الموسوعة
الفقهية الدرر السنية الفصل الأول:
التعريف بيوم عرفة والفرق بينه وبين عرفات وسبب التسمية به
المبحث الأول: تعريف يوم عرفة:
يوم عرفة: هو التاسع من ذي الحجة.
وعرفة أو عرفات: موقف الحاج ذلك اليوم، وهي على نحو (20 كيلو متر تقريبا)
(1).
المبحث الثاني: الفرق بين عرفة وعرفات:
قال النيسابوري: عرفات جمع عرفة.
وقال الطبرسي: عرفات: اسمٌ للبقعة المعروفة التي يجب الوقوف بها، ويوم عرفة
يوم الوقوف بها (2).
المبحث الثالث: سبب تسمية عرفات:
قيل: سميت بذلك لأن آدم عليه السلام عرف حواء فيها.
وقيل: لأن جبريل عليه السلام عرَّف إبراهيم عليه السلام فيها المناسك.
وقيل: لتعارف الناس فيها (3).
وقيل: هي مأخوذة من العَرْف وهو الطيب؛ لأنها مقدسة (4).
_________
(1) انظر ((القاموس المحيط)) للفيروز آبادي، (مادة: عرف)، ((المصباح
المنير)) للفيومي (مادة: عرف)، ((المجموع)) للنووي (8/ 105 - 111)، ((كشاف
القناع)) للبهوتي (2/ 492) , ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (30/ 61).
(2) ((معجم الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص: 354)، ((القاموس
المحيط)) للفيروزآبادي (مادة: عرف).
(3) ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (مادة: عرف)، ((تحرير ألفاظ التنبيه))
للنووي (ص: 354)
(4) ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (مادة: عرف)، ((تفسير القرطبي)) (2/
415).
الفصل الثاني: فضل
يوم عرفة
المبحث الأول: فضل يوم عرفة للحاج
أولا: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما
من يومٍ أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار، من يوم عرفة، وإنه
ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟)) (1).
ثانيا: عن عمر بن الخطاب، أن رجلاً من اليهود قال: يا أمير المؤمنين، آية
في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً،
قال: أي آية؟ قال: اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: 3]
قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله
عليه وسلم، وهو قائمٌ بعرفة يوم جمعة (2).
المبحث الثاني: فضل يوم عرفة لغير الحاج:
أولا: عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي
بعده)) (3).
ثانيا: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه))، قالوا: ولا الجهاد؟ قال:
((ولا الجهاد، إلا رجلٌ خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء)) (4).
وجه الدلالة:
أن يوم عرفة هو اليوم التاسع من هذه الأيام العشر فيشمله ذلك الفضل.
_________
(1) رواه مسلم (1348).
(2) رواه البخاري (45)،ومسلم (3017).
(3) رواه مسلم (1162).
(4) رواه البخاري (969)
الفصل الثالث: حكم
الوقوف بعرفة
المبحث الأول: حكم الوقوف بعرفة
الوقوف بعرفة ركنٌ من أركان الحج، ولا يصح الحج إلا به، ومن فاته الوقوف
بعرفة فاته الحج.
الأدلة:
أولا: من القرآن
قال الله تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ
عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة: 198].
وجه الدلالة:
أن قوله: فَإِذَا أَفَضْتُمْ يدل على أن الوقوف بعرفة لا بد منه، وأنه أمرٌ
مسلَّم وأن الوقوف بالمزدلفة إنما يكون بعد الوقوف بعرفة (1).
ثانيا: من السنة:
1 - عن عبدالرحمن بن يعمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: ((الحج عرفة)) (2).
2 - عن عروة بن مضرس الطائي قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله إني جئت من جبل طيء،
أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبلٍ إلا وقفت عليه، فهل لي
من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا
حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد أتم حجه وقضى تفثه))
(3).
ثالثا: الإجماع:
نقل الإجماع على ركنيته: ابن عبدالبر (4)، وابن المنذر (5)، وابن قدامة
(6).
المبحث الثاني: ما المراد بالوقوف؟
المراد بالوقوف بعرفة: المكث فيها، لا الوقوف على القدمين (7)
الدليل:
أولا: من السنة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة راكبًا، ومعلومٌ أن الراكب على
البعير جالسٌ عليها وليس واقفاً عليها (8).
ثانيا: أن الوقوف قد يراد به السكون لا القيام (9).
_________
(1) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 382).
(2) رواه الترمذي (889)، وابن خزيمة (4/ 257) (2822)، والحاكم (2/ 305).
قال الترمذي: (حسنٌ صحيح)، وقال الحاكم: (صحيح ولم يخرجاه)، وقال ابن
عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 638): (لا أشرف ولا أحسن من هذا)، وصححه
النووي في ((المجموع)) (8/ 95)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي))
(3) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/
15) (16253). قال الترمذي: (حسنٌ صحيح)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني
الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في
((حلية الأولياء)) (7/ 221): (صحيحٌ ثابت)، وصححه النووي في ((المجموع))
(8/ 97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام
الموقعين)) (4/ 252).
(4) قال ابن عبدالبر: (أما الوقوف بعرفة فأجمع العلماء في كل عصرٍ وبكل مصر
فيما علمت أنه فرضٌ لا ينوب عنه شيء، وأنه من فاته الوقوف بعرفة في وقته
الذي لا بد منه فلا حج له) ((الإجماع)) لابن عبدالبر (168)
(5) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن الوقوف بعرفة فرض، ولا حج لمن فاته
الوقوف بها) ((الإجماع)) لابن المنذر (57).
(6) قال ابن قدامة: (والوقوف لا يتم الحج إلا به إجماعاً) ((المغني)) (3/
368).
(7) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 292).
(8) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 278).
(9) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 292).
الفصل الرابع: شروط
الوقوف بعرفة
المبحث الأول: أن يكون الوقوف في أرض عرفات
تمهيد
يشترط أن يكون الوقوف في أرض عرفات لا في غيرها، وعرفة كلها موقف (1).
الدليل:
أولا: من السنة:
1 - فعله صلى الله عليه وسلم، وقوله: ((لتأخذوا مناسككم)) (2).
2 - حديث جابر وفيه: (( ... وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف)) (3).
ثانيا: فعل الصحابة رضي الله عنهم، ولم يثبت أن أحدًا منهم وقف خارج عرفات.
المطلب الأول: ما هي حدود عرفات؟
لعرفات أربعة حدود:
أحدها: ينتهي إلى حافة طريق المشرق.
والثاني: إلى حافات الجبل الذي وراء أرض عرفات.
والثالث: إلى البساتين التي تلي قرية عرفات، وهذه القرية على يسار مستقبل
الكعبة إذا وَقَفَ بأرضِ عرفات.
والرابع: ينتهي إلى وادي عرنة. (4).
وقد وُضِعَت الآن علاماتٌ حول أرض عرفة تبين حدودها، ويجب على الحاج أن
يتنبه لها؛ لئلا يقع وقوفه خارج عرفة، فيفوته الحج (5).
المطلب الثاني: حكم الوقوف بوادي عرنة (6).
لا يصح الوقوف بوادي عرنة، ولا المسجد المسمَّى: مسجد إبراهيم (7)، ويقال
له أيضاً: مسجد عرنة، بل هذه المواضع خارجة عن عرفات، وهذا باتفاق المذاهب
الفقهية: الحنفية (8)، والمالكية في المشهور (9)، والشافعية (10) والحنابلة
(11) وحكى الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (12)، والقاضي عياض (13)، وسند
(14)، والزيلعي (15).
الدليل:
_________
(1) قال النووي: (يصح الوقوف في أي جزءٍ كان من أرض عرفات بإجماع العلماء)
((المجموع)) (8/ 105).
(2) رواه مسلم (1297)
(3) رواه مسلم (1218)
(4) ((المجموع)) للنووي (8/ 107).
(5) ((القاموس المحيط)) للفيروز آبادي (مادة: ع ر ف)، و ((المصباح المنير))
للفيومي (مادة: ع ر ف)، ((المجموع)) للنووي (8/ 105 - 111)، ((كشاف
القناع)) للبهوتي (2/ 492) , ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (30/ 61).
(6) وادي عرنة: واد بحذاء عرفات بين العلمين اللذين على حد الحرم.
((النهاية في غريب الحديث والأثر)) (مادة: عرن)، ((لسان العرب)) (مادة:
عرن)، ((حاشية العدوي)) (1/ 539).
(7) المراد بإبراهيم: ابن محمد العباسي، وقد بُني المسجد في في الدولة
العباسية علامة على الموضع الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الظهر
والعصر يوم عرفة، وقد تم وضع علامات لتحديد ماهو من عرفة وما هو من عرنة.
جامع المسائل لابن تيمية - عزير شمس (4/ 160)، وينظر: ((مرقاة المفاتيح))
(5/ 1771).
(8) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 125).
(9) قال الحطاب: (فتحصل في بطن عرنة ثلاثة أقوال الصحيح أنه ليس من عرفة
ولا من الحرم) ((مواهب الجليل)) (4/ 135، 136)، ((حاشية العدوي على كفاية
الطالب الرباني)) (1/ 539)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (8/ 120 - 122).
(10) ((المجموع)) للنووي (8/ 107).
(11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367).
(12) قال ابن عبدالبر: (ليس المسجد موضع وقوف؛ لأنه فيما أحسب من بطن عرنة
الذي أمر الواقف بعرفة أن يرتفع عنه؛ وهذا كله أمرٌ مجتمعٌ عليه لا موضع
للقول فيه) ((التمهيد)) (13/ 158). وقال أيضاً: (أجمع الفقهاء على أن من
وقف به لا يجزئه) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 428).
(13) قال القاضي عياض: ((اتفق العلماء على أنه لا موقف فيه [يعني بطن
عرنة])) ((إكمال المعلم)) (4/ 154).
(14) قال الحطاب: (حكى سند الاتفاق على أن بطن عرنة ليس من عرفة ولا يجزئ
الوقوف به) ((مواهب الجليل)) (4/ 136)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (8/ 120
- 122).
(15) قال الزيلعي: (عرفات كلها موقف إلا بطن عرنة) ... وعليه إجماع
المسلمين فيكون حجةً على مالك في تجويز الوقوف ببطن عرنة وإيجاب الدم عليه)
((تبيين الحقائق)) (2/ 25).
حديث: ((ارفعوا عن بطن عرنة)) (1)، فلا
يجزيه أن يقف بمكان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يقف به (2).
المطلب الثالث: هل نمرة من عرفة؟
نَمِرة (3) ليست من عرفة، ولا من الحرم، وإنما يُستحبُّ النزول بها بعد
طلوع الشمس قبل النزول بعرفة (4).
الدليل:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال في حديثه الطويل في صفة حجة
النبي صلى الله عليه وسلم: ((فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى
عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر
بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس)) (5).
وجه الدلالة:
أن فيه استحباب النزول بنمرة اذا ذهبوا من منى؛ لأن السنة أن لا يدخلوا
عرفات، إلا بعد زوال الشمس وبعد صلاتي الظهر والعصر جمعاً (6).
مسألة:
مسجد نمرة والذي كان يسمى مسجد إبراهيم، يقع مقدمته في عرنة خارج عرفات،
والتي فيها محل الخطبة والصلاة، ويقع آخره في عرفة، وقد ميز بينهما
بعلامات، وقد كان قديما يميز بينهما بصخراتٍ كبارٍ فرشت هناك (7).
المطلب الرابع: حكم من وقف بعرفة وهو لا يعلم أنه عرفة
_________
(1) رواه أحمد (1/ 219) (1896)، وابن خزيمة (4/ 254) (2816)، والحاكم (1/
633)، والبيهقي (5/ 115) (9731). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال
الحاكم: (صحيحٌ على شرط مسلم)، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام
الصغرى)) (435)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (903). قال الباجي:
(وقوله صلى الله عليه وسلم ارتفعوا عن بطن عرنة يحتمل معنيين: أحدهما أن
تكون عرنة من جملة ما يقع عليه اسم عرفة فيكون ذلك استثناء مما عممه بقوله
عرفة كلها موقف، فكأنه قال صلى الله عليه وسلم عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة
... ويؤيد هذا التأويل أنه لم يمد عرفة من غير جهة عرنة واقتصر على أن يكون
الموقف يختص بالموضع الذي يتناوله هذا الاسم، فدل ذلك على أنه احتاج إلى
استثنائها كما لم يستثن ما ليس من عرفة من سائر الجهات، وإن كنا نعلم أنه
لا يجوز الوقوف به، ويحتمل أن تكون عرنة ليست من عرفة ولا يتناولها اسمها
فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم وارتفعوا عن بطن عرنة على معنى قصر هذا
الحكم على عرفة وما قرب منها؛ ولذلك قال ارتفعوا عن بطن عرنة مع قربه من
عرفة) ((شرح الموطأ)) (2/ 319).
(2) ((الإشراف)) لابن المنذر 3/ 311، و ((التمهيد)) لابن عبدالبر 24/ 420.
(3) نَمِرة: موضعٌ معروفٌ بقرب عرفات خارج الحرم بين طرف الحرم وطرف عرفات،
وعليه أنصاب الحرم، وفيها كان ينزل خلفاؤه الراشدون، وبها الأسواق وقضاء
الحاجة والأكل ونحو ذلك. ((المجموع)) للنووي (8/ 81)، ((مجموع الفتاوى))
(26/ 161).
(4) قال النووي: (أما نمرة فليست أيضاً من عرفات بل بقربها، هذا هو الصواب
الذي نص عليه الشافعي في مختصر الحج الأوسط وفي غيره وصرح به أبو علي
البندنيجي والأصحاب ونقله الرافعي عن الأكثرين، وقال صاحب الشامل وطائفة:
هي من عرفات. وهذا الذي نقله غريبٌ ليس بمعروفٍ ولا هو في الشامل ولا هو
صحيح، بل إنكار للحس ولما تطابقت عليه كتب العلماء) ((المجموع)) للنووي (8/
85)، وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 129، 130، 161)، ((حاشية
العدوي)) (1/ 538)، ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: نمر).
(5) رواه مسلم (1218)
(6) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 180)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام
(2/ 468).
(7) ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 296))، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (81/
862).
من وقف بعرفة محرماً في زمن الوقوف وهو لا
يعلم أنه بعرفة، فإنه يجزئه باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (1)،
والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
الأدلة:
أولاً: عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((وقد أتى عرفات، قبل ذلك ليلاً أو
نهاراً)) (5)
ثانياً: أنه لا تشترط النية لصحة الوقوف بعرفة (6).
ثالثاً: أن الركن قد حصل وهو الوقوف ولا يمتنع ذلك بالإغماء والنوم كركن
الصوم (7).
رابعاً: أنه وقف بها في زمن الوقوف وهو مكلف، فأشبه إذا علم أنها عرفة (8).
المطلب الخامس: حكم من وقف بغير أرض عرفات:
إن غلط الناس فوقفوا في غير أرض عرفات، يظنونها عرفات لم يجزئهم، ويلزمهم
القضاء سواء كانوا جمعاً كثيراً أو قليلاً.
الأدلة:
أولاً: الإجماع:
نقله النووي (9).
ثانياً: أن الوقوف بأرض عرفات شرطٌ من شروط صحة الوقوف.
ثالثاً: لتفريطهم (10).
المبحث الثاني: أن يكون الوقوف في زمان الوقوف
تمهيد:
يشترط لصحة الوقوف بعرفة أن يكون في وقت الوقوف
الأدلة:
أولا: من السنة:
وقوفه صلى الله عليه وسلم في زمن الوقوف، وقوله: ((لتأخذوا مناسككم)) (11).
ثانياً: الإجماع:
نقله ابن حزم (12).
المطلب الأول: أول وقت الوقوف بعرفة:
_________
(1) ((الهداية)) للمرغياني (1/ 151)، و ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 50).
(2) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (4/ 286).
(3) ((المجموع)) للنووي (8/ 94،119).
(4) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 494).
(5) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/
15) (16253). قال الترمذي: (حسنٌ صحيح)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني
الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في
((حلية الأولياء)) (7/ 221): (صحيحٌ ثابت)، وصححه النووي في ((المجموع))
(8/ 97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام
الموقعين)) (4/ 252).
(6) قال النووي: (لو وقف بعرفة ناسياً أجزأه بالإجماع) ((المجموع)) للنووي
(8/ 17)، وينظر: ((كشاف القناع)) البهوتي (2/ 494)، ((المجموع)) للنووي (8/
17)
(7) ((الهداية)) للمرغياني (1/ 151).
(8) ((المغني)) لابن قدامة 3/ 372.
(9) قال النووي: (إن غلطوا في المكان فوقفوا في غير أرض عرفات يظنونها
عرفات لم يجزهم بلا خلاف) ((المجموع)) (8/ 292)، وانظر: ((الموسوعة الفقهية
الكويتية)) (19/ 155).
(10) ((المجموع)) للنووي (8/ 292).
(11) رواه مسلم (1297)
(12) قال ابن حزم: (فصح أن كل من وقف بها أجزأه ما لم يقف في وقتٍ لا يختلف
اثنان في أنه لا يجزيه فيه) ((المحلى)) (7/ 191رقم 858) ..
يبدأ الوقوف بعرفة من زوال الشمس يوم
التاسع من ذي الحجة، وهو قول الجمهور (1) من الحنفية (2) والمالكية (3)
والشافعية (4) ورواية عن أحمد (5). وحكى الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (6)،
وابن حزم (7)، والقرطبي (8).
الأدلة:
أولا: من السنة:
1 - فعله صلى الله عليه وسلم، كما في حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي
صلى الله عليه وسلم: «فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة،
فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء،
فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس» (9)، وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم))
(10).
ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعد الزوال، وكذلك الخلفاء
الراشدون فمن بعدهم إلى اليوم، وما نُقِلَ أن أحدًا وقف قبل الزوال (11).
المطلب الثاني: آخر وقت الوقوف بعرفة:
ينتهي الوقوف بعرفة بطلوع فجر يوم النحر، فمن أتى إلى عرفة بعد فجر يوم
النحر فقد فاته الحج
الأدلة:
أولا من السنة:
1 - عن عروة بن مضرس الطائي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من شهد
صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً
فقد تم حجه وقضى تفثه)) (12).
ثانياً: الإجماع:
_________
(1) قال القاضي أبو الطيب والعبدري: (هو قول العلماء كافة إلا أحمد فإنه
قال: وقته ما بين طلوع الفجر يوم عرفة وطلوعه يوم النحر) ((المجموع))
للنووي (8/ 120)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 259).
(2) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 125).
(3) ((الكافي)) لابن عبدالبر 1/ 359، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 37).
(4) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 97).
(5) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 29).
(6) قال ابن عبدالبر: (ولا يجزئ الوقوف بالنهار قبل الزوال بإجماع، ولا حكم
له، وإنما أول وقت الوقوف بعد جمع الصلاتين: الظهر والعصر في أول وقت
الظهر) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/ 359).
(7) قال ابن حزم: (فصح أن كل من وقف بها أجزأه ما لم يقف في وقتٍ لا يختلف
اثنان في أنه لا يجزيه فيه. وقد تيقن الإجماع من الصغير, والكبير, والخالف,
والسالف: أن من وقف بها قبل الزوال من اليوم التاسع من ذي الحجة أو بعد
طلوع الفجر من الليلة الحادية عشرة من ذي الحجة فلا حج له) ((المحلى)) (7/
191رقم 858). وقال أيضاً: (وأجمعوا أن وقت الوقوف ليس قبل الظهر في التاسع
من ذي الحجة) ((مراتب الإجماع)) (42). وتعقبه شيخ الإسلام قائلا: قلت: (أحد
القولين بل أشهرهما في مذهب أحمد أنه يجزئ الوقوف قبل الزوال وإن أفاض قبل
الزوال لكن عليه دم كما لو أفاض قبل الغروب) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42)
(8) وقال القرطبي: (أجمع أهل العلم على أن من وقف بعرفة يوم عرفة قبل
الزوال، ثم أفاض منها قبل الزوال أنه لا يُعتدُّ بوقوفه ذلك قبل الزوال)
((تفسير القرطبي)) (2/ 415).
(9) رواه مسلم (1218)
(10) رواه مسلم (1297)
(11) ((المجموع)) للنووي (8/ 120).
(12) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/
15) (16253). قال الترمذي: (حسنٌ صحيح)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني
الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في
((حلية الأولياء)) (7/ 221): (صحيحٌ ثابت)، وصححه النووي في ((المجموع))
(8/ 97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام
الموقعين)) (4/ 252).
نقله ابن المنذر (1)، وابن حزم (2)،وابن
عبدالبر (3)، وابن قدامة (4).
المسألة الأولى: ما هو قدر الوقوف المجزئ؟
من وقف بعرفة ولو لحظة من زوال شمس يوم التاسع إلى فجر يوم العاشر، قائمًا
كان أو جالسًا أو راكبًا فإنه يجزئه، وهو مذهب الجمهور: الحنفية (5)،
والشافعية (6) والحنابلة (7).
الدليل:
عن عروة بن مضرس الطائي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من شهد صلاتنا
هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم
حجه وقضى تفثه)) (8).
ثانياً: أنه إذا وقف لحظةً في زمن الوقوف صدق عليه أنه وقف بعرفات.
المسألة الثانية: إلى متى يجب الوقوف بعرفة لمن وافاها نهارا؟
_________
(1) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن الوقوف بعرفة فرض، ولا حج لمن فاته
الوقوف بها) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص 57).
(2) قال ابن حزم: (قد تيقن الإجماع من الصغير, والكبير, والخالف, والسالف:
أن من وقف بها قبل الزوال من اليوم التاسع من ذي الحجة أو بعد طلوع الفجر
من الليلة الحادية عشرة من ذي الحجة فلا حج له) ((المحلى)) (7/ 191رقم
858). ملاحظة: لعل قول ابن حزم: (من الليلة الحادية عشر) سبق قلم، ولعل
الصواب من الليلة العاشرة.
(3) قال ابن عبدالبر: (وذكر مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قصة
أبي أيوب إذ فاته الحج، وذكر عن نافع عن سليمان بن يسار قصة هبار بن الأسود
إذ فاته الحج أيضاً، فأمرهما عمر بن الخطاب كل واحدٍ منهما أن يحل بعمل
عمرة ثم يحج من قابل ويهدي، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعةٍ إذا
رجع، وهذا أمرٌ مجتمعٌ عليه فيمن فاته الحج بعد أن أحرم به ولم يدرك عرفة
إلا يوم النحر) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 201).
(4) قال ابن قدامة: (آخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر، فمن لم يدرك الوقوف
حتى طلع الفجر يومئذٍ فاته الحج، لانعلم فيه خلافًا) ((المغني)) (3/ 454)،
الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة (3/ 433).
(5) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 126).
(6) ((المجموع)) للنووي (8/ 103)
(7) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 494).
(8) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/
15) (16253). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني
الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في
((حلية الأولياء)) (7/ 221): (صحيح ثابت)، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/
97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام
الموقعين)) (4/ 252).
يجب الوقوف بعرفة لمن وافاها نهارًا إلى
غروب الشمس، ولا يجوز له الدفع قبل الغروب، فإن دفع أجزأه الوقوف وعليه دم،
وهذا مذهب الحنفية (1) والحنابلة (2) وهو قول للمالكية (3)، والشافعية (4)،
واختاره اللخمي وابن العربي، ومال إليه ابن عبدالبر (5) وهو اختيار ابن باز
(6) واستحسنه ابن عثيمين (7).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
حديث جابر: ((حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء. فرحلت له. فأتي بطن الوادي.
فخطب الناس ... ثم أذن. ثم أقام فصلى الظهر. ثم أقام فصلى العصر. ولم يصل
بينهما شيئاً. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى أتى الموقف)) (8)
وجه الدلالة:
أن مكث النبي صلى الله عليه وسلم فيها إلى الغروب مع كون الدفع بالنهار
أرفق بالناس يدل على وجوبه لأنه لو كان جائزاً لاختاره النبي صلى الله عليه
وسلم فإنه: ((ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً)) (9).
ثانياً: أن تأخير الرسول صلى الله عليه وسلم الدفع إلى ما بعد غروب الشمس،
ثم مبادرته به قبل أن يصلي المغرب مع أن وقت المغرب قد دخل يدل على أنه لا
بد من البقاء إلى هذا الوقت (10).
ثالثاً: أن في الدفع قبل الغروب مشابهة لأهل الجاهلية حيث يدفعون قبل غروب
الشمس، إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال، كعمائم الرجال على رؤوس الرجال
(11).
رابعاً: أنه لو كان جائزًا لرخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة أن
يتقدموا من عرفة إلى مزدلفة قبل الغروب.
المسألة الثالثة: حكم من دفع قبل غروب شمس التاسع ثم عاد قبل فجر العاشر
_________
(1) ((شرح فتح القدير)) لابن الهمام (2/ 478)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم
(2/ 366).
(2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 370).
(3) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 132)،
(4) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 97)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج))
الرملي (3/ 299).
(5) قال ابن عبدالبر: (لا نعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بقول مالك، ولا
روينا عن أحد من السلف، وقال سائر العلماء: كل من وقف بعرفة بعد الزوال أو
في ليلة النحر فقد أدرك الحج) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 21)، وينظر:
((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 132).
(6) قال ابن باز: (من وقف بعد الزوال أجزأه فإن انصرف قبل المغرب فعليه دم
إن لم يعد إلى عرفة ليلا ًأعني ليلة النحر) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/
142).
(7) قال ابن عثيمين: (ولو قيل بالقول الثالث الذي يلزمه الدم إذا دفع قبل
الغروب مطلقاً، إلا إذا كان جاهلاً ثم نبه فرجع ولو بعد الغروب فلا دم
عليه، لكان له وجه؛ وذلك لأنه إذا دفع قبل الغروب فقد تعمد المخالفة فيلزمه
الدم بالمخالفة، ورجوعه بعد أن لزمه الدم بالمخالفة لا يؤثر شيئاً، أما إذا
كان جاهلاً ودفع قبل الغروب، ثم قيل له: إن هذا لا يجوز فرجع ولو بعد
الغروب، فإنه ليس عليه دم، وهذا أقرب إلى القواعد مما ذهب إليه المؤلف)
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 301).
(8) رواه مسلم (1218)
(9) رواه البخاري (6786)، انظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 387،
388).
(10) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 388، 389).
(11) ((شرح فتح القدير)) لابن الهمام (2/ 477)، ((الشرح الممتع)) لابن
عثيمين (7/ 388).
من دفع قبل غروب شمس يوم التاسع ثم عاد قبل
فجر يوم النحر أجزأه الوقوف, هولا شيء عليه، وهو قول الجمهور من المالكية
(1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، وهو قول للحنفية (4)، واختاره الكمال
ابن الهمام (5).
وذلك للآتي:
أولا: أنه استدرك ما فاته وأتى بما عليه, لأن الواجب عليه الإفاضة بعد غروب
الشمس, وقد أتى به فيسقط عنه الدم كمن جاوز الميقات حلالاً ثم عاد إلى
الميقات وأحرم (6).
ثانياً: أنه لو وقف بها ليلاً دون النهار لم يجب عليه دم (7).
ثالثاً: أنه أتى بالواجب وهو الجمع بين الليل والنهار (8).
المسألة الرابعة: حكم من وقف بعرفة ليلا فقط
من لم يقف بعرفة إلا ليلة العاشر من ذي الحجة فإنه يجزئه ولا يلزمه شيء،
ولكن فاتته الفضيلة.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي أن ناساً من أهل نجد أتوا رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو بعرفة، فسألوه فأمر مناديا فنادى: الحج عرفة، من جاء
ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج)) (9).
2 - عن عروة بن مضرس الطائي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من شهد
صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً
فقد تم حجه وقضى تفثه)) (10).
ثانياً: الإجماع:
_________
(1) ((المدونة الكبرى)) لمالك (1/ 422)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 132).
(2) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 174)، ((المجموع)) للنووي (8/ 119).
(3) ((الإنصاف)) للماوردي (4/ 24)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 495).
(4) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 50، 51).
(5) قال الكمال ابن الهمام: (الواجب مقصود النفر بعد الغروب ووجوب المد
ليقع النفر كذلك فهو لغيره، وقد وجد المقصود فسقط ما وجب له كالسعي للجمعة
في حق من في المسجد. وغاية الأمر فيه أن يهدر ما وقفه قبل دفعه في حق
الركن، ويعتبر عوده الكائن في الوقت ابتداء وقوفه، أليس بذلك يحصل الركن من
غير لزوم دم). ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 478).
(6) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 51).
(7) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 174).
(8) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 495).
(9) رواه الترمذي (889)، وابن خزيمة (4/ 257) (2822)، والحاكم (2/ 305).
قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه، وقال ابن عبدالبر في
((الاستذكار)) (3/ 638): (لا أشرف ولا أحسن من هذا) وصححه النووي في
((المجموع)) (8/ 95)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(10) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/
15) (16253). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني
الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في
((حلية الأولياء)) (7/ 221): صحيح ثابت، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/
97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام
الموقعين)) (4/ 252).
نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (1) ,
وابن عبدالبر (2)، وابن قدامة (3) , النووي (4).
المسألة الخامسة: الخطأ في زمن الوقوف
أولاً: الخطأ في زمن الوقوف بالتقديم
إذا كان الخطأ في التقديم: بأن أخطأ الناس جميعاً فوقفوا يوم الثامن يوم
التروية وأمكن أن يقفوا في التاسع فإنه لا يجزئ، وهذا مذهب الجمهور من
الحنفية (5) , والمالكية في المشهور (6)، والشافعية (7)، وذلك لأن التدارك
ممكن في الجملة بأن يزول الاشتباه في يوم عرفة (8).
ثانياً: الخطأ في زمن الوقوف بالتأخير
إذا كان الخطأ في التأخير بأن أخطأ الناس فوقفوا يوم النحر
وكان الخطأ من الجميع أو الأكثر فحجهم صحيح باتفاق المذاهب الأربعة:
الحنفية (9)، والمالكية (10)، والشافعية (11)، والحنابلة (12).نقل النووي
الاتفاق على ذلك (13).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
حديث: (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) (14)
ثانياً: أن الهلال هو اسم لما اشتهر عند الناس وعملوا به لا لما يطلع في
السماء (15).
ثالثاً: أن في القول بعد الإجزاء حرج شديد؛ لعموم البلوى به، وتعذر
الاحتراز عنه، والتدارك غير ممكن، وفي الأمر بقضاء الحجيج كلهم حرج بين،
فوجب أن يكتفى به عند الاشتباه (16).
رابعاً: أنهم فعلوا ما أمروا به، ومن فعل ما أمر به على وجه ما أمر به فإنه
لا يلزمه القضاء؛ لأننا لو ألزمناه بالقضاء لأوجبنا عليه العبادة مرتين
(17).
المبحث الثالث: أن يكون الواقف أهلاً للحج
_________
(1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على من وقف بها من ليل، أو نهار بعد زوال
الشمس من يوم عرفة أنه مدرك للحج، وانفرد مالك، فقال: عليه الحج من قابل).
((الإجماع)) لابن المنذر (57). ملاحظة: انفراد مالك هو في قوله بعدم
الإجزاء في الوقوف نهارا بعد الزوال، لأن الركن عنده الوقوف بالليل.
(2) قال ابن عبدالبر: (أجمع المسلمون أن الوقوف بعرفة ليلاً يجزئ عن الوقوف
بالنهار). ((الإجماع)) لابن عبدالبر (169).
(3) قال ابن قدامة: (من لم يدرك جزءاً من النهار، ولا جاء عرفة، حتى غابت
الشمس، فوقف ليلاً، فلا شيء عليه، وحجه تام. لا نعلم فيه مخالفاً)
((المغني)) لابن قدامة (3/ 371)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة
(3/ 436).
(4) قال النووي: (أما من لم يحضر عرفات إلا في ليلة النحر فحصل فيها قبل
الفجر- وقيل بالمذهب إنه يصح وقوفه – فلا دم عليه بلا خلاف، وإنما الخلاف
فيمن وقف نهاراً ثم انصرف قبل الغروب لأنه مقصر بالاعراض وقطع الوقوف والله
أعلم) ((المجموع)) للنووي (8/ 102).
(5) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 51)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 618).
(6) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 259)، ((التاج والإكليل)) للعبدري (3/ 95).
(7) ((المجموع)) للنووي (8/ 293).
(8) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 618).
(9) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 51)، و ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 618).
(10) ((حاشية الدسوقي)) (2/ 37).
(11) ((المجموع)) للنووي (8/ 292).
(12) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 513)، و ((الإنصاف))
للمرداوي (4/ 66).
(13) قال النووي: (اتفقوا على أنهم إذا غلطوا فوقفوا في العاشر وهم جمع
كثير على العادة أجزأهم). ((المجموع)) للنووي (8/ 293).
(14) رواه الترمذي (697)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 164). من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن غريب، وصححه ابن العربي في ((عارضة
الأحوذي)) (2/ 159)، وابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 280)، وحسن إسناده
النووي في ((المجموع)) (6/ 283).
(15) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 525)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/
414).
(16) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 618).
(17) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 414، 415).
يشترط في صحة الوقوف بعرفة أن يكون الواقف
أهلاً للحج، وذلك كما يلي:
أولاً: أن يكون مسلماً؛ لأن غير المسلم لا يصح منه الحج (1).
ثانياً: أن يكون محرماً؛ لأن غير المحرم ليس أهلاً للحج، ولم يكن في إحرام
حتى يصح منه الوقوف (2).
ثالثاً: أن يكون عاقلاً؛ لأن المجنون لا يصح وقوفه إذ إنه فاقد لعقله الذي
هو مناط التكليف (3).
المبحث الرابع: حكم من وقف بعرفة على غير طهارة
يجزئ الوقوف بعرفة على غير طهارة، ولا شيء عليه ولكن يستحب له أن يكون على
طهارة (4).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((اصنعي كل ما يصنع
الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) (5) ..
وجه الدلالة:
أن استثناء الطواف من عمل الحائض في الحج حتى تطهر، يدل على عدم اشتراط
الطهارة لغيره من أعمال الحاج، ومن جملة ذلك الوقوف بعرفة.
2 - عن عروة بن مضرس الطائي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من شهد
صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهارا
ًفقد تم حجه وقضى تفثه)) (6).
وجه الدلالة:
أن هذا الحديث وغيره من أحاديث الوقوف بعرفة مطلق عن شرط الطهارة (7).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (8)، وابن قدامة (9).
المبحث الخامس: هل يشترط ستر العورة واستقبال القبلة للوقوف بعرفة؟
لا يشترط للواقف بعرفة أن يستر عورته أو أن يستقبل القبلة، وحكاه ابن قدامة
إجماعًا (10).
المبحث السادس: حكم وقوف النائم
من وقف بعرفة وهو نائم فقد أدرك الحج باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية
(11)، والمالكية (12)، والشافعية (13)، والحنابلة (14).
وذلك للآتي:
أولاً: أنه أتى بالقدر المفروض، وهو حصوله كائنا بعرفة (15).
ثانياً: أنه نسك غير متعلق بالبيت فلا تشترط له الطهارة، كرمي الجمار (16).
ثالثاً: أن النائم في حكم المستيقظ فهو من أهل العبادات، لذا فإنه إن نام
في جميع النهار صح صومه (17).
المبحث السابع: حكم وقوف المغمى عليه
_________
(1) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 298).
(2) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 298).
(3) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 298).
(4) قال الإمام أحمد: (يستحب أن يشهد المناسك كلها على وضوء). انظر:
((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 435).
(5) رواه مسلم (1211).
(6) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/
15) (16253). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني
الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في
((حلية الأولياء)) (7/ 221): صحيح ثابت، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/
97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام
الموقعين)) (4/ 252).
(7) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 127).
(8) (57) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أنه من وقف بعرفات على غير طهارة،
أنه مدرك للحج ولا شيء عليه). ((الإجماع)) لابن المنذر (57)
(9) قال ابن قدامة: (ولا يشترط للوقوف طهارة ولا ستارة ولا استقبال ولا نية
ولا نعلم في ذلك خلافاً). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 372).
(10) قال ابن قدامة: (ولا يشترط للوقوف طهارة ولا ستارة ولا استقبال ولا
نية ولا نعلم في ذلك خلافاً). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 372).
(11) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 127).
(12) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 133).
(13) ((المجموع)) للنووي (8/ 94).
(14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 372).
(15) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 127).
(16) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 127).
(17) انظر: ((المجموع)) للنووي (8/ 94).
من وقف بعرفة وهو مغمى عليه فإنه يجزئه
الوقوف، وهو مذهب الحنفية (1)، والمالكية (2)، ووجه عند الشافعية (3)،
وتوقف فيه أحمد (4)، واختاره الشنقيطي (5) , وابن عثيمين (6).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن عروة بن مضرس الطائي قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالموقف -
يعني بجمع - فقلت: يا رسول الله, أهلكت مطيتي, واتعبت نفسي, والله ما تركت
من جبل إلا وقفت عليه, فهل لي من حج؟ فقال صلى الله عليه وسلم: من أدرك
معنا هذه الصلاة وأتى قبل ذلك عرفات ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى
تفثه)) (7).
وجه الدلالة:
أن من وقف بعرفة وهو مغمى عليه فقد أتى بالقدر المفروض، وهو حصوله كائناً
بعرفة، فحصل الركن، ولا يمتنع ذلك بالإغماء والنوم كركن الصوم (8).
ثانياً: أن الوقوف ليس بعبادة مقصودة ولهذا لا يتنفل به، فوجود النية في
أصل العبادة وهو الإحرام يغني عن اشتراطه في الوقوف (9).
ثالثاً: أن الوقفوف بعرفة لا يعتبر له نية ولا طهارة، ويصح من النائم، فصح
من المغمى عليه، كالمبيت بمزدلفة (10).
_________
(1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 51)، و ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 127)،
((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 151).
(2) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 133).
(3) ((المجموع)) للنووي (8/ 104).
(4) قال ابن قدامة: (وقد توقف أحمد - رحمه الله - في هذه المسألة، وقال:
الحسن يقول بطل حجه، وعطاء يرخص فيه). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 372).
(5) قال الشنقيطي: (ليس في وقوف المغمى عليه نص من كتاب ولا سنة يدل على
صحته أو عدمها، وأظهر القولين عندي قول من قال بصحته لما قدمنا من أنه لا
يشترط له نية تخصه، وإذا سلمنا صحته بدون النية، كما قدمنا أنه هو الصواب
فلا مانع من صحته من المغمى عليه، كما يصح من النائم). ((أضواء البيان))
للشنقيطي (4/ 439).
(6) قال ابن عثيمين: (وقوفه صحيح؛ لأن عقله باق لم يزل وهذا هو الراجح).
((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 299).
(7) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/
15) (16253). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني
الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في
((حلية الأولياء)) (7/ 221): صحيح ثابت، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/
97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام
الموقعين)) (4/ 252).
(8) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 127)، ((الهداية شرح البداية))
للمرغيناني (1/ 151)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 257).
(9) ((البحرالرائق)) لابن نجيم (2/ 379).
(10) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 372).
الفصل الخامس: سنن
ومستحبات الوقوف بعرفة
المبحث الأول: الغسل للوقوف بعرفة
يستحب الاغتسال للوقوف بعرفة، باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (1) ,
والمالكية (2) , الشافعية (3) , والحنابلة (4).
الأدلة:
أولاً: عن علي رضي الله عنه لما سئل عن الغسل قال: يوم الجمعة، ويوم عرفة،
ويوم النحر، ويوم الفطر. (5)
ثانياً: عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل لوقوفه عشية عرفة.
(6)
ثالثاً: أنه قربة يجتمع لها الخلق في موضع واحد فشرع لها الغسل كصلاة
الجمعة والعيدين.
المبحث الثاني: السير من منى إلى عرفة صباحاً بعد طلوع شمس يوم عرفة.
يسن السير من منى إلى عرفة صباحًا بعد طلوع شمس يوم عرفة.
الدليل:
عن جابر عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله
عليه وسلم: ((فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج، وركب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء
والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة،
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر
الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى أتى عرفة)) (7).
المبحث الثالث: خطبة عرفة
المطلب الأول: تُسن خطبة عرفة
يسن للإمام أن يخطب بعرفة بعد الزوال قبل الصلاة، باتفاق المذاهب الأربعة
(8): الحنفية (9) , والمالكية (10) , والشافعية (11) , والحنابلة (12).
الدليل:
عن جابر عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله
عليه وسلم: ((حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي،
فخطب الناس وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم
هذا، في بلدكم هذا ... )) (13).
المطلب الثاني: هل خطبة عرفة خطبتان أو خطبة واحدة؟
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:
القول الأول: أن خطبة عرفة خطبتان يفصل بينهما بجلسة خفيفة، وهو قول
الجمهور من: الحنفية (14) , والمالكية (15) , والشافعية (16).
ودليل ذلك: القياس على خطبة الجمعة.
_________
(1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/ 35)، و ((الهداية شرح البداية))
للمرغياني (1/ 17).
(2) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (2/ 378)، و ((حاشية العدوي)) (2/ 533).
(3) ((الأم)) للشافعي (1/ 265)،و ((المجموع)) للنووي (7/ 211).
(4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 427)، ((كشاف القناع))
للبهوتي (1/ 151).
(5) رواه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/ 119)، والبيهقي (3/ 278)
(6343). وحسنه ابن الأثير في ((شرح مسند الشافعي)) (2/ 175)، وصحح إسناده
الألباني في ((إرواء الغليل)) (1/ 177).
(6) ((موطأ مالك)).
(7) رواه مسلم (1218)
(8) قال النووي: (وهو سنة باتفاق جماهير العلماء). ((شرح النووي على مسلم))
(8/ 182).
(9) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 143)، و ((حاشية ابن عابدين))
(2/ 504).
(10) ((المدونة)) للإمام مالك (1/ 231)، و ((الكافي في فقه أهل المدينة))
لابن عبدالبر (1/ 416).
(11) ((المجموع)) للنووي (8/ 86)، و ((مغني المحتاج)) (1/ 495).
(12) ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 387)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 491).
(13) رواه مسلم (1218)
(14) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 143)، و ((حاشية ابن عابدين))
(2/ 504).
(15) ((المدونة)) للإمام مالك (1/ 231)، و ((الكافي في فقه أهل المدينة))
لابن عبدالبر (1/ 416).
(16) ((المجموع)) للنووي (8/ 86)، و ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 495).
القول الثاني: أن خطبة عرفة خطبة واحدة،
وهذا مذهب الحنابلة (1)، واختاره ابن القيم (2)، وابن عثيمين (3).
الدليل:
عن جابر عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله
عليه وسلم: ((حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي،
فخطب الناس وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم
هذا، في بلدكم هذا ... )) (4).
وجه الدلالة:
أنه ليس فيه إلا خطبة واحدة (5).
المبحث الرابع: الجمع بين الصلاتين يوم عرفة
المطلب الأول: الجمع بين الصلاتين يوم عرفة
يسن للحاج الجمع بين الظهر والعصر بعرفة تقديمًا في وقت الظهر.
الدليل:
فعله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر، وفيه: ((ثم أذن، ثم أقام فصلى
الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئا)) (6).
عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم، أن الحجاج بن يوسف، عام نزل بابن الزبير
رضي الله عنهما، سأل عبدالله رضي الله عنه، كيف تصنع في الموقف يوم عرفة؟
فقال سالم: ((إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة، فقال عبدالله بن
عمر: صدق، إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة، فقلت لسالم: أفعل
ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال سالم: وهل تتبعون في ذلك إلا
سنته)) (7).
الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (8)، وابن عبدالبر (9)، والنووي (10)،وابن
دقيق العيد (11)، وابن تيمية (12).
المطلب الثاني: سبب الجمع بعرفة والمزدلفة
اختلف أهلُ العلم في سبب الجمع بعرفة والمزدلفة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن سبب الجمع بعرفة والمزدلفة السفر، فلا يجمع من كان دون
مسافة قصر، كأهل مكة، وهذا مذهب الشافعية (13)، والحنابلة (14) (15).
الأدلة:
_________
(1) ((الإقناع)) لابن قدامة (1/ 387)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 491).
(2) قال ابن القيم: (خطب خطبة واحدة، ولم تكن خطبتين، جلس بينهما). ((زاد
المعاد)) لابن القيم (2/ 234).
(3) قال ابن عثيمين: ((حديث جابر ليس فيه إلا خطبة واحدة)). ((الشرح
الممتع)) لابن عثيمين (5/ 11).
(4) رواه مسلم (1218)
(5) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/ 11).
(6) رواه مسلم (1218)
(7) رواه البخاري (1662)
(8) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة
يوم عرفة، كذلك من صلى وحده). ((الإجماع)) لابن المنذر (57).
(9) قال ابن عبدالبر: (أجمعوا أن الجمع بين الظهر والعصر يوم عرفة مع
الإمام سنة مجتمع عليها). ((الاستذكار)) لابن المنذر (4/ 325).
(10) قال النووي: (أجمعت الأمة على أن للحاج أن يجمع بين الظهر والعصر إذا
صلى مع الامام). ((المجموع)) للنووي (8/ 92)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/
184، 185).
(11) قال ابن دقيق العيد: (لا خلاف في جواز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة
وبين المغرب والعشاء بمزدلفة). ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص:
220).
(12) قال ابن تيمية: (النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاتين بعرفة
في وقت الأولى، وهذا الجمع ثابت بالسنة المتواترة وباتفاق المسلمين عليه)
((جامع المسائل لابن تيمية)) لعزير شمس (6/ 336).
(13) قال النووي: (قال أكثر أصحاب الشافعي هو بسبب السفر فمن كان حاضرا أو
مسافرا دون مرحلتين كأهل مكة لم يجز له الجمع كما لا يجوز له القصر). ((شرح
النووي على مسلم)) (8/ 185،187)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (4/ 371)،
((روضة الطالبين)) للنووي (1/ 396).
(14) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 5)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/
298).
(15) وبه قال طائفة من السلف، منهم: سالم بن عبدالله، الأوزاعي، وأبو يوسف،
وأشهب، وفقهاء أصحاب الحديث. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (12/ 203)، ((شرح
النووي على مسلم)) (8/ 187).
أولاً: نصوص جمع النبي صلى الله عليه وسلم
في أسفاره، ومنها:
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ((جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
غزوة تبوك بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء)) (1).
ثانياً: جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة والمزدلفة:
عن جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم أذن، ثم
أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً ... حتى أتى
المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما
شيئاً)) (2).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، وهو مسافر، وهو وصف مناسبٌ ومعهود للجمع،
ولا أثر للنسك في ذلك، بدليل عدم الجمع في منى (3).
_________
(1) رواه مسلم (706)
(2) رواه مسلم (1218)
(3) قال ابن عبدالبر: (روى مالك عن ابن شهاب أنه قال سألت سالم بن عبدالله
هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ فقال: نعم لا بأس بذلك ألم تر إلى صلاة
الناس بعرفة؟). قال ابن عبدالبر: (فهذا سالم قد نزع بما ذكرنا وهو أصل صحيح
لمن ألهم رشده ولم تمل به العصبية إلى المعاندة, ومعلوم أن الجمع بين
الصلاتين للمسافر رخصة وتوسعة, ولو كان الجمع على ما قال ابن القاسم
والعراقيون من مراعاة آخر وقت الظهر وأول وقت العصر لكان ذلك أشد ضيقاً
وأكثر حرجاً من الإتيان بكل صلاة في وقتها لأن وقت كل صلاة أوسع ومراعاته
أمكن من مراعاة طرفي الوقتين ومن تدبر هذا وجده كما وصفنا وبالله توفيقنا).
((التمهيد)) لابن عبدالبر (12/ 203)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي
(4/ 176)، ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 220).
القول الثاني: أن سبب ذلك النسك، فيجوز
الجمع للحاج حتى لمن كان دون مسافة قصر، كأهل مكة، وهذا مذهب الحنفية (1)،
والمالكية (2)، وهو وجهٌ للشافعية (3)، وقول للحنابلة (4)، واختاره الطبري
(5)، وابن قدامة (6) (7) , وابن باز (8).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم أذن، ثم
أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً ... حتى أتى
المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما
شيئاً)) (9).
وجه الدلالة:
_________
(1) قال ابن نجيم: (هذا الجمع لا يختص بالمسافر لأنه جمع بسبب النسك فيجوز
لأهل مكة ومزدلفة ومنى وغيرهم). ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 366)،
وينظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 16)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/
24).
(2) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 170)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/
332).
(3) ((المجموع)) للنووي (4/ 371)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/ 396).
(4) قال ابن تيمية: (الجمع بين الصلاتين قد يقال إنه لأجل النسك كما تقوله
الحنفية وطائفة من أصحاب أحمد، وهو مقتضى نصه؛ فإنه يمنع المكي من القصر
بعرفة ولم يمنعه من الجمع). ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 45).
(5) قال الطبري: ((جمعه - صلى الله عليه وسلم - بالناس بعرفة دليل على جواز
الجمع في السفر القصير، إذ لم ينقل عن أحد من أهل مكة التخلف عن الصلاة معه
- صلى الله عليه وسلم -، فإن الجمع بعلة النسك)). ((مرعاة المفاتيح شرح
مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (9/ 28).
(6) قال ابن قدامة: (يجوز الجمع لكل من بعرفة، من مكي وغيره ... وذكر
أصحابنا أنه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشر فرسخاً، إلحاقاً
له بالقصر، وليس بصحيح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع، فجمع معه من
حضره من المكيين وغيرهم، ولم يأمرهم بترك الجمع، كما أمرهم بترك القصر حين
قال: (أتموا، فإنا سفر)، ولو حرم الجمع لبينه لهم، إذ لا يجوز تأخير البيان
عن وقت الحاجة، ولا يقر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخطأ. وقد كان
عثمان يتم الصلاة؛ لأنه اتخذ أهلاً، ولم يترك الجمع. وروي نحو ذلك عن ابن
الزبير. قال ابن أبي مليكة: وكان ابن الزبير يعلمنا المناسك. فذكر أنه قال:
إذا أفاض، فلا صلاة إلا بجمع. رواه الأثرم. وكان عمر بن عبدالعزيز والي
مكة، فخرج فجمع بين الصلاتين. ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين خلاف في
الجمع بعرفة ومزدلفة، بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره، والحق فيما
أجمعوا عليه، فلا يعرج على غيره). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 366،367).
(7) وبه قال بعض السلف منهم: الحسن البصري، وابن سيرين، ومكحول، والنخعي.
((المجموع)) للنووي (4/ 371).
(8) قال ابن باز: (ظاهر السنة الصحيحة المعلومة من حجة النبي صلى الله عليه
وسلم حجة الوداع، أن جميع الحجاج يقصرون في منى فقط من دون جمع، ويجمعون
ويقصرون في عرفة ومزدلفة، سواء كانوا أفقيين أو من أهل مكة وما حولها، لأن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لأهل مكة أتموا، وأما صلاته يوم العيد في
مكة الظهر فقد صلاها قصرا، ولم يزل يقصر حتى رجع إلى المدينة، كما ثبت ذلك
في الأحاديث الصحيحة من حديث أنس وغيره، ولم يقل لأهل مكة أتموا، لأن ذلك
معلوم في حق المقيمين في مكة. ويروى أنه قال ذلك يوم فتح مكة حيث صلى
بالناس قصرا في المسجد الحرام، وفي السند مقال، لكن يتأيد بالأصل، وهو أن
المقيمين في مكة وغيرها، ليس لهم القصر؛ لأنهم ليسوا مسافرين، والقصر يختص
بالمسافرين، والله ولى التوفيق). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/ 207 - 209).
(9) رواه مسلم (1218)
أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، فجمع معه
من حضره من المكيين وغيرهم، ولم يأمرهم بترك الجمع، كما أمرهم بترك القصر
حين قال: (أتموا، فإنا سفر)، ولو حرم الجمع لبينه لهم، إذ لا يجوز تأخير
البيان عن وقت الحاجة، ولا يقر النبي صلى الله عليه وسلم على الخطأ، كما
أنه لم ينقل عن أحد من أهل مكة التخلف عن الصلاة معه صلى الله عليه وسلم
(1).
ثانياً: أن عثمان رضي الله عنه مع كونه أتم الصلاة؛ لأنه اتخذ أهلاً، إلا
أنه لم يترك الجمع (2).
ثالثاً: الإجماع:
نقل الإجماع على سنية الجمع بعرفة والمزدلفة جماعة من أهل العلم مما يدل
على أن سبب الجمع النسك لا السفر: وممن نقله ابن المنذر (3)، وابن عبدالبر
(4)، وابن رشد (5)، وابن قدامة (6)، وابن دقيق العيد (7)، وابن تيمية (8)،
وابن جزي (9).
_________
(1) قال ابن تيمية: (السنة المعلومة يقينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
لم يأمر أحداً من الحجاج معه من أهل مكة أن يؤخروا العصر إلى وقتها المختص
ولا يعجلوا المغرب قبل الوصول إلى مزدلفة فيصلوها إما بعرفة وإما قريباً من
المأزمين هذا مما هو معلوم يقيناً ولا قال هذا أحد بل كلامه ونصوصه تقتضي
أنه يجمع بين الصلاتين ويؤخر المغرب جميع أهل الموسم كما جاءت به السنة).
((مجموع الفتاوى)) (22/ 89)، وينظر: ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح))
للمباركفوري (9/ 28).
(2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367).
(3) قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر
بعرفة، وكذلك من صلى مع الإمام). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 366).
(4) قال ابن عبدالبر: (قد أجمع المسلمون قديما وحديثا على أن الجمع بين
الصلاتين بعرفة الظهر والعصر في أول وقت الظهر والمغرب والعشاء بالمزدلفة
في وقت العشاء وذلك سفر مجتمع عليه وعلى ما ذكرنا فيه فكل ما اختلف فيه من
مثله فمردود إليه). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (12/ 203)، ((الاستذكار))
لابن عبدالبر (2/ 206).
(5) أجمعوا على أن الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة سنة وبين
المغرب والعشاء بالمزدلفة أيضا في وقت العشاء سنة أيضا. واختلفوا في الجمع
في غير هذين المكانين. ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 170).
(6) قال ابن قدامة: (كان عمر بن عبدالعزيز والي مكة، فخرج فجمع بين
الصلاتين. ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين خلاف في الجمع بعرفة ومزدلفة، بل
وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره، والحق فيما أجمعوا عليه، فلا يعرج على
غيره). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 366،367).
(7) قال ابن دقيق العيد: (لا خلاف في جواز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة
وبين المغرب والعشاء بمزدلفة). ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص:
220).
(8) قال ابن تيمية: (النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاتين بعرفة
في وقت الأولى، وهذا الجمع ثابت بالسنة المتواترة وباتفاق المسلمين عليه)
((جامع المسائل)) لابن تيمية (6/ 336).
(9) قال ابن جزي: (يجوز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء لأسباب وهي
بعرفة والمزدلفة اتفاقاً) ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 57).
القول الثالث: أن سبب ذلك الحاجة ورفع
الحرج، وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن (1)، واختاره ابن تيمية (2)، وابن
عثيمين (3). وذلك للآتي:
أولا أن الجمع بين الصلاتين لم يعلق بمجرد السفر في شيء من النصوص، بل
النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في حجته إلا بعرفة والمزدلفة، وكان بمنى
يقصر ولا يجمع، وكذلك في سائر سفر حجته، ولا يجمع لمجرد النسك، فإنه لو كان
للنسك لجمع من حين أحرم (4).
_________
(1) فقد ذهبا إلى أن جواز الجمع للحاجة إلى امتداد الوقوف بدليل أنه لا جمع
على من ليس عليه الوقوف، وأن الحاج يحتاج إلى الدعاء في وقت الوقوف، فشرع
الجمع لئلا يشتغل عن الدعاء. ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 24)،
((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 470).
(2) قال ابن تيمية: ((معلوم أن جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومزدلفة
لم يكن لخوف ولا مطر ولا لسفر أيضاً, فإنه لو كان جمعه للسفر لجمع في
الطريق ولجمع بمكة كما كان يقصر بها, ولجمع لما خرج من مكة إلى منى وصلى
بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر, ولم يجمع بمنى قبل التعريف, ولا
جمع بها بعد التعريف أيام منى, بل يصلي كل صلاة ركعتين غير المغرب, ويصليها
في وقتها ولا جمعه أيضا ًكان للنسك فإنه لو كان كذلك لجمع من حين أحرم فإنه
من حينئذ صار محرماً فعلم أن جمعه المتواتر بعرفة ومزدلفة لم يكن لمطر ولا
خوف ولا لخصوص النسك ولا لمجرد السفر فهكذا جمعه بالمدينة الذي رواه ابن
عباس وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن أمته فإذا احتاجوا إلى الجمع جمعوا)).
((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 77). وقال أيضاً: (الصحيح أنه لم يجمع
بعرفة لمجرد السفر كما قصر للسفر؛ بل لاشتغاله باتصال الوقوف عن النزول
ولاشتغاله بالمسير إلى مزدلفة وكان جمع عرفة لأجل العبادة وجمع مزدلفة لأجل
السير الذي جد فيه وهو سيره إلى مزدلفة وكذلك كان يصنع في سفره: كان إذا جد
به السير أخر الأولى إلى وقت الثانية ثم ينزل فيصليهما جميعاً كما فعل
بمزدلفة. وليس في شريعته ما هو خارج عن القياس؛ بل الجمع الذي جمعه هناك
يشرع أن يفعل نظيره كما يقوله الأكثرون). ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية
(24/ 45، 46).
(3) قال ابن عثيمين في سياق ذكره للأقوال في سبب الجمع: (وقيل: المصلحة
والحاجة وهو الأقرب فجمع عرفة لمصلحة طول زمن الوقوف والدعاء، ولأن الناس
يتفرقون في الموقف فإن اجتمعوا للصلاة شق عليهم، وإن صلوا متفرقين فاتت
مصلحة كثرة الجمع، أما في مزدلفة فهم أحوج إلي الجمع، لأن الناس يدفعون من
عرفة بعد الغروب فلو حبسوا لصلاة المغرب فيها لصلوها من غير خشوع ولو
أوقفوا لصلاتها في الطريق لكان ذلك أشق فكانت الحاجة داعية إلي تأخير
المغرب لتجمع مع العشاء هناك، وهذا عين الصواب والمصلحة لجمعه بين المحافظة
على الخشوع في الصلاة ومراعاة أحوال العباد). ((مجموع فتاوى ورسائل
العثيمين)) (12/ 256).
(4) مجموع الفتاوى (24/ 77)، ((جامع المسائل)) لابن تيمية (6/ 330)،
((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/ 255).
ثانيا: أن الجمع بعرفة كان لمصلحة طول زمن
الوقوف والدعاء، لأن الناس يتفرقون في الموقف, فإن اجتمعوا للصلاة شق
عليهم، وإن صلوا متفرقين فاتت مصلحة كثرة الجمع، أما في مزدلفة فهم أحوج
إلى الجمع، لأن الناس يدفعون من عرفة بعد الغروب فلو حبسوا لصلاة المغرب
فيها لصلوها من غير خشوع, ولو أوقفوا لصلاتها في الطريق لكان ذلك أشق فكانت
الحاجة داعية إلى تأخير المغرب لتجمع مع العشاء هناك، وفي هذا مصلحة في
الجمع بين المحافظة على الخشوع في الصلاة ومراعاة أحوال العباد (1).
المطلب الثالث: هل يقصر المكي في عرفة والمزدلفة؟
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
القول الأول: لا يقصر المكي، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (2)، والشافعية
في الأصح (3)، والحنابلة (4)، وبه قال جمهور السلف (5)، واختاره داود
الظاهري (6).
ودليل ذلك:
أن المكي غير مسافر، فحكمه حكم المقيم، فيتم الصلاة، ولا يقصر، وإنما يقصر
من كان سفره سفراً تقصر في مثله الصلاة، والمعروف أن عرفة، وهي أبعد
المشاعر عن مكة ليست كذلك (7).
_________
(1) قال ابن تيمية: (ومعلوم أنه قد كان يمكنه أن يترك العصر فيصليها في
وقتها المختص، لكن عدل عن ذلك إلى أن قدمها مع الظهر لمصلحة تكميل الوقوف،
لعلمه - صلى الله عليه وسلم - بأن اتصال الوقوف إلى المغرب بغير قطع له
بصلاة العصر في أثنائه أحب إلى الله من أن يصلي العصر في وقتها الخاص، ولو
أخر مؤخر العصر وصلاها في الوقت الخاص وقطع الوقوف لأجزأه ذلك فيما ذكره
العلماء من غير نزاع أعلمه، ولكن ترك ما هو أحب إلى الله ورسوله، فإنه لو
قطع الدعاء والذكر لبعض أعماله المباحة ووقف إلى المغرب لم يبطل بذلك حجه،
فأن لا يبطل بترك ذلك لصلاة العصر أولى وأحرى. ودلت هذه السنة الثابتة عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن الجمع يكون للحاجة والمصلحة الشرعية،
فلما لم يكن لمجرد السفر فلم يكن لمجرد النسك). ((جامع المسائل)) لابن
تيمية (6/ 336، 337).وينظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/ 256).
(2) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 152)، وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن
تيمية (24/ 44).
(3) ((المجموع)) للنووي (4/ 371)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 496).
(4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 5).
(5) منهم: عطاء، ومجاهد، والزهري، وابن جريج، والثوري، الثوري, ويحيى
القطان، وأبو ثور, وإسحاق، وابن المنذر. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/
14)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)، ((أضواء البيان في إيضاح القرآن
بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 440).
(6) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 14).
(7) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 14)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)،
((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 439)، ((مجموع
فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 61).
القول الثاني: يقصر أهل مكة، وهذا مذهب
المالكية (1)، وقولٌ للشافعية (2)، ورواية عن أحمد (3)، وبه قال طائفة من
السلف (4)، واختاره أبو الخطاب (5)، وابن تيمية (6)، وابن القيم (7)،
والشنقيطي (8)،
_________
(1) قال مالك: (يصلي أهل مكة ومنى بعرفة ركعتين ركعتين ما أقاموا يقصرون
بالصلاة حتى يرجعوا إلى أهليهم وأمير الحاج أيضاً كذلك إذا كان من أهل مكة
قصر الصلاة بعرفة وأيام منى قال وعلى ذلك الأمر عندنا). ((التمهيد)) لابن
عبدالبر (10/ 13). والضابط عند المالكية: أن الحاج يقصر حتى أهل مكة، إلا
أهل كل موضع كأهل عرفة في عرفة، وأهل المزدلفة في المزدلفة وأهل منى في منى
فإن هؤلاء فقط يتمون لأنهم في أهليهم، وذكروا أن القصر لغيرهم إنما هو
للسنة، وإلا فهو ليس بمسافة قصر في حق المكي وأهل المزدلفة ونحوهم.
((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 13، 14)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 170،
171)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 539).
(2) ((المجموع)) للنووي (4/ 371). ((روضة الطالبين)) للنووي (1/ 396).
(3) ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) ابن القيم (1/ 481).
(4) منهم: القاسم بن محمد، وسالم، والأوزاعي. ((المغني)) لابن قدامة (3/
367)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 439).
(5) ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) ابن القيم (1/ 481).
(6) قال ابن تيمية: (أما القصر فلا ريب أنه من خصائص السفر ولا تعلق لا
بالنسك ولا مسوغ لقصر أهل مكة بعرفة وغيرها إلا أنهم بسفر وعرفة عن المسجد
بريد كما ذكره الذين مسحوا ذلك وذكره الأزرقي في ((أخبار مكة))، فهذا قصر
في سفر قدره بريد وهم لما رجعوا إلى منى كانوا في الرجوع من السفر, وإنما
كان غاية قصدهم بريداً, وأي فرق بين سفر أهل مكة إلى عرفة وبين سفر سائر
المسلمين إلى قدر ذلك من بلادهم, والله لم يرخص في الصلاة ركعتين إلا
لمسافر فعلم أنهم كانوا مسافرين). مجموع الفتاوى (24/ 47)، وانظر: زاد
المعاد في هدي خير العباد (1/ 481).
(7) قال ابن القيم: (فلما أتمها - يعني الخطبة - يوم عرفة، أمر بلالاً
فأذن، ثم أقام فصلى الظهر ركعتين أسر فيهما بالقراءة وكان يوم الجمعة، فدل
على أن المسافر لا يصلي جمعة، ثم أقام، فصلى العصر ركعتين أيضاً، ومعه أهل
مكة وصلوا بصلاته قصراً وجمعاً بلا ريب، ولم يأمرهم بالإتمام، ولا بترك
الجمع، ومن قال إنه قال لهم: ((أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر))، فقد غلط عليه
غلطا بيناً، ووهم وهماً قبيحاً، وإنما قال لهم ذلك في غزاة الفتح بجوف مكة،
حيث كانوا في ديارهم مقيمين، ولهذا كان أصح أقوال العلماء أن أهل مكة
يقصرون، ويجمعون بعرفة، كما فعلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا
أوضح دليل على أن سفر القصر لا يتحدد بمسافة معلومة، ولا بأيام معلومة، ولا
تأثير للنسك في قصر الصلاة البتة، وإنما التأثير لما جعله الله سببا، وهو
السفر. هذا مقتضى السنة ولا وجه لما ذهب إليه المحددون). ((زاد المعاد في
هدي خير العباد)) لابن القيم (2/ 234).
(8) قال الشنقيطي: (أظهر قولي أهل العلم عندي: أن جميع الحجاج يجمعون الظهر
والعصر، ويقصرون، وكذلك في جمع التأخير في مزدلفة يقصرون العشاء، وأن أهل
مكة وغيرهم في ذلك سواء، وأن حديث: ((أتموا فإنا قوم سفر))، إنما قاله لهم
النبي صلى الله عليه وسلم في مكة لا في عرفة ولا في مزدلفة). ((أضواء
البيان)) للشنقيطي (4/ 439) ..
وابن باز (1)، وابن عثيمين (2).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم أذن، ثم
أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً ... حتى أتى
المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما
شيئاً)) (3).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم وجميع من معه جمعوا وقصروا، ولم يثبت شيء يدل
على أنهم أتموا صلاتهم بعد سلامه في منى، ولا مزدلفة، ولا عرفة، وسائر
الأمراء هكذا لا يصلون إلا ركعتين فعلم أن ذلك سنة الموضع (4).
_________
(1) قال ابن باز: (ظاهر السنة الصحيحة المعلومة من حجة النبي صلى الله عليه
وسلم حجة الوداع، أن جميع الحجاج يقصرون في منى فقط من دون جمع، ويجمعون
ويقصرون في عرفة ومزدلفة، سواء كانوا أفقيين أو من أهل مكة وما حولها، لأن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لأهل مكة أتموا، وأما صلاته يوم العيد في
مكة الظهر فقد صلاها قصراً، ولم يزل يقصر حتى رجع إلى المدينة، كما ثبت ذلك
في الأحاديث الصحيحة من حديث أنس وغيره، ولم يقل لأهل مكة أتموا، لأن ذلك
معلوم في حق المقيمين في مكة. ويروى أنه قال ذلك يوم فتح مكة حيث صلى
بالناس قصراً في المسجد الحرام، وفي السند مقال، لكن يتأيد بالأصل، وهو أن
المقيمين في مكة وغيرها، ليس لهم القصر؛ لأنهم ليسوا مسافرين، والقصر يختص
بالمسافرين، والله ولى التوفيق). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/ 207 - 209).
(2) قال ابن عثيمين: (الصحيح أن القصر في منى وفي عرفة ومزدلفة، ليس سببه
النسك بل سببه السفر، والسفر لا يتقيد بالمسافة، بل يتقيد بالحال وهو أن
الإنسان إذا خرج وتأهب واستعد لهذا الخروج، وحمل معه الزاد والشراب فهو
مسافر، وبناء على ذلك نقول: إن الناس في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم –
كانوا يتزودون للحج، أهل مكة وغير أهل مكة، ولهذا كان أهل مكة مع الرسول -
صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، يجمعون ويقصرون تبعاً للرسول - صلى
الله عليه وسلم -، ولم يقل: يا أهل مكة أتموا. وهذا القول هو القول
الراجح). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 61، 62).
(3) رواه مسلم (1218)
(4) قال ابن تيمية: (ثبت بالنقل الصحيح المتفق عليه بين علماء أهل الحديث
أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يقصر الصلاة بعرفة ومزدلفة
وفي أيام منى, وكذلك أبو بكر وعمر بعده, وكان يصلي خلفهم أهل مكة, ولم
يأمروهم بإتمام الصلاة ولا نقل أحد لا بإسناد صحيح ولا ضعيف أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لأهل مكة - لما صلى بالمسلمين ببطن عرنة الظهر ركعتين
قصراً وجمعاً: ثم العصر ركعتين - يا أهل مكة أتموا صلاتكم. ولا أمرهم
بتأخير صلاة العصر ولا نقل أحد أن أحدا من الحجيج لا أهل مكة ولا غيرهم صلى
خلف النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما صلى بجمهور المسلمين أو نقل أن النبي
صلى الله عليه وسلم أو عمر قال في هذا اليوم: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا
قوم سفر فقد غلط وإنما نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا في جوف مكة
لأهل مكة عام الفتح) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 42)، وينظر:
((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 14)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 171).
((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 440).
ثانياً: أنه لو كان أهل مكة قاموا فأتموا
وصلوا أربعاً وفعلوا ذلك بعرفة ومزدلفة وبمنى أيام منى لكان مما تتوفر
الهمم والدواعي على نقله بالضرورة؛ بل لو أخروا صلاة العصر ثم قاموا دون
سائر الحجاج فصلوها قصراً لنقل ذلك فكيف إذا أتموا الظهر أربعاً دون سائر
المسلمين, وأيضاً فإنهم إذا أخذوا في إتمام الظهر والنبي صلى الله عليه
وسلم قد شرع في العصر لكان إما أن ينتظرهم فيطيل القيام, وإما أن يفوتهم
معه بعض العصر بل أكثرها؛ فكيف إذا كانوا يتمون الصلوات؟ (1).
ثالثاً: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((أنه لما قدم مكة صلى بهم ركعتين،
ثم انصرف فقال: يا أهل مكة، أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر)) (2).
وجه الدلالة:
أنه صلى بهم بعد ذلك بمنى ركعتين ولم يرو عنه أنه قال لأهل مكة شيئاً (3).
رابعاً: أن لهم الجمع، فكان لهم القصر كغيرهم (4).
خامساً: أن في تكرار مشاعر الحج ومناسكه مقدار المسافة التي فيها قصر
الصلاة عند الجميع؛ فإن عمل الحج إنما يتم في أكثر من يوم وليلة مع لزوم
الانتقال من محل لآخر فلفق بينها ما يحصل به مسافة القصر سواء كان التحديد
بالمسافة أو بالزمن (5).
سادساً: أنها منازل السفر وإن لم تكن سفراً, تقصر فيه الصلاة، بدليل أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بمكة
إلى يوم التروية وذلك أربع ليال ثم خرج فقصر بمنى (6).
سابعاً: أن كل ما يطلق عليه اسم السفر لغة تقصر فيه الصلاة، أما تحديد
مسافة القصر لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم (7).
ثامناً: أنه لو كان سبب الجمع والقصر النسك لكانوا إذا حلوا التحلل الثاني
لم يحل لهم أن يقصروا في منى، ولو كان سببه النسك، لكانوا إذا أحرموا في
مكة بحج أو عمرة جاز لهم الجمع والقصر (8).
المطلب الرابع: هل يجمع ويقصر من صلى وحده؟
_________
(1) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 43).
(2) رواه مالك في ((الموطأ)) (1/ 149)، والبيهقي (3/ 126) , قال النووي في
((المجموع)) (8/ 92): (إسناده صحيح)، وصححه ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى))
(24/ 125)
(3) قال ابن تيمية: (وقد ثبت أن عمر بن الخطاب قاله لأهل مكة لما صلى في
جوف مكة) وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 43)، ((أضواء البيان في
إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 439).
(4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367).
(5) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 171).
(6) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 173).
(7) ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 440).
(8) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 285).
من صلى الظهر والعصر منفردًا يجوز له أن
يجمع ويقصر، وهو قول الجمهور (1) من المالكية (2)، والشافعية (3)،
والحنابلة (4)، وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة (5)،
واختاره الطحاوي (6) (7).
الأدلة:
أولاً: عن نافع قال: ((أن ابن عمر كان إذا لم يدرك الإمام يوم عرفة جمع بين
الظهر والعصر في منزله)). (8)
وجه الدلالة:
ابن عمر رضي الله عنهما هو أحد من روى حديث جمع النبي صلى الله عليه وسلم
بين الصلاتين, وكان مع ذلك يجمع وحده, فدل على أنه عرف أن الجمع لا يختص
بالإمام (9).
ثانياً: أن الجمع بين الصلاتين يوم عرفة إنما كان للحاجة إلى امتداد الوقوف
ليتفرغوا للدعاء لأنه موقف يقصد إليه من أطراف الأرض، فشرع الجمع لئلا
يشتغل عن الدعاء، والمنفرد وغيره في هذه الحاجة, سواء فيستويان في جواز
الجمع (10).
ثالثاً: أن كل جمع جاز مع الإمام جاز منفردًا؛ فإن الجماعة ليست شرطاً في
الجمع. (11).
المطلب الخامس: صفة الأذان والإقامة للصلاتين
تكون الصلاة بأذان واحد وإقامتين، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (12)،
والشافعية (13)، والحنابلة (14)، وروي عن مالك (15)، واختاره الطبري (16)،
وابن تيمية (17) (18).
الدليل:
_________
(1) قال ابن عبدالبر: (قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وأحمد وإسحاق
جائز أن يجمع بينهما من المسافرين من صلى مع الإمام ومن صلى وحده إذا كان
مسافرًا) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 326) وقال ابن قدامة: (المنفرد
يجمع كما يجمع مع الإمام، فعله ابن عمر، وبه قال عطاء، ومالك، والشافعي،
وإسحاق، وأبو ثور، وصاحبا أبي حنيفة). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 366).
وقال النووي: (أجمعت الأمة على أن للحاج أن يجمع بين الظهر والعصر إذا صلى
مع الإمام فلو فات بعضهم الصلاة مع الإمام جاز له أن يصليهما منفرداً
جامعاً بينهما عندنا وبه قال أحمد وجمهور العلماء. وقال أبو حنيفة: لا يجوز
ووافقنا على أن الامام لو حضر ولم يحضر معه للصلاة أحد جاز له الجمع وعلى
أن المأموم لو فاته الصلاتان بالمزدلفة مع الامام جاز له أن يصليهما
منفرداً جامعاً فاحتج أصحابنا عليه بما وافق عليه والله أعلم). ((المجموع))
للنووي (8/ 92).
(2) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 326)، ((الشرح الكبير للشيخ الدردير
وحاشية الدسوقي)) (2/ 44).
(3) ((المجموع)) للنووي (8/ 92).
(4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 366).
(5) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 24)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي
(2/ 470).
(6) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 513).
(7) وبه قال أبو ثور وإسحاق. ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 326).
(8) ذكره البخاري تعليقا في كتاب الحج باب الجمع بين الصلاتين بعرفة.
(9) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 513).
(10) ((شرح صحيح البخارى)) لابن بطال (4/ 339)، ((العناية شرح الهداية))
للبابرتي (2/ 470، 471).
(11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 366)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 492).
(12) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 152)، و ((الهداية شرح البداية))
للمرغياني (1/ 143).
(13) ((المجموع)) للنووي (8/ 92).
(14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 365)، و ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 491).
(15) وإن كان المشهور عنه أنه بأذانين وإقامتين. ((الاستذكار)) لابن
عبدالبر (4/ 326)، ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (2/ 44).
(16) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 326).
(17) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 131).
(18) وبه قال الثوري وأبو ثور وأبو عبيد. ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/
326).
حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم صلاهما بأذان وإقامتين, وفيه: ((ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم
أقام فصلى العصر)) (1).
مسألة: هل يكون الأذان قبل الخطبة أو بعدها؟
الأمر في هذا واسع (2)، لكن السنة أن يكون الأذان بعد الخطبة، وهو ظاهر
مذهب الحنابلة (3)، وقول للمالكية (4)، وروي عن أبي يوسف (5)، واختاره
الشوكاني (6)، وابن عثيمين (7).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى
الله عليه وسلم: ((فأتى بطن الوادي، فخطب الناس .... ثم أذن، ثم أقام فصلى
الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً)) (8).
المطلب السادس: هل يجهر بالقراءة أم يسر؟
يسن الإسرار بالقراءة في صلاتي الظهر والعصر بعرفات، حتى لو وافق يوم
الجمعة.
الأدلة:
أولاً: من السنة
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى
الله عليه وسلم: ((ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم
يصل بينهما شيئاً)) (9).
وجه الدلالة
أنه نص أنه صلى الظهر، وصلاة الظهر لا يجهر فيها بالقراءة، ويتأيد هذا بأنه
لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهر فيها، فظاهر الحال الإسرار
(10).
ثانياً: الإجماع
نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (11)، وابن عبدالبر (12)، وابن رشد (13).
المبحث الخامس: الإكثار من عمل الخير يوم عرفة
يستحب في يوم عرفة الإكثار من أعمال الخير بأنواعها.
الدليل:
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما
العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه)). قالوا: ولا الجهاد قال: ((ولا
الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء)) (14).
_________
(1) رواه مسلم (1218)
(2) سئل مالك عن المؤذن متى يؤذن يوم عرفة أبعد فراغ الإمام من خطبته أو
وهو يخطب؟ قال: (ذلك واسع إن شاء والإمام يخطب وإن شاء بعد أن يفرغ من
خطبته). ((المدونة الكبرى)) لمالك (1/ 429). وقال ابن قدامة: (وكيفما فعل
فحسن). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 365).
(3) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 157، 158)، ((كشاف القناع))
للبهوتي (2/ 492).
(4) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 336، 539)، وينظر:
((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 325)، ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية
الدسوقي)) (2/ 44).
(5) قال بعض الشارحين: (وهذا أصح عندي وإن كان على خلاف ظاهر الرواية لما
صح من حديث جابر). ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 469).
(6) قال الشوكاني: (وهو أصح، ويترجح بأمر معقول هو أن المؤذن قد أمر
بالإنصات للخطبة فكيف يؤذن ولا يستمع الخطبة). ((نيل الأوطار)) (باب المسير
من منى إلى عرفة)
(7) قال ابن عثيمين معلقاً على حديث جابر رضي الله عنه: (أمره أن يؤذن بعد
الخطبة، ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر). ((مجموع فتاوى ورسائل
العثيمين)) (24/ 486).
(8) رواه مسلم (1218).
(9) رواه مسلم (1218).
(10) المجموع للنووي (8/ 87).
(11) قال النووي: (يسن الإسرار بالقراءة في صلاتي الظهر والعصر بعرفات ونقل
ابن المنذر إجماع العلماء عليه قال [ابن المنذر]: وممن حفظ ذلك عنه طاوس
ومجاهد والزهري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة)).
((المجموع)) للنووي (8/ 92).
(12) قال ابن عبدالبر: ((أجمع العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنما صلى بعرفة صلاة المسافر لا صلاة جمعة ولم يجهر بالقراءة)).
((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 325).
(13) قال ابن رشد: ((أجمعوا أن القراءة في هذه الصلاة سرًّا)). ((بداية
المجتهد)) لابن رشد (2/ 113).
(14) رواه البخاري (969)
المبحث السادس: الإكثار من الدعاء والذكر
والتلبية يوم عرفة
يستحب في يوم عرفة الإكثار من الدعاء, والذكر, والتلبية (1).
الدليل:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى
الله عليه وسلم: ((فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة
بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس)) (2).
المبحث السابع: الدفع إلى مزدلفة بعد غروب الشمس، وعليه السكينة والوقار
يسن أن يدفع بعد غروب الشمس إلى مزدلفة وعليه السكينة والوقار، فإذا وجد
فجوة أسرع (3).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن جابر رضي الله عنه في حديثه: ((فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت
الصفرة قليلاً حتى غاب القرص, فأردف أسامة خلفه, ودفع رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقد شنق للقصواء بالزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول
بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة)) أخرجه مسلم (4). وقال أسامة رضي
الله عنه: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير العنق فإذا وجد فجوة نص
- يعني أسرع - قال هشام: النص فوق العنق)) أخرجه البخاري ومسلم (5).
ثانياً: أن هذا مشي إلى الصلاة لأنهم يأتون مزدلفة ليصلوا بها المغرب
والعشاء وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها
تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة)) أخرجه مسلم (6).
المبحث الثامن: أن يدفع ملبياً ذاكراً لله عز وجل
يستحب للحاج أن يدفع من عرفة ملبيا ذاكرا لله تعالى.
الأدلة:
أولاً: من القرآن
قول الله تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ
[البقرة: 198]
ثانياً: من السنة:
عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل
يلبي حتى رمى الجمرة) (7).
ثالثاً: أن ذكر الله مستحب في كل الأوقات وهو في هذا الوقت أشد تأكيدًا.
رابعاً: أنه زمن الاستشعار بطاعة الله تعالى, والتلبس بعبادته, والسعي إلى
شعائره، فناسب أن يكون مقروناً بذكر الله عز وجل.
_________
(1) قال النووي: (السنة أن يكثر من الدعاء, والتهليل, والتلبية,
والاستغفار, والتضرع, وقراءة القرآن فهذه وظيفة هذا اليوم, ولا يقصر في ذلك
وهو معظم الحج ومطلوبه. وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (الحج عرفة) فينبغي أن لا يقصر في الاهتمام بذلك واستفراغ الوسع فيه).
((المجموع)) للنووي (8/ 113)
(2) رواه مسلم (1218)
(3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 437).
(4) رواه مسلم (1218).
(5) رواه البخاري (1666)، (2999) ومسلم (3166).
(6) روه مسلم (3166).
(7) رواه البخاري (1685)، ومسلم (1281)
الفصل السادس: ما
يكره للحاج يوم عرفة
المبحث الأول: صوم يوم عرفة
يكره صيام يوم عرفة للحاج، ويستحب له الإفطار، وهو قول جمهور العلماء منهم:
المالكية (1) , والشافعية (2) , والحنابلة (3) (4).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها: (أن أناساً اختلفوا عندها في يوم
عرفة في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم. وقال بعضهم:
ليس بصائم. فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشرب) (5).
ثانياً: أن الدعاء في هذا اليوم يعظم ثوابه والصوم يضعفه فكان الفطر أفضل.
(6).
المبحث الثاني: الإسراع في السير راكباً أو ماشياً إسراعاً يؤدي إلى
الإيذاء
يكره الإسراع في السير راكباً, أو ماشياً, إسراعاً يؤدي إلى الإيذاء.
الدليل:
أولاً: من السنة:
لقوله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالسكينة)) (7).
ثانياً: أنه لا يجوز إيذاء المسلمين.
المبحث الثالث: التطوع بين صلاتي الظهر والعصر بعرفة
يكره التطوع بين صلاتي الظهر والعصر بعرفة، باتفاق المذاهب الأربعة:
الحنفية (8) , والمالكية (9) , والشافعية (10) , والحنابلة (11).
الدليل:
من السنة:
حديث جابر رضي الله عنه، وفيه: (ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى
العصر، ولم يصل بينهما شيئاً) (12).
_________
(1) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 235)، و ((حاشية العدوي)) (2/ 532).
(2) ((المجموع)) للنووي (6/ 379)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 207).
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 417)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 88).
(4) وكره صيامه الحنفية إن كان يضعفه. ((شرح فتح القدير)) لابن الهمام (2/
350)، و ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 278).
(5) رواه البخاري (5636)، ومسلم (1123)
(6) ((المجموع)) للنووي (6/ 379).
(7) رواه البخاري (1671)
(8) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 143)، و ((الفتاوى الهندية))
(1/ 228).
(9) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (9/ 259).
(10) ((المجموع)) للنووي (8/ 88 - 89).
(11) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 491)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي
(1/ 579)
(12) رواه مسلم (1218)
|