - قال الله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ
بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ صَالِحُ
نِسَاءِ قُرَيْشٍ، أحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأرْعَاهُ عَلَى
زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ». متفق عليه (2).
3 - الزينة والتجمل له.
4 - لزوم الزوجة بيت زوجها:
فلا يجوز للمرأة أن تخرج من البيت ولو للمسجد إلا بإذن زوجها.
قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ
الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ
وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)}
[الأحزاب:33].
5 - عدم الإذن لأحد بدخول بيته إلا بإذنه.
6 - عدم الصوم تطوعاً إلا بإذنه إذا كان حاضراً:
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «لا يَحِلُّ لِلْمَرْأةِ أنْ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3237)، ومسلم برقم (1436).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5082) , واللفظ له، ومسلم برقم (2527).
(4/143)
تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا
بِإِذْنِهِ، وَلا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ، وَمَا أنْفَقَتْ
مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ».
متفق عليه (1).
7 - الرضا باليسير من النفقة حسب العرف والحال:
قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ
يُسْرًا (7)} [الطلاق:7].
8 - إجابة الزوج إذا دعاها إلى الفراش:
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم -: «إِذَا بَاتَتِ المَرْأةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ
زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا المَلائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ». متفق عليه (2).
9 - حسن القيام على أولاده:
فمن حق الزوج على زوجته حسن القيام على تربية أولاده منها، فلا تغضب عليهم،
ولا تسبهم، ولا تدعو عليهم.
10 - حسن معاملة والديه وأقاربه وضيوفه.
11 - كتمان أسرار الزوج، وأسرار الفراش ونحو ذلك.
12 - خدمة المرأة زوجها وبيتها وأولادها:
ومن حق الزوج على زوجته أن تخدمه في بيته في طعامه وشرابه ولباسه، والعناية
بأولاده حسب العرف.
1 - قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ
وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}
[البقرة:228].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5195) , واللفظ له، ومسلم برقم (1026).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5194) , واللفظ له، ومسلم برقم (1436).
(4/144)
2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ: «أَلاَ
كُلّكُمْ رَاعٍ، وَكُلّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ، فَالأَمِيرُ الّذِي
عَلَى النّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ، وَالرّجُلُ رَاعٍ
عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ
عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ،
وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلاَ
فَكُلّكُمْ رَاعٍ، وَكُلّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ». متفق عليه (1).
الثالث: الحقوق المشتركة:
الحقوق المشتركة بين الزوجين هي:
1 - حِلّ العشرة بين الزوجين، واستمتاع كل منهما بالآخر، فيحل للزوج من
زوجته ما يحل لها منه.
قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ
وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}
[البقرة:228].
2 - حسن المعاشرة بين الزوجين بالمعروف وحسن الخلق.
3 - ثبوت نسب الأولاد والبنات من الزوج.
4 - ثبوت التوارث بين الزوجين بمجرد العقد.
5 - وجوب التعاون فيما بينهما على البر والتقوى، وخدمة البيت، وتربية
الأولاد.
6 - الصبر وتحمل الأذى، وحفظ أسرار الزوجية.
7 - الأمانة وحفظ العهد .. ونحو ذلك.
8 - ثبوت حرمة المصاهرة، فلا يحل للزوج أن يتزوج أقارب الزوجة كأمهاتها،
وبناتها، وفروعهما، ولا يحل للزوجة آباء الزوج وأبنائه وفروعهما كما سبق.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2554) , ومسلم برقم (1829) , واللفظ
له.
(4/145)
- حكم جمع الزوجات في منزل واحد:
يجوز للزوج جمع زوجاته في منزل واحد بطلبهن أو رضاهن.
ويحرم عليه جمعهن في منزل واحد بغير رضاهن، لشدة الغيرة بينهن.
ومن جار على زوجاته أو إحداهن فهو ظالم.
قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ
وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق:6].
- حكم العدل بين الزوجات:
يجب على الزوج إذا كان له عدة زوجات أن يعدل بينهن في القسم .. والمبيت ..
والنفقة .. والسكن.
أما الجماع فلا يجب؛ لأنه تابع للشهوة، وجمال المرأة، فإن أمكن فهو أسلم.
ولا جناح على الزوج في المحبة والميل القلبي؛ لأنه لا يملكه.
(4/146)
15 - أحكام القَسْم بين الزوجات
- كيفية القسم بين الزوجات:
إذا كان للرجل أكثر من زوجة وجب عليه العدل بينهن فيما يلي:
1 - القسم: وهو توزيع الزمان ليلاً ونهاراً بين زوجاته.
وعماد القسم الليل؛ لأنه مأوى الإنسان إلى منزله، وفيه يسكن إلى أهله،
وينام على فراشه، والنهار للمعاش، والنهار يتبع الليل فيدخل في القَسْم
تبعاً.
والبداءة في القسم ومقدار الدور إلى الزوج، وله أن يدور على نسائه كل يوم،
لكن لا يبيت إلا عند من لها الدور.
ويجب القسم في حال الصحة والمرض، فإن كان مرضه شديداً استأذنهن أن يبيت حيث
يحب.
ولا يجب القسم في الوطء؛ لأنه لا يملك الشهوة، لكن يستحب القسم في
الاستمتاع؛ لأنه أكمل في العدل.
1 - قال الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ
النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ
فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ
اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)} [النساء:129].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - إِذَا أرَادَ سَفَراً أقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ،
فَأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ
لِكُلِّ امْرَأةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، غَيْرَ أنَّ سَوْدَةَ
بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ
(4/147)
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،
تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه
(1).
3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهْا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - كَانَ يَسْألُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «أيْنَ أنَا
غَداً؟ أيْنَ أنَا غَداً؟». يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ، فَأذِنَ لَهُ
أزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى
مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَاتَ فِي اليَوْمِ الَّذِي كَانَ
يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي، فَقَبَضَهُ اللهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ
لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي، وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي. متفق عليه (2).
- حكم القَسْم في السفر:
لا قَسْم على الزوج إذا سافر، ويقرع بين زوجاته إذا أراد السفر ليخرج
بإحداهن؛ دفعاً لتهمة الميل عن نفسه، فمن خرجت القرعة لها خرج بها.
ولا يجب على الزوج أن يبيت عند الأخرى مقابل أيام السفر؛ لأن مدة السفر
ضائعة.
ومن سافرت بغير إذن زوجها، أو أبت السفر معه، أو أبت المبيت عنده، سقط حقها
في القسم والنفقة؛ لأنها عاصية كالناشز، ولا يسقط حقها من النفقة والقسم إن
بعثها الزوج لحاجته، أو انتقلت من بلد إلى بلد بإذنه.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم
- كَانَ إِذَا خَرَجَ أقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَطَارَتِ القُرْعَةُ
لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا
كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ:
ألا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِي وَأرْكَبُ بَعِيرَكِ، تَنْظُرِينَ
وَأنْظُرُ؟ فَقَالَتْ: بَلَى، فَرَكِبَتْ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ، فَسَلَّمَ
عَلَيْهَا، ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلُوا، وَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ،
فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2593) , واللفظ له، ومسلم برقم (1463).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5217) , واللفظ له، ومسلم برقم (2443).
(4/148)
رِجْلَيْهَا بَيْنَ الإِذْخِرِ وَتَقُولُ:
يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَباً أوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي، وَلا
أسْتَطِيعُ أنْ أقُولَ لَهُ شَيْئاً. متفق عليه (1).
- حكم من وهبت يومها لضرتها:
يجوز للمرأة برضا زوجها أن تهب حقها من القسم أو بعضه لضرتها، أو لزوجها،
ويجعله لمن شاء.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ
وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم
- يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ. متفق عليه (2).
- ما يفعل إذا تزوج البكر على الثيب:
1 - إذا تزوج الرجل بكراً وعنده غيرها أقام عند البكر سبعاً ثم قسم.
وإن تزوج ثيباً أقام عندها ثلاثاً ثم قسم، وإن أحبت سبعاً فَعَل وقضى مثله
للبواقي، ثم يقسم بعد ذلك ليلة لكل واحدة.
2 - الزوجة البكر غريبة على الزوج، وغريبة على فراق أهلها، فاحتاجت لزيادة
الإيناس وإزالة الوحشة بخلاف الثيب.
1 - عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - لَمَّا تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ أقَامَ عِنْدَهَا
ثَلاثاً، وَقَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ عَلَى أهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ
شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي».
أخرجه مسلم (3).
2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا
تَزَوَّجَ الرَّجُلُ البِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعاً،
وَقَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى البِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا
ثَلَاثاً، ثُمَّ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5211) , واللفظ له، ومسلم برقم (2445).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5212) , واللفظ له، ومسلم برقم (1463).
(3) أخرجه مسلم برقم (1460).
(4/149)
قَسَمَ. قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَلَوْ
شِئْتُ لَقُلْتُ: إِنَّ أَنَساً رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم -. متفق عليه (1).
- حكم الجلوس مع زوجاته كل يوم:
يجب على الزوج العدل بين زوجاته في القسم.
ويجوز أن يطوف على زوجاته كلهن كل يوم، ويلاطفهن لتطمئن نفوسهن، ومداعبتهن
من غير جماع، وتفقد أحوالهن، سواء اجتمعن في مكان، أو كانت كل واحدة في
بيتها.
فإذا جاء الليل انقلب إلى صاحبة النوبة فخصها بالليل، وبات معها في فراشها.
عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهْا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - إِذَا انْصَرَفَ مِنَ العَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ، فَيَدْنُو
مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَاحْتَبَسَ أكْثَرَ مِمَّا
كَانَ يَحْتَبِسُ. متفق عليه (2).
- حكم جماع الرجل زوجته في غير ليلتها:
يجوز للرجل أن يجامع زوجته الأخرى ولو في غير يومها إذا كانت على ضرتها
الدورة؛ لحاجة الإنسان إلى الجماع، ودفع الشهوة بالحلال.
ويجوز له أن يطوف على نسائه بغسل واحد.
عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ
الوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ. متفق عليه (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5213) , واللفظ له، ومسلم برقم (1461).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5216) , واللفظ له، ومسلم برقم (1474).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5215) , واللفظ له، ومسلم برقم (309).
(4/150)
- حكم افتخار الضرة:
لا يجوز للضرة أن تكذب على ضرتها بما لم يكن، لتفتخر عليها، وتوغر صدرها
على زوجها كذباً بما لم يكن.
عَنْ أسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ امْرَأةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللهِ، إِنَّ لِي ضَرَّةً، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ
زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: «المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ». متفق
عليه (1).
- حكم غيرة الرجال:
غيرة المسلم: هي أن يغار العبد على محارم الله أن تنتهك، وعلى عرضه أن
يدنس، وعلى زوجته أن تقع في الحرام ونحو ذلك.
1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ يَغَارُ، وَإِنَّ المُؤْمِنَ
يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ المُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ
عَلَيْهِ». متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضيَ اللهُ عَنهْما عَنِ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «دَخَلْتُ الجَنَّةَ، أوْ أتَيْتُ
الجَنَّةَ، فَأبْصَرْتُ قَصْراً، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قَالُوا:
لِعُمَرَ ابْنِ الخَطَّابِ، فَأرَدْتُ أنْ أدْخُلَهُ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي
إِلا عِلْمِي بِغَيْرَتِكَ». قال عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: يَا رَسُولَ
اللهِ، بِأبِي أنْتَ وَأُمِّي يَا نَبِيَّ اللهِ، أوَعَلَيْكَ أغَارُ؟.
متفق عليه (3).
- غيرة النساء:
النساء يغرن على أزواجهن أن يشاركهن فيه غيرهن.
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: مَا غِرْتُ
عَلَى امْرَأةٍ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5219) , واللفظ له، ومسلم برقم (2130).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5223) , ومسلم برقم (2761) , واللفظ
له.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5226) , واللفظ له، ومسلم برقم (2394).
(4/151)
غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، لِكَثْرَةِ ذِكْرِ
رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِيَّاهَا وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا،
وَقَدْ أوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ
يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ لَهَا فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ. متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله
عليه وسلم - عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأرْسَلَتْ إِحْدَى أمَّهَاتِ
المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ
الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -
فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ
فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: «غَارَتْ أمُّكُمْ». أخرجه البخاري (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5229) , واللفظ له، ومسلم برقم (2434).
(2) أخرجه البخاري برقم (5225).
(4/152)
16 - أحكام النفقة
- النفقة: هي كفاية من يمونه طعاماً، وكسوة، وسكنى، وما يتبع ذلك.
- فضل النفقة:
1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ
وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274].
2 - وَعَنْ أبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا أنْفَقَ المُسْلِمُ
نَفَقَةً عَلَى أهْلِهِ، وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً».
متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم -: «السَّاعِي عَلَى الأرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ،
كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ
النَّهَارَ». متفق عليه (2).
- أحوال المنفق:
المنفق له حالتان:
1 - إن كان المنفق قليل المال بدأ بالنفقات الواجبة.
فيبدأ بنفسه، ثم من تجب نفقتهم عليه مع العسر واليسر، وهم: الزوجة،
والبهائم، والمماليك، ثم من تجب نفقتهم ولو لم يرثهم المنفق من الأصول
كالأب، والأم، والفروع كالأولاد، ثم نفقة الحواشي إن كان المنفق يرثهم
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5351) , واللفظ له، ومسلم برقم (1002).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5353) , واللفظ له، ومسلم برقم (2982).
(4/153)
بفرض أو تعصيب.
2 - إن كان المنفق غنياً فينفق على الجميع حسب العرف.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى
الله عليه وسلم -: «أفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَاليَدُ
العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ».
تَقُولُ المَرْأةُ: إِمَّا أنْ تُطْعِمَنِي، وَإِمَّا أنْ تُطَلِّقَنِي،
وَيَقُولُ العَبْدُ: أطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الابْنُ:
أطْعِمْنِي، إِلَى مَنْ تَدَعُنِي. أخرجه البخاري (1).
- حكم النفقة على الزوجة:
النفقة: هي توفير ما تحتاج إليه الزوجة من الطعام واللباس والسكن والدواء
ونحو ذلك حسب العرف والقدرة.
والمهر والنفقة واجبان على الزوج لزوجته؛ لأن الزوجة محبوسة على الزوج
للاستمتاع بها، فلا بد أن ينفق عليها، وعليها طاعته، والقرار في بيته، وهو
يقوم بكفايتها والإنفاق عليها، ما لم يوجد نشوز يمنع من الإنفاق عليها.
قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ
يُسْرًا (7)} [الطلاق:7].
- شروط وجوب النفقة:
تجب النفقة على الزوج لزوجته بما يلي:
أن يكون عقد النكاح صحيحاً .. وأن تطيع زوجها في غير معصية .. وأن تمكِّنه
من الاستمتاع بها.
فإذا اختل شرط من هذه الشروط لم تجب لها النفقة.
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (5355).
(4/154)
وكل تصرف أو عمل يفوِّت حق الاستمتاع
بالزوجة فإنه يُسقط النفقة، كما لو حُبست في جريمة، أو دَيْن، أو غصبها
غاصب وحبسها عن زوجها.
وإذا أسلمت الزوجة وهي تحت كافر لم تسقط نفقتها؛ لأن تعذر الاستمتاع بها من
جهته، وهو قادر على إزالته بأن يسلم.
وإذا ارتد الزوج بعد الدخول لم تسقط نفقة الزوجة؛ لأن امتناع الوطء بسبب من
جهته، وهو قادر على إزالته بالعودة إلى الإسلام.
وإذا ارتدت الزوجة سقطت نفقتها؛ لأنها منعت الاستمتاع بمعصية من قِبَلها،
فتكون كالناشز.
- مقدار النفقة الواجبة:
يجب على الزوج أن ينفق على زوجته ما يكفيها، وذلك يختلف بحسب حال الزوج من
اليسر والعسر، وباختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال.
والواجب كسوتها صيفاً وشتاءً .. وإسكانها في منزل خاص بها .. وإطعامها حسب
الحال والكفاية .. وعلاجها إذا مرضت.
ويراعى في مقدار النفقة حال الزوج من اليسر والعسر مهما كانت حالة الزوجة.
ويصح أن تكون النفقة عيناً من طعام وكسوة ومسكن ونحو ذلك، ويصح أن تُفرض
قيمتها نقداً تُدفع إليها لتشتري به ما تحتاج إليه، ويصح أن تُفرض النفقة
سنوية، أو شهرية، أو أسبوعية، أو يومية، حسب حال الزوج، يسراً وعسراً.
ودَيْن النفقة يعتبر ديناً صحيحاً في ذمة الزوج لزوجته لا يسقط إلا بأدائه
(4/155)
للزوجة، أو إبراء الزوجة له.
وتجب النفقة للمطلقة الرجعية، والمعتدة الحامل، ولا نفقة للمطلقة البائن
إلا إن كانت حاملاً.
1 - قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ
وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ
أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا
بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى
(6)} [الطلاق:6].
2 - وقال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ
يُسْرًا (7)} [الطلاق:7].
3 - وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ أبَا
عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا البَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ، فَأرْسَلَ
إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ، فَسَخِطَتْهُ، فَقَالَ: وَاللهِ! مَا لَكِ
عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ».
فَأمَرَهَا أنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قال: «تِلْكِ
امْرَأةٌ يَغْشَاهَا أصْحَابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ،
فَإِنَّهُ رَجُلٌ أعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ، فَإِذَا حَلَلْتِ
فَآذِنِينِي». قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أنَّ مُعَاوِيَةَ
ابْنَ أبِي سُفْيَانَ، وَأبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «أمَّا أبُو جَهْمٍ فَلا يَضَعُ عَصَاهُ، عَنْ
عَاتِقِهِ، وَأمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ، لا مَالَ لَهُ، انْكِحِي
أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ». فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قال: «انْكِحِي أُسَامَةَ».
فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً، وَاغْتَبَطْتُ. أخرجه مسلم
(1).
- نفقة زوجة الغائب:
إذا كان الزوج غائباً، وله مال معلوم، أنفق على زوجته منه بأمر القاضي.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1480).
(4/156)
وإن لم يكن للزوج الغائب مال معلوم، أو كان
بعيد الغَيْبة لا يسهل الوصول إليه، أو كان مجهول المحل، أو كان مفقوداً،
وثبت أنه لا مال له تنفق منه الزوجة، فللزوجة الحق في طلب الطلاق منه،
فيطلق عليه القاضي بعد أن يضرب له أجلاً.
- حكم التقصير في النفقة:
يجب على الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف حسب يسره وعسره.
فإن كان الزوج بخيلاً لا يقوم بكفاية زوجته، أو أنه تركها بلا نفقة بغير
حق، فلها الحق أن تطلب من القاضي فرض ما يكفيها من نفقة الطعام والكسوة
والمسكن.
وإن منع الزوج الواجب عليه من النفقة فلزوجته أن تأخذ من ماله ما يكفيها
وولدها بالمعروف.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ
يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلا مَا أخَذْتُ مِنْهُ، وَهُوَ لا
يَعْلَمُ، فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ». متفق
عليه (1).
- أحوال الإنفاق على الزوجة:
للزوجة مع زوجها عند الإنفاق سبع حالات هي:
1 - يجب على الزوج أن ينفق على زوجته بما يصلح لمثلها، وذلك يختلف باختلاف
الأمكنة والأزمنة والأحوال والعادات، وحال الزوج وعسره.
2 - يجب على الزوج نفقة زوجته المطلقة الرجعية وكسوتها وسكناها، لكن لا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5364) , واللفظ له، ومسلم برقم (1714).
(4/157)
قسم لها.
3 - الزوجة البائن بفسخ أو طلاق لها النفقة إن كانت حاملاً، فإن لم تكن
حاملاً فلا نفقة لها ولا سكنى.
4 - الزوجة المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها ولا سكنى إلا إن كانت حاملاً،
فإن كانت حاملاً وجبت نفقتها من نصيب الحمل من التركة، فإن لم يكن له مال
فعلى وارثه الموسر.
5 - إذا نشزت المرأة، أو حُبست عن زوجها، سقطت نفقتها إلا أن تكون حاملاً.
6 - إذا غاب الزوج، ولم ينفق على زوجته، لزمه نفقة ما مضى.
7 - للزوجة طلب الفسخ من الزوج إذا أعسر بالنفقة، فإن غاب ولم يدع لها
نفقة، أو تعذر أخذها من ماله، فلها الفسخ منه بإذن الحاكم.
عَنْ جَابِرِ بنِ عَبدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في حديث حجة الوداع
... -وفيه-: أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « ... فَاتَّقُوا
اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أخَذْتُمُوهُنَّ بِأمَانِ اللهِ،
وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ
أنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أحَداً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ
فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ
رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ». أخرجه مسلم (1).
- حكم النفقة على الأصول والفروع:
يجب على الإنسان الإنفاق على والديه حتى ذوي الأرحام منهم، وتُقدم الأم على
الأب في البر والنفقة.
ويجب عليه الإنفاق على أولاده وإن سفلوا حتى ذوي الأرحام منهم، ولا
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1218).
(4/158)
تجب النفقة على الأصول والفروع إلا إن كان
المنفق غنياً، والمنفق عليه فقيراً، والوالد تجب عليه نفقة ولده كاملة
ينفرد بها.
1 - قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ
حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا
تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا
وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}
[البقرة:233].
2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا
رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ:
«أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ
أَدْنَاكَ». متفق عليه (1).
- حكم نفقة الأم على أولادها:
عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللهِ، ألِيَ أجْرٌ أنْ أُنْفِقَ عَلَى بَنِي أبِي سَلَمَةَ، إِنَّمَا هُمْ
بَنِيَّ؟ فَقال: «أنْفِقِي عَلَيْهِمْ، فَلَكِ أجْرُ مَا أنْفَقْتِ
عَلَيْهِمْ». متفق عليه (2).
- حكم النفقة على الأقارب:
تجب النفقة على كل من يرثه المنفق بفرض أو تعصيب.
قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ
كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا
تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا
وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}
[البقرة:233].
- شروط وجوب النفقة على الأقارب:
يشترط لوجوب النفقة على القريب من غير الأصول والفروع ما يلي:
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5971) , واللفظ له، ومسلم برقم (2548).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1467) , واللفظ له، ومسلم برقم (1001).
(4/159)
أن يكون المنفِق وارثاً للمنفَق عليه ..
وأن يكون المنفَق عليه فقيراً .. وأن يكون المنفِق غنياً .. وأن يكون
دينهما واحداً.
- حكم النفقة على ما يملكه الإنسان:
تجب النفقة على ما يملكه الإنسان من البهائم والطيور ونحوها، فيقوم
بإطعامها وسقيها وما يصلحها، ولا يُحمِّلها ما تعجز عنه.
فإن عجز عن نفقتها أُجبر على بيعها، أو إجارتها، أو ذبحها إن كانت مما
يؤكل.
ولا يجوز ذبح البهائم المريضة والكبيرة للإراحة، بل عليه أن يقوم بما
يلزمها، أو يطلقها لغيره إن عجز عن القيام بما يلزمها.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَفَى بِالمَرْءِ إِثْماً أنْ يَحْبِسَ
عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ». أخرجه مسلم (1).
- حكم رصد النفقة للمستقبل:
يجوز للإنسان أن يحبس لأهله قوت سنة لسد حاجتهم.
عَنْ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: كَانَتْ أمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ
مِمَّا أفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، مِمَّا لَمْ
يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ، فَكَانَتْ
لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى
أهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلاحِ
وَالكُرَاعِ، عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللهِ. متفق عليه (2).
- مقدار النفقة:
إنفاق الولد على والده وإنفاق الوالد على ولده يكون على قدر الكفاية،
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (996).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2904) , واللفظ له، ومسلم برقم (1757).
(4/160)
وسد الحاجة، لا على قدر الميراث، وكل ما
سوى الأصول والفروع تكون النفقة على قدر الميراث من القريب، ومن كان له ابن
فقير، وأخ موسر، وعكسه، فينفق على المحتاج كأن الآخر غير موجود.
ولا نفقة مع اختلاف دين؛ لأن اختلاف الدين يمنع الإرث، ويمنع النفقة.
ويستثنى في الإنفاق نوعان:
الأول: المملوك: فتجب نفقته ولو كان كافراً.
الثاني: الوالدان: فينفق على والديه ولو كانا كافرين؛ لأنه من الإحسان
إليهما، والبر بهما.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا
مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ
مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)} [لقمان:
15].
2 - وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنهَا قَالتْ:
قَدِمَتْ عَلَيَّ أمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،
قُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أفَأصِلُ أمِّي؟ قال:
«نَعَمْ، صِلِي أمَّكِ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2620) , واللفظ له، ومسلم برقم (1003).
(4/161)
17 - النشوز
- نشوز الزوجة: هو معصية الزوجة لزوجها فيما يجب عليها.
- نشوز الزوج: هو جفوة الزوج لزوجته، وإعراضه عنها.
- أساس النشوز:
النفوس مجبولة على الحرص على الحق الذي لها، وعدم الرغبة في بذل ما عليها،
وبذلك تصعب الحياة وتفسد، ويقع النشوز، وتعلن راية العصيان، وتتمزق أواصر
العلاقة بين الزوج وزوجه.
ولكي تصلح الأمور بين الزوجين لا بد من قلع هذا الخلق الدنيء، واستبداله
بضده، وهو السماحة ببذل الحق الذي عليك، والقناعة ببعض الحق الذي لك.
- أمارات النشوز:
نشوز الزوجة إما أن يكون بالقول، أو الفعل، أو بهما معاً، والكل محرم.
فالنشوز بالفعل كالإعراض عن الزوج، والعبوس في وجهه، وعدم طاعته فيما يجب،
والتثاقل والامتناع إذا دعاها لفراشه.
والنشوز بالقول كأن ترفع صوتها عليه، أو تجيبه بشدة، أو بكلام خشن، أو تسبه
وترميه بما ليس فيه ونحو ذلك.
والكل مذموم، والجمع بينهما يجعل المرأة ناراً لا يمكن الاقتراب منها، أو
الاستمتاع بها.
(4/162)
- أقسام الزوجات:
الزوجات قسمان:
1 - المرأة الصالحة: وهي المطيعة لربها وزوجها، وهذه لا تحتاج إلى تأديب.
2 - المرأة غير الصالحة: وهي التي تخل بحقوق الزوجية، وهي الناشز التي تعصي
زوجها، فهذه تحتاج إلى تأديب لتكون صالحة.
قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ
اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ
فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ
وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي
الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا
عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)}
[النساء:34].
- ميثاق الزواج:
الزواج في الإسلام ميثاق غليظ، وعهد متين، ربط الله به بين رجل وامرأة،
فأصبح كل منهما يسمى زوجاً بعد أن كان فرداً، وقد جعل الله كل واحد من
الزوجين موافقاً للآخر، ملبياً لحاجاته الفطرية والنفسية والعقلية
والجسدية، بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار.
ويحصل لهما بهذا الاجتماع السكن والمودة والرحمة، وتلبية رغائب كل منهما في
الآخر.
وقد عني الإسلام بهذه الرابطة الكريمة عناية فائقة، لتثمر أسرة صالحة،
وحياة سعيدة، فأمرهما بحسن المعاشرة، وجميل الصبر، وحسن الخلق.
فإذا طرأ على هذه الحياة السعيدة ما يغير جوها، ويمزق شملها، فقد أرشد
(4/163)
الإسلام إلى تصفية الجو بما يُصلح حال
الزوجين.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ
زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ
شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ
تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ
مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)} [النساء:20 - 21].
2 - وقال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ
مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
(21)} [الروم:21].
- كيفية علاج نشوز الزوجة:
يعالج نشوز الزوجة على التدريج بأمور:
الأول: الوعظ والإرشاد:
فإذا ظهر من الزوجة أمارات النشوز كأن لا تجيبه إلى الفراش أو الاستمتاع،
أو تجيبه متبرمة أو متكرهة أو عابسة، فهذه يعظها ويخوفها بالله عز وجل،
ويبين لها فضائل الطاعة، وحسن المعاشرة، وعقوبة المعصية؛ لئلا يستفحل
الأمر.
والموعظة عمل تهذيبي مؤثر، وهو أول واجب، ولكنه قد لا ينفع مع بعض النساء
لهوىً في النفس، أو استعلاء بمال، أو جمال، أو جاه ونحو ذلك مما ينسي
الزوجة أنها شريكة في حياة، وليست نداً في صراع.
الثاني: الهجر في الفراش:
والهجر حركة استعلاء نفسية من الرجل على كل ما تدلي به المرأة من جمال أو
افتخار، وإذا كان في المضجع فهو علاج نفسي بالغ، يفوِّت عليها السرور
(4/164)
والاستمتاع الذي هو عندها من أصعب الأمور.
ومكان الهجر في المضجع فقط، فلا يجوز للزوج أن يهجر زوجته أمام الأطفال؛
لئلا يورث نفوسهم الشر والقلق، ولا أن يهجرها أمام الناس؛ لئلا يذلها ويهين
كرامتها فتزداد نشوزاً وإصراراً، يهجرها في المضجع ما شاء، ويهجرها في
الكلام مدة لا تزيد على ثلاثة أيام.
وقد لا تنفع هذه الخطوة مع بعض النساء الناشزات، فينتقل إلى ما بعدها إن
أصرت على النشوز.
الثالث: الضرب غير المُبَرِّح:
والضرب إجراء ودواء يُلجأ إليه عند الضرورة، وهو وإن كان أعنف من الهجر فهو
أهون وأصغر من تحطيم بيت الزوجية بالفراق بسبب النشوز، والإصرار عليه.
فإذا أصرت على النشوز ضربها ضرباً غير شديد ولا شائن، ويجتنب أثناء الضرب
الوجه تكرمة له، ويجتنب أماكن الجمال؛ لئلا يشوهها، ويجتنب البطن وما يخشى
منه الموت.
وهذا الضرب ضرب تأديب مصحوب بعاطفة المؤدب المربي، الذي يزاوله الوالد مع
أولاده، فليس ضرب تعذيب للانتقام والتشفي، ولا ضرب إهانة للتحقير والإذلال،
ولا ضرب قسر للإرغام على معيشة لا ترضاها.
ويكون الضرب غير المبرح باليد على كتفها، أو بعصاً خفيفة، أو بسواك ونحوه؛
لأن القصد التأديب لا التعذيب.
1 - قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا
فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ
أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا
حَفِظَ
(4/165)
اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ
نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ
وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)} [النساء:34].
2 - وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا
تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ
أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ». متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ عَبْداللهِ بن زَمْعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ ... وَذَكَرَ النِّسَاءَ
فَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ،
فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ». متفق عليه (2).
4 - وَعَنْ أبِي بُرْدَةَ الأنْصَارِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَجْلِدُوا
فَوْقَ عَشْرَةِ أسْوَاطٍ إِلا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ». متفق عليه
(3).
5 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: أصْبَحْنَا
يَوْماً وَنِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَبْكِينَ، عِنْدَ
كُلِّ امْرَأةٍ مِنْهُنَّ أهْلُهَا، فَخَرَجْتُ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا
هُوَ مَلآنُ مِنَ النَّاسِ، فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَصَعِدَ
إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي غُرْفَةٍ لَهُ،
فَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أحَدٌ، ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أحَدٌ،
ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أحَدٌ، فَنَادَاهُ، فَدَخَلَ عَلَى
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟
فَقَالَ: «لا، وَلَكِنْ آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْراً». فَمَكَثَ تِسْعاً
وَعِشْرِينَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ. أخرجه البخاري (4).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6065) , واللفظ له، ومسلم برقم (2559).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4942) , واللفظ له، ومسلم برقم (2855).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6850) , واللفظ له، ومسلم برقم (1708).
(4) أخرجه البخاري برقم (5203).
(4/166)
الرابع: الإصلاح بينهما بواسطة الحكمين:
إذا تعذر إصلاحها بهذه الوسائل، وأصرت على نشوزها وسوء عشرتها، أو ادعى كل
من الزوجين ظلم صاحبه له ولا بينة لهما، بعثنا إليهما حَكَمين، مسلمين،
ذكرين، عدلين، فقيهين، حَكَماً من أهله، وحَكَماً من أهلها، ليكون أقرب
للتوفيق والإصلاح بينهما، ينويان الإصلاح، ويلطِّفا القول، ويرغِّبا ويخوفا
كلا الزوجين.
والحَكَمان وكيلان عن الزوجين، فلا يملكان تفريقاً إلا بإذن الزوجين، ولهما
أن يفعلا ما فيه مصلحة الزوجين من جمع أو تفريق.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا
حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا
يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا
(35)} [النساء:35].
2 - وقال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا
مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ
أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء:114].
الخامس: التفريق إذا تعذر الإصلاح:
إذا لم يحصل الجمع بين الزوجين، وتعذر الإصلاح والتوفيق بينهما، أجبر
الحاكم الزوج على خلعها أو فسخها أو طلاقها بعوض أو بدون عوض؛ لأنه تعذر
الإصلاح، فلم يبق إلا الطلاق، فلا ضرر ولا ضرار.
1 - قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا
آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ
اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا
تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ (229)} [البقرة:229].
(4/167)
2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا أنَّ امْرَأةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا
أعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أكْرَهُ الكُفْرَ فِي
الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أتَرُدِّينَ
عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ». قَالَتْ: نَعَمْ، قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً». أخرجه
البخاري (1).
- كيفية علاج نشوز الرجل:
إذا خشيت الزوجة أن تصبح مجفوة من زوجها، وأن تؤدي هذه الجفوة إلى الطلاق،
أو إلى الإعراض الذي يتركها كالمعلقة، أو يهدد أمن المرأة وكرامتها وأمن
الأسرة كلها، ففي هذه الأحوال لا حرج عليها ولا على زوجها أن تتنازل له عن
شيء من فرائضها المالية، أو حقوقها الزوجية، كأن تتنازل له عن نفقتها
الواجبة عليه أو بعضها، أو تتنازل له عن ليلتها إن كانت له زوجة أخرى
يُؤْثِرها.
تفعل ذلك كله إن رأته خيراً لها، وأكرم من طلاقها، ويحسن بالرجل تحقيق
رغبتها.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا
أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا
صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ
تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
(128)} [النساء:128].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهْا: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ
بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}. قَالَتْ: هِيَ المَرْأةُ تَكُونُ
عِنْدَ الرَّجُلِ لا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا، فَيُرِيدُ طَلاقَهَا
وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أمْسِكْنِي وَلا تُطَلِّقْنِي،
ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِي، فَأنْتَ فِي حِلٍّ مِنَ
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (5273).
(4/168)
النَّفَقَةِ عَلَيَّ وَالقِسْمَةِ لِي،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا
بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}. متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - إِذَا أرَادَ سَفَراً أقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ،
فَأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ
لِكُلِّ امْرَأةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، غَيْرَ أنَّ سَوْدَةَ
بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5206) , واللفظ له، ومسلم برقم (3021).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2593) , واللفظ له، ومسلم برقم (1463).
(4/169)
2 - الإيلاء
- الإيلاء: هو أن يحلف الرجل على ترك وطء زوجته أبداً، أو مدة تزيد على
أربعة أشهر.
- أصل الإيلاء:
الإيلاء هو الحلف، وكان هو والظهار طلاقاً في الجاهلية، يستخدمه العرب بقصد
الإضرار بالزوجة.
فكان الرجل إذا كان لا يحب امرأته، ولا يريد أن يتزوج بها غيره، يحلف أن لا
يمس امرأته أبداً أو السنة والسنتين بقصد الإضرار بها، فيتركها معذبة
معلقة، لا هي زوجة ولا مطلقة.
فوضع الله عز وجل حداً لهذا الجور، فحدده بأربعة أشهر، وأبطل ما فوقها
دفعاً للضرر والظلم.
- صفة الإيلاء:
1 - إذا حلف الرجل ألا يطأ زوجته مدة دون الأربعة أشهر لسبب.
1 - فالأولى أن يكفر عن يمينه ويطأها؛ لأن ذلك خير لها وله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَعْتَمَ رَجُلٌ عِنْدَ
النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَ
الصِّبْيَةَ قَدْ نَامُوا، فَأَتَاهُ أَهْلُهُ بِطَعَامِهِ، فَحَلَفَ لاَ
يَأْكُلُ، مِنْ أَجْلِ صِبْيَتِهِ، ثُمّ بَدَا لَهُ فَأَكَلَ، فَأَتَى
رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ
رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ حَلَفَ عَلَىَ يَمِينٍ،
فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، فَلْيَأَتِهَا، وَلْيُكَفِّرُ عَنْ
يَمِينِهِ». أخرجه مسلم (1).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (16509).
(4/170)
2 - إن لم يطأها زوجها ولم يكفر، فعليها
الصبر حتى ينقضي الأجل الذي سماه كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين
آلى من نسائه.
عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، فَجُحِشَتْ سَاقُهُ، أوْ كَتِفُهُ،
وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْراً، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ، دَرَجَتُهَا
مِنْ جُذُوعٍ، فَأتَاهُ أصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِساً
وَهُمْ قِيَامٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ قال: «إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ
لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا،
وَإذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإنْ صَلَّى قَائِماً فَصَلُّوا قِيَاماً».
وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقَالُوا: يَارَسُولَ اللهِ، إنَّكَ
آلَيْتَ شَهْراً؟ فَقَال: «إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ». متفق عليه
(1).
2 - إذا حلف ألا يطأها أبداً، أو مدة تزيد على أربعة أشهر.
فإن كفّر وعاد إلى وطئها سقط الإيلاء، وإن لم يكفّر ويعود إلى وطئها انتظرت
حتى تمضي أربعة أشهر، ثم طالبته بوطئها، فإن أبى طالبته بطلاقها، ولا يحل
لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بمعروف، أو يعزم بالطلاق.
قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ
أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)}
[البقرة:226 - 227].
- حكم الإيلاء:
الإيلاء فيه تأديب للنساء العاصيات الناشزات على أزواجهن، فأبيح منه بقدر
الحاجة، وهو أربعة أشهر فما دونها.
وأما ما زاد على ذلك فهو حرام، وفاعله آثم؛ لما فيه من الظلم والجور على
النساء، لأنه حلف على ترك واجب عليه.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (378) , واللفظ له، ومسلم برقم (411).
(4/171)
فمن آلى من زوجته أكثر من أربعة أشهر، فإذا
مضت الأربعة أشهر طالبته بالوطء، فإن وطئ فلا شيء عليه إلا كفارة يمين.
فإن أبى طالبته بالطلاق، فإن أبى طلّق عليه الحاكم طلقة واحدة، منعاً للضرر
عن الزوجة، فإن خرجت من العدة بعد الطلاق ولم يراجعها بانت منه.
- ألفاظ الإيلاء:
الإيلاء هو الحلف على ترك الوطء، وهو نوعان:
1 - الإيلاء الصريح: كأن يقول: والله لا أجامعك، أو لا أطؤك، أو لا أقربك،
أو لا أغتسل منك من جنابة ونحو ذلك مما يستعمل عرفاًَ في الوطء.
2 - ألفاظ الكناية التي لا تكون إيلاءً إلا بالنية على ترك الوطء: كأن
يقول: والله لا أقرب فراشك، أو لا يجمع رأسي ورأسك شيء، أو لا أدخل عليك
ونحو ذلك.
ومن ترك الوطء بغير يمين لزمه حكم الإيلاء، فيحدَّد له أربعة أشهر، ثم
يُطالَب بالوطء أو الطلاق.
- أركان الإيلاء:
للإيلاء أربعة أركان:
الحالف: وهو كل زوج يمكنه الجماع، والمحلوف به: وهو الله عز وجل.
والمحلوف عليه: وهو ترك الجماع، والمدة: وهي أكثر من أربعة أشهر.
فإذا حلف الزوج بالله على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر فهو مُوْلٍ
يجري عليه حكم الإيلاء.
قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ
أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)}
[البقرة:226 - 227].
(4/172)
3 - الظهار
- الظهار: هو أن يشبِّه الرجل زوجته بامرأة محرمة عليه على التأبيد أو بجزء
منها يحرم عليه النظر إليه كالظهر أو البطن أو الفخذ.
كأن يقول لزوجته: أنتِ علي كأمي، أو أختي، أو بنتي ونحو ذلك.
أو يقول: أنتِ علي كظهر أمي، أو كبطن أختي، أو كفخذ بنتي ونحو ذلك.
أو يقول: أنتِ علي حرام كظهر أمي، أو كأمي، أو كبنتي ونحو ذلك.
- أصل الظهار:
كان أهل الجاهلية إذا كره أحدهم امرأته، ولم يُرِد أن تتزوج بغيره آلى منها
أو ظاهر، فتبقى معلقة، لا ذات زوج، ولا خَلِيّة من الأزواج، وكان الظهار
طلاقاً في الجاهلية.
فأبطل الإسلام هذا الحكم، وجعل الظهار محرماً للزوجة حتى يكفِّر زوجها
كفارة الظهار؛ صيانة لعقد النكاح من العبث.
- حكمة إبطال الظهار:
أباح الإسلام نكاح الزوجة، ومن حَرَّم نكاح زوجته فقد قال منكراً من القول
وزوراً، فالظهار قائم على غير أصل، فالزوجة ليست أماً حتى تكون محرمة
كالأم.
وقد أبطل الإسلام حكم الظهار، فأنقذ الزوجة من الحرج والجور والظلم، وجعل
عقوبة مَنْ فعله ثم عاد كفارة غليظة للزجر عنه.
(4/173)
- حكم الظهار:
الظهار محرم؛ لأنه منكر من القول وزور.
ويجب على من ظاهر من زوجته أن يكفر كفارة الظهار قبل الوطء، فإن وطئ قبل
التكفير فهو آثم وعليه الكفارة، وعليه التوبة والاستغفار من قوله وفعله.
1 - قال الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي
زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ
نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا
اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ
وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)} [المجادلة:1 - 2].
- الفرق بين الظهار واللعان والإيلاء:
الظهار يشبه الإيلاء في أن كلاً منهما يمين تمنع الوطء، ويرفع منعه
الكفارة.
والظهار يشبه اللعان في أنه يمين لا شهادة.
- أركان الظهار:
للظهار أربعة أركان هي:
المظاهِر: وهو الزوج، والمظاهَر منها: وهي الزوجة.
والصيغة: وهي ما يصدر من الزوج من ألفاظ تدل على الظهار.
والمشبه به: وهي كل من يحرم وطؤها على التأبيد كالأم ونحوها.
- أحوال الظهار:
للظهار صور عديدة كما يلي:
1 - يصح الظهار منجزاً كقول الزوج لزوجته: أنت علي كظهر أمي.
(4/174)
2 - ويصح الظهار معلقاً كقوله: إذا دخل
رمضان فأنت علي كظهر أمي.
3 - ويصح الظهار مطلقاً كقوله: أنت علي كظهر بنتي.
4 - ويصح الظهار مؤقتاً كقوله: أنت على كظهري أختي في شعبان.
فإذا كان الظهار معلقاً أو منجّزاً، فلا يحل له أن يجامعها حتى يكفر كفارة
الظهار، وإن كان الظهار معلقاً أو مؤقتاً، فإذا مضى الوقت زال الظهار، وحلت
المرأة بلا كفارة، فإن وطئها في المدة لزمته الكفارة.
- أثر الظهار:
إذا ظاهر الرجل من امرأته ترتب عليه أمران:
الأول: حرمة وطء الزوجة حتى يكفر كفارة الظهار.
وكذلك يحرم عليه المسيس والتقبيل والمعانقة ونحو ذلك من مقدمات الجماع.
الثاني: وجوب الكفارة بالعَود وهو العزم على الوطء، فإذا وطئ المظاهر
امرأته قبل أن يكفر، استغفر الله تعالى من ارتكاب الإثم، وامتنع من
الاستمتاع بزوجته حتى يكفر.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ
يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
(3)} [المجادلة:3].
- صفة كفارة الظهار:
تجب كفارة الظهار على من ظاهر من امرأته وأراد العَود، والله رؤوف بالعباد
حيث جعل إطعام الفقراء والمساكين ومواساتهم كفارة للذنوب، وماحية
للآثام.
(4/175)
وتجب كفارة الظهار كما يلي:
1 - عتق رقبة سالمة من العيوب، صغيرة أو كبيرة، ذكراً أو أنثى.
2 - إذا لم يجد صام شهرين متتابعين.
3 - إذا لم يستطع أطعم ستين مسكيناً من قوت بلده، لكل مسكين نصف صاع، وهو
يعادل كيلو وعشرين جراماً تقريباً. وإن غدّى المساكين أو عشّاهم كفى.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ
يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
(3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ
أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا
ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ
وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)} [المجادلة:3 - 4].
- تكرار الكفارة:
إذا ظاهر من نسائه بكلمة واحدة لزمه كفارة واحدة، وإن ظاهر منهن بكلمات
متفرقة لكل واحدة لزمه لكل واحدة كفارة.
- وجوب الكفارة:
إذا قال لزوجته إذا ذهبت إلى مكان كذا فأنت علي كظهر أمي:
فإن قصد بذلك تحريمها عليه فهو مظاهِر، ولا يقربها حتى يكفر كفارة الظهار.
وإن قصد منعها من هذا الفعل، ولم يقصد تحريمها فلا تحرم عليه، لكن يجب عليه
كفارة يمين، ثم ينحل يمينه.
(4/176)
- حكم تحريم الحلال:
لا يجوز لأحد أن يحرم ما أحله الله على نفسه، ومن حرّم على نفسه حلالاً غير
وطء الزوجة من طعام أو لباس ونحوهما فهو آثم، وعليه كفارة يمين.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ
اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ
مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)} [التحريم:1 - 2].
2 - وقال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي
أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ
فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا
تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ
لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ
إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ
لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة:89].
(4/177)
|