الموسوعة
الفقهية الدرر السنية الفصل الأول تعريف
الطواف ومشروعيته وفضائله
المبحث الأول: تعريف الطواف
الطواف لغةً: دوران الشيء على الشيء (1).
الطواف اصطلاحاً:
هو التعبد لله عز وجل، بالدوران حول الكعبة على صفةٍ مخصوصة (2).
المبحث الثاني: مشروعية الطواف
الطواف بالبيت عبادة مشروعة
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 - قوله تعالى: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ
طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
[البقرة: 125].
2 - قوله تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ
وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج: 26].
وجه الدلالة:
أن هاتين الآيتين تدلان على مشروعية الطواف بالبيت, وأنه من العبادات التي
يتعبدالله بها منذ القدم.
3 - قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ
وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29].
وجه الدلالة:
في هذه الآية أمر واضح وصريح من الله لعباده القاصدين بيته أن يطوفوا
بالبيت الحرام, وفي هذا دليلٌ على مشروعية الطواف.
ثانياً: من السنة:
1 - حديث جابر الطويل في صفة حج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((حتى
إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً ... )) الحديث.
أخرجه مسلم (3).
2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا
طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم سعى ثلاثة أطواف ومشى أربعة ثم سجد
سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة)) أخرجه البخاري ومسلم (4).
3 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أول شيء بدأ به حين قدم النبي صلى الله
عليه وسلم أنه توضأ، ثم طاف)) أخرجه البخاري ومسلم (5).
المبحث الثالث: فضائل الطواف
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من
طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه، كان كعتق رقبة، لا يضع قدما، ولا يرفع أخرى،
إلا حط الله عنه بها خطيئة، وكَتَبَ له بها حسنة)) (6).
المبحث الرابع: من حكم مشروعية الطواف
الطواف كغيره من العبادات تنضوي تحته حكمة عامة عظيمة هي طاعة الله تبارك
وتعالى فيما أمر به في كتابه أو أمر به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم,
إلا أن للطواف حكمة خاصة ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث
الذي روته عائشة رضي الله عنها حيث قالت: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ((إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر
الله)) (7) , فعلم من هذا الحديث أن الحكمة التي من أجلها شرع الطواف هي
ذكر الله تبارك وتعالى, والتقرب إليه بهذه العبادة العظيمة.
_________
(1) انظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (مادة: طوف) , ((لسان العرب)) لابن
منظور (مادة: طوف).
(2) انظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 39)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية))
(25/ 11).
(3) رواه مسلم (1218).
(4) رواه البخاري (1616)، ومسلم (1621).
(5) رواه البخاري (1641)، ومسلم (1235).
(6) رواه الترمذي (959)، وأبو يعلى (10/ 250) (5687)، وابن خزيمة في صحيحه
(4/ 227) وابن حبان في صحيحه (9/ 10) (3697)، والطبراني (12/ 391) (13478)،
والحاكم (1/ 664). قال الترمذي: (حسن)، وقال الحاكم: (صحيح على ما بينته من
حال عطاء بن السائب ولم يخرجاه)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6380)
(7) رواه أبو داود (1888)، والترمذي (902)، وأحمد (6/ 64) (24396)، وابن
خزيمة (4/ 222) (2738)، والحاكم (1/ 630). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وقال
الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، وقال النووي في ((المجموع))
(8/ 56): (إسناده كله صحيح إلا عبيد الله فضعفه أكثرهم ضعفاً يسيراً)،
وضعفه الألباني في ((ضعيف سنن الترمذي)) (902).
الفصل الثاني: أنواع
الطواف
المبحث الأول: طواف القدوم
المطلب الأول: أسماء طواف القدوم
يسمَّى طواف القادم، وطواف الورود، وطواف الوارد، وطواف التحية، وطواف
اللقاء (1).
المطلب الثاني: حكم طواف القدوم
طواف القدوم سنة للقارن والمفرد القادمين من خارج مكة (2)، وهذا مذهب جمهور
الفقهاء من الحنفية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29].
وجه الدلالة:
أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، وقد تعين أن المقصود بهذا الطواف طواف
الإفاضة بالإجماع، فلا يكون غيره كذلك. (6)
ثانياً: من السنة:
1 - عن محمد بن عبدالرحمن بن نوفل القرشي، أنه سأل عروة بن الزبير فقال: قد
حج النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرتني عائشة رضي الله عنها: ((أنه أول شيء
بدأ به حين قدم أنه توضأ، ثم طاف بالبيت، ثم لم تكن عمرة)). ثم حج أبو بكر
رضي الله عنه فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة ثم عمر
رضي الله عنه مثل ذلك ثم حج عثمان رضي الله عنه، فرأيته أول شيء بدأ به
الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم معاوية، وعبدالله بن عمر، ثم حججت مع أبي
الزبير بن العوام فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة ثم
رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك، ثم لم تكن عمرة، ثم آخر من رأيت فعل
ذلك ابن عمر، ثم لم ينقضها عمرة، وهذا ابن عمر عندهم فلا يسألونه، ولا أحد
ممن مضى، ما كانوا يبدءون بشيء حتى يضعوا أقدامهم من الطواف بالبيت، ثم لا
يحلون وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان، لا تبتدئان بشيء أول من البيت،
تطوفان به، ثم إنهما لا تحلان)) (7).
2 - حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((حتى إذا
أتينا البيت معه استلم الركن، فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً)) (8).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا، وكان طوافه أول ما قدم للقدوم.
ثالثاً: أن الله سبحانه لم يأمر بذلك الطواف ولا رسوله، ولا اتفق الجميع
على وجوبه، وإنما اتفقوا على أنه من شعائر الحج ونسكه، وهذا اليقين، فلا
يخرج عنه إلا ببرهان (9).
رابعاً: سقوط هذا الطواف عن الحائض، وعن المراهق الذي لم يدرك إلا الوقوف
بعرفة، فلو كان واجبا لوجب قضاؤه وتداركه، أو جبره بدم.
خامساً: القياس على تحية المسجد، فإنها ليست واجبة، ولاعلى من تركها شيء،
فكذلك طواف القدوم فإنه تحية البيت (10).
المطلب الثالث: وقت طواف القدوم
_________
(1) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 19)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/
277)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 142).
(2) أما أهل مكة فلا طواف قدوم لهم؛ وذلك لانعدام القدوم في حقهم، وأما
المتمتع فإنه يباشر أعمال عمرته من الطواف والسعي. ((فتح القدير)) للكمال
ابن الهمام (2/ 457، 458)، ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 360)، ((المجموع))
للنووي (8/ 12)، ((قواعد ابن رجب)) (ص: 25).
(3) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 19)، ((فتح القدير)) للكمال ابن
الهمام (2/ 457).
(4) ((المجموع)) للنووي (8/ 12)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 484).
(5) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 469)، ((كشاف القناع))
للبهوتي (2/ 477).
(6) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 458).
(7) رواه البخاري (1641) ومسلم (3060) واللفظ للبخاري.
(8) رواه مسلم (1218).
(9) قال ابن عبدالبر: (لا خلاف بين العلماء أن هذا الطواف من سنن الحج
وشعائره ونسكه) ((التمهيد)) (17/ 271، 272).
(10) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 457)، ((مجلة البحوث
الإسلامية)) (44/ 190، 50/ 221).
يبدأ وقت طواف القدوم حين دخول مكة، وينتهي
بالوقوف بعرفة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (1)، والمالكية (2)،
والشافعية (3)، وهو قول للحنابلة (4)، واختاره ابن قدامة (5)، وابن تيمية
(6)، وصححه ابن رجب (7).
الأدلة:
أدلة أن طواف القدوم يكون عند أول القدوم إلى مكة
أولاً: من السنة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((إن أول شيء بدأ به حين قدم النبي صلى
الله عليه وسلم مكة أنه توضأ ثم طاف)) (8).
2 - عن جابر رضي الله عنهما، في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((حتى
إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا)) (9).
ثانياً: أنه تحية البيت العتيق، والتحية إنما تكون في أول شيء.
أدلة أن وقت طواف القدوم ينتهي بالوقوف بعرفة
أولاً: من السنة:
عن عائشة رضي الله قالت: ((فطاف الذين أهلوا بالعمرة، ثم حلوا، ثم طافوا
طوافا آخر، بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة، فإنما
طافوا طوافا واحدا)) (10).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما طافوا بعد يوم عرفة طواف
الإفاضة، ومنهم من كان متمتعا لم يطف إلا طواف عمرته، ومنهم من لم يدرك
الحج إلا يوم عرفة، فعلم أن طواف القدوم إنما يشرع لمن أتى البيت قبل
الوقوف بعرفة (11).
ثانياً: أن المحرم بعد الوقوف بعرفة مطالب بطواف الفرض، وهو طواف الزيارة.
ثالثاً: أن طواف الإفاضة يغني عن طواف القدوم لمن لم يقدم البيت إلا بعد
يوم عرفة، كالصلاة الفرض تغني عن تحية المسجد (12).
رابعاً: أن طواف القدوم لو لم يسقط بالطواف الواجب، لشرع في حق المعتمر
طواف للقدوم مع طواف العمرة؛ لأنه أول قدومه إلى البيت، فهو به أولى من
المتمتع، الذي يعود إلى البيت بعد رؤيته وطوافه به (13).
خامساً: أن طواف القدوم شُرِعَ في ابتداء الحج على وجه يترتب عليه سائر
الأفعال فلا يكون الإتيان به على غير ذلك الوجه سنة (14).
المطلب الرابع: متى يسقط طواف القدوم؟
يسقط طواف القدوم عن أربعة أصناف:
أ – الحائض: وفي حكمها النفساء، وذلك إذا استمر دمهما إلى يوم عرفة (15).
دليل ذلك:
_________
(1) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 37)، ((العناية شرح الهداية))
للبابرتي (2/ 508).
(2) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 360)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 115).
(3) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 134)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/
292).
(4) ((المبدع)) برهان الدين ابن مفلح (3/ 173)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/
32).
(5) قال ابن قدامة مستدركاً على الإمام أحمد قوله بمشروعية طواف القدوم
للمتمتع بعد يوم عرفة: (لا أعلم أحدا وافق أبا عبدالله على هذا الطواف الذي
ذكره الخرقي، بل المشروع طواف واحد للزيارة، كمن دخل المسجد وقد أقيمت
الصلاة، فإنه يكتفي بها عن تحية المسجد؛ ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله
عليه وسلم؛ ولا عن أصحابه الذين تمتعوا معه في حجة الوداع؛ ولا أمر به
النبي صلى الله عليه وسلم أحدا) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 392، 393).
(6) قال ابن تيمية: (لا يستحب للمتمتع أن يطوف طواف القدوم بعد رجوعه من
عرفة قبل الإفاضة، وهذا هو الصواب) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 33).
(7) قال ابن رجب: (وهو الأصح) ((قواعد ابن رجب)) (ص: 25).
(8) رواه البخاري (1641)، ومسلم (3060) واللفظ للبخاري.
(9) رواه مسلم (1218).
(10) رواه البخاري (1556)، ومسلم (1211).
(11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 392، 393).
(12) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 37)، ((المغني)) لابن قدامة (3/
393).
(13) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 37)، ((المغني)) لابن قدامة (3/
393).
(14) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 37).
(15) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 115).
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((خرجنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج، حتى جئنا سرف فطمثت، فدخل
علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: والله،
لوددت أني لم أكن خرجت العام، قال: ما لك؟ لعلك نفست؟ قلت: نعم، قال: هذا
شيء كتبه الله على بنات آدم، افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت
حتى تطهري .. قالت: فلما كان يوم النحر طهرت، فأمرني رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأفضت)) (1).
وجه الدلالة:
أن عائشة رضي الله عنها لم تطف للقدوم، وذلك أنها حاضت قبل القدوم إلى مكة،
فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تفعل ما يفعله الحاج إلا الطواف
بالبيت، فلم تطهر إلا يوم النحر، فطافت للإفاضة.
ب- المكي: وفي حُكمهالآفاقي إذا أحرم من مكة (2).
دليل ذلك:
أن طواف القدوم شرع للقدوم، والقدوم في حق المكي غير موجود.
ج - المعتمر والمتمتع
دليل ذلك:
أن طواف القدوم يندرج في طواف العمرة، كالصلاة الفرض تغني عن تحية المسجد.
د - من قصد عرفة رأسا للوقوف يسقط عنه طواف القدوم (3)
دليل ذلك:
أن محل طواف القدوم المسنون قبل وقوف عرفة، وقد فات.
_________
(1) رواه مسلم (1211).
(2) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 360).
(3) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 360).
المبحث الأول: صفة
الطواف
صفة الطواف بالبيت هي أن يبتدئ طوافه من الركن الذي فيه الحجر الأسود،
فيستقبله، ويستلمه، ويقبله إن لم يؤذ الناس بالمزاحمة، فيحاذي بجميع بدنه
جميع الحجر، ثم يبتدئ طوافه جاعلا يساره إلى جهة البيت، ثم يمشي طائفا
بالبيت، ثم يمر وراء الحِجْر، ويدور بالبيت، فيمر على الركن اليماني، ثم
ينتهي إلى ركن الحجر الأسود، وهو المحل الذي بدأ منه طوافه، فتتم له بهذا
طوافة واحدة، ثم يفعل كذلك، حتى يتمم سبعا (1).
_________
(1) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 388) - بتصرف.
المبحث الثاني: شروط
الطواف
المطلب الأول: النية
يشترط نية أصل الطواف، وهذا مذهب جمهور الفقهاء (1): الحنفية (2)،
والمالكية (3)، والحنابلة (4).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((إنما الأعمال بالنيات)) (5).
2. عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الطواف
بالبيت صلاة، ولكن الله أحل لكم فيه النطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير))
(6).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الطواف صلاة، والصلاة لا تصح إلا بالنية
اتفاقا (7).
ثانياً: الطواف عبادة مقصودة؛ ولهذا يتنفل به، فلا بد من اشتراط النية فيه
(8).
مسألة: هل يشترط تعيين نية الطواف إذا كان في نسك من حج أو عمرة؟
_________
(1) خالف في هذه المسألة الشافعية إذا كان الطواف في نسك الحج أو العمرة،
فالأصح عندهم صحة الطواف في النسك بلا نية بشرط ألا يصرف الطواف إلى غيره
كطلب غريم. ((المجموع)) للنووي (8/ 16)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/
211).
(2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 495)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/
523).
(3) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 119).
(4) ((الفروع)) لابن مفلح (6/ 37)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/
573).
(5) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907)
(6) رواه: الترمذي (960)، والدارمي (2/ 66) (1847)، وابن حبان (9/ 143)
(3836)، وابن الجارود ((المنتقى)) (1/ 120)، والطبراني (11/ 34) (10955)،
والحاكم (2/ 293)، والبيهقي (5/ 85) (9074). قال الحاكم: (صحيح على شرط
مسلم ولم يخرجاه)، وقال ابن حجر في ((التلخيص)) (1/ 196): (إسناده صحيح)،
ورجح وقفه الترمذي, والنسائي, والبيهقي, وابن الصلاح, والمنذري, والنووي
انظر (التلخيص الحبير)) (1/ 359)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع))
(3954)
(7) حديث تسمية الطواف صلاة ولفظه: ((الطواف صلاة فأقلوا فيه الكلام)) رواه
الطبراني (11/ 40) (10976)، والبيهقي (5/ 85) (9075)، من حديث عبدالله بن
عباس رضي الله عنهما. قال البيهقي: (صحيح)، وحسنه السيوطي في ((الجامع
الصغير)) (5347)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3956).
(8) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 65).
لا يشترط تعيين نوع الطواف إذا كان في نسك
من حج أو عمرة, فلو طاف ناسيا أو ساهياً عن نوع الطواف أجزأه عن الطواف
المشروع في وقته، ما دام أنه قد نوى النسك الذي هو فيه: العمرة أو الحج،
وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (1) , والمالكية (2)، والشافعية في
الأصح (3) , واختاره الشنقيطي (4) ,وابن عثيمين (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه في حجة الوداع
بعدما دخلوا معه وطافوا وسعوا أن يفسخوا حجهم ويجعلوه عمرة، وكان منهم
القارن والمفرد، وإنما كان طوافهم عند قدومهم طواف القدوم، وليس بفرض، وقد
أمرهم أن يجعلوه طواف عمرة، وهو فرض (6).
2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلن لأصحابه، أو يأمرهم بإعلام
الطائفين بأن هذا طواف للقدوم، وذلك طواف للإفاضة، بل كان يؤدي المناسك
ويقول: ((لتأخذوا مناسككم)) (7)، ولا شك أن كثيرا ممن حج معه صلى الله عليه
وسلم لم يكن مستحضرا أن الطواف بعد الوقوف بعرفة، هو طواف الزيارة، وهو
الطواف الركن، وإنما كانوا يتابعون النبي صلى الله عليه وسلم في مناسكه
(8).
ثانياً: أنَّ نية النسك تشمل أعمال المناسك كلها بما فيها الطواف بأنواعه،
فلا يحتاج إلى نية، كما أن الصلاة تشمل جميع أفعالها، ولا يحتاج إلى النية
في ركوع ولا غيره (9).
ثالثاً: أن أركان الحج والعمرة لا تحتاج إلى تعيين النية، كالوقوف بعرفة،
والإحرام، والسعي، والطواف ركن في النسك بالإجماع، فلا يفتقر إلى تعيين
النية (10).
_________
(1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 128)، ((فتح القدير)) للكمال ابن
الهمام (2/ 495)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 523).
(2) استثنى المالكية طواف القدوم، فيجب فيه عدم نية النفلية، وذلك لأنه
واجب عندهم. ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 124)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 36).
(3) ((المجموع)) للنووي (8/ 16).
(4) قال الشنقيطي: (أظهر أقوال العلماء، وأصحها إن شاء الله أن الطواف لا
يفتقر إلى نية تخصه; لأن نية الحج تكفي فيه، وكذلك سائر أعمال الحج كالوقوف
بعرفة، والمبيت بمزدلفة، والسعي، والرمي كلها لا تفتقر إلى نية؛ لأن نية
النسك بالحج تشمل جميعها، وعلى هذا أكثر أهل العلم) ((أضواء البيان)) (4/
414).
(5) قال ابن عثيمين: (قال بعض العلماء: إنه لا يشترط التعيين، بل تشترط نية
الطواف؛ لأن الطواف جزء من العبادة، فكانت النية الأولى محيطة بالعبادة
بجميع أجزائها، وقاس ذلك على الصلاة، وقال: الصلاة فيها ركوع، وسجود،
وقيام، وقعود فلا يجب أن ينوي لكل ركن من أركانها نية مستقلة، بل تكفي
النية الأولى، وعلى هذا فإذا نوى العمرة كانت هذه النية شاملة للعمرة من
حين أن يحرم إلى أن يحل منها، والطواف جزء من العمرة, فإذا جاء إلى البيت
الحرام وطاف، وغاب عن قلبه أنه للعمرة، أو لغير العمرة، فعلى هذا القول
يكون الطواف صحيحاً، وهذا القول هو الراجح أنه لا يشترط تعيين الطواف ما
دام متلبساً بالنسك) ((الشرح الممتع)) (7/ 251). وقال أيضاً: (الطواف،
والسعي، والرمي، وما أشبهها كلها تعتبر أجزاء من عبادة واحدة، وأن النية في
أولها كافية عن النية في بقية أجزائها؛ لأن الحج عبادة مركبة من هذه
الأجزاء، فإذا نوى في أولها أجزأ عن الجميع، كما لو نوى الصلاة من أولها)
((الشرح الممتع)) (7/ 338).
(6) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 221 (.
(7) رواه مسلم (1297)
(8) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 221 (.
(9) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 219 (.
(10) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 124)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/
219).
رابعاً: أن نية الطواف في وقته يقع بها عن
المشروع في ذلك الوقت دون الحاجة إلى تعيين النية، فإن خصوص ذلك الوقت إنما
يستحق خصوص ذلك الطواف بسبب أنه في إحرام عبادة اقتضت وقوعه في ذلك الوقت
فلا يشرع غيره (1).
خامساً: أن القول باشتراط تعيين النية فيه حرج كبير؛ إذ إن أكثر الحجاج على
جهل كبير بمناسك الحج ومعرفة الواجب فيه (2).
المطلب الثاني: ستر العورة
ستر العورة شرطٌ لا يصح الطواف بدونه، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية
(3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، وحكي الإجماع على وجوبه (6).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ
[الأعراف: 31].
وجه الدلالة
أن سبب نزول الآية أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة، وكانت المرأة تطوف
بالبيت وهي عريانة، فنزلت هذه الآية، وقد ثبت هذا التفسير عن ابن عباس رضي
الله عنهما، وعلى ذلك جماهير علماء التفسير، وصورة سبب النزول قطعية الدخول
عند أكثر الأصوليين (7).
ثانياً: من السنة:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي
أمَّره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط، يؤذنون
في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)) أخرجه
البخاري ومسلم (8).
وجه الدلالة:
أن الحديث يدل على أن علة المنع من الطواف كونه عريانا، وهو دليل على
اشتراط ستر العورة للطواف (9).
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((الطواف بالبيت صلاة)) (10)
وجه الدلالة
أن قوله: ((الطواف صلاة)) يدل على أنه يشترط في الطواف ما يشترط في الصلاة،
إلا ما أخرجه دليل خاص كالمشي فيه، والانحراف عن القبلة، والكلام، ونحو
ذلك، ولماكان من شروط الصلاة المجمع عليها عند أهل العلم ستر العورة كان
شرطاً أيضاً لصحة الطواف (11).
المطلب الثالث: الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر في الطواف
الفرع الأول: طواف الحائض لغير عذر
يحرم طواف الحائض لغير عذر.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
_________
(1) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 495)، ((مجلة البحوث الإسلامية))
(53/ 217 (.
(2) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 221 (.
(3) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 95)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 31)
(4) ((المجموع)) للنووي (8/ 16)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 485).
(5) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 402)، ((الإنصاف)) للمرداوي
(4/ 16).
(6) أجمع أهل العلم على وجوب ستر العورة في الطواف، وإنما وقع الخلاف بينهم
في كونه شرطا، فالجمهور على اشتراطه خلافاً للحنفية. قال ابن تيمية: (فما
ثبت بالنص من إيجاب الطهارة والستارة في الطواف متفقٌ عليه) ((مجموع فتاوى
ابن تيمية)) (8/ 14).
(7) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 401).
(8) رواه البخاري (4657)، ومسلم (1347)، واللفظ له.
(9) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 401).
(10) رواه: الترمذي (960)، والدارمي (2/ 66) (1847)، وابن حبان (9/ 143)
(3836)، وابن الجارود ((المنتقى)) (1/ 120)، والطبراني (11/ 34) (10955)،
والحاكم (2/ 293)، والبيهقي (5/ 85) (9074). قال الحاكم: (صحيح على شرط
مسلم ولم يخرجاه)، وقال ابن حجر في ((التلخيص)) (1/ 196): (إسناده صحيح)،
ورجح وقفه الترمذي, والنسائي, والبيهقي، وابن الصلاح, والمنذري, والنووي.
انظر: ((التلخيص الحبير)) (1/ 359)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع))
(3954).
(11) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 400).
1 - عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لها حين حاضت وهي محرمة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا
تطوفي بالبيت حتى تطهري))، وفي رواية: ((حتى تغتسلي)) (1).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عائشة رضي الله عنها أن تطوف بالبيت وهي
حائض، والنهي في العبادات يقتضي الفساد وذلك يقتضي بطلان الطواف لو فعلته
(2).
2 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن صفية حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: وإنها لحابستنا، فقالوا: يا رسول الله، قد زارت يوم النحر، قال:
فلتنفر معكم)) (3).
وجه الدلالة:
أن هذا الحديث يدل على أن الحائض تنتظر حتى تطهر ثم تطوف، وهذا يدل على
اشتراط الطهارة (4).
ثانياً: الإجماع:
أجمع العلماء على تحريم طواف الحائض، نقله النووي (5)، وأقره الصنعاني (6)،
وعامتهم على عدم صحته (7).
الفرع الثاني: طواف الحائض عند الضرورة
إذا اضطرت المرأة الحائض إلى طواف الإفاضة، كأن تكون مع رفقة لا ينتظرونها،
كان ذلك جائزا، لكن تتوقى ما يخشى منه تنجيس المسجد بأن تستثفر، فتجعل ما
يحفظ فرجها؛ لئلا يسيل الدم فيلوث المسجد، وهذا اختيار ابن تيمية (8)، وابن
عثيمين (9).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16].
ثانياً: من السنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((وإذا
أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) (10).
وجه الدلالة:
أن الحائض إذا اضطرت إلى الطواف لا تستطيع إلا هذا.
ثالثاً: أن الصلاة أعظم من الطواف، ولو عجز المصلي عن شرائطها من الطهارة
أو ستر العورة أو استقبال القبلة فإنه يصلي على حسب حاله، فالطواف أولى
بذلك؛ فإن أصول الشريعة مبنية على أن ما عجز عنه العبد من شروط العبادات
يسقط عنه، وكما لو عجز الطائف أن يطوف بنفسه راكبا وراجلا فإنه يحمل ويطاف
به (11).
الفرع الثالث: اشتراط الطهارة من الحدث في الطواف
أجمع أهل العلم على مشروعية الطهارة في الطواف (12)، ثم اختلفوا في لزومها
على ثلاثة أقوال:
_________
(1) رواه البخاري (305)، ومسلم (1211).
(2) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 208).
(3) رواه البخاري (1733)، ومسلم (1211).
(4) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 208).
(5) قال النووي: (الطواف لا يصح من الحائض، وهذا مجمع عليه، لكن اختلفوا في
علته على حسب اختلافهم في اشتراط الطهارة للطواف، فقال مالك والشافعي
وأحمد: هي شرط، وقال أبو حنيفة: ليست بشرط وبه قال داود، فمن شرط الطهارة
قال العلة في بطلان طواف الحائض عدم الطهارة ومن لم يشترطها قال العلة فيه
كونها ممنوعة من اللبث في المسجد) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 147).
(6) ((سبل السلام)) للصنعاني (1/ 105)،
(7) ((المحلى)) لابن حزم (5/ 189)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 147)،
((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/ 57)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/
166)، ((أحكام القرآن)) (1/ 204)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 80،
434).
(8) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 243).
(9) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/ 332، 7/ 262).
(10) رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
(11) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 243، 245).
(12) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 342).
القول الأول: أنَّ الطهارة من الحدث شرط في
صحة الطواف، وهذا قول جمهور الفقهاء (1) من المالكية (2) , والشافعية (3) ,
والحنابلة (4) , وهو اختيار ابن باز (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به
حين قدم مكة أن توضأ وطاف بالبيت)) (6).
وجه الدلالة:
أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان لبيان نصٍّ من كتاب الله، فهو على
اللزوم والتحتم، فدل ذلك على اشتراط الطهارة للطواف؛ ولأن النبي صلى الله
عليه وسلم بينه بفعله وقال: خذوا عني مناسككم، ولم يرد دليل يخالف ذلك؛
فثبت أن الطهارة للطواف شرط (7).
2 - قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت وهي
محرمة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) وفي رواية
((حتى تغتسلي)) (8).
وجه الدلالة:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لعائشة رضي الله عنها أن تفعل وهي حائض
كل ما يفعله الحاج غير الطواف، فإنه جعله مقيدا باغتسالها وطهارتها من
الحيض، فدل على اشتراط الطهارة للطواف، وفي معنى الحائض: الجنب والمحدث
(9).
3 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن صفية حاضت، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: إنها لحابستنا، فقالوا: يا رسول الله، قد زارت يوم النحر، قال:
فلتنفر معكم)) (10).
وجه الدلالة:
أن هذا الحديث يدل على أن الحائض تنتظر حتى تطهر ثم تطوف، وهذا يدل على
اشتراط الطهارة (11).
ثانياً: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((الطواف بالبيت صلاة ... ))
(12).
وجه الدلالة:
أنه شبه الطواف بالصلاة, فدل ذلك على أن للطواف جميع أحكام الصلاة إلا ما
دل الدليل على استثنائه كالمشي والكلام وغيره, ومن ذلك الطهارة لقوله صلى
الله عليه وسلم: ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور)) (13).
_________
(1) قال النووي: (حكاه الماوردي عن جمهور العلماء، وحكاه ابن المنذر في
طهارة الحدث عن عامة العلماء) ((المجموع)) للنووي (8/ 17).
(2) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 94) , ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 313)
, ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 31).
(3) ((المجموع)) للنووي (8/ 14) , ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 278).
(4) ((الإنصاف)) للمرداوي (1/ 164)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 403).
(5) قال الشيخ ابن باز: (يشترط لصحة الطواف أن يكون الطائف على طهارة من
الحدث الأصغر والأكبر) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 60).
(6) رواه البخاري (1641)، ومسلم (1235).
(7) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 207).
(8) رواه البخاري (305)، ومسلم (1211).
(9) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 208).
(10) رواه البخاري (1733)، ومسلم (1211).
(11) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 208).
(12) رواه: الترمذي (960)، والدارمي (2/ 66) (1847)، وابن حبان (9/ 143)
(3836)، وابن الجارود ((المنتقى)) (1/ 120)، والطبراني (11/ 34) (10955)،
والحاكم (2/ 293)، والبيهقي (5/ 85) (9074). قال الحاكم: (صحيح على شرط
مسلم ولم يخرجاه)، وقال ابن حجر في ((التلخيص)) (1/ 196): (إسناده صحيح)،
ورجح وقفه الترمذي, والنسائي, والبيهقي, وابن الصلاح, والمنذري, والنووي
انظر (التلخيص الحبير)) (1/ 359)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع))
(3954).
(13) رواه مسلم (224)، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
القول الثاني: أن الطهارة واجبة في الطواف،
فيعيد متى ما كان في مكة، فإن عاد إلى بلده جبره بدم، وهذا مذهب الحنفية
(1)، ورواية عن أحمد (2).
الدليل:
قوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29].
وجه الدلالة:
أن الأمر بالطواف مطلق لم يقيده الشارع بشرط الطهارة، وهذا نص قطعي يجب
العمل به، وما ورد في السنة فإنه يدل على الوجوب فقط لا على الشرطية (3).
القول الثالث: أن الطهارة سنة في الطواف، وهذا قول عند الحنفية (4)، ورواية
عن أحمد (5)، واختاره ابن حزم (6)، وابن تيمية (7)، وابن القيم (8)، وابن
عثيمين (9).
وذلك للآتي:
أولاً: أنه لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الطائفين
بالوضوء، ولا باجتناب النجاسة، لا في عمره ولا في حجته مع كثرة من حج معه
واعتمر ويمتنع أن يكون ذلك واجبا ولا يبينه للأمة وتأخير البيان عن وقته
ممتنع (10).
ثانياً: قياسا على أركان الحج وواجباته فإنه لا يشترط لهما الطهارة، فكذلك
الطواف لا يشترط له الطهارة (11).
المطلب الرابع: ابتداء الطواف من الحجر الأسود
_________
(1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 35)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/
50)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 95)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 469).
(2) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 398) , ((الإنصاف))
للمرداوي (1/ 164).
(3) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 35).
(4) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 35).
(5) ((تهذيب السنن)) لابن القيم (1/ 97)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن
قدامة (3/ 398) , ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 214)، ((الإنصاف))
للمرداوي (1/ 164).
(6) قال ابن حزم: (الطواف بالبيت على غير طهارة جائز، وللنفساء، ولا يحرم
إلا على الحائض فقط؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع أم المؤمنين -
إذ حاضت - من الطواف بالبيت) ((المحلى)) لابن حزم (5/ 189).
(7) قال ابن تيمية: (ثم تدبرت وتبين لي أن طهارة الحدث لا تشترط في الطواف
ولا تجب فيه بلا ريب ولكن تستحب فيه الطهارة الصغرى فإن الأدلة الشرعية
إنما تدل على عدم وجوبها فيه وليس في الشريعة ما يدل على وجوب الطهارة
الصغرى فيه) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 199)، ((تهذيب السنن)) لابن
القيم (1/ 97).
(8) ((تهذيب السنن)) لابن القيم (1/ 97).
(9) قال ابن عثيمين: (الذي تطمئن إليه النفس أنه لا يشترط في الطواف
الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل وأتبع للنبي صلى الله
عليه وسلم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك،
لكن أحيانا يضطر الإنسان، مثل لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد، فالقول
بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد لا سيما إذا لم
يبق عليه إلا بعض شوط ففيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة ولم يظهر
فيها النص ظهورا بينا، فإنه لا ينبغي أن نلزم الناس به، بل نتبع ما هو
الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح مناف لقوله
تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ
*البقرة: 185*) ((الشرح الممتع)) (7/ 101)، (7/ 262).
(10) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 176)، ((تهذيب السنن)) لابن القيم
(1/ 97).
(11) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 211).
ابتداء الطواف من الحجر الأسود شرط لصحة
الطواف، فلا يعتد بالشوط الذي بدأه بعد الحجر الأسود، وهو مذهب الشافعية
(1) , والحنابلة (2) , ورواية عند الحنفية (3)، وقول عند المالكية (4).
الأدلة:
1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين يقدم مكة، إذا استلم الركن الأسود، أول ما يطوف: يخب ثلاثة أطواف من
السبع)) أخرجه البخاري ومسلم (5).
2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا)) أخرجه مسلم (6).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على ابتداء الطواف من الحجر الأسود,
ومواظبته دليل على فرضية الابتداء به؛ لأنها بيان لإجمال القرآن في قوله
تعالى: ((وليطوفوا بالبيت العتيق))، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لتأخذوا
مناسككم)) (7).
المطلب الخامس: أن يجعل البيت عن يساره
يشترط أن يجعل البيت عن يساره، وهو قول الجمهور (8) من المالكية (9)،
والشافعية (10)، والحنابلة (11).
دليل ذلك:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا))
أخرجه مسلم (12)، وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (13).
المطلب السادس: دخول الحِجْر (14) ضمن الطواف
الطواف من وراء الحطيم فرض، من تركه لم يعتد بطوافه، حتى لو مشى على جداره
لم يجزئه، وهذا مذهب الجمهور من المالكية (15) , والشافعية (16) ,
والحنابلة (17).
الأدلة:
_________
(1) ((المجموع)) للنووي (8/ 32)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 485 -
486).
(2) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 485) , ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16).
(3) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 130) , ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 81)،
((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 332)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 225).
(4) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 240)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 90).
(5) رواه البخاري (1603)، ومسلم (1261).
(6) رواه مسلم (1262).
(7) رواه مسلم (1297).
(8) قال النووي: (الترتيب عندنا شرط لصحة الطواف بأن يجعل البيت عن يساره
ويطوف على يمينه تلقاء وجهه فإن عكسه لم يصح وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور
وداود وجمهور العلماء) ((المجموع)) للنووي (8/ 60).
(9) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 97)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 31).
(10) ((المجموع)) للنووي (8/ 60)، ((مغني المحتاج)) للخطيب للشربيني (1/
485).
(11) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 383).
(12) رواه مسلم (1218).
(13) رواه مسلم (1297).
(14) الحِجْر: هو الموضع المحاط بجدار مقوس تحت ميزاب الكعبة، في الجهة
الشمالية من الكعبة، ويسمى الحطيم أيضا، والحجر هو جزء من البيت، تركته
قريش لضيق النفقة، وأحاطته بالجدار، وقيل: الذي منها ستةأذرع أو سبعة أذرع.
(15) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 31) , ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 240).
(16) ((المجموع)) للنووي (8/ 14) , ((مغني المحتاج)) للشربيني الخطيب (1/
486).
(17) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 189)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 485).
1 - عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لها: ((ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا
على قواعد إبراهيم؟ فقلت: يا رسول الله، ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال:
لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت، فقال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: لئن
كانت عائشة رضي الله عنها سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا
أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم وعنها، قالت: سألت رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن الجدر أمن البيت هو؟ قال: نعم)). أخرجه البخاري ومسلم (1).
2 - عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا
أن قومك حديثو عهد بجاهلية - أو قال بكفر -؛ لأنفقت كنز الكعبة في سبيل
الله؛ ولجعلت بابها بالأرض؛ ولأدخلت فيها من الحِجر)) أخرجه مسلم (2).
وجه الدلالة من الحديثين:
أن الحِجْر جزء من الكعبة؛ فيجب أن يكون الطواف من ورائه، فإن لم يطف من
ورائه لم يتحقق الطواف حول الكعبة.
3 - مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على الطواف من وراء الحجر، وفعله بيان
للقرآن الكريم، فيلتحق به؛ فيكون فرضا.
المطلب السابع: أن يقع الطواف في المكان الخاص وهو داخل المسجد الحرام
يشترط أن يكون مكان الطواف حول الكعبة المشرفة داخل المسجد الحرام، قريبا
من البيت أو بعيدا عنه، وهذا شرط متفق عليه بين المذاهب الفقهية الأربعة:
الحنفية (3) , والمالكية (4) , والشافعية (5) , والحنابلة (6)، وحكى النووي
الإجماع على عدم صحة الطواف خارج المسجد الحرام (7)
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29].
وجه الدلالة:
أن الله عز وجل، أمر بالطواف بالبيت، فمن طاف خارج البيت لم يكن طائفا به.
ثانياً: من السنة:
فعله صلى الله عليه وسلم, فقد طاف عليه الصلاة والسلام داخل المسجد الحرام،
وقال: ((لتأخذوا مناسككم)) (8).
ثالثاً: أنه إذا طاف خارج المسجد لم يكن طائفا بالبيت، وإنما طاف حول
المسجد (9).
المطلب الثامن: الطواف بالبيت سبعاً
يشترط أن يطوف بالبيت سبعاً ولا يجزئ أقل منها، وهو قول الجمهور من
المالكية (10)، والشافعية (11)، والحنابلة (12)، وبه قال عطاء وإسحاق (13)،
واختاره ابن المنذر (14)، والكمال ابن الهمام من الحنفية (15).
الأدلة:
_________
(1) رواه البخاري (1583)، ومسلم (1333).
(2) رواه مسلم (1333).
(3) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 353).
(4) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 315) , ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 241) ,
((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/ 141).
(5) ((المجموع)) للنووي (8/ 14) , ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 283).
(6) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 485).
(7) قال النووي: (أجمعوا على أنه لو طاف خارج المسجد لم يصح) ((المجموع))
للنووي (8/ 39).
(8) رواه مسلم (1297).
(9) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 223).
(10) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 90)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 30).
(11) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 82)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/
486).
(12) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة
(3/ 386).
(13) ((المجموع)) للنووي (8/ 22).
(14) ((المجموع)) للنووي (8/ 22).
(15) قال الكمال ابن الهمام: (الذي ندين به أن لا يجزي أقل من السبع، ولا
يُجبَر بعضه بشيء) ((فتح القدير)) (3/ 56)، حاشية ابن عابدين (2/ 552).
1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((قدم
النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت سبعا)) (1)، وقد قال صلى الله
عليه وسلم: ((لتأخذوا مناسككم)) (2).
2 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال في حديثه الطويل في صفة حجة
النبي صلى الله عليه وسلم: ((حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرمل
ثلاثا، ومشى أربعا)) (3).
فرع: الشك في عدد الأشواط
لو شكَّ في أثناء الطواف في عدد الأشواط التي طافها فإنه يبني على اليقين،
وهو الأقل، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (4)، والشافعية (5)
والحنابلة (6)، واستثنى المالكية من ذلك المستنكح (7)، وقد حكى ابن المنذر
الإجماع على ذلك (8)، واختاره ابن باز (9)، وابن عثيمين (10).
دليل ذلك من السنة:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك
وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن
له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان)) رواه مسلم.
وجه الدلالة:
أنه أمر باطراح الشك والبناء على اليقين، وهو الأقل، وفي حكم الصلاة:
الطواف (11).
المطلب التاسع: الموالاة بين الأشواط
تجب الموالاة بين الأشواط، وهذا مذهب المالكية (12)، والحنابلة (13)،
واختاره ابن عثيمين (14).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم والى بين أشواط طوافه، وقد قال: ((لتأخذوا
مناسككم)) (15).
ثانياً: أن الطواف كالصلاة؛ فيُشترط له الموالاة كسائر الصلوات، أو أنه
عبادةٌ متعلقة بالبيت؛ فاشتُرِطت لها الموالاة كالصلاة (16).
فرع: ماذا يفعل إذا أقيمت صلاة الفريضة في أثناء الطواف؟
_________
(1) رواه البخاري (1645).
(2) رواه مسلم (1297).
(3) رواه مسلم (1218).
(4) ((حاشية الدسوقي)) (2/ 30)، ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن
المالكي (1/ 666).
(5) ((المجموع)) للنووي (8/ 21).
(6) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 398).
(7) المراد بالمستنكح (بفتح الكاف أو كسرها) في مصطلح المالكية: هو من
يأتيه الشك في كل يوم ولو مرة، فإنه يطرح الشك، ويلهى عنه، ولهم قول آخر
أنه يبني على أول خاطره. ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/ 368)، ((الشرح
الكبير)) للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (2/ 33)
(8) قال ابن المنذر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من شك في
طوافه بنى على اليقين) ((الإشراف)) (3/ 280)، ((الإجماع)) (ص: 55).
(9) قال ابن باز: (إن شك في عدد الأشواط بنى على اليقين، وهو الأقل، فإذا
شك هل طاف ثلاثة أشواط أو أربعة؟ جعلها ثلاثة) ((مجموع فتاوى ابن باز))
(16/ 60).
(10) قال ابن عثيمين: (إن كان الشك في أثناء الطواف، مثل أن يشك هل الشوط
الذي هو فيه الثالث أو الرابع مثلاً، فإن ترجح عنده أحد الأمرين عمل
بالراجح عنده، وإن لم يترجح عنده شيء عمل باليقين وهو الأقل) ((مجموع فتاوى
ورسائل العثيمين)) (24/ 401).
(11) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (23/ 93).
(12) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 105)، ((كفاية الطالب)) لأبي الحسن
المالكي (1/ 666).
(13) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 399)، ((كشاف القناع))
للبهوتي (2/ 483).
(14) قال ابن عثيمين بعد أن ذكر الخلاف في المسألة: (لكن الذي ينبغي أن
نعلم أن العبادة الواحدة تجب الموالاة بين أجزائها؛ لتكون عبادةً واحدة إلا
ما دل الدليل على جواز التفريق) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 277).
(15) رواه مسلم (1297).
(16) انظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 198).
إذا أقيمت صلاة الفريضة، فإنه يقطع الطواف
بنية الرجوع إليه بعد الصلاة، فإذا قُضيت الصلاة يبدأ من حيث وقف، وهذا
مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، وبه قال
أكثر أهل العلم (4)، واختاره ابن حزم (5)، وابن عثيمين (6).
الأدلة:
دليل قطع الصلاة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقيمت
الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) (7).
وجه الدلالة:
أن الطواف صلاة، فيدخل في عموم الخبر، بوجوب المبادرة إلى الصلاة، وقطع
طوافه (8).
دليل البناء على ما سبق:
أن ما سبق بني على أساسٍ صحيحٍ وبمقتضى إذنٍ شرعي؛ فلا يمكن أن يكون باطلاً
إلا بدليلٍ شرعي (9).
المطلب العاشر: المشي للقادر عليه
إذا كان قادرا على المشي، فيجب عليه أن يطوف ماشياً، وهذا مذهب الحنفية
(10)، والحنابلة (11)، واختاره ابن عثيمين (12)، وأوجبه المالكية في الطواف
الواجب فقط (13).
الأدلة:
1 - عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أني أشتكي، قال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، فطفتُ ورسول الله صلى
الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت، يقرأ بالطور وكتابٍ مسطور)) أخرجه
البخاري ومسلم (14).
وجه الدلالة:
أن الترخيص لها بالطواف راكبة بسبب العذر، يدل أن العزيمة بخلاف ذلك، وأن
الأصل أن يطوف ماشياً.
_________
(1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 130).
(2) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 105).
(3) ((المجموع)) للنووي (8/ 47).
(4) قال ابن المنذر: (أجمعوا فيمن طاف بعض سبعة ثم قطع عليه بالصلاة
المكتوبة، أنه يبتني من حيث قطع عليه إذا فرغ من صلاته، وانفرد الحسن
البصري فقال: يستأنف) ((الإجماع)) (1/ 55). وقال البغوي: (قال عطاء فيمن
يطوف فتقام الصلاة، أو يدفع عن مكانه إذا سلم: يرجع إلى حيث قطع عليه
فيبني. ويذكر نحوه عن ابن عمر وعبدالرحمن ابن أبي بكر) ((شرح السنة))
للبغوي (7/ 127). وقال ابن قدامة: (هو قول أكثر أهل العلم، منهم ابن عمر،
وسالم، وعطاء، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي) ((المغني)) لابن قدامة
(3/ 197).
(5) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 202).
(6) قال ابن عثيمين: (القول الراجح في مثل أنه إذا أقيمت صلاة الفريضة فإنه
يقطعه بنية الرجوع إليه بعد الصلاة ... ولنفرض أنه قطعه حين حاذى الحجر،
فإذا قضيت الصلاة هل يبدأ الطواف من المكان الذي قطعه فيه، أو يبدأ الطواف
من جديد؟ اختلف العلماء في هذا، فالمشهور من المذهب أنه لا بد أن يبدأ
الشوط من جديد، والقول الراجح أنه لا يشترط وأنه يبدأ من حيث وقف) ((الشرح
الممتع)) لابن عثيمين (7/ 277).
(7) رواه مسلم (710).
(8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 197)، ((كشاف القناع)) (2/ 483).
(9) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 296 - 297).
(10) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 78)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 130).
(11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 199)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن
قدامة (3/ 395).
(12) قال ابن عثيمين: (طواف الإنسان محمولاً أو الطواف بالعربية وكذلك
السعي بالعربية، فيه خلاف بين العلماء منهم من يقول: لا يجزي إلا لعذر،
ومنهم من يقول يجوز للحاجة كتعليم الناس، والذي يظهر لي أنه لا يجوز إلا
لعذرٍ كالمريض، أو رجل تعبان أيضاً ورجل يعلم الناس يطاف به محمولاً يعلم
الناس كيفية الطواف، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين طاف على بعيره
ليراه الناس ليتأسوا به، وأما بدون عذرٍ فلا يجوز) ((مجموع فتاوى ورسائل
العثيمين)) (24/ 101).
(13) ((حاشية الدسوقي)) (2/ 40).
(14) رواه البخاري (464)، ومسلم (1276).
2 - عن جابر رضي الله عنه قال: ((طاف رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالبيت في حجة الوداع على راحلته، يستلم الحجر
بمحجنه لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه؛ فإن الناس غشوه)) أخرجه مسلم (1).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم ما طاف راكباً إلا لعذر، وهو أن يراه الناس
ليتأسوا به (2).
فرع: إذا كان عاجزاً عن المشي، وطاف محمولاً، فلا فداء ولا إثم عليه.
الأدلة:
أولاً من السنة:
1 - عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((شكوتُ إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أني أشتكي، قال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، فطفتُ ورسول الله صلى
الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت، يقرأ بالطور وكتاب مسطور)) أخرجه
البخاري ومسلم (3).
وجه الدلالة:
أنه رخص لها الطواف راكبة للعذر.
2 - عن جابر رضي الله عنه قال: ((طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت
في حجة الوداع على راحلته، يستلم الحجر بمحجنه لأن يراه الناس وليشرف
وليسألوه؛ فإن الناس غشوه)) أخرجه مسلم (4).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً للعذر، وهو أن يراه الناس ليتأسوا
به (5).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (6)، وابن تيمية (7).
_________
(1) رواه مسلم (1273).
(2) قال ابن عبدالبر: (وكلهم - أي أهل العلم- يكره الطواف راكباً للصحيح
الذي لا عذر له، وفي ذلك ما يبين أن طواف رسول الله صلى الله عليه وسلم
راكباً في حجته إن صح ذلك عنه، كان لعذرٍ والله أعلم) ((التمهيد)) (13/
100). وقال أيضاً: ( ... ومما يدل على كراهة الطواف راكباً من غير عذر أني
لا أعلم خلافاً بين علماء المسلمين أنهم لا يستحبون لأحدٍ أن يطوف بين
الصفا والمروة على راحلةٍ راكبا، ولو كان طوافه راكباً لغير عذرٍ لكان ذلك
مستحبًّا عندهم أو عند من صح عنده ذلك منهم) ((التمهيد)) (2/ 95).
(3) رواه البخاري (464)، ومسلم (1276).
(4) رواه مسلم (1273).
(5) قال ابن عبدالبر: (وكلهم - أي أهل العلم- يكره الطواف راكباً للصحيح
الذي لا عذر له، وفي ذلك ما يبين أن طواف رسول الله صلى الله عليه وسلم
راكباً في حجته إن صح ذلك عنه، كان لعذرٍ والله أعلم) ((التمهيد)) (13/
100). وقال أيضاً: ( ... ومما يدل على كراهة الطواف راكباً من غير عذر أني
لا أعلم خلافاً بين علماء المسلمين أنهم لا يستحبون لأحدٍ أن يطوف بين
الصفا والمروة على راحلةٍ راكبا، ولو كان طوافه راكباً لغير عذرٍ لكان ذلك
مستحبًّا عندهم أو عند من صح عنده ذلك منهم) ((التمهيد)) (2/ 95).
(6) قال ابن عبدالبر: (هذا ما لا خلاف فيه بين أهل العلم، كلهم يقول إن من
كان له عذرٌ أو اشتكى مرضاً، أنه جائزٌ له الركوب في طوافه بالبيت، وفي
سعيه بين الصفا والمروة) ((التمهيد)) (13/ 99).
(7) قال ابن تيمية: (يجوز الطواف راكباً ومحمولاً للعذر، بالنص واتفاق
العلماء) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 188).
الفصل الرابع: سنن
الطواف
المبحث الأول: الاضطباع
المطلب الأول: تعريف الاضطباع
الاضطباع لغةً: مشتق من الضَبْع, بمعنى: العضد؛ سمي بذلك لإبداء أحد
الضبعين (1).
الاضطباع اصطلاحاً: أن يتوشَّح بردائه ويخرجه من تحت إبطه الأيمن، ويلقيه
على منكبه الأيسر، ويغطيه، ويبدي منكبه الأيمن (2).
المطلب الثاني: حكم الاضطباع
الاضطباع سنةٌ من سنن الطواف، وهو للرجال دون النساء, وهذا قول جمهور
الفقهاء من الحنفية (3) , والشافعية (4) , والحنابلة (5).
الأدلة:
1 - عن يعلى بن أمية رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف
مضطبعاً)) (6).
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه اعتمروا من الجعرانة، فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم،
قد قذفوها على عواتقهم اليسرى)) (7).
3 - عن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب
يقول: ((فيم الرملان اليوم والكشف عن المناكب، وقد أطأ الله الإسلام، ونفى
الكفر وأهله، مع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم)) (8).
المطلب الثالث: متى يُسن الاضطباع؟
_________
(1) انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: ضبع) , ((الصحاح)) للجوهري
(مادة: ضبع).
(2) انظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 9) , ((المجموع)) للنووي (8/ 19)
, ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/ 275).
(3) ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (1/ 479).
(4) ((المجموع)) للنووي (8/ 14) , ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 328).
(5) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 485) , ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16).
(6) رواه أبو داود (1883)، والترمذي (859)، وابن ماجه (2409)، وأحمد (4/
222) (17981)، والدارمي (2/ 65) (1843)، والبيهقي (5/ 79) (9520). قال
الترمذي: حسنٌ صحيح، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 19)، وقال
الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (5/ 110): صالحٌ للاحتجاج، وحسنه ابن القطان
في ((الوهم والإيهام)) (5/ 731) والألباني في ((صحيح سنن أبي داود))
(1883)، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1220): صحيحٌ على شرط الشيخين.
(7) رواه أبو داود (1884). والحديث صححه النووي في ((المجموع)) (8/ 19)،
وصحح إسناده ابن الملقن في ((تحفة المحتاج)) (2/ 173) وقال ابن كثير في
((إرشاد الفقيه)) (1/ 332): إسناده على شرط مسلم، وصححه الألباني في ((صحيح
سنن أبي داود)) (1884)، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (696).
(8) رواه أبو داود (1887)، وابن ماجه (2952). والحديث صحح إسناده النووي في
((المجموع)) (8/ 19)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 204)، وحسنه
الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1887)، والوادعي في ((الصحيح المسند))
(746). وأصله في صحيح البخاري (1605) بلفظ: «فما لنا وللرمل؟ إنما كنا
راءينا به المشركين وقد أهلكهم الله»، ثم قال: «شيءٌ صنعه النبي صلى الله
عليه وسلم فلا نحب أن نتركه».
الاضطباع مشروعٌ في طواف القدوم, وطواف
العمرة فقط، وهو مذهب الحنابلة (1) , وقولٌ عند الشافعية (2) , واختاره ابن
باز (3) , وابن عثيمين (4).
الأدلة:
1 - عن يعلى بن أمية رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف
مضطبعاً)) (5).
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه، اعتمروا من الجعرانة، فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم،
قد قذفوها على عواتقهم اليسرى)) (6).
الدلالة:
تدل هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما اضطبع في طوافه أول
مقدمه، ولم يُروَ عنه الاضطباع في غير ذلك.
المبحث الثاني: الرمل
المطلب الأول: تعريف الرمل
لغةً: الهرولة, يقال: رمل: إذا أسرع في المشي، وهزَّ منكبيه (7).
اصطلاحاً: هو الإسراع في المشي، مع تقارب الخطى وتحريك المنكبين, وهو دون
الوثوب والعدو، ويسمى أيضاً الخبب (8).
المطلب الثاني: حكم الرمل
_________
(1) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 183)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 477).
(2) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 20) , ((الحاوي الكبير)) للماوردي
(4/ 329).
(3) قال ابن باز: (لا يشرع الرمل والاضطباع في غير هذا الطواف، ولا في
السعي، ولا للنساء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل الرمل والاضطباع
إلا في طوافه الأول الذي أتى به حين قدم مكة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/
61) , وقال: (الاضطباع إنما هو في طواف القدوم، وأما في غير طواف القدوم
فيجعله على عاتقيه جميعاً) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/ 342).
(4) قال ابن عثيمين: (الاضطباع إنما هو في الطواف أول ما يقدم الإنسان إلى
مكة، كطواف العمرة، أو طواف القدوم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/
310). وقال أيضاً: (طواف الوداع لا اضطباع فيه؛ لأن الإنسان ليس بمحرم،
فالإنسان يطوف طواف الوداع وعليه ثيابه المعتادة، ليس عليه إزار ورداء،
وحتى لو فرض أنه ليس لديه ثياب معتادة كالقميص وأن عليه رداءً وإزاراً فإنه
لا يضطبع؛ لأن الاضطباع إنما هو في الطواف أول ما يقدم الإنسان إلى مكة)
((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 310).
(5) رواه أبو داود (1883)، والترمذي (859)، وابن ماجه (2409)، وأحمد (4/
222) (17981)، والدارمي (2/ 65) (1843)، والبيهقي (5/ 79) (9520). قال
الترمذي: حسنٌ صحيح، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 19)، وقال
الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (5/ 110): صالحٌ للاحتجاج، وحسنه ابن القطان
في ((الوهم والإيهام)) (5/ 731)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود))
(1883)، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1220): صحيحٌ على شرط الشيخين.
(6) رواه أبو داود (1884). والحديث صححه النووي في ((المجموع)) (8/ 19)،
وصحح إسناده ابن الملقن في ((تحفة المحتاج)) (2/ 173)، وقال ابن كثير في
((إرشاد الفقيه)) (1/ 332): إسناده على شرط مسلم، وصححه الألباني في ((صحيح
سنن أبي داود)) (1884)، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (696).
(7) انظر ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (مادة: رمل) , ((لسان العرب))
لابن منظور (مادة: رمل).
(8) انظر: ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 150) , ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده
(1/ 402) , ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 326) , ((روضة الطالبين)) للنووي
(3/ 86).
الرمل سنةٌ للمحرم، وهذا باتفاق المذاهب
الأربعة: الحنفية (1) , والمالكية (2) , والشافعية (3) , والحنابلة (4).
الأدلة:
1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف
بالبيت الطواف الأول يخب ثلاثة أطواف ويمشي أربعة وأنه كان يسعى بطن
المسيل، إذا طاف بين الصفا والمروة)) أخرجه البخاري ومسلم (5).
2 - حديث جابر الطويل في حجة الوداع قال: ((فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً))
أخرجه مسلم (6).
3 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم غدا،
قومٌ قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شدة، فجلسوا مما يلي الحجر، وأمرهم النبي
صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين؛ ليرى
المشركون جلدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم،
هؤلاء أجلد من كذا وكذا)) أخرجه البخاري ومسلم (7).
4 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((رأيتُ رسول الله صلى الله
عليه وسلم رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف)) أخرجه مسلم
(8).
5 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل من
الحجر إلى الحجر)) أخرجه مسلم (9).
المطلب الثالث: الرمل في الأشواط الثلاثة
الرمل يكون في الثلاثة الأشواط الأُوَل من الطواف.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف
بالبيت الطواف الأول، يخب ثلاثة أطواف، ويمشي أربعة، وأنه كان يسعى بطن
المسيل، إذا طاف بين الصفا والمروة) أخرجه البخاري ومسلم (10).
2 - حديث جابر الطويل في حجة الوداع قال: ((فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً))
أخرجه مسلم (11).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (12)، وابن قدامة (13) , والنووي (14).
المطلب الرابع: الرمل خاصٌ بطواف القدوم وبطواف المعتمر فقط
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - حديث جابر الطويل في حجة الوداع قال: ((فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً))
أخرجه مسلم (15).
وجه الدلالة:
أن هذا الرمل كان في طواف القدوم.
_________
(1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 17) , ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/
454) , ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 147).
(2) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 366) , ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/
326) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 41).
(3) ((المجموع)) للنووي (8/ 14) , ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 286) ,
((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 329).
(4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 386) , ((كشاف القناع))
للبهوتي (2/ 480).
(5) رواه البخاري (1617)، ومسلم (1261).
(6) رواه مسلم (1218).
(7) رواه البخاري (1602)، ومسلم (1266) واللفظ له.
(8) رواه مسلم (1263).
(9) رواه مسلم (1262).
(10) رواه البخاري (1617)، ومسلم (1261).
(11) رواه مسلم (1218).
(12) قال ابن عبدالبر: (لا أعلم خلافاً أن الرمل - وهو الحركة والزيادة في
المشي - لا يكون إلا في ثلاثة أطواف من السبعة، في طواف دخول مكة، خاصةً
للقادم الحاج أو المعتمر) ((الاستذكار)) (4/ 190).
(13) قال ابن قدامة: ((معنى الرمل: إسراع المشي، مع مقاربة الخطو من غير
وثب، وهو سنةٌ في الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم، ولا نعلم فيه بين
أهل العلم خلافاً)) المغني (3/ 184).
(14) قال النووي: (وأما قوله ثلاثة وأربعة، فمجمعٌ عليه، وهو أن الرمل لا
يكون إلا في الثلاثة الأول من السبع) ((شرح النووي على مسلم)) (9/ 8).
(15) رواه مسلم (1218).
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((قدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب، فقال
المشركون: إنه يقدم عليكم غدا، قومٌ قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شدة،
فجلسوا مما يلي الحجر، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة
أشواط، ويمشوا ما بين الركنين؛ ليرى المشركون جلدهم، فقال المشركون: هؤلاء
الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا)) أخرجه البخاري
ومسلم (1).
وجه الدلالة:
أن هذا الرمل كان في طواف العمرة.
الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (2)، وابن قدامة (3).
المبحث الثالث: استلام الحجر الأسود وتقبيله
المطلب الأول: استلام الحجر الأسود وتقبيله
يسن استلام الحجر الأسود وتقبيله، في ابتداء الطواف، وفي كل شوط، وبعد
ركعتي الطواف.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للركن: ((أمَا والله، إني لأعلم أنك
حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استلمك ما
استلمتك، فاستلمه، ثم قال: فما لنا وللرمل، إنما كنا راءينا به المشركين،
وقد أهلكهم الله؟ ثم قال: شيءٌ صنعه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا نحب أن
نتركه)) أخرجه البخاري ومسلم (4)، وفي رواية: ((أنه جاء إلى الحجر الأسود
فقبله، فقال: «إني أعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي
صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك)) (5).
2 - عن سويد بن غفلة، قال: ((رأيت عمر قبَّل الحجر والتزمه، وقال: رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا)) (6).
3 - عن الزبير بن عربي، قال: ((سأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما عن استلام
الحجر، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله، قال: قلت:
أرأيت إن زحمت؟ أرأيت إن غلبت؟ قال: اجعل أرأيت باليمن، رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يستلمه ويقبله)) (7).
4 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أنه قال في صفة حجة النبي صلى الله
عليه وسلم: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر
فاستلمه، ثم مشى على يمينه، فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً)) أخرجه مسلم (8).
ثانيا: الإجماع:
_________
(1) رواه البخاري (1602)، ومسلم (1266) واللفظ له.
(2) قال ابن عبدالبر: (لا أعلم خلافاً أن الرمل - وهو الحركة والزيادة في
المشي - لا يكون إلا في ثلاثة أطوافٍ من السبعة في طواف دخول مكة، خاصةً
للقادم الحاج أو المعتمر) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 190).
(3) قال ابن قدامة: ((معنى الرمل إسراع المشي مع مقاربة الخطو من غير وثب،
وهو سنةٌ في الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم، ولا نعلم فيه بين أهل
العلم خلافاً)) المغني (3/ 184).
(4) رواه البخاري (1605)، ومسلم (1270).
(5) رواه البخاري (1597)، ومسلم (1270).
(6) رواه مسلم (1271).
(7) رواه البخاري (1611)، ومسلم (1268).
(8) رواه مسلم (1218).
نقل الإجماع على سنية استلام الحجر الأسود
في الطواف: ابن حزم (1)، وابن عبدالبر (2)، وابن رشد (3) والنووي (4).
المطلب الثاني: استلام الحجر عند الزحام
إذا وجد الطائف زحاماً فيجتنب الإيذاء، ويكتفي بالإشارة إلى الحجر الأسود
بيده؛ وذلك لأن الزحام يؤذيه؛ ويؤذي غيره؛ وربما يحصل به الضرر؛ ويذهب
الخشوع، ويخرج بالطواف عما شُرِع من أجله من التعبد لله؛ وربما حصل به لغوٌ
وجدال ومقاتلة (5).
المطلب الثالث: كيفية الإشارة إلى الحجر الأسود
إذا لم يستلم الحجر الأسود ويقبله، فله أن يستلمه ويقبل يده، وله أن يستلمه
بشيءٍ يكون معه، ويقبله، وله أن يشير إليه بيده من غير تقبيل.
الأدلة:
1 - عن نافع، قال: ((رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثم قبل يده، وقال: ما
تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله)) (6).
2 - عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: ((رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم
يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمحجنٍ معه ويقبِّل المحجن)) (7).
3 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: ((طاف رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالبيت في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه، لأن يراه
الناس وليشرف وليسألوه؛ فإن الناس غشوه)) (8).
المبحث الرابع: استلام الركن اليماني
يُستحبُّ استلام الركن اليماني، وهو الركن الواقع قبل ركن الحجر الأسود,
ولا يقبله، ولا يقبل ما استلم به.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((ما تركت استلام هذين الركنين:
اليماني والحجر، مُذْ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما، في شدةٍ
ولا رخاء)) أخرجه البخاري ومسلم (9).
2 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((لم أر رسول الله صلى الله
عليه وسلم يمسح من البيت، إلا الركنين اليمانيين)) أخرجه البخاري ومسلم
(10).
3 - عن سالم عن أبيه أنه قال: ((لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم
من أركان البيت إلا الركن الأسود، والذي يليه، من نحو دور الجمحيين)) أخرجه
مسلم (11).
ثانياً: الإجماع:
_________
(1) قال ابن حزم: (واتفقوا على استلام الحجر الأسود) ((مراتب الإجماع)) (ص:
44).
(2) قال ابن عبدالبر: (وهذا المعنى في الفقه كله جائزٌ عند أهل العلم، لا
نكير فيه، فجائزٌ عندهم أن يستلم الركن اليماني، والركن الأسود، لا يختلفون
في شيءٍ من ذلك, وإنما الذي فرقوا بينهما فيه، التقبيل لا غير, فرأوا تقبيل
الركن الأسود والحجر, ولم يروا تقبيل اليماني, وأما استلامهما جميعاً فأمرٌ
مجتمعٌ عليه, وإنما اختلفوا في استلام الركنين الآخرين) ((الإجماع)) (ص:
164).
(3) قال ابن رشد: (اتفقوا على أن من سنة الطواف استلام الركنين، الأسود
واليماني، للرجال دون النساء) ((بداية المجتهد)) (1/ 341).
(4) قال النووي: (أجمع المسلمون على استحباب استلام الحجر الأسود، ويستحب
عندنا مع ذلك تقبيله) ((المجموع)) (8/ 57).
(5) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 287).
(6) رواه مسلم (1268).
(7) رواه مسلم (1275).
(8) رواه مسلم (1273).
(9) رواه البخاري (1606)، ومسلم (1268).
(10) رواه البخاري (1609)، ومسلم (1267).
(11) رواه مسلم (1267).
نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (1)، وابن
رشد (2).
مطلب: استلام غير الركنين اليمانيين:
لا يسن استلام غير الركنين اليمانيين
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((لم أر النبي صلى الله عليه
وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين)) (3).
2 - عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها:
((ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم؟ فقلت: يا
رسول الله، ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال: لولا حدثان قومك بالكفر
لفعلت، فقال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: لئن كانت عائشة رضي الله عنها
سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على
قواعد إبراهيم. وعنها، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر
أمن البيت هو؟ قال: نعم)) أخرجه البخاري ومسلم (4).
ثانياً: أن الركن الذي فيه الحجر الأسود فيه فضيلتان: كون الحجر فيه، وكونه
على قواعد إبراهيم عليه السلام، والركن اليماني فيه فضيلة واحدة: وهي كونه
على قواعد أبينا إبراهيم عليه السلام، وأما الشاميان فليس لهما شيء من
الفضيلتين؛ ولذا لم يشرع استلامهما.
المبحث الخامس: الذكر والدعاء في الطواف
_________
(1) قال ابن عبدالبر: (هذا المعنى في الفقه كله جائزٌ عند أهل العلم، لا
نكير فيه، فجائزٌ عندهم أن يستلم الركن اليماني والركن الأسود لا يختلفون
في شيءٍ من ذلك, وإنما الذي فرقوا بينهما فيه، التقبيل لا غير, فرأوا تقبيل
الركن الأسود والحجر, ولم يروا تقبيل اليماني, وأما استلامهما جميعاً فأمرٌ
مجتمعٌ عليه, وإنما اختلفوا في استلام الركنين الآخرين) ((الإجماع)) (ص:
164).
(2) قال ابن رشد: (اتفقوا على أن من سنة الطواف، استلام الركنين، الأسود
واليماني، للرجال دون النساء) ((بداية المجتهد)) (1/ 341).
(3) رواه البخاري (1609)، ومسلم (1187).
(4) رواه البخاري (1583)، ومسلم (1333).
يستحب للطائف أن يكثر من الذكر والدعاء في
طوافه, وله أن يدعو الله بما شاء من خيري الدنيا والآخرة؛ إذ لم يرد عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرٌ أو دعاءٌ خاصٌّ بالطواف (1)، إلا ما بين
الركنين اليمانيين فإنه يقول: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة،
وقنا عذاب النار) (2). (3).
المبحث السادس: قراءة القرآن في الطواف
لأهل العلم في قراءة القرآن في الطواف قولان:
القول الأول: استحبابه مع تفضيل الذكر المأثور عليه، وهو مذهب الحنفية (4)،
والشافعية (5)، وإحدى الروايتين عن أحمد (6)، وروي عن طائفةٍ من السلف (7)،
واختاره ابن المنذر (8).
وذلك للآتي:
أولاً: أن الطواف صلاة، ولا تكره القراءة في الصلاة (9).
ثانياً: أن الموضع موضع ذكر، والقرآن أفضل الذكر (10).
ثالثاً: أن قراءة القرآن مندوبٌ إليها في جميع الأحوال إلا في حال الجنابة
والحيض (11).
_________
(1) ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((إنما جعل الله الطواف بالبيت
وبين الصفا والمروة ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله تعالى)) رواه موقوفاً:
عبدالرزاق (5/ 49) , وابن أبي شيبة (3/ 399) , والدارمي (2/ 1174).
(2) عن عبدالله بن السائب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما
بين الركنين: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار)) رواه ابن أبي شيبة (3/ 443)، وأبو داود (1892)، والنسائي في
((السنن الكبرى)) (2/ 403، رقم 3934)، والحاكم (2/ 304)، والبيهقي (5/ 84)
(9557)، والحديث قال عنه الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وحسنه الألباني
في ((صحيح سنن أبي داود)) (1892).
(3) قال ابن تيمية: (ويستحب له في الطواف، أن يذكر الله تعالى ويدعوه بما
يشرع، وإن قرأ القرآن سرًّا فلا بأس، وليس فيه ذكرٌ محدودٌ عن النبي صلى
الله عليه وسلم لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية
الشرعية، وما يذكره كثيرٌ من الناس من دعاءٍ معين تحت الميزاب ونحو ذلك فلا
أصل له) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 122). وقال ابن باز: (يشرع
الدعاء والذكر في الطواف والسعي بما يسر الله من الأذكار الشرعية والدعوات
الطيبة، التي لا محذور فيها، وليس في ذلك شيءٌ محدود) ((مجموع فتاوى ابن
باز)) (17/ 223).
(4) لكن قيدوه بالسر، وذلك بقراءته في نفسه، وعدم رفع الصوت حتى لا يتأذى
به غيره لما يشغله ذلك عن الدعاء. ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 43)، ((بدائع
الصنائع)) للكاساني (2/ 130).
(5) لكن الدعاء المأثور عندهم أفضل من قراءة القرآن في الطواف، وقراءة
القرآن أفضل من الدعاء غير المأثور. ((المجموع)) للنووي (8/ 44).
(6) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 392).
(7) منهم: عطاء ومجاهد والثوري وابن المبارك وأبو ثور. ((المجموع)) للنووي
(8/ 59)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 482)، ((مجلة البحوث الإسلامية))
(72/ 292).
(8) قال ابن المنذر: (أولى ما شغل المرء به نفسه في الطواف ذكر الله وقراءة
القرآن) ((فتح الباري)) (3/ 482).
(9) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 392).
(10) قال ابن المبارك: (ليس شيء أفضل من القرآن) ((الشرح الكبير)) لشمس
الدين ابن قدامة (3/ 392).
(11) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 130).
القول الثاني: كراهته، وهو مذهب المالكية
(1)، وقولٌ للحنفية (2)، وهو روايةٌ عن أحمد (3)، وبه قال طائفةٌ من السلف
(4).
وذلك للآتي:
أولاً: أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل، والمشروع في الطواف
مجرد ذكر الله تعالى، ولم يثبت عنه في الطواف قراءة قرآن، بل الذكر، وهو
المتوارث من السلف والمجمَع عليه، فكان أولى (5).
ثانياً: أن ما ما ورد من الذكر مختصًّا بمكانٍ أو زمانٍ أو حال، فالاشتغال
به أفضل من الاشتغال بالتلاوة (6).
المبحث السابع: الدنو من البيت
يستحب للطائف أن يدنو من البيت, وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة:
الحنفية (7) , والمالكية (8) , والشافعية (9) , والحنابلة (10).
وذلك للآتي:
أولاً: لشرف البيت، وأنه هو المقصود.
ثانياً: أنه أيسر في الاستلام والتقبيل.
المبحث الثامن: صلاة ركعتين خلف المقام بعد الطواف
المطلب الأول: حكم صلاة ركعتين خلف المقام بعد الطواف
صلاة ركعتين خلف المقام بعد الطواف، سنةٌ مؤكدة, وهو مذهب الشافعية في
الأصح (11)، والحنابلة (12) , واختاره ابن حزم (13)، وابن باز (14) , وابن
عثيمين (15).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:
125].
ثانياً: من السنة:
1 - حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((حتى إذا أتينا
البيت معه، استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم
عليه السلام، فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى
[البقرة: 125] فجعل المقام بينه وبين البيت ... الحديث)) (16).
2 - عن عبدالله بن أبي أوفى قال: ((اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فطاف بالبيت، وصلى خلف المقام ركعتين)) (17).
_________
(1) ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 804).
(2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 452)، ((الفتاوى الهندية)) (5/
415).
(3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 391).
(4) منهم: عروة بن الزبير، والحسن البصري، وروي عن عطاء في إحدى الروايتين
عنه أن قراءة القرآن في الطواف أمرٌ محدث. ((المجموع)) للنووي (8/ 59)،
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 391)، ((مجلة البحوث
الإسلامية)) (72/ 293).
(5) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 452)، وينظر: ((مجموع الفتاوى))
لابن تيمية (23/ 59).
(6) يقول ابن تيمية: قد يكون المفضول في وقت أفضل من الفاضل ... وكذلك
الذكر والدعاء في الطواف وعرفة ونحوهما أفضل من قراءة القرآن. ((مجموع
الفتاوى)) (11/ 399).
(7) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 355).
(8) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 315) , ((الفواكه الدواني)) للنفراوي
(2/ 804).
(9) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 333) ((المجموع)) للنووي (8/ 38).
(10) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 390) , ((كشاف القناع))
للبهوتي (2/ 485).
(11) ((المجموع)) للنووي (8/ 62) , ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 175).
(12) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 15) , ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/
574).
(13) قال ابن حزم: (فإذا تم الطواف المذكور أتيا إلى مقام إبراهيم - عليه
السلام - فصليا هنالك ركعتين وليستا فرضاً) ((المحلى)) (5/ 83).
(14) سُئِلَ ابن باز: هل ركعتا الطواف خلف المقام تلزم لكل طواف؟ وما حكم
من نسيها؟ فقال: (لا تلزم خلف المقام، تجزئ الركعتان في كل مكانٍ من الحرم،
ومن نسيها فلا حرج عليه؛ لأنها سنةٌ وليست واجبة) ((مجموع فتاوى ابن باز))
(17/ 228).
(15) قال ابن عثيمين: (والركعتان خلف المقام سنة) ((مجموع فتاوى ورسائل
العثيمين)) (11/ 57).
(16) رواه مسلم (1218).
(17) رواه البخاري (1600).
3 - حديث الأعرابي الذي جاء يسأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن الإسلام وما يجب عليه، وفيه: ((خمس صلوات في اليوم
والليلة)) فقال: هل علي غيرهن؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) ... الحديث (1).
وجه الدلالة:
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صرَّح بأنه لا يجب شيءٌ من الصلاة، إلا
الصلوات الخمس المكتوبات.
4 - عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((خمس صلواتٍ كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً
استخفافاً بحقهن؛ كان له عند الله عهدٌ أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن
فليس له عند الله عهد، إن شاء عذَّبه، وإن شاء أدخله الجنة)) (2).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم، أخبر أن الصلوات التي فرضها الله على عباده،
هي الصلوات الخمس فقط, وفي هذا دليلٌ على أن ركعتي الطواف غير واجبة.
5 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: ((من طاف بالبيت، وصلى ركعتين كان كعتق رقبة)) (3).
وجه الدلالة:
كون رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج الحديث مخرج الفضل، وجعل لركعتي
الطواف أجراً محدوداً؛ فإنه دليلٌ على أنها ليست بواجبة؛ إذ إن الواجب غير
محدَّد الأجر والثواب.
المطلب الثاني: مكان أدائهما
أداء ركعتي الطواف يكون خلف المقام إن تيسر له ذلك.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:
125].
ثانياً: من السنة:
1 - حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في صفة حج النبي صلى الله عليه
وسلم، وفيه: ((حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى
أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام، فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ
مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة: 125] فجعل المقام بينه وبين البيت
... الحديث)) (4).
2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فطاف
بالبيت سبعاً، وصلى خلف المقام ركعتين) (5).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك، النووي (6)، وابن تيمية (7).
المطلب الثالث: إذا لم يتيسر للطائف أداؤها خلف المقام بسبب الزحام أو غيره
_________
(1) رواه البخاري (46)، ومسلم (11). من حديث طلحة بن عبيدالله رضي الله
عنه.
(2) رواه أبو داود (1420)، والنسائي (1/ 230)، وابن ماجه (1158)، وأحمد (5/
315) (22745)، ومالك (2/ 169)، والدارمي (1/ 446) (1577)، وابن حبان (6/
174) (2417)، والبيهقي (2/ 8) (2316). قال ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (23/
288): صحيحٌ ثابت، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/ 447)، وصححه
النووي في ((المجموع)) (4/ 20)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/ 389)،
والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(3) رواه ابن ماجه (2411)، والبيهقي (5/ 110) (9699). وحسنه ابن حجر في
((تخريج مشكاة المصابيح)) (3/ 67)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن
ماجه)).
(4) رواه مسلم (1218).
(5) رواه البخاري (1645).
(6) قال النووي: (هذا دليلٌ لما أجمع عليه العلماء، أنه ينبغي لكل طائفٍ
إذا فرغ من طوافه، أن يصلي خلف المقام ركعتي الطواف) ((شرح النووي على
مسلم)) (8/ 175).
(7) قال ابن تيمية: (وأجمع العلماء على أن النبي صلى الله عليه وسلم، طاف
بالبيت، وصلى خلف المقام ركعتين) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 193).
إذا لم يتيسر للطائف أداؤها خلف المقام
بسبب الزحام أو غيره، فإنه يصليها في أي مكانٍ تيسر في المسجد (1)، وهذا
باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (2) , والمالكية (3) , والشافعية
(4) والحنابلة (5) (6).
المبحث التاسع: استلام الحجر بعد الانتهاء من الطواف
يسن لمن انتهى من طوافه وصلى ركعتي الطواف أن يعود إلى الحجر فيستلمه، وهذا
باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (7) , والمالكية (8) , والشافعية
(9) , والحنابلة (10).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
حديث جابر الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((ثم رجع إلى
الركن فاستلمه)).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة (11) وابن عبدالبر (12).
مسألة: الكلام في الطواف:
يكره الكلام في الطواف لغير حاجة، وهو قول الجمهور من الحنفية (13)،
والمالكية (14)، والحنابلة (15).
الأدلة:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الطواف
بالبيت صلاة، إلا أن الله تعالى قد أحل فيه النطق فمن نطق فلا ينطق فيه إلا
بخير)) (16).
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وهو
يطوف بالكعبة، بإنسانٍ ربط يده إلى إنسان بسير، أو بخيط، أو بشيءٍ غير ذلك،
فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم قال: قده بيده)) (17).
وجه الدلالة:
أنه لولا كراهة الكلام لما احتاج النبي صلى الله عليه وسلم أن يشير إليه
بيده.
_________
(1) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن الطائف يجزئه أن يصلي الركعتين حيث
شاء، وانفرد مالك، فقال: لا يجزئه أن يصليهما في الحِجْر) الإجماع (ص: 56).
(2) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 18) , ((الفتاوى الهندية)) (1/ 226) ,
((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 148).
(3) واستثنوا من ذلك الحِجْر. انظر: ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 367).
(4) ((الأم)) للشافعي (2/ 242) , ((المجموع)) للنووي (8/ 49) ,
(5) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 400) , ((كشاف القناع))
للبهوتي (2/ 484).
(6) قال ابن باز: (فإذا فرغ من الطواف، صلى ركعتين خلف المقام إن تيسر ذلك،
وإن لم يتيسر ذلك لزحامٍ ونحوه صلاهما، في أي موضعٍ من المسجد) ((مجموع
فتاوى ابن باز)) (16/ 62). قال ابن عثيمين: (فالخطأ هنا أن بعض الناس يعتقد
أنه لابد أن تكون ركعتا الطواف خلف المقام وقريباً منه، والأمر ليس كما ظن
هؤلاء، فالركعتان تجزئان في كل مكانٍ من المسجد، ويمكن للإنسان أن يجعل
المقام بينه وبين الكعبة ولو كان بعيداً منه، ويحصل بذلك على السنة من غير
إيذاءٍ للطائفين ولا لغيرهم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 413).
(7) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 19) , ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/
148).
(8) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 367) , ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي
الحسن المالكي (1/ 670).
(9) ((المجموع)) للنووي (8/ 67) , ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 291).
(10) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 191)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 15).
(11) قال ابن قدامة: (وإذا فرغ من الركوع، وأراد الخروج إلى الصفا، استحب
أن يعود فيستلم الحجر، نص عليه أحمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل
ذلك، ذكره جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ابن عمر يفعله،
وبه قال النخعي، ومالك، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ولا
نعلم فيه خلافاً) ((المغني)) (3/ 191).
(12) قال ابن عبدالبر: (وأما استلام الركن فسنةٌ مسنونةٌ عند ابتداء
الطواف، وعند الخروج بعد الطواف، والرجوع إلى الصفا، لا يختلف أهل العلم في
ذلك قديماً وحديثاً والحمد لله) ((التمهيد)) (24/ 416).
(13) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 83)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 131).
(14) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 369).
(15) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 187).
(16) رواه الترمذي (960)، والدارمي (2/ 66) (1847)، وابن حبان (9/ 143)
(3836)، وابن الجارود ((المنتقى)) (1/ 120)، والطبراني (11/ 34) (10955)،
والحاكم (2/ 293)، والبيهقي (5/ 85) (9074). قال الحاكم: صحيحٌ على شرط
مسلم ولم يخرجاه، وقال ابن حجر في ((التلخيص)) (1/ 196): إسناده صحيح، ورجح
وقفه الترمذي, والنسائي, والبيهقي، وابن الصلاح, والمنذري, والنووي، انظر
(التلخيص الحبير)) (1/ 359)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3954).
(17) رواه البخاري (1620).
|