موسوعة
الفقه الإسلامي الباب العشرون
كتاب الخلافة
ويشتمل على ما يلي:
1 - معنى الخلافة.
2 - أحكام الخلافة.
3 - أحكام الخليفة.
4 - طرق انعقاد الخلافة.
5 - البيعة.
6 - واجبات الخليفة.
7 - واجبات الأمة.
8 - نظام الحكم في الإسلام.
9 - حكم الخروج على الأئمة.
10 - انتهاء ولاية الحاكم.
(5/281)
1 - معنى الخلافة
- الخليفة: هو الإمام الذي يحمل كافة الأمة على مقتضى الشرع، في أمر الدين
والدنيا.
ويسمى خليفة الله؛ لأن الله استخلفه في عباده ليقيم شرعه وعدله فيهم.
ويسمى خليفة رسول الله، لأنه خَلَف رسول الله في أمته في العلم، والعبادة،
والدعوة، والسياسة ونحو ذلك.
وسمي خليفة؛ لأنه خَلَف مَنْ قبله في الحكم.
- أسماء الخليفة:
الخليفة هو الإنسان الذي له السلطة العليا في الدولة، وله أسماء متعددة
تختلف باختلاف البلاد مثل:
الخليفة .. إمام المسلمين .. أمير المؤمنين .. الملك .. الرئيس .. السلطان
.. الحاكم.
والخليفة هو الذي يعيِّن الولاة والأمراء والقضاة في مناطق دولته.
1 - قال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي
الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى
فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص:
26].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ
فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)} ... [البقرة:
124].
3 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا
نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ
مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)}
(5/283)
[المائدة: 20].
4 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أطَاعَنِي فَقَدْ أطَاعَ
اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأمِيرَ فَقَدْ
أطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي». متفق عليه (1).
5 - وَعَنْ سَفِينَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «خِلاَفَةُ النُّبُوَّةِ ثلاَثونَ سَنَةً ثمَّ
يُؤْتِي اللهُ المُلكَ أَوْ مُلكَهُ مَنْ يَشَاءُ». أخرجه أبو داود
والترمذي (2).
- مَنْ بيده الملك:
الذي بيده الملك هو الله وحده، يؤتيه من يشاء، وينزعه ممن يشاء، سواء كان
مسلماً أو كافراً.
1 - قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ
مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ
وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ (26)} ... [آل عمران: 26].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا
نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ
مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)}
[المائدة: 20].
3 - وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي
رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ
الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ
بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)} [البقرة: 258].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2957) , واللفظ له، ومسلم برقم (1835).
(2) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (4646) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم
(2226).
(5/284)
2 - أحكام الخلافة
- حكم نصب الخليفة:
1 - نَصْب الإمام للمسلمين واجب؛ للحكم بينهم بما أنزل الله، وتدبير أحوال
الناس، وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وحماية بيضة الإسلام، والأمر
بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وتعليم أحكام الدين، ودفع
ضرر الفوضى.
فلا بد للمسلمين من إمام يقيم شعائر الدين، ويحكم بالعدل، وينصف المظلومين
من الظالمين.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ
فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلًا (59)} [النساء: 59].
2 - وقال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا
مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)} ... [المائدة: 49].
3 - وَعَنْ عَبْداللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ
طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ لاَ حُجّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ
وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيّةً». أخرجه مسلم
(1).
2 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحكم بين الناس بما أنزل الله، فلما
توفي - صلى الله عليه وسلم - بايع أبا بكر
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1851).
(5/285)
بالخلافة، ثم استخلَف أبو بكر عمر رضي الله
عنهما، ثم استخلَف عمر أحد الستة الذين اختاروا عثمان رضي الله عنه.
ثم بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه بايع الصحابة رضي الله عنهم علياً رضي
الله عنه بالخلافة.
- من يقوم باختيار الخليفة:
يقوم باختيار ومبايعة الخليفة أهل الحل والعقد من العلماء الربانيين،
والرؤساء، ووجوه الناس، فيختارون الإمام نيابة عن الأمة، كما اختار
المهاجرون والأنصار الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.
وعلى من يختارونه لهذا المنصب أن يسمع ويطيع، ويَحْكمهم بكتاب الله وسنة
رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
والخلافة فرض كفاية، مخاطَب بها فريقان من الناس:
أهل الشورى ليختاروا الإمام .. ومن يصلح للإمامة حتى ينتصب للإمامة.
وإذا لم يصلح للإمامة إلا واحد تعيَّن عليه طلبها إن لم يبتدؤه، إن كان
الدافع له مصلحة المسلمين.
1 - قال الله تعالى حكاية عن يوسف - صلى الله عليه وسلم -: {وَقَالَ
الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ
قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي
عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)} [يوسف: 54 - 55].
2 - وقال الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ... [الشورى: 38].
- مقاصد الخلافة:
الخلافة والإمامة والحكم في الإسلام وسيلة لا غاية، والخلافة من أعظم
(5/286)
العبادات لمن قام بحقها؛ لما يتحقق بها من
المقاصد الكبرى.
وأعظم هذه المقاصد إقامة أمر الله عز وجل على الوجه الذي شرع، والأمر
بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونشر الخير، والقضاء على كل فساد.
ويجمع هذه المقاصد مقصدان كبيران هما:
إقامة الدين .. وسياسة الدنيا به.
1 - إقامة الدين الحق وهو الإسلام تتمثل في أمرين:
الأول: حفظ القرآن والسنة، والعمل بموجبهما، وحَمْل الناس عليهما؛ ليبقى
الدين صافياً محفوظاً منيعاً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ويتم ذلك بنشره والدعوة إليه بالقلم واللسان والسنان، من الإمام ورعيته
معاً.
وصيانة الدين عن كل ما يسيء إليه بدفع الشبه، ومحاربة البدع والأباطيل التي
يروِّجها أعداء الإسلام.
وتوفير الأمن لعموم المسلمين بتحصين الثغور، وحماية البيضة، ليعيش الناس في
أمن وسلام على دينهم، وأرواحهم، وأموالهم.
الثاني: تنفيذ الأحكام والحدود الشرعية في الأمة في جميع مجالات الحياة،
لتصلح أحوالهم، وحَمْل الناس على الدين الحق بالترغيب والترهيب، واللين
والشدة، بحسب اختلاف مقامات الناس.
2 - سياسة الدنيا بالدين:
ويتم ذلك بالحكم بين الناس بما أنزل الله في جميع جوانب الحياة، فالإسلام
دين كامل شامل، وهو وحده سبيل السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.
(5/287)
ومن المقاصد الكبرى إقامة العدل، ورفع
الظلم، وجمع كلمة المسلمين، وعدم الفرقة، وعمارة الأرض، واستغلال خيراتها
في مصالح المسلمين.
1 - قال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي
الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى
فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص:
26].
2 - وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
3 - وقال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا
لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)}
[النحل: 89].
- حكم سياسة الدنيا بغير الدين:
يجب على إمام المسلمين أن يحكم بين الناس بما أنزل الله من القرآن والسنة.
ولا يجوز لأحد أن يحكم بغير ما أنزل الله من حاكم أو غيره، فالحكم بغير ما
أنزل الله كفر وظلم وفسق.
ولا يجتمع الإيمان والتحاكم إلى غير شرع الله في قلب عبد أصلاً، فأحدهما
ينافي الآخر، فلا إيمان حقاً إلا بالإيمان بالله والكفر بالطاغوت.
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [المائدة: 44].
2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} [المائدة: 45].
(5/288)
3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ
يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)}
[المائدة: 47].
4 - وقال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} ...
[النساء: 65].
5 - وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ
آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ
أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا
بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)} ...
[النساء: 60].
- حكم الجاهلية:
كل من حكم بغير ما أنزل الله فقد حكم بحكم الجاهلية، ويشمل كل من استولى
على مقاليد الحكم من الطغاة، وتَرَك حكم الله ورسوله، وجَعَل حكم الجاهلية
شِرعة ومنهاجاً، وألزم الناس بالتحاكم إليه.
والواقع في هذا الجرم العظيم أربعة أصناف، وهم:
1 - المشرِّع: وهو الذي يسن القوانين التي يحكم بها الناس.
2 - المدافع: وهو الذي ينفذها ويدافع عنها.
3 - الحاكم: وهو الذي يحكم بها بين الناس.
4 - المحكوم: إذا رضي وتابع.
1 - قال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ
أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} ... [المائدة:
50].
2 - وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ
(5/289)
وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِىءَ،
وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ». أخرجه مسلم (1).
- أهل الخلافة:
الخلافة في قريش، والناس تبع لقريش.
1 - عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ هَذَا الأمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لا
يُعَادِيهِمْ أحَدٌ إِلا كَبَّهُ اللهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ، مَا
أقَامُوا الدِّينَ». أخرجه البخاري (2).
2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قالَ: «لا يَزَالُ هَذَا الأمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ
مِنْهُمُ اثْنَانِ». متفق عليه (3).
3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - قالَ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ،
مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ».
متفق عليه (4).
- شروط أهل الحل والعقد:
يشترط فيمن يختار الإمام نيابة عن الأمة ما يلي:
1 - العدالة التي تحمل صاحبها على المروءة والتقوى، بفعل المأمورات
الشرعية، واجتناب المناهي.
2 - العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة.
3 - الحكمة والرأي السديد المؤديان إلى اختيار الأصلح للإمامة، والأعرف
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1854).
(2) أخرجه البخاري برقم (7139).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3501) , واللفظ له، ومسلم برقم (1820).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3495) , واللفظ له، ومسلم برقم (1818).
(5/290)
والأقوى على تدبير المصالح.
4 - أن تثق الأمة بهم، وتحترم ذواتهم، وتثق بنصحهم، وحسن اختيارهم.
وتنعقد البيعة للإمام بأي عدد منهم.
- وظيفة أهل الحل والعقد:
وظيفة أهل الحل والعقد مقصورة على الترشيح والترجيح وفق المصلحة والعدل.
فيتصفحون من يصلح للإمامة من المسلمين، ثم يقدمون بيعة أكثرهم فضلاً،
وأكملهم شروطاً، ومن يسرع الناس إلى طاعته، ولا يتوقفون عن بيعته.
فإذا اختاروا واحداً عرضوا عليه الإمامة، فإن أجاب إليها بايعوه عليها،
وانعقدت بيعتهم له، ولزم كافة الأمة الدخول في بيعته، والانقياد لطاعته.
وإن امتنع من الإمامة، لم يُجبر عليها، وعُدل عنه إلى سواه ممن يستحقها.
وإن تكافأ للإمامة اثنان قُدِّم الأكبر، والأعلم، والأشجع، ويُختار ما
يوجبه حكم الوقت، وظروف البلاد، وحاجة الأمة.
- ما تُنال به الإمامة:
الإمامة الكبرى والصغرى تُنال بالإيمان والعمل الصالح، والصبر، واليقين.
1 - قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ
الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ
أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ
ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} [النور: 55].
2 - وقال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا
(5/291)
بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} [السجدة:
24].
- حكم استعمال الموالي:
الإمامة العظمى لا يتولاها إلا الحر من الرجال، أمّا ما دونها من المناصب
فيجوز للإمام استعمال الموالي والعبيد فيها.
1 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى
أبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ المُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ وَأصْحَابَ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم - فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، فِيهِمْ أبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ وَأبُو سَلَمَةَ وَزَيْدٌ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ. أخرجه
البخاري (1).
2 - وَعَنْ أنَسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - قالَ: «اسْمَعُوا وَأطِيعُوا، وَإنِ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ، كَأنَّ
رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ». أخرجه البخاري (2).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (7175).
(2) أخرجه البخاري برقم (693).
(5/292)
3 - أحكام الخليفة
- شروط الخليفة:
يشترط في الخليفة الذي يتولى أمور المسلمين ما يلي:
1 - الإسلام، فلا تنعقد إمامة الكافر على المسلمين.
2 - البلوغ، فلا تصح إمامة الصغير.
3 - العقل، فلا تنعقد الإمامة لمجنون.
4 - الحرية؛ لأن العبد لا ولاية له على نفسه، فكيف تكون له ولاية على غيره.
5 - العلم، فلا تصح ولاية جاهل بأحكام الله.
6 - العدالة، فلا تنعقد الولاية لفاسق.
7 - الذكورية، فلا تنعقد ولاية المرأة؛ لضعفها ونقصان دينها وعقلها.
8 - حصافة الرأي في القضايا المختلفة من حاجات الأمة.
9 - صلابة الصفات الشخصية كالجرأة، والشجاعة، والعدل، والغيرة على المحارم،
والعزيمة على تنفيذ أحكام الله.
10 - الكفاية الجسدية، وهي سلامة البدن والأعضاء والحواس التي يؤثر فقدها
على الرأي والعمل.
11 - عدم الحرص على الولاية، فلا يولَّى من سألها وحرص عليها.
12 - القرشية، فقريش أفضل قبائل العرب، والإمامة فيهم ما أقاموا الدين،
ويُلحق بها مَنْ كلمته نافذة، ومتبوع من الكثرة الغالبة، ليكون مطاعاً
مرضياً
عنه، وتحصل به الوِحدة، وتزول الفرقة.
(5/293)
فإن تولى الإمامة أحد بطريق الغلبة، وخُشيت
الفتنة، فتجب طاعته في غير معصية الله.
- حكم تولية المرأة الحكم:
كل أمر انعقد سببه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ولم
يفعلوه، مع إمكانية فعله، فهو بدعة لا يجوز فعله، ولا إقراره، ولا العمل
به.
فمن رخَّص للمرأة أن تكون ملكة أو رئيسة أو أميرة على الرجال، أو وزيرة أو
قاضية أو عضواً في مجلس الشورى، أو غيرها من الولايات العامة التي هي من
خصائص الرجال، وتضطر فيها للاختلاط بالرجال، فقد خالف شرع الله، وأحدث في
الدين ما ليس منه، وشرع ما لم يأذن به الله.
وقد كان في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مجلس شورى، ولم يكن
من بينهم امرأة واحدة، مع رجحان عقول كثير منهن، خاصة أمهات المؤمنين.
1 - قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا
فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ
أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
2 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي
اللهُ بِكَلِمَةٍ أيَّامَ الجَمَلِ، لَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله
عليه وسلم - أنَّ فَارِسًا مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى قَالَ: «لَنْ
يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأةً». أخرجه البخاري (1).
- حكم طلب الإمارة:
1 - لا يجوز لأحد أن يسأل الإمارة، أو يحرص عليها، ومن سألها فإنه لا
يُعطاها.
1 - عَنْ عَبدِالرَّحمنِ بنِ سَمرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ ِلي
رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «يَا
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (7099).
(5/294)
عبدَالرّحمنِ ابنَ سَمرةَ، لا تسْأل
الإِمارةَ، فإنْ أُعطيتَها عَن مسْألةٍ وُكلتَ إليهَا، وإنْ أُعطيتَها عَنْ
غيِر مسْألةٍ أُعنتَ علَيها». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ،
وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ
وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ». أخرجه البخاري (2).
3 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلتُ عَلَى
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَا وَرَجُلانِ مِنْ قَوْمِي، فَقَالَ
أحَدُ الرَّجُلَيْنِ: أمِّرْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَقَالَ الآخَرُ
مِثْلَهُ، فَقَالَ: «إِنَّا لا نُوَلِّي هَذَا مَنْ سَألَهُ، وَلا مَنْ
حَرَصَ عَلَيْهِ». متفق عليه (3).
2 - يجوز للقادر الأمين طلب الإمارة إذا لم يعرف أفضل منه، كما طلبها يوسف
- صلى الله عليه وسلم - من ملك مصر.
قال الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ
لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ
أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ
عَلِيمٌ (55)} [يوسف: 54 - 55].
- اجتناب الضعفاء الولايات:
الولاية أمانة، والضعيف لن يقوم بحقها، فالأولى له اجتنابها؛ ليسلم من
حسابها.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ
أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ:
فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَر إنّكَ
ضَعِيفٌ، وَإنّهَا أَمَانَةٌ، وَإنّهَا
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7147) , واللفظ له، ومسلم برقم (1652).
(2) أخرجه البخاري برقم (7148).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7149) , ومسلم برقم (1733) كتاب
الإمارة.
(5/295)
يَوْمَ القِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ،
إلاّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدّى الّذِي عَلَيْهِ فِيهَا». أخرجه
مسلم (1).
- وظيفة الخليفة:
1 - قال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي
الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى
فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص:
26].
2 - وقال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا
مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)} [المائدة: 49].
- فضيلة الإمام العادل:
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى
فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ
فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} [الحجرات: 9].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ
يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي
عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ
تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ
دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إِنِّي أخَافُ اللهَ،
وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ
مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا
فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (2).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1825).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1423)، واللفظ له، ومسلم برقم (1031).
(5/296)
3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ
اللهُ عَنْهًما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ
المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَىَ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ
الرَّحْمَنِ عَزّ وَجَلّ، وَكِلتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الّذِينَ يَعْدِلُونَ
فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا». أخرجه مسلم (1).
- عقوبة الإمام الجائر:
1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا
(19)} ... [الفرقان: 19].
2 - وَعَنْ مَعْقِل بن يَسَارٍ المُزنِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ
يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ
لِرَعِيَّتِهِ، إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ». متفق عليه (2).
- خيار الأئمة وشرارهم:
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «خِيَارُ أَئِمّتِكُمُ الّذِينَ تُحِبّونَهُمْ
وَيُحِبّونَكُمْ، وَيُصَلّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلّونَ عَلَيْهِمْ،
وَشِرَارُ أَئِمّتِكُمُ الّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ
وَتَلعَنُونَهُمْ وَيَلعَنُونَكُمْ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلاَ
نُنَابِذُهُمْ بِالسّيْفِ؟ فَقَالَ: «لاَ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ
الصّلاَةَ، وَإذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئاً تَكْرَهُونَهُ،
فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلاَ تَنْزِعُوا يَداً مِنْ طَاعَةٍ». أخرجه مسلم
(3).
- بطانة الإمام وأهل مشورته:
عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ، وَلا اسْتَخْلَفَ
مِنْ خَلِيفَةٍ، إِلا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ
بِالمَعْرُوفِ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1827).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7150) , واللفظ له، ومسلم برقم (142).
(3) أخرجه مسلم برقم (1855).
(5/297)
وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ
تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ
اللهُ تَعَالَى». أخرجه البخاري (1).
- الحكم إذا بويع لخليفتين في بلد واحد:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا
الآخَرَ مِنْهُمَا». أخرجه مسلم (2).
- حكم غلول الحكام وغيرهم:
1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ
يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا
كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)} [آل عمران: 161].
2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ فِينَا
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ الغُلُولَ فَعَظَّمَهُ
وَعَظَّمَ أمْرَهُ، قَالَ: «لا ألفِيَنَّ أحَدَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ
عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ
حَمْحَمَةٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أغِثْنِي، فَأقُولُ لا أمْلِكُ
لَكَ شَيْئًا، قَدْ أبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ،
يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أغِثْنِي، فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئًا
قَدْ أبْلَغْتُكَ وَعَلَى، رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ
اللهِ أغِثْنِي، فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أبْلَغْتُكَ، أوْ
عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ
أغِثْنِي، فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أبْلَغْتُكَ». متفق عليه
(3).
3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْروَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ
عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ
يُقال لَهُ كِرْكِرَةُ فَمَاتَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
-: «هُوَ فِي النَّارِ». فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا
عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا. متفق عليه (4).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (7198).
(2) أخرجه مسلم برقم (1853).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3073) , واللفظ له، ومسلم برقم (1831).
(4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3074) , واللفظ له، ومسلم برقم (2476).
(5/298)
- ما يفعله الخليفة إذا وجَّه أميرين إلى
موضع:
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي بُرْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أبِي قَالَ: بَعَثَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أبِي وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى
اليَمَنِ، فَقَالَ: «يَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلا
تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا». متفق عليه (1).
- حكم هدايا العمال:
1 - عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
اسْتَعْمَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ
عَلىَ صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيّةِ، فَلَمّا
جَاءَ حَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيّةٌ، فَقَالَ
رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «فَهَلاّ جَلَسْتَ فِي بَيْتِ
أَبِيكَ وَأُمّكَ حَتّىَ تَأْتِيَكَ هَدِيّتُكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقاً؟»
ثُمّ خَطَبَنَا فَحَمِدالله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: «أَمّا
بَعْدُ، فَإِنّي أَسْتَعْمِلُ الرّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمّا
وَلاّنِي الله، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيّةٌ
أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمّهِ حَتّى
تَأْتِيهُ هَدِيّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقاً، وَالله لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ
مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئاً بِغَيْرِ حَقّهِ إِلاّ لَقِيَ الله تَعَالَى
يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلأَعْرِفَنّ أَحَداً مِنْكُمْ لَقِيَ
الله يَحْمِلُ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ
شَاةً تَيْعِرُ»، ثُمّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتّى رُؤيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ،
ثُمّ قَالَ: «اللهم هَل بَلّغْتُ؟» بَصُرَ عَيْنِي وَسَمِعَ أُذُنِي. متفق
عليه (2).
2 - وَعَنْ عَدِيّ بْنِ عَمِيرَةَ الكِنْدِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ: «مَنِ اسْتَعْمَلنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا
مِخْيَطاً فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ
القِيَامَةِ». أخرجه مسلم (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7172) , واللفظ له، ومسلم برقم (1733).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1500) , ومسلم برقم (1832)، واللفظ له.
(3) أخرجه مسلم برقم (6833).
(5/299)
4 - طرق انعقاد
الخلافة
- طرق ثبوت ولاية الإمام:
تثبت ولاية إمام المسلمين بواحد مما يلي:
1 - أن يُختار بإجماع المسلمين، ويتم نصبه بمبايعة أهل الحل والعقد من
العلماء والصالحين، ووجوه الناس وأعيانهم.
2 - أن تكون ولايته بنص الإمام الذي قبله.
3 - أن يحصل الأمر شورى في عدد معين محصور من الأتقياء، ثم يتفقون على
أحدهم.
4 - أن يتولى على الناس قهراً بقوته حتى يذعنوا له، ويَدْعوه إماماً، فيلزم
الرعية طاعته في غير معصية الله.
- طرق تولية الخلفاء الراشدين:
تولى الخلفاء الراشدون الخلافة بطريقتين:
الأولى: الاختيار:
والذي يقوم بالاختيار هم أهل الحل والعقد، وهذه الطريقة تمت بها تولية أبي
بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
وهذه هي الطريقة الأصل لاختيار الإمام في الإسلام.
الثانية: الاستخلاف:
فإذا أحس الخليفة بقرب أجله، وأراد أن يستخلف على الناس، شاور أهل الحل
والعقد، فإذا وقع رأيه على من يصلح لهذا المنصب، عهد إليه
(5/300)
بالخلافة من بعده، سواء كان واحداً بعينه
كما استخلف أبو بكر عمر رضي الله عنهما بمشاورة كبار المهاجرين والأنصار،
أو كان واحداً من مجموعة محصورة متكافئة كما عَهِد عمر إلى الستة المبشرين
بالجنة أن يختاروا أحدهم، وهم عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وأبو عبيدة،
وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم.
وقد اختاروا بعد المشاورة عثمان رضي الله عنه.
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ: «ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ، أَبَاكِ
وَأَخَاكِ، حَتَّى أَكْتُبَ كِتَاباً، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى
مُتَمَنٍّ وَيَقُولُ قَائِلٌ أَنَا أَوْلَى، وَيَأْبَى اللهُ
وَالمُؤْمِنُونَ إِلاَّ أَبَا بَكْرٍ». متفق عليه (1).
2 - وَعَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا بَعْدَ صَلاَةِ
الغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ وَوَجِلَتْ
مِنْهَا القُلُوبُ فَقَالََ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ
فَمَاذا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أُوصِيكُمْ
بتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ
فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثيرًا وَإِيَّاكُمْ
وَمُحْدَثاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذلِكَ
مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ
المَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّوَاجِذِ». أخرجه أحمد والترمذي
(2).
3 - وَعَنْ حُذيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: «اقْتَدُوا باللَّذيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبي بَكْرٍ
وَعُمَرَ». أخرجه أحمد والترمذي (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5666) , ومسلم برقم (2387)، واللفظ له.
(2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17144) وأخرجه الترمذي برقم (2676)، وهذا لفظه.
(3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (23245) وأخرجه الترمذي برقم (3662).
(5/301)
- فضائل الخلفاء الراشدين:
1 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: «عَبْدٌ خَيَّرَهُ
اللهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ،
فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ». فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَبَكَى، فَقَالَ:
فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - هُوَ المُخَيَّرُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا
بِهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أَمَنَّ
النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ
مُتَّخِذاً خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، وَلَكِنْ
أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ، لاَ تُبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلاَّ
خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ» متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ
الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ
فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ». متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا نُخَيِّرُ
بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،
فَنُخَيِّرُ أبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ بن الخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانَ
بْنَ عَفَّانَ رَضيَ اللهُ عَنهُ. أخرجه البخاري (3).
4 - وَعَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ قَدْ
تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي خَيْبَرَ، وَكَانَ
بِهِ رَمَدٌ، فَقَالَ: أنَا أتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -، فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،
فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا اللهُ فِي
صَبَاحِهَا، قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لأُعْطِيَنَّ
الرَّايَةَ -أوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ- غَدًا رَجُلاً يُحِبُّهُ اللهُ
وَرَسُولُهُ، أوْ قالَ:
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3904) , ومسلم برقم (2382)، واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3469) واللفظ له, ومسلم برقم (3469).
(3) أخرجه البخاري برقم (3655).
(5/302)
يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، يَفْتَحُ اللهُ
عَلَيْهِ». فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ، فَقالوا: هَذَا
عَلِيٌّ، فَأعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الرَّايَةَ،
فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ. متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3702)، واللفظ له, ومسلم برقم (2407).
(5/303)
5 - البيعة
- البيعة: هي إعطاء العهد من المبايع للخليفة على السمع والطاعة في غير
معصية الله.
والخلافة تنعقد بأحد أمرين:
الاختيار .. أو الاستخلاف لمن بعده.
وكلٌّ منهما لا بد فيه من البيعة من قِبَل أهل الحل والعقد، ثم من قِبَل
عموم المسلمين الذين يتيسر حضورهم.
- صفة البيعة:
أهم الأمور التي بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عليها خمسة:
الأول: البيعة على الإسلام:
وهي آكد أنواع البيعة وأوجبها وأعظمها.
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ
يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا
يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا
يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ
وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)} ... [الممتحنة: 12].
2 - وَعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - عَلَى شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأنَّ
مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ،
وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ،
وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2157)، واللفظ له, ومسلم برقم (56).
(5/304)
الثاني: البيعة على النصرة والمَنَعة:
كما بايع وفد الأنصار رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - على أن يمنعوه
وينصروه، وهي بيعة العقبة الثانية في منى.
الثالث: البيعة على الجهاد:
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي
التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ
اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ
هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)} ... [التوبة: 111].
2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ
يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ
فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)
وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
(19)} ... [الفتح: 18 - 19].
الرابع: البيعة على الهجرة:
وكانت فرض عين على من أسلم، ثم انتهت بعد فتح مكة، والمراد بالهجرة الهجرة
من مكة إلى المدينة، وهذه قد انقطعت، أما الهجرة من بلد الكفر إلى بلد
الإسلام فهي باقية إلى قيام الساعة.
عَنْ مُجَاشِع بن مَسْعُودٍ السّلَمِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جِئْتُ
بِأَخِي أَبِي مَعْبَدٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ
الفَتْحِ، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ الله بَايِعْهُ عَلَى الهِجْرَةِ، قَالَ:
«قَدْ مَضَتِ الهِجْرَةُ بِأَهْلِهَا» قُلتُ: فَبِأَيّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ؟
قَالَ: «عَلَى الإِسْلاَمِ
وَالجِهَادِ وَالخَيْرِ». متفق عليه (1).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2962)، ومسلم برقم (1863)، واللفظ له.
(5/305)
الخامس: البيعة على السمع والطاعة:
وهذه هي التي تعطى للأئمة عند تعيينهم خلفاء للمسلمين، وهي المقصودة في هذا
الباب.
1 - عَنْ عُبَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي العُسْرِ
وَاليُسْرِ، وَالمَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا،
وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ
بِالحَقّ أَيْنَمَا كُنّا، لاَ نَخَافُ فِي الله لَوْمَةَ لاَئِمٍ. متفق
عليه (1).
2 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَعَانَا
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا
أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي
مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ
عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: «إلاّ أَنْ
تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ الله فِيهِ بُرْهَانٌ». متفق
عليه (2).
- أسباب البيعة:
الأحوال التي تؤخذ فيها البيعة هي:
1 - موت الخليفة، فتؤخذ للخليفة من بعده.
2 - خلع الخليفة بسبب، فتبايع الأمة بعده إماماً يقوم بأمورها.
3 - بيعة الخليفة المعهود إليه بعد وفاة العاهد.
4 - أَخْذ الخليفة البيعة على الناس لمن يكون خليفة بعده.
5 - إذا خرجت ناحية من البلاد عن الطاعة، فيوجِّه إليهم من يأخذ له البيعة
عليهم، لينقادوا لأمره.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7199) , ومسلم برقم (1709)، واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7056)، ومسلم برقم (1709)، واللفظ له.
(5/306)
- أقسام البيعة:
البيعة للخليفة قسمان:
الأولى: بيعة الانعقاد:
وهي التي يقوم بها أهل الحل والعقد، وبموجبها يكون الشخص المبايع له خليفة
للمسلمين، ويكون له حق الطاعة والانقياد، كما فعل كبار الصحابة في سقيفة
بني ساعدة، وبايعوا أبا بكر رضي الله عنه بالخلافة.
الثانية: البيعة العامة:
وهي البيعة التي يؤديها من تيسر من المسلمين بعد بيعة الانعقاد، كما بايع
الصحابة أبا بكر رضي الله عنه في المسجد بعد أن بايعه أهل الحل والعقد قبل
في سقيفة بني ساعدة.
ومثل بيعة أبي بكر بقية الخلفاء الراشدين، ثم مَنْ بعدهم من أئمة المسلمين.
- شروط صحة البيعة:
يشترط لصحة البيعة ما يلي:
1 - أن يكون المتولي لعقد البيعة أهل الحل والعقد.
2 - أن تحقق شروط الإمامة فيمن تؤخذ له البيعة.
3 - أن يقبل المبايع له البيعة، فلو امتنع لم تنعقد إمامته.
4 - أن تكون البيعة لواحد بعينه، فلا تنعقد البيعة لأكثر من واحد.
5 - أن تكون البيعة على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -،
بالعمل بموجبهما، وحمل الناس عليهما.
6 - حرية المبايعة، فيبايع كل إنسان باختياره، ولا يكرَه أحد.
(5/307)
هذه أهم شروط صحة البيعة، فإذا تمت فالبيعة
صحيحة، وإن اختل منها شيء لم تنعقد البيعة.
- من يأخذ البيعة:
الذي يأخذ البيعة من المسلمين هو الخليفة بنفسه، والأقاليم البعيدة: له أن
يأخذها منهم بنفسه، أو ينيب عنه من ولاته من يقوم بها.
- صور البيعة:
للبيعة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة صور منها:
1 - المصافحة والكلام، كما فعل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيعة
الرضوان.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ
اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا
يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ
فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)} [الفتح: 10].
2 - الكلام بدون مصافحة، وهذه عادته - صلى الله عليه وسلم - في مبايعته
النساء، لأنه لا يجوز للمسلم مس يد المرأة الأجنبية.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم - كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الآيَةِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ}
إِلَى {غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)} قال عُرْوَةُ: قالتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ
أقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ، قال لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم -: «قَدْ بَايَعْتُكِ». كَلامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللهِ مَا
مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأةٍ قَطُّ فِي المُبَايَعَةِ، وَمَا بَايَعَهُنَّ
إِلا بِقَوْلِهِ. متفق عليه (1).
3 - الكتابة، كما بايع النجاشي النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2713)، واللفظ له, ومسلم برقم (1866).
(5/308)
- حكم من بايع الخليفة من أجل الدنيا:
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ
وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ
بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا
لا يُبَايِعُهُ إِلا لِدُنْيَاهُ، إِنْ أعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ
وَإِلا لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلاً بِسِلعَةٍ بَعْدَ
العَصْرِ، فَحَلَفَ بِاللهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا
فَصَدَّقَهُ، فَأخَذَهَا وَلَمْ يُعْطَ بِهَا». متفق عليه (1).
- كيف يبايع الناس الإمام:
1 - عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَايَعْنَا
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي
العُسْرِ وَاليُسْرِ، وَالمَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ
عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ
نَقُولَ بِالحَقّ أَيْنَمَا كُنّا، لاَ نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ
لاَئِمٍ. متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: بَايَعْتُ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ،
فَلَقَّنَنِي: «فِيمَا اسْتَطَعْتُ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ». متفق
عليه (3).
- حكم نكث البيعة:
يجب الوفاء بالعهود والعقود، سواء كانت بين المسلمين، أو بين المسلمين
والكفار، أو بين الأفراد.
والبيعة بجميع أنواعها داخلة في هذه العقود والعهود.
1 - البيعة على الإسلام إذا نقضها المبايع يكون كافراً مرتداً عن الإسلام.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7212)، واللفظ له, ومسلم برقم (108).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7056)، ومسلم في الإمارة برقم (1709)،
واللفظ له.
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7204)، واللفظ له, ومسلم برقم (56).
(5/309)
والبيعة على الإسلام خاصة بالنبي - صلى
الله عليه وسلم -، ولم يبايع - صلى الله عليه وسلم - جميع المسلمين على
الإسلام، فإن منهم من أسلم ولم يره، وكثير منهم أسلم ولم يضع يده في يده -
صلى الله عليه وسلم -.
2 - البيعة على الهجرة انقطعت بعد فتح مكة.
3 - نكث البيعة على النصرة أو الجهاد، أو السمع والطاعة، دون مبرر شرعي،
فهذا مرتكب لكبيرة من الكبائر، وأشدها نكث البيعة على السمع والطاعة.
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا
يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ
فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ
اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)} [الفتح: 10].
2 - وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -
صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ،
فَليَصْبِرْ، فَإنّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْراً فَمَاتَ، فَمِيتَةٌ
جَاهِلِيّةٌ». متفق عليه (1).
3 - وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِاللهِ البَجَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ
خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِىَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ
لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِى عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً
جَاهِلِيَّةً». أخرجه مسلم (2).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7053)، ومسلم برقم (1849)، واللفظ له.
(2) أخرجه مسلم برقم (1851).
(5/310)
6 - واجبات الخليفة
يجب على خليفة المسلمين ما يلي:
1 - إقامة الدين:
ويتم ذلك بحفظه، والعمل به، والدعوة إليه، وتعليمه، ودفع الشبه عنه، وحمل
الناس عليه، وتنفيذ أحكامه وحدوده، والجهاد في سبيل الله، والحكم بين الناس
بما أنزل الله.
1 - قال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي
الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى
فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} ...
[ص: 26].
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ
تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} ... [النساء: 58].
2 - اختيار الأكفاء للمناصب والولايات:
1 - قال الله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ
خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)} ... [القصص: 26].
2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ، وَلا
اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ، إِلا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ
تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ
بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللهُ
تَعَالَى». أخرجه البخاري (1).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (7198).
(5/311)
3 - تفقد أحوال الرعية، وتدبير أمورها:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه
وسلم - أَنّهُ قَالَ: «أَلاَ كُلّكُمْ رَاعٍ، وَكُلّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ
رَعِيّتِهِ، فَالأَمِيرُ الّذِي عَلَى النّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ
رَعِيّتِهِ، وَالرّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ
عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ،
وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيّدِهِ،
وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلّكُمْ رَاعٍ، وَكُلّكُمْ مَسْؤُولٌ
عَنْ رَعِيّتِهِ». متفق عليه (1).
4 - الرفق بالرعية، والنصح لهم، وعدم تتبع عوراتهم:
1 - عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلنَا: لِمَنْ؟ قال:
«للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ
وَعَامَّتِهِمْ». أخرجه مسلم (2).
2 - وَعَنْ مَعْقِل بن يَسَارٍ المُزنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ
يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ
لِرَعِيَّتِهِ، إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ». متفق عليه (3).
3 - وَعَنْ مَعْقِل رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ أمِيرٍ يَلِي أمْرَ
المُسْلِمِينَ، ثُمَّ لا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إِلا لَمْ يَدْخُل
مَعَهُمُ الجَنَّةَ». أخرجه مسلم (4).
5 - أن يكون قدوة حسنة لرعيته:
1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (893)، ومسلم برقم (1829)، واللفظ له.
(2) أخرجه مسلم برقم (55).
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7150)، ومسلم برقم (142)، واللفظ له.
(4) أخرجه مسلم برقم (142).
(5/312)
2 - وقال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا
مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا
بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} [السجدة: 24].
3 - وقال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ
عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف: 199].
6 - محاسبة الولاة والعمال فيما وكَّلهم فيه:
عَنْ أبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: اسْتَعْمَلَ
النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلا مِنَ الأَزْدِ، يُقال لَهُ ابْنُ
اللتْبِيَّةِ، عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: هَذَا لَكُمْ
وَهَذَا أهْدِيَ لِي. قالَ: «فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أبِيهِ أوْ بَيْتِ
أمِّهِ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أمْ لا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا
يَأْخُذُ أحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ
يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أوْ
بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أوْ شَاةً تَيْعَرُ». ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ
حَتَّى رَأيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ: «اللَّهُمَّ هَل بَلَّغْتُ،
اللَّهُمَّ هَل بَلَّغْتُ». متفق عليه (1).
7 - استيفاء الحقوق المالية لبيت المال، وصرفها في مصارفها الشرعية:
مثل الزكاة، والجزية، والخراج، والفيء، والغنائم ونحوها من الموارد
كالبترول والمعادن ونحوها.
قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة: 103].
8 - الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر:
1 - قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ (125)} ... [النحل: 125].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2597)، واللفظ له, ومسلم برقم (1832).
(5/313)
2 - وقال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ
أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل
عمران: 104].
9 - رعاية مصالح الأمة الداخلية والخارجية.
قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ
عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ
رَحِيمٌ (128)} [التوبة: 128].
10 - مشاورة الإمام أهل الشورى:
ليجمع الرأي السديد، ويطيِّب قلوب من يشاور، ويستفيد من طاقتهم لمصلحة
الأمة.
قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}
... [آل عمران: 159].
11 - عدم موالاة الكفار:
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} ... [المائدة: 51].
2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)} ... [المائدة: 57].
3 - وقال الله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا
أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ
دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ
الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي
الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا
وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي
حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ
الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} ...
[النساء: 138 - 140].
(5/314)
7 - واجبات الأمة
يجب للإمام على الرعية ما يلي:
1 - السمع والطاعة للإمام في غير معصية الله:
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ
فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلًا (59)} ... [النساء: 59].
2 - وَعَنْ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ
فِيمَا أحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ
بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ». متفق عليه (1).
2 - عدم نزع طاعته، فلا يطاع في المعصية، ولا تُنزع طاعته في غيرها:
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم
- بَعَثَ جَيْشاً وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً، فَأَوْقَدَ نَاراً،
وَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَأَرَادَ نَاسٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَقَالَ
الآخرونَ: إنّا قَدْ فَرَرْنَا مِنْهَا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله -
صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ، لِلّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا:
«لَوْ دَخَلتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ»
وَقَالَ لِلآخَرِينَ قَوْلاً حَسَناً، وَقَالَ: «لاَ طَاعَةَ فِي
مَعْصِيَةِ الله، إنّمَا الطّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ». متفق عليه (2).
3 - المناصحة بتقديم النصح له، والدعاء له، ومن لا يستطيع الوصول إليه
يُبلِّغ من يُوصِل إليه النصيحة من العلماء والوجهاء:
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7144)، واللفظ له, ومسلم برقم (1839).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4340)، ومسلم برقم (1840)، واللفظ له.
(5/315)
1 - قال الله تعالى: {أُبَلِّغُكُمْ
رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)} ... [الأعراف:
68].
2 - وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى
الله عليه وسلم - قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلنَا: لِمَنْ؟ قال:
«للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ
وَعَامَّتِهِمْ». أخرجه مسلم (1).
4 - نصرة الإمام ومؤازرته في الحق:
قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا
تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} ... [المائدة: 2].
5 - عدم الغش والخيانة لهم ولغيرهم:
1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)} ...
[الأنفال: 27].
2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ
مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». أخرجه مسلم (2).
3 - وَعَنْ زَيْد بن ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «ثَلاَثُ خِصَالٍ لاَ يَغِلُّ
عَلَيْهِنَّ قَلبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلاَصُ العَمَلِ للهِ،
وَمُنَاصَحَةُ وُلاَةِ الأَمْرِ، وَلُزُومُ الجَمَاعَةِ، فَإِنَّ
دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ». أخرجه أحمد وابن حبان (3).
6 - لزوم الصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم:
1 - عَنْ أسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَجُلا مِنَ
الأنْصَارِ قال: يَا رَسُولَ اللهِ، ألا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا
اسْتَعْمَلتَ فُلانًا؟ قال: «سَتَلقَوْنَ بَعْدِي أثرَةً، فَاصْبِرُوا
حَتَّى
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (55).
(2) أخرجه مسلم برقم (101).
(3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (21590)، وابن حبان برقم (67).
(5/316)
تَلقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ». متفق عليه
(1).
2 - وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً
يَكْرَهُهُ فَليَصْبِرْ، فَإنّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْراً
فَمَاتَ، فَمِيتَةٌ جَاهِلِيّةٌ». متفق عليه (2).
7 - طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق:
عَنْ سَلَمَة بن يَزِيد الجُعْفِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: يَا نَبِيّ
اللهِ أَرَأَيْتَ إنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقّهُمْ
وَيَمْنَعُونَا حَقّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ
سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ سَأَلَهُ فِي الثّانِيَةِ أَوْ فِي
الثّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ: «اسْمَعُوا
وَأَطِيعُوا، فَإِنّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا
حُمِّلتُمْ». أخرجه مسلم (3).
8 - لزوم جماعة المسلمين وإمامهم عند ظهور الفتن وفي كل حال:
1 - عَنْ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ
النّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الخَيْرِ،
وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشّرّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلتُ:
يَا رَسُولَ الله إنّا كُنّا فِي جَاهِلِيّةٍ وَشَرِّ، فَجَاءَنَا الله
بِهَذَا الخَيْرِ، فَهَل بَعْدَ هَذَا الخَيْرِ شَرّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»
فَقُلتُ: هَل بَعْدَ ذَلِكَ الشّرّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ
دَخَنٌ» قُلتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَسْتَنّونَ بِغَيْرِ
سُنّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ»،
فَقُلتُ: هَل بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ
عَلَى أَبْوَابِ جَهَنّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»،
فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ:
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3792)، ومسلم برقم (1849)، واللفظ له.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7053)، واللفظ له, ومسلم برقم (1849).
(3) أخرجه مسلم برقم (1846).
(5/317)
«نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلدَتِنَا،
وَيَتَكَلّمُونَ بِأَلسِنَتِنَا» قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا تَرَى إنْ
أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ
وَإمَامَهُمْ» فَقُلتُ: فَإنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟
قَالَ: «فَاعْتَزِل تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضّ عَلَى
أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ». متفق
عليه (1).
2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النّبِيّ - صلى الله
عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطّاعَةِ، وَفَارَقَ
الجَمَاعَةَ، فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ
رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إلَى عَصَبَةٍ،
أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيّةً، وَمَنْ خَرَجَ
عَلَى أُمّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلاَ يَتَحَاشَ مِنْ
مُؤْمِنِهَا، وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنّي وَلَسْتُ
مِنْهُ». أخرجه مسلم (2).
9 - الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع، وترك قتالهم ما صلوا:
عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله
عليه وسلم - قَالَ: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ،
فَمَنْ عَرَفَ بَرِىءَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ
وَتَابَعَ» قَالُوا: أَفَلاَ نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لاَ، مَا صَلّوْا».
أخرجه مسلم (3).
10 - عدم الخروج عليهم، وعدم كشف عوراتهم أمام الناس، بل يناصحهم سراً، ولا
يجوز التشهير بهم على المنابر وفي الصحف ونحوها؛ لما في ذلك من الفتنة:
1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ
وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} [البروج: 10].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3606)، ومسلم برقم (1847)، واللفظ له.
(2) أخرجه مسلم برقم (1848).
(3) أخرجه مسلم برقم (1854).
(5/318)
2 - وَعَنْ عَرْفَجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ
أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ، عَلَىَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ
يَشُقّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ». أخرجه مسلم
(1).
11 - البقاء في الحكم مدة صلاحيته للإمامة حتى ينتهي أجله، أو يفقد قدرته
وطاقته، ليأمن المِلَق والنفاق:
كما بقي رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلى أن مات، وبقي خلفاؤه
الراشدون رضي الله عنهم إلى أن ماتوا.
- عقوبة طاعة الخلفاء في المعصية:
إذا أطاع الناس حكامهم فيما يبتدعون لهم من البدع، أو فيما يأمرونهم به من
المعاصي، خوفاً على ذهاب دنياهم ومصالحهم، أخرج الله من قلوبهم الإيمان،
وأسكنها الرعب، وأورثهم الفقر وشدة الأحوال.
فإن تابوا ورجعوا إلى ربهم بدَّل الله أحوالهم أمناً وإيماناً، وطمأنينة
وسعادة وغنى.
1 - قال الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ
رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا
عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ
أَمْرِهَا خُسْرًا (9)} [الطلاق: 8 - 9].
2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا
فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ
أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ
بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)} ... [الأنعام: 54].
3 - وقال الله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1852).
(5/319)
الْكَافِرِينَ (32)} ... [آل عمران: 32].
- حكم هجر الإمام أهل المعاصي:
الإمام مسؤول عن رعيته، وله تأديبهم بما يُصلحهم، وذلك يختلف باختلاف
المعاصي والمعصية، وباختلاف الإيمان والعلم، والجهل والنسيان والإصرار.
عَنْ عَبْدَاللهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ
بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ- قال: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قال: لَمَّا
تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ، فَذَكَرَ حَدِيثَهُ، وَنَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم
- المُسْلِمِينَ عَنْ كَلامِنَا، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ
لَيْلَةً، وَآذَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتَوْبَةِ اللهِ
عَلَيْنَا. متفق عليه (1).
- حكم ذي الوجهين:
لا يجوز لأحد أن يثني على الحاكم في مجلسه، وإذا خرج سبه، فهذا نفاق، وشر
الناس ذو الوجهين.
1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ،
الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ». متفق عليه (2).
2 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ
أُنَاسٌ لابْنِ عُمَرَ: إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى سُلطَانِنَا، فَنَقُولُ
لَهُمْ خِلافَ مَا نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ، قال:
كُنَّا نَعُدُّهَا نِفَاقًا. أخرجه البخاري (3).
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7225)، واللفظ له, ومسلم برقم (2796).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7179)، واللفظ له, ومسلم برقم (2526).
(3) أخرجه البخاري برقم (7178).
(5/320)
8 - نظام الحكم في
الإسلام
- أقسام الخلفاء في الحكم:
ينقسم الخلفاء إلى ثلاثة أقسام:
الأول: الإمام العادل المقسط: فهذا تجب طاعته، ويحرم الخروج عليه.
الثاني: الحاكم الكافر والمرتد: فهذا يجب الخروج عليه، ومنابذته، وعزله؛
لأنه لا ولاية لكافر على المسلمين.
الثالث: الإمام الفاسق، فهذا له حالتان:
1 - إن تعدى فسقه إلى غيره، ونَشَر الفساد في الأمة، ودعا إليه، فهذا يجب
عزله، وتولية من هو أصلح للمؤمنين منه.
2 - إن اقتصر فسقه على نفسه، وغلب على الظن حصول الفتنة بالخروج عليه، فهذا
لا يجوز الخروج عليه؛ دفعاً للفتنة وإيغار الصدور.
- سياسة الإمام العادل:
السياسة: هي سلوك كل ما يصلح به الخلق في الدين والدنيا.
والسياسة إما داخلية ... وإما خارجية.
فالداخلية: أن يَسُوس الإمام رعيته بالعدل، وعدم الجور، أما السياسة
الخارجية: فهي معاملة غير المسلمين.
وللإمام العادل مع غير المسلمين أربع مقامات:
المعاهدون .. المستأمنون .. الذميون .. الحربيون.
1 - المعاهدون: الذين عُقد بيننا وبينهم عهد ألا يعتدوا علينا ولا نعتدي
عليهم.
(5/321)
فهؤلاء إن استقاموا على العهد وجب علينا أن
نستقيم لهم، وإن خانوا ونقضوا العهد انتقض عهدهم وصاروا حربيين، وإن لم
ينقضوا العهد، ولكن صرنا لا نأمنهم، فهؤلاء نَنبذ إليهم عهدهم.
2 - المستأمنون: الذين طلبوا الأمان على أنفسهم مدة معينة.
فهؤلاء لا يجوز لأحد الاعتداء عليهم.
3 - الذميون: وهم كل من التزم بدفع الجزية.
وهؤلاء لا يجوز لأحد الاعتداء عليهم، وتوفَّى لهم حقوقهم.
4 - الحربيون: وهم الكفار المحاربون للمسلمين.
وهؤلاء يجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله بأن يسلموا، أو يدفعوا الجزية.
أما سياسة الخليفة الداخلية فيخْلُف رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في
أربعة أمور:
1 - العلم، فيكون عالماً بشرع الله، فإن عجز اتخذ بطانة ذات علم بشرع الله،
عالمة بأحوال العصر.
2 - العبادة، بأن يكون قدوة صالحة في عمله، وعبادته، وأخلاقه؛ ليكون أسوة
لغيره.
3 - الدعوة، بأن يدعو إلى الله، ويكاتب ملوك الأرض ويدعوهم إلى الإسلام،
ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.
4 - السياسة، بأن يسوس الناس بالعدل.
(5/322)
- قواعد نظام الحكم في الإسلام:
مبادئ نظام الحكم في الإسلام هي:
1 - الشورى:
فيشاور الإمام بطانته وأهل مشورته في القضايا الدينية والدنيوية.
1 - قال الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ... [الشورى: 38].
2 - وقال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}
... [آل عمران: 159].
2 - العدل بين الناس كلهم، مسلمهم وكافرهم:
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ
وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90].
3 - المساواة بين الناس في الحقوق:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ أسَامَةَ كَلَّمَ النَّبِيَّ -
صلى الله عليه وسلم - فِي امْرَأةٍ، فقال: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ الحَدَّ عَلَى الوَضِيعِ
وَيَتْرُكُونَ الشَّرِيفَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أنَّ
فَاطِمَةَ فَعَلَتْ ذَلِكَ لَقَطَعْتُ يَدَهَا». متفق عليه (1).
4 - حماية كرامة الإنسان:
فلا يجوز إهدار كرامة أحد، ولا إباحة دمه إلا بحق، سواء كان مسلماً أم
كافراً؛ لأن العقاب إصلاح وزجر، لا تنكيل وإهانة.
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6787)، واللفظ له, ومسلم برقم (6688).
(5/323)
1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا
بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ
مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا
تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء: 70].
2 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَ في حجة الوداع: «إنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأمْوَالَكُمْ،
وَأعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي
شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا». متفق عليه (1).
5 - الحرية الإنسانية:
فالحرية ملازمة للكرامة الإنسانية، فلا إكراه في الدين، وقد رغَّب الإسلام
في حرية الفكر والقول السديد، وحرية الرأي والنقد الهادف.
1 - قال الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ
مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ
اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)} [البقرة: 256].
2 - وقال الله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا
يُؤْمِنُونَ (101)} [يونس: 101].
6 - رقابة الأمة للحاكم، ورقابة الحاكم للولاة والرعية:
فالخليفة يخضع لرقابة الأمة التي ولَّته، فإن قادهم بكتاب الله وسنة رسوله
وجبت طاعته، وإن زاغ خُلع ووُلِّي غيره، والإمام راع، ومسؤول عن رعيته.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)} ...
[الأنفال: 27].
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (67)، واللفظ له, ومسلم برقم (1679).
(5/324)
- أقسام الولايات في الإسلام:
تنقسم الولايات إلى أربعة أقسام:
1 - أهل الولايات العامة في الأعمال العامة، وهم الوزراء.
2 - أهل الولايات العامة في الأعمال الخاصة، وهم أمراء المناطق؛ لأن
ولايتهم عامة، لكن تخص بلدهم فقط.
3 - أهل الولاية الخاصة في الأعمال العامة، كرئيس القضاة، أو رئيس جباة
الصدقات ونحوهم.
4 - أهل الولاية الخاصة في الأعمال الخاصة كقاضي بلد، أو جابي صدقاته.
- وظائف الولاة:
تنقسم وظائف الولاة إلى قسمين:
الوزارة .. وإمارة الأقاليم.
1 - الوزارة: وتنقسم إلى قسمين:
1 - وزارة تفويض: وهي من يفوِّض الإمام إليه تدبير الأمور برأيه، وهي تشبه
رئاسة الوزارة اليوم، وهي أعظم منصب بعد الخلافة؛ لما فيها من كبير
الصلاحيات.
2 - وزارة التنفيذ: وهي أقل مرتبة من وزارة التفويض؛ لأن الوزير ينفذ رأي
الإمام وتدبيره، وهو وسط بينه وبين الرعية والولاة.
2 - إماراة الأقاليم: وهو من يفوِّض إليه الإمام تدبير أمور بلدٍ ما في
مملكته.
(5/325)
9 - حكم الخروج على
الأئمة
- حكم الخروج على الإمام العادل:
لا يجوز لفرد أو جماعة الخروج على الإمام العادل، ومن خرج عليه وجب قتاله
وقمعه، ورد شره وبغيه.
1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى
فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ
فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} ... [الحجرات: 9].
2 - وَعَنْ عَرْفَجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله -
صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ،
عَلَىَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرّقَ
جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ». أخرجه مسلم (1).
3 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ
أحْدَاثُ الأسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأحْلامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ
البَرِيَّةِ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ،
يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ،
فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أجْرًا
لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (2).
- حكم الخروج على الإمام الجائر:
لا يجوز الخروج على أئمة الظلم والجور بالسيف، ما لم يصل بهم ظلمهم
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1852).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3611)، ومسلم برقم (1066)، واللفظ له.
(5/326)
وجورهم إلى الكفر البواح، وترك الصلاة، أو
قيادة الأمة بغير كتاب الله تعالى، إذا كان غالب الظن القدرة عليهم.
ويجب على الأمة الصبر على ظلم الحكام والبغاة، وترك الخروج عليهم، إلى أن
يستريح بَرّ، أو يُستراح من فاجر، وذلك خشية الفتنة، وإراقة الدماء، وتمزيق
الشمل، فيناصَحُون ويوعظون، ويطاعون في غير معصية الله، ولا تنزع الطاعة
لهم.
1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -
صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ رَأى مِنْ أمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ
فَليَصْبِرْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ يُفَارِقُ الجَمَاعَةَ شِبْرًا
فَيَمُوتُ، إِلا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». متفق عليه (1).
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله
عليه وسلم - قالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ
فِيمَا أحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ
بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ». متفق عليه (2).
3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
الله - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَيْكَ السّمْعُ وَالطّاعَةُ، فِي
عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ».
أخرجه مسلم (3).
4 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السّمْعِ
وَالطّاعَةِ، فِي العُسْرِ وَاليُسْرِ، وَالمَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَعَلَى
أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ،
وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالحَقّ أَيْنَمَا كُنّا، لاَ نَخَافُ فِي الله
لَوْمَةَ
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7143)، واللفظ له, ومسلم برقم (1849).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7144)، واللفظ له, ومسلم برقم (1839).
(3) أخرجه مسلم برقم (1836).
(5/327)
لاَئِمٍ. متفق عليه (1).
5 - وَعَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَجُلاً مِنَ
الأَنْصَارِ خَلاَ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أَلاَ
تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلتَ فُلاَناً؟ فَقَالَ: «إنّكُمْ
سَتَلقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتّى تَلقَوْنِي عَلَى
الحَوْضِ». متفق عليه (2).
6 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الجُعْفِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ:
يَا نَبِيّ الله أَرَأَيْتَ إنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا
حَقّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ،
ثُمّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ سَأَلَهُ فِي الثّانِيَةِ أَوْ فِي
الثّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ: «اسْمَعُوا
وَأَطِيعُوا، فَإِنّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا
حُمّلتُمْ». أخرجه مسلم (3).
7 - وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خِيَارُ أَئِمّتِكُمُ الّذِينَ تُحِبّونَهُمْ
وَيُحِبّونَكُمْ، وَيُصَلّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلّونَ عَلَيْهِمْ،
وَشِرَارُ أَئِمّتِكُمُ الّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ
وَتَلعَنُونَهُمْ وَيَلعَنُونَكُمْ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلاَ
نُنَابِذُهُمْ بِالسّيْفِ؟ فَقَالَ: «لاَ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ
الصّلاَةَ، وَإذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئاً تَكْرَهُونَهُ،
فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلاَ تَنْزِعُوا يَداً مِنْ طَاعَةٍ». أخرجه مسلم
(4).
8 - عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النّبِيّ - صلى الله
عليه وسلم -، عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ: «إنّهُ
يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ
كَرِهَ فَقَدْ بَرِىءَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ
رَضِيَ وَتَابَعَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَلاَ نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ:
«لاَ،
_________
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7199)، ومسلم برقم (1709)، واللفظ له -
كتاب الإمارة.
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3792)، ومسلم برقم (1845)، واللفظ له.
(3) أخرجه مسلم برقم (1846).
(4) أخرجه مسلم برقم (1855).
(5/328)
مَا صَلّوْا». أخرجه مسلم (1).
- أنواع الخروج على الأئمة:
الخروج على الحاكم له أحوال متفاوتة:
فقد يكون الخروج بعدم الإقرار بإمامة الخليفة، وقد يكون بالتحذير منه، ومن
طاعته، ومساعدته، والدخول عليه، وقد يكون بمنابذته ومقاتلته بالسيف.
وهذا الأخير هو المراد، سواء كان الخارجون على الإمام خوارج، أو بغاة، أو
قطاع طريق، أو أهل عدل خرجوا على إمام جائر لم يرتكب ما يوجب الخروج عليه.
فلا يجوز الخروج على الإمام المسلم، سواء كان عادلاً، أو فاسقاً، أو
جائراً، ما لم يرتكب كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان.
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَعَانَا
رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا
أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي
مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ
عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: «إلاّ أَنْ
تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ». متفق
عليه (2).
_________
(1) أخرجه مسلم برقم (1854).
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7056)، ومسلم في الإمارة برقم (1709)،
واللفظ له.
(5/329)
10 - انتهاء ولاية
الحاكم
- انتهاء ولاية الحاكم:
تنتهي ولاية الحاكم بأحد ثلاثة أمور هي:
1 - موت الخليفة؛ لأن مدة استخلافه مؤقتة بمدة حياته.
2 - خلع الخليفة نفسه، فلا يكرَه أحد على البقاء في منصبه، ويقوم خلعه
لنفسه مقام موته.
3 - عزله لتغيُّر حاله، والذي يَخرج به عن الإمامة شيئان:
جرح في عدالته، ونقص في بدنه.
فجرح العدالة بالفسق، وهو ارتكاب المحرمات، والإقدام على المنكرات،
والانقياد للشهوات المحرمة.
وأما نقص البدن فهو نقص الحواس كزوال العقل، والإغماء والشلل ونحو ذلك مما
يؤثر على الرأي أو العمل.
- أسباب عزل الخليفة:
يُعزل الإمام إذا اتصف بإحدى الصفات التالية:
الكفر والردة عن الإسلام .. وترك الصلاة .. وترك الدعوة إليها .. ترك الحكم
بما أنزل الله .. نقص الكفاءة بعجز عقلي أو جسدي له تأثير على الرأي والعمل
كزوال العقل، والشلل والصمم والخرس ونحو ذلك.
(5/330)
- طريقة عزل الإمام العاجز أو المنحرف:
لعزل الإمام عدة وسائل:
الأولى: إما أن يعزل الإمام نفسه إذا أحس بعدم القدرة على القيام بأعباء
الخلافة، وتصريف أمور الدولة.
الثانية: أن يتقدم أهل الحل والعقد إلى الإمام الذي انحرف، وينذرونه مغبة
انحرافه لعله يرجع.
فإن أصر على انحرافه عزلوه بكل وسيلة ممكنة، بشرط ألا يترتب على ذلك مفسدة
أكبر من المفسدة المرجو إزالتها.
ولا يواجَه الإمام المنحرف بالسيف والقتال؛ لما يسببه ذلك من حصول الفتن،
وسفك الدماء، واضطراب حبل الأمن.
(5/331)
|