الموسوعة الفقهية الدرر السنية

الفصل الأول: تعريف السعي بين الصفا والمروة
1 - (السعي) لغةً: المشي، والعدو من غير شد (1).
2 - (الصفا) لغةً: جمع صفاة، وهي الحجر الصلد الضخم الذي لا ينبت شيئا؛ وقيل: هي الصخرة الملساء (2).
واصطلاحاً: مكانٌ مرتفع من جبل أبي قبيس، ومنه ابتداء السعي، ويقع في طرف المسعى الجنوبي (3).
3 - (المروة) لغةً: حجارةٌ بيض برَّاقة، والجمع مرو (4).
واصطلاحاً: جبلٌ بمكة، وإليه انتهاء السعي، وهو في أصل جبل قعيقعان، ويقع في طرف المسعى الشمالي (5).
فالسعي اصطلاحاً: هو قطع المسافة الكائنة بين الصفا والمروة، سبع مرات في نسك حجٍّ أو عمرة (6).
_________
(1) ((لسان العرب)) (مادة: س ع ا)، ((تاج العروس)) للزَّبيدي (مادة: س ع ا)، وانظر: ((مجموع الفتاوى)) (22/ 259 - 261)، وَ ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (1/ 334).
(2) ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (مادة: ص ف و)، ((تاج العروس)) للزَّبيدي (مادة: ص ف و).
(3) ينظر: ((معجم البلدان)) لياقوت الحموي (باب الصاد والفاء وما يليهما) (3/ 411)، و ((مفيد الأنام)) لابن جاسر (ص: 590).
(4) ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (مادة: م ر و)، و ((تاج العروس)) للزبيدي (مادة: م ر و)، ((المصباح المنير)) للفيومي (مادة: م ر و).
(5) ينظر: ((معجم البلدان)) لياقوت (المروة) (5/ 116).
(6) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (25/ 11) وزادت (بعد طواف) ووقع خلاف في اشتراط ذلك وسيأتي.


الفصل الثاني: مشروعية السعي وأصله وحكمته
المبحث الأول: مشروعية السعي
السعي بين الصفا والمروة مشروع في الحج والعمرة
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة: 158].
ثانياً: من السنة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون، يعني بين الصفا والمروة، فكانت سنة)) (1).
2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج، وطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة)) (2).
المبحث الثاني: أصل السعي
أصل مشروعية السعي هو سعي هاجر عليها السلام، عندما تركها إبراهيم مع ابنهما إسماعيل عليهما السلام بمكة، ونفد ما معها من طعام وشراب، وبدأت تشعر هي وابنها بالعطش؛ فسعت بين الصفا والمروة سبع مرات طلباً للماء، يقول ابن عباس: وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى- أو قال: يتلبط (3) - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبلٍ في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي، رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى إذا جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم ((فذلك سعي الناس بينهما)) (4) رواه البخاري (5).
المبحث الثالث: حكمة السعي (6)
_________
(1) رواه مسلم (1277).
(2) رواه مسلم (1233).
(3) يتلبط: أي يتقلب في الأرض ((مقدمة فتح الباري)) لابن حجر (1/ 177).
(4) قال ابن بطال: (فبيَّن فى هذا الحديث أن سبب كونها سبعة أطواف، وسبب السعي فيها؛ فعل أم إسماعيل عليهم السلام ذلك) ((شرح صحيح البخاري)) (4/ 327). وقال ابن كثير: (أصل ذلك مأخوذٌ من تطواف هاجر وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها، لما نفد ماؤها وزادها، حين تركهما إبراهيم عليه السلام هنالك ليس عندهما أحدٌ من الناس، فلما خافت الضيعة على ولدها هنالك، ونفد ما عندها قامت تطلب الغوث من الله، عز وجل، فلم تزل تردد في هذه البقعة المشرفة بين الصفا والمروة، متذللة خائفة وجلة مضطرة فقيرة إلى الله، عز وجل، حتى كشف الله كربتها، وآنس غربتها، وفرج شدتها، وأنبع لها زمزم التي ماؤها طعام طعم، وشفاء سقم) ((تفسير ابن كثير)) (1/ 472). وقال أبو الحسن المباركفوري: (فجعل ذلك نسكاً إظهاراً لشرفهما وتفخيماً لأمرهما). ((مرعاة المفاتيح)) (9/ 92).
(5) صحيح البخاري (3364).
(6) قال النووي: (من العبادات التي لا يُفهم معناها: السعي والرمي، فكلف العبد بهما ليتم انقياده، فإن هذا النوع لا حظ للنفس فيه، ولا للعقل، ولا يحمل عليه إلا مجرد امتثال الأمر، وكمال الانقياد، فهذه إشارةٌ مختصرةٌ تعرف بها الحكمة في جميع العبادات، والله أعلم). ((المجموع)) (8/ 243). وتعقبه الشنقيطي قائلاً: (ما ذكره الشيخ النووي رحمه الله من أن حكمة السعي والرمي غير معقولة المعنى، غير صحيحٍ فيما يظهر لي والله تعالى أعلم، بل حكمة الرمي، والسعي معقولة، وقد دلَّت بعض النصوص على أنها معقولة). ((أضواء البيان)) (4/ 480).


1 - شُرِعَ السعي؛ تخليداً لذكرى إبراهيم وزوجته هاجر وابنهما إسماعيل عليهم السلام؛ وتشريفًا لهم (1).
2 - استشعار العبد بأن حاجته وفقره إلى خالقه ورازقه كحاجة وفقر تلك المرأة في ذلك الكرب العظيم إلى خالقها ورازقها، وليتذكر أن من كان يطيع الله كإبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لا يضيعه، ولا يخيب دعاءه (2).
_________
(1) قال ابن دقيق العيد: (في ذلك من الحكمة: تذكُّر الوقائع الماضية للسلف الكرام، وفي طي تذكرها مصالح دينية إذ يتبين في أثناء كثيرٍ منها ما كانوا عليه من امتثال أمر الله تعالى، والمبادرة إليه، وبذل الأنفس في ذلك، وبهذه النكتة يظهر لك أن كثيراً من الأعمال التي وقعت في الحج ويقال فيها إنها تعبد، ليست كما قيل، ألا ترى أنا إذا فعلناها وتذكرنا أسبابها: حصل لنا من ذلك تعظيمٌ الأولين وما كانوا عليه من احتمال المشاق في امتثال أمر الله فكان هذا التذكر باعثاً لنا على مثل ذلك ومقرراً في أنفسنا تعظيم الأولين وذلك معنىً معقول. مثاله: السعي بين الصفا والمروة، إذا فعلناه وتذكرنا أن سببه: قصة هاجر مع ابنها وترك الخليل لهما في ذلك المكان الموحش منفردين منقطعي أسباب الحياة بالكلية، مع ما أظهره الله تعالى لهما من الكرامة والآية في إخراج الماء لهما، كان في ذلك مصالح عظيمة، أي في التذكر لتلك الحال، وكذلك رمي الجمار إذا فعلناه وتذكرنا أن سببه: رمي إبليس بالجمار في هذه المواضع عند إرادة الخليل ذبح ولده، حصل من ذلك مصالح عظيمة النفع في الدين) ((إحكام الأحكام)) (ص: 316).
(2) قال ابن كثير: (فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله في هداية قلبه وصلاح حاله وغفران ذنبه، وأن يلتجئ إلى الله، عز وجل؛ ليزيح ما هو به من النقائص والعيوب، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم وأن يثبته عليه إلى مماته، وأن يحوله من حاله الذي هو عليه من الذنوب والمعاصي، إلى حال الكمال والغفران والسداد والاستقامة، كما فعل بهاجر عليها السلام) ((تفسير ابن كثير)) 1/ 472. وقال الشنقيطي: (قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: ((فذلك سعي الناس بينهما))، فيه الإشارة الكافية إلى حكمة السعي بين الصفا والمروة; لأن هاجر سعت بينهما السعي المذكور، وهي في أشد حاجةٍ، وأعظم فاقةٍ إلى ربها؛ لأن ثمرة كبدها، وهو ولدها إسماعيل تنظره يتلوى من العطش في بلدٍ لا ماء فيه، ولا أنيس، وهي أيضاً في جوعٍ، وعطشٍ في غاية الاضطرار إلى خالقها جل وعلا، وهي من شدة الكرب تصعد على هذا الجبل، فإذا لم تر شيئاً جرت إلى الثاني، فصعدت عليه لترى أحدا، فأمر الناس بالسعي بين الصفا والمروة ليشعروا بأن حاجتهم وفقرهم إلى خالقهم ورازقهم كحاجة وفقر تلك المرأة في ذلك الوقت الضيق، والكرب العظيم إلى خالقها ورازقها، وليتذكروا أن من كان يطيع الله كإبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لا يضيعه، ولا يخيب دعاءه وهذه حكمةٌ بالغةٌ ظاهرةٌ دلَّ عليها حديثٌ صحيح). ((أضواء البيان)) (4/ 481).


الفصل الثالث: حكم السعي والتطوع به
المبحث الأول: حكم السعي
السعي بين الصفا والمروة ركنٌ من أركان الحج والعمرة، وهو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، وهو قول عائشة وابن عمر رضي الله عنهما، وطائفة من السلف (4).
الأدلة:
أولاً من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة: 158].
وجه الدلالة:
أن تصريحه تعالى بأن الصفا والمروة من شعائر الله، يدل على أن السعي بينهما أمرٌ حتمٌ لا بد منه؛ لأنه لا يمكن أن تكون شعيرةً، ثم لا تكون لازمةً في النسك؛ فإن شعائر الله عظيمة، لا يجوز التهاون بها، وقد قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ الآية [المائدة: 2]، وقال: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ الآية (5) [الحج: 32].
ثانياً: من السنة:
1 - أن طواف النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة، بيانٌ لنصٍّ مجملٍ في كتاب الله، وهو قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ [158]، وقد قرأها عليه الصلاة والسلام لما صعد إلى الصفا، وقال: ((نبدأ بما بدأ الله به)) (6) وقد تقرر في الأصول أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، إذا كان لبيان نصٍّ مجملٍ من كتاب الله؛ فإن ذلك الفعل يكون لازما (7).
_________
(1) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 118)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 34).
(2) ((المجموع)) للنووي (8/ 63، 77)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 91)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 513).
(3) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 43)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 521).
(4) منهم: جابر رضي الله عنهما، ووعروة وإسحاق وأبو ثور وداود. قال النووي: (مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن السعي بين الصفا والمروة ركنٌ من أركان الحج لا يصح إلا به ولا يُجبَر بدمٍ ولا غيره) ((شرح صحيح مسلم)) (9/ 20). ينظر: ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 291)، و ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 222) و ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 154)، و ((المجموع)) (8/ 77).
(5) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 417).
(6) رواه مسلم (1218) بلفظ: ((أبدأ بما بدأ الله به))، وأبو داود (1905)، والترمذي (862)، والنسائي (5/ 239)، وأحمد (3/ 388) (15209)، ومالك (3/ 544) (1377)، وابن حبان (9/ 250)، (3943)، والبيهقي (1/ 85) (405). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: (حسنٌ صحيح)، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (3/ 233): (صحيحٌ ثابتٌ من حديث جعفر)، وصححه ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (24/ 414)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (862).
(7) قال ابن عبدالبر: (قد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مناسك الحج ومشاعره، فبين في ذلك السعي بين الصفا والمروة، فصار بياناً للآية) ((الاستذكار)) (4/ 223)، وينظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 119)، ((شرح العمدة)) لابن تيمية (3/ 653)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 417).


2 - عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (1)، وقد طاف بين الصفا والمروة سبعاً، فيلزمنا أن نأخذ عنه ذلك (2).
3 - عن حبيبة بنت أبي تجراة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي)) (3).
4 - عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((قدمتٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخٌ بالبطحاء، فقال لي: أحججت؟ فقلت: نعم، فقال: بم أهللت؟ قال: قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: فقد أحسنت، طف بالبيت وبالصفا والمروة)) (4).
فهذا أمرٌ صريحٌ دل على الوجوب، ولم يأت صارفٌ له (5).
5 - قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((يجزئ عنك طوافك بين الصفا والمروة، عن حجك وعمرتك)) (6).
وجه الدلالة:
أنه يُفهم من الحديث أنها لو لم تطف بينهما لم يحصل لها إجزاءٌ عن حجها وعمرتها (7).
ثالثاً: من أقوال الصحابة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما أتم الله حج امرئٍ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة)) (8).
2 - عن عروة قال: قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أرى على أحدٍ لم يطف بين الصفا والمروة، شيئاً، وما أبالي أن لا أطوف بينهما، قالت: بئس ما قلت، يا ابن أختي! طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطاف المسلمون؛ فكانت سنة، وإنما كان من أهلَّ لمناة الطاغية، التي بالمشَلَّل (9)، لا يطوفون بين الصفا والمروة، فلما كان الإسلام سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فأنزل الله عز وجل: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة: 158]. ولو كانت كما تقول لكانت: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما)) (10).
وفي رواية: سألت عائشة، وساق الحديث بنحوه، وقال في الحديث: ((فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالوا: يا رسول الله! إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة؛ فأنزل الله عز وجل: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة: 158]، قالت عائشة: قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما؛ فليس لأحدٍ أن يترك الطواف بهما)) (11).
رابعا: أنه نسكٌ في الحج والعمرة فكان ركناً فيهما كالطواف بالبيت (12).
المبحث الثاني: التطوع بالسعي بين الصفا والمروة
لا يشرع التطوع بالسعي بين الصفا والمروة لغير الحاج والمعتمر.
الدليل:
الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن حجر (13)، والشنقيطي (14).
_________
(1) رواه مسلم (1297).
(2) قال ابن عبدالبر: (ما لم يجمعوا عليه أنه سنةٌ وتطوع، فهو واجبٌ بظاهر القرآن والسنة بأنه من الحج المفترض على من استطاع السبيل إليه) ((الاستذكار)) (4/ 223). وقال ابن كثير: (القول الأول أرجح (أي ركنية السعي)، لأنه عليه السلام طاف بينهما، وقال: ((لتأخذوا مناسككم)). فكل ما فعله في حَجته تلك واجبٌ لا بد من فعله في الحج، إلا ما خرج بدليل، والله أعلم). ((تفسير ابن كثير)) (1/ 471).
(3) رواه أحمد (6/ 421) (27408)، وابن خزيمة (4/ 232) (2764)، والحاكم (4/ 79)، والبيهقي (5/ 98) (9635). من حديث بنت أبي تجرأة رضي الله عنها. قال الشافعي كما في ((الاستذكار)) (3/ 519): إسناده ومعناه جيد، وقال ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (2/ 101): صحيح الإسناد والمتن، وحسن إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 78)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (3/ 582): [فيه] عبدالله بن المؤمل فيه ضعف [وله طريق إذا انضم إليها قوي]، وصححه الألباني في ((صحيح ابن خزيمة)) (2764).
(4) رواه البخاري (1795)، ومسلم (1221).
(5) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 308).
(6) رواه مسلم (1211).
(7) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 311).
(8) رواه البخاري (1790)، ومسلم (1277).
(9) المشَلّل: موضع بقديد من ناحية البحر، وهو الجبل الذي يهبط إليها منه. ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 188).
(10) رواه مسلم (1277).
(11) رواه مسلم (1277).
(12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 194).
(13) قال ابن حجر: ( ... إجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع) ((فتح الباري)) (3/ 499).
(14) قال الشنقيطي: ( ... إجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع، والعلم عند الله تعالى) ((أضواء البيان)) (4/ 430).


الفصل الرابع: الموالاة بين السعي والطواف
لا تجب الموالاة بين الطواف والسعي وإن كانت مستحبة، وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (1)، والشافعية (2) والحنابلة (3)، وبه قال طائفةٌ من السلف (4).
وذلك للآتي:
أولاً: أن السعي عبادةٌ مستقلة، فإذا فُصِل بينها وبين غيرها بشيءٍ فلا يضر (5).
ثانياً: أن الموالاة إذا لم تجب في نفس السعي، ففيما بينه وبين الطواف أولى (6).
_________
(1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 357)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 500).
(2) ((المجموع)) للنووي (8/ 73)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 90)، واشترط الشافعية ألا يتخلل بينهما الوقوف بعرفة، فإن تخلل الوقوف بينهما؛ فإنه يتعين حينئذٍ السعي بعد طواف الإفاضة.
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 352)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 488).
(4) قال ابن المنذر: (قال أحمد: لا بأس أن يؤخر السعي كي يستريح، أو إلى العشي، وكان عطاء والحسن لا يريان بأساً لمن طاف بالبيت أول النهار أن يؤخر الصفا والمروة إلى العشي وفعله القاسم وسعيد بن جبير) ((الإشراف)) (3/ 292)، وينظر ((المغني)) لابن قدامة (3/ 194).
(5) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 343).
(6) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 352).


الفصل الخامس: شروط السعي
الشرط الأول: استيعاب ما بين الصفا والمروة
يشترط في صحة كل شوطٍ من أشواط السعي، قطع جميع المسافة بين الصفا والمروة (1)، فإن لم يقطعها كلها لم يصح، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
الأدلة:
أولاً: فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (6) (7).
ثانياً: أن المسافة للسعي محددةٌ من قبل الشرع، والنقص عن الحد مبطل (8).
الشرط الثاني: الترتيب بأن يبدأ بالصفا وينتهي بالمروة
يشترط أن يبدأ سعيه بالصفا، وينتهي بالمروة، حتى يختم سعيه بالمروة، فإن بدأ بالمروة، ألغى هذا الشوط، وهذا باتفاق المذهبة الأربعة: الحنفية (9) والمالكية (10)، والشافعية (11)، والحنابلة (12) (13).
الأدلة:
_________
(1) قال النووي: (لو كان راكباً اشترط أن يسير دابته، حتى تضع حافرها على الجبل أو إليه حتى لا يبقى من المسافة شيء، ويجب على الماشي أن يلصق في الابتداء والانتهاء رجله بالجبل، بحيث لا يبقى بينهما فرجة فيلزمه أن يلصق العقب بأصل ما يذهب منه ويلصق رؤوس أصابع رجليه بما يذهب إليه، هذا كله إذا لم يصعد على الصفا وعلى المروة، فإن صعد فهو الأكمل وقد زاد خيرا، وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرناه في الأحاديث الصحيحة السابقة، وهكذا عملت الصحابة فمن بعدهم، وليس هذا الصعود شرطاً واجباً، بل هو سنة متأكدة) ((المجموع)) (8/ 69)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 404).
(2) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 133).
(3) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 368)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 118).
(4) ((المجموع)) للنووي (8/ 69)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 493).
(5) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 487) ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/ 237).
(6) رواه مسلم (1297).
(7) قال الجصاص: (فرض الحج مجملٌ في كتاب الله ... وهو مجملٌ مفتقرٌ إلى البيان، فمهما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو بيانٌ للمراد بالجملة، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا ورد مورد البيان فهو على الوجوب ... ومن جهةٍ أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خذوا عني مناسككم)) وذلك أمرٌ يقتضي إيجاب الاقتداء به في سائر أفعال المناسك) ((أحكام القرآن)) (1/ 119) قال ابن كثير: (قال: ((لتأخذوا مناسككم)) فكل ما فعله في حجته تلك واجبٌ لا بد من فعله في الحج إلا ما خرج بدليل) ((تفسير ابن كثير)) (1/ 471)، وقال الشنقيطي: (يُعرَف حكم فعل النبي صلى الله عليه وسلم من الوجوب أو غيره بالبيان، فإذا بين أمراً واجباً كالصلاة والحج وقطع السارق بالفعل، فهذا الفعل واجبٌ إجماعاً؛ لوقوعه بياناً لواجب إلا ما أخرجه دليلٌ خاص) ((أضواء البيان)) (4/ 397).
(8) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 321).
(9) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 78)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 134).
(10) ((المدونة)) لسحنون (1/ 427)، ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 368).
(11) قال الشافعي: (ولم أعلم مخالفاً أنه إن بدأ بالمروة قبل الصفا، ألغى طوافاً حتى يكون بدؤه بالصفا) ((الأم)) (1/ 45)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (8/ 64) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 90).
(12) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 487)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/ 238).
(13) قال ابن المنذر: (وهذا قول الحسن، ومالك، والشافعي، والأوزاعي، وأصحاب الرأي ... وعن عطاء روايتان) ((الإشراف)) (3/ 290).


1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((فبدأ بالصفا، فرقي عليه ... ثم نزل إلى المروة)) (1)، وقد قال ((لتأخذوا مناسككم)) (2) (3).
2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((أبدأ بما بدأ الله به)) (4)، وقد بدأ الله عز وجل بالصفا فقال: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ (5) [البقرة: 158].
الشرط الثالث: أن يكون سبعة أشواط
_________
(1) رواه مسلم (1218).
(2) رواه مسلم (1297).
(3) قال الجصاص: (فرض الحج مجملٌ في كتاب الله ... وهو مجملٌ مفتقرٌ إلى البيان، فمهما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو بيانٌ للمراد بالجملة، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا ورد مورد البيان فهو على الوجوب ... ومن جهةٍ أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خذوا عني مناسككم)) وذلك أمرٌ يقتضي إيجاب الاقتداء به في سائر أفعال المناسك) ((أحكام القرآن)) (1/ 119) قال ابن كثير: (قال: ((لتأخذوا مناسككم)) فكل ما فعله في حجته تلك واجبٌ لا بد من فعله في الحج إلا ما خرج بدليل) ((تفسير ابن كثير)) (1/ 471)، وقال الشنقيطي: (يُعرَف حكم فعل النبي صلى الله عليه وسلم من الوجوب أو غيره بالبيان، فإذا بين أمراً واجباً كالصلاة والحج وقطع السارق بالفعل، فهذا الفعل واجبٌ إجماعاً؛ لوقوعه بياناً لواجب إلا ما أخرجه دليلٌ خاص) ((أضواء البيان)) (4/ 397).
(4) رواه مسلم (1218)، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
(5) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: () قال الله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ الآية *البقرة: 158*، فبدأ بالصفا، وقال: اتبعوا القرآن فما بدأ الله به فابدءوا به)) ذكره ابن المنذر في)) الإشراف (((3/ 290) وهو في ابن أبي شيبة (3/ 790) بلفظ: ((خذ ذلك من قبل القرآن فإنه أجدر أن يحفظ قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ *البقرة: 158* فالصفا قبل المروة)).


يشترط في صحة السعي بين الصفا والمروة، أن يكون سبعة أشواط، ذهابه من الصفا إلى المروة شوط، ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط، وهذا قول الجمهور (1): المالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، والظاهرية (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن عمرو بن دينار قال: سألنا ابن عمر رضي الله عنهما عن رجلٍ طاف بالبيت في عمرة، ولم يطف بين الصفا والمروة أيأتي امرأته؟ فقال: ((قدم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعاً، وصلى خلف المقام ركعتين، فطاف بين الصفا والمروة سبعاً لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21])) (6).
فهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (7) (8).
_________
(1) عامة أهل العلم على أن عدد أشواط السعي سبعة أشواط: يحسب من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط، ووافق الحنفيةُ الجمهور في كون قدر السعي سبعة أشواط، وخالفوا في كون ذلك شرطاً، فالشرط عندهم أن يأتي بأكثر السعي، وهو أربعة شواط، والباقي واجبٌ يجبر تاركه بفدية. قال الكاساني: (وأما قدره فسبعة أشواط لإجماع الأمة) ((بدائع الصنائع)) (2/ 134). وقال ابن عابدين في باب الجنايات في الحج: (لو ترك ثلاثة منه أو أقل فعليه لكل شوطٍ منه صدقة إلا أن يبلغ دماً فيُخيَّر بين الدم وتنقيص الصدقة) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 556،557).
(2) ((المدونة)) لسحنون (1/ 427)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 118).
(3) قال النووي: (إكمال سبع مرات يحسب الذهاب من الصفا إلى المروة مرة، والرجوع من المروة إلى الصفا مرة ثانية، والعود إلى المروة ثالثة، والعود إلى الصفا رابعة، وإلى المروة خامسة، وإلى الصفا سادسة، ومنه إلى المروة سابعة، فيبدأ بالصفا ويختم بالمروة، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي وقطع به جماهير الأصحاب المتقدمين والمتأخرين وجماهير العلماء، وعليه عمل الناس، وبه تظاهرت الأحاديث الصحيحة) ((المجموع)) للنووي (8/ 71)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (2/ 230).
(4) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 485).
(5) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 95رقم 830).
(6) رواه البخاري (395)، ومسلم (1234).
(7) رواه مسلم (1297)
(8) قال الجصاص: (فرض الحج مجملٌ في كتاب الله ... وهو مجملٌ مفتقرٌ إلى البيان، فمهما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو بيانٌ للمراد بالجملة، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا ورد مورد البيان فهو على الوجوب ... ومن جهةٍ أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خذوا عني مناسككم)) وذلك أمرٌ يقتضي إيجاب الاقتداء به في سائر أفعال المناسك) ((أحكام القرآن)) (1/ 119) قال ابن كثير: (قال: ((لتأخذوا مناسككم)) فكل ما فعله في حجته تلك واجبٌ لا بد من فعله في الحج إلا ما خرج بدليل) ((تفسير ابن كثير)) (1/ 471)، وقال الشنقيطي: (يُعرَف حكم فعل النبي صلى الله عليه وسلم من الوجوب أو غيره بالبيان، فإذا بين أمراً واجباً كالصلاة والحج وقطع السارق بالفعل، فهذا الفعل واجبٌ إجماعاً؛ لوقوعه بياناً لواجب إلا ما أخرجه دليلٌ خاص) ((أضواء البيان)) (4/ 397).


ثانياً: أن عدد أشواط السعي محددةٌ من قبل الشرع، والنقص عن الحد مبطل، كما أن النقص عن عدد كل صلاةٍ عمداً مبطلٌ لها (1).
ثالثاً: أن عليه عمل الناس، كما نقل ذلك النووي (2).
الشرط الرابع: أن يكون بعد الطواف
اختلف أهل العلم في اشتراط تقدم الطواف على السعي على قولين:
القول الأول: يشترط في صحة السعي أن يقع بعد الطواف، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم، سعى ثلاثة أطواف، ومشى أربعة، ثم سجد سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة)) (7).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدِّم الطواف على السعي بدلالة كلمة (ثم) وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (8)، وفعلُهُ في المناسك يفيد الوجوب.
2 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((حاضت عائشة رضي الله عنها، فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت، فلما طهرت طافت بالبيت، قالت: يا رسول الله، تنطلقون بحجةٍ وعمرة، وأنطلق بحج! فأمر عبدالرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج)) (9)، وفي روايةٍ عن عائشة رضي الله عنها: ((فقدمتُ مكة وأنا حائض، ولم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة)) (10).
وجه الدلالة:
أنه لولا اشتراط تقدم الطواف على السعي؛ لفعلت في السعي مثل ما فعلت في غيره من المناسك؛ فإنه يجوز لها السعي من غير طهارة (11).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك السرخسي (12)، والماوردي (13)، وأقره النووي (14).
_________
(1) قال ابن المنذر: (فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم المنبئ عن الله عز وجل أن فرض صلاة الظهر أربع ركعات، كذلك هو المنبئ عن الله أن فرض الطواف سبع، ولا يجزئ أقل منه؛ لأن الله عز وجل قال: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ الآية، وقال: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ الآية فبين النبي صلى الله عليه وسلم عدد ذلك كله) ((الإشراف)) (3/ 280).
(2) قال النووي: (وعليه عمل الناس، وبه تظاهرت الأحاديث الصحيحة) ((المجموع)) للنووي (8/ 71).
(3) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 46)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 61).
(4) زاد المالكية أن السعي لا بد أن يكون بعد طوافٍ واجب، وإنما صحَّ بعد طواف القدوم عندهم لقولهم بوجوبه. ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 252)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 118).
(5) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 157)، ((المجموع)) للنووي (8/ 72) ..
(6) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 352)، ((شرح العمدة)) لابن تيمية (3/ 639).
(7) رواه البخاري (1616).
(8) رواه مسلم (1297)
(9) رواه البخاري (1651).
(10) رواه البخاري (1556)، ومسلم (1211).
(11) ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 328)، ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 355).
(12) قال السرخسي: ((إنما عرف قربة بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الطواف، وهكذا توارثه الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا) ((المبسوط)) (4/ 46).
(13) قال الماوردي: (فإذا ثبت وجوب السعي فمن شرط صحته أي السعي أن يتقدمه الطواف، وهو إجماعٌ ليس يُعرَف فيه خلافٌ بين الفقهاء) ((الحاوي الكبير)) (4/ 157).
(14) قال النووي: (شذَّ إمام الحرمين فقال في كتاب الأساليب: قال بعض أئمتنا لو قدم السعي على الطواف اعتد بالسعي. وهذا النقل غلطٌ ظاهر، مردودٌ بالأحاديث الصحيحة وبالإجماع الذي قدمناه عن نقل الماوردي) ((المجموع)) (8/ 72).


ثالثاً: أن السعي تابعٌ للطواف ومتممٌ له، وتابعُ الشيء لا يتقدم عليه (1).
القول الثاني: لا يشترط لصحة السعي أن يسبقه طواف، وهذا مذهب الظاهرية (2)، وروايةٌ عن أحمد (3)، وبه قال بعض السلف (4)، واختاره ابن باز (5)، وابن عثيمين (6).
الأدلة:
أولاً: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ((وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاء رجل فقال: يا رسول الله لم أشعر، فحلقت قبل أن أنحر؟ فقال: اذبح، ولا حرج، ثم جاءه رجل آخر، فقال: يا رسول الله، لم أشعر؛ فنحرت قبل أن أرمي؟ فقال: ارم، ولا حرج، قال: فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل، ولا حرج)) (7).
وجه الدلالة:
عموم قوله: ((ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل، ولا حرج)) (8)، فيندرج فيه تقديم السعي على الطواف (9).
ثانياً: عن أسامة بن شَريك رضي الله عنه قال: ((خرجتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجًّا، فكان الناسُ يأتونه، فمن قال: يا رسول الله، سعيتُ قبل أن أطوف، أو قدمتُ شيئا، أو أخرتُ شيئا، فكان يقول: لا حرج، لا حرج، إلا على رجلٍ اقترض (10) عِرْضَ رجلٍ مسلم وهو ظالمٌ له، فذلك الذي حَرَجَ وهلك)) (11).
ثالثاً: عن عائشة رضي الله عنها: ((أنها حاضت، وهي في طريقها إلى الحج، فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)) (12).
وجه الدلالة:
أنه نهاها عن الطواف بالبيت، وأمرها بأن تقضي المناسك كلها، ويدخل في هذا العموم، السعي بين الصفا والمروة (13).
الشرط الخامس: الموالاة بين أشواط السعي
اختلف أهل العلم في اشتراط الموالاة بين أشواط السعي على قولين
_________
(1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 46)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 194).
(2) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 183 رقم 845).
(3) عن أحمد رواية ثالثة: أنه يجزيه إن كان ناسياً أو جاهلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن التقديم والتأخير في حال الجهل والنسيان، قال: (لا حرج) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 352)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 273).
(4) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 181)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 352)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 505).
(5) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 140، 17/ 339).
(6) قال ابن عثيمين: (الإخلال بالترتيب في العمرة يخل بها تماماً؛ لأن العمرة ليس فيها إلا طواف، وسعي، وحلقٌ أو تقصير، والإخلال بالترتيب في الحج لا يؤثر فيه شيئاً؛ لأن الحج تفعل فيه خمسة أنساك في يومٍ واحد، فلا يصح قياس العمرة على الحج في هذا الباب، ويذكر عن عطاء بن أبي رباح عالم مكة رحمه الله أنه أجاز تقديم السعي على الطواف في العمرة، وقال به بعض العلماء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجوز مع النسيان أو الجهل، لا مع العلم والذكر) ((الشرح الممتع)) (7/ 273،337).
(7) رواه البخاري (83)، ومسلم (1306).
(8) رواه البخاري (83)، ومسلم (1306).
(9) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 339).
(10) اقترض: نال منه، وقطعه بالغيبة، وهو افتعالٌ من القرض: القطع. ((النهاية)) لابن الأثير (4/ 41).
(11) رواه البخاري (1721)، ومسلم (1307).
(12) رواه البخاري (305)، ومسلم (1211).
(13) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 505).


القول الأول: لا تشترط الموالاة بين أشواط السعي، وهو مذهب الحنفية (1)، والشافعية (2)، وروايةٌ عن أحمد (3)، واختاره ابن قدامة (4)، وابن باز (5).
وذلك للآتي:
أولاً: أن مسمى السعي يحصل بالسعي بين الصفا والمروة سبع مرات، سواء كانت الأشواط متواليةً أو متفرقة.
ثانياً: أنه نسكٌ لا يتعلق بالبيت فلم تُشترَط له الموالاة، كالرمي والحلق (6).
القول الثاني: تُشترَط الموالاة بين أشواطه، وهو مذهب المالكية (7) والحنابلة (8)، واختاره ابن عثيمين (9).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم سعى سعياً متوالياً، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((لتأخذوا مناسككم)) (10).
ثانياً: أن السعي عبادةٌ واحدة، فاشتُرِط فيه الموالاة كالصلاة والطواف (11).
مسألة:
لو أقيمت الصلاة أثناء السعي، قطع السعي وصلى، ثم أتمَّ الأشواط الباقية، وهو مذهب الجمهور: الحنفية (12)، والشافعية (13)، والحنابلة (14)، وعليه أكثر أهل العلم (15).
الأدلة:
أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) (16) والطواف صلاة؛ فيدخل تحت عموم الخبر.
إذا ثبت ذلك في الطواف بالبيت مع تأكده؛ ففي السعي بين الصفا والمروة من باب أولى (17).
ثانياً: أن ما سبق بني على أساسٍ صحيح، وبمقتضى إذنٍ شرعي، فلا يمكن أن يكون باطلاً إلا بدليلٍ شرعي (18).
ثالثاً: أنه فرضٌ يخاف فوته، فأشبه خروج المعتكف لصلاة الجمعة (19).
_________
(1) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 16)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 497).
(2) ((المجموع)) للنووي (8/ 73،74). ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 90).
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 198).
(4) قال ابن قدامة: (فأما السعي بين الصفا والمروة فظاهر كلام أحمد أن الموالاة غير مشترطةٍ فيه .. وقال القاضي: تشترط الموالاة فيه .. وحكاه أبو الخطاب روايةً عن أحمد والأول أصح) ((المغني)) (3/ 198).
(5) قال ابن باز: (الموالاة بين أشواط السعي لا تُشترَط على الراجح) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 232).
(6) ذُكِرَ أن سودة بنت عبدالله بن عمر امرأة عروة بن الزبير، سعت بين الصفا والمروة، فقضت طوافها في ثلاثة أيام وكانت ضخمة. رواه الأثرم. ((المغني)) لابن قدامة (3/ 198).
(7) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 105،166)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 807).
(8) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 18)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 487).
(9) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 275)، ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (22/ 293). وقال: (لو فرض أن الإنسان اشتد عليه الزحام فخرج ليتنفس، أو احتاج إلى بولٍ أو غائطٍ فخرج يقضي حاجته ثم رجع، فهنا نقول: لا حرج؛ لعموم قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ *الحج: 78*؛ ولأنه رويت آثارٌ عن السلف في هذا؛ ولأن الموالاة هنا فاتت للضرورة وهو حين ذهابه قلبه معلقٌ بالسعي، ففي هذه الحال لو قيل بسقوط الموالاة لكان له وجه) ((الشرح الممتع)) (7/ 276).
(10) رواه مسلم (1297).
(11) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 276).
(12) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 497)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 227).
(13) ((المجموع)) (8/ 79).
(14) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 197)، وقال إنه قول ابن عمر رضي الله عنهما، ولا يُعرف له مخالف، وينظر ((شرح منتهى الإرادات)) (2/ 234).
(15) قال ابن المنذر: (أجمعوا فيمن طاف بعض سبعةٍ، ثم قطع عليه بالصلاة المكتوبة أنه يبتني من حيث قطع عليه إذا فرغ من صلاته، وانفرد الحسن البصري، فقال: يستأنف) ((الإجماع)) (ص: 55) وينظر: ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 282). وقال النووي: (لو أقيمت الصلاة المكتوبة وهو في أثناء السعي، قطعه وصلاها ثم بنى عليه، هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء منهم ابن عمر وابنه سالم وعطاء وأبو حنيفة وأبو ثور). ((المجموع)) (8/ 79) وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 197)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 497).
(16) رواه مسلم (710)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(17) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 197).
(18) ينظر ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 296).
(19) ينظر ((شرح العمدة)) لابن تيمية (3/ 592).


الفصل السادس: ما لا يشترط في السعي
المبحث الأول: النية
لا تشترط النية في السعي عند جمهور أهل العلم من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3).
وذلك للآتي:
أولاً: أنَّ السعي يعتبر جزءاً من عدة أجزاء من عبادةٍ واحدة، والنية في أولها كافيةٌ عن النية في بقية أجزائها؛ لأن الحج عبادةٌ مركبةٌ من هذه الأجزاء، فإذا نوى في أولها أجزأ عن الجميع، كما لو نوى الصلاة من أولها فلا يحتاج في كل ركوعٍ وسجودٍ من الصلاة إلى نيةٍ تخصه (4).
ثانياً: القياس على الوقوف بعرفة، فإنه لو وقف بها ناسياً أجزأه بالإجماع (5).
المبحث الثاني: الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر
لا تشترط الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر في السعي بين الصفا والمروة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (6)، والمالكية (7)، والشافعية (8)، والحنابلة (9)، وهو قول أكثر أهل العلم (10).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها وقد حاضت: ((افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت)) (11).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تصنع كل ما يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت خاصة، فدل على أن السعي لا تشترط له الطهارة (12).
2 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أن عائشة رضي الله عنها حاضت فنسكت المناسك كلها، غير أنها لم تطف بالبيت)) (13).
ثانياً: أن السعي عبادةٌ لا تتعلق بالبيت؛ فأشبهت الوقوف بعرفة (14).
المبحث الثالث: ستر العورة:
لا يُشترط ستر العورة لصحة السعي، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (15)، والمالكية (16)، والشافعية (17)، والحنابلة (18)؛ وذلك لأنه إذا لم تُشترط الطهارة للسعي مع كونها آكد؛ فغيرها أولى (19).
_________
(1) ((المسلك المتقسط)) للقاري (ص: 93)، وقال بعد أن ذكر اشتراط الحنابلة للنية في السعي خلافاً للثلاثة: (ولعلهم أدرجوا نيته في ضمن التزام الإحرام بجميع أفعال المحرم به، فلو مشى من الصفا إلى المروة هارباً أو بائعاً أو متنزهاً أو لم يدر أنه سعى، جاز سعيه، وهذه توسعةٌ عظيمة، كعدم شرط نية الوقوف بعرفة ورمي الجمرات والحلق).
(2) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 284) وقال الشنقيطي: (وعلى هذا أكثر أهل العلم).
(3) ((المجموع)) للنووي (8/ 17).
(4) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 284). ((الشرح الممتع لابن عثيمين)) (7/ 338).
(5) ((المجموع)) للنووي (8/ 17) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 284).
(6) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 135)، ((الهداية)) للمرغيناني (1/ 167).
(7) ((المدونة)) لسحنون (1/ 427) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 253) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 117).
(8) ((الأم)) للشافعي (2/ 231)، ((المجموع)) للنووي (8/ 79).
(9) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 17) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 487).
(10) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أنه إن سعى بين الصفا والمروة على غير طهرٍ أن ذلك يجزئه، وانفرد الحسن، فقال: إن ذكر قبل أن يحل، فليعد الطواف) ((الإجماع)) (ص: 56). وقال النووي: (مذهبنا ومذهب الجمهور أن السعي يصح من المحدث والجنب والحائض) ((المجموع)) (8/ 79). وقال ابن قدامة: (أكثر أهل العلم يرون أن لا يشترط الطهارة للسعي بين الصفا والمروة، وممن قال ذلك عطاء ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي) ((المغني)) (3/ 197). بل نقل ابن عبدالبر الإجماع على ذلك فقال: (إجماع العلماء في السعي بين الصفا والمروة أنه جائزٌ على غير طهارة) ((الاستذكار)) (4/ 178).
(11) رواه البخاري (305)، ومسلم (1211).
(12) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 316).
(13) رواه البخاري (1651).
(14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 197).
(15) ((المسلك المتقسط)) للقاري (ص: 92).
(16) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 165)، ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 315).
(17) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 377)، ((المجموع)) للنووي (8/ 74)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 91).
(18) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 197)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 17)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 487).
(19) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 197).


الفصل السابع: سنن السعي
المبحث الأول: الصعود على الصفا والمروة والدعاء والذكر عليهما وبينهما
يشرع إذا دنا من الصفا أن يقرأ قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ (1) [البقرة: 158]، ويقول: ((أبدأ بما بدأ الله به)) (2)، ويقتصر في قوله هذا على الصفا في المرة الأولى فقط، ويرتقي على الصفا حتى يرى الكعبة (3) ويستقبلها، ويكبر ثلاثاً (4): الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ويقول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد (5)، وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده (6)، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم يدعو بما تيسر، رافعاً يديه، ويكرر ذلك (ثلاث مرات) (7)، ويقول ويفعل على المروة كما قال، وفعل على الصفا في الأشواط السبعة، ما عدا قراءة الآية، وقوله (نبدأ بما بدأ الله به) (8).
ويكثر من الدعاء والذكر في سعيه، ومن ذلك: رب اغفر وارحم، إنك أنت الأعز الأكرم (9).
الأدلة:
_________
(1) قال ابن عثيمين: (يحتمل أنه (أي النبي صلى الله عليه وسلم) قرأ الآية كلها؛ وكان السلف يعبرون ببعض الآية عن جميعها، ويحتمل أنه لم يقرأ إلا هذا فقط الذي هو محل الشاهد، وهو كون الصفا والمروة من شعائر الله، وكون الصفا هو الذي يبدأ به، وهذا هو المتعين؛ وذلك لأن الأصل أن الصحابة رضي الله عنهم ينقلون كل ما سمعوا وإذا لم يقل: حتى ختم الآية، أو حتى أتم الآية، فإنه يقتصر على ما نقل فقط) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 466).
(2) رواه مسلم (1218)، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
(3) ويصعب الآن رؤية الكعبة فيكتفي باستقبال القبلة، يُنظَر ((مناسك الحج والعمرة)) للألباني (ص: 225).
(4) وفي زيادةٍ عند النسائي وابن ماجه ((ويحمده)).
(5) وفي زيادةٍ عند النسائي وابن ماجه ((يحيي ويميت)).
(6) وفي زيادةٍ عند ابن ماجه ((لا شريك له)).
(7) قال النووي: (يُسَنُّ أن يقف على الصفا مستقبل الكعبة ويذكر الله تعالى بهذا الذكر المذكور ويدعو ويكرر الذكر والدعاء ثلاث مرات، هذا هو المشهور عند أصحابنا، وقال جماعةٌ من أصحابنا يكرر الذكر ثلاثاً والدعاء مرتين فقط والصواب الأول) ((شرح مسلم للنووي)) (8/ 177).
(8) رواه مسلم (1218)، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
(9) قال الألباني: (وإن دعا في السعي بقوله: رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم، فلا بأس لثبوته عن جمعٍ من السلف، وذكر منهم ابن مسعود وابن عمر والمسيب بن رافع الكاهلي وعروة بن الزبير) ((مناسك الحج والعمرة)) (ص: 27).


1 - عن جابر رضي الله عنه أنه قال في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ [البقرة: 158] أبدأ بما بدأ الله به. فبدأ بالصفا فرقى عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحَّد الله، وكبره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبَّت قدماه (1) في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا (2)، مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا)) (3) (4).
2 - عن مسروق أن ابن مسعود لما هبط إلى الوادي سعى فقال: ((اللهم اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم)) (5). وكذلك جاء عن ابن عمر أنه كان يقوله (6)، وكان ابن عمر يدعو فيقول: ((اللهم إنك قلت ادعوني أستجب لكم وإنك لا تخلف الميعاد، وإني أسألك كما هديتني للإسلام أن لا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم)) (7).
المبحث الثاني: السعي الشديد بين العلامتين الخضراوين
يسن المشي بين الصفا والمروة إلا ما كان بين العلامتين الخضراوين (8)، فإنه يسن للرجال السعي الشديد بينهما (9)، وذلك في الأشواط السبعة (10).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - ((عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان صلى الله عليه وسلم يسعى بطن المسيل (11) إذا طاف بين الصفا والمروة)) (12).
_________
(1) انحدرت في المسعى. ((النهاية)) لابن الأثير (مادة: ص ب ب).
(2) ارتفعت قدماه عن بطن الوادي وخرجتا منه إلى طرفه الأعلى. ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 10).
(3) قال النووي: (قوله (ففعل على المروة مثل ما فعل على الصفا) فيه أنه يسن عليها من الذكر والدعاء والرقي مثل ما يسن على الصفا وهذا متفقٌ عليه) ((شرح مسلم)) للنووي (8/ 178).
(4) رواه مسلم (1218).
(5) رواه البيهقي (5/ 95) (9620). قال البيهقي: (أصح الروايات عن ابن مسعود). وقال ابن حجر: (موقوف صحيح الإسناد). ((الفتوحات الربانية)) (4/ 401)، وقال الألباني: (صح موقوفاً) ((حجة النبي)) (ص: 120).
(6) رواه البيهقي (5/ 95) (9621).
(7) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 545) (1379)، والبيهقي (5/ 94) (9614). قال الضياء المقدسي في ((السنن والأحكام)) (4/ 182): إسناده جيد، وقال النووي في ((المجموع)) (8/ 68): إسناده على شرط الشيخين، وصحح إسناده ابن تيمية في ((شرح العمدة - المناسك)) (2/ 457).
(8) وهما عبارة عن إنارة خضراء على جانبي المسعى يُعبر عنها في كتب الفقه بالميلين الأخضرين.
(9) قال ابن تيمية: (وإن لم يسع في بطن الوادي (يعني بين العلامتين الخضراوين) بل مشى على هيئته جميع ما بين الصفا والمروة أجزأه باتفاق العلماء ولا شيء عليه) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 128).
(10) قال ابن المنذر: (أجمعوا ألا رَمل على النساء حول البيت، ولا في السعي بين الصفا والمروة) ((الإجماع)) (ص: 55). وقال ابن عبدالبر: (وأجمعوا أن ليس على النساء رملٌ في طوافهن بالبيت ولا هرولةٌ في سعيهن بين الصفا والمروة) ((التمهيد)) (2/ 78). وقال النووي: (أما المرأة ففيها وجهان (الصحيح) المشهور وبه قطع الجمهور، أنها لا تسعي في موضع السعي بل تمشي جميع المسافة سواء كانت نهاراً أو ليلاً في الخلوة؛ لأنها عورة وأمرها مبني علي الستر ولهذا لا ترمل في الطواف ... ) ((المجموع)) (8/ 75).
(11) مسيل مياه الأمطار من الجبل. ((مقدمة فتح الباري)) لابن حجر (1/ 133)، والمراد: المكان الذي بين العلامتين الخضراوين.
(12) رواه البخاري (1617)، ومسلم (1261).


2 - عن جابر رضي الله عنه قال: (( ... حتى إذا انصبت قدماه (1) في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا (2) مشى)) (3).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على استحبابه ابن عبدالبر (4) والنووي (5).
المبحث الثالث: المشي بين الصفا والمروة للقادر عليه
المشي بين الصفا والمروة أفضل من الركوب إلا لمن كان له عذر.
الدليل:
الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك النووي (6) وابن قدامة (7)
مسألة: من سعى بين الصفا والمروة راكبا فله حالان:
الحال الأولى: أن يكون لعذر، فهذا جائز.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((طاف النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وليشرف عليهم ليسألوه فإن الناس غشوه)) (8).
2 - عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)) (9).
ثانيا: الإجماع:
نقل الإجماع على جواز ذلك ابن عبدالبر (10) وابن قدامة (11) وابن القيم (12).
الحال الثانية: من سعى بين الصفا راكباً بدون عذر فلأهل العلم فيه قولان:
_________
(1) انحدرت في المسعى. ((النهاية)) لابن الأثير (مادة: ص ب ب).
(2) ارتفعت قدماه عن بطن الوادي وخرجتا منه إلى طرفه الأعلى. ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 10).
(3) رواه مسلم (1218).
(4) قال ابن عبدالبر: (ولا خلاف في السعي في المسيل وهو الوادي بين الصفا والمروة، إلا أن من السلف من كان يسعى المسافة كلها بين الصفا والمروة منهم الزبير بن العوام وابنه عبدالله بن الزبير) ((الاستذكار)) (4/ 201).
(5) قال النووي: (قوله (وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة) هذا مجمعٌ على استحبابه، وهو أنه إذا سعى بين الصفا والمروة استحب أن يكون سعيه شديداً في بطن المسيل) ((شرح مسلم)) (9/ 7).
(6) قال النووي: (أجمعوا على أن الركوب في السعى بين الصفا والمروة ... المشي أفضل منه إلا لعذر) ((شرح مسلم)) (9/ 11).
(7) قال ابن قدامة: (ولا خلاف أن الطواف راجلاً أفضل) ((المغني)) (1/ 199).
(8) رواه مسلم (1273).
(9) رواه البخاري (464)، ومسلم (1276).
(10) قال ابن عبدالبر: (هذا ما لا خلاف فيه بين أهل العلم، كلهم يقول: إن من كان له عذرٌ أو اشتكى مرضاً أنه جائزٌ له الركوب في طوافه بالبيت، وفي سعيه بين الصفا والمروة، واختلفوا في جواز الطواف راكباً لمن لم يكن له عذرٌ أو مرض) ((التمهيد)) (13/ 99).
(11) قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في صحة طواف الراكب إذا كان له عذر) ((المغني)) (3/ 199).
(12) قال ابن القيم: (والطواف والسعي إذا عجز عنه ماشياً، فَعَلَه راكبا اتفاقاً) ((أعلام الموقعين)) (3/ 18).


القول الأول: يجوز السعي راكباً، ولا شيء عليه، وهذا مذهب الشافعية (1)، وهو قول طائفةٍ من السلف (2)، واختاره ابن حزم (3)، وابن قدامة (4)، والشنقيطي (5)، وابن باز (6).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - ((أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً وسعى راكباً)) (7)، وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا ما يسوغ فعله (8).
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد هذا محمد. حتى خرج العواتق من البيوت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه فلما كثر عليه ركب، والمشي والسعي أفضل)) (9).
ثانياً: أن الله تعالى أمر بالسعي مطلقاً، فكيفما أتى به أجزأه، ولا يجوز تقييد المطلق بغير دليل.
القول الثاني: لا يجوز السعي راكباً من غير عذر، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (10)، والمالكية (11)، والحنابلة (12)، وبه قال الليث ابن سعد وأبو ثور (13)، وابن عثيمين (14).
الأدلة:
أولاً: أن السعي بين الصفا والمروة فرض، فالقياس أن يجب المشي فيه إلا لعذر (15).
ثانياً: أنه لا دليل على جواز السعي راكباً، وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنما كان لعذرٍ فلا يلحق به من لا عذر له.
_________
(1) قال النووي: (اتفقوا على أن السعي راكباً ليس بمكروه، لكنه خلاف الأفضل؛ لأن سبب الكراهة هناك عند من أثبتها خوف تنجس المسجد بالدابة وصيانته من امتهانه بها، هذا المعنى منتفٍ في السعي، وهذا معنى قول صاحب الحاوي الركوب في السعي أخف من الركوب في الطواف) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 91)، ((المجموع)) (8/ 75،77)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (2/ 190).
(2) قال ابن المنذر: (كان أنس بن مالك يطوف بينهما على حمار، وقد روينا عن عطاء، ومجاهد أنهما سعيا على دابتين، وقال الشافعي: يجزيه إن فعل ذلك) ((الإشراف)) (3/ 294). وانظر: ((المجموع)) للنووي (8/ 77).
(3) قال ابن حزم: (والطواف والسعي راكباً جائز، وكذلك رمي الجمرة لعذرٍ ولغير عذر) ((المحلى)) (7/ 180).
(4) قال ابن قدامة: (فأما السعي راكباً فيجزئه لعذرٍ ولغير عذر) ((المغني)) (3/ 199).
(5) قال الشنقيطي: (اعلم أن أظهر أقوال أهل العلم دليلاً أنه لو سعى راكباً أو طاف راكباً أجزأه ذلك) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 321).
(6) قال ابن باز: (وإن سعى راكباً فلا حرج، ولا سيَّما عند الحاجة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 429).
(7) الحديث رواه مسلم (1264)، من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما.
(8) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 322).
(9) رواه مسلم (1264).
(10) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 78) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 134)، وعندهم أنه يلزمه إعادة السعي وإلا فعليه دم.
(11) ((المدونة)) لسحنون (1/ 428)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 253)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 151)، وعندهم أنه يلزمه إعادة السعي وإلا فعليه دم.
(12) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 481) ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 573)، وعندهم أنه يلزمه إعادة السعي.
(13) قال ابن عبدالبر: (وقال الليث بن سعد: الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة سواء، لا يجزئ واحدٌ منهما راكباً، إلا أن يكون له عذر، وكذلك قال أبو ثور: من سعى بين الصفا والمروة راكباً لم يجزه، وعليه أن يعيد، ثم قال: قول مالك والليث بن سعد وأبي ثور أسعد بظاهر الحديث وأقيس في قول من أوجب السعي بين الصفا والمروة فرضاً) ((التمهيد)) (2/ 96).
(14) قال ابن عثيمين: (طواف الإنسان محمولاً أو الطواف بالعربية وكذلك السعي بالعربية فيه خلافٌ بين العلماء منهم من يقول: لا يجزئ إلا لعذر، ومنهم من يقول يجوز للحاجة كتعليم الناس، والذي يظهر لي أنه لا يجوز إلا لعذرٍ كالمريض، أو رجل تعبان أيضاً ورجل يعلم الناس يطاف به محمولاً يعلم الناس كيفية الطواف، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين طاف على بعيره ليراه الناس ليتأسوا به، وأما بدون عذرٍ فلا يجوز) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (24/ 100).
(15) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (2/ 96).


الفصل الثامن: أنواع السعي في الحج
المبحث الأول: سعي المفرد والقارن
على المفرد والقارن سعي واحد للنسك، يقع بعد طواف القدوم، ولهما تأخيره إلى بعد طواف الإفاضة (1)
المبحث الثاني: سعي المتمتع
على المتمتع سعيان: سعي لعمرته، وسعي لحجته بعد طواف الإفاضة: يبدأ أولاً بعمرة تامة في أشهر الحج: فيطوف ويسعى، ثم يحلق أو يقصر، ويتحلل منها، ثم يحرم بالحج، وبعد الوقوف بعرفة يأتي بطواف للحج وسعي له (2).
مسألة:
بعد انتهاء المتمتع من الطواف والسعي فإنه يحلق أو يقصر، والتقصير أفضل إن كان قريبا من زمن الحج، ثم يحل بذلك له التحلل كله حتى جماع النساء، أما المفرد والقارن فيبقيان على إحرامهما بعد سعي الحج، ولا يتحللون إلا يوم النحر: وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
3 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان معه هدي فإنه لا يحل من شيءٍ حرم منه، حتى يقضي حجه، ومن لم يكن معه هدي، فليطف بالبيت، وبالصفا والمروة، وليقصر، وليحلل)) (7).
4 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أنه سُئِلَ عن متعة الحج فقال: أهلَّ المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلَّد الهدي، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: من قلَّد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله، ثم أمرنا عشية التروية أن نهلَّ بالحج، فإذا فرغنا من المناسك، جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وقد تم حجنا وعلينا الهدي)) (8).
5 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق الهدي معه، وقد أهلوا بالحج مفردا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحلوا من إحرامكم، فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصروا، وأقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج، واجعلوا التي قدمتم بها متعة، قالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ قال: افعلوا ما آمركم به، فإني لولا أني سقت الهدي، لفعلت مثل الذي أمرتكم به، ولكن لا يحل مني حرام، حتى يبلغ الهدي محله)) (9).
6 - عن نافع: ((أن ابن عمر أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير، فقيل له: إن الناس كائنٌ بينهم قتال، وإنا نخاف إن يصدوك، فقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21] إذًا أصنع كما صنع رسول الله عليه وسلم، إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة، ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجبت حجًا مع عمرتي، وأهدى هديًا اشتراه بقديد، ولم يزد على ذلك، فلم ينحر ولم يحل من شيءٍ حرم منه، ولم يحلق، ولم يقصر، حتى كان يوم النحر، فنحر، وحلق، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، وقال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (10).
ثانياً: أن سعي المتمتع هو سعيٌ لعمرته، فتعلق الحلق والتحلل بالانتهاء منها، أما سعي المفرد والقارن فإنما هو سعي الحج، وهو لا يتحلل به، وإنما يتحلَّل بأعمال يوم النحر، فلا معنى للحلق أو التحلُّل بعد هذا السعي (11).
_________
(1) انظر: أعمال القارن.
(2) انظر: أعمال المتمتع.
(3) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 149)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 43).
(4) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 370)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 819).
(5) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 65،66)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 46).
(6) قال ابن قدامة: (المتمتع الذي أحرم بالعمرة من الميقات، فإذا فرغ من أفعالها، وهي الطواف والسعي، قصر أو حلق، وقد حلَّ به من عمرته، إن لم يكن معه هدي؛ لما روى ابن عمر، قال: ((تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، قال للناس: من كان معه هديٌ، فإنه لا يحل من شيءٍ حرم منه، حتى يقضي حجه، ومن لم يكن معه هدي، فليطف بالبيت، وبالصفا والمروة، وليقصر، وليحلل)) متفقٌ عليه، ولا نعلم فيه خلافاً) ((المغني)) (3/ 353)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 488).
(7) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227).
(8) رواه البخاري (1572).
(9) رواه البخاري (1568)، ومسلم (1216).
(10) رواه البخاري (1640)، ومسلم (1230).
(11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 353)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 43).