الموسوعة الفقهية الدرر السنية

الفصل الأول: أسماء مزدلفة
1 - مزدلفة:
يقال: زلف إليه وازدلف وتزلف، أي: دنا منه، وأزلف الشيء: قربه، ومزدلفة والمزدلفة: موضع بمكة (1).
سبب التسمية بمزدلفة:
أ - لأنهم يقربون فيها من منى، والازدلاف التقريب، ومنه قوله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ [الشعراء:90] أي قربت (2).
ب - لأن الناس يجتمعون بها، والاجتماع الازدلاف، ومنه قوله تعالى: وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ [الشعراء: 64] (3).
2 - المشعر الحرام:
سمى الله المزدلفة بالمشعر الحرام، قال تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ [البقرة: 198]
والمشعر الحرام المذكور في القرآن هو جميع المزدلفة، وبه قال جمهور المفسرين وأصحاب الحديث والسير (4).
3 - جمع:
أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم على مزدلفة (جمع) فقال: ((ووقفت ها هنا وجمع كلها موقف)) (5).
سبب التسمية بـ (جمع):
سميت جمعاً؛ لأنها يجمع فيها بين الصلاتين، وقيل: وصفت بفعل أهلها؛ لأنهم يجتمعون بها ويزدلفون إلى الله أي: يتقربون إليه بالوقوف فيها (6).
_________
(1) انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: زلف).
(2) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 432).
(3) ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 165)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 432).
(4) ((المجموع للنووي)) (8/ 152)، وقال ابن تيمية: (ومزدلفة كلها يقال لها المشعر الحرام وهي ما بين مأزمي عرفة إلى بطن محسر) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 134)، وقال ابن عثيمين: (المشعر الحرام هو مكان في مزدلفة، لكن قد يطلق على مزدلفة كلها أنها المشعر الحرام؛ لأنها مكان نسك) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 54).
(5) رواه مسلم (1218).
(6) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 523)


الفصل الثاني: حد المزدلفة
حد المزدلفة: مابين المأزمين ووادي محسر، وليس الحدان منها (1)، ويحصل المبيت بالمزدلفة بالحضور في أية بقعة منها (2).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن جابر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نحرت ها هنا، ومنى كلها منحر، فانحروا فى رحالكم، ووقفت ها هنا، وعرفة كلها موقف، ووقفت ها هنا، وجمع كلها موقف)) (3).
ثانياً: أن كل ما بين المأزمين ووادي محسر يصدق عليه اسم مزدلفة (4).
_________
(1) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 441) قال النووي: (حد المزدلفة ما بين وادى محسر وما زمى عرفة وليس الحدان منها ويدخل في المزدلفة جميع تلك الشعاب القوابل والظواهر والجبال الداخلة في الحد المذكور) ((المجموع)) (8/ 128).
(2) ((المجموع)) للنووي (8/ 136).
(3) رواه مسلم (1218)
(4) ((المجموع)) للنووي (8/ 136).


الفصل الثالث: حكم الوقوف بالمزدلفة
الوقوف بالمزدلفة واجب من واجبات الحج، باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: (1) الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية في الأصح (4) والحنابلة (5). وهو قول طائفة من السلف (6).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة: 199]
وجه الدلالة:
الأصل في الأمر الوجوب حتى يقوم دليل على صرفه عن الوجوب (7)
ثانياً: من السنة:
1 - عن عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبل طيء أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله! ما تركت من حبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبلُ ليلاً أو نهاراً، فقد أتم حجه وقضى تفثه)) (8)
2 - حديث جابر رضي الله عنه: ((حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام ... )) (9).
_________
(1) قال النووي: (وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف) ((المجموع)) للنووي (8/ 150).
(2) ينبه إلى أن البيتوتة عند الحنفية ليست بواجبة إنما الواجب هو الوقوف، والأفضل أن يكون وقوفه بعد الصلاة فيصلي صلاة الفجر بغلس، ثم يقف عند المشعر الحرام. انظر: ((بدائع الصنائع)) (2/ 136).
(3) ((الشرح الكبير)) للدرديري (2/ 44)، ((مواهب الجليل)) لحطاب الرعيني (4/ 169).
(4) ((المجموع)) للنووي (8/ 134)، ((مغني المحتاج)) (1/ 499).
(5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 376) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 441).
(6) قال ابن قدامة: (هذا قول عطاء والزهري وقتادة والثوري والشافعي واسحاق وأبي عبيد) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 441).
(7) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 51)
(8) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/ 15) (16253). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/ 221): (صحيح ثابت)، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/ 97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (4/ 252).
(9) رواه مسلم (1218)


الفصل الرابع: حكم من فاته الوقوف الواجب في مزدلفة
من فاته الوقوف الواجب بالمزدلفة صح حجه، وعليه دم (1) إلا إن تركه لعذر (2) فلا شيء عليه، باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6)،
الدليل على وجوب الدم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((من نسي شيئا من نسكه، أو تركه فليهرق دماً)) (7).
وجه الدلالة:
أن مثله لا يقال بالرأي فله حكم الرفع، ولا مخالف له من الصحابة رضي الله عنهم، وعليه انعقدت فتاوى التابعين، وعامة الأمة (8).
الأدلة على سقوط الدم عمن ترك المبيت بالمزدلفة لعذر:
أولاً: من السنة:
1 - أن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص للرعاة في ترك المبيت؛ لحديث عدي رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى)) (9).
2 - أن العباس بن عبدالمطلب استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له (10).
وجه الدلالة:
أن العذر في المزدلفة كالعذر في منى من مشقة المبيت لأهل الأعذار.
ثانياً: أنها ليلة يرمى في غدها، فكان لهم ترك المبيت فيها، كليالي منى (11).
_________
(1) قال ابن عبدالبر: (ولم يختلفوا أنه من لم يبت بجمع ليلة النحر عليه دم، وأنه لا يسقط الدم عنه وقوفه بها ولا مروره عليها) ((الاستذكار)) (4/ 290).
(2) من الأعذار التي كثرت في الآونة الأخيرة تعطل السير بسبب الزحام، انظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (11/ 215 - 216).
(3) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 136) ((المبسوط)) للشيباني (2/ 423)،
(4) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 169 - 170)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 263).
(5) ((المجموع)) للنووي (8/ 136)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 499 - 500).
(6) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 437)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 497).
(7) رواه مالك (3/ 615)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 244)، والبيهقي (5/ 30) (9191). قال النووي في ((المجموع)) (8/ 99): إسناده صحيح عن ابن عباس موقوفاً عليه لا مرفوعاً، وصحح إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 314)، وقال محمد الأمين الشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 330): (صح عن ابن عباس موقوفاً عليه، وجاء عنه مرفوعاً ولم يثبت)، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (1100): (ضعيف مرفوعاً وثبت موقوفاً).
(8) قال الشنقيطي: (إذا علمت أن الأثر المذكور ثابت بإسناد صحيح عن ابن عباس، فاعلم أن وجه استدلال الفقهاء به على سائر الدماء التي قالوا بوجوبها غير الدماء الثابتة بالنص، أنه لا يخلو من أحد أمرين: الأول: أن يكون له حكم الرفع، بناء على أنه تعبد، لا مجال للرأي فيه، وعلى هذا فلا إشكال. والثاني: أنه لو فرض أنه مما للرأي فيه مجال، وأنه موقوف ليس له حكم الرفع، فهو فتوى من صحابي جليل لم يعلم لها مخالف من الصحابة، وهم رضي الله عنهم خير أسوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ((أضواء البيان)) (4/ 473)، وانظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 152)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 367).
(9) رواه أبو داود (1975)، والترمذي (955)، وابن ماجه (2481)، وأحمد (5/ 450) (23826)، ومالك في ((الموطأ)) (3/ 598)، والدارمي (2/ 86) (1897)، والحاكم (1/ 652)، والبيهقي (5/ 150) (9955). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 651)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1975).
(10) رواه البخاري (1634)، ومسلم (1315)
(11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 437).


الفصل الخامس: صلاتا المغرب والعشاء في المزدلفة
المبحث الأول: الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في المزدلفة
يسن للحاج أن يجمع في مزدلفة بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير (1)، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية في المشهور (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، وبه قال أبو يوسف من الحنفية (5)، وهو قول طائفة من السلف (6). وحكى الإجماع على ذلك ابن المنذر (7)، وابن عبدالبر (8)، وابن رشد (9)
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن ابن عمر، رضي الله عنهما قال: ((جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما بإقامة ولم يسبح بينهما، ولا على إثر كل واحدة منهما)) (10).
2 - عن أبي أيوب الأنصاري: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة)) (11).
3 - عن كريب عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سمعه يقول: ((دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة، فنزل الشعب فبال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء، فقلت له: الصلاة؟ فقال (الصلاة أمامك). فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهما)) (12).
المبحث الثاني: الجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين
_________
(1) قال ابن حزم: (واتفقوا على أن جمع صلاتي الظهر والعصر بعرفة ... وعلى أن جمع صلاتي المغرب والعشاء في مزدلفة بعد غروب الشمس) ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 45). وقال ابن تيمية: (اتفق المسلمون على الجمع بين الصلاتين بعرفة ومزدلفة؛ لأن جمع هاتين الصلاتين في حجة الوداع دون غيرهما مما صلاه بالمسلمين بمنى، أو بمكة هو من المنقول نقلاً عاما متواترا مستفيضاً) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 85).
(2) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (22/ 202)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 44)، ((حاشية الدسوقي)) لمحمد بن أحمد الدسوقي (2/ 44)،
(3) ((المجموع)) للنووي (8/ 133)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 176).
(4) ((المغني)) لابن قدامة (أن السنة لمن دفع من عرفة) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 437).
(5) ((بدائع الصنائع)) (2/ 155).
(6) قال ابن قدامة: (وهو قول عطاء وعروة والقاسم بن محمد وسعيد بن جبير، واختاره إسحاق وأبو ثور) ((الشرح الكبير)) لشمس الدينابن قدامة (3/ 439).
(7) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن السنة أن يجمع الحاج بين المغرب والعشاء) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 57).
(8) قال ابن عبدالبر: (وأجمع العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع من عرفة بالناس بعدما غربت الشمس يوم عرفة فأفاض إلى المزدلفة وأنه عليه السلام أخر حينئذ صلاة المغرب فلم يصلها حتى أتى المزدلفة فصلى بها بالناس بالمغرب والعشاء جميعا بعدما غاب الشفق ودخل وقت العشاء الآخرة وأجمعوا أن ذلك سنة الحاج في ذلك الموضع) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (9/ 269).
(9) قال ابن رشد: (أجمعوا على أن الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة سنة وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة أيضا في وقت العشاء سنة أيضا. واختلفوا في الجمع في غير هذين المكانين) ((بداية المجتهد)) (1/ 170).
(10) رواه البخاري (1673)، ومسلم (703)
(11) رواه البخاري (1674)، ومسلم (1287)
(12) رواه البخاري (139)، ومسلم (1280)


يجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، وهذا مذهب الشافعية (1) والحنابلة (2)، وبه قال زفر (3) والطحاوي (4) من الحنفية، وعبدالملك ابن الماجشون من المالكية (5)،واختاره ابن المنذر (6)، وابن حزم (7)، وابن القيم (8)، والشوكاني (9)، والشنقيطي (10)، وابن باز (11)، وابن عثيمين (12).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن جابر رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع حتى طلع الفجر وصلى الفجر)) (13).
2 - عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: ((دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال، ثم توضأ فقلت له: الصلاة يا رسول الله، قال: الصلاة أمامك. فركب فلما جاء مزدلفة نزل، فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت الصلاة فصلى، ولم يصل بينهما)) (14).
ثانياً: الاعتبار بالجمع بعرفة (15).
المبحث الثالث: صلاة الفجر في مزدلفة تصلى في أوَّل وقتها
_________
(1) ((المجموع)) للنووي (8/ 134)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 135).
(2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 374) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 491).
(3) ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/ 145)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 27).
(4) قال الطحاوي بعدما ذكر الخلاف في المسألة: (فلما اختلفوا في ذلك على ما ذكرنا , وكانت الصلاتان يجمع بينهما بمزدلفة , وهما المغرب والعشاء , كما يجمع بين الصلاتين بعرفة , وهما الظهر والعصر , فكان هذا الجمع في هذين الموطنين جميعا لا يكون إلا لمحرم في حرمة الحج , فلا يكون لحلال ولا لمعتمر غير حاج , وكانت الصلاتان بعرفة تصلى أحدهما في إثر صاحبتها , ولا يعمل بينهما عمل , وكانتا يؤذن لهما أذانا واحدا , ويقام لهما إقامتين كما يفعل بعرفة سواء. هذا هو النظر في هذا الباب وهو خلاف قول أبي حنيفة , وأبي يوسف , ومحمد) ((شرح معاني الآثار)) (2/ 214)، وانظر ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 27). و ((حاشية رد المحتار)) لابن عابدين (1/ 391).
(5) ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/ 424)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (9/ 266).
(6) رجح ابن المنذر بعدما ذكر الخلاف في المسألة القول بأذان واحد وإقامتين، انظر ((الإشراف)) (3/ 316).
(7) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 129).
(8) قال ابن القيم: (والصحيح: أنه صلاهما بأذان وإقامتين، كما فعل بعرفة) ((زاد المعاد)) (2/ 247).
(9) قال الشوكاني بعد أن ذكر الأقوال: (والحق ما قاله الأولون؛ لأن حديث جابر مشتمل على زيادة الأذان، وهي زيادة غير منافية فيتعين قبولها) ((نيل الأوطار)) (3/ 221).
(10) قال الشنقيطي: (فاعلم أنه صلى الله عليه وسلم نزل في الطريق، فبال وتوضأ وضوءا خفيفا وأخبرهم بأن الصلاة أمامهم ثم أتى المزدلفة فأسبغ وضوءه وصلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين) ((أضواء البيان)) (4/ 442).
(11) قال ابن باز: (المشروع لجميع الحجاج المبادرة بصلاة المغرب والعشاء جمعا وقصرا بأذان واحد وإقامتين من حين وصولهم إلى مزدلفة قبل حط الرحال) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 243).
(12) قال ابن عثيمين: (وقوله: ((بأذان واحد وإقامتين))، وهذا هو الصحيح في الجمع أنه أذان واحد للصلاتين جميعاً وإقامتان، لكل صلاة إقامة) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (24/ 491).
(13) رواه مسلم (1218)
(14) رواه البخاري (139)، ومسلم (1280)
(15) ((شرح معاني الآثار)) (2/ 214)، و ((الهداية شرح البداية)) (1/ 145).


يُشرع للحاج بعد بياته بمزدلفة أن يصلي صلاة الفجر في أوَّل وقتها، ويأتي المشعر الحرام (جبل قزح) ويقف عنده فيدعو الله سبحانه وتعالى (1)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر وفيه: ((حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا الله تعالى وكبره وهلله، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جدًّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس)) (6).
2 - عن عبدالله قال ((ما رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها إلا المغرب والعشاء بجمع وصلاة الفجر يومئذ قبل ميقاتها)) (7).
ثانياً: أنه يستحب الدعاء بعدها، فاستحب تقديمها ليكثر الدعاء.
ثالثاً: ليتسع الوقت لوظائف هذا اليوم من المناسك فإنها كثيرة في هذا اليوم، فليس في أيام الحج أكثر عملاً منه (8).
_________
(1) قال ابن عبدالبر: (وأجمع العلماء على أن النبي عليه السلام وقف بالمشعر الحرام بعد ما صلى الفجر ثم دفع قبل طلوع الشمس) ((الاستذكار)) (4/ 292).
(2) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 33)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 156).
(3) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 374)، ((التاج والإكليل)) لمحمد بن يوسف العبدري (3/ 478)
(4) ((المجموع)) للنووي (8/ 125).
(5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 375 - 376).
(6) رواه مسلم (1218)
(7) رواه البخاري (1682)، ومسلم (1289).
(8) ((المجموع)) للنووي (8/ 141).


الفصل السادس: الدفع من مزدلفة
المبحث الأول: الدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس
يستحب أن يدفع الحاج من مزدلفة قبل طلوع الشمس.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر وفيه: ((حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا الله تعالى وكبره وهلله، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدًّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس)) (1).
2 - عن أبي إسحاق سمعت عمرو بن ميمون يقول: شهدت عمر، رضي الله عنه، صلى بجمع الصبح ثم وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبير، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس (2).
ثانياً: الإجماع:
ونقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (3)، وابن قدامة (4).
المبحث الثاني: تقديم النساء والضعفة من مزدلفة إلى منى
لا بأس بتقديم الضعفة والنساء قبل طلوع الفجر وبعد نصف الليل، وهو مذهب الشافعية (5)، والحنابلة (6)، وهو قول طائفة من السلف (7)، واختاره ابن باز (8)، وابن عثيمين (9)، وحكى ابن قدامة الإجماع على جواز تقديم ضعفة أهله في الجملة (10).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
_________
(1) رواه مسلم (1218)
(2) رواه البخاري (1684)
(3) قال ابن عبدالبر: (وأجمع العلماء على أن النبي عليه السلام وقف بالمشعر الحرام بعد ما صلى الفجر ثم دفع قبل طلوع الشمس) ((الاستذكار)) (4/ 292).
(4) قال ابن قدامة: (لا نعلم خلافا في أن السنة الدفع قبل طلوع الشمس، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله) ((المغني)) (3/ 377).
(5) ((المجموع)) للنووي (8/ 139،151).
(6) ((مغنى المحتاج)) للشربيني (1/ 500)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 442، 443).
(7) قال ابن المنذر: (وممن كان يقدم ضعفة أهله من جمع بليل عبدالرحمن بن عوف، وعائشة أم المؤمنين، وبه قال عطاء، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي) ((الإشراف)) (3/ 319). وقال ابن قدامة: (وممن كان يقدم ضعفة أهله عبدالرحمن بن عوف وعائشة، وبه قال عطاء والثوري وأبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافا) ((المغني)) (3/ 377).
(8) قال ابن باز: (يجوز للحاج الخروج من مزدلفة في النصف الأخير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للنساء والضعفة ومن معهم في ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 284).
(9) قال ابن عثيمين: (يجوز لمن كان ضعيفاً لا يستطيع مزاحمة الناس في الرمي، أن يدفع من مزدلفة في آخر الليل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن للضعفة من أهله أن يدفعوا في آخر الليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- ترقب غروب القمر، فإذا غرب دفعت. وهذا أحسن من التحديد بنصف الليل، لأنه هو الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الموافق للقواعد، وذلك أنه لا يجعل حكم الكل للنصف، وإنما يجعل حكم الكل للأكثر والأغلب، وبهذا نعرف أن قول من قال من أهل العلم: إنه يكفي أن يبقى في مزدلفة بمقدار صلاة المغرب والعشاء، ولو قبل منتصف الليل، قول مرجوح، وأن الصواب الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما فعله، وفيما أذن فيه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 52).
(10) قال ابن قدامة: (وممن كان يقدم ضعفة أهله عبدالرحمن بن عوف وعائشة، وبه قال عطاء والثوري وأبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافا) ((المغني)) (3/ 377).


1 - حديث عائشة قالت: ((استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة تدفع قبله وقبل خطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة فأذن لها)) (1)
2 - عن ابن عباس قال: ((أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله)) (2)
3 - عن ابن عمر أنه كان يقدم ضعفة أهله، فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل، فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول ((أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (3).
4 - عن عبدالله مولى أسماء ((أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلى فصلت ساعة، ثم قالت: يا بني، هل غاب القمر؟ قلت: لا. فصلت ساعة، ثم قالت: يا بني، هل غاب القمر؟ قلت: نعم. قالت: فارتحلوا. فارتحلنا فمضينا حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: ما أرانا إلا قد غلسنا. قالت: يا بني، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن)) (4)
5 - عن أم حبيبة ((أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بها من جمع بليل)) (5)
ثانياً: أن فيه رفقاً بهم، ودفعاً لمشقة الزحام عنهم، واقتداء بفعل نبيهم صلى الله عليه وسلم (6).
المبحث الرابع: الإسراع في وادي محسر
يُشرع الإسراع في وادي محسر، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (7)،والمالكية (8)، والشافعية (9)، والحنابلة (10)، وبه عمل طائفة من السلف (11).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن جابر رضي الله عنه قال: ((أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينة، وأمرهم بالسكينة، وأوضع في وادي محسر ... )) (12)
ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم:
1 - عن المسور بن مخرمة: ((أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يوضع ويقول: إليك تعدو قلقاً وضينها مخالف دين النصارى دينها)) (13).
2 - عن نافع: ((أن عبدالله بن عمر كان يحرك راحلته في بطن محسر قدر رمية بحجر)) (14).
_________
(1) رواه البخاري (1681)، ومسلم (1290)
(2) رواه البخاري (1678)، ومسلم (1293)
(3) رواه البخاري (1676)، ومسلم (1295)
(4) رواه البخاري (1679)، ومسلم (1291)
(5) رواه مسلم (1292)
(6) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 377).
(7) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 368).
(8) ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/ 138) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 297).
(9) ((المجموع)) للنووي (8/ 125)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 100).
(10) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 378)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 444).
(11) قال ابن المنذر: (وممن كان يوضع في بطن وادي محسر ابن معسود، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وتبعهم عليه كثير من أهل العلم) ((الإشراف)) (3/ 320).
(12) رواه أبو داود (1944)، والترمذي (886)، والنسائي (5/ 258)، وابن ماجه (2467)، وأحمد (3/ 332) (14593)، والدارمي (2/ 86) (1899). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (3/ 79): (معناه عند مسلم)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود))
(13) رواه البيهقي (5/ 126) (9799) وصححه ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (5/ 164)
(14) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 576)، والبيهقي (5/ 126) (9800) قال النووي في ((المجموع)) (8/ 146): صحيح عن ابن عمر.