فقه
المعاملات المضاربة
تعريف المضاربة
المضاربة هي دفع المال إلى من يعمل فيه على أن يكون الربح بينهما حسبما
يتفقان عليه.
تعددت تعريفات الفقهاء للمضاربة , ومنها:
- المضاربة عقد على الشركة بمال من أحد الجانبين وعمل من الآخر.
- المضاربة هي دفع المال إلى غيره ليتصرف فيه ويكون الربح بينهما على ما
اشترطا.
- المضاربة هي توكيل على تجر في نقد مضروب مسلم بجزء من ربحه.
- المضاربة هي أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر فيه على أن ما حصل من الربح
بينهما على ما يشترطانه.
وبالنظر إلى هذه التعريفات وغيرها يتضح أن دلالتها واحدة , فالمضاربة هي
عقد شركة في الربح بين اثنين أو أكثر , يقدم أحدهما مالا , ويقدم الآخر
عملا , أي أن المال يكون من جهة والعمل من جهة أخرى.
ويهدف عقد المضاربة إلى تثمير المال من أجل تحقيق الربح الحلال الذي يقسم
بين الطرفين حسب النسب المتفق عليها عند التعاقد.
ولفظ المضاربة مأخوذ من الضرب في الأرض وهو السير فيها , وقد سمي هذا العقد
مضاربة عند أهل العراق لأن المضارب يسير في الأرض ويسعى فيها لابتغاء
الفضل.
وتسمى المضاربة عند أهل المدينة القراض , وهو لفظ مأخوذ من القرض وهو القطع
, ذلك أن رب المال يقطع يده عن رأس المال ويجعله في يد المضارب.
ويستخدم في عقد المضاربة المصطلحات التالية:
- صاحب المال أو رب المال , وهو الطرف الذي يقدم رأس المال.
- العامل أو المضارب , وهو الطرف الذي يتولى العمل في رأس المال.
- رأس المال , وهو المبلغ الذي يقدمه رب المال إلى المضارب.
- العمل , وهو التصرفات التي يقوم بها المضارب.
- الربح , وهو مقصود المضاربة ويمثل الزيادة على رأس المال ويكون مشتركا
بين الطرفين.
وقد نص الفقهاء أنه لا يستحق أحد الطرفين شيئا من الربح حتى يستوفى رب
المال أصل ماله لأن الربح عندهم هو الزيادة على رأس المال , وهو ما يعبرون
عنه بأن الربح وقاية رأس المال.
المغني (ج5 ص134)
المضاربة وتسمى قراضا أيضا , ومعناها أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر له فيه
على أن ما حصل من الربح بينهما حسب ما يشترطانه.
القوانين الفقهية (ص279)
القراض ويسميه العراقيون المضاربة , وصفته أن يدفع رجلا مالا لآخر ليتجر به
ويكون الفضل بينهما حسبما يتفقان عليه من النصف أو الثلث أو الربع أو غير
ذلك بعد إخراج رأس المال.
المغني (ج5 ص135)
فأهل العراق يسمونه مضاربة مأخوذ من الضرب في الأرض وهو السفر فيها للتجارة
, قال الله تعالي: {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} ويحتمل أن
يكون من ضرب كل واحد منهما في الربح بسهم.
ويسميه أهل الحجاز القراض فقيل هو مشتق من القطع , يقال قرض الفأر الثوب
إذا قطعه فكأن صاحب المال اقتطع من ماله قطعة وسلمها إلى العامل واقتطع له
قطعة من الربح
مغني المحتاج (ج2 ص309 / 310)
القراض مشتق من القرض , وهو القطع لأن المالك يقطع للعامل قطعة من ماله
يتصرف فيها وقطعه من الربح أو من المقارضة. . . وأهل العراق يسمونه
المضاربة لأن كلا منهما يضرب بسهم في الربح ولما فيه غالبا من السفر والسفر
يسمى ضربا.
المجموع (ج14 ص358)
وقد جمع النووي بين الاسمين في المنهاج فقال: القراض والمضاربة أن يدفع
إليه مالا ليتجر فيه والربح مشترك.
بدائع الصنائع (ج6 ص80)
فالإيجاب هو لفظ المضاربة والمقارضة والمعاملة وما يؤدى معاني هذه الألفاظ
بأن يقول رب المال خذ هذا المال مضاربة على أن ما رزق الله عز وجل أو أطعم
الله تعالى منه من ربح فهو بيننا على كذا من نصف أو ربع أو ثلث أو غير ذلك
من الأجزاء المعلومة , وكذا إذا قال مقارضة أو معاملة ويقول المضارب أخذت
أو رضيت أو قبلت ونحو ذلك فيتم الركن بينهما.
أما لفظ المضاربة فصريح مأخوذ من الضرب في الأرض وهو السير فيها , سمى هذا
العقد مضاربة لأن المضارب يسير في الأرض ويسعى فيها لابتغاء الفضل.
وكذا لفظ المقارضة صريح في عرف أهل المدينة لأنهم يسمون المضاربة مقارضة
كما يسمون الإجارة بيعا ولأن المقارضة مأخوذة من القرض وهو القطع سميت
المضاربة مقارضة لما أن رب المال يقطع يده عن رأس المال ويجعله في يد
المضارب.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (ج3 ص517)
قول ابن الحاجب القراض إجارة على التجر في مال بجزء من ربحه. . . القراض
توكيل على تجر في نقد مضروب مسلم بجزء من ربحه إن علم قدرهما.
دليل مشروعية
المضاربة
أجمع الفقهاء على جواز عقد المضاربة واستدل بعضهم على ذلك بأدلة من الكتاب
والسنة والإجماع ,
بينما استدل آخرون فقط بالإجماع المستند إلى السنة التقريرية.
دليل المشروعية من الكتاب:
المضاربة فيها معنى الضرب في الأرض والانتشار فيها للمتاجرة طلبا للرزق ,
وهو الذي سمى في القرآن بفضل الله.
يقول تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله}
(الجمعة: 10)
ويقول تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} (البقرة: 198)
ويقول تعالى: {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} (المزمل: 20)
دليل المشروعية من السنة:
يقول رسول الله: ثلاث فيهن البركة: البيع إلى الأجل , والمقارضة , وإخلاط
البر بالشعير للبيت لا للبيع.
سنن ابن ماجة
وثبت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه سافر قبل النبوة إلى الشام
مضاربا بمال خديجة رضي الله عنها , وقد حكى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذلك بعد البعثة مقررا له.
وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم والناس يتعاملون بالمضاربة فلم ينكر عليهم
, فكان ذلك تقريرا منه لهم , والتقرير أحد وجوه السنة.
دليل المشروعية من الإجماع:
تعامل الصحابة رضي الله عنهم بالمضاربة ولم يكن فيهم مخالف لذلك , فيكون
عملهم هذا دالا على المشروعية والجواز
فقد روى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم دفعوا مال اليتيم مضاربة ,
منهم عمر وعثمان وعلي وعبد الله بن مسعود وعائشة رضوان الله عليهم جميعا ,
ولم ينقل إنكار أحد من أقرانهم , وبهذا يحصل الإجماع.
كما أن الأمة أجمعت من بعدهم جيلا بعد جيل على جواز المضاربة في مختلف
العصور.
المجموع (ج14 ص360)
قال الماوردي في الحاوي: والأصل في إحلال القراض وإباحته قوله تعالى {ليس
عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} وفى القراض ابتغاء فضل وطلب نماء.
المجموع (ج14 ص359)
قال ابن المنذر وأجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة , وقال
الصنعاني لا خلاف بين المسلمين في جواز القراض , وانه مما كان في الجاهلية
فأقره الإسلام.
المبسوط (ج12 ص18)
وجواز هذا العقد عرف بالسنة والإجماع.
بدائع الصنائع (ج6 ص79)
القياس أنه (عقد المضاربة) لا يجوز لأنه استئجار بأجر مجهول بل بأجر معدوم
ولعمل مجهول لكنا تركنا القياس بالكتاب العزيز والسنة والإجماع.
المغني (ج5 ص135)
إن بالناس حاجة إلى المضاربة , فإن الدراهم والدنانير لا تنمى إلا بالتقليب
والتجارة , وليس كل من يملكها يحسن التجارة , ولا كل من يحسن التجارة له
رأس مال فاحتيج إليها من الجانبين , فشرعها الله تعالى لدفع الحاجتين.
المجموع (ج14 ص360)
روى ابن أبي الجارود حبيب بن يسار عن ابن عباس قال: كان العباس إذا دفع
مالا مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحرا ولا ينزل به واديا ولا
يشترى به ذات كبد رطبة , فإن فعل فهو ضامن , قال الماوردي فرفع ذلك إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فأجازه.
وقال مالك في الموطأ عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن جده أنه
عمل في مال لعثمان على أن الربح بينهما.
المبسوط (ج12 ص18)
وروى أن عبد الله وعبيد الله ابنا عمر رضي الله عنهم قدما العراق ونزلا على
أبى موسى رضي الله عنه فقال لو كان عندي فضل مال لأكرمتكما ولكن عندي مال
من مال بيت المال فابتاعا به فإذا قدمتما المدينة فادفعاه إلى أمير
المؤمنين رضي الله عنه , ولكما ربحه , ففعلا ذلك , فلما قدما على عمر رضي
الله عنه أخبراه بذلك فقال هذا مال المسلمين فربحه للمسلمين , فسكت عبد
الله وقال عبيد الله لا سبيل لك إلى هذا فإن المال لو هلك كنت تضمننا (وفي
رواية: لو تلف كان ضمانه علينا فلم لا يكون ربحه لنا؟) قال بعض الصحابة
رضوان الله عليهم أجمعين: اجعلهما بمنزلة المضاربين لهما نصف الربح
وللمسلمين نصفه , فاستصوب عمر رضي الله عنه.
المغني (ج5 ص135)
روى عن حميد بن عبد الله عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب أعطاه مال يتيم
مضاربة يعمل به في العراق.
الوصف الفقهي
للمضاربة
اختلف الفقهاء في الوصف الفقهي لعقد المضاربة
فيرى جمهور الفقهاء أن المضاربة من جنس الإجارات وهي جائزة على خلاف
القياس.
بينما يرى ابن تيمية وابن القيم من الحنابلة أن المضاربة من جنس المشاركات
وهي جائزة على مقتضى القياس.
هذا وقد اختلف الفقهاء في التكييف الشرعي
لعقد المضاربة , فهل هو من جنس الإجارات أو من جنس الشركات؟
الاتجاه الأول: المضاربة من جنس الإجارات
يرى جمهور الفقهاء (الحنفية , المالكية , الشافعية) أن المضاربة من جنس
الإجارات لأن المضارب يعمل لرب المال مقابل أجر وهو ما شرط له من ربح.
ونظرا لاشتراط معلومية الأجر والعمل في عقد الإجارة , فالأصل في المضاربة
عند جمهور الفقهاء أنها غرر , لأنها إجارة مجهولة إذ العامل لا يدري كم
يربح في المال.
ولكن الشرع جوزها للضرورة إليها ولحاجة الناس للتعامل بها.
فالمضاربة جائزة على خلاف القياس لأن القياس يقتضي عدم جواز الاستئجار بأجر
معدوم ولعمل مجهول , وقد ترك القياس عند الجمهور للأدلة الواردة في الكتاب
والسنة والإجماع.
الاتجاه الثاني: المضاربة من جنس المشاركات
يرى ابن تيمية وابن القيم من الحنابلة أن المضاربة ليست من جنس الإجارات
حتى يقال أنها خرجت على قواعدها , بل هي من جنس المشاركات , لأن رب المال
ليس له قصد في نفس عمل المضارب بل القصد هو ما يحققه من ربح.
ففي المضاربة يشترك المتعاقدان في المغنم والمغرم , فإن حصل ربح اشتركا فيه
, وإن لم يحصل شيء اشتركا في المغرم , وذهب نفع بدن هذا كما ذهب نفع مال
هذا.
وعليه , تكون المضاربة جائزة على مقتضى القياس الصحيح , وهى شرعت وفق قياس
الشركات التي لا يشترط فيها العلم بالعوض والمعوض , وليس هناك في الشريعة
ما يخالف القياس.
القوانين الفقهية (ص279)
القراض جائز مستثنى من الغرر والإجارة المجهولة.
مغني المحتاج (ج2 ص310)
القراض عقد غرر إذ العمل فيه غير مضبوط والربح غير موثوق به , وإنما جوز
للحاجة.
بدائع الصنائع (ج6 ص79)
القياس أنه (عقد المضاربة) لا يجوز لأنه استئجار بأجر مجهول بل بأجر معدوم
ولعمل مجهول لكنا تركنا القياس بالكتاب العزيز والسنة والإجماع.
المجموع (ج12 ص5)
أن القراض معاملة تشتمل على غرر إذ العمل غير مضبوط والربح غير موثوق به
وإنما جوزت للحاجة.
إعلام الموقعين (ج1 ص384)
أنه لا يوجد في الشريعة أمر يخالف القياس , وإن المضاربة بحقيقتها وهدف
المتعاقدين منها إنما هي شركة لا إجارة , وبناء على هذا فهي واردة وفق قياس
الشركات التي يكون العمل فيها غير معلوم ولا محدد , والربح كذلك غير موجود
ولا محقق الوجود ولا معلوم المقدار.
إعلام الموقعين (ج2 ص4)
فالذين قالوا المضاربة والمساقاة والمزارعة على خلاف القياس ظنوا أن هذه
العقود من جنس الإجارة , لأنها عمل بعوض والإجارة يشترط فيها العلم بالعوض
والمعوض , فلما رأوا أن العمل والربح في هذه العقود غير معلومين قالوا هي:
على خلاف القياس , وهذا من غلطهم , فإن هذه العقود من جنس المشاركات لا من
جنس المعاوضات , وإن كان فيها شوب المعاوضة.
الحكم التكليفي
للمضاربة
بالرغم من بروز طابع المشاركة بين رب المال والمضارب بتقديم الأول المال
وتقديم الثاني العمل للاشتراك معا في الربح , فإن العلاقة بينهما تأخذ
أطوارا مختلفة في الاعتبار والأحكام.
فقد يكون المضارب بمنزلة الوديع , أو بمنزلة الوكيل , أو بمنزلة الشريك ,
أو بمنزلة الأجير , أو الغاصب.
المضارب بمنزلة الوديع
إذا قبض المضارب المال ولم يشرع في العمل , فإن المال يكون أمانة في يده
بمنزلة الوديعة.
ويلتزم المضارب بحفظ المال , وليس عليه ضمانه إن ضاع منه دون تعد أو تقصير.
أوجه التشابه بين المضارب والوديع:
- كل منهما يتسلم مال المالك بإذنه لا على سبيل البدل اللازم ولا على وجه
الوثيقة , وكلاهما يكون أمينا على المال لا يضمنه إلا بالتعدي والتقصير.
أوجه الاختلاف بين المضارب والوديع:
- يحق للمضارب التصرف في المال لتحقيق الربح.
- لا يحق للوديع التصرف في المال بل يجب عليه حفظه فحسب.
المضارب بمنزلة الوكيل
إذا شرع المضارب في العمل كان وكيلا لرب المال , فيقوم مقامه فيما عهد إليه
به من التصرف في ماله.
أوجه التشابه بين المضارب والوكيل:
- كل منهما يستفيد بمال غيره بإذنه وله حق التصرف فيه دون امتلاكه , وهو
أمين على المال لا يضمنه إلا بتعد أو تقصير.
أوجه الاختلاف بين المضارب والوكيل:
- تصرفات المضارب أعم وأشمل من تصرفات الوكيل المطلق.
المضارب بمنزلة الشريك
إذا حصل ربح في المال تحولت العلاقة بين رب المال والمضارب إلى علاقة
مشاركة , ويكون المضارب شريكا في الربح بقدر حصته المتفق عليها.
أوجه التشابه بين المضارب والشريك:
- يجوز لكل منهما التصرف في المال وتثميره لتحقيق الربح.
أوجه الاختلاف بين المضارب والشريك:
- يساهم المضارب بعمله ويشترك في قدر من الربح بنسبة يتفق عليها , ولا
يتحمل الخسارة إلا بتعد أو تفريط.
- يساهم المشارك بجزء من رأس المال ويشترك في الربح بقدر نسبة ماله في رأس
المال (عند المالكية والشافعية) ويتحمل الخسارة بنسبة رأس ماله في كل
الأحوال.
المضارب بمنزلة الأجير
إذا فسدت المضاربة بوجه من الوجوه تحولت العلاقة إلى إجارة , ويصير المضارب
بمنزلة الأجير لرب المال , فله أجر المثل ولرب المال جميع الربح الناشئ عن
العمل.
أوجه التشابه بين المضارب والأجير:
- يعمل المضارب كالأجير لفائدة رب المال مقابل أجر , والأجر هنا ما شرط له
من ربح.
- إذا فسدت المضاربة لأي سبب من الأسباب يستحق المضارب أجر المثل إن تحقق
في المضاربة ربح.
أما إن لم تربح فالصحيح أنه لا أجر له لئلا تكون المضاربة الفاسدة أجدى من
الصحيحة التي من أحكامها الأصلية أنه لا شيء للمضارب إن لم يحصل ربح.
أوجه الاختلاف بين المضارب والأجير:
- يعمل المضارب أعمالا غير مضبوطة لا يمكن الاستئجار عليها , ويستحق مقابل
عمله أجرا مجهولا بل معدوما وهو ما يتحقق له من ربح.
- يعمل الأجير أعمالا مضبوطة ويستحق مقابل عمله أجرا معلوما سواء أثمر جهده
ربحا للمؤجر أم لا.
المضارب المخالف بمنزلة الغاصب
إذا خالف المضارب شيئا من القيود أو الشروط التي تضمنها العقد , فإنه يصير
بمنزلة الغاصب.
ويكون المال مضمونا عليه وليس له ها هنا أجر البتة.
أوجه التشابه بين المضارب والغاصب:
- إذا تعمد المضارب إفساد المضاربة بأن فعل ما نهاه عنه رب المال أو فعل ما
لا يحق له أن يعمله , فمذهب الجمهور بأنه يصير بمثابة الغاصب للمال ومن ثم
يضمن , إذ يصير متصرفا في مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان كالغاصب.
بدائع الصنائع (ج6 ص78)
أما الذي يرجع إلى حال المضارب في عقد المضاربة فهو:
- إن رأس المال قبل أن يشتري المضارب به شيئا أمانة في يده بمنزلة الوديعة
لأنه قبضه بإذن المالك لا على وجه البدل والوثيقة.
- فإذا اشترى به شيئا صار بمنزلة الوكيل بالشراء والبيع لأنه تصرف في مال
الغير بأمره وهو معنى الوكيل.
- فإذا ظهر في المال ربح صار شريكا فيه بقدر حصته من الربح لأنه ملك جزءا
من المال المشروط بعمله , والباقي لرب المال لأنه نماء ماله.
- فإذا فسدت بوجه من الوجوه صار بمنزلة الأجير لرب المال.
- فإذا خالف شرط رب المال صار بمنزلة الغاصب ويصير المال مضمونا عليه.
الفقه على المذاهب الأربعة (ج3 ص35)
المضارب له أحوال يختلف معها حكم المضاربة. . .:
أحدها:
أن المضارب عند قبض المال وقبل الشروع في العمل يكون أمينا , وحكم الأمين
أن يكون المال أمانة في يده يجب عليه حفظه ورده عند طلب المالك وليس عليه
الضمان إذا فقد منه.
ثانيها:
أنه عند الشروع في العمل يكون المضارب وكيلا , وحكم الوكيل أنه يقوم مقام
موكله فيما وكل فيه ويرجع على صاحب المال بما يلحقه من التعهدات المالية
المتعلقة بوكالته. . . وعقد الوكالة ليس لازما فإن لكل منهما أن يتخلى عنه
بدون إذن صاحبه.
ثالثها:
أنه عند حصول الربح يكون حكم المضارب كالشريك في شركة العقود المالية , وهي
أن يكون لكل من الشريكين حصة معينة من الربح الناتج عن استثمار مال. . .
رابعها:
إذا فسدت المضاربة يكون حكم المضارب حكم الأجير بمعنى أن الربح جميعه يكون
لرب المال والخسارة تكون عليه وللمضارب أجر مثله , وهل له أجر مثله سواء
ربح المال أو خسر خلاف , والصحيح أنه إذا عمل في المضاربة الفاسدة فلا أجر
له إذا لم يربح لأنه إذا أخذ أجرا مع عدم الربح في الفاسدة تكون الفاسدة
أروج من الصحيحة. . .
خامسها:
إذا خالف المضارب شرطا من الشروط يكون غاصبا , وحكم الغاصب أنه يكون آثما
ويجب عليه رد المغصوب وعليه ضمانه.
تقسيم المضاربة من
حيث نطاق العمل
تنقسم المضاربة من حيث نطاق العمل إلى مضاربة مطلقة ومضاربة مقيدة.
والمضاربة المطلقة هي التي يترك فيها للمضارب حرية التصرف في إطار أحكام
الشريعة الإسلامية والعرف التجاري وما يؤدي إلى الهدف منها وهو تحقيق
الأرباح , فيدفع رب المال إلى المضارب قدرا من المال يعمل فيه من غير تعيين
نوع العمل والمكان والزمان ولا تحديد صفة من يعاملهم.
ويمكن أن يرافق هذه المضاربة المطلقة تفويض عام أو إذن صريح من رب المال
للمضارب ببعض التصرفات.
أما المضاربة المقيدة فهي التي يحدد فيها للمضارب بواسطة رب المال حدود
يتصرف في إطارها تتعلق بالمكان أو الزمان أو نوع العمل أو من يعاملهم
المضارب. . . ويعتبر المضارب مخالفا إذا لم يلتزم بهذه القيود.
المضاربة المطلقة
المضاربة المطلقة هي التي يترك فيها للمضارب حرية التصرف في إطار أحكام
الشريعة الإسلامية والعرف التجاري وما يؤدي إلى الهدف منها وهو تحقيق
الأرباح , فيدفع رب المال إلى المضارب قدرا من المال يعمل فيه من غير تعيين
نوع العمل والمكان والزمان ولا تحديد صفة من يعاملهم.
ويمكن تقسيم المضاربة المطلقة إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: المضاربة المطلقة المعتادة
وهى أن يدفع رب المال إلى المضارب المال ويطلق تصرفه ليباشر بنفسه تقليب
المال المؤتمن عليه في كل ما كان من عادة التجار ومن ضرورات أعمال المضاربة
لتحقيق الربح الذي هو المقصود الأصلي للعقد.
وفي هذه الحالة ليس للمضارب أن يباشر بعض التصرفات التي قد تعرض مال
المضاربة إلى الأخطار أو توجب فيه حقا لغيره إلا بالتفويض العام أو الإذن
الصريح من رب المال.
النوع الثاني: المضاربة المطلقة مع التفويض العام
وهي أن يدفع رب المال إلى المضارب المال ويفوض إليه أمر المضاربة بكل ما
يراه محققا للغرض ومؤديا إلى الربح من غير تقييد.
وفي هذه الحالة يملك المضارب التصرف بكل ما هو متعارف بين التجار وفيه
مصلحة للمضاربة , فيدخل تحت هذا التفويض ما لا يدخل تحت المضاربة المطلقة
المعتادة مثل (عند بعض الفقهاء) مشاركة الغير , وخلط مال المضاربة بغيره ,
والمضاربة بمال المضاربة.
النوع الثالث: المضاربة المطلقة مع الإذن الصريح
وهي أن يدفع رب المال إلى المضارب المال ليضارب به ويأذن له صراحة ببعض
التصرفات الخاصة كالهبة , والصدقة , والإقراض من مال المضاربة والاستدانة
عليها , وفي هذه الحالة يملك المضارب التصرف بما أذن له فيه لأن المنع كان
لحق رب المال , وقد أسقطه بنفسه.
المضاربة المقيدة
المضاربة المقيدة هي أن يدفع رب المال إلى المضارب قدرا من المال يعمل فيه
, ويقيد تصرفه من حيث نوع العمل أو المكان أو الزمان أو صفة من يعاملهم.
فقيودها أربعة:
أ - نوع العمل.
ب - المكان.
ج - الزمان (التأقيت) .
د - من يعامله المضارب.
وقد أجاز الفقهاء تقييد رب المال عمل المضارب بقيد مفيد لا يؤدي إلى
التضييق عليه بحيث لا يستطيع مزاولة عمله بطريقة تمكنه من تحقيق هدف
المضاربة ومقصودها وهو الربح.
ويجب التزام المضارب بما قيد به وتبقى المضاربة مطلقة فيما وراء ذلك القيد.
ويعتبر المضارب مخالفا إذا لم يلتزم بهذه القيود.
ومع اتفاقهم على أن الأصل في القيد اعتباره إذا كان مفيدا , فقد اختلف
الفقهاء في اعتبار بعض القيود واجتهد كل فريق بما رأى أنه العرف المتبع أو
العادة الجارية.
فمنهم من رأى أن هذا القيد مفيد فقال بجوازه , ومنهم من رأى أنه غير مفيد
فقال بعدم جوازه.
تقييد نوع العمل -
القيد: منع المضارب عن التعامل في صنف معين من البضائع يجوز باتفاق الفقهاء
لأن القيد هنا مفيد , وليس فيه تضييق على المضارب إذ لا يمنعه من تحقيق
الربح الذي هو المقصود من العقد.
- القيد: إلزام المضارب التعامل في صنف محدد من البضائع هذا القيد جائز عند
الحنفية والحنابلة لأن المضارب يتصرف بمال المضاربة بإذن رب المال بصفته
وكيلا عنه , فوجب عليه الالتزام بما قيد به.
وهو جائز عند المالكية والشافعية بشرط أن يكون الصنف المحدد غير نادر
الوجود لأن ذلك تضييق ينافي مقتضى المضارب.
تقييد المكان -
القيد: تعيين مكان عام يعمل فيه المضارب كبلد أو مدينة ما يجوز باتفاق
الفقهاء لأن المضاربة توكيل من رب المال , والتوكيل في شيء معين يختص به ,
وفي هذا الشرط محافظة على المضاربة من الأخطار.
- القيد: تعيين مكان خاص يعمل فيه المضارب كسوق محدد لا يتعداه هذا القيد
جائز عند الحنفية والحنابلة والشافعية لأن السوق كالمكان العام يمكن
الاتجار فيه وتحقيق مقصود المضاربة دون تضييق على المضارب.
ولا يجوز عند المالكية لما فيه من التضييق على المضارب لتحصيل الربح.
- القيد: تعيين حانوت خاص يعمل فيه المضارب دون أن يتعداه هذا القيد جائز
عند الحنفية والحنابلة لأن فيه محافظة على المال , ولا يمنع الربح بالكلية.
ولا يجوز عند المالكية والشافعية لأنه يحد من حركة المضارب في تقليب المال.
تقييد الزمان
- القيد: تأقيت المضاربة بزمن محدد تنتهي فيه هذا القيد جائز عند الحنفية
والحنابلة لأن المضاربة توكيل , والتوكيل يحتمل التخصيص بوقت دون وقت.
وهو جائز أيضا عند الشافعية في حالة منع المضارب من الشراء فقط والسماح له
بالبيع بعد المدة المحددة لتمكينه من تنضيض مال المضاربة.
أما عند المالكية فهذا القيد لا يجوز لأن المضارب قد لا يتمكن من تحقيق
الربح خلال المدة المعينة فيخل ذلك بالمقصود.
تقييد من يعاملهم المضارب -
القيد: تقييد المضارب بمعاملة أشخاص معينين أو منعه عن معاملتهم هذا القيد
جائز باتفاق الفقهاء لأن رب المال يزداد ثقة في المعاملة , وفى نفس الوقت
يبقى مجال تحقيق الربح متوفرا للمضارب , فلا يخل هذا القيد بالمقصود.
- القيد: تقييد المضارب بمعاملة شخص بعينه هذا القيد جائز عند الحنفية
والمالكية لأنه لا يمنع من تحصيل الربح ولا ينافي مقتضى العقد , فيتقيد
المضارب بما أذن له فيه كالوكيل.
ولا يجوز عند المالكية والشافعية لأن الشخص المعين قد لا يعامله فيخل
المقصود من المضاربة.
بدائع الصنائع (ج6 ص87)
إن المضاربة نوعان , مطلقة ومقيدة:
- فالمطلقة أن يدفع المال مضاربة من غير تعيين العمل والمكان والزمان وصفة
العمل ومن يعامله , - والمقيدة أن يعين شيئا من ذلك , وتصرف المضارب في كل
واحد من النوعين ينقسم أربعة أقسام:
- قسم منه للمضارب أن يعمله من غير الحاجة إلى التنصيص عليه ولا إلى قول
اعمل برأيك فيه , - وقسم منه ما له أن يعمله إذا قيل له اعمل فيه برأيك وإن
لم ينص عليه , - وقسم منه ما ليس له أن يعمله ولو قيل له اعمل فيه برأيك
إلا بالتنصيص عليه , - وقسم منه ما ليس له أن يعمله رأسا وإن نص عليه.
بدائع الصنائع (ج6 ص98)
وأما المضاربة المقيدة فحكمها حكم المضاربة المطلقة في جميع ما وصفنا لا
تفارقها إلا في قدر القيد والأصل فيه أن القيد إن كان مفيدا يثبت لأن الأصل
في الشروط اعتبارها ما أمكن , وإذا كان القيد مفيدا كان يمكن الاعتبار
فيعتبر لقول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام المسلمون عند شروطهم فيتقيد
بالمذكور ويبقى مطلقا فيما وراءه على الأصل المعهود في المطلق إذا قيد ببعض
المذكور أنه يبقى مطلقا فيما وراءه كالعام إذا خص منه بعضه أنه يبقى عاما
فيما وراءه , وإن لم يكن مفيدا لا يثبت بل يبقى مطلقا لأن ما لا فائدة فيه
يلغو ويلحق بالعدم
المبسوط (ج12 ص40)
وإذا دفعه إليه مضاربة على أن يعمل به في الكوفة ليس له أن يعمل به في
غيرها لأن كلمة - على - للشرط , والشرط في العقد متى كان مفيدا يجب اعتباره
وهذا شرط مفيد لصاحب المال ليكون ماله محفوظا في المصر يتمكن منه متى شاء
فيتقيد الأمر بما قيده به.
ويقاس التوقيت من حيث المكان بالتوقيت من حيث الزمان.
ولو دفعه إليه مضاربة على أن يعمل به في سوق الكوفة فعمل به في الكوفة في
غير ذلك المكان ففي القياس هو مخالف ضامن لأنه خالف شرطا نص عليه الدافع.
ولو دفعه إليه على أن يعمل به في سوق الكوفة وقال له لا تعمل به إلا في
السوق فعمل به في غير السوق فهو مخالف ضامن.
المبسوط (ج12 ص42)
ولو دفع إليه مضاربة على أن يشتري من فلان ويبيع منه فليس له أن يشتري من
غيره , ولا أن يبيع من غيره لأن هذا تقييد بشرط مفيد والناس يتفاوتون في
المعاملة في الاستقضاء والمساهلة ويتفاوتون في ملاءة الذمة وقضاء الديون.
المبسوط (ج12 ص43)
ولو دفع إليه مالا مضاربة بالنصف ولم يقل شيئا ثم قال له رب المال بعد ذلك
لا تعمل بالمال إلا في الحنطة فليس له أن يعمل به إلا في الحنطة لأن تقييده
الأمر بعد الدفع مضاربة لتقييده بذلك عند الدفع وهذا لأن رأس المال ما دام
في يد المضارب نقدا فرب المال يملك نهيه عن التصرف فيملك تقييد الأمر بنوع
دون نوع.
بداية المجتهد (ج2 ص238)
واختلفوا في المقارض يشترط رب المال عليه خصوص التصرف مثل أن يشترط عليه
تعيين جنس ما من السلع , أو تعيين جنس ما من البيع , أو تعيين موضع ما
للتجارة , أو تعيين صنف ما من الناس يتجر معهم , فقال مالك والشافعي في
اشتراط جنس من السلع لا يجوز ذلك إلا أن يكون ذلك الجنس من السلع لا يختلف
وقتا ما من أوقات السنة , وقال أبو حنيفة يلزمه ما اشترط عليه , وإن تصرف
في غير ما اشترط عليه ضمن. فمالك والشافعي رأيا أن هذا الشرط من باب
التضييق على المقارض فيعظم الغرر بذلك , وأبو حنيفة استخف الغرر الموجود في
ذلك , كما لو اشترط عليه أن لا يشتري جنسا ما من السلع لكان على شرطه في
ذلك بإجماع.
المدونة الكبرى (ج4 ص59)
قلت: فلو دفعت إلى رجل مالا قراضا على أن يخرج بالمال إلى بلد من البلدان
يشتري في ذلك الموضع تجارة , قال: سألت مالكا عن ذلك فقال لا خير فيه , قال
مالك يعطيه المال ويقوده كما يقود البعير , قال: وإنما كره مالك من هذا أنه
يحجر عليه أنه لا يشتري إلا أن يبلغ ذلك البلد.
القوانين الفقهية (ص280)
من شروط القراض: أن لا يضرب أجل العمل خلافا لأبي حنيفة وأن لا يحجر على
العمل فيقصر على سلعة واحدة أو دكان.
المجموع (ج14 ص379)
فإذا أذن له في أن يتجر فيما ندر وجوده وعز طلبه , كالياقوت الأحمر والخيل
البلق فالقراض باطل سواء وجده أو لم يجده لأنه على غير ثقة من وجوده.
تقسيم المضاربة من
حيث تعدد أطرافها
تنقسم المضاربة من حيث تعدد أطرافها إلى قسمين:
أولهما المضاربة الثنائية , وهي التي يوجد فيها شخص واحد يقدم المال وشخص
واحد يقوم بالعمل ,
والثانية هي المضاربة المشتركة أو الجماعية التي يتعدد فيها أرباب المال أو
المضاربون.
فيجوز اشتراك أكثر من شخص في تقديم المال لمضارب واحد (وهي حالة تعدد رب
المال) , وإذا عمل المضارب في المالين في مضاربتين مختلفتين فهذا جائز عند
جمهور الفقهاء في حالة عدم وقوع ضرر بصاحب المال الأول , كما يجوز عندهم
عمل المضارب في المالين في مضاربة واحدة وذلك بشروط حددوها في مسألة خلط
مال المضاربة بغيرها.
ويجوز كذلك لرب المال أن يدفع ماله إلى شخصين للعمل به في مضاربة واحدة
(وهي حالة تعدد المضاربين) , ذلك لأن عقده معهما كعقدين.
ويجوز لرب المال أن يساوي أو يفاضل بينهما في الربح لأنهما يختلفان في قوة
العمل والهداية فيه.
المضاربة الثنائية
المضاربة الثنائية هي أن:
- يقدم شخص واحد رأس المال , ويسمى رب المال.
- ويقوم شخص واحد آخر بالعمل , ويسمى المضارب.
وهذه هي الصورة الأصلية للمضاربة الفردية التي تتكون بين شخصين , وهى جائزة
باتفاق الفقهاء.
المضاربة الجماعية بتعدد أرباب المال
المضاربة الجماعية بتعدد أرباب المال هي أن:
- يشترك أكثر من شخص في تقديم المال (تعدد رب المال) .
- وينفرد أحد الأشخاص بتقديم العمل.
وهناك حالتان أمام المضارب , فقد يعمل بالمال الثاني في مضاربة جديدة بحيث
يتم التمييز بين المالين في مضاربتين مختلفتين , وقد يضيف المال الثاني في
نفس المضاربة الأولى بحيث يتم خلط المالين ويعمل بهما في مضاربة واحدة.
الحالة الأولى: حالة التمييز بين المالين
في هذه الحالة يعمل المضارب بالمال الثاني في مضاربة جديدة بحيث يتم
التمييز بين المالين في مضاربتين مختلفتين.
يجوز عند الحنابلة والمالكية عمل المضارب في مالين متميزين لمالكين مختلفين
بموافقة رب المال الأول لأن المضارب يكون طرفا في مضاربتين منفصلتين لكل
واحدة منها حكمها الخاص.
أما عند عدم حصول الموافقة فإنه يشترط عدم وقوع ضرر يلحق صاحب المال الأول
نتيجة الانشغال بالعمل في المضاربة الثانية.
أما عند الشافعية والحنفية فإنه يجوز عندهم عمل المضارب في مالين مختلفين
دون أن يشترط إذن رب المال الأول أو عدم وقوع ضرر يلحق صاحب المال الأول.
الحالة الثانية: حالة خلط المالين
في هذه الحالة يضيف المضارب المال الثاني في نفس المضاربة الأولى بحيث يتم
خلط المالين ويعمل بهما في مضاربة واحدة.
وقد اتفق الفقهاء على جواز خلط رأس مال المضاربة بمال آخر سواء كان ذلك
الخلط بمال المضارب نفسه أو بمال مضاربة أخرى , وذلك لغرض العمل فيهما
جميعا.
واشترطوا لجواز ذلك أن يتم الخلط قبل بدء المضارب العمل أو بعد التنضيض أي
بعد عودة مال المضاربة نقودا كما كان قبل العمل.
ويهدف هذا الشرط للمحافظة على حقوق مختلف الأطراف من تداخل الحسابات
المفضية إلى المنازعة , لأن خلط الأموال يوجب جبران خسران أحدهما بربح
الآخر.
أما إذا لم يبدأ المضارب في العمل أو عاد مال المضاربة نقودا كما كان قبل
العمل (أي بعد التنضيض) فإن خلط المالين جائز لأن ربح المال الأول أو
خسارته أصبحت معروفة , فكان ضم الثاني إلى الأول لا غبن ولا غرر فيه على
أحد المتعاقدين.
ويكون في هذه الحالة خلط المال في مضاربة واحدة على سبيل الشركة بين أرباب
المال , فيتحمل كل منهم الربح والخسارة بنسبة حصته في المال.
وقد اختلف الفقهاء هل يملك المضارب الخلط بمطلق العقد أم لا بد من إذن رب
المال أو تفويض منه؟
ذهب المالكية إلى أن المضارب يملك خلط مال المضاربة بمطلق العقد , لأن ذلك
من ضرورات أعمال المضاربة لتحقيق الربح وهو من عادة التجار والغالب على
أحوال المضاربين أن تكون لهم أموال خاصة ويعرف منذ البداية أن الأموال
ستختلط وأن التجارة ستكون واحدة.
واشترط الحنفية والحنابلة لذلك وجود تفويض عام من رب المال , لأن خلط
الأموال أمر متعارف بين التجار وقد تكون المصلحة فيه لجميع الأطراف , فيجوز
تصرف المضارب بعموم التفويض.
أما عند الشافعية فإن المضارب لا يملك هذا التصرف إلا بالإذن الصريح من رب
المال , لأن بخلط المال يوجب في مال رب المال حقا لغيره , وذلك لا يجوز إلا
بالإذن ولأن المنع كان من حق رب المال وقد أسقطه بالإذن.
المضاربة الجماعية بتعدد المضاربين
المضاربة الجماعية بتعدد المضاربين هي أن:
- ينفرد أحد الأشخاص بتقديم المال.
- ويشترك أكثر من شخص في تقديم العمل.
وفي هذه الصورة قد يدفع المال إلى شخصين للعمل به في مضاربتين مختلفتين ,
وقد يدفع إلى شخصين للعمل به في مضاربة واحدة.
الحالة الأولى: دفع المال إلى شخصين في مضاربتين مختلفتين
في هذه الحالة يقوم رب المال بدفع ماله إلى شخصين مختلفين للعمل بالمال في
مضاربتين منفصلتين.
وهذا جائز بلا خلاف ويكون كل مضارب مستقلا عن الآخر.
الحالة الثانية دفع المال إلى شخصين في مضاربة واحدة
في هذه الحالة يقوم رب المال بدفع ماله إلى شخصين للمضاربة به في عقد واحد.
وقد أجاز الفقهاء ذلك لأن عقد رب المال مع الشخصين كعقدين.
ويجوز له أن يساوي أو يفاضل بينهما في الربح لأن أحدهما قد يكون أبصر
بالتجارة من الآخر وأقوى على العمل.
فإن كان أحد المضاربين مقدما على غيره يسمى المضارب الآخر بالمضارب
المشارك.
وقد أشار بعض الفقهاء إلى أن المضارب المشارك لا يجوز له التصرف إلا
بموافقة شريكه (المضارب الآخر) لأن رب المال رضى برأيهما ولم يرض برأي
أحدهما فصارا كالوكيلين.
المغني (ج5 ص163)
إذا أخذ من إنسان مضاربة ثم أراد أخذ مضاربة أخرى من آخر فأذن له الأول جاز
, وان لم يأذن له ولم يكن عليه ضرر جاز أيضا بغير خلاف , وإن كان فيه ضرر
على رب المال الأول ولم يأذن مثل أن يكون المال الثاني كثيرا يحتاج إلى أن
يقطع زمانه وشغله عن التجارة في الأول ويكون المال الأول كثيرا متى اشتغل
عنه بغيره انقطع عن بعض تصرفاته لم يجز له ذلك.
وقال أكثر الفقهاء يجوز لأنه عقد لا يملك به منافعه كلها , فلم يمنع من
المضاربة كما لو لم يكن فيه ضرر وكالأجير المشترك , ولنا أن المضاربة على
الحظ والنماء فإذا فعل ما تمنعه لم يكن له.
المغني (ج5 ص175)
وإذا دفع إليه ألفا مضاربة ثم دفع إليه ألفا آخر مضاربة وأذن له في ضم
إحداهما إلى الآخر قبل التصرف في الأول جاز , وصارا مضاربة واحدة كما لو
دفعها إليه مرة واحدة , وإن كان بعد التصرف في الأولى في شراء المتاع لم
يجز لأن حكم الأول استقر فكان ربحه وخسرانه مختصا به فضم الثانية إليها
يوجب جبران خسران أحدهما بربح الآخر.
الإنصاف (ج5 ص437)
وليس للمضارب أن يضارب لآخر , إذا كان فيه ضرر على الأول.
أنه إذا لم يكن فيه ضرر على الأول يجوز أن يضارب لآخر وهو صحيح.
وهو المذهب مطلقا. . . . ونقل الأثرم متى اشترط النفقة على رب المال فقد
صار أجيرا له , فلا يضارب لغيره.
قيل فإن كانت لا تشغله؟ قال: لا يعجبني. لا بد من شغل.
مغني المحتاج (ج2 ص315)
ويجوز أن يقارض الاثنان عاملا واحدا , لأن ذلك كعقد واحد ثم إن تساويا فيما
شرط فذاك , وإن تفاوتا كأن شرط أحدهما النصف والآخر الربع فإن أبهما لم يجز
, أو عينا جاز إن علم بقدر ما لكل منهما.
المدونة الكبرى (ج4 ص56)
قلت: أرأيت إن أخذ رجل مالا قراضا من رجل أيكون له أن يأخذ مالا آخر من رجل
آخر قراضا , قال: قال مالك نعم له أن يأخذ من غير الأول إذا لم يشغله عن
قراض الأول لكثرة مال الأول , فإذا كان المال كثيرا فلا يكون له أن يأخذ من
الآخر حينئذ شيئا.
قلت: ويكون له أن يخلط المالين إذا أخذهما وهو يحتمل العمل بهما , قال: نعم
إذا أخذ المالين من غير شرط من الثاني الذي يدفع إليه أن يخلطهما خلطهما
ولا ضمان عليه.
المبسوط (ج12 ص31)
وإذا دفع رجل إلى رجلين ألف درهم مضاربة على أن ما رزق الله تعالى في ذلك
من شيء فلأحدهما بعينه نصف الربح وللآخر سدس الربح ولرب المال ثلث الربح
فهو جائز على ما اشترطا لأن رب المال شرط على كل واحد من المضاربين جزءا
معلوما من الربح وفاوت بينهما في الشرط لتفاوتهما في الهداية في التجارة
المربحة وذلك صحيح.
المغني (ج5 ص145)
ولنا أن عقد الواحد مع الاثنين عقدان فجاز أن يشترط في أحدهما أكثر من
الآخر كما لو انفرد ولأنهما يستحقان بالعمل وهما يتفاضلان فيه (لأن أحدهما
قد يكون أبصر بالتجارة من الآخر وأقوى على العمل) فجاز تفاضلهما في العوض
كالأجيرين.
بدائع الصنائع (ج6 ص95)
ولو دفع المال إلى رجلين مضاربة فليس لأحدهما أن يبيع ويشتري بغير إذن
صاحبه , سواء قال لهما أعملا برأيكما أو لم يقل , لأنه رضي برأيهما ولم يرض
برأي أحدهما فصارا كالوكيلين وإذا أذن له الشريك في شيء من ذلك جاز.
مغني المحتاج (ج2 ص315)
ويجوز أن يقارض في الابتداء المالك الواحد اثنين كزيد وعمرو متفاضلا
ومتساويا فيما شرط لهما من الربح. . . لأن عقد الواحد مع اثنين كعقدين.
المغني (ج5 ص26)
ويجوز أن يدفع مالا إلى اثنين مضاربة في عقد واحد , فإن شرط لهما جزءا من
الربح بينهما نصفين جاز وإن قال لكما كذا وكذا من الربح ولم يبين كيف هو
كان بينهما نصفين لأن اطلاق قوله بينهما يقتضي التسوية كما لو قال لعامله
والربح بيننا وإن شرط لأحدهما ثلث الربح وللآخر ربعه وجعل الباقي له جاز.
تقسيم المضاربة من
حيث ما يقدمه كل طرف
تنقسم المضاربة من حيث ما يقدمه كل طرف إلى ثلاثة أقسام
أولها المضاربة الأصلية , وهي التي يختص فيها أحد الطرفين بتقديم المال
ويختص الثاني بتقديم العمل.
والقسم الثاني هي المضاربة التي يشترك فيها الطرفان في تقديم المال ويختص
أحدهما بالعمل ,
والقسم الثالث هي المضاربة التي يشترك فيها الطرفان في العمل ويختص أحدهما
في تقديم المال.
فيجوز للمضارب تقديم حصة في رأس مال المضاربة بالإضافة إلى تقديم جهده
وعمله , ويكون شريكا في المال ويجوز تصرفه بعد ذلك على المضاربة.
ويجوز ذلك بمقتضى عقد المضاربة عند المالكية , ويشترط فيه تفويض رب المال
عند الحنفية والحنابلة , والإذن الصريح عند الشافعية.
كما يجوز عند جمهور الفقهاء أن يشارك رب المال المضارب في العمل بالإضافة
إلى تقديمه المال , ولكن بشرط أن يكون على سبيل المعونة وليس مشروطا في
العقد.
وقد أجاز الحنابلة ذلك ولو بالشرط لأن العمل هو أحد ركني المضاربة فجاز أن
ينفرد به أحدهما مع وجود الأمرين من الآخر كالمال.
الصورة الأولى: اختصاص كل طرف بتقديم أحد
عناصر المضاربة:
تتمثل هذه الصورة في:
- اختصاص الطرف الأول في تقديم رأس المال , ويسمى رب المال.
- اختصاص الطرف الثاني في القيام بالعمل , ويسمى المضارب.
وهذه هي الصورة الأصلية للمضاربة , وهى جائزة باتفاق الفقهاء.
الصورة الثانية: اشتراك الطرفين في تقديم المال:
تتمثل هذه الصورة في:
- اشتراك الطرفين في تقديم رأس المال.
- وانفراد أحد الطرفين في تقديم العمل.
وهذه الصورة جائزة , فقد اتفق الفقهاء على جواز خلط رأس مال المضاربة بمال
المضارب نفسه والعمل فيهما جميعا. وقالوا أن هذه الصورة تجمع بين الشركة
والمضاربة , لأن المضارب يكون شريكا لرب المال فيما قدمه , ومضاربا له فيما
تسلمه منه.
ولكن بالرغم من ذلك فقد اختلف الفقهاء هل يملك المضارب الخلط بمطلق العقد
أم لا بد من إذن رب المال أو تفويض منه؟
فذهب المالكية إلى أن المضارب يملك خلط مال المضاربة بمطلق العقد , لأن ذلك
من ضرورات أعمال المضاربة لتحقيق الربح وهو من عادة التجار , والغالب على
أحوال المضاربين أن تكون لهم أموال خاصة ويعرف منذ البداية أن الأموال
ستختلط وأن التجارة ستكون واحدة.
واشترط الحنفية والحنابلة لذلك وجود تفويض عام من رب المال , لأن خلط
الأموال أمر متعارف بين التجار , وقد تكون المصلحة فيه لجميع الأطراف ,
فيجوز تصرف المضارب بعموم التفويض.
أما عند الشافعية فإن المضارب لا يملك هذا التصرف إلا بالإذن الصريح من رب
المال , لأن بخلط المال يوجب في مال رب المال حقا لغيره , وذلك لا يجوز إلا
بالإذن ولأن المنع كان من حق رب المال وقد أسقطه بالإذن.
الصورة الثالثة: اشتراك الطرفين في تقديم العمل:
تتمثل هذه الصورة في:
- انفراد أحد الطرفين بتقديم رأس المال , ويسمى رب المال.
- اشتراك الطرفين في تقديم العمل.
هذه الصورة جائزة عند الفقهاء إذا كان عمل رب المال من غير شرط وتحت إدارة
المضارب , فيكون عمله على سبيل المعونة وليس لقاء أجرة لأنه - كما قرر
الفقهاء - لا يستحق أحد الأجرة بالعمل في مال نفسه.
أما إذا كان عمل رب المال عن شرط , فقد منعه جمهور الفقهاء لأن شرط عمل رب
المال يستدعى بقاء يده على المال وهو ينافي مقتضى العقد ويخل بما تقوم عليه
المضاربة من اقتضاء تسليم رأس المال للمضارب ليعمل في تثميره.
وأجاز بعض الحنابلة اشتراط عمل رب المال مع المضارب , فيجوز له حينئذ جميع
التصرفات التي تجوز للمضارب لأن المضاربة تقتضي عندهم اطلاق التصرف للمضارب
فقط وليس تسليم رأس المال , وهذا حاصل مع اشتراك الطرفين في تقديم العمل.
كما أن العمل هو أحد ركني المضاربة فجاز أن ينفرد به أحدهما مع وجود
الأمرين من الآخر كالمال.
المغني (ج5 ص134)
أن يشترك بدن ومال , وهذه المضاربة وتسمى قراضا أيضا.
المغني (ج5 ص134)
أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما , فهذا يجمع شركة ومضاربة , وهو صحيح.
المدونة الكبرى (ج4 ص54)
قلت: أرأيت إن اشتريت بمال قراض وبمال من عندي من غير أن يكون اشترط على رب
المال أن أخلطه بمالي , أيجوز هذا , قال: لا بأس بذلك , كذلك قال لي مالك.
المجموع (ج14 ص382)
فإن خلطهما (مال المضارب ومال المضاربة) فعلى ضربين , أحدهما:
أن يكون بإذن رب المال فيجوز ويصير شريكا ومضاربا.
المبسوط (ج12 ص32)
وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن يخلطها المضارب بألف من قبله ثم
يعمل بهما جميعا فهو جائز.
المدونة الكبرى (ج4 ص59)
قلت: أرأيت إن أخذت مالا قراضا على أن يعمل معي رب المال في المال , قال:
قال مالك لا خير في هذا. . . قلت: فإن عمل رب المال بغير شرط , قال: قد
أخبرتك أن مالكا كره ذلك إلا أن يكون عملا يسيرا , وهو قول مالك.
المغني ج5 (ص137 - 138)
القسم الخامس:
أن يشترك بدنان بمال أحدهما وهو أن يكون المال من أحدهما والعمل منهما مثل
أن يخرج أحدهما ألفا ويعملان فيها معا والربح بينهما , فهذا جائز ونص عليه
أحمد في رواية أبي الحارث. وتكون مضاربة لأن غير صاحب المال يستحق المشروط
له من الربح بعمله في مال غيره وهذا هو حقيقة المضاربة وقال أبو عبد الله
بن حامد والقاضي وأبو الخطاب إذا شرط أن يعمل معه رب المال لم يصح , وهذا
مذهب مالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأبي ثور وابن المنذر قال ولا
تصح المضاربة حتى يسلم المال إلى العامل ويخلى بينه وبينه لأن المضاربة
تقتضي تسليم المال إلى المضارب فإذا شرط عليه العمل فلم يسلمه لأن يده عليه
فيخالف موضوعها وتأول القاضي كلام أحمد والخرقي على أن رب المال عمل من غير
اشتراط.
ولنا أن العمل أحد ركني المضاربة فجاز أن ينفرد به أحدهما مع وجود الأمرين
من الآخر كالمال , وقولهم أن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى العامل ممنوع
, إنما تقتضي إطلاق التصرف في مال غيره بجزء مشاع من ربحه , وهذا حاصل مع
اشتراكهما في العمل ولهذا لو دفع ماله إلى اثنين مضاربة صح ولم يحصل تسليم
المال إلى أحدهما.
بدائع الصنائع (ج6 ص85)
لو شرط في المضاربة عمل رب المال فسدت المضاربة سواء عمل رب المال معه أو
لم يعمل لأن شرط عمله معه شرط بقاء يده على المال وانه شرط فاسد ولو سلم
رأس المال إلى رب المال ولم يشترط عمله ثم استعان به على العمل أو دفع إليه
المال بضاعة جاز , لأن الاستعانة لا توجب خروج المال عن يده.
صيغة المضاربة
الأصل في المضاربة أن تكون فيها الصيغة (الإيجاب والقبول) منجزة بحيث يترتب
عليها أثرها فور إنشائها , فيتسلم المضارب رأس المال ليعمل فيه.
ولكن قد تصدر الصيغة أحيانا مربوطة بشرط يجعل وجود العقد مرتبطا بوجود
الشرط وهي المضاربة المعلقة ,
كما قد تصدر الصيغة مربوطة بشرط يؤخر ترتب حكم العقد إلى زمن مستقبل معين
وهي المضاربة المضافة.
وقد أجاز الحنفية والحنابلة التعليق والإضافة خلافا للمالكية والشافعية.
اهتم الفقهاء اهتماما شديدا بصيغة العقود
عموما لأنه لا بد من وجود ما يدل على إرادة المتعاقدين لإنشاء أي عقد.
وتتكون هذه الصيغة من الإيجاب والقبول.
والمراد بالإيجاب والقبول العبارتان المتقابلتان الدالتان على اتفاق
الطرفين.
ويرى الحنفية: أن الإيجاب هو ما صدر ابتداء من أحدهما , والقبول ما صدر
ثانيا من الآخر رضا به.
أما عند الجمهور: فالإيجاب هو ما صدر ممن يكون منه التمليك , سواء أصدر
أولا أم ثانيا , والقبول هو ما صدر ممن يصير إليه الملك وإن صدر أولا.
المضاربة المنجزة
وقد تصدر الصيغة (الإيجاب والقبول) تامة , فيكون العقد منجزا , فيترتب عليه
أثره فور إنشائه , ويتسلم المضارب مباشرة رأس المال ليعمل فيه.
والأصل في المضاربة أن تكون الصيغة منجزة.
المضاربة المعلقة على شرط
وقد تصدر الصيغة مربوطة بشرط يجعل وجود العقد مرتبطا بوجود شيء آخر قد يوجد
وقد لا يوجد , فتكون المضاربة حينئذ معلقة على شرط , ولا توجد إلا بوجود
الشرط المعلقة عليه.
ومثال ذلك أن يقول رب المال للمضارب:
إذا أحضر فلان المبلغ الذي عنده , فخذه مضاربة على نصف الربح مثلا.
وقد أجاز الحنفية والحنابلة تعليق المضاربة لأنها كالوكالة تفيد اطلاق
التصرف للمضارب والإذن له بذلك فهي من عقود الاطلاقات والإسقاطات وبذلك
تحتمل التعليق (كما تحتمل الإضافة والتأقيت) . ومنع ذلك المالكية والشافعية
لأن المضاربة من عقود التمليكات إذ فيها تمليك للربح , وعقود التمليكات لا
تقبل التعليق (كما لا تقبل الإضافة والتأقيت) لأن ذلك ينافي مقتضاها.
المضاربة المضافة إلى المستقبل
وقد تصدر الصيغة مربوطة بشرط يؤخر ترتب حكم العقد إلى زمن مستقبل معين.
فتكون المضاربة حينئذ مضافة إلى المستقبل ولا يترتب أثرها إلا في الزمن
المعين (وليس من وقت العقد) . ومثال ذلك أن يقول رب المال للمضارب: ضاربتك
بهذا المال ابتداء من الشهر القادم ولك نصف الربح مثلا.
وقد أجاز الحنفية والحنابلة إضافة المضاربة إلى المستقبل لأنها كالوكالة
تفيد اطلاق التصرف للمضارب والإذن له بذلك فهي من عقود الاطلاقات
والإسقاطات وبذلك تحتمل الإضافة (كما تحتمل التعليق والتأقيت) . ومنع ذلك
المالكية والشافعية لأن المضاربة من عقود التمليكات إذ فيها تمليك للربح ,
وعقود التمليكات لا تقبل الإضافة (كما لا تقبل التعليق والتأقيت) لأن ذلك
ينافي مقتضاها.
المضاربة المؤقتة
وقد تصدر الصيغة مربوطة بقيد أو شرط يحدد المدة التي تنتهي فيها المضاربة ,
فتكون المضاربة حينئذ مؤقتة.
ومثال ذلك أن يقول رب المال للمضارب: ضاربتك بهذا المال لمدة سنة واحدة.
وقد أجاز الحنفية والحنابلة تأقيت المضاربة لأنها توكيل والتوكيل يحتمل
التخصيص بوقت دون وقت.
ومنع ذلك المالكية والشافعية لأن المضارب قد لا يتمكن من تحقيق الربح خلال
المدة المعينة , فيخل ذلك بالمقصود.
المجموع (ج14 ص369)
قال المصنف رحمه الله:
ولا يجوز أن يعلق العقد على شرط مستقبل لأنه عقد يبطل بالجهالة فلم يجز
تعليقه على شرط مستقبل كالبيع والإجارة.
قال الشافعي رحمه الله:
ولا يجوز الشريطة إلى مدة , فمن أصحابنا من قال لا يجوز شرط المدة فيه لأنه
عقد معاوضة يجوز مطلقا فبطل بالتوقيت كالبيع والنكاح ومنهم من قال: إن عقده
إلى مدة على أن لا يبيع بعدها لم يصح لأن العامل يستحق البيع لأجل الربح ,
فإذا شرط المنع منه فقد شرط ما ينافي مقتضاه فلم يصح.
وإن عقده إلى مدة على أن لا يشتري بعدها صح , لأن رب المال يملك المنع من
الشراء إذا شاء , فإذا شرط المنع منه فقد شرط ما يملكه بمقتضى العقد فلم
يمنع صحته.
بدائع الصنائع (ج6 ص99)
ولو قال خذ هذا المال مضاربة إلى سنة جازت المضاربة عندنا , وقال الشافعي
رحمه الله المضاربة فاسدة له. (وجه) قوله أنه إذا وقت للمضاربة وقتا فيحتمل
أنه لا يجوز كونها في الوقت فلا يفيد العقد فائدة. (ولنا) أن المضاربة
توكيل والتوكيل يحتمل التخصيص بوقت دون وقت , وذكره الطحاوي وقال لم يجز
عند أصحابنا توقيت المضاربة وقياس قولهم في الوكالة أنها لا تختص بالوقت.
القوانين الفقهية (ص 280)
من شروط القراض:
أن لا يضرب أجل للعمل خلافا لأبي حنيفة.
المغني (ج5 ص185)
قال أبو الخطاب في صحة شرط التأقيت روايتان , إحداهما:
هو صحيح وهو قول أبي حنيفة والثانية:
لا يصح وهو قول الشافعي ومالك واختيار أبي حفص العكبري لثلاثة معان:
- أحدهما: أنه عقد يقع مطلقا فإذا شرط قطعه لم يصح كالنكاح.
- الثاني: أن هذا ليس من مقتضى العقد ولا له فيه مصلحة فأشبه ما لو شرط أن
لا يبيع , وبيان أنه ليس من مقتضى العقد أنه يقتضي أن يكون رأس المال ناضا
فإذا منعه البيع لم ينض.
- الثالث: إن هذا يؤدي إلى ضرر بالعامل لأنه قد يكون الربح والحظ في تبقية
المتاع وبيعه بعد السنه فيمتنع ذلك بمضيها.
ولنا أنه تصرف يتوقت بنوع من المتاع فجاز توقيته في الزمان كالوكالة.
شرح منتهى الإرادات (ج2 ص329)
وتصح المضاربة مؤقتة كضارب بهذا المال سنة لأنها تصرف يتقيد بنوع من المال
فجاز تقييده بالزمان كالوكالة. . . وتصح معلقة لأنها إذن في التصرف فجاز
تعليقه على شرط مستقبل كالوكالة كإذا جاء زيد فضارب بهذا المال أو اقبض
ديني من فلان وضارب به لأنه وكيله في قبض الدين ومأذون له في التصرف فجاز
جعله مضاربة إذا قبضه.
العاقدان في
المضاربة
المضاربة فيها توكيل وتوكل , فيشترط أهلية التوكيل في رب المال وأهلية
التوكل في العامل المضارب. فيشترط في رب المال لصحة صدور الوكالة عنه:
الأهلية , والولاية , والإذن صراحة أو دلالة إن كانت طبيعة ولايته على
التصرف تأبي إنابة الغير فيه بدون إذن صاحب الحق فيه. ويشترط في المضارب أن
يكون جائز التصرف , معينا , متمكنا من مباشرة التصرف الموكل فيه لنفسه.
ما يشترط في رب المال
يشترط في رب المال - ثلاثة شروط:
(أحدها) الأهلية: وذلك بأن يكون جائز التصرف. وهو العاقل المميز عند
الحنفية. والبالغ العاقل الرشيد عند سائر الفقهاء. وعلى ذلك فلا يصح عقد
المضاربة من مجنون أو صبي غير مميز باتفاق الفقهاء لانتفاء أهليتهما
للتصرف. أما الصبي المميز , فيصح عقده المضاربة عند الحنفية بإذن وليه.
(الثاني) الولاية: وذلك بأن يكون متمكنا من مباشرة التصرف الذي يوكل فيه
إما بحق الملك لنفسه أو بحق الولاية على غيره , وإلا فلا. لأن التوكيل
تفويض ما يملكه الشخص من التصرف إلى غيره , فما لا يملكه بنفسه لا يحتمل أن
يفوضه إلى غيره , لأن النائب فرع عن المستنيب.
(الثالث) أن لا تكون طبيعة ولايته على التصرف تأبى تفويضه إلى الغير بدون
إذن.
فالوكيل لا يصح أن يوكل غيره فيما وكل فيه إلا بإذن موكله أو ما هو في معنى
الإذن كأن تكون الوكالة عامة أو فوض الرأي , إلى الوكيل فيها أو دلت على
إذنه قرائن أخرى.
ما يشترط في المضارب
يشترط في المضارب لصحة الوكالة ثلاثة شروط:
(احدها) الأهلية: وذلك بأن يكون جائز التصرف. وهو العاقل المميز عند
الحنفية والبالغ الرشيد عند الشافعية والمالكية والحنابلة 0 وعلى ذلك , فلا
تصح المضاربة من المجنون والصبي الذي لا يعقل. أما الصبي المميز , فقد
اختلف الفقهاء في شأنه , فذهب الحنفية وابن رشد المالكي إلى أنه يصح جعله
وكيلا. وذهب الشافعية والمالكية والحنابلة إلى عدم صحة توكيله في الجملة ,
لأنه لا يملك التصرف لنفسه , فلا يملكه لغيره.
(والثاني) أن يكون ممن يصح منه مباشرة ما وكل فيه لنفسه.
(والثالث) أن يكون المضارب معلوما (معينا) . فلو قال شخص: ضاربت مع أحد
هذين , لم تصح للجهالة. نص على ذلك الحنفية والحنابلة.
أن يكون رأس المال
معلوما
يشترط باتفاق الفقهاء أن يكون رأس المال معلوما لأن رأس المال واجب الرجوع
في نهاية المضاربة , فوجب علمه عند العقد.
يشترط باتفاق الفقهاء أن يكون رأس المال
معلوما لأن رأس المال واجب الرجوع إليه في نهاية المضاربة , فوجب علمه عند
العقد ولأن جهالة رأس المال تؤدي بالضرورة إلى جهالة الربح الذي يمثل
الزيادة على رأس المال , ومعلومية الربح شرط لصحة المضاربة فوجب معلومية
رأس المال.
بدائع الصنائع (ج6 ص82)
أن يكون (رأس المال) معلوما فإن كان مجهولا لا تصح المضاربة لأن جهالة رأس
المال تؤدي إلى جهالة الربح , وكون الربح معلوما شرط صحة المضاربة.
المغني (ج5 ص191)
ومن شرط المضاربة أن يكون رأس المال معلوم المقدار , ولا يجوز أن يكون
مجهولا ولا جزافا ولو شاهداه وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي يصح
إذا شاهداه والقول قول العامل مع يمينه في قدره , ولنا أنه مجهول فلم تصح
المضاربة به كما لو لم يشاهداه وذلك لأنه لا يدري بكم يرجع عند المفاصلة
ولأنه يفضي إلى المنازعة والاختلاف في مقداره فلم يصح.
المجموع (ج14 ص358)
ولا يجوز إلا على مال معلوم الصفة والقدر , فإن قارضه على دراهم جزاف لم
يصح لأن مقتضى القراض رد رأس المال , وهذا لا يمكن فيما لا يعرف صفته
وقدره.
وإن قارضه على ألف درهم هي له عنده وديعة جاز لأنه معلوم.
المجموع (ج14 ص362)
فلو دفع إليه ألف درهم وألف دينار على أن يقارض بأي الألفين شاء ويستودعه
الأخرى لم يجز للجهل بالقراض هل عقد بألف درهم أو بألف دينار.
أن يكون رأس المال
نقدا رائجا
يشترط عند جمهور الفقهاء أن يكون رأس مال المضاربة نقدا رائجا لا عرضا من
العروض , وأجاز الحنابلة المضاربة بالعروض على أن تقوم هذه العروض عند
العقد وتجعل قيمتها المتفق عليها رأس مال المضاربة.
تجوز المضاربة باتفاق الفقهاء إذا كان رأس
المال نقدا رائجا لأن النقود هي قيم الأشياء وأصول الأثمان وتصح المضاربة
بها لكونها ثابتة القيمة , وتمنع حصول المنازعات إذ يتحدد بها رأس المال
وكذلك الربح الزائد عن رأس المال بطريقة جلية دون حزر أو ظن خلافا للعروض
التي قد ترتفع أو تنخفض قيمتها فيتضرر أحد الطرفين عند تقويمها وتحدث
المنازعات.
أما إذا كان رأس المال من العروض , فقد اختلف الفقهاء في جواز ذلك:
فلا يجوز عند الحنفية والمالكية والشافعية جعل العروض - مثلية أو قيمية -
رأس مال المضاربة لأن قيمة العروض غير ثابتة وهى عرضة للزيادة والنقصان ,
وذلك مما يؤدي إلى عدم التمكن من تقدير رأس المال بدقة عند تصفية المضاربة
وهو ما ينتج عنه جهالة الربح وقت القسمة , فقد تقوم العروض:
- بأكثر من قيمتها الحقيقية , وهو ما يؤدي إلى اختصاص رب المال بجزء من
الربح زائد عما شرط له.
- بأقل من قيمتها , وهو ما يؤدي إلى أخذ المضارب جزءا من رأس المال.
وكلا الأمرين ممنوع في المضاربة.
هذا وقد أجاز الحنفية المضاربة بثمن العروض بعد بيعها , فيكون رأس مال
المضاربة هو ثمن العروض.
أما عند الحنابلة , فإنه تجوز المضاربة بالعروض وذلك بأن تقوم عند العقد
وتجعل قيمتها المتفق عليها رأس مال المضاربة بحيث يعيد المضارب هذه القيمة
نقدا عند انتهاء المضاربة.
وبهذا القول فإنه لن يكون هناك اختصاص لرب المال بجزء من الأرباح زائدا عما
شرط له , أو أخذ المضارب لجزء من رأس المال لأن اتفاق الطرفين هو رد
المضارب قيمة ما أخذه من العروض عند التعاقد (وليس قيمة العروض عند
التصفية) . وهذا يقطع النزاع ويقلل الغرر لأن الفرق في رأس المال (العروض)
بين قيمتها وقت الدخول في المضاربة ووقت تصفيتها زيادة أو نقصا يكون هو ما
حققته المضاربة ربحا أو خسارة
- ففي حالة ارتفاع قيمة العروض يوم التصفية عن قيمتها يوم العقد , فإن
الطرفان يشتركان في الفرق ما بين القيمتين بالقدر المتفق عليه.
- أما في حالة انخفاض قيمة العروض يوم التصفية , فإنه يتم جبر رأس المال
بمقدار هذا الانخفاض من الأرباح المتحققة لأن الربح وقاية لرأس المال أو
يتحمل رب المال هذه الخسارة عند عدم تحقق أرباح لأن المضارب لا يتحمل من
الخسارة شيئا سوى خسارة جهده وعمله.
بدائع الصنائع (ج6 ص82)
أن يكون رأس المال من الدراهم أو الدنانير عند عامة العلماء , فلا تجوز
المضاربة بالعروض , لأن المضاربة بالعروض تؤدي إلى جهالة الربح وقت القسمة
لأن قيمة العروض تعرف بالحزر والظن وتختلف باختلاف المقومين والجهالة تفضي
إلى المنازعة , والمنازعة تفضي إلى الفساد وهذا لا يجوز وقد قالوا أنه لو
دفع إليه عروضا فقال له بعها واعمل بثمنها مضاربة فباعها بدراهم أو دنانير
وتصرف فيها جاز لأنه لم يضف المضاربة إلى العروض وإنما أضافتها إلى الثمن
والثمن تصح به المضاربة.
المجموع (ج14 ص362)
قال الشافعي ولا يجوز القراض إلا في الدراهم والدنانير التي هي أثمان
الأشياء وقيمتها , وحكى عن طاوس والأوزاعي وابن أبي ليلى جواز القراض
بالعروض لأنها كالدراهم والدنانير , ولأن كل عقد صح بالدراهم والدنانير صح
بالعروض كالبيع وهذا خطأ لأن القراض مشروط برد رأس المال واقتسام الربح
وعقده بالعروض يمنع من هذين الشرطين أما رد رأس المال فلأن من العروض ما لا
مثل لها فلم يمكن ردها , وأما الربح فإنه يفضي إلى اختصاص أحدهما به دون
الآخر.
المجموع (ج14 ص358)
ومتى عقد على غير الأثمان لم يحصل المقصود , لأنه ربما زادت قيمته فيحتاج
أن يصرف العامل جميع ما اكتسبه في رد مثله إن كان له مثل , وفى رد قيمته إن
لم يكن له مثل.
وفى هذا إضرار بالعامل وربما نقصت قيمته فيصرف جزءا يسيرا من الكسب في رد
مثله أو رد قيمته , ثم يشارك رب المال في الباقي , وفى هذا إضرار برب المال
لأن العامل يشاركه في أكثر رأس المال وهذا لا يوجد في الأثمان لأنها لا
تقوم بغيرها.
المدونة الكبرى (ج4 ص47)
قال: قال سحنون قال ابن القاسم قال مالك لا تصح المقارضة إلا بالدنانير
والدراهم , قلت: أرأيت القراض بالحنطة والشعير أيجوز في قول مالك؟ قال: لا.
قلت: أرأيت القراض بما يوزن ويكال لم كرهت ذلك؟ قال: لأنه خطر يأخذ الحنطة
والشعير وقيمته يوم أخذ مائة درهم فيعمل فتصير قيمته يوم يرده ألف درهم
فيغترق ربحه , أو تكون قيمتها حين يردها خمسين درهما فيكون قد ربح فيها.
القوانين الفقهية (ص279)
وإنما يجوز القراض بشروط: الأول لأن يكون رأس المال دنانير أو دراهم فلا
يجوز بالعروض أو غيرها.
المبسوط (ج12 ص33)
ولكنا نستدل بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن والمضاربة
بالعروض تؤدي إلى ذلك لأنها أمانة في يد المضارب وربما ترتفع قيمتها بعد
العقد فإذا باعها حصل الربح واستحق المضارب نصيبه من غير أن يدخل شيء في
ضمانه بخلاف النقد فإنه يشتري بها وإنما يقع الشراء بثمن مضمون في ذمته فما
يحصل له يكون ربح ما قد ضمن.
المغني (ج5 ص112)
وفيه رواية أخرى أن الشركة والمضاربة تجوز بالعروض ويجعل رأس المال قيمتها
وقت العقد قال أحمد إذا اشتركا في العروض يقسم الربح على ما اشترطا وقال
الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن المضاربة بالمتاع فقال جائز , فظاهر هذا
صحة الشركة بها اختاره أبو بكر وأبو الخطاب وهو قول مالك وابن أبي ليلى وبه
قال في المضاربة طاوس والأوزاعي وحماد بن أبي سليمان لأن مقصود الشركة جواز
تصرفهما في المالين وكون ربح المالين بينهما وهو حاصل في العروض كحصوله في
الأثمان فيجب أن تصح الشركة والمضاربة بها كالأثمان ويرجع كل واحد منهما
عند المفاصلة بقيمة ماله عند العقد.
أن يكون رأس المال
حاضرا لا دينا
يشترط باتفاق الفقهاء أن لا يكون رأس مال المضاربة دينا في ذمة المضارب ,
وأجاز الحنفية والحنابلة أن يكون رأس مال المضاربة دينا في ذمة شخصا آخر
غير المضارب.
يشترط الفقهاء أن يكون رأس مال المضاربة
حاضرا لا دينا في ذمة المضارب لأن رأس المال يجب أن يكون ملك رب المال
وقادرا على تسليمه للمضارب , والدين لا يعود في ملك رب المال إلا بالقبض ,
فلا يجوز المضاربة به. . . كذلك تمنع المضاربة على الدين سدا لذريعة الربا
فقد تكون ستارا للحصول على زيادة في شكل أرباح المضاربة , وهي تكون حقيقة
مقابل تأخير سداد الدين.
أما إذا كان رأس المال دينا في ذمة شخص آخر غير المضارب , فقد اختلفت أقوال
الفقهاء في جواز ذلك إلى ثلاثة آراء
فقال المالكية بعدم جواز المضاربة بالدين قبل قبضه لأن قيام المضارب
باستيفاء الدين فيه كلفة على المضارب وهي من قبيل اشتراط منفعة زائدة في
العقد.
وذهب الشافعية كذلك لعدم الجواز لأن المضاربة تكون مضافة إلى زمن قبض الدين
أو معلقة عليه , والتعليق والإضافة غير جائزين في المضاربة عندهم.
أما الحنفية والحنابلة فقالوا بجواز ذلك لأن رب المال يقوم بتوكيل المضارب
بقبض الدين , وإضافة المضاربة إلى المال المقبوض , فيكون رأس المال حينئذ
عينا لا دينا.
ولا بأس بالمضاربة بالوديعة كما هو رأي الجمهور لأن الأصل أن تكون الوديعة
قائمة بحالها في يد المودع عنده , فجاز أن يضاربه عليها كما لو كانت حاضرة.
وخالف المالكية فقالوا بعدم الجواز إلا بعد قبض الوديعة وذلك خشية أن يكون
المودع قد أنفقها فتصير عليه دينا.
المبسوط (ج12 ص29)
ولو كان لرجل على رجل ألف درهم دين فأمره أن يعمل بها مضاربة ويشتري بها ما
بدا له من المتاع ثم يبيعه , بالنصف فهذا فاسد لأن شرط صحة المضاربة كون
رأس المال عينا ولم يوجد ذلك عند العقد ولا بعده , فالمديون لا يكون قابضا
للدين من نفسه لصاحبه , وصاحب الدين لا يمكن أن يبرئه عن الضمان مع بقائه
بدون القبض.
ولو قال رب المال لرجل آخر اقبض ما لي على فلان ثم اعمل به مضاربة بالنصف
فهو جائز لأنه وكيل رب المال في قبض الدين منه فإذا قبضه كان المقبوض
بمنزلة الوديعة في يده فتنعقد المضاربة بينهما برأس مال هو عين في يده.
بدائع الصنائع (ج6 ص83)
أن يكون رأس المال عينا لا دينا فإن كان دينا فالمضاربة فاسدة وعلى هذا
يخرج ما إذا كان لرب المال على رجل دين فقال له اعمل بديني الذي في ذمتك
مضاربة بالنصف أن المضاربة فاسدة بلا خلاف , ولو قال لرجل اقبض ما لي على
فلان من الدين واعمل به مضاربة جاز لأن المضاربة هنا أضيفت إلى المقبوض
فكان رأس المال عينا لا دينا ولو أضاف المضاربة إلى عين هي أمانة في يد
المضارب من الدراهم والدنانير بأن قال للمودع أو المستبضع اعمل بما في يدك
مضاربة بالنصف جاز ذلك بلا خلاف.
المغني (ج5 ص190)
قال: ولا يجوز أن يقال لمن عليه دين ضارب بالدين الذي عليك , نص أحمد على
هذا وهو قول أكثر أهل العلم ولا نعلم فيه مخالفا , قال ابن المنذر أجمع كل
من نحفظ عنه من أهل العلم أنه لا يجوز أن يجعل الرجل دينا له على رجل
مضاربة وممن حفظنا ذلك عنه عطاء والحكم وحماد ومالك والثوري وإسحاق وأبو
ثور وأصحاب الرأي وبه قال الشافعي
وقال بعض أصحابنا يحتمل أن تصح المضاربة لأنه إذا اشترى شيئا للمضاربة فقد
اشتراه بإذن رب المال ودفع الدين إلى من أذن له في دفعه إليه فتبرأ ذمته
منه ويصير كما لو دفع إليه عرضا وقال بعه وضارب بثمنه وجعل أصحاب الشافعي
مكان هذا الاحتمال أن الشراء لرب المال وللمضارب أجر مثله لأنه علقه بشرط
ولا يصح عندهم تعليق القراض بشرط , والمذهب هو الأول لأن المال الذي في يدى
من عليه الدين له وإنما يصير لغريمه بقبضه ولم يوجد القبض ههنا وان قال
لرجل أقبض المال الذي على فلان واعمل به مضاربة فقبضه وعمل به جاز في قولهم
جميعا , ويكون وكيلا في قبضه مؤتمنا عليه لأنه قبضه بإذن مالكه من غيره
فجاز أن يجعله مضاربة.
المجموع (ج14 ص363 / 385)
ولو كان له على العامل دين فقال له قد جعلت ألفا من ديني عليك قراضا في يدك
لم يجز تعليلا بأنه قراض على مال غائب , وان كان له على رجل دين فقال اقبض
ما لي عليك فعزل الرجل ذلك وقارضه عليه لم يصح القراض لأن قبضه له من نفسه
لا يصح , فإذا قارضه عليه فقد قارضه على مال لا يملكه فلم يصح
المدونة الكبرى (ج4 ص48)
قلت: أرأيت لو كان لي عند رجل وديعة فقلت له اعمل بها قراضا على النصف
أيجوز هذا؟ قال: قال لي مالك في المال إذا كان دينا على رجل فقال له رب
المال اعمل بالدين الذي لي عليك قراضا , قال: لا يجوز هذا إلا أن يقبض دينه
ثم يعطيه بعدما يقبضه فأرى الوديعة مثل هذا لأني أخاف أن يكون قد أنفق
الوديعة فصارت عليه دينا , قلت له: فإن قلت له اقبض ديني الذي على فلان
واعمل به قراضا قال: لا يجوز هذا عند مالك.
تسليم رأس مال
المضاربة
يعتبر تسليم رأس المال شرط لصحة المضاربة عند جمهور الفقهاء لأن عدم تسليمه
له يؤدي إلى التضييق عليه والحد من تصرفاته
بينما يرى الحنابلة أن المضاربة لا تقتضي تسليم رأس المال وإنما تقتضي فقط
اطلاق تصرفه في المال , فيجوز عندهم بقاء رأس المال عند صاحبه ودفعه
تدريجيا حسب حاجة المضارب.
يشترط باتفاق الفقهاء أن تطلق يد المضارب
في التصرف في رأس المال لأن أي شرط يمنع المضارب من التصرف في رأس المال
ينافي مقتضى عقد المضاربة ويجعله عقدا صوريا لا فائدة له , فلا يستطيع
المضارب العمل وتحقيق الربح الذي هو الهدف والمقصود من التعاقد.
ويرى الحنفية والمالكية والشافعية أنه لا يكفي إطلاق يد المضارب في التصرف
بل يجب تسليم كامل رأس المال إليه , فيجب عندهم أن يستقل المضارب في حيازة
رأس المال لأنه مؤتمن عليه , ولأن عدم تسليمه رأس المال يؤدي إلى التضييق
عليه والحد من تصرفاته.
أما الحنابلة , فإنه يكفي عندهم اطلاق يد المضارب في التصرف في رأس المال ,
وتصح المضاربة ولو شرط رب المال بقاء المال معه أو وضعه عند أمين دون
تسليمه للمضارب لأن هذا الشرط لا يمنع المضارب من العمل الذي هو مورد ومقصد
العقد , أما رأس المال فهو مجرد وسيلة يمكن دفعه تدريجيا حسب حاجة المضارب.
بدائع الصنائع (ج6 ص84)
ومنها: تسليم رأس المال إلى المضارب لأنه أمانة فلا يصح إلا بالتسليم وهو
التخلية كالوديعة ولا يصح مع بقاء يد الدافع على المال لعدم التسليم مع
بقاء يده , حتى لو شرط بقاء يد المالك على المال فسدت المضاربة لما قلنا
فرق بين هذا وبين الشركة فإنها تصح مع بقاء يد رب المال على ماله , والفرق
أن المضاربة انعقدت على رأس مال من أحد الجانبين وعلى العمل من الجانب
الآخر , ولا يتحقق العمل إلا بعد خروجه من يد رب المال فكان هذا شرطا
موافقا مقتضى العقد بخلاف الشركة , لأنها انعقدت على العمل من الجانبين
فشرط زوال يد رب المال عن العمل يناقض مقتضى العقد.
المدونة الكبرى (ج4 ص59)
قلت: هل يجوز لرب المال أن يحبسه عنده ويقول للعامل: اذهب واشتر وأنا أنقد
عنك , واقبض أنت السلع , فإذا بعت قبضت الثمن وإذا اشتريت نقدت الثمن؟ قال:
لا يجوز هذا القراض عند مالك وإنما القراض عند مالك أن يسلم المال إليه.
قال: وقال لي مالك ولو ضم إليه رجلا جعله يقتضي المال وينقد والعامل يشتري
ويبيع ولا يأمن العامل وجعل هذا أمينا , قال: لا خير في هذا.
مغني المحتاج (ج2 ص310)
. . . (أن يكون رأس المال) مسلما إلى العامل , فلا يجوز شرط كون المال في
يد المالك ولا عمله معه , وليس المراد اشتراط تسليم المال إليه حال العقد
أو في مجلسه , وإنما المراد أن يستقل العامل باليد عليه والتصرف فيه , ولا
يصح الإتيان بما ينافي ذلك , وهو شرط كون المال في يد المالك أو غيره ليوفي
منه ثمن ما اشتراه العامل , ولا شرط مراجعته في التصرف , لأنه قد لا يجده
عند الحاجة.
شرح منتهى الإرادات (ج2 ص446)
لا يعتبر لمضاربة قبض عامل رأس المال , فتصح وان كان بيد ربه , لأن مورد
العقد العمل.
المغني (ج5 ص138)
وقولهم أن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى العامل ممنوع إنما تقتضي اطلاق
التصرف في مال غيره بجزء مشاع من ربحه وهذا حاصل مع اشتراكهما في العمل
ولهذا لو دفع ماله إلى اثنين مضاربة صح ولم يحصل تسليم المال إلى أحدهما.
أن يكون الربح معلوم
القدر
يشترط في الربح في المضاربة باتفاق الفقهاء أن يكون معلوما لأن الربح هو
المعقود عليه وجهالته توجب فساد العقد
يشترط باتفاق الفقهاء أن يكون الربح معلوم
القدر.
فيجب تحديد حصة المتعاقدين من الربح في العقد لأن المعقود عليه هو الربح
وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد , فوجب معلومية الربح.
ويكفي لذلك تحديد نصيب المضارب من الربح لأن الباقي أصبح معلوما أنه من
نصيب رب المال يستحقه بماله لكونه نماءه وفرعه.
بدائع الصنائع (ج6 ص85)
وأما الذي يرجع إلى الربح فأنواع:
منها إعلام مقدار الربح لأن المعقود عليه هو الربح وجهالة المعقود عليه
توجب فساد العقد ولو دفع إليه ألف درهم عن أنهما يشتركان في الربح ولم يبين
مقدار الربح جاز ذلك والربح بينهما نصفان لأن الشركة تقتضي المساواة.
بدائع الصنائع (ج6 ص80)
ولو قال خذ هذه الألف على أن لك نصف الربح أو ثلثه ولم يزد على هذا ,
فالمضاربة جائزة قياسا واستحسانا وللمضارب ما شرط وما بقى فلرب المال ,
الأصل في جنس هذه المسائل أن رب المال إنما يستحق الربح لأنه نماء ماله لا
بالشرط فلا يفتقر استحقاقه إلى الشرط بدليل أنه إذا فسد الشرط كان جميع
الربح له والمضارب لا يستحق إلا بالشرط لأنه إنما يستحق بمقابلة عمله
والعمل لا يتقوم إلا بالعقد.
القوانين الفقهية (ص280)
من شروط القراض أن يكون الجزء المسمى كالنصف ولا يجوز أن يكون مجهولا.
المدونة الكبرى (ج4 ص49)
قلت أرأيت أن قال له اعمل على أن لك شركا في المال أيرد إلى قراض مثله قال:
نعم لأن هذا بمنزلة من أخذ مالا قراضا ولم يسم له من الربح ولا ما لرب
المال فعمل فهؤلاء يردون إلى قراض مثلهم.
قال سحنون وقال غيره إذا قال لك شرك في المال ولم يسم شيئا وتصادقا فذلك
النصف.
المغني (ج5 ص140)
أجمع أهل العلم على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح أو نصفه أو
ما يجمعان عليه بعد أن يكون ذلك معلوما جزءا من أجزاء ولأن استحقاق المضارب
الربح بعمله فجاز ما يتفقان عليه من قليل وكثير كالأجرة في الإجارة.
المغني (ج5 ص144)
وإن قال خذه مضاربة ولك جزء من الربح أو شركة في الربح أو شيء من الربح أو
نصيب أو حظ لم يصح لأنه مجهول ولا تصح المضاربة إلا على قدر معلوم.
المغني (ج5 ص149)
وان دفع إليه ألفين مضاربة على أن كل واحد منهما ربح ألف أو على أن لأحدهما
ربح أحد الثوبين أو ربح إحدى السفرتين أو ربح تجارته في شهر أو عام بعينه
ونحو ذلك فسد الشرط والمضاربة لأنه قد يربح في ذلك المعين دون غيره وقد
يربح في غيره دونه فيختص أحدهما بالربح وذلك يخالف موضوع الشركة ولا نعلم
في هذا خلافا.
المجموع (ج14 ص365)
ولا يجوز إلا على جزء من الربح معلوم , فإن قارضه على جزء مبهم لم يصح ,
لأن الجزء يقع على الدرهم والألف فيعظم الضرر وإن قارضه على جزء مقدر
كالنصف والثلث جاز.
وان قال قارضتك على أن الربح بيننا ففيه وجهان , أحدهما لا يصح لأنه مجهول
, لأن هذا القول يقع على التساوي وعلى التفاضل , والثاني يصح لأنه سوى
بينهما في الإضافة فحمل على التساوي.
أن يكون الربح بنسبة
شائعة
يشترط في الربح في المضاربة أن يكون نصيب المتعاقدين جزءا شائعا يتفقان
عليه لأن مقتضى العقد الاشتراك في الربح
واشتراط قدر معين من الربح لأحد المتعاقدين يفسد المضاربة باتفاق الفقهاء ,
لأنه يؤدي إلى قطع الشركة في الربح.
يشترط باتفاق الفقهاء تحديد نصيب
المتعاقدين من الربح بجزء شائع يتفقان عليه كالنصف والثلث وغيره لأن مقتضى
عقد المضاربة الاشتراك في الربح الحاصل منها.
ذلك أن شرط مبلغ معين من الربح لأحد المتعاقدين يؤدي إلى قطع الشركة في
الربح لاحتمال أن لا يربح المضارب إلا ذلك المبلغ فينفرد به أحدهما دون
الآخر مما ينافي مقتضى العقد.
وعليه لا يجوز تحديد لأحد الطرفين ربح فترة دون أخرى أو ربح سلعة أو صفقة
معينة دون أخرى.
بدائع الصنائع (ج6 ص86)
ومنها أن يكون المشروط لكل واحد منهما من المضارب ورب المال من الربح جزءا
شائعا نصفا أو ثلثا أو ربعا , فإن شرطا عددا مقدرا بأن شرطا أن يكون
لأحدهما مائة درهم من الربح أو أقل أو أكثر والباقي للآخر لا يجوز ,
والمضاربة فاسدة لأن المضاربة نوع من الشركة وهي الشركة في الربح , وهذا
شرط يوجب قطع الشركة في الربح لجواز أن لا يربح المضارب إلا هذا القدر
المذكور فيكون ذلك لأحدهما دون الآخر , فلا تتحقق الشركة , فلا يكون التصرف
مضاربة وكذلك إن شرطا أن يكون لأحدهما النصف أو الثلث ومائة درهم أو قال
إلا مائة درهم فإنه لا يجوز , إن المضاربة عقد شركة في الربح فشرط قطع
الشركة فيها يكون شرطا فاسدا.
المبسوط (ج12 ص19)
المقصود بهذا العقد الشركة في الربح وكل شرط يؤدي إلى قطع الشركة في الربح
بينهما مع حصوله فهو مبطل للعقد لأنه مفوت لموجب العقد ومن ذلك ما رواه عن
إبراهيم رحمه الله أنه كان يكره المضاربة بالنصف أو الثلث وزيادة عشرة
دراهم , قال: أرأيت إن لم يربح إلا تلك العشرة , وهو إشارة إلى ما بينا من
قطع الشركة في الربح مع حصوله بأن لم يربح إلا تلك العشرة.
المجموع (ج14 ص366)
ولا يجوز أن يختص أحدهما بدرهم معلوم ثم الباقي بينهما لأنه ربما لم يحصل
ذلك الدرهم فيبطل حقه وربما لم يحصل غير ذلك الدرهم فيبطل حق الآخر ولا
يجوز أن يخص أحدهما بربح ما في الكيسين لأنه قد لا يربح في ذلك فيبطل حقه
أو لا يربح إلا فيه فيبطل حق الآخر.
المدونة الكبرى (ج4 ص57)
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مائتي دينار قراضا على أن يعمل بكل مائة منهما
على حدة على أن ربح مائة منهما بيننا وربح المائة الأخرى للعامل , أيجوز
هذا في قول مالك؟ قال: لا يجوز هذا لأنهما قد تخاطرا ألا ترى أنه إن لم
يربح في المائة التي جعل ربحها بينهما وربح في الأخرى كان قد غبن العامل رب
المال , وإن ربح في المائة التي أخذها بينهما ولم يربح في الأخرى كان رب
المال قد غبن العامل فيه فقد تخاطرا على هذا.
قلت: أرأيت إن أخذ المال على أن لرب المال درهما من الربح خالصا وما بقى
بعد ذلك فهو بينهما فعمل على ذلك فربح أو وضع , قال يكون الربح لرب المال
والنقصان عليه , ويكون للعامل أجر مثله.
المغني (ج5 ص148)
وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة أو جعل مع نصيبه دراهم
مثل أن يشترط لنفسه جزءا وعشرة دراهم بطلت الشركة , قال ابن المنذر أجمع كل
من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه
دراهم معلومة وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب
الرأي.
المبسوط (ج12 ص25)
ولو قال خذ هذه الألف مضاربة أو مقارضة ولم يذكر ربحا فهي مضاربة فاسدة لأن
المضارب شريك في الربح والتنصيص على لفظ المضاربة يكون استردادا لجزء من
ربح المضارب وذلك الجزء غير معلوم وجهالته تفضي إلى المنازعة بينهما.
أن يكون الربح
مشتركا بين العاقدين
الأصل في الربح أن يكون مشتركا بين رب المال والمضارب فإن تراضى الطرفان
على غير ذلك , بأن يختص أحدهما بالربح دون الآخر , كان العقد صحيحا عند
المالكية لأنه من باب الهبة والتبرع. وهذا الشرط يخرج العقد عن المضاربة في
بقية المذاهب.
الحنفية: لا يجوز عندهم اختصاص أحد
المتعاقدين بالربح دون الآخر , ومثل هذا الشرط يخرج العقد عن المضاربة رغم
أنه جاء بصيغتها لأن العبرة في العقود للمعاني.
ويكون العقد قرضا إذا اشترط الربح كله للمضارب , أو يكون عقد إبضاع إذا
اشترط الربح كله لرب المال.
الحنابلة والشافعية: لا يجوز عندهم اختصاص أحد المتعاقدين بالربح دون الآخر
مع استخدام كلمة مضاربة , ويكون العقد فاسدا ولا يصرف إلى عقد آخر لأن
إرادتهما تنصب على المضاربة لا غير.
أما إذا لم تستخدم كلمة المضاربة صراحة فإن العقد يحول إلى:
عقد قرض إذا اشترط الربح كله للمضارب , أو عقد إبضاع إذا اشترط الربح كله
لرب المال.
المالكية: يجوز عندهم اختصاص أحد الطرفين بالربح ويجب الالتزام به لأنه من
باب الهبة , ويجرى العقد على حكم الهبة.
وعليه يشبه العقد القرض إذا تبرع رب المال بما يكون له من ربح ويبقى رأس
المال مضمونا عليه بحكم عقد المضاربة , أما إذا تبرع المضارب بما يكون له
من ربح وتطوع بالعمل مجانا فيلتقي عقد المضاربة مع الإبضاع.
بدائع الصنائع (ج6 ص86)
ولو شرط جميع الربح للمضارب فهو قرض عند أصحابنا , وعند الشافعي رحمه الله
هي مضاربة فاسدة وله أجرة مثل ما إذا عمل.
وجه قوله أن المضاربة عقد شركة في الربح فشرط قطع الشركة فيها يكون شرطا
فاسدا.
ولنا أنه إذا لم يمكن تصحيحها مضاربة تصحح قرضا لأنه أتى بمعنى القرض
والعبرة في العقود لمعانيها وعلى هذا إذا شرط جميع الربح لرب المال فهو
إبضاع عندنا لوجود معنى الإبضاع.
المغني (ج5 ص144 / 145)
وإن قال خذ هذا المال فاتجر به وربحه كله لك كان قرضا لا قراضا لأن قوله
خذه فاتجر به يصلح لهما وقد قرن به حكم القرض فانصرف إليه وإن قال مع ذلك
ولا ضمان عليك فهذا قرض شرط فيه نفي الضمان فلا ينتفي بشرطه كما لو صرح به
فقال خذ هذا قرضا ولا ضمان عليك.
وإن قال خذه فاتجر به والربح كله لي كان إبضاعا لأنه قرن به حكم الإبضاع
فانصرف إليه فإن قال مع ذلك وعليك ضمانه لم يضمنه لأن العقد يقتضي كونه
أمانة غير مضمونة فلا يزول ذلك بشرطه وإن قال خذه مضاربة والربح كله لك أو
كله لي فهو عقد فاسد وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قال والربح كله لي
كان إبضاعا صحيحا لأنه أثبت له حكم الإبضاع فانصرف إليه كالتي قبلها وقال
مالك يكون مضاربة صحيحة في الصورتين لأنهما دخلا في القراض فإذا شرط
لأحدهما فكأنه وهب الآخر نصيبه فلم يمنع صحة العقد.
ولنا أن المضاربة تقتضي كون الربح بينهما فإذا شرط اختصاص أحدهما بالربح
فقد شرط ما ينافي مقتضى العقد ففسد كما لو شرط الربح كله في شركة العنان
لأحدهما , ويفارق ما إذا لم يقل مضاربة لأن اللفظ يصلح لما أثبت حكمه من
الإبضاع والقراض بخلاف ما إذا صرح بالمضاربة وما ذكره مالك لا يصح لأن
الهبة لا تصح قبل وجود الموهوب.
المدونة الكبرى (ج4 ص48)
قلت: أرأيت إن أعطيته مالا قراضا على أن الربح للعامل كله , قال: سألت
مالكا عن الرجل يعطى الرجل المال يعمل به على أن الربح للعامل ولا ضمان على
العامل , قال:
قال مالك قد أحسن ولا بأس به , قلت: فإن دفعت إلى رجل مالا قراضا على النصف
فلقيته بعد ذلك فقلت له اجعله على الثلثين لي والثلث لك أو الثلثان للعامل
ولرب المال الثلث وقد عمل بالمال ففعل , قال: لا أرى به بأسا ولم أسمعه من
مالك.
المجموع (ج14 ص366 / 367)
إن عقد القراض موجب لاشتراك رب المال والعامل في الربح ولا يختص به أحدهما
دون الآخر لأن المال والعمل متقابلان , فرأس المال في مقابلة عمل العامل ,
ولذلك وجب أن يشتركا في الربح , ولم يجز أن يختص به أحدهما وان دفع إليه
ألفا وقال: تصرف فيه والربح كله لك فهو قرض لا حق لرب المال في ربحه , لأن
اللفظ مشترك بين القراض والقرض , وقد قرن به حكم القرض , فانعقد القرض به ,
وإن قال: تصرف فيه والربح كله لي فهو بضاعة , لأن اللفظ مشترك بين القراض
والبضاعة , وقد قرن به حكم البضاعة فكان بضاعة
القوانين الفقهية (ص280)
والشرط السادس: أن لا يشترط أحدهما لنفسه شيئا ينفرد به من الربح , ويجوز
أن يشترط العامل الربح كله خلافا للشافعي.
أن يكون الربح مختصا
بالمتعاقدين
يجوز عند المالكية اشتراط جزء من الربح أو كله للغير لأن المتعاقدين يكونان
قد تبرعا بذلك الجزء من الربح , فكان هبة وقربة لله تعالى. ولا يستحق الغير
شيئا من الربح عند بقية الفقهاء لأنه لم يقدم عملا أو مالا.
الحنفية:
يشترط أن يكون الربح مختصا بالمتعاقدين ولا يستحق الغير شيئا من الربح لأنه
لم يقدم عملا أو مالا أو ضمانا , والربح لا يستحق إلا بأحدها. والشرط فاسد:
ويعود الجزء المشروط للغير إلى رب المال لأنه نماء ماله. والعقد صحيح: لأن
ذلك لا يعود بالجهالة على الربح , فيستحق كلا المتعاقدين ما اشترطا لهما
ووافقا عليه.
الشافعية والحنابلة:
يشترط أن يكون الربح مختصا بالمتعاقدين ولا يستحق الغير شيئا من الربح لأنه
لم يقدم عملا أو مالا أو ضمانا , والربح لا يستحق إلا بأحدها. والشرط فاسد:
ويعود الجزء المشروط للغير لكلا المتعاقدين لأنهما كانا متبرعين به. والعقد
فاسد: لأن ذلك يعود بجهالة نصيب المتعاقدين من الربح حيث إنهما لم يتفقا
على وجه قسمة الجزء المشروط للغير بينهما , فتعود الجهالة إلى الكل.
المالكية:
يجوز عندهم اشتراط جزء من الربح أو كله إلى الغير , والشرط صحيح والعقد
صحيح لأن المتعاقدين يكونان قد تبرعا بذلك الجزء من الربح فكان هبة وقربة
لله تعالى فلا يمنعان من ذلك.
بدائع الصنائع (ج6 ص81)
فأما إذا شرط (الربح) لهما ولغيرهما بأن شرط فيه الثلث للمضارب والثلث لرب
المال والثلث لثالث سواهما , فإن كان الثالث أجنبيا أو كان ابن المضارب
وشرط عليه العمل جاز وكان الربح بينهم أثلاثا.
وإن لم يشرط عليه العمل لم يجز وما شرط له يكون لرب المال لأن الربح لا
يستحق في المضاربة من غير عمل ولا مال وصار المشروط له كالمسكوت عنه.
بدائع الصنائع (ج6 ص86)
والأصل في الشرط الفاسد إذا دخل في هذا العقد أنه ينظر إن كان يؤدي إلى
جهالة الربح يوجب فساد العقد لأن الربح هو المعقود عليه وجهالة المعقود
عليه توجب فساد العقد وإن كان لا يؤدي إلى جهالة الربح يبطل الشرط وتصح
المضاربة.
المدونة الكبرى (ج4 ص49)
قلت: أرأيت المقارضين يشترطان عند معاملتهما ثلث الربح للمساكين أيجوز ذلك؟
قال: نعم قلت: فهل يرجعان فيما جعلا من ذلك قال: لا , وليس بذلك عليهما ولا
أحب لهما فيما بينهما وبين الله أن يرجعا فيما جعلا.
المغني (ج5 ص146)
وإن شرطاه (جزءا من الربح) لأجنبي أو لولد أحدهما أو امرأته أو قريبه وشرطا
عليه عملا مع العامل صح وكانا عاملين , وإن لم يشترطا عليه عملا لم تصح
المضاربة وبهذا قال الشافعي وحكى عن أصحاب الرأي أنه يصح والجزء المشروط له
لرب المال سواء شرط لقريب العامل أو لقريب رب المال أو لأجنبي لأن العامل
لا يستحق إلا ما شرط له ورب المال يستحق الربح بحكم الأصل والأجنبي لا
يستحق شيئا لأنه إنما يستحق الربح بمال أو عمل وليس هذا واحدا منهما فما
شرطا لا يستحقه فيرجع إلى رب المال كما لو ترك ذكره.
ولنا أنه شرط فاسد يعود إلى الربح ففسد به العقد كما لو شرط دراهم معلومة
وإن قال لك الثلثان على أن تعطي امرأتك نصفه فكذلك لأنه شرط في الربح شرطا
لا يلزم فكان فاسدا.
اختصاص المضارب
بالعمل
يجوز اشتراط عمل رب المال مع المضارب كما هو مذهب الحنابلة خلافا للجمهور.
فإن كان عمل رب المال بغير شرط فهو جائز بالاتفاق.
الحنفية والمالكية والشافعية:
يشترط عندهم أن يختص المضارب باستثمار مال المضاربة , فإذا شرط رب المال
عمله مع المضارب فسدت المضاربة , لأن ذلك يستدعي بقاء يده على المال وهو
ينافي مقتضى العقد ويخل بما تقوم عليه المضاربة من اقتضاء تسليم رأس المال
للمضارب ليعمل في تثميره.
أما إذا كان عمل رب المال من غير شرط وتحت إدارة المضارب , فذلك جائز عند
جميع الفقهاء ويكون عمل رب المال على سبيل المعونة وليس لقاء أجر لأنه -
كما قالوا - لا يستحق أحد الأجرة بالعمل في مال نفسه.
الحنابلة:
يجوز عند بعضهم اشتراط عمل رب المال مع المضارب , فيجوز له حينئذ جميع
التصرفات التي تجوز للمضارب لأن المضاربة تقتضي عندهم اطلاق التصرف للمضارب
فقط وليس تسليم رأس المال , وهذا حاصل مع اشتراك الطرفين في تقديم العمل.
كما أن العمل هو أحد ركني المضاربة فجاز أن ينفرد به أحدهما مع وجود
الأمرين من الآخر كالمال.
المبسوط (ج12 ص83 / 84)
. . . (قال رضي الله عنه) وإذا وقعت المضاربة على أن يعمل رب المال مع
المضارب فالمضاربة فاسدة لأن من شرط صحتها التخلية بين المضارب وبين رب
المال , وهذا الشرط يعدم التخلية.
وإنما قلنا ذلك لأن من حكم المضاربة أن يكون رأس المال أمانة في يد المضارب
ولا يتحقق ذلك إلا بأن يخلى رب المال بينه وبين المال كالوديعة وإذا اشترط
عمل نفسه معه تنعدم هذه التخلية لأن المال في أيديهما يعملان فيه يوضحه أن
المضاربة فارقت الشركة في الاسم فينبغي أن تفارقها في الحكم وشرط العمل
عليهما من حكم الشركة فلو جوزنا ذلك في المضاربة لاستوت المضاربة والشركة
في العمل وشرط الربح , فلا يبقى لاختصاص المضاربة بهذا الاسم فائدة.
الإنصاف (ج5 ص432)
قوله: وان أخرج مالا ليعمل فيه هو وآخر والربح بينهما صح ذكره الخرقي ويكون
مضاربة. وهذا المذهب نص عليه. قال في المغني , والكافي والشرح: هذا أظهر.
وجزم به في الوجيز. وقدمه الزركشي. وقال: هو منصوص الإمام أحمد رحمه الله
في رواية أبي الحارث. وقدمه في المغني والتلخيص والمحرر والشرح والفروع
والفائق والمستوعب , وصححه الناظم. وقال القاضي إذا شرط المضارب أن يعمل
معه رب المال: لم يصح واختاره ابن حامد وجزم به في الهداية , وحمل القاضي
كلام الإمام أحمد والخرقي على أن رب المال عمل فيه من غير شرط.
المدونة (ج4 ص47 / 48)
قال عبد العزيز ولا تشترط أيها المقارض الذي لك المال انك تعينه بنفسك ولا
تبيع معه ولا تبتاع منه ولا تعينه بغلام فإن ذلك بمنزلة الدراهم تزيده
إياها مع ما سمى لك من الربح.
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل مالا قراضا على أن يشتري به جلودا فيعملها بيده
خفافا أو نعالا أو سفرا ثم يبيعها فما رزق الله فهو بيننا نصفين , قال: لا
خير في هذا عند مالك. قال ابن القاسم في رجل دفع إلى رجل مالا والمدفوع
إليه صائغ على أن يصوغ ويعمل فما ربح في المال فهو بينهما نصفان واشترط
صياغة يده في المال , قال: قال مالك لا خير فيه , قال فإن عمل رأيته أجيرا
وما كان في المال من ربح أو وضيعة فلصاحب المال.
المدونة الكبرى (ج4 ص58 / 59)
في المقارض يأخذ مالا قراضا ويشترط أن يعمل له ومعه رب المال) : قلت أرأيت
أن أخذت مالا قراضا على أن يعمل معه رب المال في المال , قال: قال مالك لا
خير في هذا , قلت: فإن نزل هذا قال يرد العامل إلى إجارة مثله عند مالك قلت
, فإن عمل رب المال بغير شرط قال: قد أخبرتك أن مالكا كره ذلك إلا أن يكون
عملا يسيرا وهو قول مالك.
مغني المحتاج (ج2 ص310)
فلا يجوز شرط كون المال في يد المالك , ولا عمله معه.
المدونة الكبرى (ج4 ص59)
قلت: أرأيت إن أخذت مالا قراضا على أن يعمل معي رب المال في المال , قال:
قال مالك لا خير في هذا. . . قلت: فإن عمل رب المال بغير شرط , قال: قد
أخبرتك أن مالكا كره ذلك إلا أن يكون عملا يسيرا , وهو قول مالك.
المغني (ج5 ص137 - 138)
القسم الخامس:
أن يشترك بدنان بمال أحدهما وهو أن يكون المال من أحدهما والعمل منهما مثل
أن يخرج أحدهما ألفا ويعملان فيها معا والربح بينهما , فهذا جائز ونص عليه
أحمد في رواية أبي الحارث.
وتكون مضاربة لأن غير صاحب المال يستحق المشروط له من الربح بعمله في مال
غيره وهذا هو حقيقة المضاربة وقال أبو عبد الله بن حامد والقاضي وأبو
الخطاب إذا شرط أن يعمل معه رب المال لم يصح , وهذا مذهب مالك والأوزاعي
والشافعي وأصحاب الرأي وأبي ثور وابن المنذر قال ولا تصح المضاربة حتى يسلم
المال إلى العامل ويخلي بينه وبينه لأن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى
المضارب فإذا شرط عليه العمل فلم يسلمه لأن يده عليه فيخالف موضوعها وتأول
القاضي كلام أحمد والخرقي على أن رب المال عمل من غير اشتراط.
ولنا أن العمل أحد ركني المضاربة فجاز أن ينفرد به أحدهما مع وجود الأمرين
من الآخر كالمال وقولهم أن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى العامل ممنوع ,
إنما تقتضي اطلاق التصرف في مال غيره بجزء مشاع من ربحه , وهذا حاصل مع
اشتراكهما في العمل ولهذا لو دفع ماله إلى اثنين مضاربة صح ولم يحصل تسليم
المال إلى أحدهما.
/174 بدائع الصنائع (ج6 ص85) /12/50 لو شرط في المضاربة عمل رب المال فسدت
المضاربة سواء عمل رب المال معه أو لم يعمل لأن شرط عمله معه شرط بقاء يده
على المال وأنه شرط فاسد ولو سلم رأس المال إلى رب المال ولم يشترط عمله ثم
استعان به على العمل أو دفع إليه المال بضاعة جاز , لأن الاستعانة لا توجب
خروج المال عن يده.
اقتصار عمل المضارب
في التجارة
لا يقتصر عمل المضارب على التجارة فقط كما هو مذهب الشافعية , وإنما تجوز
المضاربة في كل الأعمال التي تهدف إلى تنمية المال وتحقيق الربح الذي هو
المقصود الأصلي للعقد وهذا هو مذهب الجمهور.
الشافعية:
يقتصر عمل المضاربة عندهم على الأعمال التجارية بمعنى البيع والشراء فقط ,
فلا يجوز تنمية المال بالعمل في الصناعة أو الزراعة ثم الاتجار بالمنتجات
المصنعة أو المحصلة , لأن المضاربة شرعت على خلاف القياس فهي تكون فيما لا
يجوز الاستئجار عليه وهو التجارة فقط لأن أعمالها غير مضبوطة خلافا للحرف
والصناعات والزراعة التي تكون أعمالها مضبوطة يمكن الاستئجار عليها فيستغنى
فيها عن المضاربة وتدخل في الإجارة.
الحنفية والمالكية والحنابلة:
لا يقتصر عمل المضاربة على التجارة وإنما يجوز في كل الأعمال التي تهدف إلى
تنمية المال وتحقيق الربح وهو المقصود الأصلي للعقد.
وعليه فالمضاربة جائزة سواء كانت في مجال التجارة أو الصناعة أو الزراعة أو
غيرها.
مغني المحتاج (ج2 ص311)
ووظيفة العامل التجارة وتوابعها كنشر الثياب وطيها , فلو قارضه ليشتري حنطة
فيطحن ويخبز أو غزلا ينسجه ويبيعه فسد القراض.
الفقه على المذاهب الأربعة (ج3 ص45)
(رأي الشافعية)
أما العمل فيشترط فيه شرط , الأول: أن يكون عملا في تجارة من بيع وشراء فلا
تصح المضاربة على عمل صناعي , كأن يضارب نساجا على أن يشتري قطنا ثم ينسجه
ويبيعه منسوجا , أو يضارب خبازا على أن يشتري قمحا ويطحنه ثم يخبزه ويبيعه
قرصا , وإنما لا تصح المضاربة في ذلك لأنه عمل محدود تصح إجارة العامل عليه
فلا داعي حينئذ للمضاربة لأنها إنما أبيحت للضرورة حيث لا تمكن الإجارة ,
وذلك لأن التجارة التي سيقوم بها العامل مجهولة وقد يكون رب المال عاجزا عن
القيام بها فأبيح له أن يفعل ذلك النوع من المعاملة بأن يشرك معه غيره في
الربح المجهول في نظير ذلك العمل المجهول. فإذا أمكن ضبط عمل العامل فلا
يصح أن يفعل ذلك بل عليه أن يستأجره بأجرة معينة بإزاء ذلك العمل المنضبط.
المبسوط (ج12 ص72 / 73)
وإذا دفع مالا مضاربة وأمر المضارب أن يعمل في ذلك برأيه أو لم يأمره ,
فاستأجر المضارب ببعضه أرضا بيضاء واشترى ببعضه طعاما فزرعه في الأرض فهو
جائز على المضاربة بمنزلة التجارة لأن عمل الزراعة من صنع التجار يقصدون به
تحصيل النماء وإليه أشار صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم الزارع يتاجر ربه
وما كان من عمل التجار يملكه المضارب بمطلق العقد.
المبسوط (ج12 ص54)
ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة على أن يشتري بها الثياب ويقطعها بيده
ويخيطها على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما نصفان فهو جائز
على ما اشترطا لأن العمل المشروط عليه مما يصنعه التجار على قصد تحصيل
الربح فهو كالبيع والشراء.
وكذلك لو قال له على أن يشتري بها الجلود والأدم ويخرزها خفافا ودلاء
وروايا وأجربة فكل هذا من صنع التجار على قصد تحصيل الربح فيجوز شرطه على
المضاربة.
المدونة الكبرى (ج4 ص64)
قلت: فلو دفعت إلى رجل مالا قراضا فاشترى به أرضا أو اكتراها أو اشترى
زريعة وأزواجا فزرع فربح أو خسر أيكون ذلك قراضا ويكون غير متعد , قال: نعم
, إلا أن يكون خاطر به في موضع ظلم أو عدو يرى أن مثله قد خاطر به فيضمن
وأما إذا كان في موضع أمن وعدل فلا يضمن , قلت: أو ليس مالك كره هذا؟ قال:
إنما كرهه مالك إذا كان يشترط أنه يدفع إليه المال قراضا على هذا. قال:
ولقد بلغني عن مالك في الذي يأخذ المال قراضا ويشترط عليه أن يزرع به , قال
مالك لا خير في ذلك , قلت: فإن أخذ المال القراض من غير شرط اشترطه فزرع به
أيكون قراضا جائزا؟ قال: لا أرى به بأسا إنما هي تجارة من التجارات إلا أن
يكون زرع به في ظلم بين يرى أنه قد خاطر به في ظلم العامل فأرى أنه ضامن ,
فأما أن يزرع على وجه يعرف وعلى وجه عدل وأمر بين فلا أراه ضامنا.
المغني (ج5 ص118)
وإن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله قمصانا يبيعها له , وله نصف ربحها بحق عمله
جاز , نص عليه في رواية حرب وان دفع غزلا إلى رجل ينسجه ثوبا بثلث ثمنه أو
ربعه جاز نص عليه , ولم يجز مالك وأبو حنيفة والشافعي شيئا من ذلك. .
التضييق على المضارب
في تصرفاته وأعماله
يجوز تقييد المضارب ببعض القيود إذا كان القيد مفيدا وليس فيه تضييق على
العامل قد ينتج عنه عدم الحصول على الربح المطلوب وتحقيق المقصود من
المضاربة.
وإذا خالف المضارب القيد أو الشرط المفيد كان غاصبا فيضمن لرب المال ماله.
اتفق الفقهاء على فساد المضاربة في حالة
التضييق على المضارب بحيث لا يستطيع مزاولة عمله بطريقة تمكنه من تحقيق هدف
المضاربة ومقصودها وهو الربح. ذلك أن المضاربة عقد على غاية وهي الربح وليس
على مجرد الوسيلة على ذلك وهو العمل , ولذا فإنه يجب مراعاة ذلك بعدم
اشتراط أي شرط في الوسيلة (العمل) يعيق عن تحقيق هذا الغرض أو الغاية
(الربح) .
وهذا الشرط لا يعني حرمان رب المال من اشتراط أو تحديد بعض تصرفات المضارب
, فهو صاحب المال ومن حقه ذلك , والمضاربة كما تجوز مطلقة تجوز أيضا مقيدة.
ولكن بالرغم من اتفاق الفقهاء على جواز تقييد رب المال لعمل المضارب بقيد
مفيد لا يؤدي إلى الإخلال بمقصود العقد سواء كان القيد بخصوص نوع العمل أو
المكان أو الزمان أو من يعامله المضارب.
فإنهم قد اختلفوا في تحديد نوع التضييقات والقيود المخلة بالمقصود. . .
واجتهد كل فريق بما رأى أنه العرف المتبع أو العادة الجارية.
فمنهم من رأى أن هذا القيد مفيد فقال بجوازه , ومنهم من رأى أنه غير مفيد
وإنما فيه تضييق على العامل قد ينتج عنه عدم الحصول على الربح المطلوب
وتحقيق المقصود من المضاربة فقال بعدم جوازه.
تقييد نوع العمل
- القيد: منع المضارب عن التعامل في صنف معين من البضائع يجوز باتفاق
الفقهاء لأن القيد هنا مفيد , وليس فيه تضييق على المضارب إذ لا يمنعه من
تحقيق الربح الذي هو المقصود من العقد.
- القيد: إلزام المضارب التعامل في صنف محدد من البضائع هذا القيد جائز عند
الحنفية والحنابلة لأن المضارب يتصرف بمال المضاربة بإذن رب المال بصفته
وكيلا عنه , فوجب عليه الالتزام بما قيد به. وهو جائز عند المالكية
والشافعية بشرط أن يكون الصنف المحدد غير نادر الوجود لأن ذلك تضييق ينافي
مقتضى المضارب.
تقييد المكان
- القيد: تعيين مكان عام يعمل فيه المضارب كبلد أو مدينة ما يجوز باتفاق
الفقهاء لأن المضاربة توكيل من رب المال , والتوكيل في شيء معين يختص به ,
وفي هذا الشرط محافظة على المضاربة من الأخطار.
- القيد: تعيين مكان خاص يعمل فيه المضارب كسوق محدد لا يتعداه هذا القيد
جائز عند الحنفية والحنابلة والشافعية لأن السوق كالمكان العام يمكن
الاتجار فيه وتحقيق مقصود المضاربة دون تضييق على المضارب.
ولا يجوز عند المالكية لما فيه من التضييق على المضارب لتحصيل الربح.
- القيد: تعيين حانوت خاص يعمل فيه المضارب دون أن يتعداه هذا القيد جائز
عند الحنفية والحنابلة لأن فيه محافظة على المال , ولا يمنع الربح بالكلية.
ولا يجوز عند المالكية والشافعية لأنه يحد من حركة المضارب في تقليب المال.
تقييد الزمان
- القيد: تأقيت المضاربة بزمن محدد تنتهي فيه هذا القيد جائز عند الحنفية
والحنابلة لأن المضاربة توكيل , والتوكيل يحتمل التخصيص بوقت دون وقت. وهو
جائز أيضا عند الشافعية في حالة منع المضارب من الشراء فقط والسماح له
بالبيع بعد المدة المحددة لتمكينه من تنضيض مال المضاربة.
أما عند المالكية فهذا القيد لا يجوز لأن المضارب قد لا يتمكن من تحقيق
الربح خلال المدة المعينة فيخل ذلك بالمقصود.
تقييد من يعاملهم المضارب
- القيد: تقييد المضارب بمعاملة أشخاص معينين أو منعه عن معاملتهم هذا
القيد جائز باتفاق الفقهاء لأن رب المال يزداد ثقة في المعاملة , وفى نفس
الوقت يبقى مجال تحقيق الربح متوفرا للمضارب , فلا يخل هذا القيد بالمقصود.
- القيد: تقييد المضارب بمعاملة شخص بعينه هذا القيد جائز عند الحنفية
والمالكية لأنه لا يمنع من تحصيل الربح ولا ينافي مقتضى العقد , فيتقيد
المضارب بما أذن له فيه كالوكيل.
ولا يجوز عند المالكية والشافعية لأن الشخص المعين قد لا يعامله فيخل
المقصود من المضاربة.
المبسوط (ج12 ص40)
وإذا دفعه إليه مضاربة على أن يعمل به في الكوفة ليس له أن يعمل به في
غيرها لأن كلمة - على - للشرط , والشرط في العقد متى كان مفيدا يجب اعتباره
وهذا شرط مفيد لصاحب المال ليكون ماله محفوظا في المصر يتمكن منه متى شاء
فيتقيد الأمر بما قيده به. ويقاس التوقيت من حيث المكان بالتوقيت من حيث
الزمان.
ولو دفعه إليه مضاربة على أن يعمل به في سوق الكوفة فعمل به في الكوفة في
غير ذلك المكان ففي القياس هو مخالف ضامن لأنه خالف شرطا نص عليه الدافع.
ولو دفعه إليه على أن يعمل به في سوق الكوفة وقال له لا تعمل به إلا في
السوق فعمل به في غير السوق فهو مخالف ضامن.
المبسوط (ج12 ص42)
ولو دفع إليه مضاربة على أن يشتري من فلان ويبيع منه فليس له أن يشتري من
غيره , ولا أن يبيع من غيره لأن هذا تقييد بشرط مفيد والناس يتفاوتون في
المعاملة في الاستقضاء والمساهلة ويتفاوتون في ملاءة الذمة وقضاء الديون.
المبسوط (ج12 ص43)
ولو دفع إليه مالا مضاربة بالنصف ولم يقل شيئا ثم قال له رب المال بعد ذلك
لا تعمل بالمال إلا في الحنطة فليس له أن يعمل به إلا في الحنطة لأن تقييده
الأمر بعد الدفع مضاربة لتقييده بذلك عند الدفع وهذا لأن رأس المال ما دام
في يد المضارب نقدا فرب المال يملك نهيه عن التصرف فيملك تقييد الأمر بنوع
دون نوع.
بداية المجتهد (ج2 ص238)
واختلفوا في المقارض يشترط رب المال عليه خصوص التصرف مثل أن يشترط عليه
تعيين جنس ما من السلع , أو تعيين جنس ما من البيع , أو تعيين موضع ما
للتجارة , أو تعيين صنف ما من الناس يتجر معهم , فقال مالك والشافعي في
اشتراط جنس من السلع لا يجوز ذلك إلا أن يكون ذلك الجنس من السلع لا يختلف
وقتا ما من أوقات السنة وقال أبو حنيفة يلزمه ما اشترط عليه , وإن تصرف في
غير ما اشترط عليه ضمن. فمالك والشافعي رأيا أن هذا الشرط من باب التضييق
على المقارض فيعظم الغرر بذلك , وأبو حنيفة استخف الغرر الموجود في ذلك ,
كما لو اشترط عليه أن لا يشتري جنسا ما من السلع لكان على شرطه في ذلك
بإجماع.
المدونة الكبرى (ج4 ص59)
قلت: فلو دفعت إلى رجل مالا قراضا على أن يخرج بالمال إلى بلد من البلدان
يشتري في ذلك الموضع تجارة , قال: سألت مالكا عن ذلك فقال لا خير فيه , قال
مالك يعطيه المال ويقوده كما يقود البعير , قال: وإنما كره مالك من هذا أنه
يحجر عليه أنه لا يشتري إلا أن يبلغ ذلك البلد.
القوانين الفقهية (ص280)
من شروط القراض:
أن لا يضرب أجل للعمل خلافا لأبي حنيفة وأن لا يحجر على العمل فيقصر على
سلعة واحدة أو دكان.
المجموع (ج14 ص379)
فإذا أذن له في أن يتجر فيما ندر وجوده وعز طلبه , كالياقوت الأحمر والخيل
البلق والعبيد الخصيان فالقراض باطل سواء وجده أو لم يجده لأنه على غير ثقة
من وجوده.
خروج المضارب عن
التصرفات المعتادة في المضاربة
اتفق الفقهاء على أن المضارب له أن يباشر تقليب المال بما جرت به عادة
التجار وكان من مصلحة المضاربة.
كما اتفقوا على أنه ليس للمضارب أن يباشر بعض التصرفات التي قد تعرض مال
المضاربة إلى الأخطار أو توجب فيه حقا لغيره إلا بالتفويض العام عند بعض
الفقهاء أو بالإذن الصريح من رب المال عند البعض الآخر
اتفق الفقهاء على أن المضارب له أن يباشر
تقليب المال بما جرت به عادة التجار وما كان من ضرورات أعمال المضاربة ,
أما التصرفات التي قد تعرض مال المضاربة إلى الأخطار أو توجب فيه حقا لغيره
فهي لا تكون معتبرة إلا في حالة وجود تفويض عام من رب المال عند بعض
الفقهاء (كقوله اعمل برأيك) أو وجود إذن صريح من رب المال للقيام بذلك عند
البعض الآخر.
فهناك تصرفات يملكها المضارب بمطلق العقد , وهناك تصرفات لا يملكه إلا
بالتفويض العام من رب المال , وهناك تصرفات لا يملكه إلا بالإذن الصريح.
ومن التصرفات التي يملكها المضارب بمطلق العقد عند جمهور الفقهاء:
- تصرفه برأس المال بالبيع والشراء لأن الربح وهو مقصود المضاربة لا يتحقق
إلا بذلك.
- استئجار من يساعده في كل ما كان لمصلحة المضاربة ولا يقدر القيام به
بمفرده.
ومن التصرفات التي لا يملكها المضارب إلا بالإذن الصريح عند جمهور الفقهاء:
- شراء المضارب للمضاربة بأكثر من رأس مالها (الاستدانة على المضاربة) .
- التبرع بمال المضاربة بإقراض أو هبة وصدقة شيء منه.
ومن التصرفات التي اختلف الفقهاء في أمرها
فقال الحنفية والحنابلة بأن المضارب يملكها بمطلق العقد لأنها من عادة
التجار وقال الشافعية والمالكية بأنه يملكها بالإذن الصريح.
- بيعه السلع بثمن مؤجل , وشراؤه بثمن مؤجل.
- قيامه بإحالة البائع على مدين المضاربة , وقبوله الحوالة من مشتري
المضاربة.
- إعطاؤه رهنا من مال المضاربة لتوثق الدائن بإيفائه الثمن , وأخذه رهنا
لتوثقه من استيفاء ديون المضاربة.
- توكيل الغير بالتصرف لصالح المضاربة.
ومن التصرفات التي اختلف الفقهاء في أمرها , فقال الحنفية والحنابلة:
أن المضارب يملكها بالتفويض العام لأنها من مصلحة المضاربة وقال الشافعية
والمالكية:
أنه يملكها بالإذن الصريح.
- المضاربة بمال المضاربة.
- المشاركة بمال المضاربة.
- خلط مال المضاربة بغيرها (وأقرها المالكية بمطلق العقد) .
فنرى هنا أن الفقهاء اختلفوا في تحديدهم لنوعية التصرفات التي تدخل تحت كل
نوع من أنواع المضاربة المطلقة (المضاربة المطلقة المعتادة , المضاربة
المطلقة مع التفويض العام , المضاربة المطلقة مع الإذن الصريح) . فما يملكه
بمطلق العقد عند فريق من الفقهاء قد لا يملكه إلا بالتفويض عند آخرين , وما
يملكه بالتفويض عند فريق قد لا يملكه إلا بالإذن الصريح عند غيرهم.
بدائع الصنائع (ج6 ص88)
وله أن يستأجر من يعمل في المال لأنه من عادة التجار وضرورات التجارة أيضا
لأن الإنسان قد لا يتمكن من جميع الأعمال بنفسه فيحتاج إلى الأجير وله أن
يستأجر البيوت ليجعل المال فيها لأنه لا يقدر على حفظ المال إلا به وله أن
يستأجر السفن والدواب للحمل لأن الحمل من مكان إلى مكان طريق يحصل الربح
ولا يمكنه النقل بنفسه وله أن يوكل بالشراء والبيع لأن التوكيل من عادة
التجار ولأنه طريق الوصول إلى المقصود وهو الربح.
المغني (ج5 ص167)
وعلى العامل أن يتولى بنفسه كل ما جرت العادة أن يتولاه المضارب بنفسه ,
ولا أجر عليه لأنه مستحق للربح في مقابلته فإن استأجر من يفعل ذلك فالأجر
عليه خاصة لأن العمل عليه.
فأما ما لا يليه العامل في العادة مثل النداء على المتاع ونقله إلى الخان
فليس على العامل عمله وله أن يكترى من يعمله نص عليه أحمد لأن العمل في
المضاربة غير مشروط لمشقة اشتراطه فرجع فيه إلى العرف.
فإن فعل العامل ما لا يلزمه فعله متبرعا فلا أجر له وإن فعله ليأخذ عليه
أجرا فلا شيء له أيضا في المنصوص عن أحمد وخرج أصحابنا وجها أن له الأجر
بناء على الشريك إذا انفرد بعمل لا يلزمه هل له أجر لذلك؟ على روايتين وهذا
مثله , والصحيح أنه لا شيء له في الموضعين لأنه عمل في مال غيره عملا لم
يجعل له في مقابلته شيء فلم يستحق شيئا كالأجنبي.
المدونة الكبرى (ج4 ص50)
قلت: أرأيت المقارض أله أن يستأجر الأجراء يعملون معه في المقارضة ,
ويستأجر البيوت ليجعل فيها متاع المقارضة , ويستأجر الدواب يحمل عليها متاع
القراض , قال: نعم عند مالك هذا جائز. قلت:
أرأيت إن استأجر أجيرا يخدمه في سفره أتكون إجارة الأجير من القراض؟ قال:
إذا كان مثله ينبغي له أن يستأجر والمال يحمل ذلك , فذلك له.
بدائع الصنائع (ج6 ص90)
وأما القسم الذي ليس للمضارب أن يعمله إلا بالتنصيص عليه في المضاربة
المطلقة , فليس له أن يستدين على مال المضاربة , ولو استدان لم يجز على رب
المال , ويكون دينا على المضارب في ماله لأن الاستدانة إثبات زيادة في رأس
المال من غير رضا رب المال بل فيه إثبات زيادة ضمان على رب المال من غير
رضاه لأن ثمن المشترى برأس المال في باب المضاربة مضمون على رب المال بدليل
أن المضارب لو اشترى برأس المال ثم هلك المشترى قبل التسليم فإن المضارب
يرجع إلى رب المال بمثله , فلو جوزنا الاستدانة على المضاربة لألزمناه
زيادة ضمان لم يرض به , وهذا لا يجوز.
المجموع (ج4 ص376)
ولا يشتري العامل بأكثر من رأس المال , لأن الإذن لم يتناول غير رأس المال
فإن كان رأس المال ألفا فاشترى عبدا بألف ثم اشترى آخر بألف قبل أن ينقد
الثمن في البيع الأول , فالأول للقراض لأنه اشتراه بالإذن.
وأما الثاني فينظر فيه فإن اشتراه بعين الألف فالشراء باطل , لأنه اشتراه
بمال استحق تسليمه في البيع الأول فلم يصح وإن اشتراه بألف في الذمة كان
العبد له ويلزمه الثمن في ماله لأنه اشترى في الذمة لغيره ما لم يأذن فيه
فوقع الشراء له.
المدونة الكبرى (ج4 ص64)
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل ألف درهم مقارضة , فذهب فاشترى عبدين صفقة
واحدة بألفين , قال: يكون شريكا مع رب القراض , يكون نصفها على القراض
ونصفها للعامل عند مالك.
بدائع الصنائع (ج6 ص92)
وإذا أذن للمضارب أن يستدين على مال المضاربة , جاز له الاستدانة وما
يستدينه يكون شركة بينهما شركة وجوه , وكان المشترى بينهما نصفين لأنه لا
يمكن أن يجعل المشترى بالدين مضاربة لأن المضاربة لا تجوز إلا في مال عين
فتجعل شركة وجوه ويكون المشترى بينهما نصفين لأن مطلق الشركة يقتضي التساوي
وسواء كان الربح بينهما في المضاربة نصفين أو أثلاثا لأن هذه شركة على حدة
فلا يبنى على حكم المضاربة وإذا صارت هذه شركة وجوه صار الثمن دينا عليهما
من غير مضاربة.
الاستئجار على مال
المضاربة
يجوز للمضارب باتفاق الفقهاء استئجار من يساعده في كل الأعمال التي تشق
عليه ولا يقدر على القيام بها بمفرده , ويرجع في تحديد ذلك إلى العرف.
أما غير ذلك فعليه أن يقوم به بنفسه , فإن استأجر عليه تكون الأجرة من ماله
الخاص ولا تعتبر من نفقات المضاربة.
اتفق جمهور الفقهاء على أن للمضارب استئجار
من يساعده في كل عمل يشق عليه وليس في طاقته وإمكاناته القيام به بنفسه إذا
كان ذلك من مصلحة المضاربة , وهو يملك هذا التصرف بمطلق العقد (المضاربة
المطلقة المعتادة) لأن المضارب قد لا يتمكن من جميع الأعمال بنفسه , فجاز
ذلك بمطلق العقد.
ويكون الإنفاق هنا من مال المضاربة وليس من ماله الخاص.
أما إذا ما جرت العادة أن يتولى بنفسه تلك الأعمال ولا تشق عليه , فإنه لا
يصح أن يستأجر من مال المضاربة أشخاصا آخرين يقومون بتلك الأعمال لأن الربح
الذي يستحقه المضارب هو في مقابل تلك الأعمال ويجب أن يتحمل عمله فإذا ما
استأجر عليها يكون الإنفاق من ماله الخاص وليس من مال المضاربة.
بدائع الصنائع (ج6 ص88)
وله أن يستأجر من يعمل في المال لأنه من عادة التجار وضرورات التجارة أيضا
لأن الإنسان قد لا يتمكن من جميع الأعمال بنفسه فيحتاج إلى الأجير وله أن
يستأجر البيوت ليجعل المال فيها لأنه لا يقدر على حفظ المال إلا به , وله
أن يستأجر السفن والدواب للحمل لأن الحمل من مكان إلى مكان طريق يحصل الربح
ولا يمكنه النقل بنفسه وله أن يوكل بالشراء والبيع لأن التوكيل من عادة
التجار ولأنه طريق الوصول إلى المقصود وهو الربح.
المغني (ج5 ص167)
وعلى العامل أن يتولى بنفسه كل ما جرت العادة أن يتولاه المضارب بنفسه ,
ولا أجر عليه لأنه مستحق للربح في مقابلته فإن استأجر من يفعل ذلك فالأجر
عليه خاصة لأن العمل عليه.
فأما ما لا يليه العامل في العادة مثل النداء على المتاع ونقله إلى الخان
فليس على العامل عمله وله أن يكترى من يعمله نص عليه أحمد لأن العمل في
المضاربة غير مشروط لمشقة اشتراطه فرجع فيه إلى العرف.
فإن فعل العامل ما لا يلزمه فعله متبرعا فلا أجر له وإن فعله ليأخذ عليه
أجرا فلا شيء له أيضا في المنصوص عن أحمد وخرج أصحابنا وجها أن له الأجر
بناء على الشريك إذا انفرد بعمل لا يلزمه هل له أجر لذلك؟ على روايتين وهذا
مثله , والصحيح أنه لا شيء له في الموضعين لأنه عمل في مال غيره عملا لم
يجعل له في مقابلته شيء فلم يستحق شيئا كالأجنبي.
المدونة الكبرى (ج4 ص50)
قلت: أرأيت المقارض أله أن يستأجر الأجراء يعملون معه في المقارضة ,
ويستأجر البيوت ليجعل فيها متاع المقارضة , ويستأجر الدواب يحمل عليها متاع
القراض , قال: نعم عند مالك هذا جائز. قلت: أرأيت إن استأجر أجيرا يخدمه في
سفره أتكون إجارة الأجير من القراض؟ قال: إذا كان مثله ينبغي له أن يستأجر
والمال يحمل ذلك , فذلك له.
الاستدانة على مال
المضاربة
ليس للمضارب أن يشتري للمضاربة بأكثر من رأس المال (الاستدانة) دون إذن ,
وهو مذهب الجمهور.
فإذا ما أذن له رب المال بالاستدانة , يكون ما زاد على رأس المال مشتركا
بينهما شركة وجوه عند الأحناف ويقسم الربح على ذلك الأساس ,
أما عند الجمهور فإن المضارب يبقى شريكا لرب المال بالحصة الزائدة كاملة له
ربحها وعليه خسارتها.
لا يملك المضارب عند جمهور الفقهاء الشراء
للمضاربة بأكثر من رأس مالها إلا بالإذن الصريح من رب المال.
فليس له الاستدانة على مال المضاربة بدون إذن لأن في ذلك زيادة في رأس
المال من غير رضا رب المال , بل فيه إثبات زيادة ضمان على رب المال من غير
رضاه , فوجب الإذن.
وفى حالة إذن رب المال للمضارب بالاستدانة , فقد اختلف الفقهاء في كيفية
استحقاق ربح الاستدانة:
فقال الحنفية
يكون ما زاد على رأس المال شركة وجوه بين رب المال والمضارب , فيقسم ربح
شركة الوجوه بينهما بالتساوي ويقسم ربح المضارب بينهما على الوجه الذي
اشترطاه.
وذلك لأن البائع باع البضاعة للمضاربة آخذا في اعتباره شخصية كل من رب
المال والمضارب أو شخصية المضارب وقيمة ما معه من مال ممثلا في رأس مال
المضاربة.
وقال الجمهور:
يكون المضارب شريكا لرب المال بالحصة الزائدة , له ربحها وعليه خسرها مع
بقاء المضاربة في رأس المال.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى بطلان شراء ما زاد عن رأس المال إن تم الشراء
الثاني بعين مال المضاربة , وعلى صحة الشراء الثاني إن تم بثمن في ذمة
العامل.
بدائع الصنائع (ج6 ص90)
وأما القسم الذي ليس للمضارب أن يعمله إلا بالتنصيص عليه في المضاربة
المطلقة , فليس له أن يستدين على مال المضاربة , ولو استدان لم يجز على رب
المال , ويكون دينا على المضارب في ماله لأن الاستدانة إثبات زيادة في رأس
المال من غير رضا رب المال بل فيه إثبات زيادة ضمان على رب المال من غير
رضاه لأن ثمن المشترى برأس المال في باب المضاربة مضمون على رب المال بدليل
أن المضارب لو اشترى برأس المال ثم هلك المشترى قبل التسليم فإن المضارب
يرجع إلى رب المال بمثله , فلو جوزنا الاستدانة على المضاربة لألزمناه
زيادة ضمان لم يرض به , وهذا لا يجوز.
المجموع (ج4 ص376)
ولا يشترى العامل بأكثر من رأس المال , لأن الإذن لم يتناول غير رأس المال
فإن كان رأس المال ألفا فاشترى عبدا بألف ثم اشترى آخر بألف قبل أن ينقد
الثمن في البيع الأول , فالأول للقراض لأنه اشتراه بالإذن.
وأما الثاني فينظر فيه فإن اشتراه بعين الألف فالشراء باطل , لأنه اشتراه
بمال استحق تسليمه في البيع الأول فلم يصح وإن اشتراه بألف في الذمة كان
العبد له ويلزمه الثمن في ماله لأنه اشترى في الذمة لغيره ما لم يأذن فيه
فوقع الشراء له.
المدونة الكبرى (ج4 ص64)
قلت: أرأيت إن دفعت إلى رجل ألف درهم مقارضة , فذهب فاشترى عبدين صفقة
واحدة بألفين , قال: يكون شريكا مع رب القراض , يكون نصفها على القراض
ونصفها للعامل عند مالك.
بدائع الصنائع (ج6 ص92)
وإذا أذن للمضارب أن يستدين على مال المضاربة , جاز له الاستدانة وما
يستدينه يكون شركة بينهما شركة وجوه , وكان المشترى بينهما نصفين لأنه لا
يمكن أن يجعل المشترى بالدين مضاربة لأن المضاربة لا تجوز إلا في مال عين
فتجعل شركة وجوه ويكون المشترى بينهما نصفين لأن مطلق الشركة يقتضي التساوي
وسواء كان الربح بينهما في المضاربة نصفين أو أثلاثا لأن هذه شركة على حدة
فلا يبنى على حكم المضاربة وإذا صارت هذه شركة وجوه صار الثمن دينا عليهما
من غير مضاربة.
المضاربة والمشاركة
بمال المضاربة
إذا أذن رب المال للمضارب عند الشافعية والمالكية , أو إذا فوض إليه العمل
برأيه عند الأحناف والحنابلة , يجوز له أن يضارب عاملا آخر بمال المضاربة
كما يجوز له أن يشارك به غيره.
وبدون الإذن أو التفويض لا يجوز له شيء من ذلك.
وإذا ضارب المضارب بمال المضاربة , فإنه يسمح له في المذهب الحنفي حصة من
الربح لأن عمل المضارب الثاني وقع له فكأنه عمل بنفسه , ويطيب له الربح
بمباشرة العقدين , وان لم يعمل بنفسه شيئا.
أما في بقية المذاهب فالمضارب الأول لا يستحق شيئا من الربح لأنه لم يكن
منه مال ولا عمل.
يرى الحنفية والحنابلة أنه بمقتضى التفويض
العام يجوز للمضارب أن يدفع مال المضاربة إلى غيره ليضارب فيه , لأن رب
المال قد رضى أمانة وخبرة المضارب لا غيره , فلا يملك المضارب ذلك إلا عند
تفويض الرأي إليه.
كما يجوز له أيضا مشاركة الغير بمال المضاربة لأن الشركة من الأمور
التجارية المتعارفة , وهي تدخل تحت التفويض العام.
فهذه التصرفات (المضاربة والمشاركة بمال المضاربة) تدخل عند الحنفية
والحنابلة تحت عموم التفويض , لأن المضارب قد يرى في تصرفه مصلحة المضاربة.
أما الشافعية والمالكية فإنهم لا يجيزون ذلك إلا بالإذن الصريح , لأن في
مضاربة أو مشاركة الغير خروجا عن المضاربة. فلا بد من الإذن ولا يكفي
التفويض العام.
والقاعدة تقول بأن لا يوجب حق في مال إنسان بغير إذنه , وقد لا يرضى رب
المال بالمشارك أو بالمضارب الثاني.
وفى حالة دفع المضارب الأول مال المضاربة إلى مضارب ثان اختلف الفقهاء في
كيفية توزيع الربح , فمنهم من قال باستحقاق المضارب الأول للربح ومنهم من
قال بغير ذلك.
الحنفية:
يرى الحنفية قسمة الربح بين الأطراف الثلاثة: رب المال والمضارب الأول
والمضارب الثاني طبقا لما ينص عليه العقد.
ويستحق المضارب الأول عندهم حصته من الربح لأن عمل المضارب الثاني وقع له
فكأنه عمل بنفسه , فيطيب له الربح بمباشرة العقدين وإن لم يعمل بنفسه شيئا.
المالكية والشافعية والحنابلة
أما عند جمهور الفقهاء فإن المضارب الأول لا يستحق شيئا من الربح لأنه لم
يكن منه مال ولا عمل , والربح لا يستحق إلا بهما.
فالمضارب الأول ينسلخ من المضاربة ولا يكون له شيئا من الربح , وهو يعتبر
مجرد وكيلا لرب المال في ذلك. فيوزع الربح بين رب المال والمضارب الثاني
فقط.
بدائع الصنائع (ج6 ص95 - 96)
وأما القسم الذي للمضارب أن يعمله إذا قيل له اعمل برأيك وإن لم ينص عليه ,
فالمضاربة والشركة والخلط:
- فله أن يدفع مال المضاربة مضاربة إلى غيره ,
- وأن يشارك غيره في مال المضاربة شركة عنان ,
- وأن يخلط مال المضاربة بمال نفسه إذا قال له رب المال اعمل برأيك , وليس
له أن يعمل شيئا من ذلك إذا لم يقل له ذلك:
- أما المضاربة فلأن المضاربة مثل المضاربة , والشيء لا يستتبع مثله فلا
يستفاد بمطلق عقد المضاربة مثله ولهذا لا يملك الوكيل التوكيل بمطلق العقد
كذا هذا
- وأما الشركة فهي أولى أن لا يملكها بمطلق العقد لأنها أعم من المضاربة ,
والشيء لا يستتبع مثله فما فوقه أولى
- وأما الخلط فلأنه يوجب في مال رب المال حقا لغيره فلا يجوز إلا بإذنه.
المغني (ج5 ص159)
وليس للمضارب دفع المال إلى آخر مضاربة نص عليه أحمد في رواية الأثرم وحرب
وعبد الله قال: إن أذن له رب المال وإلا فلا.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (ج3 ص526)
أو شارك العامل غيره بمال القراض بلا إذن فيضمن لأنه عرضه للضياع لأن ربه
لم يستأمن غيره.
المدونة الكبرى (ج4 ص55)
وقال مالك
ولا يجوز للعامل أن يقارض غيره إلا بأمر رب المال قال:
وكذلك أيضا لا يجوز للعامل أن يشارك بالقراض إلا بأمر رب المال لأنه إذا
جاز له أن يقارض بأمر رب المال جازت له الشركة.
المبسوط (ج12 ص102)
ولو دفع إلى رجل مالا مضاربة بالنصف وقال له اعمل برأيك , فالمضارب بهذا
اللفظ يملك الخلط والشركة والمضاربة في المال لأن ذلك كله من رأيه وهو من
صنيع التجار.
المجموع (ج14 ص374)
وقال الماوردي
إن العامل في القراض ممنوع أن يقارض غيره بمال القراض ما لم يأذن له رب
المال به إذنا صحيحا صريحا.
وقال أبو حنيفة إن قال له رب المال عند دفعه له اعمل فيه برأيك جاز أن يدفع
منه قراضا إلى غيره لأنه مفوض إلى رأيه فجاز أن يقارض لأنه من رأيه وهذا
خطأ.
المغني (ج5 ص162)
وإن قال اعمل برأيك أو بما أراك الله جاز له دفعه مضاربة نص عليه لأنه قد
يرى أن يدفعه إلى أبصر منه ويحتمل أن لا يجوز له ذلك لأن قوله اعمل برأيك
يعني في كيفية المضاربة والبيع والشراء وأنواع التجارة , وهذا يخرج به عن
المضاربة فلا يتناوله إذنه.
بدائع الصنائع (ج6 ص97 / 98)
أما إذا قال له اعمل برأيك , فله أن يدفع مال المضاربة مضاربة إلى غيره
لأنه فوض الرأي إليه وقد رأى أن يدفعه مضاربة , فكان له ذلك ثم إذا عمل
الثاني وربح كيف يقسم الربح؟ فنقول جملة الكلام فيه أن رب المال لا يخلو:
[الفصل الأول] : أما أن كان أطلق الربح في عقد المضاربة ولم يضفه إلى
المضارب بأن قال على أن ما رزق الله تعالى من الربح فهو بيننا نصفان:
(فلو) دفع المضارب الأول المال إلى غيره مضاربة بالثلث فربح الثاني , فثلث
جميع الربح للثاني لأن شرط الأول للثاني قد صح لأنه يملك نصف الربح فكان
ثلث جميع الربح بعض ما يستحقه الأول , فجاز شرطه للثاني فكان ثلث جميع
الربح للثاني ونصفه لرب المال لأن الأول لا يملك من نصيب رب المال شيئا ,
فانصرف شرطه إلى نصيبه لا إلى نصيب رب المال , فبقى نصيب رب المال على حاله
وهو النصف وسدس الربح للمضارب الأول لأنه لم يجعله للثاني , فبقى له بالعقد
الأول , ويطيب له ذلك لأن عمل المضارب الثاني وقع له فكأنه عمل لنفسه كمن
استأجر إنسانا على خياطة ثوب بدرهم فاستأجر الأجير من خاطه بنصف درهم طاب
له الفضل لأن عمل أجيره وقع له فكأنه عمل بنفسه كذا هذا.
ولو دفع إلى الثاني مضاربة بالنصف فنصف الربح للثاني ونصفه لرب المال ولا
شيء للمضارب الأول لأنه جعل جميع ما يستحقه وهو نصف الربح للثاني , وصح
جعله لأنه مالك للنصف والنصف لرب المال بالعقد الأول وصار كمن استأجر رجلا
على خياطة ثوب بدرهم فاستأجر الأجير من خاطه بدرهم.
ولو دفعه إليه مضاربة بالثلثين فنصف الربح لرب المال ونصفه للمضارب الثاني
ويرجع الثاني على الأول بمثل سدس الربح الذي شرطه له لأن شرط الزيادة إن لم
ينفذ في حق رب المال لما لم يرض لنفسه بأقل من نصف الربح فقد صح فيما بين
الأول والثاني لأن الأول غر الثاني بتسمية الزيادة والغرور في العقود من
أسباب وجوب الضمان وهو في الحقيقة ضمان الكفالة , وهو أن الأول صار ملتزما
سلامة هذا القدر للثاني ولم يسلم له فيغرم للثاني مثل سدس الربح ولا يصير
بذلك مخالفا لأن شرطه لم ينفذ في حق رب المال فالتحق بالعدم في حقه فلا
يضمن وصار كمن استأجر رجلا لخياطة ثوب بدرهم فاستأجر الأجير من يخيطه بدرهم
ونصف انه يضمن زيادة الأجرة كذا هذا.
[الفصل الثاني] :
واما إن أضافه (الربح) إلى المضارب بأن قال:
على أن ما رزقك الله تعالى من الربح أو ما أطعمك الله عز وجل من ربح أو على
أن ما ربحت من شيء أو ما أصبت من ربح (فهو بيننا نصفان مثلا) فدفعه
(المضارب) الأول مضاربة إلى غيره بالثلث أو بالنصف أو بالثلثين فجميع ما
شرط للثاني من الربح يسلم له وما شرط للمضارب الأول من الربح يكون بينه
وبين رب المال نصفين بخلاف الفصل الأول.
ووجه الفرق أن هنا (الفصل الثاني) شرط رب المال لنفسه نصف ما رزق الله
تعالى للمضارب أو نصف ما ربح المضارب فإذا دفع إلى الثاني مضاربة بالثلث
كان الذي رزق الله عز وجل المضارب الأول الثلثين فكان الثلث للثاني ,
والثلثان بين رب المال وبين المضارب الأول نصفين لكل واحد منهما الثلث وفى
الفصل الأول رب المال إنما شرط لنفسه نصف جميع ما رزق الله تعالى ونصف جميع
الربح وذلك ينصرف إلى كل الربح.
المغني (ج5 ص162)
وإن أذن رب المال في دفع المال مضاربة جاز ذلك , نص عليه أحمد ولا نعلم فيه
خلافا , ويكون العامل الأول وكيلا لرب المال في ذلك فإذا دفعه إلى آخر ولم
يشترط لنفسه شيئا من الربح كان صحيحا وان شرط لنفسه شيئا من الربح لم يصح
لأنه ليس من جهته مال ولا عمل والربح إنما يستحق بواحد منهما.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (ج3 ص526)
حاصله أن عامل القراض إذا دفع المال لعامل آخر قراضا بغير إذن رب المال فإن
حصل تلف أو خسر فالضمان من العامل الأول كما مر في قوله (أو قارض بلا إذن)
وان حصل ربح فلا شيء للعامل الأول من الربح وإنما الربح للعامل الثاني ورب
المال.
إن دخل العامل الأول مع الثاني على مثل ما دخل عليه الأول مع رب المال
فظاهر , وان دخل معه على أكثر مما دخل عليه مع رب المال فإن العامل الأول
يغرم للعامل الثاني الزيادة والربح للعامل الثاني مع رب المال ولا شيء
للعامل الأول من الربح لأن القراض جعل لا يستحق إلا بتمام العمل والعامل
الأول لم يعمل فلا ربح له وإن دخل معه على أقل فالزائد لرب المال لا للعامل
الأول لأنه لا شيء له إذا لم يحصل ربح فإن لم يحصل للعامل الثاني ربح فلا
شيء له ولا يلزم للعامل الأول لذلك الثاني شيء أصلا كما هو القاعدة أن
العامل لا شيء له إذا لم يحصل له ربح.
خلط مال المضاربة
للمضارب أن يخلط أموال المضاربة بأمواله الخاصة , فيكون شريكا في المال
ويجوز تصرفه بعد ذلك على المضاربة.
ويجوز ذلك بمقتضى عقد المضاربة عند المالكية , ويشترط فيه تفويض رب المال
عند الحنفية والحنابلة , والإذن الصريح عند الشافعية.
وإذا خلط المضارب مال المضاربة بماله: يقسم الربح الحاصل على مقدار رأس
المال بأن يأخذ المضارب ربح رأس ماله , ويقسم ربح مال المضاربة بينه وبين
رب المال على الوجه الذي شرطاه.
أجاز الفقهاء خلط المضارب لمال المضاربة
بمال نفسه أو بمال مضاربة أخرى والعمل فيهما جميعا.
وقال المالكية يملك المضارب هذا التصرف بمطلق العقد لأن ذلك من ضرورات
أعمال المضاربة لتحقيق الربح وهو من عادة التجار , , والغالب على أحوال
المضاربين أن تكون لهم أموال خاصة ويعرف منذ البداية أن الأموال ستختلط وأن
التجارة ستكون واحدة.
كما يملك المضارب هذا التصرف بالتفويض العام عند الحنفية والحنابلة لأن خلط
الأموال أمر متعارف بين التجار , وقد تكون المصلحة فيه لجميع الأطراف ,
فيجوز تصرف المضارب بعموم التفويض.
وقال الشافعية أن المضارب لا يملك هذا التصرف إلا بالإذن الصريح لأنه بخلط
المال يوجب في مال رب المال حقا لغيره , وذلك لا يجوز إلا بالإذن , لأن
المنع كان من حق رب المال وقد أسقطه بالإذن.
أما توزيع الأرباح في حالة الخلط , فإنه يتم تخصيص حصة للمال وحصة للعمل.
فتوزع حصة المال بين رب المال والمضارب بنسبة أموال كل منهما , ويستقل
المضارب بحصة العمل.
بدائع الصنائع (ج6 ص95 - 96)
وأما القسم الذي للمضارب أن يعمله إذا قيل له اعمل برأيك وإن لم ينص عليه ,
فالمضاربة والشركة والخلط:
- فله أن يدفع مال المضاربة مضاربة إلى غيره , - وأن يشارك غيره في مال
المضاربة شركة عنان , - وأن يخلط مال المضاربة بمال نفسه إذا قال له رب
المال اعمل برأيك , وليس له أن يعمل شيئا من ذلك إذا لم يقل له ذلك:
- أما المضاربة فلأن المضاربة مثل المضاربة , والشيء لا يستتبع مثله فلا
يستفاد بمطلق عقد المضاربة مثله ولهذا لا يملك الوكيل التوكيل بمطلق العقد
كذا هذا - وأما الشركة فهي أولى أن لا يملكها بمطلق العقد لأنها أعم من
المضاربة , والشيء لا يستتبع مثله فما فوقه أولى - وأما الخلط فلأنه يوجب
في مال رب المال حقا لغيره فلا يجوز إلا بإذنه.
القوانين الفقهية ص280)
إذا خلط العامل ماله بمال القراض من غير إذن رب المال فهو غير متعد خلافا
لهما (أي خلافا للشافعي وأبي حنيفة) .
المدونة الكبرى (ج4 ص54)
قلت: أرأيت إن اشتريت بمال القراض وبمال من عندي من غير أن يكون اشترط على
رب المال أن أخلطه بمالي , أيجوز هذا؟ قال:
لا بأس بذلك , كذلك قال لي مالك.
المغني (ج5 ص162)
وليس له أن يخلط مال المضاربة بماله فإن فعل ولم يتميز ضمنه لأنه أمانة فهو
كالوديعة فإن قال له اعمل برأيك جاز له ذلك وهو قول مالك والثوري وأصحاب
الرأي , وقال الشافعي ليس له ذلك وعليه ضمانه إن فعله لأن ذلك ليس من
التجارة.
ولنا أنه قد يرى الخلط أصلح له فيدخل في قوله أعمل برأيك.
المبسوط (ج12 ص102)
ولو دفع إلى رجل مالا مضاربة بالنصف وقال له اعمل برأيك , فالمضارب بهذا
اللفظ يملك الخلط والشركة والمضاربة في المال لأن ذلك كله من رأيه وهو من
صنيع التجار.
أحكام الربح
والخسارة
اتفق الفقهاء على أن الربح على ما اصطلح عليه المتعاقدان فجاز ما يتفقان
عليه من نسب معلومة بينهما قلت أو كثرت.
كما أن الخسارة تكون فقط على رب المال وليس على المضارب منها شيء لأن
الخسارة عبارة عن نقصان رأس المال ورأس المال مختص بملك صاحبه وهو رب
المال.
واتفق الفقهاء على أن الربح وقاية لرأس المال , فلا يستحق المضارب أخذ شيء
من الربح حتى يستوفى رأس المال لأن ما يهلك من مال المضاربة (الخسارة) يصرف
أولا إلى الربح ويجبر منه.
وكذلك لا يأخذ المضارب حصته من الربح إلا بعد إذن رب المال لأن رب المال
شريكه فوجب إذنه.
أما قسمة الربح بصورة مبدئية قبل المفاصلة النهائية أي مع استمرار المضاربة
, فهي تجوز عند الشافعية والحنابلة ولكن يراعى في ذلك قاعدة (الربح وقاية
لرأس المال) فإذا حدثت خسارة لاحقة فإنها تجبر بالربح المقسوم.
ولا يجوز ذلك عند غيرهم لأن الربح هو الزيادة على رأس المال والزيادة على
الشيء لا تكون إلا بعد سلامة الأصل , ولا يمكن التأكد من سلامة الأصل قبل
الفاصلة النهائية.
واتفق الفقهاء على استقرار ملك المضارب لحصته من الربح إذا تم تنضيض المال
(تحويله إلى نقود) وقبض رب المال رأس ماله.
وذهب الشافعية إلى أنه يشترط لذلك تنضيض المال وفسخ العقد ولو لم يتم قسمة
الربح.
بينما قال الحنابلة إن المحاسبة تجري مجرى القبض والقسمة , فلو تحاسبا
حسابا نهائيا بعد تنضيض المال , وأبقيا المضاربة , فهي مضاربة ثانية مستقلة
لا تجبر وضيعة إحداهما من الأخرى.
بالإضافة إلى شرطي الربح المتفق عليهما بين
الفقهاء , وهما:
- أن يكون الربح عند التعاقد معلوم القدر , بحيث تتحدد حصة كلا المتعاقدين
من الربح في العقد.
- أن يكون الربح بنسبة شائعة يتفق عليها , بحيث لا يتم تحديد مبلغ مقطوع
لأحد المتعاقدين.
بالإضافة إلى ذلك , هناك أربع قواعد أساسية متفق عليها بين الفقهاء في خصوص
توزيع الأرباح والخسائر في عقد المضاربة.
وهذه القواعد هي:
- الربح على ما اصطلح عليه المتعاقدان.
- الخسارة تكون فقط على رب المال.
- الربح دائما وقاية لرأس المال.
- لا يوزع الربح إلا بإذن رب المال.
كما توجد قاعدتان أخريان في خصوص توزيع الأرباح والخسائر ,
وقد اختلف في شأنهما الفقهاء. وهما:
- قسمة الربح قبل المفاصلة أي مع استمرار المضاربة.
- استقرار ملك المضارب لحصته من الربح.
الربح على ما اصطلح عليه المتعاقدان
يجوز بإجماع الفقهاء اتفاق الطرفين على توزيع ربح المضاربة بنسب معلومة
بينهما قلت أو كثرت لأن استحقاق المضارب الربح بعمله فجاز ما يتفقان عليه
من قليل أو كثير.
الخسارة تكون فقط على رب المال
الخسارة في المضاربة تكون على رب المال وليس على المضارب منها شيء , لأن
الخسارة - الوضيعة - عبارة عن نقصان رأس المال , ورأس المال مختص بملك
صاحبه وهو رب المال فوجب أن يتحمل هو نقصان ماله وليس على المضارب شيء.
الربح وقاية لرأس المال
لا يستحق المضارب أخذ شيء من الربح حتى يستوفى رأس المال , ذلك أن ما يهلك
من مال المضاربة (الخسارة) يصرف إلى الربح ويجبر منه لأن الربح تبع لرأس
المال , يقول صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمن مثل التاجر , لا يسلم له ربحه
حتى يسلم له رأس ماله
لا يوزع الربح إلا بإذن رب المال
أجمع الفقهاء على أنه لا يجوز للمضارب أن يأخذ نصيبه من الربح إلا بإذن رب
المال لأن رب المال شريكه فوجب إذنه ولأن ملكه للربح غير مستقر إذ أنه لا
يأمن الخسران الذي يكون هذا الربح جابرا له.
قسمة الربح قبل المفاصلة أي مع استمرار المضاربة
- الحنفية والمالكية:
لا يجوز عندهم ذلك لأن الربح هو الزيادة على رأس المال والزيادة على الشيء
لا تكون إلا بعد سلامة الأصل , ولا يمكن التأكد من سلامة الأصل قبل
المفاصلة.
فالربح الحقيقي لا يحدد إلا عند التصفية واستكمال رأس المال أولا , فيكون
ما زاد عليه ربحا إن وجدت هذه الزيادة.
- الشافعية والحنابلة:
يجوز عندهم ذلك إن رضي المتعاقدان لأن الحق لهما والمال مالهما , فجاز لهما
أن يتقاسما الربح كالشريكين ولكن لا يستقر الربح بالقسمة فإذا حدثت خسارة
لاحقة فإنها تجبر بالربح الأول لأنه وقاية لرأس المال
ويقول ابن قدامة في المغني:
وان طالب أحدهما قسمة الربح دون رأس المال وأبى الآخر قدم قول الممتنع لأنه
إن كان رب المال فلأنه لا يأمن الخسران في رأس المال فيجبره بالربح , وإن
كان العامل فإنه لا يأمن أن يلزمه رد ما أخذ في وقت لا يقدر عليه وإن
تراضيا على ذلك جاز لأن الحق لهما ثم متى ظهر في المال خسران أو تلف كله
لزم العامل رد أقل الأمرين مما أخذه أو نصف خسران المال إذا اقتسما الربح
نصفين وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق.
استقرار ملك المضارب لحصته من الربح
- الحنفية والمالكية:
لا يستقر ملك المضارب لحصته من الربح إلا بعد تنضيض جميع رأس المال وقبض رب
المال لأصل ماله , ويجوز عند المالكية أن ينوب عن التنضيض قسمة العروض إذا
تراضوا على ذلك وتكون بيعا.
- الشافعية:
يستقر ملك المضارب بتنضيض المال وفسخ العقد ولو لم تتم قسمة المال وذلك
لارتفاع العقد والوثوق بحصول رأس المال.
- الحنابلة:
يستقر ملك المضارب بتنضيض المال والاحتساب عليه حسابا كالقبض , بحيث إن شاء
ضارب به مضاربة ثانية مستقلة كما لو قبضه ثم رده إليه.
واشترط الإمام أحمد ألا يكون الحساب إلا على الناض لأن المتاع قد ينحط سعره
ويرتفع.
المغني (ج5 ص140)
والربح على ما اصطلحا عليه:
يعني في جميع أقسام الشركة , ولا خلاف في ذلك في المضاربة المحضة , قال ابن
المنذر أجمع أهل العلم على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح أو
نصفه أو ما يجمعان عليه بعد أن يكون ذلك معلوما جزءا من أجزاء ولأن استحقاق
المضارب الربح بعمله فجاز ما يتفقان عليه من قليل وكثير.
المغني (ج5 ص148)
الوضيعة في المضاربة على المال خاصة ليس على العامل منها شيء لأن الوضيعة
عبارة عن نقصان رأس المال وهو مختص بملك ربه لا شيء للعامل فيه , فيكون
نقصه من ماله دون غيره.
المبسوط (ج22 ص20)
وذكر عن علي رضي الله عنه قال:
ليس على من قاسم الربح ضمان , وتفسيره أن المواضعة على المال في المضاربة
والشركة , وهو مروي عن علي قال:
المواضعة على المال والربح على ما اشترطا عليه , وبه أخذنا.
القوانين الفقهية (ص280)
الخسران والضياع على رب المال دون العامل إلا أن يكون منه تفريط.
بدائع الصنائع (ج6 ص86)
ولو شرطا في العقد أن تكون الوضيعة عليهما بطل الشرط , لأن الوضيعة جزء
هالك من المال فلا يكون إلا على رب المال.
مغني المحتاج (ج2 ص318)
والنقص الحاصل بالرخص محسوب من الربح ما أمكن ومجبور به , وكذا لو تلف بعضه
بآفة أو غصب أو سرقة بعد تصرف العامل في الأصح , وإن تلف قبل تصرفه فمن رأس
المال في الأصح.
المغني (ج5 ص169)
وليس للمضارب ربح حتى يستوفى رأس المال , يعنى أنه لا يستحق أخذ شيء من
الربح حتى يسلم رأس المال إلى ربه ومتى كان في المال خسران وربح جبرت
الوضيعة من الربح. . . لأن معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال وما لم يفضل
فليس بربح ولا نعلم في هذا خلافا
المبسوط (ج22 ص105)
وإذا دفع إلى الرجل ألف درهم مضاربة بالنصف فربح ألفا فاقتسما الربح وأخذ
كل واحد منهما خمسمائة لنفسه وبقى رأس مال المضاربة في يد المضارب على حاله
حتى هلك أو عمل بها فوضع فيها أو توى بعد ما عمل فيها فإن قسمتها باطلة
والخمسمائة التي أخذها رب المال تحتسب من رأس ماله , فيغرم له المضارب
الخمسمائة التي أخذها لنفسه فيكون له من رأس ماله وما هلك فهو من الربح لأن
الربح لا يتبين قبل وصول رأس المال إلى رب المال قال عليه الصلاة والسلام:
مثل المؤمن مثل التاجر لا يسلم له ربحه حتى يسلم له رأس ماله فكذلك المؤمن
لا تسلم له نوافله حتى تسلم له عزائمه أو قال فرائضه
المغني (ج5 ص178)
أن الربح إذا ظهر في المضاربة لم يجز للمضارب أخذ شيء منه بغير إذن رب
المال لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا , وإنما لم يملك ذلك لأمور
ثلاثة:
(أحدها) أن الربح وقاية لرأس المال فلا يأمن الخسران الذي يكون هذا الربح
جابرا له فيخرج بذلك عن أن يكون ربحا , (الثاني) أن رب المال شريكه فلم يكن
له مقاسمة نفسه , (الثالث) أن ملكه عليه غير مستقر لأنه بعرض أن يخرج عن
يده بجبران خسارة المال وإن أذن رب المال في أخذ شيء جاز لأن الحق لهما لا
يخرج عنهما.
الموطأ (ج3 ص360)
قال (مالك) :
لا يجوز قسمة الربح إلا بحضرة صاحب المال , وإن كان أخذ شيئا يرده حتى
يستوفى صاحب المال رأس ماله ثم يقتسمان ما بقى بينهما على شرطهما.
بدائع الصنائع (ج6 ص107 / 108)
وشرط جواز القسمة قبض رأس المال فلا تصح قسمة الربح قبل قبض رأس المال حتى
لو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فربح ألفا فاقتسما الربح ورأس المال
في يد المضارب لم يقبضه رب المال فهلكت الألف التي في يد المضارب بعد
قسمتهما الربح فإن القسمة الأولى لم تصح وما قبض رب المال فهو محسوب عليه
من رأس ماله وما قبضه المضارب دين عليه يرده إلى رب المال حتى يستوفي رب
المال رأس ماله , لأن الربح زيادة والزيادة على الشيء لا تكون إلا بعد
سلامة الأصل ولأن المال إذا بقى في يد المضارب فحكم المضاربة بحالها فلو
صححنا قسمة الربح لثبتت قسمة الفرع قبل الأصل فهذا لا يجوز وإذا لم تصح
القسمة فإذا هلك ما في يد المضارب صار الذي اقتسماه هو رأس المال فوجب على
المضارب أن يرد منه تمام رأس المال , فإن قبض رب المال ألف درهم رأس ماله
أولا ثم اقتسما الربح ثم رد الألف التي قبضها بعينها إلى يد المضارب على أن
يعمل بها بالنصف فهذه مضاربة مستقبلة فإن هلكت في يده لم تنتقض القسمة
الأولى لأن رب المال لما استوفى رأس المال فقد انتهت المضاربة وصحت القسمة
فإذا رد المال فهذا آخر فهلاك المال فيه لا يبطل القسمة في غيره.
المدونة الكبرى (ج4 ص53)
قلت: فلو أن رجلا عمل في المال فخسر فأتى إلى رب المال فقال قد وضعت في
المال فقال له رب المال اعمل بما بقى عندك فعمل فربح أيجبر رأس المال ,
قال: نعم , فإن قال العامل لا أعمل به حتى تجعل هذا الباقي رأس مالك وتسقط
عني ما قد خسرت فقال رب المال: نعم , اعمل بهذا وقد أسقطت عنك ما قد خسرت ,
قال:
أرى أنه على قراضه أبدا ما لم يدفع إلى رب المال ماله ويفاصله وهو رأيي ولا
ينفعه قوله إلا أن يدفع إليه ويتبرأ منه ثم يدفع إليه الثانية إن أحب , قال
ابن القاسم ولو أحضره وحاسبه ما لم يدفعه إليه فهو على القراض الأول حتى
يقبضه وكذلك سمعت عن مالك.
المغني (ج5 ص178 / 176)
وان طالب أحدهما قسمة الربح دون رأس المال وأبى الآخر قدم قول الممتنع لأنه
إن كان رب المال فلأنه لا يأمن الخسران في رأس المال فيجبره بالربح , وإن
كان العامل فإنه لا يأمن أن يلزمه رد ما أخذ في وقت لا يقدر عليه , وإن
تراضيا على ذلك جاز لأن الحق لهما ثم متى ظهر في المال خسران أو تلف كله
لزم العامل رد أقل الأمرين مما أخذه أو نصف خسران المال إذا اقتسما الربح
نصفين وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق وقال أبو حنيفة لا تجوز القسمة حتى
يستوفى رب المال ماله قال ابن المنذر إذا اقتسما الربح ولم يقبض رب المال
رأس ماله فأكثر أهل العلم يقولون برد العامل الربح حتى يستوفى رب المال
ماله.
ولنا على جواز القسمة أن المال لهما فجاز لهما أن يقتسما بعضه كالشريكين أو
نقول أنهما شريكان فجاز لهما قسمة الربح قبل المفاصلة كشريكي العنان.
قال أبو طالب قيل لأحمد
رجل دفع إلى رجل عشرة آلاف درهم مضاربة فوضع , فبقيت ألف فحاسبه صاحبها ثم
قال له اذهب فاعمل بها فربح؟ قال يقاسمه ما فوق الألف يعني إذا كانت الألف
ناضة حاضرة إن شاء صاحبها قبضها فهذا الحساب الذي كالقبض فيكون أمره
بالمضاربة بها في هذه الحال ابتداء مضاربة ثانية كما لو قبضها منه ثم ردها
إليه.
مغني المحتاج (ج2 ص318)
لا يستقر ملك العامل بالقسمة , بل إنما يستقر:
(1) بتنضيض رأس المال وفسخ العقد لبقاء العقد قبل الفسخ مع عدم تنضيض المال
حتى لو حصل بعد القسمة نقص جبر بالربح المقسوم ,
(2) أو تنضيض المال والفسخ بلا قسمة المال لارتفاع العقد والوثوق بحصول رأس
المال ,
(3) أو تنضيض رأس المال فقط واقتسام الباقي مع أخذ المالك رأس المال ,
وكالأخذ الفسخ كما عبر به ابن المقري.
مصروفات المضاربة
يجوز عند الحنابلة تحميل نفقة المضارب على مال المضاربة إذا تم اشتراط ذلك
في العقد وإلا فهي تحسب من ماله الخاص.
وذهب الحنفية والمالكية وفي قول للشافعية إلى جواز انفاق المضارب على نفسه
من مال المضاربة في السفر دون الحضر.
وفي قول آخر للشافعية تحمل نفقة المضارب على ماله الخاص في السفر أو الحضر.
تحتاج المضاربة إلى عامل يكرس جهوده ووقته
من أجل استثمار المال وتنميته وتحقيق الربح الذي هو مقصود التعاقد بين
الطرفين.
ومن أجل ذلك سوف يتخلى المضارب عن أشغاله الأخرى التي قد تكون مصدر رزقه
ورزق عياله.
فهل يحق للمضارب أن ينفق على نفسه من مال المضاربة؟ أم هل يشترط أن تكون
نفقته من ماله الخاص؟
اختلفت آراء الفقهاء في هذا , وقال بعضهم تحسب نفقة المضارب من مال
المضاربة.
وقال البعض الآخر تحسب نفقة المضارب من ماله الخاص.
تحسب نفقة المضارب من مال المضاربة
الحنابلة:
يجوز عندهم تحميل نفقة المضارب على مال المضاربة إذا تم اشتراط ذلك في
العقد لحديث المسلمون على شروطهم كما يجوز ذلك بالعرف الغالب لأن المعروف
عرفا كالمشروط شرطا
ولم يفرق الحنابلة بين حالة عمل المضارب في الحضر (في وطنه أو في بلد
العقد) أو في السفر (خارج وطنه) .
الحنفية والمالكية وفي قول للشافعية:
تحمل نفقة المضارب عندهم على مال المضاربة بمطلق العقد في حالة عمل المضارب
خارج وطنه (في السفر) سواء تم اشتراط ذلك في العقد أو لم يتم , لأن الربح
في المضاربة يحتمل الوجود والعدم , والعاقل لا يسافر بمال غيره لفائدة
تحتمل الوجود والعدم مع تعجيل النفقة من مال نفسه , فلو لم تجعل نفقته من
مال المضاربة لامتنع الناس من قبول المضاربات مع مساس الحاجة إليها.
تحسب نفقة المضارب من ماله الخاص
الحنابلة:
تحسب نفقة المضارب من ماله الخاص إذا لم ينص في العقد على اشتراط تحميل
النفقة من مال المضاربة , لأن للمضارب نصيبا من الربح متفقا عليه , فلا
يستحق شيئا آخر , وتحمل نفقته على مال نفسه.
الحنفية والمالكية:
تحسب نفقة المضارب عندهم من ماله الخاص إذا عمل بمال المضاربة في الحضر ,
لأن المضارب ما دام يعمل في بلدته فإن إقامته فيها لم تكن لأجل المضاربة
ووجب عليه تحمل نفقته المعتادة من ماله الخاص مثلما هو الحال قبل انعقاد
المضاربة.
الشافعية:
تحمل نفقة المضارب من ماله الخاص في الحضر كان أو السفر (في أحد القولين)
لأن النفقة قد تكون على قدر الربح فيؤدي إلى انفراد المضارب به , وقد تكون
أكثر فيؤدي إلى أن يأخذ جزءا من رأس المال وهو ينافي مقصود العقد الذي يقضي
باشتراكهما في الربح دون أن ينفرد به أحدهما.
المبسوط (ج22 ص62 / 64)
قال رحمه الله:
وإذا دفع الرجل مالا مضاربة بالنصف فعمل به في مصره أو في أهله فلا نفقة له
في مال المضاربة ولا على رب المال لأن القياس أن لا يستحق المضارب النفقة
في مال المضاربة بحال فإنه بمنزلة الوكيل أو المستبضع عامل لغيره بأمره أو
بمنزلة الأجير لما شرط لنفسه من بعض الربح وواحد من هؤلاء لا يستحق النفقة
في المال الذي يعمل فيه إلا أنا تركنا هذا القياس فيما إذا سافر بالمال
لأجل الصرف فبقى ما قبل السفر على أصل القياس وهذا لأن مقامه في مصره أو في
أهله لكونه متوطنا فيه لا لأجل مال المضاربة. ألا ترى أنه قبل عقد المضاربة
كان متوطنا في هذا الموضع وكانت نفقته في مال نفسه فكذلك بعد المضاربة فأما
إذا خرج بالمال إلى مصر يتجر فيه كانت نفقته في مال المضاربة في طريقه وفي
المصر الذي يأتيه لأجل العادة وهذا لأن خروجه وسفره لأجل مال المضاربة
والإنسان لا يتحمل هذه المشقة ثم ينفق من مال نفسه لأجل ربح موهوم عسى يحصل
وعسى لا يحصل , فلا بد من أن يحصل له بإزاء ما تحمل من المشقة شيء معلوم
وذلك نفقته في المال , وهذا لأنه فرغ نفسه عن أشغاله لأجل مال المضاربة ,
فأما في المصر فما فرغ نفسه لمال المضاربة فلا يستوجب نفقته فيه , ونفقته
طعامه وكسوته ودهنه وغسل ثيابه وركوبه في سفره إلى المصر الذي أتاه
بالمعروف على قدر نفقة مثله لأن هذا كله مما لا بد منه في السفر. وإذا أراد
القسمة بدأ برأس المال فأخرج من المال وجعلت النفقة مما بقى فإن بقى من ذلك
شيء فهو الربح يقسم بين المضارب ورب المال على ما اشترطا.
(القوانين الفقهية ص280)
للعامل النفقة من مال القراض في السفر لا في الحضر إن كان المال يحمل ذلك
خلافا للشافعي.
المغني (ج5 ص186)
وإذا اشترط المضارب نفقة نفسه صح سواء كان في الحضر أو السفر , وقال
الشافعي لا يصح في الحضر , ولنا أن التجارة في الحضر إحدى حالتي المضاربة
فصح اشتراط النفقة فيها كالسفر ولأنه شرط النفقة في مقابلة عمله فصح كما لو
اشترطها في الوكالة.
المغني (ج5 ص152 - 153)
ولنا أن نفقته تخصه فكانت عليه كنفقة الحضر وأجر الطبيب وثمن الطب ولأنه
دخل على أنه يستحق من الربح الجزء المسمى فلا يكون له غيره ولأنه لو استحق
النفقة أفضى إلى أن يختص بالربح إذا لم يربح سوى ما أنفقه.
فأما إن اشترط له النفقة فله ذلك وله ما قدر له من مأكول وملبوس ومركوب
وغيره قال أحمد في رواية الأثرم أحب إلى أن يشترط نفقة محدودة وإن أطلق صح
نص عليه.
المجموع (ج5 ص152 - 372)
وروى أبو يعقوب البويطي أنه لا ينفق على نفسه من مال المضاربة حاضرا كان أو
مسافرا.
فاختلف أصحابنا , كان أبو الطيب وأبو حفص بن الوكيل يجعلان اختلاف
الروايتين على اختلاف قولين:
أحدهما وهو رواية المزني أنه ليس له النفقة في سفره لاختصاص سفره بمال
القراض بخلاف نفقة الاستيطان , والقول الثاني: لا نفقة له لما فيه من
اختصاصه بالربح أو بشيء منه دون رب المال.
وقال أبو إسحاق المروزي وأبو علي بن أبي هريرة
لا نفقة له قولا واحدا على ما رواه البويطي.
الضمان في المضاربة
لا ضمان على المضارب في عقد المضاربة إلا بالتفريط والتعدي لأنه أمين على
ما بيده من مال , فيكون هذا المال في حكم الوديعة.
وقد اتفق الفقهاء على عدم صحة اشتراط الضمان على المضارب وكذلك عدم جواز
تطوعه بذلك.
أما تبرع طرف ثالث بضمان رأس المال فهذا يجوز بشرط أن يكون التزاما مستقلا
عن عقد المضاربة.
لا ضمان على المضارب في عقد المضاربة إلا
بالتفريط والتعدي.
فقد اتفق الفقهاء على أن المضارب أمين على ما بيده من مال المضاربة , لأن
هذا المال في حكم الوديعة , وإنما قبضه المضارب بأمر رب المال لا على وجه
البدل والوثيقة. فلا يضمن المضارب إلا بالتفريط والتعدي شأنه في ذلك شأن
الوكيل والوديع وسائر الأمناء.
واتفق الفقهاء على عدم صحة اشتراط ضمان رأس المال على المضارب في العقد لكي
لا يتحمل وحده الخسارة المالية في حالة حدوثها فيضيع جهده بالإضافة إلى جزء
من ماله وهو خلاف القاعدة الشرعية (الربح على ما اصطلحا والوضيعة على رب
المال) , حيث يجب أن يتحمل المضارب خسارة جهده وعمله فقط , بينما يتحمل رب
المال خسارة ماله , فهذا الشرط ليس من مصلحة العقد ولا من مقتضاه.
وكذلك منع جمهور الفقهاء تطوع المضارب بضمان مال المضاربة ولو خارج العقد
وبعد الشروع في العمل , لأن المضارب يكون متهما برغبته في استدراج رب المال
وابقاء رأس المال بيده.
ولكن أجاز بعض فقهاء المالكية تطوع المضارب بالضمان وذلك قياسا على جواز
تطوع الوديع والمكترى بضمان ما بيده إذا كان هذا التطوع بعد تمام العقد مع
أن الأصل فيهما أن يكونا أمانة في يده , فكذلك المضارب يجوز له أن يتطوع
بضمان رأس المال بعد تمام عقد المضاربة وإن كان الأصل أنه أمانة بيده.
أما تبرع طرف ثالث بضمان رأس المال فهذا قد أجازه مجمع الفقه الإسلامي في
دورته الرابعة حيث جاء في مقرراتها أنه:
ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد
طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل
بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين , على أن يكون التزاما مستقلا عن
عقد المضاربة بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطا في نفاذ العقد
وترتب أحكامه عليه بين أطرافه ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة
الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم
قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به , بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار
في العقد.
المغني (ج5 ص165)
إذا تعدى المضارب وفعل ما ليس له فعله أو اشترى شيئا نهى عن شرائه فهو ضامن
للمال في قول أكثر أهل العلم روى ذلك عن أبي هريرة وحكيم بن حزام وأبي
قلابة ونافع وإياس والشعبي والنخعي والحكم وحماد ومالك والشافعي وإسحاق
وأصحاب الرأي وعن علي رضي الله عنه لا ضمان على من شورك في الربح وروى معنى
ذلك عن الحسن والزهري.
المغني (ج5 ص191)
ولا ضمان عليه فيما يتلف بغير تعديه وتفريطه.
المبسوط (ج12 ص20)
ذكر عن علي رضي الله عنه قال:
ليس على من قاسم الربح ضمان , وتفسيره أنه المواضعة على المال في المضاربة
والشركة , وبه أخذنا فقلنا رأس المال أمانة في يد المضاربة لأنه قبضه بإذنه
ليتصرف فيه له.
المجموع (ج14 ص383)
والعامل أمين فيما في يده , فإن تلف المال في يده من غير تفريط لم يضمن
لأنه نائب عن رب المال في التصرف فلم يضمن من غير تفريط كالمودع.
بدائع الصنائع (ج6 ص80)
وروى بشر عن أبي يوسف في رجل دفع إلى رجل ألف درهم ليشتري بها ويبيع فما
ربح فهو بينهما فهذه مضاربة ولا ضمان على المدفوع إليه المال ما لم يخالف ,
لأنه لما ذكر الشراء والبيع فقد أتى بمعنى المضاربة وكذلك لو شرط عليه أن
الوضيعة علي وعليك فهذه مضاربة والربح بينهما والوضيعة على رب المال لأن
شرط الوضيعة على المضارب شرط فاسد , فيبطل الشرط وتبقى المضاربة.
المدونة الكبرى (ج4 ص58)
قال: وسألت مالكا عن الرجل يدفع إلى الرجل مالا قراضا على أن العامل ضامن
للمال , قال مالك
يرد إلى قراض مثله ولا ضمان عليه.
الفقه على المذاهب الأربعة (ج3 ص40)
من الشروط اللازمة لصحة عقد المضاربة عند المالكية , كون رأس المال غير
مضمون , فلو شرط رب المال على العامل أن يكون ضامنا لرأس المال إذا فقد منه
قهرا عنه فإن المضاربة تكون فاسدة , فإذا عمل العامل على هذا الشرط كان له
قراض مثل هذا المال في الربح ولا يضمنه إذا فقد بلا تفريط , لأن هذا الشرط
باطل فلا يعمل به.
أما إذا تطوع العامل بالضمان من تلقاء نفسه بدون طلب من رب المال فقيل تصح
المضاربة بذلك وقيل لا تصح , وإذا سلم رب المال للعامل وطلب منه ضامنا
يضمنه فيما تلف من ماله بتعدي العامل فإنه يصح أما إذا طلب ضامنا يضمنه
فيما تلف بتعديه وغيره فإن المضاربة تفسد ولا يلزم الشرط.
إعداد المهج ص161 (عند المالكية)
قيل لابن زاب أيجب الضمان في مال القراض إذا طاع (أي تطوع) قابضه بالتزام
الضمان؟ فقال إذا التزم الضمان طائعا , بعد الشروع في العمل فما يبعد أن
يلزمه.
انتهاء المضاربة
تنتهي المضاربة بانتهاء مدة المضاربة المحددة عند الحنفية والحنابلة الذين
يجيزون تأقيتها.
كما تنتهي عند جمهور الفقهاء خلافا للمالكية بفسخ العقد بالإرادة المنفردة
لأحد العاقدين أو بموته.
أما المالكية فقالوا بأن العقد يكون لازما ولا يجوز لأحد الطرفين فسخ العقد
إذا بدأ المضارب العمل وكان رأس المال غير ناض لما في ذلك من إلحاق الضرر
بالآخر.
انتهاء المضاربة لأسباب إرادية بفسخ العقد
انتهاء المضاربة لأسباب إرادية بفسخ العقد بالإرادة المنفردة لأحد العاقدين
(جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة والشافعية)
يجوز عندهم فسخ العقد بالإرادة المنفردة لأحد العاقدين سواء بدأ المضارب
بالعمل أو لم يبدأ لأن عقد المضاربة من العقود الجائزة غير اللازمة , فهو
أوله وكالة وبعد ظهور الربح شركة وكلاهما عقد جائز , فلكل من المالك
والعامل فسخ العقد.
ويترتب على الفسخ ما يلي:
- انعزال المضارب عن الشراء للمضاربة بما لديه من نقود واقتصار عمله على
بيع العروض فقط لتنضيضها وتصفية المضاربة.
- إذا اتفق الطرفان على بيع العروض وتقويمها أو قسمتها أو على إعطائها لرب
المال , جاز ما اتفقا عليه إذ الحق لهما فوجب اعتبار ما اتفقا عليه.
- إذا اختلف الطرفان في تصفية عروض المضاربة , للفقهاء تفاصيل عديدة
وخلافات في بعض الصور.
(المالكية)
يجوز عند المالكية فسخ العقد بالإرادة المنفردة لأحد العاقدين إذا كان رأس
المال ناضا على صفته الأصلية , أما إذا بدأ المضارب العمل وكان رأس المال
غير ناض يكون العقد لازما ولا يجوز لأحدهما الاستبداد بالفسخ لما فيه من
إلحاق الضرر للآخر.
انتهاء المضاربة لأسباب قهرية كموت أحد العاقدين
(الحنفية والشافعية والحنابلة)
تنفسخ المضاربة عندهم بموت أحد العاقدين لأن المضاربة مبنية على الوكالة ,
وموت الموكل يبطل الوكالة , وكذلك موت الوكيل ولا تورث الوكالة.
وانفساخ المضاربة يكون سواء عند شروع المضارب في العمل أو عدمه , وتجب
التصفية الفورية لأموال المضاربة لمعرفة ما فيها من ربح وإعطاء كل ذي حق
حقه.
(المالكية)
لا تنفسخ المضاربة عندهم بموت أحد المتعاقدين بل تبقى قائمة ويحل الوارث
محل الموروث سواء كان الميت المضارب أو رب المال.
فإذا ما اتفق الطرفان على استمرار العقد جاز ذلك وكان هذا إتماما للمضاربة
الأولى.
أما إذا اختلفا فيستمر العقد إلى حين تنضيض المال.
(بدائع الصنائع)
وأما صفة هذا العقد فهو أنه عقد غير لازم , ولكل واحد منهما - أعني رب
المال والمضارب - الفسخ.
المغني (ج5 ص179)
والمضاربة من العقود الجائزة تنفسخ بفسخ أحدهما أيهما كان , وبموته وجنونه
والحجر عليه لسفه لأنه متصرف في مال غيره بإذنه , فهو كالوكيل.
مغني المحتاج (ج2 ص319)
ولو مات أحدهما أو جن أو أغمى عليه انفسخ.
الإنصاف (ج5 ص448 / 451)
قوله (وإذا انفسخ القراض والمال عرض فرضى رب المال أن يأخذ بماله عرضا , أو
طلب البيع فله ذلك) .
إذا انفسخ القراض مطلقا , والمال عرض , فللمالك أن يأخذ بماله عرضا بأن
يقوم عليه. نص عليه وإذا ارتفع السعر بعد ذلك لم يكن للمضارب أن يطالب
بقسطه. على الصحيح من المذهب.
وإذا لم يرض رب المال أن يأخذ عرضا , وطلب البيع , أو طلبه ابتداء: فله
ذلك.
ويلزم المضارب بيعه مطلقا , على الصحيح من المذهب. لو فسخ المالك المضاربة
, والمال عرض: انفسخت. وللمضارب بيعه بعد الفسخ , على الصحيح من المذهب
لتعلق حقه بربحه. لو أراد رب المال تقرير وارث المضارب: جاز. ويكون مضاربة
مبتدأة يشترط لها ما يشترط للمضاربة.
لو مات أحد المتقارضين , أو جن , أو وسوس , أو حجر عليه لسفه: انفسخ
القراض. ويقوم وارث رب المال مقامه. فيقرر ما للمضارب. . .
قال في التلخيص: إذا أراد الوارث تقريره , فهي مضاربة مبتدأة على الأصح.
وقيل: هي استدامة. انتهى. فإن كان المال عرضا , وأرادا إتمامه: فهي مضاربة
مبتدأة على الصحيح.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (ج3 ص536)
(وإن مات) العامل قبل النضوض (فلوارثه الأمين) لا غيره (أن يكمله) على حكم
ما كان مورثه (وإلا) يكن الوارث أمينا (أتى) عليه أن يأتي (بأمين كالأول)
في الأمانة والثقة (وإلا) يأت بأمين كالأول (سلموا) أي الورثة المال لربه
(هدرا) أي بغير شيء من ربح أو أجرة.
ولا ينفسخ عقد القراض بموت العامل كالجعل وإنما لم ينفسخ كالإجارة تنفسخ
بتلف ما يستوفى منه ارتكابا لأخف الضررين وهما ضرر الورثة في الفسخ وضرر
ربه في إبقائه عندهم , ولا شك أن ضرر الورثة بالفسخ أشد لضياع حقهم في عمل
مورثهم.
بداية المجتهد (ج2 ص240)
أجمع العلماء على أن اللزوم ليس من واجب عقد القراض , وأن لكل واحد منهما
فسخه ما لم يشرع العامل في القراض واختلفوا إذا شرع العامل: فقال مالك هو
لازم , وهو عقد يورث , فإن مات وكان للمقارض بنون أمناء كان لهم أن يأتوا
بأمين.
وقال الشافعي وأبو حنيفة لكل واحد منهما الفسخ إذا شاءوا وليس هو عقد يورث.
فمالك ألزمه بعد الشروع في العمل لما فيه من ضرر ورآه من العقود الموروثة ,
والفرقة الثانية شبهت الشروع في العمل بما قبل الشروع في العمل.
|