الموسوعة
الفقهية الدرر السنية تمهيد: التعريف بيوم
التروية
يوم التروية (بفتح التاء المثناة) هو اليوم الثامن من ذي الحجة؛ وسمي بذلك
لأنهم كانوا يتروون يتزودون بحمل الماء معهم من مكة إلى عرفات، ويسقون،
ويستقون (1)، وقيل غير ذلك (2).
ويسمى أيضاً يوم النقلة؛ لأن الناس ينقلون فيه من مكة إلى منى (3).
_________
(1) ((القاموس المحيط)) للفيروز آبادي (مادة: روي)، ((المحكم والمحيط
الأعظم)) لابن سيده (مادة: روي)، ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: روي)،
وانظر ((المجموع)) للنووي (8/ 81).
(2) قال ابن حجر: (وقيل في تسميته التروية أقوال أخرى شاذة، منها: أن آدم
رأى فيه حواء واجتمع بها، ومنها أن إبراهيم رأى في ليلته أنه يذبح ابنه،
فأصبح متفكراً يتروى، ومنها: أن جبريل عليه السلام أرى فيه إبراهيم مناسك
الحج، ومنها: أن الإمام يعلم الناس فيه مناسك الحج، ووجه شذوذها أنه لو كان
من الأول لكان يوم الرؤية، أو الثاني لكان يوم التروي بتشديد الواو، أو من
الثالث لكان من الرؤيا، أو من الرابع لكان من الرواية)) ((فتح الباري)) (3/
507).
(3) انظر: ((المجموع)) للنووي (8/ 81).
الفصل الأول:
الإحرام في يوم التروية لمن كان حلالاً
يُستحَبُّ لمن كان بمكة متمتعاً واجداً الهدي أو كان من أهل مكة، أن يُحرم
يوم التروية ويهل بالحج، ويفعل كما فعل عند الإحرام من الميقات؛ من
الاغتسال والتطيب ولبس الإزار وغير ذلك، وهو قول الجمهور من الحنفية (1)،
والشافعية (2)، والحنابلة (3)، وابن حزم من الظاهرية (4)، وهو قول طائفة من
السلف (5).
الأدلة:
1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: ((فلما كان يوم التروية توجهوا
إلى منى فأهلوا بالحج)) (6)
2 - وعنه رضي الله عنه قال: ((أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالحج، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة، فكبر ذلك علينا وضاقت به
صدورنا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فما ندري أشيءٌ بلغه من السماء
أم شيءٌ من قبل الناس؟ فقال: أيها الناس أحلوا فلولا الهدي الذي معي فعلت
كما فعلتم، قال فأحللنا حتى وطئنا النساء، وفعلنا ما يفعل الحلال، حتى إذا
كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج)) (7).
3 - ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما ((أنه إذا كان بمكة يحرم بالحج يوم
التروية، فقال له عبيد بن جريح في ذلك، فقال: إني لم أر رسول الله صلى الله
عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته)) (8).
_________
(1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 24) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 361).
(2) ((المجموع)) للنووي (8/ 81) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 92).
(3) ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 386) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة
(3/ 421).
(4) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 117).
(5) قال النووي: (وثبت ذلك في الصحيحين عن ابن عمر من فعله، وبه قال بعض
المالكية وآخرون، منهم عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وأحمد وإسحاق وابن
المنذر وآخرون) ((المجموع)) (7/ 181).
(6) رواه مسلم (1218).
(7) رواه مسلم (1216).
(8) رواه البخاري (166)، ومسلم (1187).
الفصل الثاني:
الذهاب إلى منى
المبحث الأول: حكم الذهاب إلى منى في يوم التروية
يسن للحاج أن يخرج من مكة إلى منى يوم التروية بعد طلوع الشمس، فيصلي خمس
صلوات وهي: الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر يوم التاسع.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
حديث جابر رضي الله عنه قال: ((فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى وأهلوا
بالحج، وركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب
والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبةٍ من شعر تضرب له
بنمرة)) (1)
ثانيا: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (2)، وابن قدامة (3)، والنووي (4)، وابن
رشد (5).
المبحث الثاني: السنة أن يصلوا كل صلاة في وقتها قصرا بلا جمع
حكى ابن رشد الإجماع على ذلك (6).
الدليل:
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى
ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان صدراً من خلافته، ثم إن
عثمان صلى بعد أربعاً)) (7).
المبحث الثالث: هل يقصر أهل مكة بمنى؟
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:
القول الأول: يقصر أهل مكة بمنى، وهذا مذهب المالكية (8)، وهو اختيار ابن
تيمية (9)، وابن باز (10).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
_________
(1) رواه مسلم (1218)
(2) ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 308)
(3) قال ابن قدامة: (قال: (ومضى إلى منى، فصلى بها الظهر إن أمكنه؛ لأنه
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه صلى بمنى خمس صلوات) وجملة ذلك، أن
المستحب أن يخرج محرماً من مكة يوم التروية، فيصلي الظهر بمنى، ثم يقيم حتى
يصلي بها الصلوات الخمس، ويبيت بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك،
كما جاء في حديث جابر، وهذا قول سفيان، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب
الرأي، ولا نعلم فيه مخالفاً، وليس ذلك واجباً في قولهم جميعاً) ((المغني))
(3/ 365).
(4) قال النووي: (إذا خرجوا يوم التروية إلى منى، فالسنة أن يصلوا بها
الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، كما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة وهذا
لا خلاف فيه) ((المجموع)) (8/ 84).
(5) قال ابن رشد (واتفقوا على أن الإمام يصلي بالناس بمنى يوم التروية،
الظهر والعصر والمغرب والعشاء بها مقصورة) ((بداية المجتهد)) (1/ 346)
(6) قال ابن رشد (واتفقوا على أن الإمام يصلي بالناس بمنى يوم التروية،
الظهر والعصر والمغرب والعشاء بها مقصورة إلا أنهم أجمعوا على أن هذا الفعل
ليس شرطاً في صحة الحج لمن ضاق عليه الوقت) ((بداية المجتهد)) (1/ 346)
(7) رواه مسلم (694)
(8) قال مالك: (يصلي أهل مكة ومنى بعرفة ركعتين ركعتين ما أقاموا، يقصرون
بالصلاة حتى يرجعوا إلى أهليهم، وأمير الحاج أيضاً كذلك إذا كان من أهل مكة
قصر الصلاة بعرفة وأيام منى، قال وعلى ذلك الأمر عندنا) ((التمهيد)) لابن
عبدالبر (10/ 13)، وينظر: التمهيد (10/ 13، 14)، ((مواهب الجليل)) للحطاب
(4/ 170، 171)، ((حاشية العدوي)) (1/ 539).
(9) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 47)، وانظر: ((زاد المعاد)) لابن
القيم (1/ 481).
(10) قال ابن باز: (ويصلوا بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر،
والسنة أن يصلوا كل صلاةٍ في وقتها قصراً بلا جمع، إلا المغرب والفجر فلا
يقصران) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 67). وقال أيضاً: (ظاهر السنة
الصحيحة المعلومة من حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، أن جميع
الحجاج يقصرون في منى فقط من دون جمع، ويجمعون ويقصرون في عرفة ومزدلفة،
سواء كانوا آفاقيين أو من أهل مكة وما حولها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم
لم يقل لأهل مكة أتموا) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 255).
1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((صلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي
بكر، وعثمان صدراً من خلافته، ثم إن عثمان صلى بعد أربعا)) (1).
2 - عن عبدالرحمن بن يزيد، قال: صلى بنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بمنى
أربع ركعات، فقيل: ذلك لعبدالله بن مسعود رضي الله عنه، فاسترجع، ثم قال:
((صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وصليت مع أبي بكر
الصديق رضي الله عنه بمنى ركعتين، وصليت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه
بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان)) (2).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس من أهل مكة وغيرهم بمنى وعرفة
ومزدلفة قصراً، ولم يأمر أهل مكة بالإتمام، ولو كان واجباً عليهم لبينه لهم
(3).
القول الثاني: يتم أهل مكة بمنى، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (4)،
والشافعية (5)، والحنابلة (6)، واختاره ابن عثيمين احتياطاً (7).
الأدلة:
أولاً: عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((صلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم بمنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان صدراً من
خلافته، ثم إن عثمان صلى بعد أربعاً)) (8).
وجه الدلالة:
أن من أوجه تفسير سبب إتمام عثمان رضي الله عنه بمنى أنه تأهل بمكة، فلم
يكن مسافراً، فصلى صلاة المقيم، فدل على أن أهل مكة يتمون بمنى ولا يقصرون
(9).
ثانياً: أن المكي غير مسافر، فحكمه حكم المقيم، فيتم الصلاة، ولا يقصر،
وإنما يقصر من كان سفره سفراً تقصر في مثله الصلاة (10).
_________
(1) رواه مسلم (694)
(2) رواه البخاري (1657)، ومسلم (695)
(3) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 68)، (17/ 299).
(4) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 152)، وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن
تيمية (24/ 44).
(5) ((المجموع)) للنووي (8/ 88)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/
496).
(6) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/ 509).
(7) قال ابن عثيمين: (لكن بالنسبة لمنى في الوقت الحاضر محل تردد في أنها
سفر لأهل مكة؛ لأن البيوت اتصلت بها، فصارت كأنها حي من أحياء مكة، أما
مزدلفة وعرفة فهي خارج مكة فهي إلى الآن لم تصلها منازل، فالأحوط لأهل مكة
في منى أن يتموا الصلاة، لاسيما وأن المشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله
أن أهل مكة ليسوا مسافرين حتى في عرفة، لكن القول الراجح أنهم مسافرون؛
لأنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم في منى وفي عرفة ويقصرون،
وإنما بالنسبة لمنى في الوقت الحاضر أنا أتردد في أنها تعتبر سفراً بالنسبة
لأهل مكة، لأنها كما قلت أصبحت وكأنها حي من أحيائها) ((مجموع فتاوى ورسائل
العثيمين)) (23/ 242، 293)، وينظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/
63). ((الشرح الممتع)) (7/ 285).
(8) رواه مسلم (694)
(9) ينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)، ((شرح النووي على مسلم)) (5/
195)، ((فتح الباري)) لابن حجر (2/ 570).
(10) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 14)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)،
((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 439)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/
61).
الفصل الثالث: حكم
المبيت بمنى ليلة عرفة
يسن أن يبيت الحاج بمنى ليلة عرفة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة:
الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
الأدلة:
أولا: من السنة:
عن جابر رضي الله عنه قال: ((ثم مكث طويلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبةٍ من
شعر تضرب له بنمرة)) (5)
ثانيا: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك النووي (6)، وابن عبدالبر (7).
_________
(1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 24)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 503)، ((البحر
الرائق)) لابن نجيم (2/ 361).
(2) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 43)، ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 371).
(3) ((المجموع)) للنووي (8/ 84).
(4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 423)، ((كشاف القناع))
للبهوتي (2/ 491). قال ابن تيمية: (والسنة أن يبيت الحاج بمنى، فيصلون بها
الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ولا يخرجون منها حتى تطلع الشمس كما
فعل النبي صلى الله عليه وسلم) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 129)
(5) رواه مسلم (1218)
(6) قال النووي: (والسنة أن يبيتوا بمنى ليلة التاسع، وهذا المبيت سنةٌ ليس
بركنٍ ولا واجب، فلو تركه فلا شيء عليه، لكن فاتته الفضيلة وهذا الذي
ذكرناه من كونه سنة لا خلاف فيه) ((المجموع)) (8/ 84).
(7) قال ابن عبدالبر: (أما صلاته يوم التروية بمنى الظهر والعصر والمغرب
والعشاء والصبح، فكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي سنةٌ معمولٌ
بها عند الجميع مستحبةٌ ولا شيء عندهم على تاركها إذا شهد عرفة في وقتها)
((الاستذكار)) (4/ 323).
|