الموسوعة الفقهية الدرر السنية

المبحث الأول: معنى رمي الجمار
الجمار: جمع جمرة، وهي الحجار الصغار، وتطلق على المواضع التي يرمي فيها حصيات الجمار في مني، إما لأنها ترمى بالجمار، وإما لأنها مجمع الحصى التي يرمى بها، وإما لاجتماع الحجيج عندها (1) (2).
ورمي الجمار في عرف الشرع: القذف بالحصى في زمان مخصوص، ومكان مخصوص، وعدد مخصوص (3).
_________
(1) قال الشنقيطي: (اعلم أن العلماء اختلفوا في المعنى الذي منه الجمرة، فقال بعض أهل العلم: الجمرة في اللغة: الحصاة، وسميت الجمرة التي هي موضع الرمي بذلك، لأنها المحل الذي يرمى فيه بالحصى، وعلى هذا فهو من تسمية الشيء باسم ما يحل فيه، وقال بعض أهل العلم: أصل الجمرة من التجمر بمعنى التجمع، تقول العرب: تجمر القوم، إذا اجتمعوا، وانضم بعضهم إلى بعض، وعلى هذا فاشتقاق الجمرة: من التجمر بمعنى التجمع; لاجتماع الحجيج عندها يرمونها، وقيل: لأن الحصى يتجمع فيها) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (باختصار 4/ 466، 467)، وينظر: ((لسان العرب)) (4/ 144).
(2) ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) (مادة: جمر)، ((فتح الباري)) لابن حجر (مادة: جمر).
(3) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 137).


المبحث الثاني: أنواع الجمرات
الجمرات التي ترمى ثلاثة، وهي:
الجمرة الأولى: وتسمى الصغرى، أو الدنيا، وهي أول جمرة بعد مسجد الخيف بمنى، سميت " دنيا " من الدنو؛ لأنها أقرب الجمرات إلى مسجد الخيف.
الجمرة الثانية: وتسمى الوسطى، بعد الجمرة الأولى، وقبل جمرة العقبة.
جمرة العقبة: وتسمى أيضاً (الجمرة الكبرى) وتقع في آخر منى تجاه مكة، وليست من منى (1).
_________
(1) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (23/ 150)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (81/ 145).


المبحث الثالث: حكمة الرمي
أولاً: إقامة ذكر الله عز وجل:
حكمة الرمي في الجملة هي طاعة الله، فيما أمر به، وذكره بامتثال أمره على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم (1).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ [البقرة: 203].
وجه الدلالة:
أنه يدخل في الذكر المأمور به: رمي الجمار بدليل قوله بعده: فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 203]، فإن ذلك يدل على أن الرمي شرع لإقامة ذكر الله (2).
ثانياً: من السنة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)) (3).
ثانياً: الاقتداء بإبراهيم في عداوة الشيطان، ورميه، وعدم الانقياد إليه (4):
دليل ذلك:
_________
(1) قال النووي: (أصل العبادة الطاعة، وكل عبادة فلها معنى قطعاً; لأن الشرع لا يأمر بالعبث، ثم معنى العبادة قد يفهمه المكلف، وقد لا يفهمه، فالحكمة في الصلاة: التواضع، والخضوع، وإظهار الافتقار إلى الله تعالى، والحكمة في الصوم كسر النفس وقمع الشهوات، والحكمة في الزكاة: مواساة المحتاج، وفي الحج: إقبال العبد أشعث أغبر من مسافة بعيدة إلى بيت فضله الله كإقبال العبدالى مولاه ذليلاً، ومن العبادات التي لا يفهم معناها: السعي والرمي، فكلف العبد بهما ليتم انقياده، فإن هذا النوع لا حظ للنفس فيه، ولا للعقل، ولا يحمل عليه إلا مجرد امتثال الأمر، وكمال الانقياد، فهذه إشارة مختصرة تعرف بها الحكمة في جميع العبادات) ((المجموع)) للنووي (8/ 243). وقال الشنقيطي: (ما ذكره الشيخ النووي رحمه الله: من أن حكمة السعي والرمي غير معقولة المعنى غير صحيح فيما يظهر لي والله تعالى أعلم، بل حكمة الرمي، والسعي معقولة، وقد دل بعض النصوص على أنها معقولة) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 489 - 481). وقال ابن عثيمين: (الحكمة من رمي الجمرات: إقامة ذكر الله عز وجل، ولهذا يشرع أن يكبر عند رمي كل حصاة من أجل أدق يعظم الله تعالى بلسانه كما هو معظم له بقلبه، لأن رمي الجمرات على هذا المكان أظهر ما فيه من المعنى المعقول هو التعبد لله، وهذا كمال الانقياد، إذ إن الإنسان لا يعرف معنى معقولاً واضحاً في رمي هذه الحصى في هذا المكان سوى أنه يتعبد لله عز وجل بأمر، وِإن كان لا يعقل معناه على وجه التمام تعبداً لله تعالى وتذللاً له، وهذا هو كمال الخضوع لله عز وجل. ولهذا كان في رمي الجمار تعظيم لله باللسان وبالقلب) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 499، 500). وقال أيضاً: (الحكمة من رمي الجمرات هو كمال التعبد لله تعالى، والتعظيم لأمره. ولهذا يحصل ذكر الله بالقلب واللسان) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 501).
(2) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 479).
(3) رواه أبو داود (1888)، الترمذي (902)، وأحمد (6/ 64) (24396)، وابن خزيمة (4/ 222) (2738)، والحاكم (1/ 630). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وقال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، وقال النووي في ((المجموع)) (8/ 56): (إسناده كله صحيح إلا عبيد الله فضعفه أكثرهم ضعفاً يسيراً)، وضعفه الألباني في ((ضعيف سنن الترمذي)) (902)
(4) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 479).


عن ابن عباس مرفوعاً قال: ((لما أتى إبراهيم خليل الله عليه السلام المناسك، عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات، حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات، حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له في الجمرة الثالثة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الشيطان ترجمون، وملة أبيكم تتبعون)) (1) (2).
_________
(1) رواه الحاكم (1/ 638)، والبيهقي (5/ 153) (9975). قال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)، وصححه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (1156)
(2) قال الغزالي: (أما رمي الجمار فاقصد به الانقياد للأمر إظهاراً للرق والعبودية وانتهاضاً لمجرد الامتثال من غير حظ للعقل والنفس فيه ثم اقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة أو يفتنه بمعصية فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طرداً له وقطعاً لأمله فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه وأنه يضاهي اللعب فلم تشتغل به فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيماً له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه) ((إحياء علوم الدين)) (1/ 270). وقال الشنقيطي: فكأن الرمي رمز وإشارة إلى عداوة الشيطان التي أمرنا الله بها في قوله تعالى: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً، وقوله تعالى: أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو، ومعلوم أن الرجم بالحجارة من أكبر مظاهر العداوة. ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 479).


المبحث الرابع: حكم رمي الجمار
رمي الجمار واجبٌ في الحج.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي)) (1).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في هذا الحديث وفي أحاديث كثيرة أنه رمى الجمرة، والأصل في أفعاله في الحج الوجوب، لأن أفعاله فيها وقع بياناً لمجمل الكتاب، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((لتأخذوا مناسككم)) (2) (3).
1 - عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل فقال: لم أشعر، فحلقت قبل أن أذبح؟ قال: اذبح ولا حرج فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال: ارم ولا حرج)) (4).
وجه الدلالة:
أنه أمر بالرمي، وظاهر الأمر يقتضي الوجوب (5).
ثانياً:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((من ترك شيئا من نسكه فليهرق دماً)) (6) (7).
ثالثاً: الإجماع:
نقل الإجماع على وجوب الرمي: الكاساني (8)، والنووي (9)، وابن تيمية (10)، والشنقيطي (11).
_________
(1) رواه البخاري (1218)
(2) رواه مسلم (1297)
(3) قال الشوكاني: (قد صح من قبله صلى الله عليه وسلم على الصفة الثابتة في الأحاديث المشتملة على بيان حجه صلى الله عليه وسلم فكان رميها منسكاً من مناسك الحج لما قدمنا من أن فعله صلى الله عليه وسلم لبيان مجمل الكتاب والسنة ومن جملة ذلك ما في حديث جابر الثابت في الصحيح قال: ((رمى النبي صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى وأما بعد فإذا زالت الشمس))). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) للشوكاني (ص: 328)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 136).
(4) رواه البخاري (83)، ومسلم (1306).
(5) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 136).
(6) رواه مالك (3/ 615)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 244)، والبيهقي (5/ 30) (9191). قال النووي في ((المجموع)) (8/ 99): (إسناده صحيح عن ابن عباس موقوفاً عليه لا مرفوعاً)، وصحح إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 314)، وقال محمد الأمين الشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 330): (صح عن ابن عباس موقوفاً عليه)، وجاء عنه مرفوعاً ولم يثبت، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (1100): (ضعيف مرفوعاً وثبت موقوفاً).
(7) قال الشنقيطي: (فإذا علمت أن الأثر المذكور ثابت بإسناد صحيح، عن ابن عباس، فاعلم أن وجه استدلال الفقهاء به على سائر الدماء التي قالوا بوجوبها غير الدماء الثابتة بالنص، أنه لا يخلو من أحد أمرين. الأول: أن يكون له حكم الرفع، بناء على أنه تعبد، لا مجال للرأي فيه، وعلى هذا فلا إشكال. والثاني: أنه لو فرض أنه مما للرأي فيه مجال، وأنه موقوف ليس له حكم الرفع، فهو فتوى من صحابي جليل لم يعلم لها مخالف من الصحابة، وهم رضي الله عنهم خير أسوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 473).
(8) قال الكاساني: (إن الأمة أجمعت على وجوبه) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 136)
(9) قال النووي: (رمي جمرة العقبة واجب بلا خلاف) ((المجموع)) للنووي (8/ 162)، ((شرح النووي على مسلم)) (9/ 42).
(10) قال ابن تيمية: (وعليه أيضا رمي الجمار أيام منى باتفاق المسلمين) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (17/ 460).
(11) قال الشنقيطي: (إذا عرفتَ أقوالَ أهل العلم في حكم من أخل بشيء من الرمي، حتى فات وقته، فاعلم أن دليلهم في إجماعهم على أن من ترك الرمي كله وجب عليه دم، هو ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من نسي من نسكه شيئا، أو تركه، فليهرق دما، وهذا صح عن ابن عباس موقوفا عليه، وجاء عنه مرفوعا ولم يثبت) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 472).


المبحث الخامس: شروط الرمي
الشرط الأول:
أن يكون المرمي حَجَراً؛ فيجزئ المرمي بكل ما يسمى حصى، وهي الحجارة الصغار، ولا يصح الرمي بالطين، والمعادن، والتراب عند الجمهور من المالكية (1) , والشافعية (2) والحنابلة (3) (4).
الأدلة:
1 - ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر يصف رمي جمرة العقبة: ((فرماها بسبع حصيات - يكبر مع كل حصاة منها - مثل حصى الخذف)) (5).
2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى وأمر بالرمي بمثل حصى الخذف فلا يتناول غير الحصى، ويتناول جميع أنواعه فلا يجوز تخصيص بغير دليل ولا إلحاق غيره به (6).
4 - أنه أحوط.
الشرط الثاني: العدد المخصوص:
أن يكون عدد الحصيات سبعاً لكل جمرة وهو قول المذاهب الأربعة من الحنفية (7) والمالكية (8) والشافعية (9) والحنابلة (10).
الأدلة:
1. حديث جابر وفيه: ((ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصى الخذف، رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى لمنحر)) (11)
2. عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات، يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم حتى يسهل، فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا، ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل، ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا، ويدعو ويرفع يديه، ويقوم طويلا، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف، فيقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله)) (12).
مسألة: لو ترك شيئاً من الحصى وفاته أن يتداركها
_________
(1) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 339) , ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 812).
(2) ((الأم)) للشافعي (2/ 234) , ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 179).
(3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 451).
(4) قال النووي: (فأمر صلى الله عليه وسلم بالحصى، فلا يجوز العدول عنه، والأحاديث المطلقة محمولة على هذا المعنى) ((المجموع)) للنووي (8/ 186) , وقال الكمال بن الهمام: (إن أكثر المحققين على أنها أمور تعبدية، لا يشتغل بالمعنى فيها - أي بالعلة - والحاصل أنه إما أن يلاحظ مجرد الرمي، أو مع الاستهانة، أو خصوص ما وقع منه عليه الصلاة والسلام، والأول يستلزم الجواز بالجواهر، والثاني بالبعرة والخشبة التي لا قيمة لها، والثالث بالحجر خصوصا، فليكن هذا أولى، لكونه أسلم، ولكونه الأصل في أعمال هذه المواطن، إلا ما قام دليل على عدم تعيينه) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 489).
(5) رواه مسلم (1218)
(6) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 451).
(7) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 485).
(8) ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 815).
(9) ((الأم)) للشافعي (2/ 234) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 196).
(10) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 509 - 510).
(11) رواه مسلم (1218).
(12) رواه البخاري (1751).


يجب استيفاء عدد حصيات الرمي السبع في كل جمرة، وهو المذهب عند المالكية (1) , ورواية عند أحمد (2) وبه قال الأوزاعي (3) , والليث (4) , وهو قول الشنقيطي (5) وابن باز (6) وابن عثيمين (7)
الأدلة:
1. حديث جابر وفيه: ((فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة)) (8).
2. حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات ... )) (9).
وجه الدلالة:
أن الروايات الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يرمي الجمار بسبع حصيات. مع قوله: ((لتأخذوا مناسككم)) فلا ينبغي العدول عن ذلك; لوضوح دليله وصحته، ولأن مقابله لم يقم عليه دليل يقارب دليله (10).
الشرط الثالث: أن يرمي الجمرة بالحصيات السبع متفرقات واحدة فواحدة
فلو رمى حصاتين معاً أو السبع جملة، فهي حصاة واحدة، ويلزمه أن يرمي بست سواها، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (11) , والمالكية (12) , والشافعية (13) , والحنابلة (14).
الأدلة:
أن المنصوص عليه تفريق الأفعال فيتقيد بالتفريق الوارد في السنة (15).
الشرط الرابع:
وقوع الحصى في الجمرة التي يجتمع فيها الحصى، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (16)، والشافعية (17)، والحنابلة (18).
الشرط الخامس:
_________
(1) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 410)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 265).
(2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 522).
(3) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 581).
(4) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 357).
(5) قال الشنقيطي: (اعلم: أن التحقيق في عدد الحصيات التي ترمى بها كل جمرة: سبع حصيات، وأحوط الأقوال في ذلك قول مالك وأصحابه، ومن وافقهم: أن من ترك حصاة واحدة كمن ترك رمي الجميع) ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 475).
(6) قال ابن باز: (فالجمرات تتداخل إذا تركه كله أو ترك رمي يوم من أيام التشريق غير اليوم الثالث، بأن ترك رمي الحادي عشر أو الثاني عشر, أو ترك جمرة واحدة يعني سبع حصيات, أو أربع حصيات, أو خمس حصيات, أو ثلاث حصيات فإن عليه دم. ويلاحظ في مسألة الرمي، أن الدم إنما يجب عند فوات الوقت, أما ما دام الوقت موجوداً فإنه يكمل.) ((الموقع الرسمي للشيخ ابن باز)).
(7) سئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: حاج رمى جمرة العقبة في آخر يوم بثلاث حصيات فقط والباقي نفدت دون سقوط في الحوض، أو ضربت في العمود ثم خرجت ولم يأخذ حصاة ولم يرم فماذا يلزمه؟ فأجاب- رحمه الله- بقوله: ( .... أما بالنسبة للسائل فأنا: أقول- وعلى ذمة القائلين من العلماء بذلك- إنه يجب عليه أن يذبح فدية في مكة ويوزعها على الفقراء، لأنه ترك واجباً). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 266).
(8) رواه مسلم (1218)
(9) رواه البخاري (1751)
(10) ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 475).
(11) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 30).
(12) ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 815).
(13) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 176) , ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 312).
(14) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 448) , ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 26).
(15) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 30).
(16) ((حاشية الدسوقي)) (2/ 50).
(17) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 176) , ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 508).
(18) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 501) , ((المغني)) لابن قدامة (3/ 456).


أن يقصد المرمى ويقع الحصى فيه بفعله فلو ضرب شخص يده فطارت الحصاة إلى المرمى وأصابته لم يصح وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (1) , والمالكية (2) , والشافعية (3) , والحنابلة (4).
الأدلة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات)) (5).
الشرط السادس:
أن يرمي الحصيات رمياً ولا يكتفي بوضعها وضعاً، وهذا هو قول اتفق عليه أصحاب المذاهب الأربعة من الحنفية (6) , والمالكية (7) , والشافعية (8) , والحنابلة (9).
الأدلة:
1. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرات, وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (10)
2. لأنه مأمور بالرمي فاشترط فيه ما يقع عليه اسم الرمي.
الشرط السابع: ترتيب الجمرات في رمي أيام التشريق
يشترط أن يرمي الجمار الثلاث على الترتيب: يرمي أولاً الجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم يرمي جمرة العقبة، وهو مذهب الجمهور من المالكية (11) , والشافعية (12) , والحنابلة (13).
الأدلة:
1. أن النبي صلى الله عليه وسلم رتبها في الرمي وقال ((لتأخذوا مناسككم)) (14).
2. ولأنه نسك متكرر فاشترط الترتيب فيه كالسعي
الشرط الثامن: أن يكون الرمي في زمن الرمي
_________
(1) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 513).
(2) ((المدونة الكبرى)) لمالك (1/ 436) , ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 276).
(3) ((المجموع)) للنووي (8/ 155).
(4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 456).
(5) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907) بلفظ: (إنما الأعمال بالنية).
(6) ((بدائع الصنائع)) (2/ 137) , ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 369).
(7) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 377) , ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 133).
(8) ((المجموع)) للنووي (8/ 173).
(9) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 450).
(10) رواه مسلم (1297)
(11) ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 815) , ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 340).
(12) ((المجموع)) للنووي (8/ 239) , ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/ 312).
(13) ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لابن قدامة (3/ 477) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 509).
(14) رواه مسلم (1297)


المبحث السادس: سنن الرمي
المطلب الأول: أن يقف في بطن الوادي عند رمي جمرة العقبة وتكون منى عن يمينه ومكة عن يساره
الأفضل في موقف الرامي جمرة العقبة أن يقف في بطن الوادي وتكون منى عن يمينه ومكة عن يساره، وهو مذهب جماهير أهل العلم من الحنفية (1) , والمالكية (2) , والصحيح عند الشافعية (3) , وقول جماعة من السلف (4) , واختاره ابن تيمية (5) , وابن القيم (6) , والشنقيطي (7) , وابن باز (8) , وابن عثيمين (9).
الأدلة:
حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، فعن عبدالرحمن بن يزيد: ((أنه حجَّ مع عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، فرآه يرمي الجمرة الكبرى بسبع حصيات يُكبِّر مع كل حصاة، فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ثم قال: ((هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة))، وفي لفظ: ((أنه لما انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ورمى بسبع، وقال هكذا رمى الذي أُنزلت عليه سورة البقرة)) (10).
فرع: رمي جمرة العقبة من الجهات الأخرى
_________
(1) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 233) , ((مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر)) لشيخي زاده (1/ 412).
(2) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 341) , ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 812).
(3) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 163) , ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 501).
(4) قال النووي: ( ... وبهذا قال جمهور العلماء منهم ابن مسعود وجابر والقاسم بن محمد وسالم وعطاء ونافع والثوري ومالك وأحمد) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 184).
(5) قال ابن تيمية: (ولا يرمي يوم النحر غيرها, يرميها مستقبلاً لها يجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه هذا هو الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 135).
(6) قال ابن القيم: (فأتى جمرة العقبة، فوقف في أسفل الوادي، وجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، واستقبل الجمرة، وهو على راحلته فرماها راكباً بعد طلوع الشمس) ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) لابن القيم (2/ 237).
(7) قال الشنقيطي: (اعلم أن الأفضل في موقف من أراد رمي جمرة العقبة أن يقف في بطن الوادي، وتكون منى عن يمينه، ومكة عن يساره كما دلت الأحاديث الصحيحة، على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كذلك.) ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 458).
(8) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 77).
(9) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 301).
(10) رواه البخاري (1750) ومسلم (1296).


يجوز رمي جمرة العقبة من أي جهة كانت، من فوقها أو من أسفل منها، من أمامها، أو من خلفها، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (1)، والمالكية في الأظهر (2)، والحنابلة (3)، ونصَّ عليه الشافعي (4)، واختاره ابن بطال (5)، وابن عبدالبر (6)، والكمال ابن الهمام (7)، واختاره ابن باز (8)، وابن عثيمين (9). وحكى الإجماع على ذلك: ابن عبدالبر (10)، وابن رشد (11)، والنووي (12).
الأدلة:
_________
(1) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 485)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 30).
(2) قال خليل: (وفي إجزاء ما وقف بالبناء تردد. قال الحطاب: الظاهر الإجزاء والله أعلم) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 191). وقال في النوادر: (قال مالك ورميها من أسفلها فإن لم يصل لزحام فلا بأس أن يرميها من فوقها وقد فعله عمر لزحام ثم رجع مالك فقال لا يرميها إلا من أسفلها فإن فعل فليستغفر الله) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 179)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 812).
(3) قال ابن قدامة: (وإن رماها من فوقها جاز؛ لأن عمر - رضي الله عنه - جاء والزحام عند الجمرة، فصعد فرماها من فوقها) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 381)، وينظر أيضاً: ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 501).
(4) قال الشافعي: (ومن حيث رماها أجزأه) ((الأم)) للشافعي (2/ 235)، بينما نقل المتأخرون من الشافعية عن بعض المتأخرين: أن جمرة العقبة ليس لها إلا وجه واحد ورمي كثيرين من أعلاها باطل، ولم يتعقبوه. ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 508)، ((تحفة المحتاج في شرح المنهاج)) لابن حجر للهيتمي و ((حواشي الشرواني والعبادي)) (4/ 132)
(5) قال ابن بطال: (رمي جمرة العقبة من حيث تيسر من العقبة من أسفلها أو أعلاها أو وسطها، كل ذلك واسع) ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (9/ 182).
(6) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 351)، وينظر: ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 374).
(7) قال الكمال ابن الهمام: (فعله - عليه الصلاة والسلام - من أسفلها سنة لا لأنه المتعين) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 485).
(8) قال ابن باز: (يستحب أن يرميها من بطن الوادي، ويجعل الكعبة عن يساره، ومنى عن يمينه؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن رماها من الجوانب الأخرى أجزأه ذلك إذا وقع الحصى في المرمى) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 77).
(9) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 325)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 502).
(10) قال ابن عبدالبر: (سُئلَ عبدالرحمن بن القاسم: من أين كان القاسم يرمي جمرة العقبة؟ فقال: من حيث تيسر)، قال أبو عمر: (يعني من حيث تيسر من العقبة من أسفلها أو من أعلاها أو وسطها كل ذلك واسع، وقد أجمعوا أنه إن رماها من فوق الوادي أو أسفله أو ما فوقه أو أمامه فقد جزى عنه) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 351).
(11) قال ابن رشد: (اتفقوا على أن جملة ما يرميه الحاج سبعون حصاة, منها في يوم النحر جمرة العقبة بسبع, وأن رمي هذه الجمرة من حيث تيسر من العقبة من أسفلها أو من أعلاها أو من وسطها كل ذلك واسع) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 352).
(12) قال النووي: (وأجمعوا على أنه من حيث رماها جاز سواء استقبلها, أو جعلها عن يمينه, أو عن يساره, أو رماها من فوقها, أو أسفلها, أو وقف في وسطها ورماها) ((شرح النووي على مسلم)) (9/ 42).


أولاً: أنه ثبت رمي خلق كثير في زمن الصحابة من أعلاها، ولم يأمروهم بالإعادة، ولا أعلنوا بالنداء بذلك في الناس (1).
ثانياً: أن رميه صلى الله عليه وسلم من أسفلها سنة، لا أنه المتعين، وكان وجه اختيار الرمي من الأسفل هو توقع الأذى إذا رموا من أعلاها لمن أسفلها فإنه لا يخلو من مرور الناس فيصيبهم الحصى، وقد انعدم هذا التخوف بإزالة الجبل الذي كان ملاصقاً للجمرة من الخلف، وصار الجميع يرمي في مستوى واحد (2).
ثالثا: أن ما حولها موضع النسك؛ فلو رماها من أي جهة أجزأه (3).
المطلب الثاني: أن يكون الرمي بمثل حصى الخذف
وهو قول الجمهور من الحنفية (4) ,والمالكية (5) , والشافعية (6) , والحنابلة (7)،وبه قال جماعة من السلف (8) ,
الأدلة:
1. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته: ((القط لي حصى فلقطت له سبع حصيات من حصى الخذف فجعل يقبضهن في كفه ويقول: أمثال هؤلاء فارموا ثم قال: أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)) (9).
2. حديث جابر رضي الله عنه وفيه: ((حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها ضحى بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف)) (10)
المطلب الثالث: الموالاة بين الرميات السبع
الموالاة بين الرميات السبع مستحب وليس بشرط وهو قول الجمهور من الحنفية (11) , والحنابلة (12) ,والصحيح عند المالكية (13) , والشافعية (14) , واختاره ابن عثيمين (15).
المطلب الرابع: ألا يكون الحصى مما رمي به
_________
(1) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 485)، وروي ذلك عن عمر، فعن الأسود قال: ((رأيت عمر رمى جمرة العقبة من فوقها)). ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 265)، ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (3/ 256)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 580)، ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (9/ 183)، ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 458).
(2) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 195)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 485)، ((مجلة المجمع الفقهي)) (العدد الثالث: 3/ 1591)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 324، 325).
(3) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 30).
(4) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 30) , ((المبسوط)) للشيباني (2/ 429).
(5) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 375).
(6) ((المجموع)) النووي (8/ 183) , ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 313).
(7) ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لابن قدامة (3/ 446) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 499).
(8) قال النووي: (وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف منهم ابن عمر, وجابر, وابن عباس, وابن الزبير, وطاوس, وعطاء, وسعيد بن جبير, وأبو حنيفة, وأبو ثور .. ) ((المجموع)) النووي (8/ 183).
(9) رواه النسائي (5/ 268)، وابن ماجه (2473)، وأحمد (1/ 215) (1851)، وابن حبان (9/ 183) (3871)، والحاكم (1/ 637). وصححه ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (24/ 428)، وصحح إسناده على شرط مسلم النووي في ((المجموع)) (8/ 171)، وابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/ 327)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (5/ 268)
(10) رواه مسلم (1218)
(11) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 514) , ((حاشية رد المختار على الدر المختار)) لابن عابد (2/ 514).
(12) ((الفروع)) للمرداوي (6/ 53).
(13) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 334) , ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 134).
(14) ((المجموع)) للنووي (8/ 240) , ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 507).
(15) قال ابن عثيمين: (لأن الموالاة في الرمي ليست بشرط عند كثير من العلماء) اللقاء الشهري.


يُفَضَّل ألا يكون الحجر مما رمي به فإن رمى بالحجر المستعمل أجزأه, وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية (1) , والمالكية (2) , والشافعية (3) , وقول عن الحنابلة (4).
الأدلة:
1. لأن اشتراط عدم الاستعمال ليس عليه دليل والأصل عدمه.
2. لأن العبرة هي الرمي بحجر وقد وجد.
3. قياساً على الثوب في ستر العورة فإنه يجوز أن يصلي في الثوب الواحد صلوات.
المطلب الخامس: طهارة الحصيات
يستحب أن يرمي بحصى طاهرة, وهو قول الجمهور من الحنفية (5) , والمالكية (6) , والشافعية (7) , ووجه عند الحنابلة (8).
الأدلة:
1. لصدق اسم الرمي على الرمي بالحجر النجس
2. ولعدم النص على اشتراط طهارة الحصى
مسألة: هل يستحب غسل حصى الرمي
لا يستحب غسل الحصى إلا إذا رأى فيها نجاسة ظاهرة ولم يجد غيرها، فتغسل النجاسة؛ لئلا تتنجس اليد أو الثياب, وهو المذهب عند المالكية (9) , والصحيح عند الحنابلة (10) , وهو قول جماعة من أهل العلم (11) , وقول ابن المنذر (12) , واختاره الشنقيطي (13) , وابن باز (14) , وابن عثيمين (15) , والألباني (16).
الأدلة:
1. إن النبي صلى الله عليه وسلم لما لقطت له الحصى وهو راكب على بعيره جعل يقبضهن في يده لم يغسلهن (17).
2. أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغلسهن.
3. أنه لا يوجد معنى يقتضي غسله.
المطلب السادس: التكبير مع كل حصاة
يستحب أن يكبر مع كل حصاة, وهو قول كافة فقهاء المذاهب الأربعة من الحنفية (18) , والمالكية (19) , والشافعية (20) , والحنابلة (21).
الأدلة:
_________
(1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 156).
(2) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 200) , ((كفاية الطالب)) لأبي الحسن المالكي (1/ 682).
(3) ((المجموع)) للنووي (8/ 155) , ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 500).
(4) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 28).
(5) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 233).
(6) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 377).
(7) ((الأم)) للشافعي (2/ 235 - 236) , ((المجموع)) للنووي (8/ 172).
(8) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 28).
(9) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 180).
(10) ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 446 - 447) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 499).
(11) قال ابن المنذر: (وكان عطاء، ومالك، والأوزاعي، وكثير من أهل العلم لا يرون غسله) ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 327).
(12) قال ابن المنذر: (ولا يعلم في شيء من الأخبار التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غسل الحصى، ولا أمر بغسله، ولا معنى لغسل الحصى) ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 327).
(13) قال الشنقيطي: (والأقرب أنه لا يلزم غسل الحصى لعدم الدليل على ذلك) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 465).
(14) قال ابن باز: (ولا يستحب غسل الحصى، بل يرمي به من غير غسيل؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 76).
(15) قال ابن عثيمين: (والصحيح أن غسله بدعة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يغسله)) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 318).
(16) قال الألباني: (بدع الرمي .... غسل الحصيات قبل الرمي .. ) ((مناسك الحج والعمرة)) للألباني (1/ 54).
(17) ذكره ابن قدامة في ((المغني)) (3/ 380)، ولعله يعني حديث ابن عباس لكن ليس فيه أنه لم يغسلهن.
(18) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 231 - 232) , ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 35, 40).
(19) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 374, 377) , ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 334, 336).
(20) ((المجموع)) للنووي (8/ 154 , 239).
(21) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 456 , 483) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 501 , 509).


1. حديث جابر رضي الله عنه وفيه: ((حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف رمي من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر)) رواه مسلم (1)
2. لما روت عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: ((أفاض النبي - صلى الله عليه وسلم - من يومه حين صلى الظهر, ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمار إذا زالت الشمس, كل جمرة بسبع حصيات, يكبر مع كل حصاة, ويقف عند الأولى والثانية فيطيل المقام ويتضرع ويرمي الثالثة ولا يقف عندها)) (2).
مسألة:
إذا ترك التكبير عند رمي الجمار فليس عليه شيء بالإجماع, وممن نقل الإجماع على ذلك النووي نقله عن القاضي (3) , وابن حجر (4).
المطلب السابع: قطع التلبية مع أول حصاة يرمي بها جمرة العقبة يوم النحر
يستحب أن يقطع التلبية عند أول حصاة يرمي بها جمرة العقبة، وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (5) , والشافعية (6) , والحنابلة (7).وقول جماعة من السلف (8)
الأدلة:
عن الفضل بن عباس رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة)) (9).
وجه الدلالة:
1 - أن الفضل بن عباس رضي الله عنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ وهو أعلم بحاله من غيره.
2 - في بعض ألفاظ حديث الفضل رضي الله عنه: ((حتى رمى جمرة العقبة قطع عند أول حصاة)).
المطلب الثامن: الدعاء الطويل عقب رمي الجمرة الصغرى والوسطى
يستحب الوقوف للدعاء إثر كل رمي بعده رمي آخر، فيقف للدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى وقوفاً طويلاً يقدر بمدة ثلاثة أرباع الجزء من القرآن، وأدناه قدر عشرين آية, وهذا الدعاء مستحب باتفاق المذاهب الأربعة من الحنفية (10) , والمالكية (11) , والشافعية (12) , والحنابلة (13).
الأدلة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات، يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم حتى يسهل، فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل، ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه، ويقوم طويلاً، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف، فيقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله)) (14).
_________
(1) رواه مسلم (1218)
(2) رواه أبو داود (1973)، وأحمد (6/ 90) (24636)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 274)، وابن حبان (9/ 180) (3868)، والحاكم (1/ 651)، والبيهقي (5/ 148) (9941). قال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (7/ 141)، وجود إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 342)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح إلا قوله: (حين صلى الظهر) فهو منكر.
(3) قال النووي: (قال القاضي وأجمعوا على أنه لو ترك التكبير لا شيء عليه) ((شرح النووي على مسلم)) (9/ 42).
(4) قال ابن حجر: (وأجمعوا على أن من لم يكبر فلا شيء عليه) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 582).
(5) ((البحر الرائق شرح كنز الدقائق)) لابن نجيم (2/ 371) , ((حاشية رد المختار)) لابن عابد (2/ 513).
(6) ((المجموع)) للنووي (8/ 154) , ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 501).
(7) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 461) , ((الإنصاف)) للمررداوي (4/ 27).
(8) قال ابن قدامة: (وممن قال: يلبي حتى يرمي الجمرة ابن مسعود, وابن عباس, وميمونة, وبه قال عطاء, وطاوس, وسعيد بن جبير, والنخعي, والثوري, والشافعي, وأصحاب الرأي) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 461).
(9) رواه البخاري (1685)، ومسلم (1281)
(10) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 232) , ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 34).
(11) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 377) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 134).
(12) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 239) , ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 195).
(13) ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لابن قدامة (3/ 474) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 508 - 509).
(14) رواه البخاري (1751).


المبحث السادس: الرمي يوم النحر
لا يرمي يوم النحر إلا جمرة العقبة.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي)) (1).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع ابن المنذر (2)، وابن عبدالبر (3).
_________
(1) رواه مسلم (1218)
(2) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أنه لا يرمى في يوم النحر غير جمرة العقبة. الإجماع لابن المنذر) (ص: 58).
(3) قال ابن عبدالبر: (أجمع علماء المسلمين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رماها ضحى ذلك اليوم، وأجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرم من الجمرات يوم جمرة العقبة) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (7/ 268).


المبحث السابع: زمن الرمي يوم النحر
يبدأ وقت رمي جمرة العقبة من منتصف ليلة النحر، ويسن أن يكون بعد طلوع الشمس (1)، وهذا مذهب الشافعية (2)، والحنابلة (3)، واختاره ابن باز (4) (5).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى، ورمى بعد ذلك بعد الزوال)) (6).
2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أَرْسَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأمِّ سلمة ليلة النحر، فرمتْ الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت)) (7)
وجه الاستدلال: أن هذا لا يكون إلا وقد رمت قبل الفجر بساعة (8).
3 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم سودة، أن تدفع قبل حطمة الناس، وكانت امرأة بطيئة، فأذن لها، فدفعت قبل حطمة الناس، وأقمنا حتى أصبحنا نحن، ثم دفعنا بدفعه، فلأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنت سودة، أحب إلي من مفروح به)) (9).
4 - عن عبدالله مولى أسماء بنت أبي بكر قال: ((دخلنا مع أسماء من جمع لما غاب القمر، وأتينا منى ورمينا وصلت الصبح في دارها، فقلت يا هنتاه رمينا قبل الفجر، فقالت: هكذا كنا نفعل أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (10).
5 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أنه كان يقدِّم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يرجعون قبل أن يقف الامام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم)) رواه البخاري ومسلم (11)
ثانياً: أن النصوص علقت الرمي بما قبل الفجر، وهو تعبير صالح لجميع الليل، فجعل النصف ضابطاً له؛ لأنه أقرب إلى الحقيقة مما قبل النصف (12).
ثالثاً: أن ما بعد نصف الليل من توابع النهار المستقبل، فوجب أن يكون حكمه في الرمي حكم النهار المستقبل (13).
رابعاً: أنه وقت للدفع من مزدلفة، فكان وقتاً للرمي، كبعد طلوع الشمس (14).
_________
(1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى يوم النحر جمرة العقبة بعد طلوع الشمس) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 58). وقال أيضاً: (أجمعوا على أن من رمى جمرة العقبة يوم النحر بعد طلوع الشمس أجزأه) ((المجموع)) للنووي (8/ 181). وقال ابن عبدالبر: (أجمع علماء المسلمين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رماها ضحى ذلك اليوم. وأجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرم من الجمرات يوم جمرة العقبة وأجمعوا على أن من رماها من طلوع الشمس إلى الزوال يوم النحر فقد أصاب سنتها ووقتها المختار وأجمعوا أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها وإن لم يكن ذلك مستحسنا له) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (7/ 268). وقال ابن قدامة: (كان رميها بعد طلوع الشمس يجزئ بالإجماع، وكان أولى) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 382).
(2) ((المجموع)) للنووي (8/ 180)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) الرملي (3/ 302)
(3) قال ابن قدامة: (لرمي هذه الجمرة وقتان: وقت فضيلة، ووقت إجزاء، فأما وقت الفضيلة فبعد طلوع الشمس ... وأما وقت الجواز، فأوله نصف الليل من ليلة النحر) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 381، 382)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 584).
(4) قال ابن باز: (الصحيح أن رمي جمرة العقبة في النصف الأخير من ليلة النحر مجزئ للضعفة وغيرهم، ولكن يشرع للمسلم القوي أن يجتهد حتى يرمي في النهار؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ ((لأنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس))). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 143، 17/ 295، 296).
(5) وهو قول أسماء بنت أبى بكر, وابن أبى مليكة, وعكرمة بن خالد, وعطاء, وابن أبي ليلى. ((المغني)) لابن قدامة (3/ 382)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (72/ 314).
(6) رواه مسلم (1218)
(7) رواه أبو داود (1942)، والدارقطني (2/ 276)، والحاكم (1/ 641)، والبيهقي (5/ 133) (9846). أورده ابن حزم في ((حجة الوداع)) (184): وهو عنده إسناده متصل صحيح وقال محمد بن عبدالهادي في ((المحرر)) (265): رجاله رجال مسلم، وصحح إسناده ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 250)، وقال ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (215): (إسناده على شرط مسلم)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (5/ 146)، والعظيم آبادي في ((عون المعبود)) (5/ 219): رجاله رجال الصحيح ..
(8) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (5/ 23)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (23/ 156).
(9) رواه البخاري (1681)، ومسلم (1290)
(10) رواه البخاري (1679)، ومسلم (1291)
(11) رواه البخاري (1676)، ومسلم (1295)
(12) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (23/ 157).
(13) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 185).
(14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 382).


المبحث الثامن: رمي الجمار في الليل
يجوز الرمي ليلاً لمن لم يرم نهاراً، فيمتد وقت جواز رمي كل يوم إلى فجر اليوم التالي، وهذا مذهب الحنفية (1)، وهو وجهٌ للشافعية (2)،واختاره ابن المنذر (3)، والنووي (4)، وابن باز (5)، وابن عثيمين (6).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسأل يوم النحر بمنى، فيقول: لا حرج، فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح؟ فقال: اذبح ولا حرج، وقال: رميت بعدما أمسيت؟ فقال: لا حرج)) (7).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم صرّح بأن مَنْ رمى بعدما أمسى لا حرج عليه، واسم المساء يطلق لغة على ما بعد وقت الظهر إلى الليل، وخصوص سببه بالنهار لا عبرة به؛ لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، ولفظ المساء عام لجزء من النهار، وجزء من الليل (8).
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أيام منى؟ فيقول: لا حرج، فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح؟ قال: لا حرج، فقال رجل: رميت بعدما أمسيت؟ قال: لا حرج)) (9).
وجه الدلالة:
أن قوله في هذا الحديث الصحيح: أيام منى بصيغة الجمع صادق بأكثر من يوم واحد، فهو صادق بحسب وضع اللغة، ببعض أيام التشريق، والسؤال عن الرمي بعد المساء فيها لا ينصرف إلا إلى الليل، لأن الرمي فيها لا يكون إلا بعد الزوال، وهو معلوم، فلا يسأل عنه صحابي، فتعين أن يكون السؤال عن الرمي في الليل (10).
ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم:
1 - عن نافع مولى ابن عمر: ((أن ابنة أخٍ لصفية بنت أبي عبيد نفست بالمزدلفة، فتخلفت هي وصفية حتى أتتا من بعد أن غربت الشمس من يوم النحر، فأمرهما عبدالله بن عمر أن ترميا الجمرة حين أتتا ولم ير عليهما شيئاً)) (11).
وجه الدلالة:
أن ابن عمر رضي الله عنهما أمر زوجته صفية بنت أبي عبيد وابنة أخيها برمي الجمرة بعد الغروب، ورأى أنه لا شيء عليهما في ذلك، وذلك يدل على أنه علم من النبي صلى الله عليه وسلم: أن الرمي ليلاً جائز (12).
2 - عن ابن جريج عن عمرو قال: ((أخبرني من رأى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ترمي غربت الشمس أو لم تغرب)) (13)
ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقَّت أول الرمي وسكت عن آخره، والأصل بقاء الوقت، وليس هناك سنة تدل على أنه إذا غابت الشمس انتهى وقت الرمي، والليل يمكن أن يكون تابعاً للنهار كما في وقوف عرفة (14).
رابعاً: أنه إذا رخص في رميها في اليوم الثاني فالرمي بالليل أولى (15).
_________
(1) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 35، 62)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 137).
(2) ((المجموع)) للنووي (8/ 239)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 107).
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 382).
(4) ((المجموع)) النووي (8/ 239).
(5) قال ابن باز: (لم يثبت دليلٌ على منع الرمي ليلاً، والأصل جوازه، والأفضل الرمي نهاراً في يوم العيد كله وبعد الزوال في الأيام الثلاثة إذا تيسر ذلك، والرمي في الليل إنما يصح عن اليوم الذي غربت شمسه، ولا يجزئ عن اليوم الذي بعده، فمن فاته الرمي نهار العيد رمى ليلة إحدى عشرة على آخر الليل، ومن فاته الرمي قبل غروب الشمس في اليوم الحادي عشر رمى بعد غروب الشمس في ليلة اليوم الثاني عشر، ومن فاته الرمي في اليوم الثاني عشر قبل غروب الشمس رمى بعد غروب الشمس في ليلة اليوم الثالث عشر، ومن فاته الرمي نهاراً في اليوم الثالث عشر حتى غابت الشمس فاته الرمي ووجب عليه دم؛ لأن وقت الرمي كله يخرج بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 144).
(6) قال ابن عثيمين: (الذي أرى أن القول بأنه يمتد إلى الفجر أقرب إلى الصواب) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 289 - 291).
(7) رواه البخاري (1735)، بلفظه، ومسلم (1307).
(8) قال الفيومي: (المساء إلى آخر نصف الليل. وقال ابن القوطية: المساء ما بين الظهر إلى المغرب) ((المصباح المنير في غريب الشرح الكبير)) للفيومي (مادة: ص ب ح، مادة: م س و). وقال ابن منظور: (المَساء بعذ الظهر إِلى صلاة المغرب وقال بعضهم: إِلى نصف الليل) ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: مسا). وينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 569)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 282)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (5/ 32،33)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 285).
(9) رواه البخاري (1735)
(10) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 284)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (5/ 33).
(11) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 600)
(12) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 285).
(13) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (4/ 30)
(14) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 229،285، 288).
(15) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (5/ 42).


المبحث التاسع: لقط حصيات الرجم
لا خلاف أنه يجزئه أخذ الحصيات من حيث كان لان الاسم يقع عليه (1) (2).
واختلفوا في موضع استحبابه على قولين:
القول الأول: يستحب للحاج أخذ حصى الجمار من مزدلفة، وهو مذهب المالكية (3)، والشافعية (4)، وبه قال بعض السلف (5).
الأدلة:
1. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته: ((القط لي حصى فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف ... )) (6)
2. أن من السنة إذا أتى الحاج إلى منى أن لا يعرج على غير الرمي، فسن له أن يأخذ الحصى من مزدلفة حتى لا يشغله عنه، لأن الرمية تحية له كما أن الطواف تحية المسجد الحرام (7).
القول الثاني: يأخذه من مزدلفة أو من طريقه وحيث شاء، وهو مذهب الحنفية (8) , والحنابلة (9)، ونص عليه مالك في المدونة (10)، وبه قال عطاء واختاره ابن المنذر وصححه ابن قدامة (11).
الأدلة:
1. أن ابن عباس قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته ((القط لي حصى)) فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف فجعل يقبضهن في كفه ويقول: ((أمثال هؤلاء فارموا)) ثم قال: أيها الناس ((إياكم والغلو في الدين فانما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)) (12)
وجه الدلالة:
أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس بلقط الحصى كان بمنى (13).
2. أن عليه فعل المسلمين، وهو أحد نوعي الإجماع (14).
_________
(1) ((المجموع)) للنووي (8/ 124)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 445).
(2) قال ابن المنذر: (لا أعلم خلافا بينهم أنه من حيث أخذ أجزأه). ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 322).
(3) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 377).
(4) ((المجموع)) للنووي (8/ 124 , 182).
(5) ((المجموع)) للنووي (8/ 124 , 182).
(6) رواه النسائي (5/ 268)، وابن ماجه (2473)، وأحمد (1/ 215) (1851)، وابن حبان (9/ 183) (3871)، والحاكم (1/ 637). وصححه ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (24/ 428)، وصحح إسناده على شرط مسلم النووي في ((المجموع)) (8/ 171)، وابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/ 327)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (5/ 268)
(7) ((المجموع)) للنووي (8/ 124).
(8) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 156)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 487).
(9) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 499).
(10) ((المدونة الكبرى)) لمالك بن أنس (1/ 437).
(11) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 445)، ((المجموع)) للنووي (8/ 182).
(12) رواه النسائي (5/ 268)، وابن ماجه (2473)، وأحمد (1/ 215) (1851)، وابن حبان (9/ 183) (3871)، والحاكم (1/ 637)، صححه ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (24/ 428)، وصحح إسناده على شرط مسلم النووي في ((المجموع)) (8/ 171)، وابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/ 327)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (5/ 268).
(13) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 446).
(14) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 156)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 487).


المبحث العاشر: النيابة (التوكيل) في الرمي
المطلب الأول: حكم التوكيل في الرمي للمعذور
من كان لا يستطيع الرمي بعلة لا يرجى زوالها قبل خروج وقت الرمي فإنه يجب عليه أن يستنيب من يرمي عنه، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، وأفتت به اللجنة الدائمة (4)، واختاره الشنقيطي (5)،وابن باز (6)، وابن عثيمين (7).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16].
وجه الدلالة:
أن الاستنابة في الرمي، هي غاية ما يقدر عليه (8).
ثانياً: أنه لما جازت النيابة عنه في أصل الحج فجوازها في أبعاضه أولى (9).
رابعاً: أن زمن الرمي مضيق ويفوت ولا يشرع قضاؤه، فجاز لهم أن يوكلوا بخلاف الطواف والسعي فإنهما لا يفوتان فلا تشرع النيابة فيهما (10).
المطلب الثاني: هل يشترط أن يكون النائب (الوكيل) قد رمى عن نفسه؟
اختلف أهل العلم في اشتراط أن يكون النائب قد رمى عن نفسه على قولين:
القول الأول: يشترط أن يكون النائب قد رمى عن نفسه الجمرات الثلاث، ثم يرمي عن موكله، وهذا مذهب الشافعية (11)، والحنابلة (12)،وهو قول للمالكية (13)، وبه أفتت اللجنة الدائمة (14).
وذلك للآتي:
1 - أن الأصل عدم تداخل الأعمال البدنية.
2 - لا يجوز أن ينوب عن الغير وعليه فرض نفسه.
_________
(1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 63)، ((بدائع الصنائع)) (2/ 137).
(2) ((الحاوي الكبير)) الماوردي (4/ 204) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 115).
(3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 427)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 590).
(4) في فتاوى اللجنة الدائمة: (تجوز النيابة في رمي الجمار عن العاجز الذي لا يقوى على مباشرة الرمي بنفسه؛ كالصبي والمريض وكبير السن، إذا كان النائب من الحجاج ذلك العام، وقد رمى عن نفسه) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) - المجموعة الأولى (11/ 76).
(5) قال الشنقيطي: (إذا عجز الحاج عن الرمي، فله أن يستنيب من يرمي عنه، وبه قال كثير من أهل العلم، وهو الظاهر) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 473، 474).
(6) قال ابن باز: (يجوز للعاجز عن الرمي لمرض, أو كبر سن, أو حمل, أن يوكل من يرمي عنه؛ لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ *التغابن: 16* وهؤلاء لا يستطيعون مزاحمة الناس عند الجمرات, وزمن الرمي يفوت ولا يشرع قضاؤه، فجاز لهم أن يوكلوا بخلاف غيره من المناسك فلا ينبغي للمحرم أن يستنيب من يؤديه عنه ولو كان حجه نافلة؛ لأن من أحرم بالحج أو العمرة - ولو كانا نفلين - لزمه إتمامهما؛ لقول الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ *البقرة: 196* وزمن الطواف والسعي لا يفوت بخلاف زمن الرمي) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 85، 86، 146).
(7) قال ابن عثيمين: (أما من يشق عليه الرمي بنفسه، كالمريض، والكبير، والمرأة الحامل ونحوهم، فإنه يجوز أن يوكل من يرمي عنه سواء كان حجه فرضاً أم نفلاً، وسواء لقط الحصى وأعطاها الوكيل، أو لقطها الوكيل بنفسه، فكل ذلك جائز) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 407).
(8) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 474).
(9) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 204)، ((المجموع)) للنووي (8/ 245).
(10) ((المجموع)) للنووي (8/ 243)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 85، 86، 146).
(11) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 115)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/ 315).
(12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 242)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 381).
(13) ((التاج والإكليل)) للمواق (2/ 484)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 52).
(14) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) - المجموعة الأولى (11/ 76).


3 - أنه لو رمى عن غيره قبل أن يرمي عن نفسه فإنه يقع عن نفسه كأصل الحج (1).
القول الثاني: لا يشترط ذلك، وهذا مذهب المالكية (2)،وهو وجهٌ للشافعية (3)، واختاره ابن عثيمين (4).
وذلك للآتي:
أولاً: أن حكم الرمي أخف من سائر أركان الحج، فجاز أن يفعله عن المريض قبل فعله عن نفسه (5).
ثانياً: أن غاية الأمر أنه ترك التتابع بين الجمرات الثلاث وهو مندوب فقط، ثم إنه تفريق يسير (6).
المطلب الثالث: حكم سفر المعذور قبل رمي وكيله
_________
(1) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 298)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/ 484)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 242).
(2) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 410)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 52).
(3) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 204).
(4) قال ابن عثيمين: (يجوز أن يرمي عنه وعن نفسه وعن موكله في موقف واحد، لأن ظاهر فعل الصحابة وهو قولهم: (لبَّينا عن الصبيان ورمينا عنهم) أنهم كانوا يرمون عن الصبي وعن أنفسهم في موقف واحد، وإذا لم يحق هناك دليل واضح على أنه لابد أن تكمل عن نفسك ثم عن موكلك، فإنه لا ينبغي أن يلزم الناس بذلك مع كثرة الجمع والزحام والمشقة)) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 231). وقال أيضاً: (ويبدأ الوكيل بالرمي عن نفسه ثم عن موكله لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ابدأ بنفسك))، وقوله: ((حُجَّ عن نفسك ثم حُجَّ عن شبرمة))، ويجوز أن يرمي عن نفسه، ثم عن موكله في موقف واحد. فيرمي الجمرة الأولى بسبع عن نفسه، ثم بسبع عن موكله، وهكذا الثانية والثالثة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 407).
(5) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 204).
(6) ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 52).


من وكَّل على الرمي بعذرٍ شرعيٍّ، فلا يجوز له أن يسافر قبل رمي الوكيل، فإن نفر يوم النحر (أي لم يبت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر)، فعليه مع التوبة ثلاثة دماء: دم عن تركه المبيت بمنى، ودم عن تركه رمي الجمرات، ودم عن تركه طواف الوداع ولو طاف بالبيت قبل مغادرته؛ وذلك لوقوع طوافه في غير وقته؛ لأن طواف الوداع إنما يكون بعد انتهاء رمي الجمرات، وبذلك أفتت اللجنة الدائمة (1)، وابن باز (2) (3).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
عموم قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله [البقرة: 196].
ثانياً: من السنة:
عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (4) وقال: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) (5).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينفر من منى حتى رمى الجمار، ثم طاف للوداع.
ثالثاً: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((من ترك شيئاً من نسكه أو نسيه فليهرق دماً)) (6).
رابعاً: أنهم في حكم من لم يرم؛ لنفرهم قبل الرمي، وفي حكم من لم يودع؛ لوقوع طواف الوداع قبل إكمال مناسكهم (7).
_________
(1) قالت اللجنة الدائمة: (ومن وكل في رمي جمراته أيام التشريق أو أحد أيام التشريق ونفر يوم النحر يعتبر مخطئاً مستهتراً بشعائر الله، ومن يوكل في رمي الجمرات اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر من أيام التشريق ويطوف طواف الوداع ليتعجل بالسفر فقد خالف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أمر به في أداء المناسك وترتيبها، وعليه التوبة والاستغفار من ذلك، ويلزم من فعل ذلك دم عن ترك المبيت بمنى، ودم عن تركه رمي الجمرات التي وكل فيها ونفر، ودم ثالث عن طواف الوداع وإن كان طاف بالبيت لدى مغادرته؛ لوقوع طوافه في غير وقته؛ لأن طواف الوداع إنما يكون بعد انتهاء رمي الجمرات) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (11/ 289).
(2) قال ابن باز: (إذا كان معذوراً لمرض أو كبر سن فلا بأس. والنائب يرمي عنه وعن موكله في موقف واحد الجمرات كلها هذا هو الصواب. وكذلك إن سافر قبل طواف الوداع فهذا أيضاً منكر ثان لا يجوز؛ لأن طواف الوداع بعد انتهاء الرمي وبعد فراغ وكيله من الرمي إذا كان عاجزاً، وكونه يسافر قبل طواف الوداع وقبل مضي أيام منى هذا فيه شيء من التلاعب فلا يجوز هذا الأمر، بل عليه دمان: دم عن ترك الرمي يذبح في مكة، ودم عن ترك طواف الوداع يذبح في مكة أيضاً، ولو طاف في نفس يوم العيد لا يجزئه ولا يسمى وداعاً؛ لأن طواف الوداع يكون بعد رمي الجمار فلا يطاف للوداع قبل الرمي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت))، ولما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض)) متفق على صحته. وعلى المذكور دم ثالث عن ترك المبيت بمنى ليلة أحد عشر وليلة اثني عشر مع التوبة إلى الله من فعله المذكور) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 306 - 307).
(3) أما من وكَّل على الرمي بعذر شرعي، وسافر قبل رمي الوكيل لكنه بات ليلة الحادي عشر، فعليه دمان: دم عن تركه رمي الجمرات، ودم عن تركه طواف الوداع، ولو طافه؛ وذلك لأنه طافه في غير وقته، وعليه أن يتصدق عن عدم مبيته الليلة الثانية.
(4) رواه مسلم (1297)
(5) رواه مسلم (1718).
(6) رواه مالك (3/ 615)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 244)، والبيهقي (5/ 30) (9191). قال النووي في ((المجموع)) (8/ 99): (إسناده صحيح عن ابن عباس موقوفاً عليه لا مرفوعاً)، وصحح إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 314)، وقال الشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 330): (صح عن ابن عباس موقوفاً عليه، وجاء عنه مرفوعاً ولم يثبت)، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (1100): (ضعيف مرفوعاً وثبت موقوفاً).
(7) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) - المجموعة الأولى (11/ 292).


المبحث الأول: ما هو الهدي؟
الهدي شاة، أو سُبْع بدنة، أو سُبْع بقرة، فإن نحر بدنة أو ذبح بقرة، فقد زاد خيراً، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، وبه قال طائفة من السلف (4).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله سبحانه وتعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن اسم الهدي يقع على الشاة, والبقرة, والبدنة (5).
ثانياً: من السنة:
عن أبي جمرة قال: ((سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن المتعة، فأمرني بها، وسألته عن الهدي فقال: فيها جزور, أو بقرة, أو شاة, أو شرك في دم)) (6).
_________
(1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 223)، ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 185).
(2) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 52)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 515).
(3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 240)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 421).
(4) منهم: الأوزاعي, وسفيان الثوري, وإسحاق, وأبو ثور، وداود الظاهري. ((المحلى)) (7/ 149، 150).
(5) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 149)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 223).
(6) رواه البخاري (1688)، ومسلم (1242)


المبحث الثاني: حكم الاشتراك في الهدي
يجوز الاشتراك في الهدي في الإبل والبقر إلى حد سبعة أشخاص، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3).
الأدلة:
أولا: الدليل من الكتاب:
قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن (من) للتبعيض، فجاز الاشتراك في الهدي بظاهر الآية (4).
ثانياً: الدليل من السنة:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال: ((نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية البدنة عن سبعة, والبقرة عن سبعة)) (5).
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((فنحر عليه السلام ثلاثاً وستين, فأعطى علياً فنحر ما غبر, وأشركه في هديه)) (6).
عن أبي جمرة قال: ((سألت ابن عباس رضي الله عنهما، عن المتعة فأمرني بها، وسألته عن الهدي، فقال: فيها جزور, أو بقرة, أو شاة, أو شرك في دم)) (7).
ثالثاً: أنه ورد ذلك عن طائفة كبيرة من الصحابة رضي الله عنهم: منهم علي، وابن مسعود، وعائشة، وأنس، وإليه رجع ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين (8).
رابعاً: القياس على اشتراك أهل البيت في الأضحية (9).
مسألة: لا يجوز أن يستعاض عن ذبح الهدي بالتصدق بقيمته.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن الله جل وعلا أوجب على المتمتع الهدي في حال القدرة عليه، فإذا لم يجد هدياً أو ثمنه، فإنه ينتقل إلى الصيام، ولم يجعل الله واسطة بين الهدي والصيام، ولا بدلا عن الصيام عند العجز عنه (10).
ثانياً: من السنة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ثم ليهل بالحج ويهدي, فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (11).
ثالثاً: الإجماع:
أخذ الصحابة, والتابعون, ومن بعدهم من المجتهدين بما دل عليه القرآن, ودلت عليه السنة من وجوب الهدي على المتمتع والقارن, فإذا لم يجد هدياً أو لم يجد ثمنه فإنه يصوم عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله (12).
رابعاً: أن المقصود من هذه العبادة إراقة الدم وأما اللحوم فهي مقصودة بالقصد الثاني قال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج: 37]، وفي الاكتفاء بالتصدق بالثمن دون إراقة الدم إضاعة للقصد الأول (13).
خامساً: أن النسك عبادة مبنية على التوقيت، فلا يجوز العدول عن المشروع إلا بدليل شرعي موجب للعدول عنه, وكل تشريع مبني على التوقيت فإنه لا يدخله الاجتهاد, ومنه القول بالمصلحة المدعاة هنا (14).
_________
(1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 223)، ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 185).
(2) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 52)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 515).
(3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 240)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 421).
(4) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 154).
(5) رواه مسلم (1318)
(6) رواه مسلم (1218)
(7) رواه البخاري (1688)، ومسلم (1242)
(8) قال ابن حزم: (فصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إجماع من الصحابة)) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 151).
(9) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 354).
(10) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 208).
(11) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227)
(12) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 208).
(13) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 209).
(14) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 210).


المبحث الثالث: زمن الذبح
المطلب الأول: أول زمن الذبح
يبتدئ وقت ذبح الهدي يوم النحر، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (1)،والمالكية (2)، والحنابلة (3)، وبه قال سفيان الثوري (4)، واختاره ابن باز (5)، وابن عثيمين (6).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أنه جاء في الآية الكريمة أن الحلق لا يكون إلا بعد أن يبلغ الهدي محله، ومعلوم أن الحلق لا يكون إلا يوم النحر (7).
قوله تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا [الحج: 27 - 28].
وجه الدلالة:
أن قضاء التفث يختص بيوم النحر، وقد جاء مرتباً على النحر والأكل منه (8).
ثانياً: من السنة:
عن حفصة رضي الله عنها أنها قالت: ((يا رسول الله، ما بال الناس حلوا من عمرتهم ولم تحل أنت من عمرتك؟ فقال: إني لبدت رأسي، وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر)) (9).
وجه الدلالة:
أنه علق الحل على النحر، ومعلوم أن الحل لا يكون إلا يوم النحر.
أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدموا في عشر ذي الحجة، وقد بقيت الغنم والإبل التي معهم موقوفة حتى جاء يوم النحر، فلو كان ذبحها جائزاً قبل ذلك لبادر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إليه في الأيام الأربعة التي أقاموها قبل خروجهم إلى عرفات؛ لأن الناس بحاجة إلى اللحوم في ذلك الوقت، فلما لم يفعل ذلك على عدم الإجزاء، وأن الذي ذبح قبل يوم النحر قد خالف السنة وأتى بشرع جديد فلا يجزئ؛ كمن صلى أو صام قبل الوقت (10).
أنه لو كان ذبح الهدي جائزًا قبل يوم العيد لفعله النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر أصحابه أن يحلوا من العمرة من لم يكن معه هدي، لأجل أن يطمئن أصحابه في التحلل من العمرة، فدل امتناع الرسول صلى الله عليه وسلم من ذبح هديه قبل يوم النحر مع دعاء الحاجة إليه على أنه لا يجوز (11).
ثالثاً: أنه دم نسك، فلا يجوز قبل يوم النحر، كالأضحية (12).
المطلب الثاني: آخر زمن الذبح
اختلف أهل العلم في آخر زمن الذبح على أقوال، أشهرها قولان:
_________
(1) لكن يجوز عند الحنفية: ذبح دم التطوع قبل يوم النحر؛ لأنها هدايا وذلك يتحقق بتبليغها إلى الحرم، وإن كان ذبحها في أيام النحر أفضل؛ لأن معنى القربة في إراقة الدم فيها أظهر. ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (4/ 73)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 162).
(2) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (5/ 243)، ((مواهب الجليل)) الحطاب (4/ 273).
(3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 245)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 456).
(4) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (5/ 244).
(5) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 29).
(6) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/ 90).
(7) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 187، 195).
(8) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 186).
(9) رواه البخاري (4398)، ومسلم (1229)
(10) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 516)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 192)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 29).
(11) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/ 90).
(12) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 186)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 192).


القول الأول: أن زمن الذبح يستمر إلى يومين بعد يوم النحر، فيكون مجموع أيام النحر ثلاثة أيام، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والحنابلة (3)، وبه قال طائفة من السلف (4).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج: 28]
وجه الدلالة:
أن الأيام المعلومات هي يوم النحر ويومان بعده، ويدل على ذلك أن لفظ: (المعلومات) جمع قلة، والمتيقن منه الثلاثة، وما بعد الثلاثة غير متيقن فلا يعمل به (5).
ثانياً: من السنة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما، ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث)) (6).
وجه الدلالة:
أنه أباح الأكل منها في أيام الذبح، ولو كان اليوم الرابع منها لكان قد حرم على من ذبح في ذلك اليوم أن يأكل من أضحيته، وليس هناك فرق بين الأضحية والهدي بالنسبة لزمن الذبح (7).
ثالثاً: أنه وَرَدَ عن الصحابة رضي الله عنهم تخصيصه بالعيد ويومين بعده، منهم عمر، وعلي، وابن عمر، وأبو هريرة، وأنس، وابن عباس رضي الله عنهم، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف, ومثل هذا لا يقال بالرأي (8).
رابعاً: أنه قد ثبت الفرق بين أيام النحر وأيام التشريق؛ ولو كانت أيام النحر أيام التشريق لما كان بينهما فرق، وكان ذكر أحد العددين ينوب عن الآخر (9).
القول الثاني: أن وقت الذبح ينتهي بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، وهذا مذهب الشافعي (10)، وقولٌ للحنابلة (11)، وبه قال طائفة من السلف (12)، واختاره ابن المنذر (13)،وابن تيمية (14)، وابن القيم (15)، وابن باز (16)، وابن عثيمين (17)، وبه صدر قرار هيئة كبار العلماء (18).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج: 28].
ثانياً: من السنة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه يوم النحر
وجه الدلالة ما ذكره الشافعي بقوله:
فلما لم يحظر على الناس أن ينحروا بعد يوم النحر بيوم أو يومين لم نجد اليوم الثالث مفارقاً لليومين قبله؛ لأنه ينسك فيه ويرمى كما ينسك ويرمى فيهما (19).
_________
(1) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (4/ 73)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 162).
(2) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (5/ 243)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 273).
(3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 245)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 63).
(4) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (5/ 244).
(5) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 436)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 201).
(6) رواه البخاري (5574)، ومسلم (1970) واللفظ له.
(7) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 201).
(8) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 377، 378 رقم 982)، ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (5/ 243).
(9) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 202).
(10) ((المجموع)) للنووي (8/ 380).
(11) ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/ 385)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 63).
(12) منهم: الحسن، وعطاء، والأوزاعي. ((زاد المعاد)) (2/ 319)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 204).
(13) ((زاد المعاد)) (2/ 319).
(14) ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/ 385)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 63).
(15) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 318).
(16) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 78).
(17) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/ 90).
(18) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 213).
(19) ((الأم)) (2/ 248).


عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح)) (1).
وجه الدلالة:
أن الحديث نص في الدلالة على أن كل أيام منى أيام نحر (2).
ثالثاً: أن الثلاثة أيام تختص بكونها أيام منى، وأيام الرمي، وأيام التشريق، وأيام تكبير وإفطار، ويحرم صيامها، فهى إخوة فى هذه الأحكام، فكيف تفترق فى جواز الذبح بغير نص ولا إجماع؟ (3).
مسألة:
السنة في وقت النحر أن يكون يوم العيد بعد أن يفرغ من الرمي وقبل الحلق أو التقصير.
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى سبع حصيات من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر)) (4).
ثانياً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك: ابن عبدالبر (5) وابنُ رشد (6)، وابنُ حجر (7).
المبحث الرابع: مكان الذبح
يجب أن يكون ذبح الهدي في الحرم ولا يختص بمنى وإن كان الأفضل أن يكون بمنى، وهذا مذهب جمهور الفقهاء: الحنفية (8)،والشافعية (9)، والحنابلة (10)، واختاره ابن حزم (11)، والشوكاني (12)، وابن عثيمين (13).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن محل الهدي الحرم عند القدرة على إيصاله (14).
قال الله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 33].
_________
(1) رواه أحمد (4/ 82) (16797)، وابن حبان (9/ 166) (3854)، والطبراني (2/ 138) (1583)، والبيهقي (5/ 239) (10525). قال البيهقي: مرسل، وقال ابن القيم في ((زاد المعاد)) (2/ 291): روي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر وروي من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/ 27): رجاله ثقات، وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (3/ 211): له شاهد، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (6331)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (4537).
(2) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 203).
(3) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 319)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 204).
(4) رواه مسلم (1218).
(5) قال ابن عبدالبر: (وأجمع العلماء أن هذه سنة الحاج أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر ثم ينحر هديا إن كان معه ثم يحلق رأسه) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 394)، وقال أيضاً: (فلا خلاف بين العلماء أن سنة الحاج أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر, ثم ينحر هدياً إن كان معه ثم يحلق رأسه) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (7/ 267).
(6) قال ابن رشد: (ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى في حجته الجمرة يوم النحر، ثم نحر بدنه، ثم حلق رأسه، ثم طاف طواف الإفاضة، وأجمع العلماء على أن هذا سنة الحج) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 352).
(7) قال ابن حجر: (قد أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب، إلا أن ابن الجهم المالكي استثنى القارن فقال: لا يحلق حتى يطوف، كأنه لاحظ أنه في عمل العمرة والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف، ورد عليه النووي بالإجماع، ونازعه ابن دقيق العيد في ذلك) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 571).
(8) ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/ 186)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 224).
(9) ((المجموع)) للنووي (8/ 187، 191)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 187).
(10) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 376)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 416).
(11) قال ابن حزم: (لا يجزئه أن يهديه, وينحره إلا بمنى أو بمكة) ((المحلى)) (7/ 155 رقم 836).
(12) قال الشوكاني: (مكان جميع الدماء مني وفجاج مكة) ((السيل الجرار)) ص 348.
(13) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 226).
(14) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 207).


وجه الدلالة:
أن النص جاء بأن شعائر الله تعالى محلها إلى البيت العتيق، وهذا عام في الهدايا (1).
قال تعالى في جزاء الصيد: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95].
وجه الدلالة:
أنه لو جاز ذبحه في غير الحرم لم يكن لذكر بلوغه الكعبة معنى، وهذا الحكم وإن كان في كفارة الصيد إلا أنه صار أصلاً في دماء النسك (2).
ثانياً: من السنة:
1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قد نحرت هنا، ومنى كلها منحر)) (3).
وجه الدلالة:
يدل على أنه حيثما نحرت البدن, والإهداء من فجاج مكة ومنى والحرم كله فقد أصاب الناحر (4).
2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه في منى وقال: ((لتأخذوا مناسككم)) (5) (6).
ثالثاً: أن الهدي اسم لما يهدى إلى مكان الهدايا، ومكان الهدايا الحرم، وإضافة الهدايا إلى الحرم ثابتة بالإجماع (7).
رابعاً: أن هذا دم يجب للنسك، فوجب أن يكون في مكانه، وهو الحرم (8).
المبحث الخامس: الهدي على القارن
يجب الهدي على القارن إذا لم يكن من حاضري المسجد الحرام، واتفقت عليه المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (9)، والمالكية (10)، والشافعية (11)، والحنابلة (12)، وبه قال طائفة من السلف (13)، واختاره أكثر الفقهاء (14).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن القارن متمتع بالعمرة إلى الحج بدليل فهم الصحابة رضي الله عنهم، يدل على ذلك ما يلي:
عن علي رضي الله عنه: ((أنه لما سمع عثمان رضي الله عنه ينهى عن المتعة: أهل بالعمرة والحج ليعلم الناس أنه ليس بمنهي عنه)) (15).
ثانياً: أن الهدي إذا كان واجباً على المتمتع بنص القرآن والسنة والإجماع فإن القارن أولى لأمرين:
الأول: أن فعل المتمتع أكثر من فعل القارن فإذا لزمه الدم فالقارن أولى (16).
الثاني: أنه إذا وجب على التمتع لأنه جمع بين النسكين في وقت أحدهما فلأن يجب على القارن وقد جمع بينهما في الإحرام أولى (17) ..
_________
(1) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 156 رقم 836)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 207).
(2) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 224)، ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/ 186).
(3) رواه مسلم (1218)
(4) ((المحلى)) (7/ 156 رقم 836).
(5) رواه مسلم (1297)
(6) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 226).
(7) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 224)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 163).
(8) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 226).
(9) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 165) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 174).
(10) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 384)، ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 84).
(11) ((المجموع)) للنووي (7/ 190)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517).
(12) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 246).
(13) منهم: ابن مسعود، وابن عمر رضي الله عنهم. ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 165)، ((المجموع)) للنووي (7/ 190).
(14) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 93).
(15) رواه البخاري (1563)، ومسلم (1223)
(16) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517).
(17) قال ابن عبدالبر: (من معنى التمتع أيضا القران عند جماعة من الفقهاء لأن القارن يتمتع بسقوط سفره الثاني من بلده كما صنع المتمتع في عمرته إذا حج من عامه ولم ينصرف إلى بلده، فالتمتع والقران يتفقان في هذا المعنى) ((الاستذكار)) (4/ 93)، ((المجموع)) للنووي (7/ 190)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 246).


رابعاً: أن إيجاب الهدي على القارن هو إجماع من يعتد به من أهل العلم، نقله الشنقيطي (1)، ووصف ابن حجر قول ابن حزم بعدم الوجوب بالشذوذ (2).
المبحث السادس: التطوع في الهدي
يسن التطوع بالهدي للمفرد والمتمتع والقارن وللحاج ولغير الحاج:
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثا وستين بيده، ثم أعطى عليا، فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها)) (3).
وجه الدلالة:
أنه معلوم أن ما زاد على الواحدة منها تطوع (4).
2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أهدى النبي صلى الله عليه وسلم مرة غنما)) (5)
3 - عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((فتلت قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أشعرها وقلدها، أو قلدتها ثم بعث بها إلى البيت، وأقام بالمدينة فما حرم عليه شيء كان له حل)) (6)
ثانياً: الإجماع:
نقل القرافي الإجماع على ذلك (7).
المبحث السابع: الأكل من الهدي
المطلب الأول: الأكل من هدي التطوع
يسن لمن أهدى هديا تطوعاً أن يأكل منه إذا بلغ محله في الحرم.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
1 - قال الله عز وجل: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج: 27].
2 - وقال عز وجل: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا [الحج: 36].
وجه الدلالة من الآيتين:
أن فيهما الأمر بالأكل من الهدي وأقل أحوال الأمر الاستحباب (8).
ثانياً: من السنة:
1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثا وستين بيده، ثم أعطى عليا، فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها)) (9).
وجه الدلالة:
أنه معلوم أن ما زاد على الواحدة منها تطوع، وقد أكل منها وشرب من مرقها جميعا (10).
2 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((كنا لا نأكل من بدننا فوق ثلاث، فرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كلوا وتزودوا، فأكلنا وتزودنا)) (11).
ثالثاً: الإجماع:
_________
(1) قال الشنقيطي: (أجمع من يعتد به من أهل العلم أن القارن يلزمه ما يلزم المتمتع من الهدي، والصوم عند العجز عن الهدي، وهذا مذهب عامة العلماء، منهم الأئمة الأربعة، إلا من شذ شذوذا لا عبرة به، وليس كل خلاف جاء معتبرا إلا خلافا له وجه من النظر، إلا من شذ شذوذا لا عبرة به، وليس كل خلاف جاء معتبرا إلا خلافا له وجه من النظر) ((أضواء البيان)) باختصار (5/ 128).
(2) ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 7).
(3) رواه مسلم (1218)
(4) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 197)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدالبر (2/ 113).
(5) رواه البخاري (1701)، ومسلم (1321)
(6) رواه البخاري (1699)، ومسلم (1321)
(7) قال القرافي: (لا أعلم في التطوع بالهدي خلافا، وقد بعث النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالهدايا تطوعا مع ناجية الأسلمي ومع غيره، وما زال السلف على ذلك) ((الذخيرة)) (3/ 354).
(8) قال ابن عبدالبر: ((في قول الله عز وجل ما يغني عن قول كل قائل إلا أني أقول الأكل من الهدي بالقرآن ومن الضحية بالسنة)) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 267)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 579).
(9) رواه مسلم (1218)
(10) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 197)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدالبر (2/ 113).
(11) رواه البخاري (1719)، ومسلم (1972)


الإجماع على جواز الأكل من هدي التطوع، نقله النووي (1)، وابن عبدالبر (2)، وابن حجر (3)، والشنقيطي (4).
رابعاً: أنه دم نسك، ولا يتعين صرفه إلى الفقراء، والقاعدة أن ما لم يجب صرفه على الفقراء جاز الأكل منه (5).
المطلب الثاني: الأكل من هدي التمتع والقران
يستحب الأكل من هدي التمتع والقران، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (6)، والمالكية (7)، والحنابلة (8)، وبه قال عطاء (9)، واختاره الشوكاني (10)، والشنقيطي (11).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب
قال الله عز وجل: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج: 28].
وجه الدلالة:
أنه سبحانه أمر بالأكل من الهدي، فعم ولم يخص واجباً من تطوع، وهي من شعائر الله فلا يجب أن يمتنع من أكل شيء منها إلا بدليل لا معارض له أو بإجماع (12).
ثانياً: من السنة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ فقيل: ذَبَحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه)) (13).
وجه الدلالة:
أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ذبح عنهن صلى الله عليه وسلم بقراً ودخل عليهن بلحمه وهن متمتعات، وعائشة منهن قارنة وقد أكلن جميعا مما ذبح عنهن في تمتعهن وقرانهن بأمره صلى الله عليه وسلم، وهو نص صحيح صريح في جواز الأكل من هدي التمتع والقران (14).
ثالثاً: أنه دم نسك وشكران وسببه غير محظور ولم يسم للمساكين ولا مدخل للإطعام فيه فأشبه هدي التطوع (15).
المطلب الثالث: الأكل من الهدي الذي وجب لترك نسك أو تأخيره، أو كان بسبب فسخ النسك
لا يجوز الأكل من الهدي الذي وجب لترك نسك أو تأخير، أو كان بسبب فسخ النسك، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحفية (16)، والشافعية (17)، والحنابلة (18).
وذلك للآتي:
أنها دماء كفارات، يجب التصدق بها على الفقراء، وفي الأكل منها تفويت لحقهم.
_________
(1) قال النووي: (أجمع العلماء على أن الأكل من هدى التطوع وأضحيته سنة ليس بواجب) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 192).
(2) قال ابن عبدالبر: (أجمع العلماء على جواز الأكل من التطوع إذا بلغ محله) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (2/ 113).
(3) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 556).
(4) قال الشنقيطي: (الأكل من هدي التطوع لا خلاف فيه بين العلماء بعد بلوغه محله، وإنما خلافهم في استحباب الأكل منه، أو وجوبه) ((أضواء البيان)) (5/ 197).
(5) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 162).
(6) ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/ 186)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 161).
(7) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 89)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 855).
(8) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 579)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 75).
(9) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 255)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 557).
(10) ((الدراري المضية)) للشوكاني (2/ 200).
(11) قال الشنقيطي: (الذي يرجحه الدليل في هذه المسألة: هو جواز الأكل من هدي التطوع وهدي التمتع والقران دون غير ذلك). ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 197).
(12) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (2/ 113).
(13) رواه البخاري (1709)، ومسلم (1211)
(14) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 197).
(15) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 465).
(16) ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/ 186)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 161).
(17) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 221)، ((المجموع)) للنووي (8/ 417).
(18) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 579)، ((الإنصاف)) (4/ 75).


أنها غرم جناية، فإذا أكل منها لم يغرم (1).
المطلب الرابع: الأكل من هدي الكفارات
لا يجوز الأكل من هدي الكفارات الذي وجب لفعل محظور، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5) (6).
وذلك للآتي:
- أنها دماء كفارات، يجب التصدق بها على الفقراء، وفي الأكل منها تفويت لحقهم (7).
- أنها عوض عن الترفه، فالجمع بين الأكل منها والترفه، كالجمع بين العوض والمعوض (8).
المبحث الثامن: من لم يقدر على الهدي
المطلب الأول: حكم من لم يقدر على الهدي
إذا لم يقدر المتمتع والقارن على الهدي بأن لم يجد هدياً في السوق، أو وجده لكن لم يجد معه ثمنه، فإنه يصوم عشرة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع (9).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة: 196].
ثانياً: من السنة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فلما قدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال للناس: من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر، ثم ليهل بالحج ويهدي، فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (10).
ثالثاً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك: ابنُ المنذر (11) وابن قدامة (12).
المطلب الثاني: وقت صيام الثلاثة أيام في الحج لمن لم يجد الهدي
من لم يجد الهدي فإنه يبتدئ الصيام من زمن إحرامه، سواءً كان بإحرامه بالعمرة إذا كان متمتعاً، أو كان بإحرامه بالحج والعمرة إذا كان قارناً، وهذا مذهب الحنفية (13)، والحنابلة (14)، واختاره ابن عثيمين (15).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
_________
(1) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 196).
(2) ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/ 186)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 161، 162).
(3) ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/ 89)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 855).
(4) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 221)، ((المجموع)) للنووي (8/ 417) ..
(5) ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (3/ 579)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 75).
(6) منهم: عطاء، وطاووس، ومجاهد. ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 255)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 557).
(7) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 196).
(8) ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/ 89).
(9) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 516)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 176).
(10) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227)
(11) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من أهل بعمرة في أشهر الحج من أهل الآفاق، وقدم مكة ففرغ منها، فأقام بها فحج من عامه أنه متمتع، وعليه الهديُ إذا وجد، وإلا فالصيام) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 56).
(12) قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم خلافا، في أن المتمتع إذا لم يجد الهدي، ينتقل إلى صيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع تلك عشرة كاملة) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 417).
(13) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 327)، ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/ 157).
(14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 417)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 453).
(15) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/ 481)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 42).


أنه جَعَلَ الحجَّ ظرفا للصوم، وأفعال الحج لا يصام فيها، وإنما يصام في أشهرها أو وقتها، فعرفنا أن المراد به وقت الحج، كما قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة: 197] (1).
ثانياً: من السنة:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((دخلت العمرة في الحج)) (2).
وجه الدلالة:
أنَّه يدل على جواز الصيام من الإحرام بالعمرة؛ وذلاك لأن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة (3)
ثالثاً: أنَّه لا بد من الحكم بجواز الصوم بعد الإحرام العمرة، وقبل الشروع في الحج إذ لو كان لا يجوز إلا بعد إحرامه بالحج لما أمكنه صيام الثلاثة أيَّام لأنه إنما يشرع له الإحرام بالحج يوم التروية فلا يتبق له ما يسع الصيام (4).
رابعاً: أنَّ صيام المتمتع قبل إحرامه بالحج هو من باب تقديم الواجب على وقت وجوبه إذا وجد سببه، وهو جائز كتقديم الكفارة على الحنث بعد اليمين (5).
خامساً: أن إحرام العمرة أحد إحرامي التمتع، فجاز الصوم بعده كإحرام الحج (6).
مسألة:
الأفضل أن يقدم صيام الثلاثة أيَّام على يوم عرفة، ليكون يوم عرفة مفطراً، وهذا مذهب الشافعية (7)، وروي عن مالك (8)، وهو قول للحنابلة (9)، وبه قال طائفة من السلف (10)، واختاره ابن باز (11)، وابن عثيمين (12).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر بعرفة، وأرسلت إليه أم الفضل بلبن فشرب)) (13)
ثانياً: أن الفطر في هذا اليوم أقوى على العبادة، وأنشط له على الذكر والدعاء (14).
المطلب الثالث: صيام أيَّام التشريق لمن لم يجد الهدي
_________
(1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 327)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 418).
(2) رواه البخاري (1785)، ومسلم (1218)
(3) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/ 481)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 42).
(4) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 172).
(5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 418)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 453).
(6) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 352، 352).
(7) ((المجموع)) للنووي (7/ 185)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517).
(8) ((تفسير القرطبي)) (2/ 399).
(9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 417).
(10) روي ذلك عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم. ((المغني)) لابن قدامة (3/ 417).
(11) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 88).
(12) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 376).
(13) رواه الترمذي (750)، وأحمد (1/ 217) (1870)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/ 153) (2815)، وابن حبان (8/ 370) (3605)، والبيهقي (4/ 284) (8648). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وصححه الطبري في ((مسند عمر)) (1/ 350)، وابن دقيق في ((الاقتراح)) (106)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي))
(14) ((تفسير القرطبي)) (2/ 399)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 88).


يجوز صوم أيَّام التشريق (1) لمن لم يجد الهدي، ولم يكن قد صامها قبل يوم النحر، وهذا مذهب المالكية (2)، والحنابلة (3)، وقولٌ للشافعية (4)،وبه قال طائفة من السلف (5)، واختاره البخاري (6)، وابن عبدالبر (7)، وابن حجر (8)، وابن باز (9)، والألباني (10)، وابن عثيمين (11).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال تعالى: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [البقرة: 196].
وجه الدلالة:
أن عموم قوله: فِي الْحَجِّ يعم ما قبل يوم النحر وما بعده، فيدخل أيام التشريق.
ثانياً: من السنة:
عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا: ((لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لا يجد الهدي)) (12).
وجه الدلالة:
أن قول الصحابي لم يرخص أو رخص لنا، أو ما أشبه ذلك يعتبر مرفوعاً حكماً (13).
ثالثاً: أن صومها في أيام التشريق صوم لها في أيام الحج؛ لأن أيام التشريق أيام للحج، ففيها رمي الجمرات في الحادي عشر والثاني عشر وكذلك الثالث عشر (14).
المطلب الرابع: من لم يصم الهدي قبل عرفة هل يسقط عنه أو يبقى في ذمته؟
من لم يصم الثلاثة أيام في الحج فإنه لا يسقط الصيام عنه، ويلزمه بعد ذلك القضاء، وهذا مذهب الجمهور من المالكية (15)، والشافعية (16)، والحنابلة (17).
المطلب الخامس: من أخر صيام ثلاثة أيام التي في الحج حتى انتهى حجه، فهل تلزمه الفدية؟
_________
(1) أيام التشريق: (هي أيام منى الثلاثة التي تلى يوم النحر). قال ابن عبدالبر: (لا خلاف بين العلماء أن أيام التشريق هي الأيام المعدودات، وهي أيام منى، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر كل هذه الأسماء واقعة على هذه الأيام ولم يختلفوا في ذلك). ((التمهيد)) (12/ 129)، ((فتح الباري)) (4/ 243).
(2) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 346)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 558).
(3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 111)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 249).
(4) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/ 455)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517).
(5) فهو قول: (ابن عمر، وعائشة رضي الله عنهما، والزهري، وعروة، والأوزاعي، وإسحاق) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (12/ 128)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 434).
(6) ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 242).
(7) قال ابن عبدالبر في صيامها لمن لم يجد الهدي: (وهو الأولى لأنها من أيام الحج وقد قال الله عز وجل: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 347).
(8) قال ابن حجر: (تعارض عموم الآية المشعر بالإذن، وعموم الحديث المشعر بالنهي، وفي تخصيص عموم المتواتر بعموم الآحاد نظر لو كان الحديث مرفوعا فكيف وفي كونه مرفوعا نظر؟ فعلى هذا يترجح القول بالجواز، وإلى هذا جنح البخاري. والله أعلم) ((فتح الباري)) (4/ 243).
(9) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 88).
(10) ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) للألباني (12/ 382 رقم 5664).
(11) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/ 481).
(12) رواه البخاري (1997، 1998)
(13) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/ 481، 7/ 179).
(14) ((الاستذكار)) للنووي (4/ 414)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمن (7/ 179).
(15) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 351)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/ 84).
(16) ((المجموع)) للنووي (7/ 186)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517).
(17) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 364)، ((الإقناع)) لابن قدامة (1/ 369).


من أخر صيام ثلاثة الأيام التي في الحج حتى انتهى حجه، فلا تلزمه الفدية، وهو مذهب المالكية (1)، والشافعية (2)، واختاره ابن عثيمين (3).
وذلك للآتي:
- أنه لما عدم الهدي صار الصيام واجبا في حقه، فإذا تأخر عن أدائه فإنه يقضى كرمضان (4).
- أن الصوم بدل عن الهدي، فلو وجب الدم لاجتمع البدل والمبدل معه، وهو خلاف الأصل (5).
المطلب السادس: حكم صيام السبعة أيام بمكة بعد فراغه من الحج
يجوز صيام السبعة أيام بمكة بعد فراغه من الحج، وإن كان الأفضل تأخيره إلى أن يرجع إلى أهله، وهذا مذهب جمهور الفقهاء: الحنفية (6)، والمالكية (7)، والحنابلة (8)، وهو قولٌ للشافعي (9).
الأدلة:
أولاً: أدلة جواز الصيام بعد فراغه من الحج
قوله تعالى: وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 197].
وجه الدلالة:
أن المراد من الرجوع الفراغ من الحج؛ لأن الفراغ منه سبب الرجوع إلى أهله، فكان الأداء بعد حصول السبب، فيجوز (10).
أن كل صوم لزمه، وجاز في وطنه، جاز قبل ذلك، كسائر الفروض (11).
أنه صومٌ وجد من أهله بعد وجود سببه، فأجزأه، كصوم المسافر والمريض (12).
ثانياً: أدلة أفضلية الصيام بعد رجوعه إلى أهله:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (13).
وجه الدلالة:
أنه يدل أن الأصل في الصيام أن يكون بعد رجوعه إلى أهله، وفيه تفسير للآية الكريمة.
احتياطاً؛ لأنه اختلف في جوازه قبل ذلك، فيفعله على الوجه المجمع عليه أحسن (14).
المطلب السابع: هل يشترط أن يكون صيام الأيام متتابعة؟
يجوز صوم الثلاثة أيام في الحج، والسبعة إذا رجع إلى أهله متتابعة ومتفرقة باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (15)، والمالكية (16)، والشافعية (17)، والحنابلة (18)، وحكي في ذلك الإجماع (19).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال تعالى: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196] (20).
ثانيا: من السنة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (21).
وجه الدلالة من الدليلين:
أنَّ الشارع أطلق الصيام ولم يشترط فيه التتابع، والواجب إطلاق ما أطلقه الله ورسوله (22).
_________
(1) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 351)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/ 84).
(2) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 53)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517).
(3) ((الشرح الممتع)) (7/ 180).
(4) ((الشرح الممتع)) (7/ 180).
(5) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 352).
(6) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 173)، ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/ 155).
(7) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 270)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/ 85).
(8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 418)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 454).
(9) ((المجموع)) للنووي (7/ 187)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 54).
(10) ((لهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/ 155).
(11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 418).
(12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 418).
(13) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227).
(14) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 270).
(15) ((المبسوط)) للسرخسي (3/ 148)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 76).
(16) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 267)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/ 413).
(17) ((المجموع)) للنووي (7/ 189)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517).
(18) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 336)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 365).
(19) قال ابن قدامة: (لا يجب التتابع، وذلك لا يقتضي جمعا ولا تفريقا. وهذا قول الثوري، وإسحاق، وغيرهما. ولا نعلم فيه مخالفا). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 418).
(20) ((المبسوط)) للسرخسي (3/ 148).
(21) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227)
(22) ((المبسوط)) للسرخسي (3/ 148)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 376).


الفصل الثالث: الحلق والتقصير
المبحث الأول: حكم الحلق والتقصير:
حلق شعر الرأس أو تقصيره واجبٌ من واجبات الحج والعمرة، وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والحنابلة (3).
الأدلة:
أولا: من الكتاب:
قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27].
وجه الدلالة:
أنَّ الله تعالى جعل الحلق والتقصير وصفاً للحج والعمرة، والقاعدة أنه إذا عبر بجزءٍ من العبادة عن العبادة، كان دليلاً على وجوبه فيها (4).
ثانياً: من السنة:
1 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمراً، فحال كفار قريش بينه وبين البيت، فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية)). أخرجه البخاري (5).
2 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع)) أخرجه البخاري ومسلم (6)، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((لتأخذوا مناسككم)) (7)، مع كون فعله وقع بياناً لمجمل الكتاب.
المبحث الثاني: القدر الواجب حلقه أو تقصيره
الواجب حلق جميع الرأس (8)، أو تقصيره كله، وهذا مذهب المالكية (9)، والحنابلة (10)، واختاره ابن عبدالبر (11)، وابن باز (12)، وابن عثيمين (13) وبه أفتت اللجنة الدائمة (14).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
عموم قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27].
وجه الدلالة:
أنه عامٌّ في جميع شعر الرأس، فالرأس اسمٌ لجميعه (15).
ثانياً: من السنة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع (16).
وجه الدلالة:
أنه عامٌّ في جميع شعر الرأس؛ لأن الرأس اسمٌ لجميعه؛ فوجب الرجوع إليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم ((لتأخذوا مناسككم)) (17)، والأصل في الأمر الوجوب.
المبحث الثالث: الأفضل في حلق الرأس
_________
(1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 140)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 468).
(2) ((حاشية العدوي)) (1/ 683)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 819).
(3) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 521)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 396).
(4) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 396).
(5) رواه البخاري (4252).
(6) رواه البخاري (4410)، ومسلم (1304).
(7) رواه مسلم (1297).
(8) الحلق يكون بالموسى، ولا يكون بالماكينة، حتى ولو كانت على أدنى درجة؛ فإن ذلك لا يعتبر حلقاً، وإنما يكون تقصيراً. ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 328).
(9) ((حاشية العدوي)) (1/ 683،689).
(10) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 29)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 502).
(11) قال ابن عبدالبر: (ويجب حلاق جميع الرأس أو تقصير جميعه) ((التمهيد)) (15/ 238).
(12) قال ابن باز: (ولا يكفي أخذ بعض الرأس، بل لا بد من تقصيره كله كالحلق) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 147).
(13) قال ابن عثيمين: (الصواب ما ذكره المؤلف، وهو أنه لا بد أن يقصر من جميع شعره) ((الشرح الممتع)) (7/ 328 - 329).
(14) نص فتوى اللجنة الدائمة: (الواجب تعميم الرأس كله بالحلق أو التقصير في حج أو عمرة) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) - المجموعة الأولى (11/ 218).
(15) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 141).
(16) رواه البخاري (4410) ومسلم (1304).
(17) رواه مسلم (1297)


حلق جميع الرأس أفضل من تقصيره (1)
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
ظاهر قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27].
وجه الدلالة:
أنَّ الله عز وجل بدأ بالحلق، والعرب إنما تبدأ بالأهم والأفضل (2).
ثانياً: من السنة:
1 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: والمقصرين)) (3)
2 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته)) أخرجه البخاري (4).
ثالثاً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (5)، والنووي (6).
المبحث الرابع: هل يجزئ التقصير عن الحلق؟
يجزئ التقصير عن الحلق.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
ظاهر قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27].
ثانياً: من السنة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم ارحم المحلقين. قال في الرابعة: والمقصرين)) (7).
ثالثاً: الإجماع:
فقد نقل ابن المنذر (8)، والنووي (9) وابن حجر (10) الإجماع على ذلك (11).
المبحث الخامس: الحلق والتقصير للمرأة
المطلب الأول: حلق المرأة رأسها
لا تؤمر المرأة بالحلق بل تقصر.
الأدلة:
أولا: من السنة:
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس على النساء حلق، وإنما عليهن التقصير)) (12).
ثانياً: الإجماع:
_________
(1) قال ابن حجر: (وفيه أن الحلق أفضل من التقصير، ووجهه أنه أبلغ في العبادة، وأبين للخضوع والذلة، وأدل على صدق النية، والذي يقصر يبقي على نفسه شيئاً مما يتزين به، بخلاف الحالق فإنه يشعر بأنه ترك ذلك لله تعالى، وفيه إشارة إلى التجرد) ((فتح الباري)) (3/ 564).
(2) قال النووي: (والإجماع على أن الحلق أفضل) ((المجموع)) (8/ 199).
(3) رواه البخاري (1727)، ومسلم (1301).
(4) رواه البخاري (1726).
(5) قال ابن عبدالبر: ((وأجمعوا أن الحلاق أفضل من التقصير)) ((التمهيد)) (7/ 267).
(6) قال النووي: (والإجماع على أن الحلق أفضل) ((المجموع)) (8/ 199).
(7) رواه البخاري (1727)، ومسلم (1301).
(8) قال ابن المنذر: (وقد أجمع أهل العلم على أن التقصير يجزئ) ((الإشراف)) (3/ 355).
(9) قال النووي: (الحلق والتقصير ثابتان بالكتاب والسنة والإجماع، وكل واحدٍ منهما يجزئ بالإجماع) ((المجموع)) (8/ 199).
(10) قال ابن حجر: (في حديث الباب من الفوائد أن التقصير يجزئ عن الحلق، وهو مجمعٌ عليه) ((فتح الباري)) (3/ 564).
(11) لكن يتعين الحلق في عدة مواضع لدى بعض المالكية، انظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 181).
(12) رواه أبو داود (1984)، والبيهقي (5/ 104) (9187). والحديث حسن إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 197)، وابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (3/ 894)، وقال: (قواه أبو حاتم في العلل والبخاري في التاريخ وأعله ابن القطان، ورد عليه ابن المواق فأصاب). وقال الشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 642): (أقل درجاته الحسن)، وصححه لغيره الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).


فقد نقل ابن المنذر (1)، وابن عبدالبر (2)، وابن قدامة (3)، والنووي (4) الإجماع على ذلك.
ثالثاً: أنَّ الحلق في حق النساء فيه مثلة (5)؛ ولهذا لم تفعله نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: أن المرأة محتاجة إلى التجمل والتزين، والشعر جمال وزينة، ولذا شرع في حقهن التقصير فقط (6).
المطلب الثاني: مقدار تقصير شعر المرأة
تقصر المرأة من شعرها، قدر أنملة الأصبع -وهي مفصل الإصبع- فتمسك ضفائر رأسها، إن كان لها ضفائر، أو بأطرافه إن لم يكن لها ضفائر، وتقص قدر أنملة (7)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11)، وإنما كان الواجب بقدر الأنملة لئلا يجحف برأسها (12).
المبحث السادس: إمرار الموسى على من ليس على رأسه شعر
إذا لم يكن على رأسه شعر – كالأقرع ومن برأسه قروح – فقد اختلف أهل العلم فيه على أقوال، ومنها:
القول الأول: أنه يستحب له إمرار الموسى على رأسه، وهو مذهب الشافعية (13)، والحنابلة (14)، وهو قولٌ للحنفية (15).
الأدلة:
أولاً: أنه عبادة تتعلق بالشعر، فتنتقل للبشرة عند عدمه، كالمسح في الوضوء (16).
ثانياً: الإجماع على ذلك، وقد نقله ابن المنذر (17).
القول الثاني: أنه يجب إمرار الموسى، وهذا مذهب المالكية (18)، والحنفية في الأصح (19). وذلك لأنها عبادة تتعلق بالشعر، فتنتقل للبشرة عند تعذره، كالمسح في الوضوء (20).
_________
(1) قال ابن المنذر: (وأجمع أهل العلم على القول به في محفوظ ذلك عن ابن عمر، وعطاء، وعمرة، وحفصة بنت سيرين، وعطاء الخرساني، ومالك، والثوري، وسائر أهل الكوفة من أصحاب الرأي، وغيرهم، والشافعي، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وسائر أهل العلم) ((الإشراف)) (3/ 359).
(2) قال ابن عبدالبر: (وأجمعوا أن سنة المرأة التقصير لا الحلاق) ((الاستذكار)) (4/ 317).
(3) قال ابن قدامة: (والمشروع للمرأة التقصير دون الحلق، لا خلاف في ذلك) ((المغني)) (3/ 226).
(4) قال النووي: (أجمع العلماء على أنه لا تؤمر المرأة بالحلق، بل وظيفتها التقصير من شعر رأسها) ((المجموع)) (8/ 204).
(5) ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 35)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 141)، ((حاشية العدوي)) (1/ 683)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 502).
(6) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 329).
(7) ما اشتهر عند النساء أن الأنملة أن تطوي المرأة طرف شعرها على إصبعها فمتى التقى الطرفان فذاك الواجب فغير صحيح ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 329).
(8) ((المبسوط)) للشيباني (2/ 430)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 141).
(9) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 335)، ((حاشية العدوي)) (1/ 683).
(10) ((المجموع)) للنووي (8/ 204)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/ 502).
(11) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 30)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 502).
(12) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 329).
(13) ((المجموع)) للنووي (8/ 193،194).
(14) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 30)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 502).
(15) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 32)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 372).
(16) ((حاشية الدسوقي)) (2/ 46).
(17) قال ابن المنذر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الأصلع يمر على رأسه الموسى وقت الحلق، روينا ذلك عن علي، وابن عمر، وبه قال مسروق، وسعيد بن جبير، والنخعي، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي) الإشراف (2/ 357 - 358)
(18) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/ 440)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 270)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 46).
(19) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 32)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 372).
(20) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 270).


القول الثالث: لا يستحب له إمرار الموسى على رأسه، وهو مرويٌّ عن أبي بكر ابن داود (1)، ومال إليه المرداوي (2)، واختاره ابن عثيمين (3).
وذلك للآتي:
1 - أن الحلق محله الشعر فسقط بعدمه، كما سقط وجوب غسل العضو في الوضوء بفقده.
2 - أن القاعدة المتفق عليها أن الوسائل يسقط اعتبارها عند تعذر المقاصد، وإمرار الموسى وسيلةٌ لإزالة الشعر، وليست مقصودة بذاتها (4).
المبحث السابع: حكم التيامن في حلق الرأس
المطلب الأول: حكم التيامن في حلق الرأس
يستحب التيامن في حلق الرأس، فيقدم الشق الأيمن، ثم الشق الأيسر، فإن لم يفعل أجزأه، وحكي الإجماع على ذلك (5).
المطلب الثاني: بم يحصل التيامن في حلق الرأس؟
العبرة في التيامن في الحلق بيمين المحلوق، فيبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الشق الأيسر، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (6)، والشافعية (7)، والحنابلة (8)، واختاره ابن الهمام من الحنفية (9).
الأدلة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة، ثم انصرف إلى البدن فنحرها، والحجام جالس. وقال بيده عن رأسه، فحلق شقه الأيمن فقسمه فيمن يليه، ثم قال: احلق الشق الآخر، فقال: أين أبو طلحة؟ فأعطاه إياه)) أخرجه مسلم (10).
وفي روايةٍ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((لما رمى- أي النبي عليه الصلاة والسلام- الجمرة ونحر نسكه وحلق، ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري رضي الله عنه فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر فقال: احلق: فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، فقال: اقسمه بين الناس)) (11).
_________
(1) قال النووي: (وحكى أصحابنا عن أبي بكر بن داود أنه قال: لا يستحب إمراره) ((المجموع)) (8/ 212).
(2) قال المرداوي: (لو عدم الشعر استحب له إمرار الموسى، قاله الأصحاب وقاله أبو حكيم في ختانه، قلت: وفي النفس من ذلك شيء، وهو قريبٌ من العبث) ((الإنصاف)) (4/ 30).
(3) قال ابن عثيمين: (ومثل ما لو أن أحداً أصلع ليس له شعر اعتمر أو حج، والحج والعمرة يجب فيهما الحلق أو التقصير، فما نقول له: احلق؛ لأنه ما له شعر، وليس عليه أن يمر الموسى على رأسه، كما قاله بعض العلماء؛ فإن هذا عبث) ((الشرح الممتع)) (13/ 412).
(4) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 32)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 270)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 457).
(5) قال شمس الدين ابن قدامة: (السنة أن يبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر لهذا الخبر، فإن لم يفعل أجزأه، لا نعلم فيه خلافاً) ((الشرح الكبير)) (3/ 456).
(6) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 182)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 335).
(7) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 162)، ((المجموع)) للنووي (8/ 203).
(8) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 29)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 502).
(9) قال ابن الهمام: ( ... ثم قال للحلاق: "خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس" وهذا يفيد أن السنة في الحلق البداءة بيمين المحلوق رأسه وهو خلاف ما ذكر في المذهب وهذا الصواب) ((فتح القدير)) (2/ 489).
(10) رواه مسلم (1305).
(11) رواه مسلم (1305).


الفصل الرابع: طواف الإفاضة
المبحث الأول: تعريف طواف الإفاضة
الإفاضة لغة:
الإفاضة: الزحف والدفع في السير بكثرة، ولا يكون إلا عن تفرق وجمع. وأصل الإفاضة الصب فاستعيرت للدفع في السير ... ومنه طواف الإفاضة يوم النحر، يفيض من منى إلى مكة فيطوف ثم يرجع (1).
أسماء طواف الإفاضة
سمي طواف الإفاضة بعدة أسماء منها:
1. طواف الإفاضة: وسمي بذلك لأنه يأتي بعد إفاضته من منى إلى مكة.
2. طواف الزيارة: وذلك لأن الحاج يأتي من منى لزيارة البيت، ولا يقيم بمكة بل يرجع إلى منى.
3. طواف الصَّدَر: لأنه يفعل بعد الرجوع, والصدر يطلق أيضاً على طواف الوداع.
4. طواف الواجب وطواف الركن وطواف الفرض: وذلك باعتبار الحكم (2).
المبحث الثاني: حكم طواف الإفاضة
طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به، ولا ينوب عنه شيء.
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
يقول الله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29].
وجه الدلالة:
اتفق أهل التفسير أن المراد بالطواف المأمور به في هذه الآية هو طواف الإفاضة (3).
ثانياً: من السنة:
أن صفية بنت حيي، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حاضت، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال: فلا إذا. وفي رواية لمسلم: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر، إذا صفية على باب خبائها كئيبة حزينة. فقال: عقرى! حلقي! إنك لحابستنا. ثم قال لها: أكنت أفضت يوم النحر؟ قالت: نعم. قال: فانفري)) (4)
وجه الدلالة:
أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحابستنا هي؟)) يدل على أن هذا الطواف لا بد من الإتيان به, وأن عدم الإتيان به موجبٌ للحبس (5).
الإجماع:
_________
(1) انظر ((لسان العرب)) لابن منظور مادة (فيض) , و ((تاج العروس)) للزبيدي مادة (فيض).
(2) ((المجموع شرح المهذب)) (8/ 12)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 390) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 505).
(3) قال ابن جرير: (وعني بالطواف الذي أمر جل ثناؤه حاج بيته العتيق به في هذه الآية طواف الإفاضة الذي يطاف به بعد التعريف، إما يوم النحر وإما بعده، لا خلاف بين أهل التأويل في ذلك). ((جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (18/ 615).
(4) رواه البخاري (5329)، ومسلم (1211)
(5) قال البغوي: (ثبت بهذا الحديث أن من لم يطف يوم النحر طواف الإفاضة لا يجوز أن ينفر) ((معالم التنزيل)) (5/ 382) , وقال ابن دقيق العيد: (فإن سياقه يدل على أن عدم طواف الإفاضة موجب للحبس) ((إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام)) (1/ 333).


نقل الإجماع على ركنية طواف الإفاضة: ابن المنذر (1) ,وابن حزم (2) ,وابن عبدالبر (3) ,وابن رشد (4) , وابن قدامة (5) , والنووي (6) , وابن تيمية (7) وغيرهم.
المبحث الثالث: شروط طواف الإفاضة
يشترط لطواف الإفاضة شروط خاصة به سوى الشروط العامة للطواف وهذه الشروط الخاصة هي:
المطلب الأول: أن يسبقه الإحرام
يشترط أن يكون مسبوقاً بالإحرام، وذلك لأن جميع أعمال الحج يتوقف احتسابها على الإحرام (8).
المطلب الثاني: أن يسبقه الوقوف بعرفة
يشترط أن يسبقه الوقوف بعرفة, فلو طاف للإفاضة قبل الوقوف بعرفة لا يسقط به فرض الطواف (9).
الأدلة:
أولاً: من الكتاب:
قال الله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29].
وجه الدلالة:
أنه لا يمكن قضاء التفث والوفاء بالنذر إلا بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة.
ثانياً: من السنة:
1 - عن جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم حاكياً عمله بعد الوقوف بعرفة والمبيت بالمزدلفة والرمي: ((ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر)) (10).
2 - عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى)) قال نافع: ((فكان ابن عمر يفيض يوم النحر، ثم يرجع فيصلي الظهر بمنى ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله)) (11).
ثالثاً: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك ابن تيمية (12).
_________
(1) قال ابن المنذر: (وأجمعوا أن الطواف الواجب هو طواف الإفاضة). ((الإجماع)) لابن المنذر (1/ 58).
(2) قال ابن حزم: (وأجمعوا أن الطواف الآخر المسمى طواف الإفاضة بالبيت والوقوف بعرفة فرض). ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (1/ 42).
(3) قال ابن عبدالبر: (أن الطواف الحابس للحائض الذي لا بد منه هو طواف الإفاضة، وكذلك يسميه أهل الحجاز طواف الإفاضة، ويسميه أهل العراق طواف الزيارة .... وهو واجب فرضاً عند الجميع، لا ينوب عنه دم، ولا بد من الإتيان به) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (17/ 267).
(4) قال ابن رشد: (وأجمعوا على أن الواجب منها الذي يفوت الحج بفواته هو طواف الإفاضة). ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 343).
(5) قال ابن قدامة: (يسمى طواف الإفاضة لأنه يأتي به عند إفاضته من منى إلى مكة، وهو ركن للحج لا يتم إلا به لا نعلم فيه خلافا). ((المغني)) (3/ 390).
(6) قال النووي: (وهذا الطواف - أي طواف الإفاضة - ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به بإجماع الأمة). ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 220).
(7) قال ابن تيمية: (لا بد بعد الوقوف من طواف الإفاضة، وإن لم يطف بالبيت لم يتم حجه باتفاق الأمة) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 302).
(8) ينظر ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 517).
(9) قال الشافعي: (ومن قدم طوافه للحج قبل عرفة بالبيت وبين الصفا والمروة فلا يحل حتى يطوف بالبيت سبعاً) ((الأم)) (2/ 237). وقال النووي: (وشرطه أن يكون بعد الوقوف بعرفات، حتى لو طاف للإفاضة بعد نصف ليلة النحر قبل الوقوف ثم أسرع إلى عرفات، فوقف قبل الفجر لم يصح طوافه؛ لأنه قدمه على الوقوف) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 193). وينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 517) , ((حاشية الدسوقي)) (2/ 34) , ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 266) , ((كشاف القناع)) (2/ 505).
(10) رواه مسلم (1218)
(11) رواه مسلم (1308)
(12) قال ابن تيمية: (وأما تقديم طواف الفرض على الوقوف فلا يجزي مع العمد بلا نزاع) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 231). وقال: (وفيه أيضا تقديم الطواف قبل وقته الثابت بالكتاب والسنة والإجماع. والمناسك قبل وقتها لا تجزئ) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 203).


المبحث الرابع: وقت طواف الإفاضة
المطلب الأول: متى يسن طواف الإفاضة؟
يسن أن يكون طواف الإفاضة في يوم النحر أول النهار، بعد الرمي والنحر، والحلق. وهو أفضل وقت لبدايته (1).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1. حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة، ثم انصرف إلى المنحر فنحر هديه, ثم أفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر)) (2).
2. عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى. قال نافع: فكان ابن عمر يفيض يوم النحر، ثم يرجع فيصلي الظهر بمنى. ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله)) (3).
ثانياً الإجماع:
نقل النووي الإجماع على ذلك (4).
المطلب الثاني: متى يبتدئ وقت جواز طواف الإفاضة؟
اختلف العلماء في تحديده على قولين:
القول الأول: أن أول وقت طواف الإفاضة بعد منتصف ليلة النحر لمن وقف بعرفة قبله، وهذا مذهب الشافعية (5)، والحنابلة (6) , واختاره ابن باز (7).
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم - تعني عندها)) (8)
2 - ما روى عن أسماء رضي الله عنها أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة، فقامت تصلى، فصلت ساعة، ثم قالت: ((يا بنى هل غاب القمر قلت لا. فصلت ساعة، ثم قالت هل غاب القمر؟ قلت: نعم. قالت: فارتحلوا. فارتحلنا، ومضينا حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح فى منزلها. فقلت لها: يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا. قالت: يا بنى، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن)) (9)
وجه الدلالة من الحديثين:
أن ظاهر النص جواز الدفع من المزدلفة قبل منتصف الليل والرمي؛ لأن أم سلمة وأسماء رضي الله عنهما رمتا الجمرة قبل الصبح؛ فهذا دليل على جواز الرمي قبل الفجر، فإذا جاز رمي الجمرة قبل الفجر؛ جاز فعل بقية أعمال يوم التشريق؛ لأنها مترابطة.
_________
(1) قال الشنقيطي: (الظاهر أن أول وقته أول يوم النحر بعد الإفاضة من عرفة ومزدلفة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه طاف طواف الإفاضة يوم النحر، بعد رمي جمرة العقبة، والنحر، والحلق، وقال: «خذوا عني مناسككم» ((أضواء البيان)) (4/ 406).
(2) رواه مسلم (1218)
(3) رواه مسلم (1308)
(4) قال النووي: (واتفقوا على أنه يستحب فعله يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق) ((شرح النووي على مسلم)) (9/ 58).
(5) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 221) , ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 307).
(6) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 33) ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لابن قدامة (3/ 466).
(7) قال ابن باز: (لا يجوز رمي جمرة العقبة قبل منتصف الليل من ليلة النحر، وكذا طواف الإفاضة). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 143).
(8) رواه أبو داود (1942)، والدارقطني (2/ 276)، والحاكم (1/ 641)، والبيهقي (5/ 133) (9846). وأورده ابن حزم في ((حجة الوداع)) (184): وهو عنده إسناده متصل صحيح. وقال محمد بن عبدالهادي في ((المحرر)) (265): رجاله رجال مسلم، وصحح إسناده ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 250)، وقال ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (215): إسناده على شرط مسلم، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (5/ 146)، والعظيم آبادي في ((عون المعبود)) (5/ 219): (رجاله رجال الصحيح).
(9) رواه البخاري (1679)، ومسلم (1291)


ثانياً: قياس الطواف على الرمي بجامع أنهما من أسباب التحلل، فإنه بالرمي للجمار والذبح والحلق يحصل التحلل الأول، وبالطواف يحصل التحلل الأكبر، فكما أن وقت الرمي يبدأ عندهم بعد نصف الليل، فكذا وقت طواف الإفاضة.
القول الثاني: يبتدئ من طلوع الفجر الثاني يوم النحر، وهذا مذهب الحنفية (1) , والمالكية (2) , وهو رواية عن أحمد (3).
الأدلة:
أولا: من السنة:
1 - فعله صلى الله عليه وسلم مع قوله: ((لتأخذوا مناسككم)) (4)؛ فقد طاف طواف الإفاضة يوم النحر.
2 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أغيلمة بنى عبدالمطلب على حُمُرات فجعل يلطح (5) أفخاذنا ويقول «أبيني، لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس)) (6).
وجه الدلالة:
أنه إذا نُهي الضعفة عن رمي الجمار قبل طلوع الشمس، فأولى ألا يجوز الإفاضة قبل ذلك؛ لأن الأصل في فعل طواف الإفاضة أن يكون بعد رمي الجمار والنحر والحلق.
ثانياً: أن ما قبل الفجر من الليل وقت الوقوف بعرفة، والطواف مرتب عليه، فلا يصح أن يتقدم ويشغل شيئاً من وقت الوقوف، فالوقت الواحد لا يكون وقتاً لركنين.
مسألة: أداء طواف الإفاضة أيام التشريق
إذا أخر طواف الإفاضة عن يوم النحر وأداه في أيام التشريق صح طوافه ولا شيء عليه بالإجماع, وقد نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (7) والنووي (8)
المطلب الثالث: آخر وقت طواف الإفاضة
ليس لآخره حد معين لأدائه فرضاً (9)، بل جميع الأيام والليالي وقته إجماعاً، وقد نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة (10).
وأما وقته الواجب فقد اختلف فيه أهل العلم على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يجب أداؤه في أيام النحر، فلو أخره حتى أداه بعدها صح، ووجب عليه دم جزاء تأخيره عنها، وهذا مذهب الحنفية (11).
الأدلة:
1 - أن الله تعالى عطف الطواف على الذبح في الحج، فقال: فَكُلُوا مِنْهَا، ثم قال: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]، فكان وقتهما واحدا، فيكره تأخير الطواف عن أيام النحر، وينجبر بالدم.
_________
(1) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 518) , ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 148).
(2) ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 814).
(3) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 33).
(4) رواه نسلم (1218)
(5) يلطح: بفتح الياء التحتية والطاء المهملة وبعدها حاء مهملة. قال الجوهري: اللطح: الضرب اللين على الظهر ببطن الكف انتهى. أي يضرب بيده ضربا خفيفا، وإنما فعل ذلك ملاطفة لهم. ((عون المعبود)) للمباركفوري (5/ 415).
(6) رواه أبو داود (1940)، والنسائي (5/ 270)، وابن ماجه (2469)، وأحمد (1/ 234) (2082)، وابن حبان (9/ 181) (3869)، والبيهقي (5/ 132) (9840). والحديث صححه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (9/ 122)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1940)
(7) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن من أخر الطواف عن يوم النحر، فطافه في أيام التشريق أنه مؤد للفرض الذي أوجبه الله عليه، ولا شيء عليه في تأخيره) ((الإجماع)) لابن المنذر (1/ 59).
(8) قال النووي: (فإن أخره عنه وفعله في أيام التشريق أجزأه ولا دم عليه بالإجماع) ((شرح النووي على مسلم)) (9/ 58).
(9) ينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 518) , ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 224) , ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 588).
(10) قال ابن قدامة: (الصحيح أن آخر وقته غير محدود؛ فإنه متى أتى به صح بغير خلاف) ((المغني)) (3/ 391).
(11) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 25 - 26) , ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 518 - 519).


2 - أن الطواف نسك يفعل في الحج فكان آخره محدد؛ كالوقوف والرمي (1).
3 - أنه أدخل نقصاناً بتأخير الطواف عن وقته، فيجبر بدم كتأخير أركان الصلاة.
القول الثاني: يجب أداؤه قبل خروج شهر ذي الحجة، فإذا خرج لزمه دم، وهذا مذهب المالكية (2) (3).
الأدلة:
1. قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ [البقرة: 197] ,
وجه الدلالة:
في الآية دليل على أن الحج مؤقت بأشهر محددة لا يجوز تأخيره عنها, وتأخير الطواف إلى محرم، فعل للركن في غير أشهر الحج.
القول الثالث: لا يلزمه شيء بالتأخير أبداً، وهذا مذهب الشافعية (4)، والحنابلة (5)، وبه قال طائفة من السلف (6)، واختاره ابن المنذر (7) , وابن باز (8).
الدليل:
أن الله أمر بالطواف أمراً مطلقاً، ولم يرد دليل يؤقت طواف الإفاضة كغيره من الأعمال، والأصل في ذلك براءة الذمة، وعدم التحديد.
المطلب الرابع: الشرب من ماء زمزم والتضلع منه بعد الطواف
يشرع (9) الشرب من ماء زمزم والتضلع منه عند الفراغ من طواف الإفاضة (10).
الأدلة:
1. عن جابر رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة أشواط من الحجر، وصلى ركعتين، ثم عاد إلى الحجر، ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها، وصبَّ على رأسه، ثم رجع فاستلم الركن ... )) (11).
2 - عن يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه قال: ((لما حجَّ معاوية رضي الله عنه حججنا معه، فلما طاف بالبيت، وصلى عند المقام ركعتين، ثم مرَّ بزمزم وهو خارج إلى الصفا، فقال: انزع لي منها دلواً يا غلام، فنزع له منها دلواً، فأتي به فشرب منه، وصب على وجهه ورأسه، وهو يقول: زمزم شفاء، وهي لما شرب له)) (12).
_________
(1) قال ابن قدامة: (وأما آخر وقته فاحتج بأنه نسك يفعل في الحج، فكان آخره محدودا، كالوقوف والرمي) ((المغني)) (3/ 391).
(2) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 376) , ((مواهب الجليل)) (4/ 22).
(3) وافق الشيخ ابن عثيمن المالكية في عدم جواز تأخير طواف الإفاضة إلى خروج ذي الحجة, إلا أنه لم يذكر وجوب الدم على من فعل ذلك، ويقول في ذلك: (يجوز للإنسان أن يؤخر طواف الإفاضة وسعي الحج لآخر يوم من شهر ذي الحجة، ولا يجوز له أن يؤخرهما عن ذلك) ((مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين)) (21/ 379).
(4) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 224).
(5) ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لابن قدامة (3/ 466) , ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 588) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 503).
(6) منهم: عطاء وعمرو بن دينار وابن عيينة وأبو ثور. ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 224).
(7) قال ابن المنذر: (أحب أن لا يؤخر عن يوم النحر، فإن أخره وطاف بعد أيام التشريق أجزأه ولا شيء عليه) ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 362).
(8) قال ابن باز: (لا دليل لمن قال بعدم جواز تأخير طواف الإفاضة عن ذي الحجة، والصواب جواز التأخير، ولكن الأولى المبادرة به). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 148).
(9) قال ابن عثيمين: (ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن طاف طواف الإفاضة يوم العيد شرب من ماء زمزم، ولهذا استحب العلماء أن يشرب من ماء زمزم بعد طواف الإفاضة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 218). وقال أيضا: (اختلف العلماء رحمهم الله هل الرسول صلى الله عليه وسلم شرب ذلك تعبداً، أو محتاجاً للشرب، هذا محل تردد عندي، أما أصل الشرب من ماء زمزم فسنة، فما دامت المسألة مشكوك هل هي عبادة، أو طبيعة فلا نقول: إنه يشرع إلا لو أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن الممكن أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما طاف احتاج إلى الشرب، ولهذا لم يبلغني أنه عليه الصلاة والسلام شرب حين طاف للعمرة: عمرة الجعرانة، وعمرة القضاء، وصلى الله عليه وسلم هذا ففيه احتمال قوي جدًّا أنه شربه لحاجته إليه، فالذين لم يذكروه لأنهم لا يرون أنه مشروع، وإنما احتاج الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشرب فشرب) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 220).
(10) وقد أشار الشافعية والحنابلة إلى أنه يكون بعد طواف الإفاضة. ((مغني المحتاج)) (1/ 503)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 506) وهذا الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عابدين: (وقال هنا ولم يذكر في كثير من الكتب إتيان زمزم والملتزم فيما بين الصلاة والتوجه إلى الصفا ولعله لعدم تأكده) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 500).
(11) رواه أحمد (3/ 394) (15280). والحديث جود إسناده ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (11/ 459)، والعيني في ((عمدة القاري)) (9/ 398)، وقال شعيب الأرناؤوط في ((تحقيق مسند أحمد)): إسناده صحيح على شرط مسلم.
(12) رواه الفاكهي في ((أخبار مكة)) (1096). قال ابن حجر في ((ماء زمزم)) (32): (إسناده حسن مع كونه موقوفاً، وهو أحسن من كل إسناد وقفت عليه هذا الحديث).


الفصل الخامس: التحلل الأول
المبحث الأول: تعريف التحلل
التحلل لغة: يقال حلّ المحرم يحلُّ حلالًا وحلًّا، إذا حلّ له ما يحرم عليه من محظورات الحج، ورجلٌ حلال: أي غير محرم ولا متلبّس بأسباب الحج، وأحلَّ الرجل إذا خرج إلى الحلّ عن الحرم (1).
التحلل اصطلاحاً:
الخروج من الإحرام، وحل ما كان محظورا عليه وهو محرم (2).
المبحث الثاني: بم يحصل التحلل الأول:
اختلف أهل العلم في التحلل الأول بم يحصل على أقوال ثلاثة:
القول الأول:
أنه يحصل بفعل اثنين من ثلاثة وهي: الرمي، والحلق، والطواف. وإلى هذا ذهب الشافعي (3)، وأحمد (4) في المشهور عنهما, واختاره ابن حجر (5) , وابن باز (6).
الأدلة:
1. عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف، وبسطت يديها)) (7)
وجه الدلالة:
إخبار عائشة رضي الله عنها بأنها طيبت النبي صلى الله عليه وسلم حين أحل قبل أن يطوف، دليل على أن التحلل الأصغر حصل قبل الطواف، أي بعد الرمي والحلق (8).
ثانيا: أن الرمي والحلق نسكان يتعقبهما الحل، فكان حاصلاً بهما، كالطواف والسعي في العمرة (9).
القول الثاني:
أنه يحصل برمي جمرة العقبة؛ وهو مذهب المالكية (10)،ووجه للشافعية (11)، ورواية عن أحمد (12)، وبه قال عطاء وأبو ثور، واختاره ابن قدامة (13) , والألباني (14).
الأدلة:
1. حديث أم سلمة رضي الله عنها وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا - يعني من كل ما حرمتم منه - إلا النساء)) (15).
_________
(1) ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير مادة (حلل) , وانظر ((لسان العرب)) لابن منظور مادة ((حلل)).
(2) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/ 175).
(3) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 229) , ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 505).
(4) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 31) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 503).
(5) قال ابن حجر: (التحلل الأول يقع بأمرين من ثلاثة الرمي والحلق والطواف) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 585).
(6) قال ابن باز: (الأحوط للمؤمن ألا يحل حتى يفعل اثنين من ثلاثة: يرمي ويحلق أو يقصر، أو يرمي ويطوف، أو يطوف ويحلق، إذا فعل اثنين من ثلاثة حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (25/ 233).
(7) رواه البخاري (1754)، ومسلم (1189)
(8) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (50/ 278).
(9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 390).
(10) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 269) , ((الفواكه الدواني)) (2/ 813).
(11) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 103 - 104).
(12) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 31).
(13) قال ابن قدامة: (وعن أحمد: إذا رمى الجمرة، فقد حل، وإذا وطئ بعد جمرة العقبة، فعليه دم. ولم يذكر الحلق. وهذا يدل على أن الحل بدون الحلق. وهذا قول عطاء، ومالك، وأبي ثور. وهو الصحيح، إن شاء الله تعالى). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 390).
(14) قال الألباني: (أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة حل له كل شيء إلا النساء ولو لم يحلق) ((حجة النبي صلى الله عليه وسلم)) للألباني (1/ 78).
(15) رواه أبو داود (1999)، وأحمد (6/ 295) (26573)، وابن خزيمة (4/ 312) (2958)، والحاكم (1/ 665)، والبيهقي (5/ 137) (9879). قال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 264): في إسناده ابن إسحاق ولكن صرح بالتحديث، وقال ابن القيم في ((تهذيب السنن)) (5/ 480): محفوظ، وقال الألباني ((حسن صحيح))


2. حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي بذريرة لحجة الوداع للحل والإحرام، حين أحرم، وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر، قبل أن يطوف بالبيت)) (1).
وجه الدلالة:
تعليق النبي صلى الله عليه وسلم الإحلال من الإحرام برمي جمرة العقبة، دليل على أن التحلل الأصغر يحصل برميها دون التوقف على أشياء أخر. وقد أبان عن ذلك فعله صلى الله عليه وسلم، كما أخبرت به عائشة رضي الله عنه، وأن تطييبها إياه كان عقب جمرة العقبة (2).
القول الثالث: يحصل بالحلق بعد الرمي، ولا يحل له بالرمي قبل الحلق شيء. وإلى هذا ذهب أبو حنيفة (3)، وهو اختيار الشنقيطي (4)، وابن عثيمين (5).
الأدلة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت)) (6).
وجه الدلالة:
أنه لا طواف بالبيت بالنسبة لفعل الرسول عليه الصلاة والسلام إلا بعد الرمي والحلق، ولو كان يتحلل قبل الحلق، لقالت عائشة: ولحله قبل أن يحلق، فلما قالت: ((قبل أن يطوف)) عُلم أنه لا يحل التحلل الأول إلا بالحلق (7).
2 - أن الحلق رتب عليه الحل في مسألة الإحصار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أحصر في الحديبية أمرهم أن يحلقوا ثم يحلوا، ولا حل لمحصر إلا بعد الحلق (8).
المبحث الثالث: ما يترتب على التحلل الأول
_________
(1) رواه البخاري (5930)، ومسلم (1189)
(2) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (50/ 277).
(3) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 517) , ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 142).
(4) قال الشنقيطي: (اعلم أنهم اختلفوا في الحلق، هل هو نسك كما قدمنا في سورة البقرة؟ فمن قال: هو نسك قال: إن التحلل الأول لا يكون إلا بعد الرمي، والحلق معا، ومن قال: إن الحلق غير نسك قال: يتحلل التحلل الأول بمجرد انتهائه من رمي جمرة العقبة يوم النحر) ((أضواء البيان)) (4/ 459).
(5) قال ابن عثيمين: (الصواب أنه لا يحصل إلا بالرمي والحلق؛ لأن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت))، ومعلوم أنه لا طواف بالبيت بالنسبة لفعل الرسول عليه الصلاة والسلام إلا بعد الرمي والحلق، ولو كان يتحلل قبل الحلق، لقالت؟ ولحله قبل أن يحلق، فلما قالت: ((قبل أن يطوف)) علمنا أنه لا يحل التحلل الأول إلا بالحلق، وأيضاً فإن الحلق رتب عليه الحل في مسألة الإحصار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أحصر في الحديبية أمرهم أن يحلقوا ثم يحلوا، ولا حل لمحصر إلا بعد الحلق، فالصواب أنه لا يحل التحلل الأول إلا بعد الرمي والحلق، وأنه لو رمى وطاف لم يحل، ولو حلق وطاف لم يحل، وإنما يقتصر في الحل على ما جاء به النص وهو الرمي والحلق) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 170).
(6) رواه البخاري (1539)، ومسلم (1189)
(7) قال النووي: (وقولها في الرواية الأخرى (ولحله حين حل قبل أن يطوف بالبيت) فيه تصريح بأن التحلل الأول يحصل بعد رمي جمرة العقبة والحلق قبل الطواف وهذا متفق عليه) ((شرح مسلم)) للنووي (8/ 99). وينظر: ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 170).
(8) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 170).


من تحلل التحلل الأول حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء, وذهب إليه الجمهور من الحنفية (1) , والشافعية (2) , والحنابلة (3) , وبه قال طائفة من السلف (4)،واختاره ابن تيمية (5) , والشوكاني (6) , والشنقيطي (7) , وابن باز (8) والألباني (9)، وابن عثيمين (10).
الأدلة:
1 - حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل، قبل أن يطوف، وبسطت يديها)) (11).
وجه الدلالة:
أخبرت عائشة رضي الله عنها أنها طيبت الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أحل قبل أن يطوف، وفي هذا دلالة واضحة ونص صريح في إباحة الطيب بالتحلل الأول.
2 - حديث أم سلمة رضي عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة قبل أن تحلوا - يعني من كل ما حرمتم منه - إلا النساء)) (12).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من رمى الجمرة تحلل إلا من النساء, وهذا يدل على أن التحلل الأصغر يحل به كل شيء إلا النساء.
_________
(1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 142) , ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 38).
(2) ((الأم)) للشافعي (2/ 242) , ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 471) , ((المجموع)) للنووي (8/ 225).
(3) ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 458) , ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 30).
(4) ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 359).
(5) قال ابن تيمية: (ويحل للمحرم بعد التحلل كل شيء حتى عقد النكاح، هذا منصوص أحمد إلا النساء) ((الاختيارات الفقهية)) لابن تيمية (1/ 467).
(6) قال الشوكاني: ( ... ويحلق رأسه أو يقصره، فيحل له كل شيء إلا النساء) ((الدراري المضية)) للشوكاني (2/ 195).
(7) قال الشنقيطي: (اعلم أنه إذا رمى الجمرة يوم النحر وحلق فقد تحلل التحلل الأول، وبه يحل كل شيء كان محظورا بالإحرام إلا النساء) ((أضواء البيان)) (4/ 458).
(8) قال ابن باز: (وبعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير يباح للمحرم كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 78).
(9) قال الألباني: (فإذا انتهى من رمي الجمرة حل له كل شيء إلا النساء ولو لم ينحر أو يحلق فيلبس ثيابه ويتطيب). ((مناسك الحج والعمرة)) (1/ 32).
(10) قال ابن عثيمين: (وبذلك يحل التحلل الأول، ولا يبقى عليه من محظورات الإحرام إلا النساء فقط) ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء 178).
(11) رواه البخاري (1754)، ومسلم (1189)
(12) رواه أبو داود (1999)، وأحمد (6/ 295) (26573)، وابن خزيمة (4/ 312) (2958)، والحاكم (1/ 665)، والبيهقي (5/ 137) (9879). قال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 264): (في إسناده ابن إسحاق ولكن صرح بالتحديث)، وقال ابن القيم في ((تهذيب السنن)) (5/ 480): محفوظ، وقال الألباني ((حسن صحيح))