فقه
المعاملات الكفالة
تعريف الكفالة
اختلف الفقهاء في تعريف الكفالة أو الضمان:
- فمنهم من وصف الكفالة بأنها ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة لتشمل جميع أنواع
الكفالة.
- ومنهم من وصفها بأنها ضم ذمة إلى ذمة في الدين أو التزام الحق وهذا يقصر
معنى الكفالة على الكفالة بالمال أو بالدين.
والدين وان ثبت في ذمة الكفيل , فلا يحق لرب الدين إلا استيفاء حق واحد ,
إما من الكفيل أو من الأصيل.
ولا مانع من ثبوت الدين في أكثر من ذمة , لأن الدين أمر اعتباري من
الاعتبارات الشرعية , فجاز أن يعتبر الشيء الواحد في ذمتين , وإنما الممتنع
هو ثبوت عين واحدة في زمن واحد كهذا الكتاب في ظرفين حقيقيين. وهذا متعذر ,
لاستحالة وجود الشيء المادي المعين في مكانين متغايرين , فهو إما أن يوجد
في هذا المكان أو في مكان آخر.
تعريف الكفالة تشكيل
النص
تعريف الكفالة في اللغة /50 تطلق الكفالة في اللغة على الضم وعلى الالتزام:
تطلق على الضم:
كما في قوله تعالى {وكفلها زكريا} بالتخفيف , أي ضمها إلى نفسه , وقرئ
بتشديد الفاء ونصب زكريا أي جعله كافلا لها وضامنا لمصالحها ,
جاء في القاموس المحيط: والضامن كالكفيل , جمع كفل وكفلاء , وكفيل أيضا.
وكفله: ضمنه.
وتطلق أيضا على الالتزام:
يقال: تكفل بالشيء: ألزمه نفسه وتحمل به , وتكفل بالدين: التزم به , وتكفل
فلان لي بالمال , أي التزم به , ويقال: كفل المال وبالمال: ضمنه أو التزمه
, وكفل بالرجل يكفل , ويكفل كفلا وكفالة: إذا ضمنه , قال تعالى {فقال
أكفلنيها وعزني في الخطاب} (سورة ص: 23) قال الزجاج معناه: اجعلني أنا
أكفلها وانزل أنت عنها.
تعريف الكفالة في الاصطلاح الشرعي:
يختلف تعريفها باختلاف آراء الفقهاء ولهم اتجاهان في التعريف:
الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة مطلقا: الاتجاه الأول للحنفية في الأصح
عندهم: هي ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة مطلقا , أي ضم ذمة الكفيل إلى ذمة
المدين في المطالبة بنفس أو بدين , أو عين كمغصوب ونحوه. فالكفيل يضم ذمته
إلى ذمة المدين في المطالبة فقط ولا يثبت الدين في ذمته , كما لا يسقط
الدين عن الأصيل.
ودليل الحنفية: أن الدين وان أمكن شرعا اعتباره في ذمتين , لا يجب الحكم
بوقوع كل ممكن إلا بموجب , ولا موجب هنا , لأن التوثق بالدين يحصل بثبوت حق
المطالبة.
ثم إن الكفالة كما تصح بالمال تصح بالنفس , مع أنه لا دين فيها , والمضمون
بالكفالة بالنفس: هو إحضار المكفول به , وكما تصح بالدين تصح بالأعيان
المضمونة.
وتعريف الكفالة بما يفيد ثبوت حق المطالبة فيها هو من أجل شمول جميع هذه
الأنواع , بخلاف ما لو قصرنا معناها على الضم في الدين , فإنه يراد بها
الكفالة بالمال فقط. ويكون تعريف الكفالة بالضم في المطالبة أعم لشموله
جميع أنواع الكفالة , وهي الكفالة بالمال وبالنفس وبالأعيان وهو معنى كون
تعريفهم لها أصح.
أما بالنظر للواقع من أحكام الكفالة , فقد استظهر ابن عابدين أن الفقهاء
متفقون على ثبوت الدين في ذمة الكفيل , مع بقائه في ذمة الأصيل , بدليل
الاتفاق على صحة هبة الدين والشراء به , فيصح هبة الدين للكفيل , ويرجع به
أي بالدين المضمون على الأصيل , ويصح أيضا للدائن أن يشتري شيئا من الكفيل
بالدين الذي له. ولو كانت الكفالة ضما في المطالبة فقط بدون دين , لزم ألا
يؤخذ المال من تركة الكفيل , لأن المطالبة تسقط عنه بموته كالكفيل بالنفس
مع أن المنصوص عليه حتى عند الحنفية هو أن المال يحل بموت الكفيل , ويؤخذ
من تركته , وبدليل أنه يجوز أن يكفل الكفيل آخر بالمال المكفول به.
الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في التزام الحق
ذهب الجمهور من (المالكية والشافعية والحنابلة) : إلى أن الكفالة ضم ذمة
الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق , أي في الدين , فيثبت الدين في
ذمتهما جميعا.
ودليل الجمهور: أن الدين يثبت في ذمة الكفيل كما يثبت في ذمة الأصيل ومظهر
ثبوته: أنه لو وهب الدين للكفيل تصح الهبة , مع أن هبة الدين لغير من عليه
الدين لا تجوز , وللدائن شراء شيء من الكفيل بالدين الذي له , مع أن الشراء
بالدين من غير من عليه الدين لا يصح.
وتظهر ثمرة الخلاف بين الاتجاهين في التعريف: فيما إذا حلف الكفيل أن لا
دين عليه , فإنه يحنث على رأي الجمهور القائلين بأن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة
في الدين , ولا يحنث على رأي الحنفية القائلين بأن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة
في المطالبة.
ومثال الكفالة:
أن يكون لزيد دين مؤجل إلى ستة أشهر مقداره ألف دينار عند عمرو , فيطلب
الدائن وهو زيد من المدين وهو عمرو توثيق الدين بكفيل ملئ معتبر , فيتقدم
له بكفيل يرضى به الدائن وهو خالد فيصبح الدين شاغلا لذمة الكفيل وذمة
المدين الأصلي ويحق للدائن مطالبة كل من المدين والكفيل بالدين عند حلول
أجله.
أسماء الكفالة:
فهي كفالة , وحمالة , وضمانة , وزعامة , وقبالة , وتسمى أيضا أذانة من
الأذن - بالفتح والتحريك , وهو الإعلام: لأن الكفيل يعلم أن الحق قبله , أو
أن الأذانة بمعنى الإيجاب لأنه أوجب الحق على نفسه.
ويقال للملتزم بها ضمين , وكفيل وقبيل وحميل وزعيم وصبير , والكل بمعنى
واحد. لكن قال الماوردي غير أن العرف جار بأن الضمين مستعمل في الأموال ,
والحميل في الديات , والزعيم في الأموال العظام , وكفيل في النفوس ,
والصبير في الجميع
وتستخدم في الكفالة المصطلحات التالية
الكفيل: هو الذي تلزمه المطالبة بالمال الذي على المدين.
الأصيل أو المدين: هو المكفول عنه.
المكفول له: هو الدائن أو المدعي.
محل الكفالة أو المكفول به: هو المال أو النفس المكفولة.
تعريف الكفالة
فتح القدير (5 / 389)
(هي ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة , وقيل: في الدين , والأول أصح) .
الشرح الكبير (3 / 329)
الضمان: شغل ذمة أخرى بالحق.
مغني المحتاج (2 / 198)
الضمان شرعا: يقال لالتزام حق ثابت في ذمة الغير أو إحضار من هو عليه أو
عين مضمونة (ويقال للعقد الذي يحصل به ذلك) .
المغني (4 / 534 - 535)
الضمان: ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق , فيثبت في
ذمتهما جميعا. ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما , واشتقاقه من الضم. ولا بد
في الضمان من ضامن ومضمون عنه ومضمون له.
مراجع إضافية
البدائع (6 / 2) , البحر الرائق (6 / 321) , الدر المختار (4 / 260)
دليل مشروعية
الكفالة
اتفق المسلمون على مشروعية عقد الكفالة , لما ورد فيها من نصوص القرآن
والسنة , وارتقى هذا الحكم الظني بالإجماع إلى درجة القطع واليقين في ثبوته
وتقريره , واستقر تفصيل أحكام الكفالة في جميع الكتب الفقهية , وبحث في باب
مستقل باسم باب الضمان أو الكفالة.
دليل مشروعية
الكفالة تشكيل النص
الدليل من الكتاب
في قصة مريم
قول الله تعالى: {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} (آل
عمران: 44)
وقوله تعالى: {فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا}
(آل عمران: 37)
وفي قصة موسى
قول الله تعالى: {إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله} (طه: 40)
وقوله تعالى: {هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم} (القصص: 12)
وفي قصة يوسف
قول الله تعالى: {لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن
يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل} (يوسف 66)
ومنها في كفالة المال قوله تعالى: {قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل
بعير وأنا به زعيم} (يوسف 72) أي كفيل ضامن.
الدليل من السنة
قوله صلى الله عليه وسلم: الزعيم غارم. أخرجه أحمد وأصحاب السنة إلا
النسائي
ومنها: أن النبي أتي بجنازة رجل ليصلي عليه , فقال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا
, قال هل عليه دين؟ قالوا: نعم ديناران , فقال: صلوا على صاحبكم , قال أبو
قتادة هما علي يا رسول الله , فصلى عليه النبي. نيل الأوطار (5 / 237)
ومنها: ما رواه قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: لا تحل الصدقة إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة , فحلت له
المسألة حتى يصيبها , ثم يمسك. (أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي) . فأباح له
الصدقة حتى يؤدي ثم يمسك , فدل على أن الحمالة قد لزمته.
الدليل من الإجماع:
أن علماء الأمة الإسلامية أجمعوا على جواز الضمان أو الكفالة , لحاجة الناس
إليها , ودفع الضرر عن المدين. كما أنها نوع من التعاون على البر والتقوى ,
لذا تكون الكفالة بالنية الحسنة طاعة يثاب عليها فاعلها.
دليل مشروعية
الكفالة
قال ابن رشد في المقدمات الممهدات (2 / 376) :
الكفالة بالمال جائزة في الشرع لازمة في صريح الحكم , وهي من المعروف.
مراجع إضافية
انظر فتح القدير (5 / 389) , مغني المحتاج (2 / 198) , المغني (5 / 534)
الوصف الفقهي
للكفالة
اتفق العلماء على أن الكفالة عقد تبرع لا معاوضة.
الكفالة من عقود التبرعات لأنها تقع بدون
مقابل على سبيل بذل المعروف حيث تؤول إلى القرض حين يدفع الكفيل ويرجع على
المكفول بما دفع ولذا يمتنع أخذ العوض عنها.
ذلك أنه إذا لم يجز أخذ العوض زيادة عن القرض لأنه من الربا المحرم فكذلك
لا يجوز أخذ العوض عن الاستعداد للإقراض عن طريق الكفالة.
الحكم التكليفي
للكفالة
يستحب الضمان لسائر المسلمين , لأنه من المعونة على الخير.
الكفالة مندوبة لكل من كان قادرا عليها
واثقا بنفسه آمنا من التخلف عن الأداء وذلك لحاجة الناس إليها ولما فيها من
دفع الضرر عن المدين.
وقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة رجل ليصلي عليه , فقال: هل ترك
شيئا؟ قالوا: لا , قال هل عليه دين؟ قالوا: نعم ديناران , فقال: صلوا على
صاحبكم , قال أبو قتادة هما علي يا رسول الله , فصلى عليه النبي.
الكفالة بالمال
الكفالة أو الضمان نوعان بالاتفاق: كفالة بالمال وكفالة بالنفس.
والكفالة بالمال يطلق عليها كثير من الفقهاء: الضمان.
وقد يكون المكفول به دينا , وقد يكون عينا , والحكم يختلف في كل حالة
منهما.
قد يكون المال المكفول به دينا , وقد يكون
عينا. /50/50 الكفالة بالدين
الكفالة بالدين هي أن يلتزم الكفيل بما كان يلتزم به الأصيل من دين ,
فيؤديه في الزمان والمكان المتفق عليهما , وذلك مع مراعاة ما تضمنه عقد
الكفالة من الشروط.
وذكر الحنفية أن كفالة المال قسمان:
- كفالة بنفس المال ومثالها أن يضمن مبلغا من المال أو دينا عند فلان وهو
المدين.
- وكفالة بتقاضي المال أو بتسليم المال ومثالها أن يكون لشخص مال على رجل ,
فيقول رجل للدائن (الطالب) : ضمنت لك ما على فلان أن أقبضه وأدفعه إليك ,
هذا ليس من ضمان المال , وإنما كفالة بتقاضي المال ودفعه إلى الدائن. ومثل
ذلك ضمان تقاضي المال من الغاصب للمغصوب منه.
الكفالة بالعين
الكفالة بالعين هي أن يلتزم الكفيل برد عينها إن كانت قائمة , وبرد مثلها
أو قيمتها إذا تلفت.
وللفقهاء في حكم كفالة الأعيان تفصيل:
- إذا كانت الأعيان مضمونة بنفسها: وهي التي يجب على حائزها أن يردها إلى
صاحبها بعينها إن كانت قائمة , فإن هلكت يرد مثلها إن كان لها مثل , أو
قيمتها إن لم يكن لها مثل. وذلك كالعين المغصوبة , والعين المبيعة بعقد
فاسد , والعين المقبوضة على سوم الشراء.
ذهب الحنفية والحنابلة إلى صحة كفالة هذا النوع من الأعيان. فيلتزم الكفيل
برد العين ما دامت قائمة , أو يرد مثلها أو قيمتها إن تلفت.
وذهب المالكية إلى أنه لا تجوز الكفالة بالأعيان على أنه إذا استحق لزمه
عينه , وإنما تصح إذا ضمن المعين على أنه إذا تلف بتعد أو تقصير التزم بدفع
قيمته أو برد مثله , وعلى ذلك: إذا ضمن عين المغصوب لم يصح الضمان , ولكن
إذا كفله على أنه ملزم بضمانه إذا تعذر رده صح الضمان.
وعند الشافعية في جواز كفالة الأعيان المضمونة قولان: يذهب أولهما إلى مثل
ما ذهب إليه المالكية , ويذهب الآخر إلى صحة ضمان الأعيان المضمونة.
- إذا كانت الأعيان مضمونة بغيرها:
وهي التي يجب على حائزها أن يردها إلى صاحبها إن كانت قائمة , فإذا هلكت لا
يجب عليه أن يرد مثلها ولا قيمتها. وذلك مثل المبيع في يد البائع قبل القبض
فإنه مضمون بالثمن , فإذا هلك سقط الثمن عن المشترى إذا لم يكن دفعه ووجب
على البائع رده إليه إن كان دفعه. وكذلك الرهن في يد المرتهن فإنه مضمون
بالدين إذا كانت قيمته لا تزيد عليه وإلا كان مضمونا بقدر قيمته من الدين.
ذهب الفقهاء إلى أنه لا تجوز الكفالة بهذه الأعيان المضمونة بغيرها , فإذا
هلكت لا يجب على الكفيل رد مثلها أو قيمتها لأنها إذا هلكت تهلك على صاحب
الدين بما هو مضمون به , فالمبيع مضمون بالثمن وإذا هلك في يد البائع سقط
الثمن عن المشترى.
وقال الحنفية والحنابلة أن هذا النوع من الأعيان يجوز ضمان تسليمه فقط ما
دام قائما , فإذا هلك سقطت الكفالة.
- إذا كانت الأعيان أمانة واجبة التسليم:
وهي التي تعد أمانة في يد حائزها الذي يكون ملتزما بأن يسعى إلى تسليمها
إلى أصحابها. وذلك مثل العارية في يد المستعير والعين المستأجرة في يد
المستأجر.
ذهب الفقهاء إلى أنه تجوز الكفالة بتسليم هذا النوع من الأمانات لوجوب
التسليم على صاحب اليد , ولكن لا تصح الكفالة بالأعيان الواجبة التسليم متى
هلكت , فلا يلزم الكفيل رد قيمتها ولا يلزمه شيء لكونها أمانة والأمانة إذا
هلكت بلا تعد ولا تقصير تهلك مجانا لأنها غير مضمونة على من في يده , فكذلك
على ضامنه.
وقد ذهب الحنابلة والمالكية وجمع من الفقهاء إلى أنه يصح ضمان هذا النوع من
الأعيان (مثل الوديعة والعين المؤجرة والشركة والمضاربة والعين التي تدفع
للخياط وغيرها) , على أنه إذا هلكت تلك الأعيان بتعد أو تقصير لزم الحائز
ضمانها وكذلك لزم ضامنه ذلك لأنها مضمونة على من هي في يده.
وقال المالكية إنها كفالة معلقة على ثبوت الدين.
قال القدوري ونقله عنه المرغيناني في
الهداية وشرحه الكمال بن الهمام في فتح القدير (5 / 391) :
الكفالة ضربان: كفالة بالنفس , وكفالة بالمال , ويدخل في الكفالة بالمال
الكفالة بالأعيان. والكفالة بالنفس جائزة , والمضمون بها إحضار المكفول به.
ثم نقل عن الشافعي أن الكفالة بالنفس لا تجوز , وهو قول مخالف للقول الأظهر
عندهم , وهو أنها جائزة , كقولنا.
وقال في الدر المختار (4 / 679) :
ولا تصح الكفالة بنفس حد وقصاص لأن النيابة لا تجرى في العقوبات.
وقال ابن رشد في المقدمات الممهدات (2 / 379) :
الكفالة تنقسم على قسمين: حمالة بالمال وحمالة بالوجه , فأما الحمالة
بالمال فإنها لازمة في الحياة وبعد الممات , كانت في أصل البيع أو بعد عقد
البيع , لأنها وان كانت من المعروف , فكأنها إنما خرجت عن عوض وهو ما رضي
به المتحمل له من دفع سلعته أو تأخير غريمه.
وأيضا فإنه إذا غرم يرجع بما غرم.
وفي (ص 399) قال: وأما الحمالة بالوجه , فإنها جائزة إذا كان المتحمل به
مطلوبا بمال , ولم يكن مطلوبا بشيء يجب عليه في بدنه من قتل أوحد أو قصاص
أو تعزير.
وقال العلامة خليل وشارحه الدردير في الشرح الصغير والصاوي في الحاشية (3 /
429 - 430) :
شمل تعريف الضمان أنواعه الثلاثة أي ضمان الذمة أي (ضمان المال) وضمان
الوجه أي (ضمان النفس) وضمان الطلب , سواء كان الطلب على وجه الإتيان به
لرب الدين أي (وهو ضمان الوجه) أو مجردا عن ذلك , أي (وهو ضمان الطلب) لأنه
تفتيش لا غير.
وقال النووي في متن المنهاج وشارحه الشربيني الخطيب في مغني المحتاج (2 /
203 - 204) :
المذهب صحة كفالة البدن في الجملة , وتسمى أيضا كفالة الوجه (وهي التزام
إحضار المكفول له للحاجة إليها) لمن عليه مال أو لمن عليه عقوبة لآدمي
كقصاص وحد قذف , والمذهب منعها في حدود الله تعالى , كحد الخمر والزنى
والسرقة , لأنه يسعى في دفعها ما أمكن , أي تصح في حدود الآدمي.
وقال الخرقي في متنه وابن قدامة في المغني (4 / 556 - 557) كما قال
الشافعية:
ومن كفل بنفس , لزمه ما عليها وان لم يسلمها , وجملة ذلك أن الكفالة بالنفس
صحيحة في قول أكثر أهل العلم. وهذا مذهب شريح ومالك والثوري والليث وأبي
حنيفة. ولا تصح الكفالة ببدن من عليه حد , سواء كان حقا لله تعالى كحد
الزنى والسرقة , أو لآدمي كحد القذف والقصاص.
وهذا قول أكثر أهل العلم , منهم شريح والحسن وبه قال إسحاق وأبو عبيد وأبو
ثور وأصحاب الرأي , وبه قال الشافعي في حدود الله تعالى واختلف قوله في
حدود الآدمي. فقال في موضع: لا كفالة في حدود الآدمي ولا لعان , وقال في
موضع: تجوز الكفالة بمن عليه حق أو حد , لأنه حق لآدمي , فصحت الكفالة به
كسائر حقوق الآدميين. ودليلنا ما روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن
النبي أنه قال: لا كفالة في حد ولأنه حد , فلم تصح الكفالة فيه , كحدود
الله تعالى , ولأن الكفالة استيثاق , والحدود مبناها على الإسقاط والدرء
بالشبهات , فلا يدخل فيها الاستيثاق ولأنه حق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل
إذا تعذر عليه إحضار المكفول به , فلم تصح الكفالة بمن هو عليه كحد الزنى.
وعبارة البهوتي في كشاف القناع عن متن الإقناع (3 / 362 - 364) تشبه مع شيء
من التفصيل العبارة السابقة , قال: /50 لا تصح الكفالة ببدن من عليه حد أو
قصاص لإقامة الحد , لأنه لا يجوز استيفاؤه من الكفيل , كحد زنى وسرقة وقذف
وشرب , إلا إذا كفل ببدنه لأجل مال بالدفع , أي بالعفو إلى الدية ليدفعها ,
وإلا إذا ضمن السلامة بسبب غرم السرقة , أي المسروق , فتصح , لأنه حق مالي.
قال في الدر المختار ورد المحتار (4 / 279) :
لا تصح الكفالة بنفس حد وقصاص , لأن النيابة لا تجري في العقوبات. ولا تصح
بحمل دابة معينة مستأجرة له وخدمة عبد معين مستأجر للخدمة , لأنه يلزم
تغيير المعقود عليه , بخلاف غير المعين , لوجوب مطلق الفعل , لا التسليم
لأنه لو كان الواجب التسليم , لزم صحة الكفالة في المعينة أيضا لأن الكفالة
بتسليمها صحيحة.
وجاء في المجلة (م632) :
لا تجري النيابة في العقوبات , بناء عليه , لا تصح الكفالة بالقصاص وسائر
العقوبات والمجازات الشخصية , ولكن تصح الكفالة بالأرش والدية اللذين
يلزمان الجارح والقاتل.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية عند الحنابلة (م1130) :
لا تصح الكفالة ببدن من عليه قصاص أوحد أو تعزير لإقامة الحد أو التعزير ,
أما إذا كفله لغرم السرقة أو لأجل الدية الواجبة بالعفو عن القصاص صح.
وقال النووي في المنهاج وشرحه مغني المحتاج (2 / 203 - 204) :
والمذهب صحة الكفالة ببدن من عليه عقوبة لآدمي كقصاص وحد قذف , ومنعها في
حدود الله تعالى.
الكفالة بالنفس
الكفالة نوعان: كفالة بالمال وكفالة بالنفس.
والكفالة بالنفس يطلق عليها البعض: كفالة البدن أو الوجه.
وقد تكون الكفالة بإحضار من عليه دين , أو بإحضار من عليه حد من الحدود.
واختلف الفقهاء في حكم كل حالة. فلا تجوز الكفالة في الحدود والقصاص
والتعزير عند الجمهور , أما عند الشافعية فهي لا تجوز في الحدود الخالصة
لله تعالى , وتجوز في الحدود المتعلقة بحق الآدمي.
وانفرد المالكية بذكر نوع خاص من الكفالة: ضمان الطلب وهو يدخل في ضمان
النفس , حيث أنه التزام طلب الغريم والتفتيش عليه إن تغيب والدلالة عليه
دون الالتزام بإحضاره.
الكفالة بالنفس (أو الكفالة بالوجه أو
البدن) هي التزام إحضار المكفول إلى المكفول له أو إلى مجلس الحكم أو نحو
ذلك.
والكفالة بالنفس تكون في الحقوق المالية أساسا , وتكون كذلك في الحقوق غير
المالية مثل حق القصاص من المعتدي وغيرها , فهي إذن نوعان:
كفالة بإحضار من عليه دين ,
كفالة بإحضار من عليه حد.
وانفرد المالكية بذكر نوع ثالث من الكفالة: ضمان الطلب وهو يدخل في ضمان
النفس , حيث أنه التزام طلب الغريم والتفتيش عليه إن تغيب والدلالة عليه
دون الالتزام بإحضاره.
واختلف الفقهاء في حكم كل حالة.
الكفالة بإحضار من عليه دين (الكفالة في غير الحدود)
أجاز أئمة المذاهب الأربعة كفالة النفس إذا كانت بسبب المال , (الكفالة
بإحضار من عليه حق مالي) , لقوله تعالى: {قال لن أرسله معكم حتى تؤتون
موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم} (يوسف: 66) .
وهذا يفيد مشروعية الكفالة بنوعيها ولأن ما وجب تسليمه بعقد , وجب تسليمه
بعقد الكفالة كالمال ولأن الكفيل يقدر على تسليم الأصيل بأن يعلم من يطلبه
مكانه , فيخلى بينه وبينه , أو يستعين بأعوان القاضي في التسليم , والحاجة
ماسة إلى هذا النوع من الكفالة وقد أمكن تحقيق معنى الكفالة - في رأي
الحنفية - وهو الضم في المطالبة فيه.
وقد روى البخاري عن أبى الزناد عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه:
(أن عمر رضي الله عنه بعثه مصدقا , فوقع رجل على جارية امرأته فأخذ حمزة من
الرجل كفلاء حتى قدم على عمر وكان عمر قد جلده مائة جلدة , فصدقهم , وعذره
بالجهالة) , قال ابن حجر استفيد من هذه القصة مشروعية الكفالة بالأبدان ,
فإن حمزة بن عمرو الأسلمي صحابي , فقد فعله , لم ينكر عليه عمر مع كثرة
الصحابة حينئذ.
وروى البخاري كذلك قول جرير والأشعث لعبد الله بن مسعود في المرتدين:
(استتبهم وكفلهم , فتابوا وكفله عشائرهم) قال ابن حجر قال ابن المنير
(قياس) أخذ البخاري الكفالة بالأبدان في الديون من الكفالة بالأبدان في
الحدود بطريق الأولى والكفالة بالنفس قال بها الجمهور.
وقد اختلف النقل عن الشافعي في حكم كفالة البدن , لأنه نص عليها وقال - في
موضع - هي ضعيفة , وقال - في موضع آخر -: إنها جائزة إلا في الحدود.
وهكذا اختلف فقهاء الشافعية في حكم كفالة البدن: فعلى طريقة ابن سريج كفالة
البدن تصح قطعا , للحاجة إليها , وهذا هو المشهور , وعليه المذهب , ومعنى
قول الشافعي إن كفالة البدن ضعيفة - على هذا الرأي - أنها ضعيفة من جهة
القياس , لأن الشخص الحر لا يدخل تحت اليد ولا يقدر على تسليمه , وأنها لا
توجب ضمان المال.
وذهب بعض الشافعية إلى أن في حكم كفالة البدن قولين:
أحدهما أنها لا تصح , لأنه ضمان عين في الذمة بعقد , فلم يصح كسلم في ثمر
نخلة بعينها
والثاني: تصح - وهو الأظهر - للخبر المتقدم , ولأن البدن يستحق تسليمه
بالعقد , فجاز الكفالة به كالدين.
الكفالة بإحضار من عليه حد (الكفالة في الحدود) .
لا تجوز الكفالة في الحدود والقصاص عند الحنفية والمالكية والحنابلة ,
لتعذر الاستيفاء من الكفيل , لأن النيابة لا تجري في العقود , فلا تفيد
الكفالة فائدتها. ودليلهم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - مرفوعا -: لا
كفالة في حد ولأن الكفالة استيثاق , والحدود مبناها على الدرء والإسقاط
بالشبهات , فلا يلائمها الاستيثاق ولأن الحق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل
إذا تعذر عليه إحضار المكفول به.
ومعنى عدم جواز الكفالة بالحدود والقصاص عند الحنفية: عدم جواز الإجبار على
إعطاء الكفالة , فإن سمحت نفس المدعى عليه , وتبرع بإعطاء الكفالة في حالة
القصاص والحد الذي فيه حق للعبد: وهو حد القذف وحد السرقة , جازت الكفالة
بالنفس , لأنها كفالة بمضمون على الأصيل , مقدور الاستيفاء من الكفيل ,
فتصح كالكفالة بتسليم نفس من عليه الدين.
فإذا لم يتبرع المدعى عليه: وهو الذي توجه عليه الحد أو القصاص , فلا تجوز
الكفالة عند أبي حنيفة أي لا يجبر على تقديم كفيل بنفسه بإحضاره في مجلس
القضاء , لإثبات ادعاء خصمه عليه , لأن الكفالة لا تتلاءم مع الحدود كما
عرفنا. وحينئذ يحبسه القاضي حتى تقام عليه البينة أو يستوفى الحد.
وقال الصاحبان: يجبر على تقديم كفيل بنفسه في القصاص وفي حد القذف , لأن
فيهما حق العبد , فيليق الاستيثاق.
وصرح الشافعية بقولهم: المذهب أنه لا تجوز كفالة النفس أو البدن في الحدود
الخالصة لله تعالى , كحد الخمر والزنى والسرقة , لأنه يسعى في دفعها ما
أمكن وتجوز كفالة تسليم النفس في الحدود الخالصة للآدمي كقصاص وحد القذف ,
وتعزير , لأنها حق لآدمي فصحت الكفالة , كسائر حقوق الآدميين. أي أن
الشافعية يخالفون الجمهور في تجويز الكفالة في الحدود المتعلقة بحق العبد.
ضمان الطلب عند المالكية /50 ضمان الطلب هو التزام طلب المضمون والتفتيش
عليه إن تغيب وإن لم يأت به لرب الحق. فيصح في غير المال من الحقوق البدنية
كالقصاص والتعازير والحدود , بخلاف ضمان الوجه.
وألفاظه: مثل أنا حميل بطلبه , أو على طلبه , أولا أضمن إلا طلبه , أو أن
يشترط نفي المال , كأن يقول: اضمن وجهه (نفسه) بشرط عدم غرم المال إن لم
أجده.
وعليه أن يطلب المضمون بما يقوى عليه عادة , إن غاب عند حلول الأجل عن
البلد وما قرب منه , وعلم موضعه. وأما الحاضر فيطلبه في البلد وما قاربه
إذا جهل موضعه. ويفهم من قوله (علم موضعه) أنه لا يكلف بالتفتيش عنه.
ويحلف إن قصر في طلبه ولم يعلم موضعه. ولا غرم عليه إلا إذا فرط في الطلب ,
كأن ترك طلبه في مكان يظن أنه به , أو يهربه , أو يعلم موضعه ولم يدل رب
الحق عليه.
وهذا النوع في الواقع اعتبره الإمام مالك كفالة وجه مع شرط عدم غرم المال ,
لأن ضمان النفس أو الوجه يلزم فيه الضامن بغرم المال إذا لم يحضر المضمون.
قال القدوري ونقله عنه المرغيناني في
الهداية وشرحه الكمال بن الهمام في فتح القدير (5 / 391) :
الكفالة ضربان: كفالة بالنفس , وكفالة بالمال , ويدخل في الكفالة بالمال
الكفالة بالأعيان. والكفالة بالنفس جائزة , والمضمون بها إحضار المكفول به.
ثم نقل عن الشافعي أن الكفالة بالنفس لا تجوز , وهو قول مخالف للقول الأظهر
عندهم , وهو أنها جائزة , كقولنا.
وقال في الدر المختار (4 / 679) :
ولا تصح الكفالة بنفس حد وقصاص لأن النيابة لا تجرى في العقوبات.
وقال ابن رشد في المقدمات الممهدات (2 / 379) :
الكفالة تنقسم على قسمين: حمالة بالمال وحمالة بالوجه , فأما الحمالة
بالمال فإنها لازمة في الحياة وبعد الممات , كانت في أصل البيع أو بعد عقد
البيع , لأنها وان كانت من المعروف , فكأنها إنما خرجت عن عوض وهو ما رضي
به المتحمل له من دفع سلعته أو تأخير غريمه.
وأيضا فإنه إذا غرم يرجع بما غرم.
وفي (ص 399) قال: وأما الحمالة بالوجه , فإنها جائزة إذا كان المتحمل به
مطلوبا بمال , ولم يكن مطلوبا بشيء يجب عليه في بدنه من قتل أوحد أو قصاص
أو تعزير.
وقال العلامة خليل وشارحه الدردير في الشرح الصغير والصاوي في الحاشية (3 /
429 - 430) :
شمل تعريف الضمان أنواعه الثلاثة أي ضمان الذمة أي (ضمان المال) وضمان
الوجه أي (ضمان النفس) وضمان الطلب , سواء كان الطلب على وجه الإتيان به
لرب الدين أي (وهو ضمان الوجه) أو مجردا عن ذلك , أي (وهو ضمان الطلب) لأنه
تفتيش لا غير.
وقال النووي في متن المنهاج وشارحه الشربيني الخطيب في مغني المحتاج (2 /
203 - 204) :
المذهب صحة كفالة البدن في الجملة , وتسمى أيضا كفالة الوجه (وهي التزام
إحضار المكفول له للحاجة إليها) لمن عليه مال أو لمن عليه عقوبة لآدمي
كقصاص وحد قذف , والمذهب منعها في حدود الله تعالى , كحد الخمر والزنى
والسرقة , لأنه يسعى في دفعها ما أمكن , أي تصح في حدود الآدمي.
وقال الخرقي في متنه وابن قدامة في المغني (4 / 556 - 557) كما قال
الشافعية:
ومن كفل بنفس , لزمه ما عليها وان لم يسلمها , وجملة ذلك أن الكفالة بالنفس
صحيحة في قول أكثر أهل العلم. وهذا مذهب شريح ومالك والثوري والليث وأبي
حنيفة. ولا تصح الكفالة ببدن من عليه حد , سواء كان حقا لله تعالى كحد
الزنى والسرقة , أو لآدمي كحد القذف والقصاص.
وهذا قول أكثر أهل العلم , منهم شريح والحسن وبه قال إسحاق وأبو عبيد وأبو
ثور وأصحاب الرأي , وبه قال الشافعي في حدود الله تعالى واختلف قوله في
حدود الآدمي. فقال في موضع: لا كفالة في حدود الآدمي ولا لعان , وقال في
موضع: تجوز الكفالة بمن عليه حق أو حد , لأنه حق لآدمي , فصحت الكفالة به
كسائر حقوق الآدميين. ودليلنا ما روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن
النبي أنه قال: لا كفالة في حد ولأنه حد , فلم تصح الكفالة فيه , كحدود
الله تعالى , ولأن الكفالة استيثاق , والحدود مبناها على الإسقاط والدرء
بالشبهات , فلا يدخل فيها الاستيثاق ولأنه حق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل
إذا تعذر عليه إحضار المكفول به , فلم تصح الكفالة بمن هو عليه كحد الزنى.
وعبارة البهوتي في كشاف القناع عن متن الإقناع (3 / 362 - 364) تشبه مع شيء
من التفصيل العبارة السابقة , قال: /50 لا تصح الكفالة ببدن من عليه حد أو
قصاص لإقامة الحد , لأنه لا يجوز استيفاؤه من الكفيل , كحد زنى وسرقة وقذف
وشرب , إلا إذا كفل ببدنه لأجل مال بالدفع , أي بالعفو إلى الدية ليدفعها ,
وإلا إذا ضمن السلامة بسبب غرم السرقة , أي المسروق , فتصح , لأنه حق مالي.
قال في الدر المختار ورد المحتار (4 / 279) :
لا تصح الكفالة بنفس حد وقصاص , لأن النيابة لا تجري في العقوبات. ولا تصح
بحمل دابة معينة مستأجرة له وخدمة عبد معين مستأجر للخدمة , لأنه يلزم
تغيير المعقود عليه , بخلاف غير المعين , لوجوب مطلق الفعل , لا التسليم
لأنه لو كان الواجب التسليم , لزم صحة الكفالة في المعينة أيضا لأن الكفالة
بتسليمها صحيحة.
وجاء في المجلة (م632) :
لا تجري النيابة في العقوبات , بناء عليه , لا تصح الكفالة بالقصاص وسائر
العقوبات والمجازات الشخصية , ولكن تصح الكفالة بالأرش والدية اللذين
يلزمان الجارح والقاتل.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية عند الحنابلة (م1130) :
لا تصح الكفالة ببدن من عليه قصاص أوحد أو تعزير لإقامة الحد أو التعزير ,
أما إذا كفله لغرم السرقة أو لأجل الدية الواجبة بالعفو عن القصاص صح.
وقال النووي في المنهاج وشرحه مغني المحتاج (2 / 203 - 204) :
والمذهب صحة الكفالة ببدن من عليه عقوبة لآدمي كقصاص وحد قذف , ومنعها في
حدود الله تعالى.
صيغة الكفالة
اتفق الفقهاء على أن الكفالة لا تنعقد بغير الإيجاب بصيغة تدل على الالتزام
, ولا يجوز أن يشرط الكفيل الخيار لنفسه. أما القبول فهو ليس بشرط عند
الجمهور خلافا لما ذهب إليه أبو حنيفة من اشتراط إيجاب من الكفيل وقبول من
المكفول له.
وقد تكون الكفالة منجزة أي تترتب آثارها في الحال بمجرد وجود الصيغة
مستوفاة شروطها , كما قد تكون معلقة , أو مضافة إلى زمن مستقبل. وأجاز
الحنفية خلافا للشافعية تعليق الكفالة بشرط ملائم لمقتضى العقد , كما
أجازوا إضافتها لوقت في المستقبل معلوم أو مجهول جهالة غير فاحشة.
وقد ذكر الفقهاء أن الكفالة تصح مطلقة غير مقيدة بحسب حال الدين , وتصح
مقيدة بوصف التأجيل أو بوصف الحلول أي يصح ضمان الدين الحال مؤجلا وضمان
الدين المؤجل حالا , لأن الضمان تبرع , والحاجة تدعو إليه , فيصح على حسب
ما التزم به الضامن سواء كان أجل الكفالة مماثلا لأجل الدين أو أزيد منه أو
أنقص.
الإيجاب والقبول
الأصل في التصرفات الشرعية أن تتم بإيجاب وقبول , ولهذا ذهب أبو حنيفة
ومحمد - وهو رأي عند الشافعية - إلى أن صيغة الكفالة تتركب من إيجاب يصدر
من الكفيل وقبول يصدر عن المكفول له , لأن الكفالة عقد يملك به المكفول له
حق مطالبة الكفيل أو حقا ثبت في ذمته فوجب قبوله.
ويترتب على ذلك أن الكفالة لا تتم بعبارة الكفيل وحده سواء كانت الكفالة
بالنفس أو بالمال بل لا بد من قبول المكفول له.
وذهب أبو يوسف والمالكية , والحنابلة , وهو الأصح عند الشافعية: إلى أن
صيغة الكفالة تتم بإيجاب الكفيل وحده , ولا تتوقف على قبول المكفول له ,
لأن الكفالة مجرد التزام من الكفيل بأداء الدين , لا معاوضة فيه , بل هو
تبرع ينشأ بعبارته وحده , فيكفى فيه إيجاب الكفيل.
وإيجاب الكفيل يتحقق بكل لفظ يفهم منه التعهد والالتزام والضمان صراحة أو
ضمنا , كما يتحقق بكل تعبير عن الإرادة يؤدى هذا المعنى.
وأما رضا المكفول عنه , أي الأصيل , فلا يشترط باتفاق العلماء , لأن قضاء
دين الغير بغير إذنه جائز , فالتزامه أولى ولأنه يصح الضمان عن الميت
اتفاقا ما عدا أبا حنيفة وإن لم يترك وفاء لديه , بأن كان مفلسا.
الخيار في الكفالة
لا يجوز اشتراط الكفيل الخيار لنفسه , لأن الكفالة عقد لازم , لا يناسبها
الخيار وهذا ما صرح به فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة , وغيرهم , فإنهم
قالوا: لا يثبت في الضمان والكفالة خيار لأن الخيار لدفع الغبن , وطلب الحظ
, أي جعل ليعرف ما فيه الحظ , والضمين والكفيل على بصيرة أنه مغبون ولا حظ
لهما.
ولهذا يقال (الكفالة أولها شهامة وأوسطها ملامة , وآخرها غرامة) ولأنه عقد
لا يفتقر إلى القبول , فلم يدخله خيار كالنذر.
قال ابن قدامة وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لا نعلم عن أحد خلافهم.
وقال أبو حنيفة إذا اشترط الكفيل الخيار في الضمان صح الضمان وبطل الشرط.
الكفالة المعلقة
الكفالة المعلقة هي التي يعلق وجودها على وجود شيء آخر.
وقد ذهب الحنفية والمالكية وفي رواية عند الحنابلة إلى أن الكفالة تكون
صحيحة إذا علقت على الشروط الملائمة ولا تكون صحيحة إذا علقت على شرط غير
ملائم , بينما منع الشافعية تعليق الكفالة بشرط.
والشرط الملائم عند الحنفية هو:
- الشرط الذي يكون سببا لوجوب الحق , كقول الكفيل للمشترى: أنا كفيل لك
بالثمن إذا استحق المبيع.
- أو الشرط الذي يكون سببا لإمكان الاستيفاء , كقول الكفيل للدائن: إذا قدم
فلان (أي المكفول عنه) فأنا كفيل بدينك عليه.
- أو الشرط الذي يكون سببا لتعذر الاستيفاء , كقول الكفيل للدائن: إن غاب
فلان (أي المدين) عن البلدة فأنا كفيل بالدين.
- كما ذهب الحنفية إلى صحة الكفالة المعلقة بشرط جرى به العرف , كما لو قال
الكفيل: إن لم يؤد فلان ما لك عليه من دين إلى ستة أشهر فأنا له ضامن.
أما إذا علقت الكفالة على شرط غير ملائم , كقوله: إن هبت الريح أو إن نزل
المطر أو إن دخلت الدار فأنا كفيل , فلا تصح الكفالة لأن تعليق الكفالة على
شرط غير ملائم لا يظهر فيه غرض صحيح. ومع ذلك فقد ذهب بعض فقهاء المذهب
الحنفي إلى صحة الكفالة فتثبت حالة ويلغو التعليق.
وخلافا لما ذهب إليه الجمهور من الأخذ بجواز تعليق الكفالة بالشرط الملائم
, وهو ما يساعد الكفيل المتبرع بأن يكون على بينة من أمره فلا يلتزم ولا
يتحمل أكثر مما يطيقه. فقد منع الشافعية تعليق الضمان والكفالة سواء أكان
الشرط المعلق عليه ملائما أم كان غير ملائم , لأن كلا من الضمان والكفالة
عقد كالبيع , وهو لا يجوز تعليقه بالشرط.
الكفالة المضافة
ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز إضافة الكفالة بالمال إلى أجل مستقبل كأن يقول
الكفيل: أنا ضامن لك هذا المال أو هذا الدين ابتداء من أول الشهر القادم.
وفي هذه الحالة لا يكون كفيلا إلا في ذلك الوقت , أما قبله فلا يعد كفيلا
ولا يطالب بالمال.
أما عند الشافعية فلا يجوز ذلك سواء كان الأجل معلوما أو مجهولا.
والكفالة المضافة عند الجمهور تجوز إذا كان التأجيل إلى وقت معلوم أو مجهول
جهالة غير فاحشة كإضافة الكفالة إلى الحصاد أو إلى مهرجان أو غيره مما هو
متعارف بين الناس لأن هذه الجهالة ليست فاحشة فتتحملها الكفالة.
أما إن لم يكن الأجل متعارفا بين الناس , كالتأجيل إلى مجيء المطر , أو
هبوب الريح , فالأجل باطل لأنه ليس من الآجال المتعارفة أو المنضبطة أما
الكفالة فهي صحيحة وتكون منجزة.
الكفالة المقيدة
الكفالة المطلقة جائزة وفقا لشروطها المشروعة وهي لا تتقيد إلا بوصف الدين
أي أنها تلزم بما يتصف به ذلك الدين من الحلول أو التأجيل:
- فإن كان الدين المكفول حالا , كانت الكفالة حالا.
- وإن كان الدين المكفول مؤجلا , كانت الكفالة مؤجلة.
ولكن قد تتقيد الكفالة إما بوصف التأجيل أو بوصف الحلول على النحو التالي:
تقيد الكفالة بوصف التأجيل:
يكون الدين المكفول هنا حالا , وتضاف كفالته إلى زمن مستقبل مؤجل. وذلك كأن
يقول الكفيل للدائن: كفلت لك دينك الذي على فلان ابتداء من أول الشهر
الآتي. وهذا جائز باتفاق الفقهاء بدليل ما ثبت في السنة من حمالة الرسول
صلى الله عليه وسلم لدين حال مؤجلا شهرا.
وفي هذه الحالة لا يكون للكفالة أثر إلا عند الزمن المؤجل (من أول الشهر
الآتي) فيتأجل الدين بالنسبة إلى الكفيل وحده بسبب إضافة الكفالة. أما
بالنسبة إلى المدين الأصيل فلا يتغير وصف الدين بل يظل حالا.
وقيل يكون التأجيل في حق الاثنين معا إذا كان التأجيل في نفس العقد لأن
الأجل صفة للدين , والدين واحد.
تقيد الكفالة بوصف الحلول:
يكون الدين المكفول هنا مؤجلا إلى أجل معلوم كشهر أو سنة , وتنعقد الكفالة
حالا أي يتبرع الكفيل بتعجيل الدين. وقد ذكر الفقهاء أنه يجوز أن يكون أجل
الكفالة مماثلا لأجل الدين أو أزيد منه أو أنقص لأن المطالبة بالدين حق
الدائن المكفول له , فله أن يتفق مع الكفيل والمدين على ما يشاء.
ولكن يرى جمهور الفقهاء أن الكفيل هنا لا يلزمه الوفاء بالتعجيل كما لا
يلزم الأصيل أي أن الكفالة لا تجعل المؤجل حالا.
جاء في مرشد الحيران (م822)
لا تصح الكفالة بإيجاب الكفيل وحده ما لم يقبل الطالب أو نائبه ولو فضوليا
في مجلس العقد.
وجاء في المجلة (م621) :
تنعقد الكفالة وتنفذ بإيجاب الكفيل فقط , وهذا مطابق لنص المادة (1127) من
مجلة الأحكام الشرعية عند الحنابلة.
المغني (5 / 94 - 95)
لا يدخل الضمان والكفالة خيار , لأن الخيار جعل ليعرف ما فيه الحظ ,
والضمين والكفيل على بصيرة أنه لا حظ لهما ولأنه عقد لا يفتقر إلى القبول ,
فلم يدخله خيار كالنذر. وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لا نعلم عن أحد
خلافهم.
فإن شرط الخيار فيهما فقال القاضي: عندي أن الكفالة تبطل , وهو مذهب
الشافعي لأنه شرط ما ينافي مقتضاها ففسدت , كما لو شرط ألا يؤدي ما على
المكفول به , وذلك لأن مقتضى الضمان والكفالة لزوم ما ضمنه أو كفل به ,
والخيار ينافي ذلك ويحتمل أن يبطل الشرط وتصح الكفالة.
وقال النووي في روضة الطالبين (4 / 260)
لو شرط الضامن أو الكفيل الخيار لنفسه , لم يصح الضمان , فلو شرط للمضمون
له , لم يضر , لأن الخيار في المطالبة , والإبراء له أبدا.
الكاساني في البدائع (6 / 3 - 5)
عبارته تصور تماما ما ذكرته في الأحوال الأربعة.
ابن قدامة في المغني (4 / 544) :
(حول تأجيل الدين الحال في الكفالة)
إذا ضمن الدين الحال مؤجلا , صح , ويكون حالا على المضمون عنه , مؤجلا على
الضامن , يملك مطالبة المضمون عنه دون الضامن. وبهذا قال الشافعي. قال أحمد
في رجل ضمن ما على فلان أن يؤديه في ثلاث سنين , فهو عليه , ويؤديه كما ضمن
, ووجه ذلك: ما روى ابن عباس أن رجلا لزم غريما له بعشرة دنانير على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال: ما عندي شيء أعطيكه. فقال: والله لا
أفارقنك حتى تقضيني أو تأتيني بحميل , فجره إلى النبي صلى الله عليه وسلم ,
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كم تستنظره ,؟ قال: شهرا , قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأنا أحمل. فجاء في الوقت الذي قال النبي صلى الله
عليه وسلم , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أين أصبت هذا؟ قال: من معدن
, قال: لا خير فيها , وقضاها عنه. رواه ابن ماجة في سننه , ولأنه ضمن مالا
بعقد مؤجل فكان مؤجلا كالبيع.
وأضاف ابن قدامة في المغني (6 / 558) :
تصح الكفالة حالة ومؤجلة , كما يصح الضمان حالا ومؤجلا , إذا أطلق كانت
حالة , لأن كل عقد يدخله الحلول , اقتضى كالثمن الضمان فإذا تكفل حالا كان
له مطالبته بإحضاره , فإن أحضره وهناك يد حائلة ظالمة , لم يبرأ منه , ولم
يلزم المكفول له تسلمه , لأنه لا يحصل له غرضه وأن لم تكن يد حائلة , لزمه
قبوله , فإن قبله برئ من الكفالة.
وفي ص (560) : /50 وان كفل إلى أجل مجهول لم تصح الكفالة , وبهذا قال
الشافعي لأنه ليس له وقت يستحق مطالبته فيه , وهكذا الضمان وان جعله إلى
الحصاد والجذاذ والعطاء , خرج على الوجهين في البيع , والأولى صحتها هنا ,
لأنه تبرع من غير عوض , جعل له أجلا , لا يمنع من حصول المقصود منه , فصح
كالنذر. وهكذا كل مجهول لا يمنع مقصود الكفالة.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية الحنبلية (م1032) :
لا تصح الكفالة إلى أجل مجهول جهالة فاحشة كمجيء المطر وهبوب الريح , أما
إلى الحصاد والجذاذ وقدوم الحاج مما لا يمنع مقصود الكفالة فتصح.
وفي ص (545) : /50 وإذا ضمن دينا مؤجلا عن إنسان فمات أحدهما , إما الضامن
وإما المضمون عنه , فهل يحل الدين على الميت منهما؟ على روايتين , رجح أن
الدين لا يحل. وقال البهوتي في كشاف القناع (3 / 361 - 362) مؤيدا هذا
الترجيح: إن قضى الضامن الدين المؤجل قبل أجله لم يرجع على المضمون عنه حتى
يحل أجله , لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ولأنه متبرع بالتعجيل , فلم
يرجع قبل الأجل , كما لو قضاه أكثر من الدين. وان مات المضمون عنه أو
الضامن , لم يحل الدين , لأن التأجيل حق من حقوق الميت , فلم يبطل بموته
كسائر حقوقه وإن مات الضامن والمضمون عنه فكذلك , أي لم يحل الدين , لما
تقدم.
وجاء في المهذب (1 / 341) :
ويجوز أن يضمن الدين الحال إلى أجل , لأنه رفق ومعروف , فكان على حسب ما
يدخل فيه , وهل يجوز أن يضمن المؤجل حالا؟ فيه وجهان -
أحدهما: يجوز كما يجوز أن يضمن الحال مؤجلا ,
والثاني: لا يجوز , لأن الضمان فرع لما على المضمون عنه , فلا يجوز أن يكون
الفرع معجلا والأصل مؤجلا.
وقال العلامة خليل وشارحه الدردير في الشرح الكبير (3 / 331 - 332) :
وصح ضمان الدين المؤجل حالا على الضامن وان كان الدين مما يعجل , أي يجوز
تعجيله , وهو العين مطلقا والعرض والطعام من قرض لا من بيع , لما فيه من
حفظ الضمان وأزيدك , ويجوز عكسه: وهو ضمان الحال مؤجلا بشرطين:
أحدهما: أن يكون الغريم الذي عليه الدين موسرا حتى لا يقع في سلف جر نفعا.
والثاني: أن يكون الغريم معسرا واستمر عسره إلى انقضاء الأجل , حتى لا يحصل
سلف بتأخيره , لوجوب انتظار المعسر.
وجاء في مرشد الحيران (م828) :
يصح أن تكون الكفالة منجزة أو مضافة إلى زمن مستقبل أو معلقة بشرط ملائم ,
بأن يكون شرطا لوجوب الحق أو لإمكان الاستيفاء أو لتعذره.
وفي مجلة الأحكام الشرعية عند الحنابلة (م1152) :
يصح تعليق الكفالة بشرط وتوقيتها , مثلا: لو قال: إذا قدم الحاج فأنا كفيل
بفلان , أو أنا كفيل بزيد شهرا , صح , ويطالب به إذا وجد الشرط في الصورة
الأولى , وفي داخل الشهر في الصورة الثانية , ويبرأ بمضي الشهر إذا لم
يطالبه فيه.
شروط الكفيل
يشترط جمهور الفقهاء رضا الكفيل لأن العقد لا ينعقد إلا بإيجاب منه
كما يشترط فيه أن يكون أهلا للتبرع وذلك بأن يكون عاقلا , بالغا , حرا ,
لأن الكفالة بالاتفاق تبرع محض , لا مصلحة فيها للكفيل.
يشترط كون الكفيل أهلا للتبرع بأن يكون
عاقلا بالغا حرا.
فلا تنعقد كفالة الصغير والمجنون والمعتوه والمبرشم الذي يهذي , لأن
الكفالة عقد تبرع بالتزام المال , فلا تنعقد ممن ليس أهلا للتبرع وهذا شرط
متفق عليه , وهو المعبر عنه بالرشد , أي صلاح المال عند الجمهور , وصلاح
الدين والمال عند الشافعية , لأن الكفالة تصرف مالي.
فلا تصح الكفالة من مجنون وصبي , ولو كان مميزا , ومحجورا عليه بسفه , وإن
أذن الولي عند الجمهور لعدم رشدهم , ولأن الضمان التزام مال لا فائدة له
فيه , فلم يصح منه , كالتبرع والنذر , بخلاف البيع وقال القاضي أبو يعلى
تصح كفالة السفيه المحجور عليه ويتبع لها بعد فك الحجر عنه , أي فهو شرط
نفاذ , لا شرط انعقاد لأن من أصول الحنابلة أن إقراره صحيح يتبع به بعد فك
الحجر عنه , فكذلك ضمانه.
ورأي الجمهور أولى , لأن الضمان إيجاب مال بعقد , فلم يصح من المحجور عليه
لسفه كالبيع والشراء ولا يشبه الإقرار , لأنه إخبار بحق سابق.
وقال الرافعي من الشافعية وفي رواية عند الحنابلة: تصح كفالة الصبي المميز
مع إذن الولي وهي خلاف الصحيح من المذهب , ولا تقاس على البيع , لأن الضمان
غرر كله بلا مصلحة.
أما المحجور عليه لفلس فيصح ضمانه ويتبع به بعد فك الحجر عنه , لأنه من أهل
التصرف , والحجر عليه في ماله , لا في ذمته , فأشبه الراهن , فيصح تصرفه
فيما عدا الرهن , فهو كما لو اقترض أو أقر أو اشترى في ذمته فعدم الحجر
لفلس شرط نفاذ لا شرط انعقاد.
وأما الحرية: فهي شرط نفاذ للتصرف فلا تجوز كفالة العبد , لأنها تبرع ,
والعبد لا يملك التبرع بدون إذن سيده ولكن الكفالة تنعقد , حتى إن العبد
يطالب بموجبها بعد عتقه. والآن لا رق يبحه الإسلام , كما أفتى مجمع البحوث
الإسلامية.
وأما المريض مرض الموت: فحكم ضمانه حكم تبرعه لا يصح فيما يزيد عن ثلث ماله
, إلا بإجازة الوارث.
وأما المرأة: فتصح كفالتها كالرجل عند الجمهور وانفرد المالكية بالقول بأن:
- المرأة ذات الزوج تصح كفالتها في حدود الثلث فقط , ولا تنفذ فيما زاد عن
الثلث إلا إذا كانت الزيادة يسيرة كالدينار أو الشيء الخفيف إلا بإجازة
الزوج , فلا تلزم كفالتها حينئذ وان صحت , لأن في الزيادة على الثلث إضرارا
بالزوج فلا تصح الكفالة إلا إذا كانت بموافقة الزوج نفسه , وكانت مرضية في
تصرفها , غير سفيهة في حالها.
- وفي حال الزيادة اليسيرة تنفذ , لأنه يعلم أنها لم ترد به الضرر. وتصح
كفالتها عن زوجها وإن بلغت جميع مالها بإذنه. وهذا كله مبني عندهم على أن
المرأة محجورة في تصرفها بمالها.
قال في المغني (4 / 537) :
من أحكام الكفالة: صحة الضمان عن كل من وجب عليه حق , حيا كان أو ميتا ,
مليئا أو مفلسا , لعموم لفظه فيه , وهذا قول أكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة لا يصح ضمان دين الميت إلا أن يخلف وفاء , فإن خلف بعض
الوفاء , صح ضمانه بقدر ما خلف , لأنه دين ساقط فلم يصح ضمانه , كما لو سقط
بالإبراء ولأن ذمته قد خربت خرابا لا تعمر بعده , فلم يبق فيها دين ,
والضمان: ضم ذمة إلى ذمة في التزامه.
ولنا: حديث أبي قتادة وعلي فإنهما ضمنا دين ميت لم يخلف وفاء , والنبي صلى
الله عليه وسلم حضهم على ضمانه في حديث أبى قتادة بقوله: ألا قام أحدكم
فضمنه؟ وهذا صريح في المسألة ولأنه دين ثابت , فصح ضمانه , كما لو خلف وفاء
ودليل ثبوته: أنه لو تبرع رجل بقضاء دينه جاز لصاحب الدين اقتضاؤه. ولو
ضمنه حيا ثم مات , لم تبرأ ذمة الضامن. ولو برئت ذمة المضمون عنه , برئت
ذمة الضامن , وفي هذا انفصال عما ذكروه.
قال ابن قدامة في المغني (4 / 562)
تفتقر صحة الكفالة إلى رضا الكفيل , لأنه لا يلزمه الحق ابتداء إلا برضاه.
ولا يعتبر رضا المكفول له , لأنها وثيقة له , لا قبض فيها , فصحت من غير
رضاه فيها , كالشهادة ولأنها التزام حق له من غير عوض , فلم يعتبر رضاه
فيها كالنذر.
قال الشيرازي في المهذب (1 / 340)
يصح الضمان من غير رضا المضمون عنه , لأنه لما جاز قضاء دينه من غير رضاه ,
جاز ضمان ما عليه من غير رضاه.
وقال البهوتي في كشاف القناع (3 / 354)
ولا يصح الضمان إلا برضا الضامن , فلا يصح ضمان المكره , لأنه التزام مال ,
فلم يصح بغير رضا الملتزم كالنذر. ولا يعتبر لصحة الضمان رضا المضمون له ,
لأن أبا قتادة ضمن الميت بغير رضا المضمون له , وأقره الشارع صلى الله عليه
وسلم ولا يعتبر أيضا رضا المضمون عنه , قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه ,
لحديث أبي قتادة ولأنه لو قضى الدين عنه بغير إذنه ورضاه صح , فكذا إذا ضمن
عنه ولا يعتبر أيضا معرفة الضامن لهما , أي للمضمون له والمضمون عنه , لأنه
لا يعتبر رضاهما , فكذا معرفتهما.
الكاساني في البدائع (6 / 6 - 7)
يشترط في المكفول له أن يكون معلوما , وأن يكون في مجلس العقد , وهو شرط
الانعقاد عند أبي حنيفة ومحمد إذا لم يقبل عنه حاضر في المجلس , وتفريع على
مذهبهما أن يكون عاقلا , فلا يصح قبول المجنون والصبي الذي لا يعقل ,
لأنهما ليسا من أهل القبول , ولا يجوز قبول وليهما عنهما , لأن القبول
يعتبر ممن وقع له الإيجاب , ومن وقع له الإيجاب ليس من أهل القبول , ومن
قبل , لم يقع الإيجاب له , فلا يعتبر قبوله. وأما حرية المكفول له فليست
شرطا , لأن العبد من أهل القبول.
وقال في الدر المختار (4 / 278) :
ولا تصح الكفالة بجهالة المكفول عنه ولا بجهالة المكفول له.
قال الحطاب في مواهب الجليل (5 / 100)
ولا يشترط معرفة المضمون له.
قال النووي في المنهاج وشارحه الشربيني الخطيب في مغني المحتاج (2 / 200)
والأصح اشتراط معرفة المضمون له: وهو مستحق الدين لتفاوت الناس في استيفاء
الدين تشديدا وتسهيلا , وأفتى ابن الصلاح وغيره بأن معرفة وكيل المضمون له
كمعرفته وأنه لا يشترط قبوله ورضاه , ولا يشترط رضا المضمون عنه (وهو
المدين) قطعا ولا معرفته في الأصح.
وقال ابن قدامة في المغني (5 / 535)
ولا يعتبر أن يعرفهما (المضمون عنه وله) الضامن وقال القاضي أبو يعلى يعتبر
معرفتهما , ليعلم هل المضمون عنه أهل لاصطناع المعروف إليه أو لا؟ وليعرف
المضمون له , فيؤدى إليه. وذكر وجها آخر. أنه تعتبر معرفة المضمون له لذلك
, ولا تعتبر معرفة المضمون عنه , لأنه لا معاملة بينه وبينه , ولأصحاب
الشافعي ثلاثة أوجه نحو هذه.
وقال المنهاجي في جواهر العقود (1 / 181)
وأما ضمان المال: فإنه يجوز بثلاثة شرائط: أن يعلم لمن هو , وكم هو , وعلى
من هو؟
وذكر ابن العربي في أحكام القرآن (3 / 1085)
في جهالة المضمون له: قال علماؤنا: هي جائزة , وتجوز عندهم أيضا مع جهالة
الشيء المضمون أو كليهما. ومن العجب أن أبا حنيفة والشافعي اتفقا على أنه
لا تجوز الكفالة مع جهالة المكفول له وادعى أصحاب أبي حنيفة أن هذا الخبر:
{ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} منسوخ من الآية خاصة.
شروط الأصيل
لا خلاف بين الفقهاء في عدم اشتراط رضا الأصيل المكفول عنه لأن قضاء دينه
بغير إذنه جائز , فكفالته أولى كما قال الفقهاء.
ولكن اشترط أبو حنيفة شرطين في المدين الأصيل: معرفته , وقدرته على تسليم
المكفول به.
ولم يوافقه أكثر الفقهاء , بل إنهم أجازوا أن يكون المكفول عنه مجهولا كما
أجازوا كفالة الدين عن الميت المفلس.
لا خلاف بين الفقهاء في عدم اشتراط رضا
الأصيل المكفول عنه لأن قضاء دينه بغير إذنه جائز , فكفالته أولى كما قال
الفقهاء. ولكن اختلف الفقهاء في مدى حق الكفيل في الرجوع على المكفول عنه
إذا كفله بغير إذنه.
وبالرغم من إجماع الأئمة على عدم اشتراط رضا المكفول عنه , فإنهم اختلفوا
في موضعين هما: معرفته , وقدرته على تسليم المكفول به.
شرط معرفة المكفول عنه:
- اشترط الحنفية والقاضي أبو يعلى من الحنابلة أن يكون الأصيل معروفا عند
الكفيل , فإذا قال الكفيل: كفلت ما على أحد من الناس , لا تصح الكفالة ,
لأن الناس لم يتعارفوا ذلك. ولأن اشتراط هذا الشرط إنما هو لأجل معرفة
المكفول عنه: هل هو موسر أو ممن يبادر إلى قضاء دينه أو يستحق اصطناع
المعروف أو لا.
ولا يشترط حضرة الأصيل , فتجوز الكفالة عن غائب أو محبوس , لأن الحاجة إلى
الكفالة في الغالب تظهر في مثل هذه الأحوال.
وقال الشافعية والحنابلة: الأصح أنه لا يشترط معرفة المكفول عنه , قياسا
على رضاه , فإنه ليس بشرط. وأما اصطناع المعروف , فهو معروف , سواء أكان
لأهله أم لغير أهله.
شرط قدرة المكفول عنه على تسليم المكفول به:
هذا الشرط خاص عند أبي حنيفة وهو أن يكون الأصيل قادرا على تسليم المكفول
به , إما بنفسه وإما بنائبه. فلا تصح الكفالة عنده بالدين عن ميت مفلس مات
ولم يترك وفاء لدينه , لأنه دين ساقط , فلم يصح ضمانه , كما لو سقط
بالإبراء ولأن ذمة الميت قد زالت بالموت , فلم يبق فيها دين والضمان عنده:
ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة به.
وذهب الصاحبان وجمهور الفقهاء: إلى أنه يصح ضمان الدين عن الميت المفلس ,
بدليل حديث أبي قتادة السابق ذكره , فإنه ضمن دين ميت لم يترك شيئا لوفاء
دينه , والنبي صلى الله عليه وسلم حض الصحابة على ضمان دين الميت في حديث
أبي قتادة بقوله: ألا قام أحدكم فضمنه؟ ولأن دين الميت دين ثابت , فصح
ضمانه كما لو خلف وفاء لدينه.
والدليل على ثبوت هذا الدين: أنه لو تبرع رجل بقضائه , جاز لصاحب الدين
اقتضاؤه , وكذا لو ضمنه حيا , ثم مات , لم تبرأ ذمة الضامن , مما يدل على
أنه لم تبرأ ذمة المضمون عنه.
قال في المغني (4 / 537) :
من أحكام الكفالة: صحة الضمان عن كل من وجب عليه حق , حيا كان أو ميتا ,
مليئا أو مفلسا , لعموم لفظه فيه , وهذا قول أكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة لا يصح ضمان دين الميت إلا أن يخلف وفاء , فإن خلف بعض
الوفاء , صح ضمانه بقدر ما خلف , لأنه دين ساقط فلم يصح ضمانه , كما لو سقط
بالإبراء ولأن ذمته قد خربت خرابا لا تعمر بعده , فلم يبق فيها دين ,
والضمان: ضم ذمة إلى ذمة في التزامه.
ولنا: حديث أبي قتادة وعلي فإنهما ضمنا دين ميت لم يخلف وفاء , والنبي صلى
الله عليه وسلم حضهم على ضمانه في حديث أبى قتادة بقوله: ألا قام أحدكم
فضمنه؟ وهذا صريح في المسألة ولأنه دين ثابت , فصح ضمانه , كما لو خلف وفاء
ودليل ثبوته: أنه لو تبرع رجل بقضاء دينه جاز لصاحب الدين اقتضاؤه. ولو
ضمنه حيا ثم مات , لم تبرأ ذمة الضامن. ولو برئت ذمة المضمون عنه , برئت
ذمة الضامن , وفي هذا انفصال عما ذكروه.
قال ابن قدامة في المغني (4 / 562)
تفتقر صحة الكفالة إلى رضا الكفيل , لأنه لا يلزمه الحق ابتداء إلا برضاه.
ولا يعتبر رضا المكفول له , لأنها وثيقة له , لا قبض فيها , فصحت من غير
رضاه فيها , كالشهادة ولأنها التزام حق له من غير عوض , فلم يعتبر رضاه
فيها كالنذر.
قال الشيرازي في المهذب (1 / 340)
يصح الضمان من غير رضا المضمون عنه , لأنه لما جاز قضاء دينه من غير رضاه ,
جاز ضمان ما عليه من غير رضاه.
وقال البهوتي في كشاف القناع (3 / 354)
ولا يصح الضمان إلا برضا الضامن , فلا يصح ضمان المكره , لأنه التزام مال ,
فلم يصح بغير رضا الملتزم كالنذر. ولا يعتبر لصحة الضمان رضا المضمون له ,
لأن أبا قتادة ضمن الميت بغير رضا المضمون له , وأقره الشارع صلى الله عليه
وسلم ولا يعتبر أيضا رضا المضمون عنه , قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه ,
لحديث أبي قتادة ولأنه لو قضى الدين عنه بغير إذنه ورضاه صح , فكذا إذا ضمن
عنه ولا يعتبر أيضا معرفة الضامن لهما , أي للمضمون له والمضمون عنه , لأنه
لا يعتبر رضاهما , فكذا معرفتهما.
الكاساني في البدائع (6 / 6 - 7)
يشترط في المكفول له أن يكون معلوما , وأن يكون في مجلس العقد , وهو شرط
الانعقاد عند أبي حنيفة ومحمد إذا لم يقبل عنه حاضر في المجلس , وتفريع على
مذهبهما أن يكون عاقلا , فلا يصح قبول المجنون والصبي الذي لا يعقل ,
لأنهما ليسا من أهل القبول , ولا يجوز قبول وليهما عنهما , لأن القبول
يعتبر ممن وقع له الإيجاب , ومن وقع له الإيجاب ليس من أهل القبول , ومن
قبل , لم يقع الإيجاب له , فلا يعتبر قبوله. وأما حرية المكفول له فليست
شرطا , لأن العبد من أهل القبول.
وقال في الدر المختار (4 / 278) :
ولا تصح الكفالة بجهالة المكفول عنه ولا بجهالة المكفول له.
قال الحطاب في مواهب الجليل (5 / 100)
ولا يشترط معرفة المضمون له.
قال النووي في المنهاج وشارحه الشربيني الخطيب في مغني المحتاج (2 / 200)
والأصح اشتراط معرفة المضمون له: وهو مستحق الدين لتفاوت الناس في استيفاء
الدين تشديدا وتسهيلا , وأفتى ابن الصلاح وغيره بأن معرفة وكيل المضمون له
كمعرفته وأنه لا يشترط قبوله ورضاه , ولا يشترط رضا المضمون عنه (وهو
المدين) قطعا ولا معرفته في الأصح.
وقال ابن قدامة في المغني (5 / 535)
ولا يعتبر أن يعرفهما (المضمون عنه وله) الضامن وقال القاضي أبو يعلى يعتبر
معرفتهما , ليعلم هل المضمون عنه أهل لاصطناع المعروف إليه أو لا؟ وليعرف
المضمون له , فيؤدى إليه. وذكر وجها آخر. أنه تعتبر معرفة المضمون له لذلك
, ولا تعتبر معرفة المضمون عنه , لأنه لا معاملة بينه وبينه , ولأصحاب
الشافعي ثلاثة أوجه نحو هذه.
وقال المنهاجي في جواهر العقود (1 / 181)
وأما ضمان المال: فإنه يجوز بثلاثة شرائط: أن يعلم لمن هو , وكم هو , وعلى
من هو؟
وذكر ابن العربي في أحكام القرآن (3 / 1085)
في جهالة المضمون له: قال علماؤنا: هي جائزة , وتجوز عندهم أيضا مع جهالة
الشيء المضمون أو كليهما. ومن العجب أن أبا حنيفة والشافعي اتفقا على أنه
لا تجوز الكفالة مع جهالة المكفول له وادعى أصحاب أبي حنيفة أن هذا الخبر:
{ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} منسوخ من الآية خاصة.
شروط المكفول له
لم يشترط جمهور الفقهاء - خلافا للحنفية على وجه الخصوص - رضا المكفول له
بالكفالة وقبوله لها كما لم يشترطوا فيه البلوغ والعقل , وكذلك وجوب معرفته
من قبل الكفيل.
أن يكون المكفول له معلوما للكفيل:
اشترط الحنفية في المكفول له وهو الدائن أن يكون معلوما للكفيل سواء كانت
الكفالة منجزة أو معلقة أو مضافة. فإن كان مجهولا , كما لو قال: أنا كفيل
بما يحصل من هذا الدلال من ضرر على الناس , لم تصح الكفالة. ذلك أنه إذا
كان المكفول له مجهولا , لا يتحقق المقصود من الكفالة , وهو التوثق.
وهذا موافق لمذهب الشافعية في الأصح عندهم , لأن مستحقي الدين يتفاوتون
عادة في استيفاء الدين تشديدا وتسهيلا , وليعلم الضامن هل المكفول له هو
أهل لإسداء الجميل إليه أم لا.
وأجاز المالكية والحنابلة الضمان مع جهالة المكفول له. فإذا قال الضامن:
أنا ضامن الدين الذي على زيد للناس - وهو لا يعرف عين من له الدين -
فالكفالة صحيحة هنا لما ثبت في السنة (أن أبا قتادة كفل دين الميت دون أن
يعرف المكفول له) .
ودليل ذلك أيضا في قوله تعالى: {نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا
به زعيم} (يوسف 72) لأن المنادي لم يكن مالكا , وإنما كان نائبا عن يوسف
عليه السلام فشرط حمل البعير على يوسف عليه السلام لمن جاء بالصواع , وتحمل
هو به عن يوسف.
أن يكون المكفول له حاضرا في مجلس العقد:
وهذا شرط انعقاد عند أبي حنيفة ومحمد إذا لم يكن هناك نائب عن المكفول له
يقبل الكفالة في المجلس فلو كفل إنسان الغائب عن المجلس , فبلغه الخبر ,
فأجاز , لا تجوز الكفالة عندها إذا لم يقبل عنه حاضر في المجلس , ودليلهما:
أن في الكفالة معنى التمليك , أي تمليك المطالبة من الطالب , والتمليك لا
يحصل إلا بالإيجاب والقبول , فلا بد من توافره لإتمام صيغة العقد ,
والموجود شطر العقد , فلا يتوقف على ما وراء مجلس العقد.
وعن أبي يوسف روايتان , والقول المتأخر عنه: أن الكفالة عن الغائب تجوز لأن
معنى الكفالة , وهو الضم والالتزام يتم بإيجاب الكفيل , فكان إيجابه صالحا
وحده لإتمام العقد وهذا الرأي هو رأي جمهور الفقهاء القائلين بأن الكفالة
تنعقد بإرادة منفردة , أي بالإيجاب وحده.
أن يكون المكفول له عاقلا
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ومعهم أبو يوسف إلى عدم
اشتراط البلوغ والعقل في المكفول له لأن الكفالة تنعقد بإيجاب الكفيل دون
حاجة إلى قبول المكفول له , فلا يلزم أن يكون أهلا للقبول.
وذهب أبو حنيفة ومحمد - وهو رأي عند الشافعية - إلى اشتراط أن يكون المكفول
له بالغا عاقلا , لأن الكفالة تحتاج إلى إيجاب من الكفيل وقبول من المكفول
له. ويجوز قبول الصبي المميز والسفيه , لأن ضمان حقه نفع محض , فلا يتوقف
على إجازة وليهما.
قال في المغني (4 / 537) :
من أحكام الكفالة: صحة الضمان عن كل من وجب عليه حق , حيا كان أو ميتا ,
مليئا أو مفلسا , لعموم لفظه فيه , وهذا قول أكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة لا يصح ضمان دين الميت إلا أن يخلف وفاء , فإن خلف بعض
الوفاء , صح ضمانه بقدر ما خلف , لأنه دين ساقط فلم يصح ضمانه , كما لو سقط
بالإبراء ولأن ذمته قد خربت خرابا لا تعمر بعده , فلم يبق فيها دين ,
والضمان: ضم ذمة إلى ذمة في التزامه.
ولنا: حديث أبي قتادة وعلي فإنهما ضمنا دين ميت لم يخلف وفاء , والنبي صلى
الله عليه وسلم حضهم على ضمانه في حديث أبى قتادة بقوله: ألا قام أحدكم
فضمنه؟ وهذا صريح في المسألة ولأنه دين ثابت , فصح ضمانه , كما لو خلف وفاء
ودليل ثبوته: أنه لو تبرع رجل بقضاء دينه جاز لصاحب الدين اقتضاؤه. ولو
ضمنه حيا ثم مات , لم تبرأ ذمة الضامن. ولو برئت ذمة المضمون عنه , برئت
ذمة الضامن , وفي هذا انفصال عما ذكروه.
قال ابن قدامة في المغني (4 / 562)
تفتقر صحة الكفالة إلى رضا الكفيل , لأنه لا يلزمه الحق ابتداء إلا برضاه.
ولا يعتبر رضا المكفول له , لأنها وثيقة له , لا قبض فيها , فصحت من غير
رضاه فيها , كالشهادة ولأنها التزام حق له من غير عوض , فلم يعتبر رضاه
فيها كالنذر.
قال الشيرازي في المهذب (1 / 340)
يصح الضمان من غير رضا المضمون عنه , لأنه لما جاز قضاء دينه من غير رضاه ,
جاز ضمان ما عليه من غير رضاه.
وقال البهوتي في كشاف القناع (3 / 354)
ولا يصح الضمان إلا برضا الضامن , فلا يصح ضمان المكره , لأنه التزام مال ,
فلم يصح بغير رضا الملتزم كالنذر. ولا يعتبر لصحة الضمان رضا المضمون له ,
لأن أبا قتادة ضمن الميت بغير رضا المضمون له , وأقره الشارع صلى الله عليه
وسلم ولا يعتبر أيضا رضا المضمون عنه , قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه ,
لحديث أبي قتادة ولأنه لو قضى الدين عنه بغير إذنه ورضاه صح , فكذا إذا ضمن
عنه ولا يعتبر أيضا معرفة الضامن لهما , أي للمضمون له والمضمون عنه , لأنه
لا يعتبر رضاهما , فكذا معرفتهما.
الكاساني في البدائع (6 / 6 - 7)
يشترط في المكفول له أن يكون معلوما , وأن يكون في مجلس العقد , وهو شرط
الانعقاد عند أبي حنيفة ومحمد إذا لم يقبل عنه حاضر في المجلس , وتفريع على
مذهبهما أن يكون عاقلا , فلا يصح قبول المجنون والصبي الذي لا يعقل ,
لأنهما ليسا من أهل القبول , ولا يجوز قبول وليهما عنهما , لأن القبول
يعتبر ممن وقع له الإيجاب , ومن وقع له الإيجاب ليس من أهل القبول , ومن
قبل , لم يقع الإيجاب له , فلا يعتبر قبوله. وأما حرية المكفول له فليست
شرطا , لأن العبد من أهل القبول.
وقال في الدر المختار (4 / 278) :
ولا تصح الكفالة بجهالة المكفول عنه ولا بجهالة المكفول له.
قال الحطاب في مواهب الجليل (5 / 100)
ولا يشترط معرفة المضمون له.
قال النووي في المنهاج وشارحه الشربيني الخطيب في مغني المحتاج (2 / 200)
والأصح اشتراط معرفة المضمون له: وهو مستحق الدين لتفاوت الناس في استيفاء
الدين تشديدا وتسهيلا , وأفتى ابن الصلاح وغيره بأن معرفة وكيل المضمون له
كمعرفته وأنه لا يشترط قبوله ورضاه , ولا يشترط رضا المضمون عنه (وهو
المدين) قطعا ولا معرفته في الأصح.
وقال ابن قدامة في المغني (5 / 535)
ولا يعتبر أن يعرفهما (المضمون عنه وله) الضامن وقال القاضي أبو يعلى يعتبر
معرفتهما , ليعلم هل المضمون عنه أهل لاصطناع المعروف إليه أو لا؟ وليعرف
المضمون له , فيؤدى إليه. وذكر وجها آخر. أنه تعتبر معرفة المضمون له لذلك
, ولا تعتبر معرفة المضمون عنه , لأنه لا معاملة بينه وبينه , ولأصحاب
الشافعي ثلاثة أوجه نحو هذه.
وقال المنهاجي في جواهر العقود (1 / 181)
وأما ضمان المال: فإنه يجوز بثلاثة شرائط: أن يعلم لمن هو , وكم هو , وعلى
من هو؟
وذكر ابن العربي في أحكام القرآن (3 / 1085)
في جهالة المضمون له: قال علماؤنا: هي جائزة , وتجوز عندهم أيضا مع جهالة
الشيء المضمون أو كليهما. ومن العجب أن أبا حنيفة والشافعي اتفقا على أنه
لا تجوز الكفالة مع جهالة المكفول له وادعى أصحاب أبي حنيفة أن هذا الخبر:
{ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} منسوخ من الآية خاصة.
يشترط في المكفول به
أن يكون دينا لازما صحيحا
يشترط في المكفول به: أن يكون الدين لازما صحيحا: وهو ما لا يسقط إلا
بالأداء أو الإبراء ,
وقد اختلف الفقهاء على اتجاهين في ضمان ما لم يجب ,
فمنعه فريق وهم الحنفية والشافعية , وأجاز آخرون الضمان في كل حق من الحقوق
الواجبة أو التي تؤول إلى الوجوب في المستقبل.
يشترط في المكفول به أن يكون دينا لازما
صحيحا , وهو ما لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء. وهذا شرط خاص بكفالة المال
, وهو شرط متفق عليه في الجملة بين المذاهب.
فيصح ضمان كل دين لازم كالثمن والأجرة وعوض القرض ودين السلم وأرش الجناية
وغرامة المتلف , لأنه وثيقة يستوفى منها الحق , فصح في كل دين لازم كالرهن
وأما ما لا يلزم بحال وهو دين الكتابة فلا يصح ضمانه , لأنه لا يلزم
المكاتب أداؤه , فلم يلزم ضمانه.
الكفالة بما ليس بدين ولا تصح عند الحنفية الكفالة بما ليس بدين كنفقة
الزوجة قبل القضاء بها أو التراضي عليها , لأنها لا تصير دينا إلا بالقضاء
أو الرضا.
ضمان ما لم يجب ويتفرع عن اشتراط كون المكفول به دينا لازما أنه لا يصح عند
الحنفية والشافعية ضمان ما لم يجب كجعل الجعالة , لأنه دين غير لازم
قال في المهذب: ولا يصح ضمان ما لم يجب: وهو أن يقول: ما تداين فلان فأنا
ضامن له , لأنه وثيقة بحق , فلا يسبق الحق , كالشهادة.
وفي الثمن في مدة الخيار ومال الجعالة ثلاثة أوجه:
أحدها - لا يصح ضمانه , لأنه دين غير لازم , فلم يصح ضمانه كدين الكتابة.
الثاني - يصح , لأنه يؤول إلى اللزوم , فصح ضمانه.
والثالث - يصح ضمان الثمن في مدة الخيار , ولا يصح ضمان مال الجعالة , لأن
عقد البيع يؤول إلى اللزوم , وعقد الجعالة لا يلزم بحال.
فأما المال المشروط في السبق والرمي ففيه قولان:
أحدهما: أنه كالإجارة فيصح ضمانه.
والثاني: أنه كالجعالة فيكون في ضمانه وجهان.
قال النووي والشربيني في مغني المحتاج: ضمان الجعل في الجعالة كالرهن به ,
ومن المعلوم أنه يصح الرهن بالجعل بعد الفراغ من العمل قطعا , ولا يصح قبله
, ولو بعد الشروع في الأصح , فلو قال شخص: من رد عبدي فله دينار , فضمنه
عنه ضامن قبل مجيء العبد , لأنه غير لازم كمال الكتابة. والفرق بين الجعل
والثمن في مدة الخيار: أنه لا يصير إلى اللزوم إلا بالعمل , بخلاف الثمن
فإنه يؤول إليه بنفسه.
وذهب المالكية والحنابلة إلى أنه يصح ضمان ما لم يجب , مثل ضمان الجعل. قال
خليل وشراح متنه في الشرح الصغير: شرط الدين: لزومه للمضمون في الحال , أو
كونه آيلا إلى اللزوم في المستقبل كجعل , كما لو قال شخص لآخر: إن أتيت لي
بعبدي الآبق مثلا , فلك دينار , فيصح ضمان القائل , فإن أتى المخاطب بالعبد
, لزم الضامن الدينار , إن لم يدفعه رب العبد للعامل. وكذا: داين فلانا
وأنا أضمنه , أو إن ثبت لك عليه دين , فأنا ضامن.
فيصح الضمان عندهم في كل حق من الحقوق المالية الواجبة أو التي تؤول إلى
الوجوب , كثمن المبيع في مدة الخيار وبعده , والأجرة , والمهر قبل الدخول
أو بعده لأن هذه الحقوق لازمة , وجواز سقوطها لا يمنع ضمانها كالثمن في
البيع بعد انقضاء الخيار ويجوز أن يسقط برد بعيب أو مقايضة.
وقال في مواهب الجليل (5 / 98 - 100)
يصح الضمان بدين لازم أو آيل إلى اللزوم إن أمكن استيفاؤه من ضامنه , وإن
جهل ,
المهذب (1 / 340)
يصح ضمان كل دين لازم كالثمن والأجرة وعوض القرض ودين السلم وأرش الجناية
وغرامة المتلف , لأنه وثيقة يستوفى منها الحق , فصح في كل دين لازم كالرهن.
الكاساني في البدائع (6 / 7 - 9) :
وها هنا شرط ثالث لكنه يخص الدين وهو أن يكون لازما , فلا تصح الكفالة عن
المكاتب لمولاه ببدل الكتابة , لأنه ليس بدين لازم , لأن المكاتب يملك
إسقاط الدين عن نفسه بالتعجيز لا بالكسب.
الدر المختار ورد المحتار (4 / 274 - 275) :
وأما كفالة المال فتصح ولو كان المال مجهولا به , إذا كان ذلك المال دينا
صحيحا. .
والدين الصحيح: هو ما لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء.
ولو كان الإبراء حكما , بفعل يلزمه سقوط الدين , فيسقط دين المهر بمطاوعتها
لابن الزوج للإبراء الحكمي , فلا تصح ببدل الكتابة لأن عقد الكتابة عقد غير
لازم من جانب العبد , فله أن يستقل بإسقاط هذا الدين , بأن يعجز نفسه متى
أراد , فلم يكن دينا صحيحا , لأن العقد من أصله لم ينعقد ملزما لبدل
الكتابة , لأنه دين للسيد على عبده ولا يستحق السيد على عبده دينا.
وكذا لا تصح الكفالة بالدية.
جاء في مشروع تقنين الشريعة الإسلامية , على مذهب الإمام مالك (م324)
يشترط في لزوم الضمان: أن يكون دين المضمون لازما له في الحال أو في
المستقبل , وأن يكون الضامن غير محجور عليه فيما ضمن فيه من ماله.
وقال خليل وشارح متنه في الشرح الصغير (3 / 431 - 432) :
وشرط الدين لزومه في الحال , بل ولو يلزم المضمون في المآل , أي في
المستقبل , كجعل , فإنه قد يؤول إلى اللزوم.
كشاف القناع (3 / 350 - 357) :
الضمان: التزام من يصح تبرعه (وهو الحر غير المحجور عليه) أو التزام مفلس
برضاهما (أي من يصح تبرعه والمفلس) دينا وجب على غيره أو ما يجب على غيره
مع بقائه على الغير. فلا يصح ضمان دين الكتابة , لأنه ليس بلازم , ولا مآله
إلى اللزوم , لأن المكاتب له تعجيز نفسه والامتناع عن الأداء , فإذا لم
يلزم الأصل , فالفرع أولى
وقال ابن قدامة في المغني (4 / 536)
يصح ضمان الجعل في الجعالة , وفي المسابقة والمناضلة وقال أصحاب الشافعي في
أحد الوجهين: لا يصح ضمانه , لأنه لا يؤول إلى اللزوم , فلم يصح ضمانه ,
كمال الكتابة. ولنا قول الله تعالى {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم}
فدلت الآية على ضمان حمل البعير , مع أنه لم يكن وجب ولأنه يؤول إلى اللزوم
إذا عمل العمل. وإنما الذي لا يلزم: العمل , والمال يلزم بوجوده والضمان
للمال دون العمل. ويصح ضمان أرش الجناية , سواء كانت نقودا كقيم المتلفات
أو حيوانا كالديات.
كشاف القناع (3 / 354)
ولا يعتبر كون الحق واجبا إذا كان مآله (أي الحق) إلى الوجوب , فيصح ضمان
ما لم يجب إذا آل إلى الوجوب.
يشترط في المكفول به
أن يكون مضمونا على الأصيل
يشترط في المكفول به أن يكون مضمونا على الأصيل لأن التزام الكفيل تابع
لالتزام الأصيل.
يشترط في المكفول به أن يكون مضمونا على
الأصيل: سواء أكان دينا أم عينا , أم نفسا أم فعلا بشرط أن تكون العين
مضمونة بنفسها كالمغصوب والمقبوض بالبيع الفاسد , والمقبوض على سوم الشراء.
والمراد بالفعل المكفول به: هو فعل التسليم مثل الكفالة بتسليم المبيع
والرهن , وتصح الكفالة بالفعل , لأن التسليم مضمون على الملتزم به فالمبيع
مضمون التسليم على البائع , والرهن مضمون التسليم على المرتهن في الجملة
بعد قضاء الدين.
والكفالة بنفس من عليه الحق , كفالة بالفعل: وهو تسليم النفس , وبما أن فعل
التسليم مضمون على الأصيل , فجازت الكفالة به عند الحنفية وغيرهم على
التفصيل في أقسام الكفالة.
وقد صحح الفقهاء ضمان الأعيان المضمونة بنفسها كالمغصوب والمبيع بيعا فاسدا
, والمقبوض على سوم الشراء. . فهذه كلها تصح الكفالة بها , ويجب على الكفيل
ما يجب على الأصيل: وهو دفع العين , فإن عجز وجب قيمته أو مثله على الكفيل.
ولا يصح ضمان الأعيان إذا لم تكن مضمونة على من هي في يده. فإذا كان المودع
لديه غير ضامن للوديعة , والمضارب غير ضامن لمال المضاربة , والمستأجر غير
ضامن لما استأجره , فلا تصح الكفالة في مثل هذه الحالات , لأن الكفيل لا
يلتزم بما لا يلتزم به الأصيل.
أما إذا كانت الأمانات - وهي غير مضمونة - تصبح مضمونة على من في يده إذا
تعدى أو خان , فهنا تعتبر الكفالة في الحقيقة ضمان ما لم يجب بعد.
جاء في مغني المحتاج (2 / 202)
يصح ضمان رد كل عين ممن هي في يده , مضمون عليه , كمغصوبة ومستعارة ومستامة
ومبيع لم يقبض كما يصح بالبدن (أي كفالة النفس) بل أولى , لأن المقصود هنا
المال , ويبرأ الضامن بردها للمضمون له , ويبرأ أيضا بتلفها , فلا يلزمه
قيمتها , كما لو مات المكفول ببدنه لا يلزم الكفيل الدين , ولو ضمن قيمة
العين إن تلفت , لم يصح , لعدم ثبوت القيمة , ومحل صحة ضمان العين إذا أذن
فيه واضع اليد , أو كان الضامن قادرا على انتزاعه منه.
أما إذا لم تكن العين مضمونة على من هي بيده كالوديعة والمال في يد الشريك
والوكيل والوصي , فلا يصح ضمانها , لأن الواجب فيها التخلية دون الرد.
(يفهم مما ذكر أن الشافعية في ضمان الأعيان كالحنفية والحنابلة , فيكون
الجواز رأي جمهور الفقهاء) .
وقال ابن رشد في المقدمات والممهدات (2 / 379) :
الحمالة لا تجوز إلا فيما تصح فيه النيابة , وذلك إنما يكون في المال
المتعلق في الذمة , أو ما يؤول إلى المال المتعلق بها.
ابن جزي في القوانين الفقهية (ص 325) :
(المضمون) هو كل حق تصح النيابة فيه , وذلك في الأموال وما يؤول إليها ,
فلا يصح الضمان في الحدود ولا في القصاص , لأنها لا تصح النيابة فيها.
الكاساني في البدائع (6 / 7 - 9)
وأما الذي يرجع إلى المكفول به فنوعان:
أحدهما - أن يكون المكفول به مضمونا على الأصيل , سواء كان دينا أو عينا ,
أو نفسا أو فعلا ليس بدين ولا عين ولا نفس عند أصحابنا , إلا أنه يشترط في
الكفالة بالعين: أن تكون مضمونة بنفسها. .
وأما الفعل: فهو فعل التسليم في الجملة , فتجوز الكفالة بتسليم المبيع
والرهن , لأن المبيع مضمون التسليم على البائع , والرهن مضمون التسليم على
المرتهن في الجملة بعد قضاء الدين , فكان المكفول به مضمون التسليم على
الأصل: وهو فعل التسليم , فصحت الكفالة به , لكنه إذا هلك لا شيء على
الكفيل , لأنه لم يبق مضمونا على الأصيل , فلا يبقى على الكفيل.
جاء في مرشد الحيران ما يلي (م826)
تصح الكفالة بالأعيان المضمونة بنفسها على الأصيل , وهي التي تجب قيمتها
عند هلاكها إن كانت قيمية أو مثلها إن كانت مثلية , كالمبيع فاسدا , أو
المغصوب , أو المقبوض على سوم الشراء إن سمي له ثمنا.
(م827) :
لا تصح الكفالة بالأعيان المضمونة على الأصيل بغيرها لا نفسها , وهي
الأعيان الواجبة التسليم وهي قائمة , وعند هلاكها لا يجب مثلها ولا قيمتها
, كالمبيع قبل القبض والرهن , فهما مضمونان بالثمن والدين.
(م829) :
لا تصح الكفالة بالأمانات كالوديعة ومال المضاربة والشركة والمؤجر في يد
المستأجر.
وقال ابن قدامة في المغني (4 / 538)
يصح ضمان الأعيان المضمونة كالمغصوب والعارية , وبه قال أبو حنيفة والشافعي
في أحد القولين , وقال في الآخر: لا يصح , لأن الأعيان غير ثابتة في الذمة
, وإنما يضمن ما ثبت في الذمة ووصفنا له بالضمان إنما معناه: أنه يلزمه
قيمتها إن تلفت , والقيمة مجهولة.
ولنا: أنها مضمونة على من هي في يده , فصح ضمانها كالحقوق الثابتة في
الذمة.
وأما الأمانات كالوديعة والعين المؤجرة والشركة والمضاربة والعين التي
يدفعها إلى القصار والخياط , فهذه إن ضمنها من غير تعد فيها , لم يصح
ضمانها , لأنها غير مضمونة على من هي في يده فكذلك على ضامنه. وإن ضمنها إن
تعدى فيها , فظاهر كلام أحمد رحمه الله يدل على صحة الضمان.
وعبارة البهوتي في كشاف القناع (3 / 364) أوضح وهي: /50 وتصح الكفالة
بالأعيان المضمونة , كالمغصوب والعواري , لأنه يصح ضمانها ولا تصح الكفالة
بالأمانات كالوديعة والشركة والمضاربة , إلا إن كفله بشرط التعدي فيها ,
فيصح ضمانها.
ولا تصح الكفالة بزوجة لزوجها ولا بشاهد ليشهد له , لأن الذي عليهما أداؤه
ليس بمالي , ولا يمكن استيفاؤه من الكفيل.
كشاف القناع (3 / 350 - 357)
ولا يصح أيضا ضمان الأمانات كالوديعة والعين المؤجرة ومال الشركة والمضاربة
, والعين المدفوعة إلى الخياط ونحوهما , لأنها غير مضمونة على من هي في يده
, فكذا على ضامنه.
أن يكون المكفول به
مقدور الاستيفاء من الكفيل ليكون العقد مفيدا
يشترط أن يكون المكفول به مقدور الاستيفاء من الكفيل.
يشترط أن يكون المكفول به مقدور الاستيفاء
من الكفيل وذلك في الأموال. وهذا شرط مقرر عند جمهور العلماء بل في المذاهب
الأربعة مع اختلاف في بعض الجزئيات.
ويترتب عليه أنه لا تجوز الكفالة في الحدود والقصاص عند الحنفية والمالكية
والحنابلة , لتعذر الاستيفاء من الكفيل لأن النيابة لا تجري في الحدود ,
فلا تفيد الكفالة فائدتها.
ودليلهم حديث: لا كفالة في حد ولأن الكفالة استيثاق , والحدود مبناها على
الدرء والإسقاط بالشبهات , فلا يلائمها الاستيثاق ولأن الحق لا يجوز
استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول به.
ويتفرع على هذا الشرط عند الحنفية: أن تصح الكفالة بالتزام حمولة شيء في
ذمة متعهد النقل بوسيلة نقل غير معينة بذاتها كأي سيارة أو دابة , لأن
المستحق حينئذ مقدور للكفيل. لكن لا تصح الكفالة بالتزام نقل حمل من مكان
إلى آخر على سيارة أو دابة معينة بذاتها دون غيرها لأن الكفيل قد يعجز عن
الحمولة بتلف وسيلة النقل المخصصة.
وقال في مواهب الجليل (5 / 98 - 100)
يصح الضمان بدين لازم أو آيل إلى اللزوم إن أمكن استيفاؤه من ضامنه , وإن
جهل
الكاساني في البدائع (6 / 7 - 9)
وأما الذي يرجع إلى المكفول به فنوعان:
النوع الثاني - أن يكون المكفول به مقدور الاستيفاء من الكفيل , ليكون
العقد مفيدا , فلا تجوز الكفالة بالحدود والقصاص , لتعذر الاستيفاء من
الكفيل , فلا تفيد الكفالة فائدتها.
مواهب الجليل (5 / 99 - 100) :
ولزم الضمان فيما ثبت إن أمكن استيفاؤه من ضامنه.
أن يكون المكفول به
معلوما أو مجهولا
لا يشترط جمهور الفقهاء أن يكون المكفول به معلوما بل يجوز عندهم ضمان
المجهول إذا كان دينا صحيحا لأن الضمان عقد تبرع غير معاوضة ومنع الشافعية
ذلك بسبب الجهالة المفسدة لعقد البيع ونحوه.
هذا ويصح ضمان الدرك باتفاق الفقهاء وهو من أمثلة ضمان المجهول حيث يضمن
شخص للمشترى الثمن إن خرج المبيع مستحقا أو مبيعا أو ناقصا , وكذلك يصح
شرعا ضمان العهدة بالاتفاق وهو أعم من ضمان الدرك لشموله ضمان الدرك بالثمن
وضمان الدرك في المبيع.
ضمان المجهول لا يشترط في الكفالة بالمال
عند جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة أن يكون الدين معلوم
القدر والصفة والعين.
فتصح الكفالة:
بالمعلوم كقوله: تكفلت عنه بألف ,
أو بالمجهول , كقوله: تكفلت عنه بما لك عليه , أو ضمنت لك ما تداينه به.
ومن أمثله ضمان المجهول: ضمان السوق , وهو أن يضمن ما يلزم التاجر من دين ,
وما يقبضه من عين مضمونة.
ويذهب الجمهور إلى صحة ضمان المجهول لقوله تعالى: {ولمن جاء به حمل بعير
وأنا به زعيم} وحمل البعير غير معلوم , لأن حمل البعير يختلف باختلافه
وعموم قوله عليه السلام: الزعيم غارم ولأن الكفالة عقد تبرع , وهو التزام
حق في الذمة من غير معاوضة فصح في المجهول , كالنذر والإقرار. كما أن
الكفالة مبنية على التوسع , فيحتمل فيها الجهالة.
أما عند الشافعية فلا يجوز ضمان المجهول وذهب إلى ذلك أيضا الثوري والليث
وابن أبي ليلى وابن المنذر لأن الضمان إثبات مال في الذمة بعقد لآدمي أو
التزام مال , فلم يجز مع الجهالة كالثمن في البيع , فلا يصح المجهول ولا
غير المعين كأحد الدينين.
ضمان الدرك ضمان الدرك: هو الكفالة بما يدرك المال المبيع ويلحق به من خطر
بسبب سابق على البيع وذلك مثلا بأن يضمن شخص للمشترى الثمن إن خرج المبيع
مستحقا أو معيبا أو ناقصا إما لرداءته , أو لنقص سنجات الوزن التي وزن بها.
والدرك هو التبعة , أي المطالبة والمؤاخذة.
فقد اتفق الفقهاء جميعا على صحة هذا النوع من الضمان (ضمان الدرك) , لأنه
عند جمهور الفقهاء من أمثلة ضمان المجهول , وهو جائز عند الشافعية لحاجة
الناس إليه.
كما صحح الحنفية الكفالة فيما لو قال إنسان لغيره: اسلك هذا الطريق , فان
أخذ مالك , فأنا ضامن , فأخذ ماله , صح الضمان , والمضمون عنه مجهول. وكذا
لو قال: لو غصب مالك فلان أو واحد من هؤلاء القوم , فأنا ضامن , صح الضمان.
ويطلق على ضمان الدرك أيضا ضمان العهدة لالتزام الضامن ما في عهدة البائع
رده , والعهدة في الحقيقة: عبارة عن الصك المكتوب فيه الثمن , ولكن الفقهاء
يستعملونه في الثمن مجازا.
وقال الشافعية والحنابلة: يصح ضمان عهدة المبيع عن البائع للمشترى , وعن
المشترى للبائع ,
فضمانه على المشتري: هو أن يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه , وإن ظهر
فيه عيب أو استحق , رجع بذلك على الضامن ,
وضمانه عن البائع للمشتري: هو أن يضمن عن البائع الثمن متى خرج المبيع
مستحقا , أو رد بعيب , أو أرش العيب.
فضمان العهدة في الموضعين: هو ضمان الثمن أو جزء منه عن أحدهما للآخر ,
وحقيقة العهدة: الكتاب الذي يكتب فيه وثيقة البيع. وذكر فيه الثمن , فعبر
به عن الثمن الذي يضمنه.
وممن أجاز ضمان العهدة في الجملة: أبو حنيفة ومالك والشافعي ومنع منه بعض
الشافعية لكونه ضمان ما لم يجب , وضمان مجهول , وضمان عين. وقد بينا جواز
الضمان في ذلك كله , ولأن الحاجة تدعو إلى الوثيقة على البائع. والوثائق
ثلاثة: الشهادة , والرهن والضمان.
ويصح ضمان العهدة عن البائع للمشترى قبل قبض الثمن وبعده.
وقال الشافعي إنما يصح بعد القبض , لأنه قبل القبض لو خرج مستحقا , لم يجب
على البائع شيء. وهذا ينبني على ضمان ما لم يجب إذا كان مفضيا إلى الوجوب
كالجعالة , أجازه المالكية والحنابلة , ومنعه الحنفية والشافعية , كما
تقدم.
وقال النووي في مغني المحتاج: والمذهب صحة ضمان الدرك بعد قبض الثمن: وهو
أن يضمن للمشتري الثمن إن خرج المبيع مستحقا أو معيبا أو ناقصا لنقص السنجة
التي وزن به.
كما قال أيضا: ولا يختص ضمان الدرك بالثمن , بل يجري في المبيع , فيضمنه
للبائع إن خرج الثمن المعين مستحقا أو أخذ بشفعة سابقة أو معيبا أو ناقصا
إما لرداءته , أو لنقص الصنجة.
ولو ضمن عهدة فساد البيع بغير الاستحقاق أو عهدة العيب أو التلف قبل قبض
المبيع , صح للحاجة إليه , ولا يدخل ذلك تحت ضمان العهدة.
وعليه , يصح شرعا ضمان العهدة بالاتفاق , وهو أعم من ضمان الدرك , لشموله
ضمان الدرك بالثمن وضمان الدرك في المبيع.
قال المرغيناني في الهداية وابن الهمام في
فتح القدير (5 / 402)
وأما الكفالة بالمال فجائزة معلوما كان المكفول به أو مجهولا , إذا كان
دينا صحيحا , مثل أن يقول: تكفلت عنه بألف أو بما لك عليه أو بما يدكك في
هذا البيع , لأن مبنى الكفالة على التوسع , فيحتمل فيها الجهالة وعلى
الكفالة بالدرك إجماع , وصار عقد الكفالة بمال مجهول كالكفالة بشجة , أي
شجة كانت إذا كانت خطأ , فإنها صحيحة , وإن كانت بمجهول , لاحتمال السراية
والاقتصار , أو: وإن احتملت السراية والاقتصار.
وقال في الدر المختار ورد المحتار (4 / 273 - 274)
وأما كفالة المال فتصح ولو كان المال مجهولا به إذا كان ذلك المال دينا
صحيحا , إلا إذا كان الدين مشتركا , كما سيجيء , لأن قسمة الدين المشترك
قبل قبضه لا تجوز.
وقال في مواهب الجليل (5 / 98 - 100)
يصح الضمان بدين لازم أو آيل إلى اللزوم إن أمكن استيفاؤه من ضامنه , وإن
جهل , قال أبو محمد ولما جازت هبة المجهول , جازت الحمالة , لأنه معروف.
ومن صور هذه المسألة ما قال في المدونة: ومن قال لرجل: ما ذاب لك (ما ثبت
لك وصح) قبل فلان الذي تخاصم , فأنا لك به حميل , فاستحق قبله مالا , كان
هذا الكفيل ضامنا له.
وقال في كشاف القناع (3 / 354)
ولا يعتبر كون الحق معلوما , لأنه التزام حق في الذمة من غير معاوضة , فصح
في المجهول كالإقرار.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية الحنبلية (م1128)
تصح الكفالة ببدن من عليه دين يصح ضمانه , سواء كان الدين معلوما أو مجهولا
يؤول إلى العلم به , وببدن من عنده عين مضمونة.
الدر المختار ورد المحتار (4 / 274 - 275)
وأما كفالة المال فتصح ولو كان المال مجهولا به , إذا كان ذلك المال دينا
صحيحا. .
حق المكفول له في
المطالبة
يرى الجمهور أن للمكفول له الخيار بين مطالبة الأصيل أو الكفيل , فيكون له
الحق عند حلول الأجل في مطالبة أحد الطرفين: إما الكفيل بما التزم , وإما
المدين الأصيل بسبب أصل العلاقة , فله الحق في مطالبة أيهما شاء , دون أخذ
أكثر من حقه.
أما المالكية فإنهم يرون أن المكفول له لا يطالب الكفيل إذا تيسر الأخذ من
مال المكفول عنه إلا إذا اشترط ما ذكر ,
ويرى جماعة أن الكفالة بمعنى الحوالة يترتب عليها براءة ذمة الأصيل.
حق المكفول له في مطالبة الكفيل أو الأصيل
أيهما شاء عند جمهور الفقهاء
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الكفالة تعطي المكفول له الحق في مطالبة الكفيل
بما التزم به , وأن هذا الحق لا يسقط حق المكفول له في مطالبة المكفول عنه
أيضا: فله مطالبة أيهما شاء , أو مطالبة الاثنين معا , ولكن لا يأخذ أكثر
من حقه.
هذا ولا يترتب على الكفالة عند الجمهور براءة الأصيل إلا إذا كانت الكفالة
بشرط براءة الأصيل , لأنها حوالة معنى. ولم يجز الشافعية في الأصح عندهم
الكفالة بشرط براءة الأصيل , لأنه شرط ينافي مقتضى الضمان.
هذا ويجوز تعدد الكفلاء كاثنين أو أكثر , سواء ضمن كل واحد منهم جميع الدين
أو جزءا منه. فإذا كان كل كفيل التزم بجزء من الدين فهو مطالب بما التزم من
حصته فقط , وإذا كان كل واحد كفل الأصيل في جميع الدين فللمكفول له مطالبة
الجميع أو مطالبة من شاء بجميع الدين , فضلا عن جزء منه.
وإذا كفل الكفيل الأول كفيل ثان , وكفل الثاني ثالث , وهكذا , كان الكفيل
الأول بالنسبة للثاني كالأصيل بالنسبة للأول , وكان الثاني للثالث كالأول
للثاني , وهكذا.
كيفية مطالبة الكفيل /50 ومطالبة المكفول له بحقه تختلف بحسب محل الكفالة:
فإن كانت الكفالة بالدين ,
فيطالب الكفيل بما على الأصيل بالدين كله إن كان واحدا. فإن كان هناك
كفيلان , والدين ألف مثلا , فيطالب كل وأحد منهما بخمسمائة إذا لم يكفل كل
واحد منهما عن صاحبه , لأنهما استويا في الكفالة , والمكفول به يحتمل
الانقسام , فينقسم عليهما في حق المطالبة. ولو أدى أحدهما لا يرجع على
صاحبه , لأنه يؤدي عن نفسه , لا عن صاحبه لكن يرجع على الأصيل بما أدي.
وإن كانت الكفالة بالنفس:
فيطالب الكفيل بإحضار المكفول بنفسه إن لم يكن غائبا. وإن كان غائبا يؤخر
الكفيل إلى مدة يمكنه إحضاره فيها , فإن لم يحضر في المدة ولم يظهر عجزه ,
للقاضي حبسه إلى أن يظهر عجزه له , فإن ظهر للقاضي أنه لا يقدر على الإحضار
بدلالة الحال , أو بشهادة الشهود أو غيرها , أطلقه من الحبس , وأنظره إلى
حال القدرة على إحضاره , لأنه بمنزلة المفلس بالنسبة للدين.
وإذا أخرجه القاضي فإن الدائنين بالغرماء يلازمونه , ولا يحول القاضي بينه
وبين الغرماء , ولكن ليس للغرماء أن يمنعوه من أشغاله , أو من الكسب وغيره.
وهذا ما قرره الحنفية.
وذهب الشافعية إلى أنه يلزم الكفيل بإحضار المكفول إن علم مكانه , فإن جهل
مكانه , لم يلزم بإحضاره , وإذا ألزم بالإحضار يمهل مدة الذهاب والإياب ,
فإن مضت تلك المدة ولم يحضره , حبس إلى أن يتعذر إحضار المكفول بموت أو جهل
بموضعه , أو إقامة عند شخص يمنعه من إمكان الوصول إليه.
ومذهب الحنابلة قريب من مذهب الشافعية , فإنهم قالوا: يلزم الكفيل بإحضار
المكفول إن علم موضعه , فإن لم يحضره إما لتوان أو لهربه (أي المكفول به)
واختفائه , أو لامتناعه , أو لغير ذلك , كذي سلطان بحيث تعذر إحضاره مع
حياته , لزم الكفيل ما عليه من الدين , لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:
الزعيم غارم ولأن كفالة البدن أحد نوعي الكفالة , فوجب الغرم بها إذن
كالكفالة بالمال.
ولا يسقط عن الكفيل المال بإحضار المكفول به بعد الوقت المسمى , نصا , إلا
إذا شرط الكفيل البراءة من الدين , فلا يلزمه , عملا بشرطه , لأنه إنما
التزم الكفالة على هذا الشرط , فلا يلزمه سوى ما اقتضاه التزامه.
وان كانت الكفالة بالعين:
فيطالب الكفيل بتسليم العين إن كانت قائمة , وبمثلها أو قيمتها إن كانت
هالكة.
ليس للمكفول له مطالبة الكفيل إذا تيسر الأخذ من الأصيل إلا إذا اشترط ذلك
في قول المالكية
يرى جمهور المالكية الأخذ بالرأي الذي رجع إليه الإمام مالك وهو أن المكفول
له لا يطالب الكفيل إذا تيسر الأخذ من مال المكفول عنه إلا إذا اشترط رب
الدين أخذ دينه من أيهما شاء: الأصيل أو الكفيل , أو اشترط تقديمه في الأخذ
عن المدين , أو ضمن الضامن المدين في الحالات الست: الحياة , والموت ,
والحضور , والغيبة , واليسر , والعسر , فله مطالبته , ولو تيسر الأخذ من
مال الغريم.
وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبو ثور وابن سيرين والظاهرية والإمامية: إن
الكفالة توجب براءة الأصيل , وينتقل الحق إلى ذمة الكفيل , فلا يملك الدائن
مطالبة الأصيل , كما في الحوالة , ودليلهم قصة ضمان أبي قتادة رضي الله عنه
الدينارين عن ميت , فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: جزاك الله خيرا
, وفك رهانك , كما فككت رهان أخيك فدل هذا على أن المضمون عنه برئ من
الضمان أي أن هؤلاء يجعلون الكفالة حوالة.
والحقيقة أن الكفالة معناها ضم ذمة إلى ذمة في حق المطالبة , أو في حق أصل
الدين على الخلاف السابق , والبراءة تنافي الضم , ولأن الكفالة لو كانت
مبرئة , لكانت حوالة , وهما متغايران , لأن تغير الأسامي دليل تغاير
المعاني في الأصل.
ويؤيد ذلك ما ورد في السنة من حديث رواه أحمد نفس المؤمن معلقة بدينه حتى
يقضى عنه ورواية أخري في قصة أبي قتادة الآن بردت جلدته حين أخبره أنه قضى
دينه وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على المضمون عنه , فلأنه بالضمان
صار له وفاء , وإنما امتنع عن الصلاة على مدين لم يخلف وفاء. وأما قوله
عليه السلام فك الله رهانك إلخ فإنه كان بحال لا يصلي عليه النبي صلى الله
عليه وسلم , فلما ضمن عنه , فكه عن ذلك أو عما في معناه.
وقال المنهاجي في جواهر العقود اتفق الأئمة على جواز الضمان وأنه لا ينتقل
الحق عن المضمون عند الحي بنفس الضمان , بل الدين باق في ذمته , لا يسقط عن
ذمته إلا بالأداء , وهل تبرأ ذمة الميت المضمون عنه بنفس الضمان؟ فعند
الأئمة الثلاثة: لا , كالحي , وعن أحمد روايتان.
قال في الهداية وفتح القدير (5 / 403)
والمكفول له بالخيار: إن شاء طالب الذي عليه الأصل , وان شاء طالب كفيله ,
لأن الكفالة ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة , وذلك يقتضي قيام الأول , لا
البراءة عنه إلا إذا شرط فيه البراءة , فحينئذ تنعقد حوالة , اعتبارا
للمعنى , كما أن الحوالة بشرط أن لا يبرأ بها المحيل , تكون كفالة. ولو
طالب أحدهما له أن يطالب الآخر , وله أن يطالبهما , لأن مقتضاه الضم ,
بخلاف المالك إذا اختار تضمين أحد الغاصبين , لأن اختياره تضمين أحدهما
يتضمن التمليك منه , فلا يمكنه التمليك من الثاني أما المطالبة بالكفالة
فلا تتضمن التمليك , فوضح الفرق.
قال النووي في المنهاج وصاحب مغني المحتاج (2 / 208)
وللمستحق مطالبة الضامن والأصيل , والأصح أنه لا يصح بشرط براءة الأصيل.
ولو أبرأ الأصيل برئ الضامن , ولا عكس. ولو مات أحدهما حل عليه دون الآخر ,
وإذا طالب المستحق الضامن بالدين , فله مطالبة الأصيل بتخليصه بالأداء
للدين المضمون له ليبرأ الضامن , إن ضمن بإذنه , لأنه الذي أوقعه في
المطالبة , كما أنه يغرمه إذا غرم.
ومعنى التخليص , أنه يؤدي دين المضمون له ليبرأ الضامن.
وقال في المغني (5 / 547)
ولصاحب الحق مطالبته من شاء منهما.
وحكي عن مالك في إحدى الروايتين عنه: أنه لا يطالب الطالب إلا إذا تعذر
مطالبة المضمون عنه , لأنه وثيقة , فلا يستوفي الحق منها إلا عند تعذر
استيفائه من الأصل كالرهن.
ولنا: أن الحق ثابت في ذمة الضامن , فملك مطالبته كالأصيل ولأن الحق ثابت
في ذمتهما , فملك مطالبته من شاء منهما , كالضامنين إذا تعذرت مطالبة
المضمون عنه. ولا يشبه الرهن , لأنه مال من عليه الحق , وليس بذي ذمة يطالب
, إنما يطالب من عليه الدين ليقضي منه أو من غيره.
قال الدردير في شرح متن خليل الشرح الصغير (3 / 438)
ولا يطالب الضامن , أي ليس لرب الدين مطالبته به , إن تيسر الأخذ لرب الدين
من مال المدين: بأن كان موسرا غير ملد ولا ظالم. وهذا هو الذي رجع إليه
مالك بعد قوله: رب الدين مخير في طلب أيهما شاء , ولو كان المدين غائبا ,
حيث كان الدين ثابتا , ومال المدين حاضرا يمكن الأخذ منه بلا مشقة.
إلا أن يشترط رب الدين عند الضمان أخذ أيهما شاء , أو يشترط تقديمه في
الأخذ عن المدين , أو ضمن الضامن المدين في الحالات الست: الحياة , والموت
, والحضور , والغيبة , واليسر , والعسر , فله مطالبته ولو تيسر الأخذ من
مال الغريم.
[وعلق الصاوي بقوله في بلغه السالك بما نقله عن العلامة محمد البناني
والقول المرجوع عنه هو الذي جرى له العمل بفاس - وهو الأنسب - بكون الضمان
شغل ذمة أخرى بالحق.
وعلق على العبارة الأخيرة (فله مطالبته ولو تيسر الأخذ من مال الغريم)
بقوله: ما ذكره الشارح هو المعتمد , وهو ما في وثائق أبي القاسم الجزيري
وغيره , خلافا لابن الحاجب من أن الضامن لا يطالب إذا حضر الغريم مليئا
مطلقا] .
شروط رجوع الكفيل
يرجع الكفيل على الأصيل بشرطين:
الأول: أن تكون الكفالة بإذن الأصيل , فإن لم تكن كذلك لا يصح أن يرجع
الكفيل بما يؤديه لأنه حينئذ يكون متبرعا بما أدى.
الثاني: أن يؤدي الكفيل ما على الأصيل , فإن لم يؤدي لا يصح له أن يرجع
ويطالب الأصيل بالمال لأن ولاية المطالبة إنما تثبت بحكم القرض والتمليك ,
وهو لا يوجد قبل الأداء.
ويشترط لرجوع الكفيل على الأصيل عند الحنفية: أن تكون الكفالة بأمر المكفول
عنه , وبإذن صحيح منه , وبتفويضه الضمان عنه , وألا يكون هناك دين للأصيل
في ذمة الكفيل , وإلا وقعت المقاصة بينهما.
يشترط لرجوع الكفيل على الأصيل أن تكون
الكفالة بإذن الأصيل , وأن يؤدي للمكفول له الحق المكفول به.
فإذا كانت الكفالة بدين مثلا , وبإذن الأصيل , كان للكفيل مطالبة المكفول
عنه بالخلاص إذا طولب , وإن حبس فله أن يحبس المكفول عنه , لأنه هو أوقعه
في هذه المسئولية , فكان عليه تخليصه منها. وأما إذا كانت الكفالة بغير أمر
الأصيل , فليس للكفيل حق ملازمة الأصيل إذا لوزم , ولاحق الحبس , إذا حبس.
وليس للكفيل أيضا أن يطالب بالمال قبل أن يؤدي هو , وإن كانت الكفالة بأمر
الأصيل , لأن ولاية المطالبة إنما تثبت بحكم القرض والتمليك , وكل ذلك يقف
على الأدلة ولم يوجد هذا بخلاف الوكيل بالشراء , فإن له مطالبة الموكل
بالثمن بعد الشراء قبل أن يؤدي هو من مال نفسه لأن الثمن هنا يقابل المبيع
, وملك المبيع وقع للموكل , فكان الثمن عليه , فيكون للوكيل الحق في أن
يطالبه به , وأما في الكفالة فإن حق المطالبة هو بسبب القرض أو التمليك ,
ولم يوجد بعد.
فإذا أدى الكفيل كان له أن يرجع على الأصيل إذا كانت الكفالة بأمره , لأن
العلاقة بينهما تكون حينئذ علاقة قرض واستقراض , فالأصيل مستقرض , والكفيل
بأداء المال مقرض , والمقرض يرجع على المستقرض بما أقرضه.
أداء الكفيل الدين متبرعا به وليس بنية الرجوع على المكفول عنه
إذا قضى الكفيل الدين متبرعا به , لا ينوي الرجوع على المكفول عنه , برئ
المدين وأصبح غير ملزم بالدين , فلا يرجع الكفيل بشيء لأنه يتطوع بذلك ,
وفعله أشبه بالصدقة , وذلك سواء ضمن بأمر المكفول عنه أو بغير أمره.
فإذا ما أدى الكفيل بنية الرجوع بالمؤدى , لم يخل الأمر من أربعة أحوال:
الحال الأول: أن يضمن الكفيل بأمر المضمون عنه , ويؤدي بأمره: فإنه يرجع
عليه , سواء قال له: اضمن عني , أو أد عني , أو أطلق.
وهذا قول الجمهور (المالكية , والحنابلة , والشافعية وأبو يوسف) .
وقال أبو حنيفة ومحمد إن قال: اضمن عني , وانقد عني , رجع عليه , وان قال:
انقد هذا , لم يرجع إلا أن يكون مخالطا يستقرض منه ويودع عنده , أو شريكا ,
لأنه قد يأمر مخالطه بالنقد عنه فلو قال: اضمن الألف التي لفلان علي (لم
يرجع عليه عند الأداء , لأن الكائن مجرد الأمر بالضمان والإعطاء فجاز أن
يكون القصد ليرجع وأن يكون القصد طلب تبرعه بذلك , فلم يلزم المال , في رأي
أبي حنيفة ومحمد إلا إذا كان خليطا أو شريكا. وقال أبو يوسف يرجع , لأنه
وجد القضاء بناء على الأمر , فلا بد من اعتبار الأمر فيه.
الحال الثاني: أن يضمن الكفيل بأمر المكفول عنه , ويؤدى بغير أمره , فله
الرجوع أيضا.
وهو رأي المالكية والحنابلة والشافعية في الأصح.
الحال الثالث: أن يضمن الكفيل بغير أمر المكفول عنه , ويؤدي بأمره , فله
الرجوع عند المالكية والحنابلة , ولا رجوع له في الأصح عند الشافعية.
الحال الرابع: أن يضمن الكفيل بغير أمر المكفول عنه , ويؤدي بغير أمره ,
فله الرجوع بما أدى , وهو قول مالك وعبد الله بن الحسن وإسحاق وأحمد في
إحدى روايتين.
ووجه هذه الرواية أنه قضاء مبرئ من دين واجب , فكان من ضمان من هو عليه ,
كالحاكم إذا قضاه عنه عند امتناعه.
وأما حديث أبي قتادة فإنه تبرع بالقضاء والضمان , إذ إنه قضى دين الميت
قصدا لتبرئة ذمته , ليصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بأنه لم
يترك وفاء والمتبرع لا يرجع بشيء.
وليس له الرجوع , في رواية ثانية عن أحمد وهو كذلك قول أبي حنيفة والشافعي
وابن المنذر بدليل حديث علي وأبي قتادة فإنهما لو كانا يستحقان الرجوع على
الميت صار الدين لهما , فكانت ذمة الميت مشغولة بدينهما كاشتغالها بدين
المضمون عنه ,
قال البهوتي في كشاف القناع (3 / 361)
إن قضى الضامن الدين المؤجل قبل أجله لم يرجع على المضمون عنه حتى يحل أجله
, لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ولأنه متبرع بالتعجيل , فلم يرجع قبل
الأجل , كما لو قضاه أكثر من الدين وان مات المضمون عنه أو الضامن , لم يحل
الدين , لأن التأجيل حق من حقوق الميت , فلم يبطل بموته كسائر حقوقه.
وان مات الضامن والمضمون عنه , فكذلك لم يحل الدين , لما تقدم , وان وثق
الورثة برهن يحرز أو كفيل مليء بأقل الأمرين من الدين أو التركة. وان لم
توثق الورثة حل الدين.
جاء في مجلة الأحكام الشرعية (م1104)
إذا قضى الضامن أقل من الدين أو أكثر منه , ولو بمعاوضة مع المضمون له , لا
يرجع على المضمون عنه إلا بأقل من الدين ومما قضى به.
قال في الدر المختار (4 / 287)
وإذا حل الدين المؤجل على الكفيل بموته لا يحل على الأصيل , فلو أداه وارثه
, لم يرجع لو الكفالة بأمره إلا إلى أجله خلافا لزفر , كما لا يحل المؤجل
على الكفيل اتفاقا إذا حل على الأصيل بموته. ولو ماتا خير الطالب.
جاء في الشرح الصغير (3 / 441)
وعجل الدين بموت الضامن قبل الأجل من تركته إن كان له تركة. ورجع وارثه (أي
وارث الضامن على الغريم) بعد الأجل أو بعد موت الغريم على تركته , إن ترك
ما يؤخذ منه الدين , وإلا سقط.
وجاء في مغني المحتاج (2 / 208)
ولو مات أحدهما (الضامن أو المضمون عنه) والدين مؤجل , حل عليه لخراب ذمته
, دون الآخر , فلا يحل عليه , لأنه يرتفق بالأجل فإن كان الميت الأصيل ,
فللضامن أن يطالب المستحق بأخذ الدين من تركته , أو إبرائه هو , لأن التركة
قد تهلك , فلا يجد مرجعا إذا غرم.
وان كان الميت الضامن , وأخذ المستحق الدين من تركته , لم يكن لوارثه
الرجوع على المضمون عنه الإذن في الضمان قبل حلول الأجل.
رجوع الكفيل على
الأصيل حال تعدد الكفلاء
في حال تعدد الكفلاء ولم يكفل كل واحد صاحبه , يرجع الكفيل على الأصيل بنصف
ما أداه , إلا إذا زاد عن نصف المكفول به , فيرجع بالزيادة إن شاء.
في حال تعدد الكفلاء , كأن يكفل رجلان
مدينا بألف دينار مثلا , فالأمر يكون على أحد هذه الحالات:
- إذا لم يكفل كل واحد منهما عن صاحبه , فأدى أحدهما ما عليه , فلا يرجع
على صاحبه بشيء مما أدى , لأنه أدى عن نفسه لا عن صاحبه ولكنه يرجع على
الأصيل , لأنه كفيل عنه بأمره.
- وإن كفل واحد منهما عن صاحبه بما عليه , فالقول قول الكفيل فيما أدى أنه
من كفالة الكفيل الآخر , أو من كفالة نفسه , لأنه لزمه المطالبة بالمال من
وجهين.
أحدهما: من جهة كفالة نفسه ,
والثاني: من جهة الكفالة عن صاحبه.
وليس أحد الوجهين أولى من الآخر , فكان له ولاية الأداء عن أيهما شاء.
- وإذا كفل كل واحد منهما عن صاحبه بما عليه فما أدى كل واحد منهما يكون عن
نفسه إلى نصف المكفول به , وهو خمسمائة دينار في مثالنا , ولا يقبل قوله
فيه أنه أدى عن شريكه لا عن نفسه بل يكون عن نفسه إلى هذا القدر , فلا يرجع
على شريكه , كما لا يقبل قوله أيضا حين الأداء أنه يؤدى عن شريكه لا عن
نفسه.
ولا يرجع على شريكه ما لم يزد المؤدى عن نصف المكفول به , وهو الخمسمائة في
مثالنا , فإن زاد عليها , يرجع بالزيادة إن شاء على شريكه , وان شاء على
الأصيل.
قال البهوتي في كشاف القناع (3 / 361)
إن قضى الضامن الدين المؤجل قبل أجله لم يرجع على المضمون عنه حتى يحل أجله
, لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ولأنه متبرع بالتعجيل , فلم يرجع قبل
الأجل , كما لو قضاه أكثر من الدين وان مات المضمون عنه أو الضامن , لم يحل
الدين , لأن التأجيل حق من حقوق الميت , فلم يبطل بموته كسائر حقوقه.
وان مات الضامن والمضمون عنه , فكذلك لم يحل الدين , لما تقدم , وان وثق
الورثة برهن يحرز أو كفيل مليء بأقل الأمرين من الدين أو التركة. وان لم
توثق الورثة حل الدين.
جاء في مجلة الأحكام الشرعية (م1104)
إذا قضى الضامن أقل من الدين أو أكثر منه , ولو بمعاوضة مع المضمون له , لا
يرجع على المضمون عنه إلا بأقل من الدين ومما قضى به.
قال في الدر المختار (4 / 287)
وإذا حل الدين المؤجل على الكفيل بموته لا يحل على الأصيل , فلو أداه وارثه
, لم يرجع لو الكفالة بأمره إلا إلى أجله خلافا لزفر , كما لا يحل المؤجل
على الكفيل اتفاقا إذا حل على الأصيل بموته. ولو ماتا خير الطالب.
جاء في الشرح الصغير (3 / 441)
وعجل الدين بموت الضامن قبل الأجل من تركته إن كان له تركة. ورجع وارثه (أي
وارث الضامن على الغريم) بعد الأجل أو بعد موت الغريم على تركته , إن ترك
ما يؤخذ منه الدين , وإلا سقط.
وجاء في مغني المحتاج (2 / 208)
ولو مات أحدهما (الضامن أو المضمون عنه) والدين مؤجل , حل عليه لخراب ذمته
, دون الآخر , فلا يحل عليه , لأنه يرتفق بالأجل فإن كان الميت الأصيل ,
فللضامن أن يطالب المستحق بأخذ الدين من تركته , أو إبرائه هو , لأن التركة
قد تهلك , فلا يجد مرجعا إذا غرم.
وان كان الميت الضامن , وأخذ المستحق الدين من تركته , لم يكن لوارثه
الرجوع على المضمون عنه الإذن في الضمان قبل حلول الأجل.
ما يرجع الكفيل على
الأصيل
اختلف الفقهاء فيما يرجع به الكفيل على الأصيل على ثلاثة آراء , ففي مذهب:
يرجع بما ضمن , وفي آخر: يرجع بما أدى فعلا , وفي مذهب ثالث: يرجع بالأقل
مما أدى أو قدر الدين.
اختلف الفقهاء فيما يرجع به الكفيل على
الأصيل على ثلاثة آراء:
يرجع الكفيل على الأصيل بما ضمن أو التزم عند الحنفية /50 ذهب الحنفية إلى
أن الكفيل يرجع على الأصيل بما ضمن أو التزم , لا بما أداه , لأنه بالأداء
ملك ما في ذمة الأصيل , فيرجع بما تمت الكفالة عليه فلو كانت الكفالة على
شيء جيد , فأدى ما هو أدون منه , فإنه يرجع على الأصيل بالجيد.
وكذلك إذا كفل دينا , فأدى عنه مكيلا أو موزونا أو عروض تجارة , فإنه يرجع
بما كفل , لا بما أدى.
وهذا بخلاف الوكيل بقضاء الدين , فإنه يرجع على الموكل بما أدى , لا بالدين
, لأنه بالأداء ما ملك الدين , بل أقرض ما أداه الموكل , فيرجع عليه بما
أقرضه.
أما في حالة الصلح على بعض الدين , فإنه يرجع بما صالح به , لا بكل الدين ,
لأنه بأداء البعض لم يملك ما في ذمة الأصيل , وهو كل الدين , إذ لا يمكن
اعتبار الصلح تمليكا , لأنه يؤدي إلى الربا.
يرجع الكفيل على الأصيل بما أدى فعلا عند المالكية والشافعية /50 ذهب
المالكية والشافعية في الأصح عندهم إلى أن الكفيل يرجع بما غرم , أي بما
أدى فعلا , لأنه هو الشيء الذي بذله وكذلك في حال الصلح أو الإبراء من بعض
الدين , يرجع الكفيل عند الشافعية بما أدى , وبالأقل من الدين وقيمة الشيء
المصالح به عند المالكية.
يرجع الكفيل على الأصيل بأقل الأمرين مما قضى أو قدر الدين عند الحنابلة
/50 ذهب الحنابلة إلى أن الكفيل يرجع على الأصيل بأقل الأمرين مما قضى , أو
قدر الدين , لأنه وإن كان الأقل هو الدين , فالزائد لم يكن واجبا , فهو
متبرع بأدائه وان كان المقضي أقل , فإنما يرجع بما غرم.
قال البهوتي في كشاف القناع (3 / 361)
إن قضى الضامن الدين المؤجل قبل أجله لم يرجع على المضمون عنه حتى يحل أجله
, لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ولأنه متبرع بالتعجيل , فلم يرجع قبل
الأجل , كما لو قضاه أكثر من الدين وان مات المضمون عنه أو الضامن , لم يحل
الدين , لأن التأجيل حق من حقوق الميت , فلم يبطل بموته كسائر حقوقه.
وان مات الضامن والمضمون عنه , فكذلك لم يحل الدين , لما تقدم , وان وثق
الورثة برهن يحرز أو كفيل مليء بأقل الأمرين من الدين أو التركة. وان لم
توثق الورثة حل الدين.
جاء في مجلة الأحكام الشرعية (م1104)
إذا قضى الضامن أقل من الدين أو أكثر منه , ولو بمعاوضة مع المضمون له , لا
يرجع على المضمون عنه إلا بأقل من الدين ومما قضى به.
قال في الدر المختار (4 / 287)
وإذا حل الدين المؤجل على الكفيل بموته لا يحل على الأصيل , فلو أداه وارثه
, لم يرجع لو الكفالة بأمره إلا إلى أجله خلافا لزفر , كما لا يحل المؤجل
على الكفيل اتفاقا إذا حل على الأصيل بموته. ولو ماتا خير الطالب.
جاء في الشرح الصغير (3 / 441)
وعجل الدين بموت الضامن قبل الأجل من تركته إن كان له تركة. ورجع وارثه (أي
وارث الضامن على الغريم) بعد الأجل أو بعد موت الغريم على تركته , إن ترك
ما يؤخذ منه الدين , وإلا سقط.
وجاء في مغني المحتاج (2 / 208)
ولو مات أحدهما (الضامن أو المضمون عنه) والدين مؤجل , حل عليه لخراب ذمته
, دون الآخر , فلا يحل عليه , لأنه يرتفق بالأجل فإن كان الميت الأصيل ,
فللضامن أن يطالب المستحق بأخذ الدين من تركته , أو إبرائه هو , لأن التركة
قد تهلك , فلا يجد مرجعا إذا غرم.
وان كان الميت الضامن , وأخذ المستحق الدين من تركته , لم يكن لوارثه
الرجوع على المضمون عنه الإذن في الضمان قبل حلول الأجل.
حلول الدين على
الكفيل بموته
اختلف الفقهاء على رأيين في حلول الدين على الكفيل بموته:
رأي يقرر حلوله ,
ورأي يمنع حلوله.
هل يحل الدين المؤجل على الكفيل بموته؟ /50
فيه رأيان: رأي الجمهور , ورأي الحنابلة.
- أما رأي الجمهور: فإن الدين المؤجل على الأصيل , لا يحل على الكفيل بموته
, كما لا يحل المؤجل على الأصيل بموت الكفيل.
- وأما رأي الحنابلة: فإن الدين المؤجل لا يحل بموت الضامن أو المضمون عنه
, جاء في مجلة الأحكام الشرعية (م1118) : (لا يحل الدين المؤجل بموت الضامن
ولا بموت المضمون عنه , لكن إذا ماتا جميعا فإنه يحل إلا إذا وثقه الورثة
برهن يحرز , أو كفيل مليء بأقل الأمرين من الدين والتركة) .
قال البهوتي في كشاف القناع (3 / 361)
إن قضى الضامن الدين المؤجل قبل أجله لم يرجع على المضمون عنه حتى يحل أجله
, لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ولأنه متبرع بالتعجيل , فلم يرجع قبل
الأجل , كما لو قضاه أكثر من الدين وان مات المضمون عنه أو الضامن , لم يحل
الدين , لأن التأجيل حق من حقوق الميت , فلم يبطل بموته كسائر حقوقه.
وان مات الضامن والمضمون عنه , فكذلك لم يحل الدين , لما تقدم , وان وثق
الورثة برهن يحرز أو كفيل مليء بأقل الأمرين من الدين أو التركة. وان لم
توثق الورثة حل الدين.
جاء في مجلة الأحكام الشرعية (م1104)
إذا قضى الضامن أقل من الدين أو أكثر منه , ولو بمعاوضة مع المضمون له , لا
يرجع على المضمون عنه إلا بأقل من الدين ومما قضى به.
قال في الدر المختار (4 / 287)
وإذا حل الدين المؤجل على الكفيل بموته لا يحل على الأصيل , فلو أداه وارثه
, لم يرجع لو الكفالة بأمره إلا إلى أجله خلافا لزفر , كما لا يحل المؤجل
على الكفيل اتفاقا إذا حل على الأصيل بموته. ولو ماتا خير الطالب.
جاء في الشرح الصغير (3 / 441)
وعجل الدين بموت الضامن قبل الأجل من تركته إن كان له تركة. ورجع وارثه (أي
وارث الضامن على الغريم) بعد الأجل أو بعد موت الغريم على تركته , إن ترك
ما يؤخذ منه الدين , وإلا سقط.
وجاء في مغني المحتاج (2 / 208)
ولو مات أحدهما (الضامن أو المضمون عنه) والدين مؤجل , حل عليه لخراب ذمته
, دون الآخر , فلا يحل عليه , لأنه يرتفق بالأجل فإن كان الميت الأصيل ,
فللضامن أن يطالب المستحق بأخذ الدين من تركته , أو إبرائه هو , لأن التركة
قد تهلك , فلا يجد مرجعا إذا غرم.
وان كان الميت الضامن , وأخذ المستحق الدين من تركته , لم يكن لوارثه
الرجوع على المضمون عنه الإذن في الضمان قبل حلول الأجل.
انتهاء الكفالة
بالمال
تنتهي الكفالة بالمال بأحد أمور ثلاثة: الأداء والإبراء وما في معناهما ,
وفسخ الدين المكفول أو إبطاله.
أما كفالة المال أو الدين فتنقضي بانقضاء
التزام الأصيل أو الكفيل في أحد الأحوال الثلاثة التالية:
أالأداء وما في معناه:
سواء كان الأداء من الكفيل أو من الأصيل: فمتى تم أداء الدين من الأصيل أو
من الكفيل , سقطت الكفالة , وبرئت الذمة , لأن حق الدائن في المطالبة
بالدين يزول.
والهبة أو الصدقة في معنى الأداء , فتنتهي الكفالة إذا وهب الدائن المال
إلى الكفيل أو الأصيل , لأن الهبة بمنزلة الأداء. وكذلك إذا تصدق الدائن
بالدين على الكفيل أو على الأصيل.
وكذلك تنتهي الكفالة إذا مات الدائن وورثه الكفيل أو الأصيل , لأن بالميراث
يملك ما في ذمته فإن كان الوارث هو الكفيل , فقد ملك ما في ذمته , فيرجع
على الأصيل , كما لو ملكه بالأداء. وان كان الوارث هو المكفول عنه , برئ
الكفيل , كأنه أدى.
الإبراء وما في معناه:
إذا أبرأ الدائن المكفول له الكفيل أو الأصيل , انتهت الكفالة , غير أنه
إذا أبرأ الكفيل لا يبرأ الأصيل , وإذا أبرأ الأصيل يبرأ الكفيل , لأن
الدين على الأصيل , لا على الكفيل , فكان إبراء الأصيل إسقاطا للدين عن
ذمته , فيسقط حق المطالبة للكفيل بالضرورة لأنه إذا سقط الأصل سقط الفرع.
أما إبراء الكفيل فهو إبراء عن المطالبة , لا عن الدين , إذ لا دين عليه ,
وليس من ضرورة إسقاط حق المطالبة عن الكفيل سقوط أصل الدين عن الأصيل ,
لأنه إذا سقط الفرع لا يسقط الأصل.
والحوالة والصلح كالإبراء.
فإذا أحال الكفيل أو المدين الدائن بمال الكفالة على رجل , وقبل المحال ,
فتنتهي الكفالة , لأن الحوالة مبرئة عن الدين والمطالبة جميعا.
وإذا صالح الكفيل الدائن على بعض المدعى به , انقضت الكفالة. ويبرأ حينئذ
الكفيل والأصيل في حالتين:
الأولي - أن يقول: (على أني والمكفول عنه بريئان من الباقي) .
والثانية - أن يقول: (صالحتك على كذا) مطلقا عن شرط البراءة ويبرأ الكفيل
وحده في حال واحدة , وهي أن يقول: (على أني برئ من الباقي) .
فسخ سبب الكفالة أو إبطاله:
تنقضي الكفالة إذا كانت كفالة درك أو عهدة , بأن ضمن الكفيل ما في ذمة
المشتري من الثمن , أو ضمن للبائع تسليم المبيع , ثم فسخ عقد البيع , لأنه
يزول التزام المشتري بدفع الثمن , والتزام البائع بتسليم المبيع.
وإذا بطل الدين ولم يعد للمكفول له الحق في اقتضائه من الأصيل , سقط الحق
في مطالبة الكفيل.
جاء في المجلة (م667)
لو توفي الدائن , وكانت الوراثة منحصرة في المديون يبرأ الكفيل من الكفالة.
وان كان للدائن وارث آخر , يبرأ الكفيل من حصة المديون فقط , ولا يبرأ من
حصة الوارث الآخر.
قال في الدر المختار ورد المحتار (4 / 285)
وبرئ الكفيل بأداء الأصيل إجماعا , إلا إذا برهن الأصيل على أدائه قبل
الكفالة , فيبرأ الأصيل فقط دون الكفيل. ولو أبرأ الطالب (الدائن) الأصيل
أو أخر عنه , أي أجله , برئ الكفيل تبعا للأصيل إلا كفيل النفس إلا إذا
قال: لا حق لي قبله ولا لموكلي ولا ليتيم أنا وصيه ولا لوقف أنا متوليه ,
فحينئذ يبرأ الكفيل.
ولا ينعكس أي لو أبرأ الكفيل أو أخر عنه , أي أجله بعد الكفالة بالمال حالا
, لا يبرأ الأصيل , ولا يتأخر عنه. وإذا لم يبرأ الأصيل لم يرجع عليه
الكفيل بشيء , بخلاف ما لو وهبه الدين أو تصدق عليه به حيث يرجع.
وقال في مغني المحتاج (2 / 208)
لو أبرأ المستحق الأصيل , برئ الضامن , ولا عكس , أي لو أبرأ الضامن لم
يبرأ الأصيل , لأنه إسقاط وثيقة , فلا يسقط بها الدين كفك الرهن. وجاء فيه
في ص (210) : /50 لو أحال المستحق على الضامن , ثم أبرأ المحتال (المحال)
الضامن هل يرجع الضامن على الأصيل أو لا؟ رجح الجلال البلقيني الأول ,
والمعتمد الثاني لقول الأصحاب: إذا غرم رجع بما غرم , وهذا لم يغرم.
ومثل ذلك ما لو وهبه المستحق الدين , فإنه لا يرجع , بخلاف ما لو قبضه منه
, ثم وهبه له , فإنه يرجع , كما لو وهبت المرأة الصداق للزوج , ثم طلقها
قبل الدخول , فإنه يرجع عليها بنصفه , بخلاف ما لو أبرأته منه قبل قبضها ,
فإنه لا يرجع عليها بشيء.
وقال في كشاف القناع (3 / 369)
متى أحال رب الحق على الغريم بدينه , أو أحيل رب الحق بدينه , أو زال العقد
من بيع أو نحوه , برئ الكفيل بالمال أو البدن , وبطل الرهن إن كان , لأن
الحوالة استيفاء في المعنى , سواء استوفي المحال به أو لا , ولبراءة الغريم
بزوال العقد.
وفي مجلة الأحكام الشرعية (م1145)
براءة الأصيل تستلزم براءة الفرع من غير عكس , فمتى برئ الكفيل برئ كفيله
وكفيل كفيله , وكذا لو أبرأ المكفول له الكفيل برئ وبرئ كفيله وكفيل كفيله
, لكن لو أبرأ المكفول له كفيل الكفيل لم يبرأ الكفيل.
وقال في المغني (4 / 548)
وان أبرأ صاحب الدين المضمون عنه , برأت ذمة الضامن , لا نعلم فيه خلافا ,
لأنه تبع ولأنه وثيقة , فإذا برئ الأصل زالت الوثيقة كالرهن. وان أبرأ
الضامن لم تبرأ ذمة المضمون عنه , لأنه أصل , فلا يبرأ بإبراء التبع ولأنه
وثيقة انحلت من غير استيفاء الدين منها , فلم تبرأ ذمة الأصل كالرهن إذا
انفسخ من غير استيفائه.
وفي مجلة الأحكام الشرعية (م1141)
يبرأ الكفيل بإبراء المكفول له إياه , وبإبرائه المكفول من الحق الذي عنده.
جاء في المجلة (م668)
لو صالح الكفيل أو الأصيل الدائن على مقدار من الدين , يبرآن إن اشترطت
براءتهما أو براءة الأصيل فقط , أو لم يشترط شيء. وان اشترطت براءة الكفيل
فقد يبرأ الكفيل فقط , ويكون الطالب مخيرا: إن شاء أخذ مجموع دينه من
الأصيل , وان شاء أخذ بدل الصلح من الكفيل , والباقي من الأصيل.
وفي المجلة (م669)
لو أحال الكفيل المكفول له على أحد وقبل المكفول له والمحال عليه , يبرأ
الكفيل والمكفول عنه أيضا.
جاء في المجلة (م671)
الكفيل بثمن المبيع إذا انفسخ البيع أو ضبط المبيع بالاستحقاق أو رد بعيب ,
يبرأ من الكفالة.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية الحنبلية (م1139)
يبرأ الكفيل بزوال العقد الذي لزم به الحق المكفول , وبإحالة رب الحق به
على المكفول وبإحالة المكفول إياه بالدين.
انتهاء الكفالة
بالنفس
تنتهي الكفالة بالنفس بأحد أمور ثلاثة: تسليم النفس , والإبراء , وموت
المكفول بنفسه.
تنتهي الكفالة بالنفس بثلاثة أمور:
تسليم النفس
تنتهي الكفالة بتسليم النفس إلى المطالب بها في موضع يقدر على إحضاره مجلس
القاضي , مثل أن يكون في مصر من الأمصار , لأن الكفيل أتى بما التزمه ,
وحصل المقصود من الكفالة بالنفس , وهو إمكان المحاكمة عند القاضي , وإذا
تحقق المقصود , تنتهي الكفالة.
فإن سلمه في صحراء أو برية , لم يبرأ الكفيل , لأنه لا يقدر على المحاكمة
فيها , فلم يحصل المقصود. وكذا إذا سلمه في بلد ليس فيها قاض أو أعوان
القاضي , كالشرطة مثلا , لعدم إمكان المحاكمة فيها.
وإن سلمه في السوق أو في المصر , فإنه يبرأ , لأن المطلوب: هو أن يتحقق
التسليم في مكان يقدر فيه على إحضاره إلى مجلس القاضي.
وإن شرط على الكفيل أن يسلم المكفول بنفسه في مصر معين , فسلمه في مصر آخر
, فيبرأ عند أبي حنيفة لوجود القدرة على المحاكمة في المصر المعين. ولا
يبرأ عند الصاحبين إلا بتسليمه في المكان المشروط , لأن التقييد بالمصر قد
يكون لغرض مفيد , كأن يكون له شهود فيما عينه دون غيره.
ولو شرط على الكفيل أن يسلم المكفول بنفسه عند الأمير , فسلمه عند القاضي ,
فإنه يبرأ.
الإبراء
أي أن يبرئ صاحب الحق الكفيل من الكفالة بالنفس , فتنتهي الكفالة , لأن
مقتضي الكفالة ثبوت حق المطالبة بتسليم النفس , فإذا أسقط حق المطالبة
بالإبراء , فينتهي الحق ضرورة.
ولا يبرأ الأصيل في هذه الحالة , لأن الإبراء صدر للكفيل دون الأصيل فإن
صدر الإبراء للأصيل برئا جميعا.
موت المكفول بنفسه
إذا مات الأصيل المكفول به , برئ الكفيل بالنفس من الكفالة , لأنه عجز عن
إحضاره ولأنه سقط الحضور عن الأصيل , فيسقط الإحضار عن الكفيل.
وكذلك تنتهي الكفالة إذا مات الكفيل , لأنه لم يبق قادرا على تسليم المكفول
بنفسه وأما ماله فلا يصلح لتنفيذ هذا الواجب بخلاف الكفالة بالمال.
ولو مات المكفول له: فلا تسقط الكفالة بالنفس , كما لا تسقط الكفالة بالمال
, لأن الكفيل ما زال قادرا على تنفيذ واجبه , ويقوم الوصي أو الوارث مقام
الميت في المطالبة.
المجلة (م663)
لو سلم الكفيل المكفول به في محل يمكن فيه المخاصمة كالبلد أو القصبة إلى
المكفول له , يبرأ الكفيل من الكفالة إن قبل المكفول له , أو لم يقبل ولكن
لو شرط تسليمه في بلدة معينة لا يبرأ بتسليمه أخرى. ولو كفل على أن يسلمه
في مجلس الحاكم وسلمه في الزقاق , لا يبرأ من الكفالة , ولكن لو سلمه في
حضور ضابط يبرأ.
المجلة (م664)
يبرأ الكفيل بمجرد تسليم المكفول به بطلب المطالب , وأما لو سلمه بدون طلب
الطالب فلا يبرأ ما لم يقل: سلمه بحكم الكفالة.
المجلة (م665)
لو كفل على أن يسلمه في اليوم الفلاني , وسلمه قبل ذلك اليوم يبرأ من
الكفالة , وان لم يقبل المكفول له.
المجلة (م666)
لو مات المكفول به كما يبرأ الكفيل من الكفالة , كذلك يبرأ كفيل الكفيل ,
كذلك لو توفي الكفيل كما برأ هو من الكفالة كذلك يبرأ كفيله إن كان له
كفيلا , ولكن لا يبرأ الكفيل من الكفالة بوفاة المكفول له , ويطالب وارثه.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية (م1137)
يبرأ الكفيل بموت المكفول , ولا يلزمه بموته الدين الذي عليه بلا ضمان.
مجلة الأحكام الشرعية (1140)
يبرأ الكفيل بتسليم المكفول نفسه لرب الحق , وبتسليم الكفيل إياه على الوجه
الذي كفله.
مجلة الأحكام الشرعية (1142)
لا يبرأ الكفيل بموته , فيؤخذ من تركته ما على المكفول , حيث تعذر إحضاره ,
ولا بموت المكفول له , بل ينتقل الحق إلى ورثته بطلب إحضاره.
انتهاء الكفالة
بالأعيان
تنتهي الكفالة بالأعيان المضمونة بنفسها بأحد أمور ثلاثة: تسليم العين ,
والإبراء , وتلف العين قبل طلبها.
تنتهى الكفالة بالأعيان المضمونة بأحد
أمرين:
أ - تسليم العين المضمونة بنفسها إذا كانت قائمة , وتسليم مثلها أو قيمتها
إن كانت هالكه.
ب - الإبراء: أي إبراء الكفيل من الكفالة , بأن يقول: (أبرأتك من الكفالة)
فيبرأ , لأن الكفالة حقه , فيسقط بإسقاطه كالدين أو إبراء الأصيل.
ج - وذكر الحنابلة سببا ثالثا لانقضاء الكفالة بالأعيان والكفالة بالنفس:
وهو التلف.
جاء في مجلة الأحكام الشرعية (م1138) :
لا يبرأ الكفيل ببدن من عنده عين مضمونة بتلفها بفعل الله قبل طلبها , ولا
يلزمه شيء , أما لو تلفت بعد الطلب أو بفعل آدمي , لم يبرأ الكفيل ويلزمه
بدلها.
|