فقه المعاملات

الهبة


تعريف الهبة
الهبة بالمعنى العام هي تبرع بمال لمصلحة الغير حال الحياة.
والهبة تشمل الهدية والصدقة فإن قصد منها طلب التقرب إلى الله تعالى بإعطاء محتاج فهي صدقة وإن حملت إلى مكان المهدى إليه إعظاما له وتوددا , فهي هدية وإلا فهي هبة.


تتميز الهبة عن الصدقة بكون الصدقة يقصد فيها المتبرع وجه الله تعالى , وعادة ما تكون للمحتاج بينما الهبة يقصد بها الواهب وجه الموهوب له. فقد ورد وفد لثقيف من أهل الطائف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهدية أم صدقة؟ فإن كانت هدية فإنما يبتغى بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة وإن كانت صدقة فإنما يبتغى بها وجه الله فقالوا: لا بل هدية فقبلها منهم.
كما تتميز الهبة عن الهدية بأن القصد في الهدية يتجه إلى إكرام المهدى إليه , بينما في الهبة يراعى وجهه بصفة عامة وبهذا تكون الهدية أعلى أنواع الهبة.

والهدف من الهبة: الإحسان وتمتين روابط المحبة بين الناس وذاك مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية
فقد قال الله عز وجل {إنما المؤمنون إخوة} (الحجرات: 10)


مواهب الجليل (ج 49) .
الهبة لا لثواب تمليك ذي منفعة لوجه المعطى بغير عوض والصدقة كذلك لوجه الله بدل وجه المعطى والهبة كذلك مع إرادة الثواب من الله صدقة.

المجموع (ج 15 ص 375)
التمليك إن كان لعين بغير عوض من غير احتياج كان هبة فإن كان عن احتياج فصدقة.

حاشية الشرقاوي على متن الطلاب (ج 2 ص 115)
الهبة تمليك تطوع في حياة ثم إن ملك (الواهب) لاحتياج أو لثواب آخرة , فصدقة أو نقله للمتهب إكراما فهدية.

المغني (ج 5 ص 649)
من أعطى شيئا يتقرب به إلى الله تعالى للمحتاج فهو صدقة ومن دفع إلى إنسان شيئا للتقرب إليه والمحبة له فهو هدية وجميع ذلك مندوب إليه.


دليل مشروعية الهبة
حض الإسلام مالك المال على الهبة منه , وقد ورد ذلك في نصوص الوحي من الكتاب والسنة , كما انعقد الإجماع على استحباب الهبة لما فيها من تأليف القلوب وتوثيق عرى المحبة بين الناس.


الدليل من الكتاب
قول الله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب} (البقرة: 177) .
قول الله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} (النساء: 4) .

الدليل من السنة
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا. رواه البخاري
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بلغه معروف من أخيه , من غير مسألة , ولا إشراف نفس (أي تطلع) , فليقبله , ولا يرده , فإنما هو رزق ساقه الله إليه. صحيح ابن حبان (ج 5 ص 171)
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحقرن جارة أن تهدي لجارتها ولو فرسن شاة أي ظلفها. رواه الشيخان والترمذي
وقد قبل رسول الله هدية الكفار. فقبل هدية كسرى وهدية قيصر وهدية المقوقس. كما أهدى هو الكفار الهدايا والهبات.

الدليل من الإجماع
كان النبي صلى الله عليه وسلم يهدي ويهدى إليه , وكذلك كان أصحابه يفعلون.
وقد انعقد الإجماع على استحباب الهبة وهي للأقارب أفضل لأن فيها صلة رحم.


البيان والتحصيل (ج 13 ص: 364)
وسئل مالك عن الرجل يعطي الشيء يوصل به , أيستحب له أخذه , أم تركه؟ قال: بل تركه أفضل له إن كانه عنه غنيا إلا أن يخشى الهلاك ويكون محتاجا , فلا أرى بذلك بأسا.

قال محمد بن رشد وهذا كما قال: إن الأفضل له الأولى به: ألا يأخذه , وأن يتركه إذا لم يكن محتاجا إليه.


الوصف الفقهي للهبة
الهبة بالمعنى الخاص عقد تبرع يفيد تمليك العين في الحياة , فهي تختلف عن الإعارة والوصية والإبراء.

وإذا كانت الهبة في مقابلة عوض مالي (هبة الثواب أو الهبة بشرط العوض) فهي تعد عند جمهور الفقهاء بيعا ويجري فيها حكم البيع.


الهبة بالمعنى الخاص تفيد تمليك العين للغير حال الحياة
فإذا وهب الإنسان ماله لغيره لينتفع به ولم يملكه إياه فهذه ليست هبة حقيقية , وهي تسمى هبة المنافع أو الإعارة , إذ أن الهبة ترد على العين والإعارة ترد على المنفعة فقط. وإذا وهب الإنسان دينه للمدين نفسه , فهذه كذلك ليست هبة حقيقية , وهي تسمى هبة الدين أو الإبراء , إذ أن الهبة ترد على العين والإبراء يرد على الدين.
وإذا وهب الإنسان ماله لغيره وأضاف ذلك إلى ما بعد الموت , فهذه أيضا ليست هبة حقيقية , وهي تسمى الوصية , إذ أن الهبة تصرف في الحياة والوصية تضاف إلى ما بعد الموت.

ويعتبر جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة أن هبة الثواب تكون بيعا أي أنها تملك بمجرد تمام العقد ولا تحتاج لقبض الموهوب , وبذلك لا تنفذ فيها تصرفات الواهب إلا بإجازة الموهوب له.

ويرى الحنفية أن هبة الثواب هبة ابتداء بيع انتهاء أي أنه تتوفر فيها خصائص الهبة في البداية فتحتاج لقبض المحل لتصبح لازمة , وبعد القبض تتوفر فيها خصائص البيع من الرجوع بالعيب والاستحقاق وحق الشفعة فيما إذا كان الموهوب للثواب عقارا مشتركا ووهب أحد الشركاء نصيبه.


بداية المجتهد (ج 8 ص 215)
وأما هبة الثواب فاختلفوا فيها ,. .
وسبب الخلاف: هل هي بيع مجهول الثمن , أو ليس بيعا مجهول الثمن؟
فمن رآه بيعا مجهول الثمن قال: هو من بيوع الغرر التي لا تجوز , ومن لم ير أنها بيع مجهول قال: يجوز , وكأن مالكا جعل العرف فيها بمنزلة الشرط وهو ثواب مثلها.

القوانين الفقهية (ص: 242)
هبة الثواب: على أن يكافئه الموهوب له , وهي جائزة , والموهوب له مخير بين قبولها أو ردها , فإن قبلها فيجب أن يكافئه بقيمة الموهوب , ولا يلزمه الزيادة عليها ; ولا يلزم الواهب قبول ما دونها , وحكم هبة الثواب كحكم البيع يجوز فيها ما يجوز في البيوع ويمتنع فيها (هبة الثواب) ما يمتنع فيها (البيوع) من النسيئة وغير ذلك.

المدونة (ج 6 ص 79 و 128)
قلت لعبد الرحمن بن القاسم أرأيت لو أن رجلا وهب لرجل هبة على أن يعوضه , فتغيرت الهبة في يد الموهوب له بزيادة أو نقصان بدن قبل أن يعوضه , فأراد هذا الموهوب له ألا يعوضه , وأن يرد الهبة؟
قال: قال مالك ليس ذلك له , ويلزم له قيمتها.
قلت: أرأيت إن وهبت هبة للثواب , فأخذت العوض فأصاب الموهوب له بالهبة عيبا , أله أن يرجع في عوضه , ويرد الهبة؟
قال: نعم لأن الهبة على العوض بيع من البيوع , يصنع فيها وفي العوض ما يصنع بالبيع.

بدائع الصنائع (ج 6 ص 132)
وأما العوض المشروط في العقد , فإن قال: وهبت لك هذا الشيء , على أن تثيبني هذا الثوب , فقد اختلف في ماهية هذا العقد:
قال أصحابنا الثلاثة: (أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني والحسن بن زياد الكوفي) إن عقده عقد هبة , وجوازه جواز بيع , وربما عبروا: أنه هبة ابتداء بيع انتهاء. حتى لا يجوز في المشاع الذي ينقسم , ولا يثبت الملك في واحد منهما قبل القبض ولكل واحد منهما أن يرجع في سلعته , ما لم يقبضا ,. . ولو تقابضا كان ذلك بمنزلة البيع يرد كل واحد منهما بالعيب , وعدم الرؤية , ويرجع في الاستحقاق , وفي الشفعة إذا كان غير منقول.

وقال زفر رحمه الله , عقده عقد بيع , وجوازه جواز بيع ابتداء وانتهاء , وتثبت فيه أحكام البيع , فلا يبطلا بالشيوع , ويفيد الملك بنفسه , من غير شريطة القبض ولا يملكان الرجوع.
وجه قول (زفر) أن معنى البيع موجود في هذا العقد لأن البيع تمليك العين بعوض , وقد وجد. إلا أنه اختلفت العبارة , واختلافها لا يوجب اختلاف الحكم , كلفظ البيع مع لفظ التمليك.
ولنا أنه وجد في هذه العقد لفظ الهبة , ومعنى البيع , فيعطى شبه العقدين , فيعتبر فيه القبض والحيازة عملا بشبه الهبة , ويثبت فيه حق الرد بالعيب وعدم الرؤية وحق الشفقة عملا بشبه البيع عملا بالدليلين بقدر الإمكان والله عز وجل أعلم.

المجموع (ج 15 ص 386)
(إن) شرط فيه (عقد الهبة) ثوابا معلوما , ففيه قولان: -
أحدهما: يصح , لأنه تمليك مال بمال , فجاز كالبيع , فعلى هذا يكون كبيع بلفظ الهبة , فيه الربا والخيار , وجميع أحكامه. -
والثاني: أنه باطل لأنه عقد لا يقتضي العوض فبطل شرط العوض.

وإن شرط (الواهب) فيه ثوابا مجهولا بطل قولا واحدا لأنه شرط العوض ولأنه شرط عوضا مجهولا.

المغني (ج 5 ص 685)
فإن شرط في الهبة ثوابا معلوما صح نص عليه أحمد لأنه تمليك بعوض معلوم فهو كالبيع وحكمه حكم البيع في ضمان الدرك (العيب أو الاستحقاق) وثبوت الخيار والشفعة
فأما إن شرط ثوابا مجهولا , لم يصح وفسدت الهبة , وحكمها حكم البيع الفاسد , يردها الموهوب له بزيادتها المتصلة والمنفصلة ; لأنه نماء ملك الواهب.


الحكم التكليفي للهبة
يستحب هبة المال وبذله لما فيه من إيجاد التآلف والتحاب والهبة للأقارب أفضل لأن فيها صلة الرحم.
كما يستحب أخذ الهبة والمكافأة عليها وعدم ردها.

ولكن حرم الإسلام بعض أنواع الهبات والهدايا التي تكون لغرض خسيس غير مشروع مثل هدية الشفاعة وهدية العمال والرشوة.


يستحب هبة المال
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى إعطاء الهدية , فهو يقول صلى الله عليه وسلم: تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر (أي الحقد) .
كما يقول صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا كما يقول صلى الله عليه وسلم: لا تحقرن جارة أن تهدي لجارتها ولو فرسن شاة أي ظلفها. رواه الشيخان والترمذي
يستحب أخذ الهبة
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في قبول الهدية وعدم ردها , فهو يقول صلى الله عليه وسلم: من بلغه معروف من أخيه , من غير مسألة , ولا إشراف نفس (أي. تطلع) , فليقبله , ولا يرده , فإنما هو رزق ساقه الله إليه. صحيح ابن حبان (ج 5 ص 171)
ويقول صلى الله عليه وسلم: لو أهدي إلي كراع (وهو ما دون الكعب من الدابة) لقبلت. ولو دعيت عليه لأجبت. رواه أحمد والترمذي
يستحب المكافأة على الهدية
ويستحب المكافأة على الهدية لما رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعطي عطاء فوجد (أي سعة من المال) فليجزه , ومن لم يجد فليثن , فإن من أثنى فقد شكر , ومن كتم فقد كفر , ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور رواه أبو داود والترمذي.
بعض أنواع الهبات المحرمة
ويثاب الإنسان على هبته بقدر نيته , هل هي لغرض التحبب إلى الناس وتقوية روابط الود أم هي لغرض الوصول إلى هدف غير مشروع.

فقد حرم الإسلام الرشوة لأنها أكل لأموال الناس بالباطل , فالرشوة لا تعطى بقصد الإكرام وإنما لطلب فعل الجرائم أو المساعدة على المنكرات.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من قوم يظهر فيهم الربا , إلا أخذوا بالسنة , وما من قوم يظهر فيهم الرشا , إلا أخذوا بالرعب رواه أحمد.
كما حرم الإسلام هدايا العمال وهي ما يقدم لصاحب منصب في الدولة تقربا من الشخص لا لمزايا شخصية ولا لصداقة , ولكن فقط لأنه صاحب منصب , فهي في الواقع تقرب من المنصب.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك: ما بال العامل نبعثه , فيجيء , فيقول: هذا لكم وهذا أهدى لي , ألا جلس في بيت أمه أو أبيه فلينظر: هل يهدى له أم لا؟ سنن أبي داود.
كما حرم الإسلام هدية الشفاعة وقد سماها الرسول (بابا عظيما من أبواب الربا) .
يقول صلى الله عليه وسلم: من شفع لأخيه شفاعة , فأهدى له هدية عليها فقبلها , فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا. سنن أبي داود. ذلك أن الإسلام يجعل من مساعدة المظلومين ومهضومي الحقوق واجبا يدخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ومن الطبيعي ألا يؤخذ على الواجب أجر.


أقسام الهبة
تتميز بعض الأنواع من الهبات بسمات تجعلها خليقة باسم خاص بها , داخل عموم الهبة.
ونجد من بين هذه الأنواع: الصدقة , الهدية , النحلة , هبة الثواب , العمرى ,. . .
وتنفرد هذه الأنواع بخصائص تميزها عن غيرها من الهبات.


الصدقة
تتميز الصدقة عن باقي الهبات: أن نية المتصدق تتجه نحو القربى إلى الله عز وجل ونيل ثواب الآخرة , ولذلك يطلب من المتصدق أن تظل العلاقة في نطاق السرية بين الله عز وجل وعبده.
يقول الله تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} (البقرة: 271) .
ويحث الإسلام على صدقة التطوع يقول الله سبحانه وتعالى:
{من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم} (الحديد: 11) .
وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال التي دفعت صدقة بالأموال المملوكة للمتصدق , بينما سمى الأموال التي تبقى خارج نطاق الصدقة بأموال الورثة , وحذر المسلم أن يفقد توازنه فيحب مال الورثة أكثر مما يحب ماله هو: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله , ما منا أحد إلا ماله أحب إليه , قال: فإن ماله ما قدم , ومال وارثه ما أخر. صحيح البخاري
وتكون القربى إلى الله مضاعفة إذا كانت الصدقة على الأقارب. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: الصدقة على المسكين صدقة , وعلى ذوي الرحم صدقة وصلة. سنن الترمذي
ويشترط لثبات أجر الصدقة ألا تكون فيها منة على المتصدق عليه , ولا إذاية بقول أو تعريض.
يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} (البقرة: 264) .

وقد جعل الإسلام الاستفادة من الصدقة مشروطة بعجز المستفيد عن العمل , أو بعجزه عن كفايته , لظروف تخرج عن إرادته.
ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تحل الصدقة لغني , ولا لذي مرة سوي (أي القوي السليم الأعضاء والعقل) . سنن الترمذي
الهدية
إن صفة الإكرام لشخص المهدى إليه هي التي تميز الهدية عن هبات أخرى مشابهة.
فالهدية هي هبة يقصد بها إكرام الشخص إما محبة له , وإما لصداقة.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: تهادوا تزدادوا حبا. نيل الأوطار (ج 5 ص 390)
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على قبول الهدية مهما كان مقدارها ومهما كان نوعها حرصا على تنمية روح التواصل الاجتماعي.
وقد خاطب صلى الله عليه وسلم مؤمنات النساء فقال: يا نساء المسلمات , لا تحقرن إحداكن أن تهدى لجارتها , ولو كراع شاة محرقا.
ويستحب المكافأة على الهدية
لما رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها وفي لفظ ابن أبي شيبة ويثيب ما هو خير منها. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ليقابل الجميل بمثله حتى لا يكون لأحد عليه منة.

النحلة
استعمل المغاربة والأندلسيون اسم النحلة للهبة إذا كانت للأولاد.
ولا خلاف بين جمهور العلماء في أن التسوية في الهبة للأبناء مستحبة لما رواه الإمام مسلم عن النعمان بن بشير قال:
تصدق أبي علي ببعض ماله , فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا , قال: اتقوا الله , واعدلوا في أولادكم كما جاء قوله صلى الله عليه وسلم: سووا بين أولادكم في العطية , ولو كنت مؤثرا لآثرت النساء على الرجال رواه البيهقي.

وقد اختلف الفقهاء في حكم التسوية في الهبة للأولاد , هل هو الوجوب أم الندب؟
فقال جمهور العلماء: لا تجب التسوية بل تندب , ويصح تفضيل بعض الورثة ولكن مع الكراهة , وحملوا الأمر بالتسوية في الأحاديث على الندب.
وقال جماعة من الفقهاء (وهم الإمام أحمد والثوري وطاوس وإسحاق وبعض المالكية) : تجب التسوية بين الأولاد في الهبة , وتبطل الهبة مع عدم المساواة عملا بظاهر الأمر في الأحاديث الذي يقتضي الوجوب مثل قوله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله وقوله اعدلوا بين أولادكم.

واختلف القائلون بالتسوية في الهبة للأولاد في كيفية ذلك. فقال بعضهم العدل أن يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين على حسب التوريث , وقال غيرهم لا فرق بين الذكر والأنثى وتكون الهبة لهما بالتسوية وهو ظاهر الأمر في الحديث.

هبة الثواب
هي هبة يشترط فيها الواهب: أن يحصل على عوض من الموهوب له , مقابل ما وهب له ; وهي جائزة لدى المذاهب الأربعة.
ومثال ذلك أن يقول الواهب: (وهبت لك هذا القلم على أن تعوضني هذا الثوب) .

ويعتبر جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة أن هبة الثواب تكون بيعا , أي أنها تملك بمجرد تمام العقد ولا تحتاج لقبض الموهوب , وبذلك لا تنفذ فيها تصرفات الواهب إلا بإجازة الموهوب له.
ويرى الحنفية أن هبة الثواب هبة ابتداء بيع انتهاء , أي أنه تتوفر فيها خصائص الهبة في البداية فتحتاج لقبض الموضوع لتصبح لازمة , وبعد القبض تتوفر فيها خصائص البيع من الرجوع بالعيب والاستحقاق وحق الشفعة فيما إذا كان الموهوب للثواب عقارا مشتركا ووهب أحد الشركاء نصيبه.

ويجب لدى الشافعية والحنفية والحنابلة أن يكون العوض في هبة الثواب معلوما كالعوض في البيوع , فإذا كان مجهولا , بطلت الهبة وكانت من نوع الجهالة في البيع بينما لا يشترط المالكية هذا الشرط , ويكتفون بدلالة العرف الذي يوجب عوض المثل , فدلالة العرف بمنزلة الشرط الصريح.

العمرى
العمرى هي نوع من الهبة , وهي أن يهب إنسان آخر شيئا مدى عمره كأن يقول مالك المال (وهو المعمر) للموهوب له (وهو المعمر) : هذا المال لك عمرك , أو مدة حياتك , أي أنه إذا مات الموهوب له عاد المال للواهب أو لورثته.

وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة والشافعية أن العمرى تمليك للذات لا للمنفعة فهي من هبة العين لا من هبة المنافع لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر فكرة الاسترداد بعد وفاة المعمر له باطلة , فأثبت في العمرى ملك اليمين الدائم للمعمر له ما دام حيا ثم من بعده لورثته الذين يرثون أملاكه , إن كان له ورثة. فإن لم يكن له ورثة كانت لبيت المال , ولا يعود إلى المعمر شيء منها قط.
فعن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أعمر عمرى فهي له ولعقبه يرثها من يرثه من عقبه من بعده.
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العمرى جائزة. أخرجه البخاري ومسلم.
وعن أبي سلمة عن جابر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: العمرى لمن وهبت له.
كما أنه قال صلى الله عليه وسلم أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع للذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
أما الإمام مالك فيرى: أن العمرى هي من قبيل هبة المنافع لا الرقبة وأن المعمر (الواهب) يسترد ماله عند نهاية الانتفاع بموت الموهوب له , أو بموت عقبه إذا كانت العمرى له ولعقبه.


المغني (ج 5 ص 664 - 668)
يجب على الإنسان التسوية بن أولاده في العطية , إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل , فإن خص بعضهم بعطية , أو فاضل بينهم أثم , ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين: إما رد ما فضل به البعض , وإما إتمام نصيب الآخر.

وقال مالك والليث والثوري والشافعي وأصحاب الرأي: ذلك جائز. .
ولنا ما روى النعمان بن بشير قال: تصدق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي: عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم , فجاء أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي فقال: أكل ولدك أعطيت مثله؟ قال: لا , قال: فاتقوا الله , واعدلوا في أولاكم. قال: فرجع أبي فرد تلك الصدقة , وفي لفظ قال: فاردده. وفي لفظ: فارجعه. وفي لفظ: لا تشهدني على جور. وفي لفظ: فاشهد على هذا غيري. وفي لفظ: سو بينهم.
وهو حديث صحيح متفق عليه , وهو دليل على التحريم , لأنه سماه جورا وأمر برده , وامتنع من الشهادة عليه , والجور حرام والأمر يقتضي الوجوب.

بدائع الصنائع (ج 6 ص 127)
ينبغي للرجل أن يعدل بين أولاده في النحل لقوله سبحانه وتعالى {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} (النحل: 90)
وأما كيفية العدل بينهم فقد قال أبو يوسف العدل في ذلك: أن يسوي فيما بينهم في العطية , ولا يفضل الذكر على الأنثى , وقال محمد العدل بينهم: أن يعطيهم على سبيل الترتيب في المواريث: للذكر مثل حظ الأنثيين. . .
ولو نحل بعضا , وحرم بعضا , جاز من طريق الحكم (القضاء) , لأنه تصرف في خالص ملكه , لا حق لأحد فيه , إلا أنه لا يكون عدلا سواء كان المحروم فقيها تقيا , أو جاهلا فاسقا.


صيغة الهبة
تصح الهبة بالإيجاب والقبول بأي لفظ يفيد تمليك المال بلا عوض , كما تصح بالفعل الذي يدل عليها.
وذهب بعض الأحناف إلى أن الإيجاب كاف لانعقاد الهبة , والقبول إنما هو فقط لترتيب الآثار لا للوجود.


تتكون الصيغة من الإيجاب والقبول والتطابق بينهما.
فالإيجاب: هو العرض الذي يصدر من المالك بالتنازل عن الملكية.
والقبول هو الموقف الإيجابي الذي يتخذه من توجه نحوه العرض الأول.
والتطابق: أن يوجد توافق تام بين عرض الموجب , وموقف القابل , وبه يحصل التراضي التام بين الواهب والموهوب له.

ويتم التعبير عن هذا التراضي بين الواهب والموهوب له بأية كلمة أو حركة تفيده: فعادات الناس وأعرافهم هي التي تحدد معاني الكلمات والإشارات , وتحدد بالتالي ما هو صيغة للهبة مما ليس صيغة لها. وبذلك يعتبر تجهيز الرجل ابنته هبة بالفعل , وكذلك شراءه لأحد أبنائه ساعة أو خاتما من الماس أو حلي فلا يجوز للورثة بعد موته منازعة الموهوب له.

وجرى بعض الأحناف: أن الذي يدخل ضمن الأركان هو الإيجاب وحده دون القبول لأن الهبة عقد تبرع , فهي توجد بالإيجاب وحده , والقبول إنما هو فقط لترتيب الآثار لا للوجود.


كتاب الكافي في فقه أهل المدينة (ص 999)
وتجب (الهبة) بالقول من الواهب , والقبول من الموهوب له.

الهداية (ج 3 ص 224)
وتصح (الهبة) بالإيجاب والقبول والقبض , أما الإيجاب والقبول فلأنه عقد , والعقد ينعقد بالإيجاب والقبول , والقبض لا بد منه لثبوت الملك.

المجموع (ج 15 ص 379)
شرط الهبة: الإيجاب , كوهبتك , وملكتك , ومنحتك. . وقبول , كقبلت , ورضيت. . متلفظا بإحدى هذه الكلمات , أو بإشارة من أخرس , مفهومة فهي كصيغة بالقبول ; والقبول أيضا ينعقد بالكتابة , ومن أركانها: أن يكون القبول مطابقا للإيجاب.

مجموع فتاوى ابن تيمية (ج 31 ص 277)
مذهب مالك وأحمد في المشهور من مذهبه , وغيرهما: أن البيع والهبة والإجارة لا تفتقر إلى صيغة بل يثبت ذلك بالمعاطاة , فما عده الناس بيعا أو هبة أو إجارة فهو كذلك.

بدائع الصنائع (ج 6 ص 115)
أما ركن الهبة فهو الإيجاب من الواهب , فأما القبول من الموهوب له فليس بركن استحسانا , والقياس: أن يكون ركنا , وهو قول زفر. .
وجه الاستحسان: أن الهبة في اللغة عبارة عن مجرد إيجاب المالك , من غير شريطة القبول , وإنما القبول والقبض لثبوت حكمها , لا لوجودها في نفسها , فإذا أوجب , فقد أتى بالهبة فترتب عليها الأحكام. . . ولأن المقصود من الهبة هو اكتساب المدح والثناء بإظهار الجود والسخاء وهذا يحصل بدون القبول.


صفات العاقدين الواهب والموهوب له
يشترط أن يكون الواهب له أهلية التبرع بالعقل والبلوغ مع الرشد لأن الهبة تبرع , والمرأة المتزوجة لها التبرع بمالها مثل الرجل دون فرق كما هو مذهب الجمهور ,
كما تجوز هبة غير المسلم للمسلم وكذلك العكس , غير أن المريض مرض الموت تكون هبته في حكم الوصية.

أما الموهوب له فهو أي شخص يصح تملكه للمال سواء كان صغيرا أم كبيرا , مميزا أم غير مميز لأن أساس التمليك هو الذمة كوعاء للأهلية وهي تتوفر لكل إنسان.


هبة الصبي والمجنون
لا تصح هبة الصبي والمجنون لأنهما لا يملكان التبرع لكونه ضررا محضا وكذا الأب لا يملك هبة مال الصغير من غير شرط العوض بلا خلاف , لأن ولايته قاصرة على وجوه النفع , والهبة تبرع فيه ضرر محض فلا تجوز منه.
فإن شرط الأب العوض لم يجز أيضا عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأن الهبة بشرط العوض تبرع ابتداء أي قبل القبض , ثم تصير بيعا انتهاء أي بعد القبض , والأب لا يملك التبرع. وقال محمد تجوز الهبة من الأب بشرط العوض لأن ذلك في معنى البيع والعبرة باتفاق المعنى.
وكذا لا تصح هبة السفيه الذي لا يحسن التصرف في ماله.

هبة المرأة المتزوجة
أما في تبرع المرأة المتزوجة بمالها لغير زوجها فهناك ثلاثة آراء:
الرأي الأول: أن تبرعها جائز دون قيد , كتبرع الرجل دون فرق , وهو اتجاه الإمام البخاري وجمهور الفقهاء استدلالا بحديث أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها التي أعتقت جارية لها دون إذن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم أخبرته , فلم يعترض.
الرأي الثاني: أن تبرع المرأة المتزوجة ممنوع مطلقا , وهذا اتجاه طاوس استدلالا بحديث عمرو بن شعيب وبحديث خيرة زوجة كعب بن مالك اللذين ينصان على عدم جواز عطية المرأة المتزوجة إلا بإذن الزوج.
الرأي الثالث: أن تبرع المرأة المتزوجة يجوز في اليسير الذي يقدره مالك بالثلث فما دونه , وهذا هو اتجاه الإمامين الليث بن سعد ومالك بن أنس جمعا بين الأدلة في الموضوع.

هبة المريض مرض الموت والمفلس
المريض مرض الموت هو الشخص المصاب بمرض خطير تقول عنه الخبرة الطبية , أو تستقر العادة به في المجتمع: أن المصاب به يموت داخل السنة , ثم تحدث الوفاة فعلا.
ومعنى هذا المرض: أن المالك يتصرف في أمواله بالتبرع , وهو يشعر باليأس من الحياة , ولذلك يلحق به بعض الأصحاء الذين يتصرفون في أموالهم بالتبرع وهم يشعرون بهذا اليأس , كالمحكوم عليه بالإعدام المقدم للتنفيذ , والحامل عندما تقترب من الولادة , وما أشبه ذلك.
وهبة هؤلاء من قبيل الوصية , فتنفذ في الثلث.

أما المرض غير المخوف , أو الذي لا تحصل منه الوفاة خلال السنة , أو المرض المخوف الذي يبرأ منه صاحبه , فالهبة فيه صحيحة , وتنفذ من جميع أموال الواهب , لا من الثلث فقط.
كما لا تصح هبة المفلس الذي أحاط الدين بماله أي الذي ساوت ديونه موجوداته أو زادت عليها.

هبة غير المسلم للمسلم والعكس
تجوز هبة المسلم للكافر كتابيا كان أم غير كتابي بشرط ألا يكون حربيا ينتمي لدولة تحارب الدولة , أو الدول الإسلامية , أو تحارب الأقلية المسلمة الموجودة في النطاق الترابي لدولة غير إسلامية ; على أنه تجوز الهبة للحربي إذا دخل إلى دولة إسلامية بعقد أمان (تأشيرة الدخول) ; لأن هذا العقد يخرجه من نطاق أهل الحرب إلى نطاق أهل العهد.
يقول تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} (الممتحنة: 8) .
وكما تجوز هبة المسلم للكافر تجوز كذلك هبة الكافر للمسلم لأن الهدية تعبير عن الإكرام , إذ ليس من الضروري أن يعبر الإكرام عن المودة الصميمة أو عن الموالاة المنهي عنها في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق} (الممتحنة: 1)
وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية الكفار , فقبل هدية كسرى وهدية قيصر وهدية المقوقس كما أهدى هو الكفار الهدايا والهبات.


بدائع الصنائع (ج 6 ص 118)
(يشترط في الواهب: أن يكون مما يملك التبرع , لأن الهبة تبرع , فلا يملكها من لا يملك التبرع , فلا تجوز هبة الصبي , والمجنون لأنهما لا يملكان التبرع لكونه ضررا محضا , لا يقابله نفع دنيوي وكذا الأب لا يملك هبة مال الصغير , من غير شرط العوض , بلا خلاف , لأن التبرع بمال الصغير قربان ماله لا على وجه الأحسن , ولأنه لم يقابله نفع دنيوي , وقد قال الله , عز وجل: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} (الأنعام: 152) ولأنه إذا لم يقابله عوض دنيوي , كان التبرع ضررا محضا , وترك المرحمة في حق الصغير , فلا يدخل تحت ولاية الولي , لقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار وقوله: من لم يرحم صغيرنا فليس منا.
وإن شرط الأب العوض , لا يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله , وقال محمد رحمه الله: يجوز.

القوانين الفقهية (ص 241)
فأما الواهب فالمالك , إذا كان صحيحا , مالكا أمر نفسه.

المدونة ج 6 ص 118
قلت: أرأيت من وهب من مال ابن له شيئا , والابن صغير , أيجوز ذلك في قول مالك أم لا؟ قال: لا يجوز ذلك في قول مالك.
قلت: فإن تلفت الهبة (الموهوب) أيكون الأب ضامنا لها في قول مالك قال: نعم.

المادة 875 من مجلة الأحكام الشرعية
يشترط لصحة الهبة: أن يكون الواهب جائز التصرف , أي بالغا عاقلا , رشيدا فلا تصح هبة الصغير والمجنون والسفيه , وإن أذن الولي.

القوانين الفقهية (ص 241)
وأما الموهوب له فهو كل إنسان.

درر الحكام شرح مجلة الأحكام (ج 2 ص 371 374)
إذا وهب أحد شيئا لطفل , أي إذا وهب شخص للصغير المميز أو غير المميز مالا , فتتم الهبة في ذلك بقبض الولي , أو مربي الصغير , الذي يتربى الصغير في حجره , لأن لولي الصغير إجراء العقود الدائرة بين النفع والضرر , كالبيع والإجازة في حق الصغير , ولما كانت الهبة للصغير من العقود التي فيها نفع محض , فللولي إجراء ذلك بطريق الأولى.
لو وهب شيء نافع أي مال , للصبي المميز أو للصبية المميزة , تتم الهبة - استحسانا - بقبوله إياها وقبضه , ولو كان له ولي , كالأب أو المربي , لأن في القبض المذكور نفعا محضا للصغير والصغير أهل لمباشرة الشيء الذي فيه نفع محض.

البيان والتحصيل (ج 14 ص 23 - 24)
قال محمد بن رشد لا يجوز للمرأة ذات الزوج قضاء في أكثر من ثلث مالها , هبة ولا صدقة , ولا بما أشبه ذلك من التفويت بغير عوض , دون إذن زوجها , في قول مالك وجميع أصحابه , لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يجوز لامرأة قضاء في ذي بال من أمرها بغير إذن زوجها.
المادة (595 - 1) من مجلة الأحكام العدلية
مرض الموت هو المرض الذي يخاف فيه الموت في الأكثر , الذي يعجز المريض عن رؤية مصالحه الخارجة عن داره إن كان من الذكور , ويعجزه عن رؤية المصالح الداخلية في داره إن كان من الإناث , ويموت على ذلك الحال , قبل مرور سنة , صاحب فراش كان أم لم يكن. وإن امتد مرضه دائما على حال , ومضى عليه سنة , يكون في حكم الصحيح , وتكون تصرفاته كتصرفات الصحيح.

المادتان (921 - 922) من مجلة الأحكام الشرعية
هبة المريض غير مرض الموت , ولو كان مخوفا , كهبة الصحيح.
هبة المريض مرضا غير مخوف , ولو اتصل به الموت , كهبة الصحيح , مثلا: لو وهب الشخص في حال صداع , أو رمد أو حمى يسيرة , أو نحو ذلك , ثم مات به , تكون هبته في حكم هبة الصحيح.

بداية المجتهد (ج 8 ص 203)
أما المريض فقال الجمهور: إنها في ثلثه , تشبيها بالوصية ,. . وقالت طائفة من السلف , وجماعة من أهل الظاهر: إن هبته تخرج من رأس ماله إذا مات. ولا خلاف بينهم أنه إذا صح من مرضه: أن الهبة صحيحة ,. والأمراض التي يحجر فيها عند الجمهور هي الأمراض المخوفة , وكذلك - عند مالك -
الحالات المخوفة , مثل الكون في الصف (الجهاد) , وقرب الحامل من الوضع , وراكب البحر المرتج.
وأما الأمراض المزمنة (الدائمة) فليس فيها عندهم تحجير.

المدونة (ج 6 ص 112)
قلت: أرأيت كل هبة , أو عطية , أو صدقة في المرض , فلم يقبضها الموهوب له , ولا المعطى , ولا المتصدق عليه حتى مات الواهب من مرضه ذلك , أتكون هذه وصية , أم تكون هبة , أو عطية , أو صدقة لم يقبضها صاحبها حتى مات الواهب فتبطل , وتصير لورثة الواهب؟
قال: قال مالك هي وصية , قال مالك وكل ما كان مثل هذا مما ذكرت فيه المرض فإنما هو وصية من الثلث.
فتح العلى المالك (ج 2 ص 287)
ما قولكم في هبة المريض وصدقته , وسائر تبرعاته , هل تحتاج لحيازة قبل موته , كتبرعات الصحيح أم لا؟ .
لا تحتاج لحوز عنه قبل موته لأنها كالوصية في الخروج من الثلث. . ولأن الحوز في مرض المتبرع غير معتبر فهو كعدمه , فلا معنى لاشتراطه.

المدونة (ج 6 ص 122)
قلت: أرأيت إن وهب المسلم للمشرك , أهما بمنزلة المسلمين في الهبة؟
قال: نعم.
قلت: أرأيت إن وهب ذمي لمسلم هبة , فأراد المسلم أن يقبضها , فأبى الذمي أن يدفعها إليه , أيقضى له على الذمي بالدفع أم لا في قول مالك؟
قال: قال مالك إذا كان بين المسلم والذمي أمر , حكم عليهما بحكم أهل الإسلام , فأرى (عبد الرحمن بن القاسم) : أن يحكم بينهما بحكم أهل الإسلام , ويقضى عليه الدفع.


المال الموهوب
الموهوب هو كل ما يمكن أن يقع عليه الملك من الأصول , سواء أكان عقارا أم منقولا. وبصفة عامة يمكن القول بأن ما جاز بيعه من الأعيان جاز هبته.


وضع الفقهاء ضابطا لما تصح هبته من الأشياء وهو أن كل ما جاز بيعه من الأعيان جاز هبته , وبذلك فهو يشمل العقار والمنقول والنقود والمثليات والقيميات.


أن يكون الموهوب متقوما
يشترط باتفاق الفقهاء أن يكون الموهوب متقوما.


يشترط أن يكون الموهوب مالا متقوما ,
فلا تصح هبة ما ليس بمال أصلا كالميتة والدم وصيد الحرم وغير ذلك ,
كما لا تصح هبة المال الذي لا قيمة له في نظر الشرع كالخمر مثلا.


بداية المجتهد (ج 8 ص 204)
وأما الموهوب فكل شيء صح ملكه.

المجموع (ج 15 ص 373)
وما جاز بيعه من الأعيان جاز هبته , لأنه عقد يقصد به ملك العين , فملك به ما يملك بالبيع.

التاج والإكليل لمختصر خليل (ج 6 ص 49)
الهبة تبرع بلا عوض. . . وصحت في كل مملوك ,. . كالدار والثوب.

بدائع الصنائع (ج 6 ص 119)
وأما ما يرجع إلى الموهوب فأنواع:
منها أن يكون موجودا وقت الهبة , فلا تجوز هبة ما ليس بموجود وقت العقد , بأن وهب ما يثمر نخله العام , وما تلد أغنامه السنة , ونحو ذلك بخلاف الوصية والفرق: أن الهبة تمليك للحال , وتمليك المعدوم محال , والوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت , والإضافة لا تمنع جوازها. . .
ومنها أن يكون مالا متقوما , فلا تجوز هبة ما ليس بمال أصلا , كالخمر , والميتة والدم. ومنها أن يكون مملوكا في نفسه , فلا تجوز هبة المباحات , لأن الهبة تمليك , وتمليك ما ليس بمملوك محال. .
ومنها أن يكون مملوكا للواهب , فلا تجوز هبة مال الغير بغير إذنه , لاستحالة تمليك ما ليس بمملوك.

فتح العلى المالك (ج 2 ص 269)
ما قولهم في رجل ماله حرام , ويريد أن يعطى إنسانا منه , فهل يجوز للمعطى له أخذه؟ لا يجوز للمعطى أخذه إذا علم حراما. . . , إلا على وجه رده لمالكه إن علمه , أو التصدق به عنه إن لم يعلمه.


أن يكون الموهوب موجودا وقت الهبة
يشترط باتفاق الفقهاء أن يكون الموهوب موجودا وقت الهبة.


يشترط أن يكون الموهوب موجودا وقت العقد لأن الهبة تمليك للمال في الحال
فلا يجوز مثلا هبة ما ستثمر أشجار الحقل في السنة المقبلة , ولا يجوز هبة ما ستلد الأغنام هذه السنة ,
كما لا تجوز هبة الأرباح التي سوف تتحقق من صفقة معينة مستقبلة
لأن كل ذلك تمليك لمعدوم فيكون العقد باطلا.


بداية المجتهد (ج 8 ص 204)
وأما الموهوب فكل شيء صح ملكه

المجموع (ج 15 ص 373)
وما جاز بيعه من الأعيان جاز هبته لأنه عقد يقصد به ملك العين فملك به ما يملك بالبيع
التاج والإكليل لمختصر خليل (ج 6 ص 49)
الهبة تبرع بلا عوض وصحت في كل مملوك ,. . كالدار والثوب

بدائع الصنائع (ج 6 ص 119)
وأما ما يرجع إلى الموهوب فأنواع:
منها أن يكون موجودا وقت الهبة فلا تجوز هبة ما ليس بموجود وقت العقد , بأن وهب ما يثمر نخله العام , وما تلد أغنامه السنة , ونحو ذلك بخلاف الوصية والفرق: أن الهبة تمليك للحال , وتمليك المعدوم محال , والوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت والإضافة لا تمنع جوازها
ومنها أن يكون مالا متقوما فلا تجوز هبة ما ليس بمال أصلا كالخمر والميتة والدم. ومنها أن يكون مملوكا في نفسه فلا تجوز هبة المباحات لأن الهبة تمليك وتمليك ما ليس بمملوك محال
ومنها أن يكون مملوكا للواهب , فلا تجوز هبة مال الغير بغير إذنه , لاستحالة تمليك ما ليس بمملوك
فتح العلى المالك (ج 2 ص 269)
ما قولهم في رجل ماله حرام ويريد أن يعطى إنسانا منه , فهل يجوز للمعطى له أخذه؟ لا يجوز للمعطى أخذه إذا علم حراما إلا على وجه رده لمالكه إن علمه , أو التصدق به عنه إن لم يعلمه.


أن يكون الموهوب مملوكا للواهب
يشترط باتفاق الفقهاء أن يكون الموهوب مملوكا للواهب.


يشترط أن يكون الموهوب مملوكا للواهب ,
فلا يجوز أن يهب الشخص مال الغير بغير إذنه لأن الهبة تمليك ,
ولا يستطيع الواهب أن يملك غيره ما ليس مملوكا له.


بداية المجتهد (ج 8 ص 204)
وأما الموهوب فكل شيء صح ملكه.

المجموع (ج 15 ص 373)
وما جاز بيعه من الأعيان جاز هبته , لأنه عقد يقصد به ملك العين , فملك به ما يملك بالبيع.

التاج والإكليل لمختصر خليل (ج 6 ص 49)
الهبة تبرع بلا عوض. . وصحت في كل مملوك. . كالدار والثوب.

بدائع الصنائع (ج 6 ص 119)
وأما ما يرجع إلى الموهوب فأنواع:
منها أن يكون موجودا وقت الهبة , فلا تجوز هبة ما ليس بموجود وقت العقد , بأن وهب ما يثمر نخله العام , وما تلد أغنامه السنة , ونحو ذلك بخلاف الوصية والفرق: أن الهبة تمليك للحال , وتمليك المعدوم محال , والوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت , والإضافة لا تمنع جوازها. .
ومنها أن يكون مالا متقوما , فلا تجوز هبة ما ليس بمال أصلا , كالخمر , والميتة والدم. ومنها أن يكون مملوكا في نفسه , فلا تجوز هبة المباحات , لأن الهبة تمليك , وتمليك ما ليس بمملوك محال. .
ومنها أن يكون مملوكا للواهب فلا تجوز هبة مال الغير بغير إذنه , لاستحالة تمليك ما ليس بمملوك.

فتح العلى المالك (ج 2 ص 269)
ما قولهم في رجل ماله حرام , ويريد أن يعطى إنسانا منه , فهل يجوز للمعطى له أخذه؟ لا يجوز للمعطى أخذه إذا علم حراما. . إلا على وجه رده لمالكه إن علمه , أو التصدق به عنه إن لم يعلمه.


أن يكون الموهوب معلوما
يشترط عند جمهور الفقهاء أن يكون المال الموهوب معلوما ,
بينما أجاز المالكية هبة المجهول لأن ذلك متسامح به في التبرعات على خلاف المعاوضات.


يشترط أن يكون المال الموهوب معلوما بالعدد في النقود , وبالحدود في الأرض , وبالموقع في الدور وهكذا.
ولا يجوز عند الحنفية والشافعية والحنابلة هبة المال المجهول عينه كمن يهب سيارة من بين مجموعة من السيارات موجودة بالمخزن أو بالمتجر , وكذلك لا تجوز هبة المجهول المقدار كمن يهب حظه من الربح في مشروع معين قبل تحديد الربح عن طريق المحاسبة , مع التيقن بأن الربح موجود.

وعلى خلاف ذلك , يرى المالكية: أن هبة المجهول تصح فإذا وهب رجل ميراثه من عمه لشخص وكان لا يعرف قدره فإن الهبة تصح , وكذا إذا وهب ما في جيبه وهو يظن أنها عشرة قروش فوجد فيه جنيها أو جنيهين فإن الهبة تصح.


المجموع (ج 15 ص 373)
وما لا يجوز بيعه من المجهول , وما لا يقدر على تسليمه وما لم يتم ملكه عليه كالمبيع قبل القبض لا تجوز هبته , لأنه عقد يقصد به تمليك المال في حال الحياة , فلم يجر فيما ذكرناه كالبيع.

المدونة (ج 6 ص 119)
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل موروثي من رجل , ولا أدري كم هو من ذلك الرجل: سدسا , أو ربعا , أو خمسا , أتجوز الهبة؟ قال: من قول مالك أن ذلك جائز.
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل نصيبي من هذه الدار , ولا أدري كم هو - أيجوز أم لا؟
قال: هذا والأول سواء , أراه جائزا.


أن يكون الموهوب خاليا من الغرر
يشترط عند جمهور الفقهاء أن يكون المال الموهوب خاليا من الغرر ,
بينما أجاز المالكية هبة ما فيه غرر
لأن الغرر عندهم متسامح به في التبرعات على خلاف المعاوضات.


يشترط عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة أن يكون الموهوب خاليا من الغرر فلا يجوز أن يهب الشخص ثمار حقله للنخيل أو البرتقال أو العنب قبل أن يظهر صلاحها ويبدأ نضجها لأنها في هذه الحال تكون غير مأمونة من الإصابة بالعاهات الزراعية , وربما لن يتم نضجها , فتكون غير مقدورة التسليم للموهوب له.

بينما أجاز المالكية هبة ما فيه غرر لأن الغرر عندهم متسامح به في التبرعات على خلاف المعاوضات , فالموهوب له لا يضره الغرر ما دام لم يدفع عوضا عن موضوع العقد.


الفروق (ج 3 ص 265)
الغرر: الذي لا يدري هل يحصل أم لا كالطير في الهواء والسمك في الماء , أما ما علم حصوله وجهلت صفته فهو المجهول , كبيعه ما في كمه , فهو يحصل قطعا , لكن لا يدري أي شيء هو؟

المدونة (ج 6 ص 120)
قلت: أرأيت ما لم يبد صلاحه من الزرع والثمر , هل يجوز ذلك في قول مالك؟
قال: نعم إذا لم يكون للثواب (المعاوضة) .

بداية المجتهد (ج 8 ص 208)
ولا خلاف في المذهب (مذهب مالك) في جواز هبة المجهول , والمعدوم المتوقع الوجود , وبالجملة: كل ما لا يصح في البيع من جهة الغرر.

المغني (ج 5 ص 657)
ولا تصح هبة الحمل في البطن , واللبن في الضرع , وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور لأنه مجهول , معجوز عن تسليمه وفي الصوف على الظهر وجهان.

الفروق (ج 1 ص 150)
وردت الأحاديث الصحيحة في نهيه , صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر , وعن بيع المجهول واختلف العلماء بعد ذلك: فمنهم من عممه في التصرفات , وهو الشافعي فمنع الجهالة في الهبة , والصدقة , والإبراء , والخلع , والصلح وغير ذلك , ومنهم من فصل بين: قاعدة ما يجتنب فيه الغرر والجهالة , وهو المماكسات (ما يكون فيه المساومة والحرص على توارث المكاسب) , والتصرفات الموجبة لتنمية الأموال , وما يقصد به تحصيلها. وقاعدة ما لا يجتنب فيه الغرر والجهالة , وهو ما لا يقصد لذلك فاقتضت حكمة الشرع , وحثه على الإحسان: التوسعة فيه بكل طريق بالمعلوم والمجهول ; فإن ذلك أيسر لكثرة وقوعه قطعا وفي المنع من ذلك وسيلة إلى تقليله.


أن يكون الموهوب مقسوما غير مشاع
انفرد الحنفية باشتراط أن يكون المال الموهوب مقسوما غير مشاع على خلاف الجمهور الذين أجازوا هبة المشاع.


يجوز عند جمهور الفقهاء هبة المشاع إذ المشاع والمحرز سواء في جواز الهبة , فلا يشترط أن يكون الموهوب محرزا مقسوما غير مشاع.
وعليه يصح عندهم هبة جزء مسمى منسوب من الجميع كثلث وربع أو نحو ذلك من المشاع , ويحل الموهوب له محل الواهب في الجزء الموهوب بصفته شريكا إذ الإسلام يقبل الشركة في الأموال بل يحث عليها.
والدليل على ذلك من السنة أن وفد هوازن لما جاءوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم ما غنمه , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وهذا هبة المشاع.

أما عند الحنفية فإنه لا يجوز هبة المشاع إذا كان الموهوب يحتمل القسمة كأرض زراعية أو دار أو بيت كبير يهب المالك نصفها , وكذلك مثل حمولة شاحنة من السلع يهب المالك ثلثها , فالهبة حينئذ تكون فاسدة سواء كانت للشريك أو لغيره , ويشترط قبل ذلك القسمة والقبض لأن القبض في الهبة شرط والشيوع يمنع من القبض.
أما ما لا يمكن قسمته كسيارة يهب المالك نصفها , فلا يشترط فيه عندهم القسمة , لأنها غير ممكنة , وجواز الهبة للضرورة لأنه قد يحتاج إلى هبة بعض ذلك ويكتفى بصورة التخلية مقام القبض.


تبيين الحقائق (ج 5 ص 93)
تجوز الهبة في مفرز مقسوم , وفي مشاع لا يقبل القسمة , ولا يجوز في مشاع يقسم.
وقال الشافعي رضي الله عنه: تجوز الهبة فيما يقسم , وفيما لا يقسم لأنها عقد تمليك , والمحل قابل له.
ولنا: أن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة اشترطوا القسمة لصحة الهبة ولأن القبض منصوص عليه في الهبة فيشترط وجوده على أكمل الوجوه.

المغني (ج 5 ص 655)
وتصح هبة المشاع وبه قال مالك والشافعي قال الشافعي سواء في ذلك ما أمكن قسمته أو لم يمكن وقال أصحاب الرأي: لا تصح هبة المشاع الذي يمكن قسمته , لأن القبض شرط في الهبة ووجوب القسمة يمنع صحة القبض وتمامه , فإن كان مما لا يمكن قسمته صحت هبته لعدم ذلك فيه.

المدونة (ج 6 ص 118)
أرأيت لو أن رجلا تصدق على رجل بنصف دار له , بينه وبين رجل , أو له نصف داره , غير مقسومة , أتجوز هذه الهبة أم لا , في قول مالك؟
قال: قال مالك الهبة جائزة , وإن لم تكن مقسومة.
قلت: فكيف يقبض هذا هبته أو صدقته؟
قال: يحل محل الواهب ويحوز ويمنع مع شركائه , ويكون هذا قبضه.


قبض الموهوب
يشترط لصحة القبض عند جمهور الفقهاء أن يكون بإذن الواهب صراحة أو ضمنا كأن يقبض الموهوب له المال بحضور واهبه ولا يعترض هذا الأخير
وذهب المالكية إلى صحة القبض ولو بلا إذن من الواهب ويجبر الواهب على تمكين الموهوب من القبض حيث طلبه لأن الهبة تملك بالقول أي بالإيجاب على المشهور عندهم.


صور قبض الموهوب
يتم قبض الموهوب بصور مختلفة , حسب نوعية المادة المقبوضة:
فالعقارات تقبض بالتخلية بين المتملك الجديد وهذه العقارات ,
والمنقولات تقبض بنقلها من مكان إلى آخر ,
والمشاعات تقبض بوضع اليد على الكل لمصلحة القابض ولمصلحة الشريك أو الشركاء ,
والغلات غير المفصولة من أصولها تقبض بقبض الأصول ,
والنقود تقبض بالتسلم اليدوي , أو بالقيد بحساب معين لدى المؤسسات المالية ,
وهكذا حسب ما يعتبره العرف قبضا.

شروط صحة قبض الموهوب
ويشترط لصحة القبض عند جمهور العلماء أن يكون بإذن الواهب: فلو قبض بلا إذن لم يملكه , ودخل في ضمانه , لأن التسليم غير مستحق على الواهب فلا يصح التسليم إلا بإذنه.
وأجاز الحنفية على وجه الاستحسان قبض الموهوب في مجلس العقد بغير أمر الواهب لأن الإيجاب من الواهب يعتبر تسليطا للموهوب له على القبض فكان ذلك إذنا دلالة أما بعد الافتراق عن المجلس فلا بد عندهم من الإذن.
وذهب المالكية إلى صحة القبض ولو بلا إذن من الواهب ويجبر الواهب على تمكين الموهوب من القبض حيث طلبه لأن الهبة تملك بالقول أي بالإيجاب على المشهور عندهم.

وعموما لا يكون القبض صحيحا إلا إذا توفرت فيه الشروط التالية:
أ - أن يتم القبض بإذن الواهب , صراحة أو ضمنا كأن يقبض الموهوب له المال الموهوب بحضور واهبه , ولا يعترض هذا الأخير.
ب - أن يكون الموهوب فارغا من أموال الواهب غير المشمولة بالهبة كأن يهب شخص لآخر دارا , ويقبضها الموهوب له وهي مشغولة بأثاث الواهب وأفرشته.
ج - أن تكون للقابض أهلية القبض وهي: أن يكون مميزا عاقلا , إذا قبض لنفسه , وأن تكون له ولاية على الموهوب له إذا قبض لغيره , وتكون الولاية هنا للأب ووصيه , وللجد ووصيه , وفي حالة عدم وجود الولي أو الوصي يقبض للصغير مربيه , وهو من يعول الصغير , ويقوم على تربيته كواحد من أولاده.


المغني (ج 5 ص 655)
والقبض فيما لا ينقل بالتخلية بينه وبينه , لا حائل دونه , وفيما ينقل بالنقل , وفي المشاع بتسليم الكل إليه , فإن أبى الشريك أن يسلم نصيبه , قيل للمتهب: وكل الشريك في قبضه لك ونقله , فإن أبى نصب الحاكم من يكون في يده لهما , فينقله , ليحصل القبض.

المدونة (ج 6 ص 123)
قلت: أرأيت إن وهبت لرجل صوفا على ظهور غنمي أيجوز؟ أو لبنا في ضروعها , أيجوز؟ أو تمرا في رءوس النخيل أيجوز؟
قال: نعم , ذلك جائز كله في قول مالك.
قلت: وكيف يكون قبضه اللبن في الضروع , أو الصوف على الظهور , أو التمر في رءوس النخل؟
قال: إن حاز الماشية ليجز أصوافها , أو ليحلبها , أو حاز النخل حتى يصرمها , فذلك قبض.

بدائع الصنائع (ج 6 ص 23 - 127)
شرائط صحة القبض أنواع:
- منها أن يكون القبض بإذن المالك , لأن الإذن بالقبض شرط لصحة القبض في باب البيع ; حتى لو قبض المشتري من غير إذن البائع قبل نقد الثمن كان للبائع حق الاسترداد , فلأن يكون في الهبة أولى , لأن البيع يصح بدون القبض , والهبة لا صحة لها بدون القبض. . , والإذن نوعان صريح ودلالة , أما الصريح فنحو أن يقول: اقبض , أو أذنت لك بالقبض أو رضيت , وما يجرى هذا المجرى , فيجوز قبضه سواء قبضه بحضرة الواهب , أو بغير حضرته.
وأما الدلالة فهي أن يقبض الموهوب له العين في المجلس , ولا ينهاه الواهب , فيجوز قبضه. . .
- ومنها ألا يكون الموهوب مشغولا بما ليس بموهوب ; لأن معنى القبض - وهو التمكن من التصرف في المقبوض - لا يتحقق مع الشغل. . .
- ومنها أهلية القبض , وهي العقل فلا يجوز قبض المجنون , والصبي الذي لا يعقل , أما البلوغ فليس بشرط لصحة القبض استحسانا فيجوز قبض الصبي العاقل ما وهب له , وكذلك الصبية , إذا عقلت جاز قبضها. . .
ومنها الولاية في أحد نوعي القبض , وجملة الكلام: أن القبض نوعان: قبض بطريق الإحالة , وقبض بطريق النيابة , أما القبض بطريق الإحالة فهو أن يقبض بنفسه لنفسه , وشرط جوازه: العقل فقط. . . وأما القبض بطريق النيابة. . . (ف) شرط جوازه: الولاية بالحجر والعيلة عند عدم الولاية , فيقبض للصبي وليه أو من كان الصبي في حجره وعياله عند عدم الولي , فيقبض له أبوه , ثم وصي أبيه بعده , ثم جده أو أبيه , بعد أبيه ووصية , ثم وصي جده بعده , سواء كان الصبي في عيال هؤلاء أو لم يكن. . .
فإن لم يكن واحد من هؤلاء الأربعة جاز قبض من كان الصبي في حجره وعياله , وأما من ليس في عياله فلا ولاية له عليه أصلا , فلا يجوز قبضه له كالأجنبي (غير القريب) .


لزوم الهبة
يرى جمهور الفقهاء أن القبض شرط من شروط صحة الهبة , وما لم يتم القبض لا يلزم الواهب بتسليم الشيء الموهوب
بينما يذهب المالكية إلى أن الهبة تستحق للموهوب له بمجرد العقد ولا يشترط قبضها أصلا.


ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يثبت الملك للموهوب له إلا بالقبض لأن القبض شرط للزوم الهبة.
فالهبة إذا كانت مجردة عن القبض , فهي لا تفيد إلا ملكا غير لازم حيث يكون الواهب مخيرا قبل القبض: إن شاء أقبضها الموهوب له وأمضاها , وإن شاء رجع فيها , ومنعها , كما هو الحال في العقود الجائزة.
وفي حالة موت الموهوب له أو الواهب قبل التسليم تبطل الهبة.

وقال المالكية أن الملكية تثبت للموهوب له بالعقد ولا يشترط القبض لصحة الهبة ولا للزومها.
فيحق للموهوب له أن يطالب الواهب بتسليم موضوع الهبة , ويجبر الواهب على تمكين الموهوب له من الموهوب لأن الأصل في العقود أنها تصح بدون اشتراط القبض مثل البيع.
لكن موت الواهب قبل القبض يبطل الهبة , فتعود ميراثا من جملة التركة , فالقبض لا يفيد لزوم الهبة ; لأن اللزوم يثبت بمجرد العقد إنما القبض يحصن الهبة , ويجعلها نهائية لا تتأثر بعارض الموت.


كتاب الكافي في فقه أهل المدينة (ص 999 - 1000)
وتجب (الهبة) بالقول من الواهب , والقبول من الموهوب له , وتتم بالقبض , وتجوز المطالبة بها لمن استوهبها أو طلبها , إذا منعه الواهب إياها , ويقضى عليه ما كان صحيحا. وإن مات الواهب في الصحة , قبل قبض الموهوب , بطلت الهبة ,
وإن مات الموهوب له , فورثته يقومون , في قبض الهبة والمطالبة بها , مقامه.

بدائع الصنائع (ج 6 ص 127)
أما أصل الحكم فهو ثبوت الملك للموهوب له في الموهوب من غير عوض , لأن الهبة تمليك العين من غير عوض , فكان حكمها ملك الموهوب من غير عوض.
وأما صفته (الحكم) فقد اختلف فيها , قال أصحابنا: هي ثبوت ملك غير لازم في الأصل.

المجموع (ج 15 ص 378)
ولا يملك الموهوب له الهبة من غير قبض لما روت عائشة رضي الله عنها , أن أباها كان نحلها جاد (عددا من النخيل له غلة) عشرين وسقا من ماله بالغابة (مكان بضواحي المدينة) ; فلما حضرته الوفاة قال: والله , يا بنية , ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك , ولا أعز على فقرا بعدي منك , وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا , فلو كنت جددتيه وأحرزتيه لكان لك , وإنما هو اليوم مال وارث , فاقتسموه على كتاب الله.

رحمة الأمة في اختلاف الأئمة (ج 2 ص 2)
اتفق الأئمة على أن الهبة تصح بالإيجاب والقبول والقبض , فلا بد من اجتماع الثلاثة عند الثلاثة.
وقال مالك لا يفتقر صحتها ولزومها إلى قبض , بل تصح وتلزم بمجرد الإيجاب والقبول , ولكن القبض شرط في نفوذها وتمامها.


الرجوع في الهبة
ذهب جمهور الفقهاء إلى حرمة الرجوع في الهبة ولو كانت بين الإخوة أو الزوجين إلا إذا كانت هبة الوالد لولده فإن له الرجوع فيها ولكن بشروط حددوها.
بينما يرى الحنفية أنه يصح للواهب أن يرجع في هبته سواء تم قبض الموهوب أو لم يتم , ولكن يكره الرجوع عندهم لأنه من باب الدناءة بل إنه يمنع الرجوع في حالات خاصة حددوها.


حرمة الرجوع في الهبة
متى تمت الهبة بالقبض فإن جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة والمالكية يقولون بأن الهبة تتم للموهوب له ولا حق للواهب في الرجوع إلا للوالدين فيما وهباه لأبنائهما أو بناتهما.
وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده. ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي.

شروط رجوع الوالد في هبته
وقد اشترط الجمهور عدة شروط لصحة رجوع الوالد في هبته , نذكر منها:
- عدم خروج الموهوب عن ملك الموهوب له بأي سبب كان كالبيع أو الهبة أو الوقف ونحوه من كل ما يخرج الشيء الموهوب عن ملك الموهوب له , فمثل هذا الخروج يمنع الوالد من الرجوع في الهبة.
- عدم تعلق حق الغير بالموهوب كأن يداين الناس الموهوب له نظرا لملاءة ذمته لما وهب له , وذلك عملا بالقاعدة النبوية: لا ضرر ولا ضرار.
- عدم هلاك الموهوب أو استهلاكه لأنه لا سبيل إلى الرجوع في الهالك ولا سبيل إلى الرجوع في قيمته , لأنها ليست بموهوبة لعدم ورود العقد عليها , وقبض الهبة غير مضمون. .

موانع الرجوع في الهبة
ويرى الحنفية أنه يصح للواهب أن يرجع في هبته , سواء تم قبض الموهوب أو لم يتم , ولكن يكره الرجوع عندهم لأنه من باب الدناءة فالرجوع في الهبة هو القاعدة عندهم إلا إذا وجدت موانع تمنع من ذلك الرجوع ,
وهذه الموانع تشكل ما يسمى (الفوات) في موضوع الهبة وتصل عند الحنفية إلى سبعة , وهي:
1 - أن يزيد المال الموهوب زيادة متصلة كأن يكون أرضا , فيبني عليها.
2 - أن يخرج الموهوب من يد الموهوب له كأن يبيعه , أو يهبه بدوره.
3 - أن يهلك موضوع الهبة , كأن يكون حيوانا فيموت , أو يكون دارا فتتهدم.
4 - أن يموت أحد العاقدين: الواهب أو الموهوب له.
5 - أن تكون الهبة بين الزوجين.
6 - أن تكون الهبة بين ذوي الرحم المحرم كالهبة بين الشخص وخالته أو عمته.
7 - أن يأخذ الواهب عوضا عن هبته.

وطبيعة الرجوع في الهبة عند الحنفية أنه فسخ للعقد الأول وليس هبة جديدة من الموهوب له إلى الواهب سواء كان الرجوع بدعوى قضائية , أم كان بالتراضي بين الطرفين.


تبيين الحقائق (ج 5 ص 97 - 98)
إذا وهب شخص هبة وقبضها وليس فيه ما يمنع الرجوع من زيادة , وموت أحدهما , وعوض , وخروج من الملك , وزوجية , وقرابة محرمة للنكاح , وهلاك الموهوب , جاز الرجوع في الهبة.
وقال الشافعي رحمه الله لا يصح الرجوع فيها إلا في الولد , لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يرجع الواهب في هبته إلا الوالد فيما يهب لولده ولأنه عقد تمليك فوجب أن يلزم كالبيع ولأن الرجوع يضاد مقتضى العقد والعقد لا يقتضي ضده , وإنما ثبت جواز الرجوع في الولد لأن إخراجه عن ملكه لم يتم , لأن الولد من كسبه أو بعضه.
ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: الواهب أحق بهبته ما لم يثب (وهو ضعيف) , أي لم يعوض , والمراد بعد التسليم لأنها لا تكون هبة حقيقة قبله وتأيد ذلك بالشرع , قال عليه الصلاة والسلام: تهادوا تحابوا والتفاعل يقتضي الفعل من الجانبين فكان له الرجوع إذا لم يحصل مقصوده كالمشتري إذا وجد بالمبيع عيبا يرجع بالثمن لفوات مقصوده , وهو صفة السلامة في المبيع.

موطأ مالك بشرح الزرقاني (ج 4 ص 47)
قال يحيى وسمعت مالكا يقول: الأمر المجتمع عليه عندنا فيمن نحل ولده نحلا أو أعطاه عطاء ليس بصدقة: أن له أن يعتصر ذلك (يسترجعه) ما لم يستحدث الولد دينا يداينه الناس به , ويأمنون عليه من أجل ذلك العطاء الذي أعطاه أبوه , فليس لأبيه أن يعتصر من ذلك شيئا بعد أن تكون عليه الديون , أو يعطي الرجل ابنه أو ابنته فتنكح المرأة الرجل , وإنما تنكحه لغناه وللمال الذي أعطاه أبوه , فيريد أن يعتصر ذلك الأب , أو يتزوج الرجل المرأة قد نحلها أبوها النحل , إنما يتزوجها ويرفع من صداقها لغناها ومالها وما أعطاها أبوها , ثم يقول الأب: أنا أعتصر ذلك فليس له أن يعتصر من ابنه ولا من ابنته شيئا من ذلك , إذا كان على ما وضفت لك.
المغني (ج 5 ص 670 - 674)
وللرجوع في هبة الولد شروط أربعة:
أحدها: أن تكون باقية في ملك الابن , فإن خرجت عن ملكه ببيع أو هبة , أو وقف أو إرث أو غير ذلك , لم يعد له الرجوع فيها لأنه إبطال لملك غير الولد
الثاني: أن تكون العين باقية في تصرف الولد بحيث يملك التصرف في رقبتها وإن رهن العين أو أفلس , وحجر عليه لم يملك الأب الرجوع فيها لأن في ذلك إبطالا لحق غير الولد فإن زال المانع من التصرف فله الرجوع
الثالث: أن يتعلق بها رغبة لغير الولد فإن تعلقت بها رغبة لغيره مثل أن يهب ولده شيئا فيرغب الناس في معاملته وأدانوه ديونا أو رغبوا في مناكحته فزوجوه إن كان ذكرا أو تزوجت الأنثى لذلك , فعن أحمد روايتان أولاهما: ليس له الرجوع
الرابع: ألا تزيد (الهبة) زيادة متصلة كالسمن , والكبر. فإن زادت فعن أحمد روايتان

المجموع (ج 15 ص 381)
فإن وهب لغير الولد وولد الولد شيئا , وأقبضه , لم يملك الرجوع فيه لما روى ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما رفعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما أعطى ولده. وإن وهب للولد , أو ولد الولد - وإن سفل - جاز له أن يرجع للخبر (الحديث) ولأن الأب لا يتهم في رجوعه لأنه لا يرجع إلا لضرورة , أو لإصلاح الولد
بدائع الصنائع (ج 6 ص 1345)
ولا خلاف في أن الرجوع في الهبة بقضاء القاضي فسخ , واختلف في الرجوع فيها بالتراضي , فمسائل أصحابنا تدل على أنه فسخ , أيضا كالرجوع بالقضاء فإنهم قالوا يصح الرجوع في المشاع الذي يحتمل القسمة , ولو كان (الرجوع بالتراضي) هبة مبتدأة لم يصح مع الشياع , وكذا لا تقف صحته على القبض ولو كان هبة مبتدأة لوقفت صحته على القبض.


الإضافة والاشتراط في الهبة
لا يجوز تعليق الهبة بشرط قابل للتحقق وعدمه ,
كما لا تجوز الهبة المضافة إلى المستقبل , لأن الهبة تمليك في الحال فلا يصح تعليقها ولا إضافتها إلى المستقبل.
كما لا يجوز اقتران الهبة بشرط ينافي مقتضاها.


لا تصح الهبة مضافة إلى المستقبل كأنه يقول الشخص في بداية السنة وهبتك هذا الكتاب في نهاية الشهر الخامس ,

كما لا يجوز تعليق الهبة بشرط قابل للتحقق وعدمه مثل إن ربحت الصفقة وهبتك مبلغ كذا , وذلك لأن الهبة تمليك في الحال وهذا ينافي الإضافة للمستقبل كما ينافي التعليق.

أما الشروط المقارنة لعقد الهبة , دون أن تكون تعليقا:
- فتجوز إذا كانت مؤيدة لمقتضى العقد , كأنه يهب شخص لآخر أرضا زراعية ويشترط عليه أن يزرعها ولا يعطلها عن الإنتاج.
- في حين أن هذه الشروط تبطل إذا كانت مناقضة لمقتضى العقد , مثل أن يشترط الواهب على الموهوب له: ألا يبيع الموهوب , أو ألا يهبه بدوره , فهذا الشرط مناف لحقوق الملكية المترتبة عن الهبة , وأولها: حق تصرف المالك فيما يملك بالبيع وبغيره.


بدائع الصنائع (ج 6 ص 118)
أما شروط ركن الهبة فهو: ألا يكون معلقا بما له خطر الوجود والعدم , من دخول زيد , وقدوم خالد ,. . ولا مضافا إلى وقت بأن يقول: وهبت هذا الشيء منك غدا , أو رأس شهر كذا , لأن الهبة تمليك العين للحال , وأنه لا يحتمل التعليق بالخطر , والإضافة إلى الوقت , كالبيع.

المغني (ج 5 ص 658)
ولا يصح تعليق الهبة بشرط لأنها تمليك لمعين في الحياة , فلم يجز تعليقها على شرط كالبيع فإن علقها على شرط , كقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن رجعت هديته إلى النجاشي فهي لك , كان وعدا.
وإن شرط في الهبة شروطا تنافي مقتضاها , نحو أن يقول وهبتك هذا , بشرط ألا تهبه أو ألا تبيعه , أو بشرط أن تهبه أو تبيعه , أو بشرط أن تهب فلانا شيئا: لم تصح الشروط , وفي صحة الهبة وجهان.

درر الحكام شرح مجلة الأحكام (ج 2 ص 377)
إذا ذكر في الهبة شرط , فالشرط إما أن يكون تعليقا , وهذا يكون بأدوات الشرط , كإن وإذا , وهذه الهبة باطلة. . . كما لو وهب أحد شيئا لآخر بشرط أن يقوم بنفقة الواهب إلى وفاته. . وإما أن يكون تقييديا , ويذكر مع كلمة (على) أو كلمة (أو) .
إلا أنه باعتبار الشرط توجد التقييدات الآتية: الهبة مع الشرط التقييدي قسمان:
القسم الأول: كون الشرط المذكور ملائما للعقد , وهذه الهبة والشرط صحيحان.
القسم الثاني: كون الشرط المذكور مخالفا , يعني غير ملائم , وعلى هذا التقدير فالهبة صحيحة , ولكن الشرط باطل.


هبة جميع المال
مذهب الجمهور من العلماء أن للإنسان أن يهب جميع ما يملكه لغيره
وقال محمد بن الحسن وبعض محققي المذهب الحنفي: لا يصح التبرع بكل المال ولو في وجوه الخير , وعدوا من يفعل ذلك سفيها يجب الحجر عليه.


ترى المذاهب الأربعة: أن الإنسان الرشيد يجوز له أن يهب جميع ما يملك: لأنه حر التصرف في ماله بينما يرى بعض محققي المذهب الحنفي أن هبة جميع المال لا تصح ولا تنفذ , لأن في ذلك إسرافا وتضييعا لنفس الواهب ولأهله , وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت.

وحقق هذه القضية صاحب الروضة الندية فقال: (من كان له صبر على الفاقة وقلة ذات اليد فلا بأس بالتصدق بأكثر ماله أو بكله , ومن كان يتكفف الناس إذا احتاج لم يحل له أن يتصدق بجميع ماله ولا بأكثره. وهذا هو وجه الجمع بين الأحاديث الدالة على أن مجاوزة الثلث غير مشروعة وبين الأدلة التي دلت على مشروعية التصدق بزيادة على الثلث) .


القوانين الفقهية (ص 241)
ويجوز أن يهب الإنسان ماله كله لأجنبي , اتفاقا.

بداية المجتهد (ج 8 ص 204)
واتفقوا على أن للإنسان أن يهب جميع ماله للأجنبي إن الإجماع منعقد على أن للرجل أن يهب في صحته جميع ماله الأجانب: (ممن ليسوا من القرابة)


انتهاء الهبة
تنتهى الهبة بأحد أمرين قبض الموهوب له للشيء الموهوب بعد قبوله الهبة , كما تنتهي برجوع الواهب في هبته عند من يجيز له ذلك.


انتهاء الهبة بقبض الموهوب
تنتهى الهبة بقبض الموهوب له الشيء الموهوب
والقبض المعتبر عند جمهور الفقهاء خلافا للمالكية هو ما كان بإذن الواهب صراحة أو ضمنا كأن يقبض الموهوب له المال بحضور واهبه ولا يعترض هذا الأخير ,
وذهب المالكية إلى صحة القبض ولو بلا إذن من الواهب ويجبر الواهب على تمكين الموهوب من القبض حيث طلبه لأن الهبة تملك بالقول أي بالإيجاب على المشهور عندهم.

انتهاء الهبة بالرجوع فيها
كما تنتهي الهبة برجوع الواهب في هبته حيث إن الحنفية يرون صحة ذلك سواء تم قبض الموهوب أو لم يتم , ولكن يكره الرجوع عندهم لأنه من باب الدناءة بل إنه يمنع الرجوع في حالات خاصة حددوها.