موسوعة الفقه الإسلامي

4 - الطلاق
- الطلاق: فراق الزوجة بحل قيد النكاح أو بعضه بلفظ مخصوص.
- حكمة إباحة الطلاق:
شرع الله النكاح لإقامة الحياة الزوجية المستقرة، المبنية على المحبة والمودة بين الزوجين، وإعفاف كل منهما صاحبه، وتحصيل النسل، وقضاء الوطر.
وإذا اختلت هذه المصالح، وفسدت النوايا، وتنافرت الطباع، وساءت العشرة بين الزوجين ونحو ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى الشقاق المستمر الذي تصعب معه الحياة الزوجية، ولم ينفع الوعظ والهجر، واستُنفدت جميع وسائل الإصلاح بين الزوجين، واستعصى حل الخلافات الزوجية بسبب تباين الأخلاق، أو بسبب الإصابة بمرض لا يُحتمل، أو عقم لا علاج له ونحو ذلك مما يؤدي إلى ذهاب المودة والمحبة، ونمو الكراهية والبغضاء، وتعقُّد الحياة الزوجية، فإذا وصل الأمر إلى هذا الحد فقد شرع الله عز وجل رحمة بالزوجين فرجاً بالطلاق، لإزالة الضرر والمفسدة بعد تعذر الإصلاح بين الزوجين؛ لأن البقاء مع هذه الأحوال إضرار بالزواج بإلزامه النفقة والسكن، وحبس الزوجة مع سوء عشرتها.
- حكم الطلاق:
الطلاق له خمسة أحكام:
1 - مباح: إذا احتاج الزوج إليه لسوء خلق المرأة، أو كراهته لها.
2 - مستحب: إذا احتاجت الزوجة إليه لسوء خلق الرجل، أو إذا فرطت المرأة في

(4/178)


حقوق الله الواجبة كالصلاة ولا يمكنه إجبارها، أو إذا تضررت الزوجة ببقاء النكاح لبغض أو غيره ونحو ذلك.
3 - واجب: إذا تعذرت العشرة بين الزوجين، ولم يمكن الإصلاح بينهما، وتضرر كل منهما ببقاء الزوجية، وإذا آلى الزوج من زوجته، ومضت المدة ولم يرجع ونحو ذلك.
4 - مكروه: إذا لم تكن حاجة ماسة إليه، وحال استقامة الزوجين، وعدم القدرة على الصبر وتحمل الأذى من الزوجة.
5 - محرم: إذا كان الطلاق بدعياً، كأن يطلق الزوجة في حيض أو نفاس، أو في طهر جامعها فيه، أو يطلقها ثلاثاً بكلمة واحدة أو كلمات، أو يطلق زوجته من غير حاجة، أو إذا كان الطلاق سبباً لوقوعه في الحرام من زنا ونحوه.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} [الطلاق:1].
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهْما أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَألَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أمَرَ اللهُ أنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251) , واللفظ له، ومسلم برقم (1471).

(4/179)


- الطلاق عند اليهود:
الطلاق مباح عند اليهود بعذر أو بغير عذر، ولكنه لا يحسن بدون عذر.
والأعذار المبيحة للطلاق عندهم نوعان:
1 - عيوب الخلقة: كالعمش، والحول، والبخر، والعرج، والعقم.
2 - عيوب الأخلاق: كالوقاحة، والثرثرة، والعناد، والإسراف، والزنا ونحو ذلك.
وأما المرأة فليس لها أن تطلب الطلاق مهما تكن عيوب زوجها.
- الطلاق عند النصارى:
يحرم الطلاق عند النصارى، ولا يباح فصم الزواج لأي سبب مهما عظم شأنه، وحتى الخيانة الزوجية لا تعتبر مبرراً للطلاق.
وكل ما يباح حال الخيانة الزوجية هو التفرقة الجسمية، مع اعتبار الزوجية قائمة بين الزوجين، فلا يجوز لأحدهما أثناء هذه الفرقة أن يتزوج؛ لأن ذلك يعتبر تعدداً للزوجات وهو محرم عندهم.
- الطلاق في الجاهلية:
كان الرجل في الجاهلية يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها، وهي امرأته إذا راجعها وهي في العدة، وإن طلقها مائة مرة أو أكثر، حتى جاء الإسلام وحدد الطلاق بمرتين، فإذا طلق الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
- حكم إفساد بيت الزوجية:
الصلة بين الزوجين من أعظم الصلات وأوثقها، وأي إنسان أراد أن يفسد ما بين الزوجين من علاقة فهو آثم، مستحق للعقوبة، سواء كان رجلاً أو امرأة، كما يحرم على الزوجة أن تسأل زوجها طلاق ضرتها لتنفرد به.

(4/180)


1 - عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ، وَمَنْ خَبَّبَ عَلَى امْرِئٍ زَوْجَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا». أخرجه أحمد وابن حبان (1).
2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَسْأَلِ المَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، وَلْتَنْكِحْ، فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا». متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ ثوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاَقاً مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (3).
- من يملك الطلاق:
الطلاق من حق الرجل وحده؛ لأنه أحرص على بقاء الزوجية التي أنفق في سبيلها المال، وهو أكثر تريثاً وصبراً وتقديراً لعواقب الأمور، وأبعد عن الطيش عند حصول الخلاف.
أما المرأة فهي أسرع غضباً، وأكثر جزعاً، وأقل احتمالاً، وأقصر رؤية، وليس عليها من تبعات الطلاق مثل ما على الرجل، فلو ملكت المرأة التطليق فربما أوقعت الطلاق لأسباب بسيطة لا تستحق هدم الحياة الزوجية، بسبب انفعالها ولو كان الطلاق بيد كل من الزوجين لتضاعفت حالات الطلاق لأتفه الأسباب.
فالطلاق بيد الرجل، وللمرأة أن تشترطه لنفسها إن رضي الزوج، ولها إن تضررت بالزوج أن تفتدي نفسها منه بمال عن طريق الخلع.
_________
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (22980)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن حبان برقم (4348).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6601) , واللفظ له، ومسلم برقم (1413).
(3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2226) , وأخرجه الترمذي برقم (1187) , وهذا لفظه.

(4/181)


قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق:1].
- من يقع منه الطلاق:
يقع الطلاق من كل زوج بالغ عاقل مختار.
فإن كان صغيراً أو مجنوناً أو مكرهاً فإن طلاقه يعتبر لغواً، لأن كل واحد من هؤلاء ناقص الأهلية، فلا ينفذ تصرفه.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلاَثٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ». أخرجه أبو داود والنسائي (1).
- أركان الطلاق:
أركان الطلاق أربعة:
المطلق .. والمطلقة .. والصيغة .. والقصد.
فالمطلق: الزوج أو نائبه .. والمطلقة: هي الزوجة .. والصيغة: هي لفظ الطلاق .. والقصد .. نية الطلاق.
- صيغ الطلاق:
ينقسم الطلاق من حيث اللفظ إلى قسمين:
الأول: الطلاق الصريح: وهو ما كان بلفظ الطلاق وحده وما تصرَّف منه كطلقتك، أو أنت طالق، أو أنت مطلقة، أو علي الطلاق ونحو ذلك.
الثاني: الطلاق بالكناية: وهو كل لفظ يحتمل الطلاق وغيره، كقوله أنت بائن، أو
_________
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4398) , وأخرجه النسائي برقم (3432).

(4/182)


الحقي بأهلك، أو اخرجي، أو اذهبي، أو أنت خَلِيّة، أو أنت بَرِيّة، أو خلَّيت سبيلك ونحو ذلك.
فيقع الطلاق باللفظ الصريح بدون حاجة إلى نية، لأنه موضوع للطلاق.
فلو قال لزوجته أنت طالق، وقع الطلاق، ولا يُلتفت لقوله إنه لا يريد الطلاق.
ولا يقع الطلاق بالكناية إلا بالنية؛ لأنه لفظ يحتمل الطلاق وغيره، فإن نوى الطلاق لزمه، وإن لم ينوه فهو على ما نواه.
ومن قال لزوجته: أنت علي حرام، فهو على ما نواه من طلاق، أو ظهار، أو يمين.
- قيود إيقاع الطلاق:
قيد الشرع الطلاق بقيود شرعية منعاً للتسرع، وحفاظاً على الرابطة الزوجية؛ لأن النكاح جوهر ما تملكه المرأة، وبالطلاق يكون هدراً، وربما عاشت بعده أيِّماً، وفي التأيُّم غالباً مفاسد كثيرة، وهذه القيود هي:
أن يكون الطلاق لحاجة مقبولة .. وأن يكون في طهر لم يجامعها فيه .. وأن يكون مفرقاً ليس بأكثر من واحدة.
فإذا توافرت هذه الشروط كان الطلاق موافقاً للشرع لا إثم فيه، وإن فُقد واحد منها وقع، لكنه موجب للإثم والسخط الإلهي.
- أنواع الطلاق:
ينقسم الطلاق من حيث الحل والحرمة إلى قسمين:
الأول: الطلاق الحلال: وهو طلاق السنة، وذلك بأن يطلق الرجل زوجته في طهر

(4/183)


لم يجامعها فيه، أو يطلقها حاملاً قد تبين حملها.
الثاني: الطلاق المحرم: وهو الطلاق البدعي، وذلك بأن يطلق الزوج زوجته أثناء الحيض أو النفاس، أو يطلقها في طهر جامعها فيه، أو يطلقها بالثلاث مجموعة بكلمة واحدة أو كلمات.
وهذه الأحكام بالنسبة لمن دخل بها زوجها، أما غير المدخول بها فيجوز طلاقها طاهراً وحائضاً، ولا يجوز طلاقها بالثلاث مجموعة أو مفرقة.
- وقت الطلاق:
ضيَّق الإسلام وقت الطلاق رغبة في استدامة الحياة الزوجية، وتضييقاً لباب الفرقة، وتقليلاً لفرص الطلاق الذي يهدم بيت الزوجية، ويعصف بأفراد الأسرة.
فالمرأة في كل شهر تطهر غالباً ثلاثة وعشرين يوماً، ثم تحيض سبعة أيام، فإذا جامعها في الطهر مرة، فقد ضيق وقت الطلاق، وحرم عليه طلاقها فيه، أما في أثناء الحيض والنفاس فلا يجوز طلاقها فيه مطلقاً، أما وجود الحمل فهو غالباً ينقض العزم على الطلاق، ويوهن الرغبة في الفراق.
وبهذا نعلم أن وقت الطلاق كل شهر هو بعد الطهر من الحيض، وقبل أن يجامعها زوجها، وهو وقت قصير جداً.
- أقسام المطلقين:
المطلقون أصناف، ولكل صنف حكم كما يلي:
1 - طلاق الزوج البالغ العاقل المختار:
فهذا كامل الأهلية، يجوز له أن يطلق، وطلاقه يقع.

(4/184)


2 - طلاق المكره:
المكره لا يقع طلاقه؛ لأنه مسلوب الإرادة، فهو غير قاصد للطلاق، وإنما قصد دفع الأذى عن نفسه بتنفيذ أمر المكره له، فمن أُكره على النطق بكلمة الكفر لا يكفر، ومن أُكره على الإسلام لا يصبح مسلماً، ومن أُكره على النطق بكلمة الطلاق لا يقع طلاقه.
قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل:106].
3 - طلاق الغضبان:
الغضبان مكلف في حال غضبه، يحاسب على ما يصدر منه من كفر، أو قتل، أو طلاق أو غيره؛ لأنه واع يدرك ما يقول، وإذا اشتد الغضب بالإنسان بأن وصل إلى درجة لا يدري فيها ما يقول ويفعل ولا يقصده فإنه لا ينفذ تصرفه، ولا يقع طلاقه؛ لأنه مسلوب الإرادة.
4 - طلاق الصبي:
الصبي المميز الذي لم يبلغ لا يقع طلاقه؛ لأنه ناقص الأهلية، ولأن الطلاق تصرف ضار، فلا يملكه الصبي.
5 - طلاق المجنون:
من اختل عقله لا يقع طلاقه، كالمجنون، والمغمى عليه، والمعتوه، والمدهوش الذي أصابته مصيبة لا يدري ما يقول، ومن زال عقله لكبر أو مرض ونحوهما؛ لأن كل واحد من هؤلاء ناقص الأهلية، مسلوب الإرادة، فلا يقع طلاقه.

(4/185)


6 - طلاق السكران:
السكران الذي وصل إلى درجة الهذيان، وخلط الكلام، ولا يعي ما يقول أثناء سكره لا يقع طلاقه؛ لعدم توافر القصد، فهو زائل العقل كالمجنون، وعبارته ملغاة لا قيمة لها، لعدم أهليته.
وللسكر عقوبة أخرى هي الحد، فلا يُجمع عليه عقوبتان بذنب واحد، ولهذا مُنع السكران من الصلاة؛ لأنه فاقد العقل.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:43].
7 - طلاق السفيه:
السفيه: هو خفيف العقل الذي لا يحسن التصرف في ماله.
والسفيه البالغ يقع طلاقه إذا كان يعرف معناه؛ لأن الرشد ليس شرطاً في وقوع الطلاق.
8 - طلاق الهازل:
الهازل: هو الذي يتكلم ولا يقصد الحقيقة كأن يطلق زوجته هازلاً ولاعباً، فهذا آثم، ويقع طلاقه إن قصد الطلاق، فإن لم يقصد الطلاق فلا يقع؛ لأن الطلاق عمل يفتقر إلى نية، والهازل لا عزم له ولا نية.
9 - طلاق المخطئ:
المخطئ: هو الذي يريد أن يتكلم بشيء فيزل لسانه ويتكلم بغيره كأن يريد أن يقول لزوجته: أنت طاهر، فقال خطأ: أنت طالق.
فهذا لا يقع طلاقه؛ لعدم القصد والإرادة.

(4/186)


10 - طلاق الغافل:
الغافل: من غفل عما يريد.
والغافل لا يقع طلاقه؛ لعدم القصد.
11 - طلاق الناسي:
الناسي: من نسي ما يريد. والناسي لا يقع طلاقه؛ لعدم القصد.
12 - طلاق الساهي:
الساهي: هو من سهى بشيء عن شيء، والساهي لا يقع طلاقه؛ لعدم القصد.
13 - طلاق المرتد:
المرتد: هو من كفر بعد إسلامه.
وطلاق المرتد بعد الدخول موقوف:
فإن أسلم أثناء العدة وقع الطلاق، وإن لم يسلم حتى انقضت العدة، أو ارتد قبل الدخول، فطلاقه باطل، لانفساخ النكاح قبله باختلاف الدين.
14 - طلاق الكافر:
الكافر: هو كل من كفر بالله.
وطلاق الكافر البالغ العاقل المختار يقع كالمسلم.
15 - حكم طلاق المريض مرض الموت:
مرض الموت: هو المرض الغالب فيه الهلاك عادة إذا اتصل به الموت، فإذا طلق الرجل المريض مرض الموت وقع طلاقه كالصحيح، فإن مات المطلق من ذلك المرض ورثته المطلقة ما دامت في العدة من طلاق رجعي؛ لأن

(4/187)


الرجعية زوجة، ولا ترثه البائن.
وإن طلق امرأته في مرض الموت ثم ماتت لم يرثها وإن ماتت في العدة، وإن طلق زوجته طلاقاً بائناً، ثم مات الزوج أثناء العدة، فإن طلاقه لا يقع؛ لأنه قصد حرمانها من الإرث، وهذا ضرر محض، فعوقب بنقيض قصده فترثه، سواء مات في العدة أو بعدها.
16 - طلاق الشاك:
من شك في أصل الطلاق، هل طلق أم لا، لم تَطلقْ امرأته؛ لأن النكاح ثابت بيقين، فلا يزول إلا بيقين، ولا يُحكم بزواله بالشك.
ومن شك في عدد الطلاق بنى على اليقين وهو الأقل، فمن شك هل طلق ثلاثاً أم واحدة، يُحكم بوقوعه طلقة واحدة؛ لأنه المتيقَّن، وفي الزيادة شك.
ومن شك في صفة الطلاق، هل طلقها رجعية أو بائناً، يُحكم بالرجعية؛ لأنها أضعف الطلاقين، فكانت متيقنة، واليقين لا يزول بالشك.
- أقسام المطلقات:
المطلقات أصناف، ولكل صنف حكم كما يلي:
1 - المطلقة في طهر لم يجامعها فيه:
فهذه طلاقها صحيح؛ لأنه في العدة المقررة شرعاً.
2 - المطلقة الحامل:
فهذه طلاقها صحيح؛ لأنه في العدة المقررة شرعاً.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ

(4/188)


بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} [الطلاق:1].
2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِراً أوْ حَامِلاً». متفق عليه (1).
3 - المطلقة الحائض أو النفساء:
فهذه طلاقها محرم؛ لأنه في غير العدة الشرعية، وإذا حصل هذا الطلاق وقع، وأثم فاعله، وعليه أن يراجعها منه إن لم تكن الطلقة الثالثة، فإذا طهرت إن شاء طلقها وإن شاء أمسكها.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَألَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقُ بَعْدُ، أوْ يُمْسِكُ». متفق عليه (2).
4 - المطلقة الرجعية:
وهي المطلقة طلقة واحدة أو طلقتين، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإذا خرجت من العدة جاز له ولغيره نكاحها بعقد ومهر جديدين.
5 - المطلقة البائن:
وهي المطلقة ثلاثاً، وهذه لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره بنكاح صحيح، فإذا طلقها الثاني حلّت بنكاح جديد للأول.
قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251)، ومسلم برقم (1471) واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251) , ومسلم برقم (1471) , واللفظ له.

(4/189)


يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [البقرة:229 - 230].
6 - المطلقة قبل الدخول:
فهذه لا عدة عليها، ولا رجعة لزوجها فيها.
7 - المطلقة المفسوخة:
وهي التي فسخها القاضي من زوجها بسبب منه أو منها، وهذه عدتها حيضة واحدة للاستبراء، وطلاقها بائن لا رجعة فيه.
8 - المطلقة المختلعة:
وهي التي افتدت نفسها من زوجها بمال ليطلقها ويخلي سبيلها.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ امْرَأةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ». قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً». أخرجه البخاري (1).
9 - المطلقة ثلاثاً:
من طلق زوجته ثلاثاً بلفظ واحد، أو بكلمات متفرقة، فهذا الطلاق محرم، وفاعله آثم، ويقع، لكنه يُحسب واحدة.
10 - المطلقة الصغيرة:
الطلاق بيد الزوج، ويقع الطلاق على كل زوجة، سواء كانت صغيرة أو
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (5273).

(4/190)


كبيرة، حرة كانت أو أمة، قبل الدخول وبعده، ويصح وقوع الطلاق من الزوج أو وكيله، ويطلِّق الوكيل واحدة ومتى شاء، إلا أن يعيِّن له وقتاً وعدداً.
- الأحوال التي يحرم فيها الطلاق:
يحرم على الزوج أن يطلق زوجته في الأحوال الآتية:
في حال الحيض والنفاس .. وفي طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها .. وأن يطلقها ثلاثاً بلفظ واحد، أو يكررها في مجلس واحد.
- الأحوال التي يجوز فيها للمرأة طلب الطلاق:
يجوز للزوجة طلب الطلاق من القاضي إذا تضررت تضرراً لا تستطيع الحياة في ظله.
ومن الأحوال التي يجوز فيها للمرأة طلب الطلاق ما يلي:
1 - إذا قصَّر الزوج في النفقة.
2 - إذا أضر الزوج بزوجته إضراراً لا تستطيع معه دوام العشرة، مثل سبها، أو ضربها، أو إيذائها بما لا تطيقه، أو إكراهها على منكر ونحو ذلك.
3 - إذا تضررت بغيبة زوجها وخافت على نفسها الفتنة.
4 - إذا حُبس زوجها مدة طويلة وتضررت بفراقه.
5 - إذا رأت المرأة بزوجها عيباً مستحكماً كالعقم، أو عدم القدرة على الوطء، أو رائحة كريهة منفرة، أو مرضاً مزمناً يمنع الوطء والاستمتاع، أو مرضاً خطيراً معدياً ونحو ذلك.
6 - إذا كان زوجها يترك الفرائض، أو لا يبالي بارتكاب الكبائر والمحرمات، كمن لا يصلي أحياناً، أو يشرب الخمر، أو يزني، أو يتعاطى المخدرات ونحو ذلك.

(4/191)


- وقوع الطلاق:
1 - يقع الطلاق على الزوجة إذا كانت محلاً له، بأن تكون الزوجية قائمة بينهما، أو تكون معتدة من طلاق رجعي، أو معتدة من طلاق بائن بينونة صغرى، أو تكون معتدة بفرقة تعتبر طلاقاً.
2 - لا يقع الطلاق على المرأة إذا لم تكن محلاً له، فالمعتدة من فسخ الزواج بسبب عدم الكفاءة، أو لظهور فساد العقد، لا يقع عليها الطلاق؛ لأن العقد قد نُقض من أصله.
والمطلقة قبل الدخول لا يقع عليها الطلاق؛ لأن العلاقة الزوجية بينهما قد انتهت بمجرد التطليقة الأولى.
ولا يقع الطلاق على المعتدة من طلاق الثلاث؛ لأنها قد بانت منه.
ولا يقع الطلاق على من طُلِّقت وانتهت عدتها؛ لأنها بانتهاء العدة صارت أجنبية منه.
ولا يقع الطلاق على امرأة أجنبية ليست زوجة له؛ لأنها ليست محلاً له.
- ما يقع به الطلاق:
يقع الطلاق بكل ما يدل على إنهاء العلاقة الزوجية سواء كان ذلك باللفظ الصريح كأنت طالق ونحوه، أو كان بالكناية كالحقي بأهلك، أو أنت علي حرام ونحو ذلك إذا قصد الطلاق، أو كان الطلاق بالكتابة البينة المعلومة كأن يكتب لزوجته يا فلانة أنت طالق ونحو ذلك، أو كان الطلاق بالإشارة التي تدل على إنهاء العلاقة الزوجية كالأخرس، إشارته كلفظ الصحيح، يقع بها الطلاق.

(4/192)


ويصح الطلاق بإرسال رسول يبلغ الزوجة الغائبة بأنها مطلقة، فيطلقها نيابة عن الزوج، ويقع الطلاق بدون إشهاد، ويستحب الإشهاد على النكاح، والطلاق، والرجعة، ولا يجب.
قال الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق:2 - 3].
- حكم تحريم المرأة:
إذا حرم الرجل امرأته كأن يقول: أنت علي حرام، فلا يخلو من ثلاثة أمور:
1 - أن يكون قصده تحريم العين، فهذه يمين يكفِّرها؛ لأنه حرَّم الحلال.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)} [التحريم:1 - 2].
2 - أن يكون قصده الطلاق، فهذا يقع طلاقه؛ لأن لفظ التحريم كناية من كنايات الطلاق.
3 - أن يكون قصده الظهار، فهذا يكون ظهاراً، وفيه كفارة ظهار كما سبق.
- أنواع فرقة النكاح:
الفرقة بين الزوجين تكون إما بطلاق أو فسخ.
1 - الفرقة بسبب الطلاق: هي ما كانت بألفاظ الطلاق صريحاً أو كناية.

(4/193)


2 - الفرقة بسبب الفسخ تكون فيما يلي:
الخلع إذا كان بغير لفظ الطلاق .. ردة أحد الزوجين .. الفرقة بسبب العيب المشترك كالجنون والصرع .. أو المختص بالمرأة كالرتق والقروح السيالة، أو المختص بالرجل كالجب والعِنّة .. إسلام أحد الزوجين .. الفرقة بسبب الإيلاء .. الفرقة بسبب اللعان .. الفرقة بسبب الإعسار في المهر أو النفقة أو السكن .. فرقة إسلام الزوج على أختين أو أكثر من أربع نساء .. فرقة عدم الكفاءة بين الزوجين .. الفرقة بسبب الرضاع ونحو ذلك.
- الفرق بين الطلاق والفسخ:
الفرق بين الطلاق والفسخ من ثلاثة أوجه:
الأول: أن الطلاق إنهاء لعقد النكاح، لكن لا يزول الحل إلا بعد البينونة الكبرى.
أما الفسخ فهو نقض للعقد من أساسه.
الثاني: أن الطلاق لا يكون إلا بناءً على عقد صحيح لازم، أما الفسخ فيكون بسبب حالات طارئة على العقد كردة الزوجة، أو جماع الزوج لأم زوجته أو بنتها ونحو ذلك، أو بسبب حالات مقارنة للعقد تقتضي عدم لزومه من الأصل كخيار البلوغ لأحد الزوجين، وخيار أولياء المرأة التي تزوجت من غير كفء.
الثالث: الطلاق ينقص عدد الطلقات التي يملكها الرجل، أما الفسخ فلا ينقصها.
فكل فرقة بسبب من جانب المرأة تكون فسخاً، وكل فرقة من جانب الرجل أو بسبب منه فهي طلاق.

(4/194)


- من يملك الفسخ:
فسخ النكاح: هو حل الرابطة التي تربط بين الزوجين.
والفسخ قد يكون بسبب خلل وقع في العقد، كما إذا تم العقد فتبين أن الزوجة أخته من الرضاع، وقد يكون بسبب طارئ عليه يمنع بقاءه، كما إذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام، فيفسخ العقد بسبب الردة الطارئة، فإذا كان سبب الفسخ جلياً فسخ الزوجان النكاح من تلقاء أنفسهما، كما إذا تبين للزوجين أنهما أخوان من الرضاع.
وإذا كان سبب الفسخ خفياً فلا يفسخه إلا القاضي كالفسخ بسبب الردة، أو بسبب العيب، أو بسبب النشوز ونحو ذلك.
- الحالات التي يطلق فيها القاضي:
يجوز للقاضي أن يطلق الزوجة من زوجها عند طلبها في الأحوال الآتية:
عدم نفقة الزوج عليها .. وجود العيب بالزوج .. غيبة الزوج بلا عذر .. حبس الزوج .. حصول الضرر بسبب الزوج كأن يضربها، أو بسبها، أو يؤذيها ونحو ذلك.
فيجوز في هذه الحالات وأمثالها أن تطلب المرأة الطلاق من زوجها إذا تضررت، أو خشيت الوقوع فيما حرم الله بسبب بُعد الزوج عنها، أو عدم قدرته على جماعها.
قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229].

(4/195)


الطلاق المنَجَّز والمعلَّق
الطلاق إما أن يكون منجزاً، أو مضافاً، أو معلقاً كما يلي:
1 - الطلاق المنجز: وهو ما يُقصد به حصول الطلاق في الحال، كأن يقول الزوج لزوجته: أنت طالق أو طلقتك ونحو ذلك، وهذا الطلاق يقع في الحال متى صدر من أهله، وصادف محلاً له.
2 - الطلاق المضاف: وهو كل طلاق اقترن بزمن مستقبل، كأن يقول لزوجته: أنت طالق غداً، أو رأس السنة، أو بعد شهر ونحو ذلك، وهذا الطلاق لا يقع إلا عند حلول الأجل الذي حدده.
3 - الطلاق المعلق: وهو كل طلاق جعل الزوج حصول الطلاق فيه معلقاً على شرط.
كأن يقول لزوجته إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق، فإذا ذهبت إلى السوق طلقت.
ويشترط لصحة وقوع الطلاق المعلق ثلاثة شروط هي:
أن يكون التعليق على أمر معدوم يمكن وجوده في المستقبل .. وأن تكون المرأة في عصمته .. وأن تكون كذلك حين حصول المعلق عليه.
- أقسام الطلاق المعلق:
الطلاق المعلق قسمان:
الأول: إن كان يقصد بطلاقه المعلق الحمل على الفعل أو الترك، أو الحظر أو المنع، أو تأكيد الخبر ونحو ذلك، كأن يقول لزوجته مريداً منعها من الخروج

(4/196)


لا إيقاع الطلاق: إن خرجت من الدار فأنت طالق، يقصد منعها من الخروج، فهذا الطلاق لا يقع، ويجب فيه كفارة يمين إذا خالفت، والكفارة: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام.
الثاني: أن يقصد وقوع الطلاق عند حصول الشرط كأن يقول: إن دخلت بيت فلان فانت طالق، فهذا الطلاق يقع إذا حصل الشرط المعلق عليه.
وإذا قال لزوجته إن ولدت ذكراً فأنت طالق طلقة، وإن ولدت أنثى فأنت طالق طلقتين، فولدت ذكراً ثم أنثى، طلقت بالأول، ثم بانت بالثاني.
- حكم الطلاق قبل الزواج:
إذا علق طلاق امرأة أجنبية على نكاحه لها فقال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، أو قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فهذا الطلاق لا يقع؛ لعدم وجود المحل أثناء الطلاق.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)} ... [الأحزاب:49].
2 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ نَذرَ لاِبْنِ آدَمَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ وَلاَ عِتْقَ لَهُ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ وَلاَ طَلاَقَ لَهُ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ». أخرجه أبو داود والترمذي (1).
- حكم التوكيل في الطلاق:
الرجل كما يملك الطلاق بنفسه يملك إنابة غيره فيه، ويقع الطلاق من غير
_________
(1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (2190) , وأخرجه الترمذي برقم (1181) , وهذا لفظه.

(4/197)


الزوج بإذنه إما بالتوكيل، أو التفويض، أو الرسالة.
فالتوكيل: إنابة الزوج غيره في طلاق زوجته كأن يقول لغيره: وكّلتك في طلاق زوجتي، فإذا قَبِل الوكيل الوكالة، ثم قال لزوجة موكِّله: أنت طالق، فقد وقع الطلاق، وكل من صح طلاقه صح توكيله، والوكيل في الطلاق مقيد بالعمل برأي الموكِّل، فإذا تجاوزه لم ينفذ تصرفه إلا بإجازة الموكِّل، وللموكِّل أن يعزل الوكيل متى شاء.
وإذا وكل الزوج زوجته في طلاق نفسها صح توكيلها، وطلاقها لنفسها؛ لأنه يصح توكيلها في طلاق غيرها، فكذا في طلاق نفسها.
- حكم الطلاق بالرسالة:
الطلاق بالرسالة له صورتان:
الأولى: أن يكتب الزوج رسالة بالطلاق إلى زوجته، ويرسلها محررة إليها، كأن يكتب لها حرفياً أنت طالق، أو مطلقة ونحو ذلك مما يفيد الطلاق، فإذا استلمتها صارت طالقاً.
الثانية: أن يرسل إليها رسالة شفوية بالطلاق، كأن يقول الزوج لرجل: اذهب إلى فلانة زوجتي وقل لها: إن زوجك يقول لك أنت طالق.
فإذا ذهب الرسول إليها، وبلّغها الرسالة على وجهها، وقع الطلاق، والرسول ناقل لا مطلق.
- حكم تفويض الزوجة بالطلاق:
الطلاق حق من حقوق الزوج، فله أن يطلق زوجته بنفسه .. وله أن يفوضها في طلاق نفسها .. وله أن يوكل غيره في الطلاق، وكلٌّ من التفويض

(4/198)


والتوكيل لا يُسقط حقه في الطلاق، ولا يمنعه من استعماله متى شاء، والتفويض: إنابة الزوج زوجته في طلاق نفسها، كأن يقول لها: أمرك بيدك ونحو ذلك.
- أنواع التفويض بالطلاق:
التفويض بالطلاق ثلاثة أنواع:
1 - التوكيل: وهو أن يوكل الرجل زوجته في طلاق نفسها، فلها أن تطلق نفسها واحدة أو أكثر حسب ما وكلها فيه، وله أن يعزلها ما لم تفعل الموكَّل فيه.
2 - التمليك: وهو أن يُمَلِّك الرجل زوجته أمر نفسها كأن يقول لها: جعلت أمرك بيدك، أو جعلت طلاقك بيدك ونحو ذلك.
ولها بهذا التمليك أن تطلق نفسها واحدة أو أكثر حسب ما ملَّكها زوجها من الوقت والعدد.
3 - التخيير: وهو أن يخيرها زوجها بين البقاء معه أو الفراق كأن يقول لها: اختاريني أو اختاري نفسك، فلها أن تفعل من الأمرين ما أحبت، فإن اختارت الفراق طلقت نفسها واحدة أو أكثر حسب ما فوضه إليها من الوقت والعدد.
فإذا قال لزوجته اختاري البقاء أو الطلاق، فقالت: طلقت نفسي، وقع الطلاق حسب تفويض الزوج بائناً أو رجعياً.
عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْراً، فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ». قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ،
قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ

(4/199)


الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} -إِلَى- {أَجْرًا عَظِيمًا} قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ، فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ مَا فَعَلْتُ. متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4786) , واللفظ له، ومسلم برقم (1475).

(4/200)


الطلاق السني والبدعي
- أقسام الطلاق:
ينقسم الطلاق من حيث موافقته للسنة وعدم موافقته إلى قسمين:
الطلاق السني: وهو ما أذن الشرع فيه.
والطلاق البدعي: وهو ما نهى الشرع عنه.
1 - أقسام الطلاق السني:
يجوز للزوج أن يطلق زوجته طلاق سُنّة كما يلي:
الأولى: أن يطلق الزوج امرأته المدخول بها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، وله مراجعتها ما دامت في العدة وهي ثلاثة قروء.
1 - إذا انقضت العدة ولم يراجعها طَلُقت وبانت منه بينونة صغرى، فلا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين، ويجوز لها بعد العدة الزواج منه أو من غيره.
2 - إن طلقها ثانية فيطلقها كالطلقة الأولى، فإن راجعها في العدة فهي زوجته، وإن لم يراجعها طَلُقت وبانت بينونة صغرى، فلا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين، ويجوز لها بعد العدة الزواج منه أو من غيره.
3 - إن طلقها ثالثة كما سبق بانت منه بينونة كبرى، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره بنكاح صحيح مشتمل على الوطء، فهذا الطلاق بهذه الصفة، وهذا الترتيب، سُنِّي من جهة العدد، وسُنِّي من جهة الوقت.
1 - قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ

(4/201)


إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} [البقرة:228].
2 - وقال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [البقرة:229 - 230].
3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهْما أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَألَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أمَرَ اللهُ أنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ». متفق عليه (1).
الثانية: أن يطلق الزوج زوجته بعد أن يتبين حملها طلقة واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة قبل وضع الحمل، فإذا وضعت الحمل وهو لم يراجعها طَلُقت منه، فلا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين، ويجوز لها بعد العدة أن تتزوج منه أو من غيره.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِراً أوْ حَامِلا». متفق عليه (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251) , واللفظ له، ومسلم برقم (1471).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251)، ومسلم برقم (1471) واللفظ له.

(4/202)


الثالثة: إذا كانت الزوجة لا تحيض كالصغيرة والآيسة، أو كانت غير مدخول بها، طلقها في أي وقت شاء طاهراً أو حائضاً، وتقع طلقة بائنة.
- شروط طلاق السنة:
طلاق السنة ما تحقق فيه أربعة شروط:
1 - أن تكون الزوجة حاملاً، أو طاهراً من الحيض أو النفاس حين الطلاق.
2 - ألا يجامعها زوجها في ذلك الطهر الذي طلقها فيه.
3 - أن تكون الطلقة واحدة في الطهر.
4 - ألا يُتبعها الزوج طلاقاً آخر حتى تنقضي عدتها من طلقةٍ قبلها.
وطلاق السنة: إما من ناحية الوقت، أو من ناحية العدد.
فالسنة في العدد يستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها، والسنة في الوقت تكون في حق المدخول بها فقط، وهي أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، أما غير المدخول بها فيطلقها في حال الطهر أو الحيض على حد سواء.
- حكم متعة الطلاق:
إذا حصل الطلاق، ووقعت الفرقة، فيسن للزوج أن يُمَتِّع زوجته المطلقة بما يناسب حاله وحالها؛ جبراً لخاطرها، وتطييباً لقلبها وأداء لما نقص من حقها.
1 - قال الله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)} [البقرة:241].
2 - وقال الله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ

(4/203)


فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)} [البقرة:236].
- حكم طلاق من لم يُسمَّ لها مهر:
إذا طُلّقت من لم يسم لها مهر قبل الدخول وجبت المتعة على الزوج حسب قدرته، وإن طُلّقت من لم يسم لها مهر بعد الدخول فلها مهر المثل من غير متعة.
قال الله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)} [البقرة:236].
- حكم طلاق من سمي لها مهر:
إذا طلق الزوج زوجته قبل الدخول وقد فرض لها صداقاً فلها نصفه، إلا أن تعفو أو يعفو وليها، وإن كانت الفرقة من قِبَلها سقط حقها كله، وإذا كانت الفرقة بعد الدخول لزم الزوج المهر كله.
قال الله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)} [البقرة:237].
- إذا افترق الزوجان في نكاح فاسد قبل الدخول فلا مهر ولا متعة، وإن كان بعد الدخول وجب لها المهر المسمى بما استحل من فرجها.

(4/204)


- حكم الإشهاد على الطلاق:
يقع الطلاق بدون إشهاد؛ لأن الطلاق من حقوق الرجل، ولا يحتاج إلى بينة كي يباشر حقه.
ويستحب الإشهاد على الطلاق ولا يجب، وذلك بشهادة رجلين عدلين.
قال الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق:2 - 3].
- إثبات الطلاق:
كمال الطلاق أن يكون على السنة في الوقت والعدد، وأن يَشهد عليه رجلان عدلان، وأن يُثبت ويُكتب؛ لحفظ حق الزوجة، وتسهيل زواجها من آخر، وقطع النزاع إن حصل.
وإذا ادعت الزوجة أن زوجها طلقها فالقول قول الزوج مع يمينه؛ لأن الأصل بقاء النكاح، وعدم الطلاق، ما لم تكن معها بينة فيُقبل قولها، ويَنفذ الطلاق.
2 - أقسام الطلاق البدعي:
الطلاق البدعي: هو الطلاق المخالف للشرع.
والطلاق البدعي قسمان:
الأول: طلاق بدعي في الوقت:
كأن يطلقها في حيض أو نفاس، أو في طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها،

(4/205)


فهذا الطلاق محرم ويقع، وفاعله آثم، ويجب عليه أن يراجع زوجته منه إن كان الطلاق رجعياً، وإذا راجع الحائض أو النفساء أمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها، ومن طلقها في طهر جامعها فيه أمسكها حتى تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلقها أو أمسكها.
1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِراً أوْ حَامِلاً». متفق عليه (1).
2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَألَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقُ بَعْدُ، أوْ يُمْسِكُ». متفق عليه (2).
الثاني: طلاق بدعي في العدد:
كأن يطلقها ثلاثاً بكلمة واحدة فيقول: أنت طالق ثلاثاً، أو بالثلاث، أو يطلقها ثلاثاً متفرقات في مجلس واحد فيقول: أنت طالق، طالق، طالق، وهذا الطلاق محرم؛ لأنه في غير العدة المشروعة للطلاق، ومن طلق هذا الطلاق فهو آثم، ويقع طلاقه، لكن الطلاق ثلاثاً بكلمة واحدة أو كلمات في طهر واحد لا يقع إلا واحدة.
وإذا كانت المرأة لا تحيض لصغر أو إياس، أو غير مدخول بها، فلا سنة ولا بدعة في طلاقها، فيطلقها زوجها متى شاء من الأوقات، وحال الحيض أو الطهر لغير المدخول بها، أما العدد فيثبت لهؤلاء وغيرهن، فيجب العمل به.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251)، ومسلم برقم (1471) واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251) , ومسلم برقم (1471) , واللفظ له.

(4/206)


وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} [الطلاق:1].
- حكم طلاق الثلاث:
إذا عقد الزوج على زوجته مَلَك عليها ثلاث طلقات، ويحرم عليه أن يطلقها ثلاثاً بلفظ واحد، أو بألفاظ متتابعة في مجلس واحد؛ لأنه بذلك يسد باب التلاقي عند الندم، ويضر المرأة، ويخالف الشرع، ويتعدى حدود الله بإيقاع الطلاق ثلاثاً دفعة واحدة، والله يريدها مفرقة؛ لِتُمْكن الرجعة.
1 - إذا طلق الرجل زوجته ثلاثاً بكلمة واحدة، أو بكلمات متفرقات في مجلس واحد، أو في طهر واحد، فلا يقع إلا طلقة واحدة؛ لأن جمع الثلاث محرم، وغير مشروع، فيقع طلقة واحدة، اعتباراً بأصل الطلاق، ويلغي الوصف المحرم.
قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [البقرة:229 - 230].
2 - إذا تتابع الناس على الطلاق، وتساهلوا به، وأكثروا منه، وكان في إلزامهم به مصلحة أُلزموا به كما فعل عمر رضي الله عنه، فإن لم تكن مصلحة فلا تقع الثلاث إلا واحدة.

(4/207)


عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الطَّلاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ، طَلاقُ الثَّلاثِ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أنَاةٌ، فَلَوْ أمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ! فَأمْضَاهُ عَلَيْهِمْ. أخرجه مسلم (1).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1472).

(4/208)


الطلاق الرجعي والبائن
- أقسام الطلاق:
ينقسم الطلاق من حيث وقوعه إلى قسمين:
طلاق رجعي .. وطلاق بائن.
الأول: الطلاق الرجعي:
الطلاق الرجعي: هو الذي يملك الزوج بعده إعادة المطلقة المدخول بها إلى الزوجية ما دامت في العدة ولو لم ترض، من غير حاجة إلى عقد ومهر جديدين، بقصد الاستمتاع بها لا الإضرار بها.
ويكون الطلاق الرجعي بعد الطلقة الأولى والثانية.
فإذا طلق زوجته الطلقة الأولى، فله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن راجعها وهي في العدة ثم طلقها الثانية فله مراجعتها ما دامت في العدة.
وهي في الحالتين زوجته ما دامت في العدة، يرثها وترثه، ولها النفقة والسكنى، وله أن يستمتع بها ويطأها.
وإذا انتهت العدة من الطلقة الأولى أو الثانية ولم يراجعها، انقلب الطلاق الرجعي بائناً بينونة صغرى، ولا يملك الزوج بعدها إرجاع زوجته المطلقة إلا بعقد ومهر جديدين، وللزوجة بعد انتهاء عدة الطلاق الرجعي أن تتزوج زوجها الأول أو غيره، فإن راجعها بعد الطلقة الثانية وهي في العدة، ثم طلقها الثالثة، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
1 - قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ

(4/209)


أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [البقرة: 229 - 230].
2 - وقال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} [البقرة: 228].
3 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)} [البقرة: 231].
- آثار الطلاق الرجعي:
يترتب على الطلاق الرجعي الآثار الآتية:
نقص عدد الطلقات .. إمكان المراجعة أثناء العدة .. انتهاء رابطة الزوجية بالخروج من العدة .. المرأة الرجعية زوجة ما دامت في العدة.
- ضابط الطلاق الرجعي:
كل طلاق يقع رجعياً إلا إذا كان قبل الدخول .. أو كان على مال كالخلع .. أو
كان مكملاً للثلاث.

(4/210)


- مكان عدة المطلقة الرجعية:
يجب على المطلقة الرجعية -وهي المطلقة طلقة واحدة أو طلقتين بعد الدخول- أن تبقى وتعتد في بيت زوجها لعله يراجعها.
ويستحب لها أن تتزين لزوجها، وتتطيب له، وتلبس الحلي، ليكون ذلك باعثاً له على إمساكها والرغبة فيها.
ولا يجوز للزوج إخراج مطلقته الرجعية من بيتها إن لم يراجعها حتى تنقضي عدتها؛ لأنها زوجته.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} ... [الطلاق: 1].
الثاني: الطلاق البائن:
الطلاق البائن: هو الطلاق الذي تنفصل به الزوجة من زوجها نهائياً.
والطلاق البائن ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: بائن بينونة صغرى:
وهو الطلاق الذي لا يستطيع الزوج بعده أن يعيد المطلقة إليه إلا بعقد ومهر جديدين.
- أحوال الطلاق البائن بينونة صغرى:
يكون الطلاق بائناً بينونة صغرى في الأحوال التالية:
1 - الطلاق قبل الدخول:

(4/211)


لأن هذا الطلاق لا تجب به العدة، ولا يقبل الرجعة، وإذا لم تجب العدة فلا تمكن المراجعة؛ لأن الرجعة لا تكون إلا في العدة.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)} [الأحزاب: 49].
2 - الطلاق دون الثلاث:
فإذا طلق زوجته طلقة واحدة، ثم انتهت عدتها ولم يراجعها، طلقت طلاقاً بائناً بينونة صغرى.
ومن حقه كغيره أن يتزوجها بعد العدة بعقد ومهر جديدين، ولو لم تنكح زوجاً غيره.
وكذا لو طلقها الطلقة الثانية، ولم يراجعها في العدة، بانت منه بينونة صغرى، وله نكاحها بعد العدة بعقد ومهر جديدين، ولو لم تنكح زوجاً غيره.
ويحرم على أهل الزوجة عضلها ومنعها من نكاح زوجها الأول بعد العدة.
1 - قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)} [البقرة: 232].
3 - الطلاق على مال:
فإذا خالع الرجل امرأته على مال تدفعه له ليفارقها، أو طلقها على مال تدفعه
له لتنهي علاقتها به، طَلُقت، وليس له مراجعتها في العدة، فهذا الطلاق يقع

(4/212)


بائناً بينونة صغرى، وإذا تم هذا الطلاق، فلا تحل الزوجة بعده إلا بعقد ومهر جديدين، سواء كان زوجها أو غيره، فتعتد بحيضة، ثم يحل نكاحها.
1 - قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)} [البقرة: 229].
2 - وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ امْرَأةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَارَسُولَ اللهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ». قَالَتْ: نَعَمْ، قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً». أخرجه البخاري (1).
4 - الطلاق لرفع الضرر عن الزوجة:
وهو الطلاق الذي يوقعه القاضي بطلب الزوجة، إما لسوء عشرة زوجها، أو غَيبته عنها، أو حبسه مدة طويلة، أو كان بزوجها عيب مستحكم كالعقم، أو عدم القدرة على الوطء، أو مرض خطير منفر ونحو ذلك.
ففي هذه الحالات يقع الطلاق بائناً بينونة صغرى، وللمرأة بعد العدة أن تنكح من شاءت، ولزوجها مراجعتها ونكاحها بعقد جديد في العدة أو بعدها.
ويحرم على الزوج أن يحبس زوجته ليضرها، ويَحْرِمها مما أحل الله لها.
1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (5273).

(4/213)


آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)} [البقرة: 231].
القسم الثاني: بائن بينونة كبرى:
وهو الطلاق الذي يزيل الملك والحل معاً، ولا يبقي للزوجة أثر سوى العدة، وهو الطلاق المكمل للثلاث، فإذا طلق الزوج زوجته طلقة ثم راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، ثم طلقها الثالثة، فإنها تنفصل عنه نهائياً، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً شرعياً بنية الدوام.
فإذا دخل بها الزوج الثاني بعد العدة ووطئها، ثم طلقها ثم فرغت من العدة، جاز لزوجها الأول نكاحها بعقد ومهر جديدين كغيره.
1 - قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [البقرة: 229 - 230].
2 - وعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ زَوْجَهَا المَخْزُومِيَّ طَلَّقَهَا، فَأبَى أنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا نَفَقَةَ لَكِ فَانْتَقِلِي، فَاذْهَبِي إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَكُونِي عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ
أعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ». أخرجه مسلم (1).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1480).

(4/214)


- متى يقع الطلاق بائناً:
يقع الطلاق بائناً إذا كان على عوض .. أو كان قبل الدخول .. أو كان مكملاً للثلاث.
- مكان عدة المطلقة البائن:
المطلقة البائن تعتد في بيت أهلها؛ لأنها لا تحل لزوجها، ولا نفقة لها ولا سكنى إلا إن كانت حاملاً.
ولا يجوز لها أن تخرج من بيت أهلها أثناء العدة إلا لحاجة.
1 - قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)} ... [الطلاق: 6].
2 - وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلاثاً، وَأخَافُ أنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ، قال: فَأمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ. أخرجه مسلم (1).
3 - وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فِي المُطَلَّقَةِ ثَلاثاً، قال: «لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلا نَفَقَةٌ». أخرجه مسلم (2).
- آثار الطلاق البائن:
الطلاق البائن تثبت له الأحكام الآتية:
الأول: يشترك الطلاق الرجعي والبائن في أحكام هي:
وجوب نفقة العدة للمطلقة الحامل .. ثبوت نسب الولد الذي تلده للمطلق ..
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1482).
(2) أخرجه مسلم برقم (1480).

(4/215)


ويهدم الزواج الثاني ما كان من الطلاق في الزواج الأول.
الثاني: الطلاق البائن بينونة صغرى يثبت به ما يلي:
1 - زوال الملك لا الحل بمجرد الطلاق، فله مراجعتها ونكاحها بعقد جديد، ولا تحل له إلا بعقد جديد في العدة أو بعدها.
2 - حلول الصداق المؤجل بمجرد الطلاق.
3 - عدم التوارث بين الزوجين إذا مات أحدهما أثناء العدة؛ لأن الطلاق البائن ينهي الزوجية.
الثالث: الطلاق البائن بينونة كبرى يثبت به ما يلي:
1 - زوال الملك والحل معاً، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
2 - حلول الصداق المؤجل إلى الطلاق أو الوفاة.
3 - منع التوارث بين الزوجين، لانقطاع الزوجية.
4 - حرمة المطلقة على الزوج تحريماً مؤقتاً حتى تنكح زوجاً غيره ثم يطلقها فتحل له.
- حكم زواج التحليل:
من طلق زوجته الطلقة الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره بنكاح صحيح، ثم يطلقها فتحل له.
ولا تحل هذه المطلقة لزوجها الأول إلا بثلاثة شروط:
أن تنكح زوجاً غيره .. وأن يكون النكاح صحيحاً لا حيلة فيه .. وأن يطأها الزوج الثاني في الفرج.
ويحرم على الزوج الثاني نكاحها ليحللها للأول، وإذا حصل هذا النكاح

(4/216)


فهو باطل؛ لأنه أشبه بالسفاح.
1 - قال الله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230].
2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ امْرَأةَ رِفَاعَةَ القُرَظِيِّ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاقِي، وَإِنِّي نَكَحْتُ بَعْدَهُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ القُرَظِيَّ، وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ الهُدْبَةِ، قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5260) , واللفظ له، ومسلم برقم (1433).

(4/217)


5 - الرجعة
- الرجعة: هي إعادة مطلقة غير بائن إلى عصمة النكاح بغير عقد.
- حكمة مشروعية الرجعة:
من نعم الله تعالى إباحة مراجعة الرجل زوجته بعد الطلاق.
فقد يقع الطلاق منه في حالة غضب واندفاع، وقد يصدر بدون تدبر وتروٍّ، وقد يحصل بدون تفكر في عاقبة الطلاق، وما يترتب عليه من المضار والمفاسد.
والرجل إذا فارق زوجته، تاقت نفسه إليها، ووجد السبيل إلى ردها بالرجعة.
لهذا شرع الله عز وجل الرجعة للحياة الزوجية رحمة بالزوجين، ونعمة يسعد بها كل من الطرفين.
- حكم الرجعة:
من أعظم نعم الله على عباده جواز الطلاق، وجواز الرجعة.
فإذا تنافرت النفوس، واستحالت الحياة الزوجية، جاز الطلاق.
وإذا تحسنت العلاقات، وعادت المياه إلى مجاريها، جازت الرجعة فلله الحمد والمنة.
وتجب الرجعة في الطلاق البدعي كالطلاق في الحيض.
1 - قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ

(4/218)


حَكِيمٌ (228)} [البقرة: 228].
2 - وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِراً أوْ حَامِلا».أخرجه مسلم (1).
3 - وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَلَّقَ حَفْصَةَ ثمَّ رَاجَعَهَا. أخرجه أبو داود وابن ماجه (2).
- صفة الرجعة:
تحصل الرجعة بالقول أو الفعل.
1 - القول: وهو كل لفظ يدل على الرجعة.
فالصريح: ما يدل على الرجعة، ولا يحتمل غيرها.
كأن يقول: راجعت زوجتي، أو راجعتك، أو رددتك، أو أمسكتك.
والكناية: ما يدل على الرجعة ويحتمل غيرها.
كأن يقول: أنت امرأتي، أو أنت عندي الآن.
فالصريح لا يحتاج إلى نية؛ لظهوره، والكناية تحتاج إلى نية الرجعة؛ لخفاء دلالتها.
2 - الفعل: وهو الوطء بنية الرجعة.
- من يملك الرجعة:
الرجعة حق من حقوق الزوج وحده كالطلاق.
فللزوج مراجعة زوجته ما دامت في العدة، سواء رضيت بذلك أم لم ترض.
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1471).
(2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2283) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (2016).

(4/219)


وقد رتب الله حق الرجعة على الطلاق الرجعي، فلا يمكن إسقاطه أو التنازل عنه؛ لأن ذلك تغيير لما شرعه الله.
1 - قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} [البقرة:228].
2 - وقال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229].
- شروط الرجعة:
يشترط لصحة الرجعة ما يلي:
1 - أن تكون الفرقة بطلاق.
2 - أن يكون النكاح صحيحاً.
3 - أن يكون الطلاق دون ما يملك، وهو واحدة أو اثنتين.
4 - أن يكون الطلاق بلا عوض.
5 - أن يكون الطلاق بعد الدخول.
6 - أن تكون الرجعة قبل نهاية العدة.
فإن اختل شرط من هذه الشروط لم تصح الرجعة.
- ما لا يشترط في الرجعة:
لا يشترط في صحة الرجعة ما يلي:
1 - رضا المرأة؛ لأن الرجعة إمساك للزوجة بحكم الزوجية، فلم يعتبر رضاها

(4/220)


كالتي في عصمته.
2 - الولي والصداق، فلا يشترط في الرجعة ولي ولا صداق؛ لأن الرجعية في حكم الزوجة، والرجعة استبقاء لزواجها.
3 - إعلام المرأة بالرجعة؛ لأن الرجعة حق خالص للزوج لا يتوقف على رضا الزوجة كالطلاق، لكن يحسن إعلامها حتى لا تتزوج غيره بعد انقضاء العدة.
4 - الإشهاد على الرجعة؛ لأن الرجعة حق للزوج لا يتوقف على رضا المرأة، فلا يحتاج إلى الإشهاد عليه كسائر الحقوق.
- أنواع الرجعة:
الزوجة الرجعية لها حالتان:
الأولى: الرجعة من طلاق رجعي، ولها حالتان:
1 - إذا طلق زوجته الطلقة الأولى فله مراجعتها ما دامت في العدة، فإذا طهرت من الحيضة الثالثة ولم يكن قد ارتجعها لم تحل له إلا بنكاح جديد.
2 - إذا طلق زوجته طلقة ثانية فله مراجعتها ما دامت في العدة كما سبق.
1 - قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} ... [البقرة: 228].
2 - وقال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229].

(4/221)


الثانية: الرجعة من طلاق بائن بينونة صغرى:
فإذا طلق الرجل زوجته طلقة ثم خرجت من العدة فقد بانت منه بينونة صغرى، وله نكاحها بعقد ومهر جديدين إن شاءت، وإذا طلق زوجته الطلقة الثانية ثم خرجت من العدة فقد بانت منه بينونة صغرى، وله نكاحها بعقد ومهر جديدين إن شاءت.
وإذا طلق زوجته الطلقة الثالثة فقد بانت منه بينونة كبرى، وليس له نكاحها إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره ثم يطلقها، ثم تحل له بعقد ومهر جديدين.
قال الله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [البقرة: 230].
- وقت الرجعة:
جعل الله عز وجل وقت الرجعة واسعاً، ثلاثة قروء، أو وضع الحمل، وهو وقت العدة من طلاق أو وفاة، وذلك لتمكين النادم على الطلاق من إعادة الزوجة، وإعطائه فرصة للنظر في أمر الزوجة في البقاء أو الفرقة.
فإن رأى الخير في بقائها راجعها قبل انقضاء العدة، وإن رأى الخير في فراقها تركها حتى تنقضي عدتها، وتبين منه.
1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)} [البقرة: 231].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ

(4/222)


أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)} ... [البقرة: 232].
3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} ... [الطلاق: 1].
- حكم الإشهاد على الرجعة:
يسن الإشهاد على الطلاق والرجعة بشاهدين عدلين، ويصح الطلاق والرجعة بدون إشهاد.
وإنما يستحب الإشهاد على الرجعة قطعاً للشك في حصولها، ودفعاً للتهمة عند العودة إلى مباشرة الزوجة، وخوفاً من إنكار الزوجة لها بعد انقضاء عدتها.
قال الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق: 2 - 3].
- حكم الزوجة الرجعية:
تعود المرأة الرجعية بالرجعة إلى النكاح السابق بكل ما له وما عليه، فهي زوجة لها ما للزوجات من النفقة والكسوة والسكن والقسم، وتخالفهن في نقصان مرات الطلاق، حيث لا يبقى لها إلا واحدة بعد الأولى، ولا يبقى لها
شيء بعد الثانية، فإذا راجعها ثم طلقها، فليس له مراجعتها؛ لأنها بانت منه.

(4/223)


- شروط المرأة المرتَجَعة:
يشترط في المرأة التي يريد مراجعتها ما يلي:
أن تكون مدخولاً بها .. ومطلقة طلاقاً رجعياً .. من نكاح صحيح .. وأن يكون طلاقها بلا عوض؛ لأن المطلقة بعوض ملكت نفسها .. وأن يكون زوجها لم يستوف معها عدد الطلاق، لأنه إذا استوفى عدد الطلاق فلا سلطة له عليها .. وأن تكون قابلة للرجعة، فلا يصح مراجعة المرتدة، ولا الكافرة .. وأن تكون باقية في العدة؛ لأنها إذا خرجت من العدة صارت بائنة .. وأن يكون قصد الزوج من الرجعة الإصلاح لا الإضرار بها.
قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} ... [البقرة: 228].
- الحكم عند اختلاف الزوجين في الرجعة:
إذا اتفق الزوجان على الرجعة في أثناء العدة ثبتت، وترتبت عليها آثارها الزوجية.
وإن اختلف الزوجان، فإما أن يكون الخلاف في حصول الرجعة أو في صحتها كما يلي:
1 - إن اختلف الزوجان في حصول الرجعة بأن ادعاها الزوج، وأنكرتها الزوجة:
فإن كان قبل انقضاء العدة فالقول قول الزوج؛ لأنه يملك الرجعة فيها، فيقبل
إقراره فيها، وإن كان بعد انقضاء العدة، فإن لم تكن للزوج بينة، فالقول قول

(4/224)


الزوجة مع اليمين؛ لأن الأصل عدم الرجعة، ووقوع البينونة.
وإن اختلف الزوجان في الوطء فأنكرته المرأة، فالقول قولها مع يمينها.
2 - إن اختلفا في صحة الرجعة هل هي في العدة أو بعدها فالقول قول الزوجة مع يمينها؛ لأنها أعلم بالعدة، ما لم تكن بينة تنقض قولها.

(4/225)