فقه المعاملات

الرهن


تعريف الرهن
الرهن جعل المال وثيقة على الدين , ليستوفى منها أو من ثمنها إذا تعذر الوفاء
ولا خلاف بين الفقهاء في جعل المرهون عينا مالية.

وتتسع دائرة الرهن عند المالكية فيجوز عندهم أن يكون المرهون دينا أو منفعة.
ويصح الرهن مع عقد الدين وبعده , وقبل نشوء الحق كالضمان عند جماعة ولا يصح عند آخرين.


الرهن في اللغة الرهن في اللغة إما الثبوت والدوام , يقال: ماء راهن أي راكد , وحالة راهنة أي ثابتة دائمة.
وإما الحبس واللزوم , ومنه قول الله تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة} (المدثر: 38) أي محبوسة , والظاهر أن في الحبس معنى الدوام والثبوت , فأحد المعنيين تطور للمعنى الآخر.
والمعنى الأول كما يبدو هو الحبس , لأنه المعنى المادي.
وعلى كل حال , فالمعنى الشرعي ذو صلة بالمعنى اللغوي , وقد يطلق الرهن لغة على الشيء المرهون: وهو ما جعل وثيقة للدين , من باب تسمية المفعول بالمصدر , فيقال الرهن هو المال الذي يجعل وثيقة بالدين ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه.

الرهن بالمعنى المصدري أو العقدي
والرهن بالمعنى المصدري أو العقدي: هو توثيق الدين بشيء يمكن استيفاؤه منه إذا لم يقم المدين بإيفائه.

الرهن عند الفقهاء
وللفقهاء عبارات متشابهة في الجملة تصور حقيقة الرهن فقها
وجاء تعريف الرهن في المادة 70 من المجلة بأنه: (حبس مال وتوثيقه في مقابل حق يمكن استيفاؤه منه , ويسمى ذلك المال مرهونا ورهنا) .
فالرهن عند الفقهاء هو عقد وثيقة بمال , أي عقد على أخذ وثيقة بمال لا بذمة شخص , فامتاز على الكفالة لأن التوثيق بها إنما يكون بذمة الكفيل , لا بمال يقبضه الدائن , ومعنى وثيقة أي متوثق بها , فقد توثق الدين بالرهن وصار مضمونا محكما بالعين المرهونة.

ويسمى معطي الرهن (الراهن) , وآخذ الرهن (المرتهن) , ويسمى ما أعطي من المال وثيقة للدين (المرهون أو الرهن) , أما الدين فهو يسمى (المرهون به) .

ويلاحظ من تعريف الفقهاء للرهن ما يلي:
- يعبر الشافعية والحنابلة عن المرهون بلفظ (الدين) , فالشافعية يقولون هو (وثيقة بدين) والحنابلة يقولون هو (توثقة دين) .
ومعنى هذا أن المرهون به عندهم لا يكون إلا دينا فلا يكون عينا.
أما الحنفية والمالكية فقد عبروا عن المرهون به بأنه (الحق)
فيقول الحنفية هو (جعل الشيء محبوسا بحق)
ويقول المالكية هو (وثيقة بحق) .
- يرى الحنفية أن المرهون يجب أن يبقى محبوسا تحت يد المرتهن , ولا يستطيع الراهن أن يسترده ولو للانتفاع به حتى لو أذن المرتهن بذلك فهم يقولون (الرهن جعل الشيء محبوسا) .
أما الشافعية فهم يرون عكس ذلك فإنه يجوز للراهن أن يسترد المرهون للانتفاع به ولو قهرا إذا استدعى الأمر ذلك.
ويرى المالكية والحنابلة جواز استرداد المرهون للانتفاع به إذا أذن المرتهن , والخلاف بينهما أن لزوم العقد يفوت عند الحنابلة , والحيازة عند المالكية.
وليس المراد من أخذ الرهن عند المالكية التسليم الفعلي , لأن التسليم بالفعل ليس شرطا عندهم لانعقاد الرهن , ولا لصحته , ولا للزومه , بل ينعقد ويصح ويلزم بالصيغة , أي بمجرد الإيجاب والقبول , أي كالكفالة , ثم يطلب المرتهن أخذه.
وهذا يدل على جواز ما يسمي بالرهن الرسمي أو الرهن التأميني.
- وعبارة جمهور الفقهاء أن الرهن (جعل عين وثيقة بدين يستوفي منها) وهذا يفيد عدم جواز رهن المنافع , لأنها تتلف فلا يحصل بها استيثاق.
أما المالكية فتتسع عندهم دائرة الرهن , فكما يصح أن يكون المرهون عينا يجوز أن يكون دينا أو منفعة
وعبارة المالكية (الشرح الصغير) الرهن: شيء متمول يؤخذ من مالكه , توثقا به , في دين لازم , أو صار إلى اللزوم , أي أنه تعاقد على أخذ شيء من الأموال عينا كالعقار والحيوان والعروض (السلع) أو منفعة , على أن تكون المنفعة معينة بزمن أو عمل , وعلى أن تحسب من الدين.

وللرهن المتفق عليه بين العاقدين أحوال ثلاثة:
الحال الأولى
أن يقع مع العقد المنشئ للدين: كأن يشترط البائع على للمشترى بثمن مؤجل إلى المستقبل في مدة معينة تسليم رهن بالثمن.
وهذا صحيح باتفاق المذاهب , لأن الحاجة داعية إليه.
الحال الثانية:
أن يقع بعد الحق أو نشوء الدين: وهو صحيح أيضا بالاتفاق , لأنه دين ثابت تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة به , فجاز أخذها به كالضمان (الكفالة) .
وآية {فرهان مقبوضة} تشير إليه , لأن الرهن بدل عن الكتابة (كتابة الدين) والكتابة بعد وجوب الحق.
الحال الثالثة:
أن يقع قبل نشوء الحق مثل: رهنتك متاعي هذا بمائة تقرضنيها , يصح عند المالكية والحنفية , لأنه وثيقة بحق فجاز عقدها قبل وجوبه كالكفالة , وهذا هو المعقول.
ولا يصح عند الشافعية والحنابلة في ظاهر المذهب كما تقدم , لأن الوثيقة بالحق لا تلزم قبله كالشهادة , لأن الرهن تابع للحق فلا يسبقه.


الهداية للمرغيناني (4 / 126)
(الحنفية)
الرهن: جعل الشيء محبوسا بحق يمكن استيفاؤه من الرهن كالديون.

الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير (3 / 231)
(المالكية)
الرهن: بذل من له البيع ما يباع - أو غررا - ولو اشترط في العقد وثيقة بحق.

مغني المحتاج للشربيني (2 / 122)
(الشافعية)
الرهن شرعا: جعل عين مال وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه.

المغني لابن قدامة (4 / 366)
(الحنابلة)
الرهن في الشرع: المال اللذى يجعل وثيقة بالدين ليستوفى من ثمنه , إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه.

الروض المربع للبهوتي (2 / 191)
(الحنابلة)
الرهن: توثقة دين بعين يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها.

كنز الدقائق وشرحه تبيين الحقائق (6 / 62)
الرهن: هو حبس شيء بحق يمكن استيفاؤه منه كالدين.

المجلة: المادة (70)
الرهن: حبس مال وتوثيقه في مقابل حق يمكن استيفاؤه منه , ويسمى ذلك المال مرهونا ورهنا


دليل مشروعية الرهن
الرهن مشروع بالقرآن والسنة والإجماع.


الدليل من القرآن
يقول تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة} (البقرة: 283) يقول القرطبي لما ذكر الله تعالى الندب إلى الإشهاد والكتب لمصلحة حفظ الأموال عقب ذلك بذكر حال الأعذار المانعة من الكتب , وجعل لها الرهن , ونص من أحوال العذر على السفر الذي هو غالب الأعذار , ويدخل في ذلك بالمعنى كل عذر , فرب وقت يتعذر فيه الكاتب في الحضور كأوقات أشغال الناس وبالليل , وأيضا فالخوف على خراب ذمة الغريم عذر يوجب طلب الرهن.
والرهن باتفاق الفقهاء جائز في الحضر والسفر , خلافا لمجاهد والظاهرية ,
ولإطلاق مشروعيته في السنة , وذكر السفر في الآية خرج مخرج الغالب , لكون الكاتب في الماضي غير متوافر في السفر غالبا , ولا يشترط أيضا عدم وجود الكاتب , لثبوت جوازه في السنة مطلقا , فالآية أرادت إرشاد الناس إلى وثيقة ميسرة لهم عند فقدان كاتب يكتب لهم الدين.

الدليل من السنة
روي البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما ورهنه درعا من حديد.
وعن أنس قال: رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعا عند يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيرا لأهله.
رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجة.
وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي.
وروي أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه , له غنمه وعليه غرمه (رواه الشافعي والدارقطني) , أي لا ينفك ملك الرهن عن صاحبه , ولا يستحق المرتهن , إذا لم يفتكه في الوقت المشروط.
وفي هذا رد على ما كان عليه العرب في الجاهلية من أن المرتهن كان يتملك الرهن إذا لم يؤد إليه ما يستحقه في الوقت المحدد , فأبطله الشارع.
والحكمة من تشريع الرهن توثيق الديون , فكما أن الكفالة توثق الدين شخصيا , يوثق الرهن الدين ماليا , تسهيلا للقروض.
والرهن يفيد الدائن بإعطائه حق الامتياز أو الأفضلية على سائر الدائنين الغرماء.
ودلت السنة على جواز الانتفاع بالمرهون في بعض الأحوال
روي أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كأن يقول: الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا , ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا , وعلى الذي يركب ويشرب النفقة وتجويز الانتفاع دليل على مشروعية الرهن.

الدليل من الإجماع
أجمع المسلمون على جواز الرهن
يقول القرطبي الرهن في السفر ثابت بنص التنزيل , وفي الحضر ثابت بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو القول الراجح ,
وكذلك إجماع العلماء على جوازه في الحضر ولأن علة اللجوء إلى الرهن في السفر قد توجد في الحضر أيضا والله تعالى أعلم.
ويقول ابن المنذر لا نعلم أحدا خالف في جواز الرهن في الحضر إلا مجاهدا قال: ليس الرهن إلا في السفر لأن الله تعالى شرط السفر في الرهن.


الوصف الفقهي للرهن
الرهن من عقود التوثيقات كالكفالة والحوالة لأنه يوثق الدين , ويمكن الدائن من الحصول على ماله من طريق ميسر.


الرهن مثله مثل الكفالة والحوالة , جميعها من عقود التوثيقات لأنها توثق الدين , وتمكن الدائن من الحصول على ماله من طريق ميسر , فتكون فائدتها عظيمة , فضلا عن كونها سبب الثواب الأخروي , وطريق تحقق التعاون المثمر والفعال بين الناس لقضاء حوائجهم.
ويتميز الرهن بأنه يعطي المرتهن الحق في استيفاء دينه مقدما على سائر الدائنين العاديين ومن يليهم مرتبة.

والحكمة في الرهن عظيمة جدا لأن فيه مصلحة للراهن والمرتهن معا وللأمة
أما الراهن: فإن الرهن يكون سببا للحصول على الدين وقضاء حاجته الضرورية , وتفريج كربته , إذ كثيرا ما يبخل الناس في إقراض أموالهم إلا إذا كان في نظير المال عين تحفظ عند الدائن لحين استرداد مبلغ الرهن.
وأما المرتهن: فيكون الرهن سبيلا مطمئنا على أمواله , فلا تذهب ضحية الجحود أو الإنكار أو المماطلة أو الإفلاس وغير ذلك.
كما أن له الأجر والثواب الذي يأخذه من الله تعالى بإقراض المال.
وأما الأمة: فتستحق بالرهون الائتمان والثقة وتبادل المحبة والمودة بين الناس , وتضمن وجود الاستقرار وعدم الوقوع في القلق والاضطراب.


قال الزيلعي في تبيين الحقائق (6 / 62 , 63)
وقد انعقد الإجماع على الرهن , ولأنه وثيقة في جانب الاستيفاء , فيجوز كما تجوز الوثيقة في جانب الوجوب.
وهي الكفالة والحوالة.
والجامع أن الحاجة إلى الوثيقة ماسة من الجانبين , فإن المستدين قلما يجد من يدينه بلا رهن.
والمدين يأمن بالرهن من التوى (الهلاك) بالجحود أو بإسراف المدين من ماله , بحيث لم يبق منه شيء أو بمخاصصة غيره من الغرماء , فكان فيه نفع لهما , كما في الكفالة والحوالة , فشرع.

وفي كشاف القناع (3 / 308)
الضمان التزام مال تبرعا بالقول , فجاز في غير حق ثابت كالنذر , والرهن: يجوز عقده بعد الحق إجماعا , لأنه دين ثابت تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة به كالضمان ولا يجوز عقده قبل الحق لأنه وثيقة بحق , فلم يجز قبل ثبوته كالشهادة ولأن الرهن تابع للحق فلا يسبقه كالثمن لا يتقدم البيع.


الحكم التكليفي للرهن
الرهن جائز وليس واجبا , والأمر الوارد به في القرآن أمر إرشاد لا أمر إيجاب.
وهو عقد تبرع كالكفالة.


الحكم التكليفي للرهن تشكيل النص
الرهن شرعا جائز غير واجب بالاتفاق لأنه وثيقة بالدين فلم يجب , كما لم تجب الكفالة.
وقوله تعالى بعد آية الدين: {فرهان مقبوضة} أمر إرشاد للمؤمنين , لا إيجاب عليهم , بدليل قوله تعالى عقب ذلك: {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته} ولأنه تعالى أمر به عند عدم وجود الكاتب للدين , وبما أن الكتابة غير واجبة فكذلك بدلها.
والرهن كالكفالة من عقود التبرع , لأن ما أعطاه الراهن للمرتهن غير مقابل بشيء وهو من العقود العينية: وهي التي لا تعتبر تامة الالتزام إلا إذا حصل تسليم العين المعقود عليها.
وهذه العقود خمسة: الهبة , والرهن , والإعارة , والإيداع , والقرض.
والسبب في اشتراط القبض لتمامها: هو أنها تبرع , والقاعدة الشرعية تقول: (لا يتم التبرع إلا بالقبض) فيعتبر العقد فيها عديم الأثر قبل القبض , والتنفيذ هو المولد لآثار العقد.


أقسام الرهن
ينقسم الرهن إلى نوعين:
رهن حيازي ورهن رسمي أو تأميني , والنوع الأول هو الذي قال به جمهور الفقهاء وهو يستلزم قبض المرهون وحيازته ويرد على العقار والمنقول.
أما الرهن التأميني الذي جاء به القانون المعاصر فهو لا يرد إلا على العقار ولا ينعقد إلا بتسجيله لدى السجلات العقارية وقد أقره الفقهاء المعاصرون إذ أن أن قيد الرهن بالسجل يجعله في حكم القبض , كما أن القبض في رأي بعض الأئمة لا يعد ركنا من أركان العقد.


الرهن الحيازي الرهن الحيازي في القانون:
هو عقد ينشئ الحق في احتباس مال في يد الدائن , أو يد عدل ضمانا لحق يمكن استيفاؤه منه كله أو بعضه , بالتقدم على سائر الدائنين.
والعدل هو شخص ثالث محايد مؤتمن على الرهن.
فالرهن الحيازي يقتضى نقل حيازة المال المرهون من يد المدين الراهن إلى يد الدائن المرتهن أو يد عدل , ويحبس هذا المال حتى يستوفى الحق.
ويرد الرهن الحيازي على العقار وعلى المنقول.
وهذا التعريف مأخوذ من تعريفات الرهن المتقدمة في الفقه الإسلامي في كتب المذاهب المختلفة ومنه يستفاد خصائص الرهن , وهي أنه عقد رضائي , يفيد الدائن حق احتباس المرهون لديه حتى يؤدي الدين , أو احتباسه عند شخص ثالث آخر يؤتمن على حيازة المرهون , وهو المسمي بالعدل.
ويمكن استيفاء الدين من ثمن المرهون نفسه ببيعه بإذن الراهن أو بإذن القاضي , ويكون للدائن المرتهن حق التقدم أو الأفضلية باستيفاء دينه من الثمن مقدما على بقية الدائنين العاديين الغرماء.
ويمتاز الرهن عن الكفالة في أن التوثق بها إنما يكون بذمة الكفيل , لا بمال يقبضه الدائن.

الرهن التأميني (الرسمي)
تكلم علماء القانون على ما أسموه بالرهن التأميني , وهو يعرف بأنه عقد يكسب به الدائن على عقار مخصص لوفاء دينه حقا عينيا , يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد يكون.
ويظهر من التعريف خصائص الرهن التأميني: وهي كونه عقدا واردا على عقار , يمنح صاحبه حق التقدم أو الأولوية على بقية الدائنين العاديين في استيفاء حقه من ثمن العقار عند بيعه.
ومن أهم خصائصه: أن يقع على عقار , أو حق عيني على عقار , وهو الأهم في الحياة العملية.
ولا بد لانعقاد هذا الرهن من تسجيله في صحيفة العقار المخصصة له في السجلات العقارية , فالتسجيل ركن فيه , ويتحمل الراهن نفقات العقد من كتابة ونفقات تسجيل إلا إذا اتفق مع المرتهن على غير ذلك.
والرهن التأميني حق لا يتجزأ , فكل جزء من أجزاء العقار المرهون ضامن لكل الدين , وكل جزء من الدين مضمون بالعقار المرهون.
والرهن عند الجمهور يتعلق بجملة الحق المرهون فيه وببعضه , فإذا رهن العقار في عدد ما , فأدي الراهن منه بعضه , فإن الرهن بأسره يبقى بيد المرتهن حتى يستوفي كامل حقه لأن الرهن محبوس بحق , فوجب أن يكون محبوسا بكل جزء منه , كحبس التركة على الورثة حتى يؤدوا ديون الميت.
ويلاحظ أن الرهن التأميني يرتب للدائن حقا عينيا على المال المرهون دون أن تنتقل حيازة هذا المال إلى يد الدائن بل تبقى حيازته في يد المدين الراهن , وهو لا يرد إلا على العقار.
فالعقار وحده دون المنقول هو الذي يمكن رهنه رهنا رسميا , وذلك فيما عدا بعض الاستثناءات الواردة في القانون على سبيل الحصر رهن السفن البحرية (الرهن البحري) , ورهن الطائرات (الرهن الجوي) , ورهن المحل التجاري (الرهن التجاري) .
وقد منع بعض الفقهاء المعاصرين الرهن التأميني الذي جاء به القانون المعاصر لأنه لا يشترط فيه القبض الذي نطقت به الآية الكريمة ولكن أقره فقهاء آخرون إذ أن القبض في رأي بعض الأئمة لا يعد ركنا من أركان العقد , ويرى هؤلاء أن قيد الرهن بالسجل يجعله في حكم القبض.


صيغة الرهن
ينعقد الرهن بالإيجاب والقبول , وهذا محل اتفاق بين الفقهاء.
ويشترط في صيغة الرهن ما يشترط في صيغة البيع.


ينعقد الرهن بالإيجاب والقبول , وهذا محل اتفاق بين الفقهاء.
واختلفوا في انعقاده بالمعاطاة , فذهب الشافعية في المعتمد إلى أن الرهن لا ينعقد إلا بإيجاب وقبول قوليين كالبيع , وقالوا: لأنه عقد مالي فافتقر إليهما.
ولأن الرضا أمر خفي لا اطلاع لنا عليه فجعلت الصيغة دليلا على الرضى , فلا ينعقد بالمعاطاة ونحوه.

وقال المالكية والحنابلة: إن الرهن ينعقد بكل ما يدل على الرضى عرفا فيصح بالمعاطاة والإشارة المفهمة والكتابة , لعموم الأدلة كسائر العقود ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة استعمال إيجاب وقبول في معاملاتهم , ولو استعملوا ذلك لنقل إلينا شائعا , ولم يزل المسلمون يتعاملون في عقودهم بالمعاطاة.
ويشترط في الصيغة ما يشترط في صيغة البيع , فقد اشتراط الحنفية في صيغة الرهن: التنجيز بألا يكون معلقا بشرط , ولا مضافا إلى زمن مستقبل , لأن عقد الرهن يشبه عقد البيع من ناحية كونه سبيلا إلى إيفاء الدين واستيفائه , فلا يقبل التعليق بشرط , والإضافة للمستقبل , وإذا علق الرهن أو أضيف , كان فاسدا كالبيع.


قال في الدر المختار (5 / 340)
ويعقد بإيجاب وقبول حال غير لازم , وحينئذ فللراهن تسليمه والرجوع عنه , كما في الهبة.

وقال في الهداية وفتح القدير (8 / 190)
الركن: الإيجاب بمجرده , لأنه عقد تبرع , فيتم بالمتبرع كالهبة والصدقة والقبض شرط اللزوم.

وجاء في المجلة (706)
ينعقد الرهن بإيجاب الراهن والمرتهن وقبولهما , ولكن لا يتم الرهن ولا يلزم ما لم يكن ثم قبض الرهن , بناء عليه , للراهن أن يرجع عن الرهن قبل التسليم.

وفي الشرح الصغير (3 / 304)
أركان الرهن أربعة: عاقد من راهن ومرتهن , ومرهون (وهو المال المبذول) ومرهون به (أي فيه وهو الدين) وصيغة كالبيع , وظاهره أنه يكفي ما يدل على الرضا , وقال ابن القاسم لا بد فيها من اللفظ الصريح.
قال الكاساني في البدائع (6 / 135)
ما يشترط في نفس عقد الرهن: ألا يكون معلقا بشرط ولا مضافا إلى وقت , لأن في الرهن والارتهان معنى الإيفاء والاستيفاء فيشبه البيع , وانه لا يحتمل التعليق بشرط والإضافة إلى وقت , كذا هذا.
وفي المادة (947)
يشترط تنجيز الرهن , فلا يصح معلقا بشرط.


شروط العاقد
يشترط في عاقد الرهن شروط ثلاثة بالاتفاق:
أن يكون مختارا , ومالكا للمرهون أو مأذونا له في رهنه , وأهلا للتصرف.
ولا خلاف بين الفقهاء على جواز رهن وارتهان البالغ العاقل وعلى بطلان رهن وارتهان الصبي الذي لا يعقل والمجنون , واختلفوا في الصبي المميز.


يشترط في العاقد راهنا أو مرتهنا ثلاثة شروط:
أ - أن يكون مختارا
فلا يصح الرهن المصحوب بالإكراه , ولا ينتج أثره الشرعي , قال النبي صلى الله عليه وسلم: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.

ب - أن يكون مالكا للمرهون أو مأذونا له في رهنه
ليس لأحد رهن ملك غيره إلا بولاية عليه , فإذا لم يكن له ولاية في الرهن , وسلم المرهون إلى المرتهن (رهن الفضولي) , كان بهذا التسليم متعديا وغاصبا , وكان الرهن عند الحنفية والمالكية موقوفا على الإجازة , فإن لم يجزه مالك المرهون بطل الرهن وكانت العين في ضمان الراهن بسبب غصبه.
ويبطل الرهن في هذه الحالة عند الشافعية والحنابلة.
هذا ويجوز للإنسان أن يرهن ملك الغير إذا كان بإذنه كرهن المستعار والمستأجر.

ج - الأهلية: بأن يكون أهلا للتصرف في المرهون.
والأهلية أو القدرة على التصرف في رأي الحنفية والمالكية: هي أهلية البيع , بأن يكون العاقد عاقلا مميزا , فكل من يصح بيعه يصح رهنه , لأن الرهن تصرف مالي كالبيع , فوجب أن يراعى في عاقديه ما يراعى في عاقدي البيع والمشروط في عاقدي البيع: العقل أو التمييز , فلا يجوز الرهن والارتهان من المجنون والصبي غير المميز أو الذي لا يعقل.
ولا يشترط البلوغ عند هؤلاء , فيجوز الرهن من الصبي المأذون في التجارة , لأن ذلك من توابع التجارة.

ويصح رهن الصبي المميز والسفيه , موقوفا على إجازة وليه , فإن أجازه نفذ.
والأهلية عند الشافعية والحنابلة: تتمثل في أهلية البيع والتبرع , فيصح الرهن ممن يصح بيعه وتبرعه , لأن الرهن تبرع غير واجب فلا يصح من مستكره , ولا من صبي غير بالغ , ولا مجنون , ولا سفيه , ولا مفلس.
ولا يصح من ولي أبا أو جدا , أو وصي , أو حاكم إلا لضرورة أو مصلحة ظاهرة للقاصر.
ومثال الضرورة: أن يرهن على ما يقترض لحاجة المؤنة (القوت) ليوفي مما ينتظر من غلة , أو حلول دين , أو رواج متاع كاسد (بائر) أو أن يرتهن على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة نهب أو نحوه.
ومثال المصلحة (أو الغبطة) الظاهرة للقاصر: أن يرهن ما يساوي مئة على ثمن ما اشتراه بمئة نسيئة مؤجلة , وهو يساوي مئتين حالتين , وأن يرتهن على ثمن ما يبيعه نسيئة بمصلحة ظاهرة.
وإذا رهن الولي أو الوصي فلا يرهن إلا من أمين غير خائن موسر , وأن يشهد على الرهن , وأن يكون الأجل قصيرا عرفا.
فإن فقد شرط من هذه الشروط , لم يجز الرهن.
وعبر الحنابلة عن هذا الحكم بشرطين: أن يكون عند ثقة , وأن يكون للقاصر فيه حظ , أي حاجة إلى نفقة أو كسوة أو إصلاح عقاره المتهدم أو رعاية بهائمه.


المجلة (م 708)
يشترط أن يكون الراهن والمرتهن عاقلين , ولا يشترط أن يكونا بالغين.

مجلة الأحكام الشرعية (م 949)
لا يصح الرهن إلا ممن يجوز تبرعه , فلا يصح من صبي مميز ولا من سفيه ولا مفلس ولا مكاتب وعبد ولو مأذونا لهم في التجارة.
وفي المادة (950) أيضا
يشترط أن يكون الراهن مالك لعين المرهون , أو مأذونا له في رهنه , كما لو استأجر العين أو استعارها من مالكها ليرهنها فرهنها بإذنه صح , وكذا ولي اليتيم لو رهن ماله لمصلحة , ويكون بيد عدل صح , أما رهن مال غيره دون إذنه فلا يصح.

وقال النووي في المنهاج وشارحه مغني المحتاج (2 / 122)
وشرط العاقد: كونه مطلق التصرف , أي بأن يكون من أهل التبرع مختارا , كما في البيع ونحوه , فلا يرهن الولي أبا كان أو غيره مال الصبي والمجنون , ولا يرتهن لهما إلا لضرورة أو غبطة ظاهرة.

وقال ابن رشد في بداية المجتهد (2 / 268)
أما الرهن فلا خلاف أن من صفته أن يكون غير محجور عليه , من أهل السداد , والوصي يرهن لمن يلي النظر عليه إذا كان ذلك سدادا , أو دعت إليه الضرورة عند مالك.
وقال الشافعي يرهن لمصلحة ظاهرة ,
ويرهن المكاتب والمأذون عند مالك. . . واتفق مالك والشافعي على أن المفلس لا يجوز رهنه.
وقال أبو حنيفة يجوز.

المغني (4 / 353)
ولا يصح الرهن إلا من جائز التصرف , لأنه عقد على المال فلم يصح إلا من جائز التصرف كالبيع.

مغني المحتاج (2 / 122)
وشرط العاقد كونه مطلق التصرف , فلا يرهن الولي مال الصبي والمجنون , ولا يرتهن إلا لضرورة أو غبطة ظاهرة.

البدائع (8 / 2715)
وأما الشروط التي ترجع إلى الراهن والمرتهن فعقلهما حتى لا يجوز الرهن والارتهان من المجنون والصبي الذي لا يعقل , أما البلوغ فليس بشرط وكذا الحرية , فيجوز من الصبي المأذون والعبد المأذون , لأن ذلك من توابع التجارة فيملكه من يملك التجارة , ولأن الرهن والارتهان من باب إيفاء الدين واستيفائه , وهما يملكان ذلك.

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3 / 231)
من يصح بيعه يصح رهنه , ومن لا يصح بيعه لا يصح رهنه , فلا يصح من مجنون ولا من صبي لا ميز له , ويصح من المميز والسفيه , ويتوقف على إجازة وليهما , أي إن اشترط في صلب عقد البيع أو القرض وإلا فهو تبرع باطل ويلزم من المكلف الرشيد كالبيع.

بداية المجتهد لابن رشد (2 / 349)
فأما الراهن فلا خلاف أن من صفته أن يكون غير محجور عليه من أهل السداد , والوصي يرهن لمن يلي النظر عليه , إذا كان ذلك سدادا ودعت إليه الضرورة عند مالك وقال الشافعي يرهن لمصلحة ظاهرة.


تعدد أطراف الرهن
يصح تعدد أطراف الرهن لعدم الشيوع المانع من صحة العقد عند الحنفية , ويظل المرهون محبوسا حتى يوفي الدين كله , لأن المرهون كله رهن بلا تجزئة , ويحبس المرهون عند المرتهنين بالقسمة إن قبلها , وإلا فيحبس كله عند احدهما بطريق المهايأة.


قد يتعدد الراهن أو المرتهن , كما لو رهن رجلان بدين عليهما رهنا عند آخر , أو يرهن رجل شيئا بدين عليه عند رجلين , يصح الرهن في الحالتين , لعدم الشيوع المانع من صحة الرهن عند الحنفية , لأنه في حالة تعدد الراهن , يحصل قبض المرهون من المرتهن بدون إشاعة , فصار كرهن الواحد من الواحد , وفي حالة تعدد المرتهن أضيف الرهن إلى جميع العين المرهونة بصفقة واحدة , ومقتضي الرهن أو موجبه حبس المرهون بالدين , والحبس لا يتجزأ , فصار الرهن محبوسا بكل من المرتهنين.
وذلك بخلاف هبة الواحد من الاثنين: لا تجوز عند أبي حنيفة لأن المقصود من الهبة هو التملك , والشيء الواحد الموهوب لا يتصور كونه ملكا لكل من الموهوب لهما على سبيل الكمال والاستقلال , فلا بد من قسمة الموهوب ليتصور تملك الموهوب لهما للموهوب.

وأحكام الحالتين هي ما يأتي:
في حالة تعدد الراهنين
يصح الرهن بكل الدين , وللمرتهن حبس المرهون حتى يستوفي كل الدين من الراهنين , فإذا أدى أحد الراهنين ما عليه من الدين , لم يكن له أن يقبض شيئا من الرهن , لأن فيه تفريق الصفقة على المرتهن في الإمساك.

في حالة تعدد المرتهنين
يعتبر المرهون كله أيضا رهنا محبوسا عند كل واحد منهما بدينه , لحمل الراهن على وفاء الدين , ما دام الرهن قائما.
فإن قضي الراهن أحد المرتهنين دينه , كانت العين المرهونة كلها رهنا في يد الآخر , حتى يستوفي دينه , لأن العين كلها رهن في يد كل منهما , بلا تفرقة أو تجزئة.

وكيفية حبس المرهون عند المرتهنين: هو أنه إذا كان المرهون مما يقبل التجزؤ , فعلى كل واحد من المرتهنين حبس النصف , فلو سلم كل المرهون للآخر , ضمنه عند أبي حنيفة خلافا للصاحبين.
وأما إذا كان المرهون مما لا يتجزأ , فيحبسه المرتهنان على طريق المهايأة (بمعنى أن يتفق الاثنان على أن يأخذ كل واحد منهما المرهون عنده مدة معلومة) , فإن تهايأ كان كل واحد منهما في نوبته كالعدل في حق الآخر.
وإذا هلك المرهون , صار كل واحد من المرتهنين مستوفيا حصة دينه من المرهون , لأن الاستيفاء يتجزأ.
وفي حال الهلاك هذه , لو قضي الراهن دين أحدهما , استرد ما قضاه من الدين , لأن ارتهان كل منهما باق , حتى يعود الرهن إلى الراهن , لأن كل مرتهن كالعدل بالنسبة للمرتهن الآخر في حال عدم قابلية تجزئة المرهون.


قال في كنز الدقائق وتبيين الحقائق (6 / 78 - 79)
ولو رهن عبدين بألف لا يأخذ أحدهما بقضاء حصته كالبيع , لأن المجموع محبوس بكل الدين ولو رهن عينا عند رجلين صح , سواء كانا شريكين في الدين أو لم يكونا شريكين فيه , ويكون جميع العين رهنا عند كل واحد منهما , لأن الرهن أضيف إلى كل العين في صفقة واحدة.
فإن قضي دين أحدهما , فالكل رهن عند الآخر , لأن كله محبوس بكل جزء من أجزاء الدين فلا يكون له استرداد شيء منه ما دام شيء من الدين باقيا , كما إذا كان المرتهن واحدا.


المال المرهون
لا خلاف بين الفقهاء في أنه يجوز رهن كل متمول يمكن أخذ الدين منه أو من ثمنه عند تعذر وفاء الدين من ذمة الراهن.
ولكنهم اختلفوا في بعض تفاصيل ذلك: فلم يشترط المالكية كون المرهون عينا بل قالوا بصحة رهن المنفعة , واستثنى الحنابلة بعض الحالات فيما يتعلق بشرط كون المرهون مالا متقوما معلوما مقدور التسليم , وقال جمهور الفقهاء بصحة رهن المشاع خلافا لما ذهب إليه الحنفية.


أن يكون المرهون عينا
يشترط جمهور الفقهاء أن يكون المرهون عينا , فلا يصح رهن الدين , ولو لمن هو عليه لأنه غير مقدور على تسليمه ولأن القبض شرط للزوم الرهن لقوله تعالى {فرهان مقبوضة} ولا يرد ذلك على الدين.
كما لا يصح عند الجمهور رهن المنفعة كسكنى الدار وركوب السيارة مدة معينة , لأن المنفعة عند الحنفية ليست بمال , وعند غير الحنفية ليست مقدورة التسليم لأنها غير موجودة وقت العقد , ثم إذا وجدت فنيت ووجد غيرها , فهي تستهلك بمرور الزمن , ولا يكون لها استقرار ولا ثبوت , فلا يتحقق القصد من الرهن إذ لا يمكن تسليمها ولا وضع اليد عليها ولا بقاؤها إلى حلول أجل الدين أو وقت الاستيفاء.
أما المالكية فتتسع عندهم دائرة الرهن , فكما يصح أن يكون المرهون عينا يجوز أن يكون كذلك منفعة , وعبارة المالكية الرهن: شيء متمول يؤخذ من مالكه , توثقا به , في دين لازم , أو صار إلى اللزوم , أي أنه تعاقد على أخذ شيء من الأموال عينا كالعقار والحيوان والعروض (السلع) أو منفعة , على أن تكون المنفعة معينة بزمن أو عمل , وعلى أن تحسب من الدين.
وهم قالوا بصحة ذلك قياسا على البيع.

أن يكون المرهون قابلا للبيع عند حلول الأجل
يشترط عند جمهور الفقهاء أن يكون المرهون قابلا للبيع عند حلول الأجل لأن القصد من عقد الرهن هو استيفاء الدائن لحقه من ثمن المرهون عند تعذر أخذه من المدين , فيجب أن يكون مالا متقوما معلوما , مقدور التسليم. فلا يصح رهن ما ليس بمال كالميتة والدم , ولا رهن الخمر والخنزير لأنه غير متقوم ولا رهن المجهول , ولا رهن معجوز التسليم غير الموجود عند إبرام عقد الرهن , مثل رهن ما يثمر الشجر هذا العام , أو ما تلد الأغنام هذه السنة , أو رهن الطير الطائر والحيوان الشارد ونحوه. ولا يصح رهن المال العام أو الموقوف , لأنه غير صالح للبيع.
وذهب الحنابلة في الأصح عندهم وابن القاسم وابن الماجشون المالكيان إلى: أنه يستثنى من قاعدة (ما لا يصح بيعه لا يصح رهنه) الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع , ورهن الزرع الأخضر بلا شرط القلع , ورهن الشارد والضال من الحيوان , لأن النهي عن البيع , إنما كان لعدم الأمن من العاهة أو للغرر والخطر ولهذا أمر الشرع بوضع الجوائح , وهذا المعنى مفقود في الرهن , لأن الدين في ذمة المدين الراهن , والغرر أو الخطر قليل في الرهن ,. لأنه إذا تلف المرهون لا يضيع حق المرتهن من الدين , وإنما يعود الحق إلى ذمة الرهن. وإذا لم يتلف المرهون بأن أدرك الزرع , وأثمر الثمر , وعاد الضال , تحققت منفعة المرتهن , فيباع متى حل الحق , ويؤخر البيع متى اختار المرتهن. فيجوز ارتهان ما لا يحل بيعه في وقت الارتهان , ولا يباع إلا إذا بدا صلاحه , وإن حل أجل الدين.

أن يكون مملوكا للراهن محوزا
وهذا ليس شرطا لجواز أو صحة الرهن , وإنما هو عند الحنفية والمالكية شرط لنفاذ الرهن , وبه يعرف حكم رهن مال الغير.
فيجوز رهن مال الغير بغير إذن بولاية شرعية كالأب والوصي , يرهن مال الصبي بدينه , وبدين نفسه.
ويجوز رهن مال الغير بإذنه , كالمستعار من إنسان ليرهنه بدين على المستعير.
فإن لم يكن هناك إذن من المالك بالرهن , كان الرهن كالبيع موقوفا على الإجازة , فإن أجاز نفذ وإلا بطل.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه لا يصح رهن مال الغير بغير إذنه , لأنه لا يصح بيعه , ولا يقدر على تسليمه , ولا على بيعه في الدين فلم يجز رهنه كالطير الطائر , والحيوان الشارد.
فإن رهن شيئا يظنه لغيره , ثم تبين أنه لأبيه وأنه قد مات , وصار ملكا له بالميراث , صح الرهن عند الحنابلة وفي وجه عند الشافعية , إذ العبرة في المعاملات بما في نفس الأمر.
والمنصوص عند الشافعية: أن العقد باطل , لأنه عقد والعاقد لاعب فلم يصح فإن استعار الراهن الشيء ليرهنه , جاز عند أئمة المذاهب اتفاقا , لأنه بالاستعارة يقبض ملك غيره لينتفع به وحده من غير عوض وهو شأن الإعارة.
فهي جائزة لتحصيل منفعة واحدة من منافع العين المستعارة.
هذا واشترط الحنفية أن يكون المرهون محوزا , وقالوا لا يجوز رهن نصف دار أو ربع سيارة ولو من الشريك ويجوز رهن المشاع عند الجمهور.
وسبب الخلاف: هل تمكن حيازة المشاع أو لا تمكن؟ يرى الحنفية أنه لا يجوز رهن المشاع سواء كان محتملا القسمة , أو غير محتمل القسمة , من الشريك أو غيره.
والصحيح أن الرهن حينئذ فاسد , يضمن بالقبض , لأن القبض شرط تمام العقد ولزومه , لا شرط جوازه وانعقاده.
ودليلهم أن الرهن يستوجب ثبوت يد الاستيفاء , واستحقاق الحبس الدائم للمرهون , والحبس الدائم لا يتصور في المشاع , لما فيه من مهايأة في حيازته , وكأن الراهن قد رهنه يوما ويوما لا , فلم يصح سواء فيما يقبل القسمة أم ما لا يقبلها , ولو من الشريك لوجود المهايأة في الحيازة.
بل إن قبض أو حيازة الجزء الشائع وحده لا يتصور , والجزء الآخر ليس بمرهون , فلا يصح قبضه , والشيوع يمنع تحقق قبض الجزء الشائع , سواء فيما يقبل القسمة وما لا يقبلها , بخلاف الهبة حيث تصح فيما لا يحتمل القسمة للضرورة , لأنها تفيد الملك , والشيوع لا ينافيه , فاكتفي بالقبض الممكن.
وهذا الحكم سواء أكان الشيوع مقارنا لعقد الرهن أم طارئا عليه , فإذا طرأ الشيوع على الرهن أفسده , وروي عن أبي يوسف أن الشيوع الطارئ على العقد لا يفسده , لأنه يغتفر في البقاء مالا يغتفر في الابتداء , كالهبة التي يطرأ عليها الشيوع بعد القبض فلا يفسدها.
وأجيب بأن العلة في المنع كون الشيوع مانعا من تحقق القبض وهذا يستوي فيه الابتداء والبقاء , بخلاف الهبة , لأن الملك لا يتنافى مع الشيوع.
ويرى الجمهور أنه يصح رهن المشاع أو هبته أو التصدق به أو وقفه , كرهن كله , من الشريك وغيره , ومحتملا القسمة أم لا , لأن كل ما يصح بيعه يصح رهنه , ولأن الغرض من الرهن استيفاء الدين من ثمن المرهون ببيعه عند تعذر الاستيفاء من غيره , والمشاع قابل للبيع , فأمكن الاستيفاء من ثمنه , والقاعدة عندهم: كل ما جاز بيعه جاز رهنه من مشاع وغيره.
وأما كيفية الحيازة , ففيه رأيان: يرى المالكية أنه يجب قبض جميع ما يملكه الراهن , ما رهنه وما لم يرهنه , لئلا تجول يد الراهن فيما رهنه , فيبطل الرهن.
فإن كان الجزء غير المرهون , غير مملوك للراهن , اكتفى بحيازة الجزء المرهون.
ولا يستأذن الراهن شريكه , في رهن حصته , إذا لا ضرر على الشريك.
وهذا قول ابن القاسم المشهور.
نعم يندب الاستئذان لما فيه من جبر الخواطر ,
وقال أشهب يجب استئذانه.
ويرى الشافعية والحنابلة أن قبض المشاع في العقار يكون بالتخلية , وان لم يأذن الشريك , وفي والمنقول يكون بالتناول.
ويشترط فيه إذن الشريك , ولا يجوز نقله بغير إذن الشريك.
فإن أبى ورضي المرتهن بكونه في يد الشريك , جاز وناب عنه في القبض.
وإن تنازع الشريك والمرتهن , عين الحاكم عدلا يكون في يده , إما أمانة أو بأجرة.
وتجرى المهايأة بين المرتهن والشريك كجريانها بين الشريكين.


جاء في المجلة (م 709)
ويشترط أن يكون المرهون صالحا للبيع , بناء عليه , يلزم أن يكون موجودا , ومالا متقوما , ومقدور التسليم في وقت الرهن.

وفي مرشد الحيران (م 952)
يشترط في المرهون أن يكون مالا موجودا , متقوما مقدور التسليم , ومحوزا , متفرقا , مفرغا , لا مشغولا بحق الراهن , مميزا لا مشاعا ولا متصلا بغيره.

وجاء في تقنين الفقه المالكي (م15)
يصح رهن مشاع في عقار ونحوه , ويقضي للمرتهن بحوز الكل إن كان الباقي ملكا للراهن , فإن كان ملكا لغيره حوز الجزء المرهون.

وفي التقنين الشافعي (م 169)
يلزم لصحة الرهن أن يكون المرهون عينا ولو مشاعا , وأن يكون المرهون به دينا ثابتا لازما معلوما لهما.

وفي (م 174 / ف2)
يجوز أن يكون المرهون مستعارا , ولا يصح للمالك الرجوع بعد قبض المرتهن.

وفي التقنين الحنبلي (م171)
شروط الرهن ستة: أن يكون الرهن منجزا , أن يكون مع الحق أو بعده لا قبله , أن يكون الراهن أهلا للتصرف , ملك الراهن المرهون أو لمنافعه بشرط إذن المالك , أن يكون الرهن معلوما قدره وجنسه وصفته , أن يكون الدين واجبا أو مآله إلى الوجوب.

القوانين الفقهية (ص 323)
في المرهون: يجوز رهن كل شيء يصح تملكه من العروض والحيوان والعقار , ويجوز رهن المشاع خلافا لأبي حنيفة.

الدر المختار (5 / 348)
لا يصح رهن مشاع , لعدم كونه مميزا , مطلقا: مقارنا أو طارئا , من شريكه أو غيره , يقسم أولا , والصحيح أنه فاسد يضمن بالقبض وجوزه الشافعي.

الشرح الكبير (3 / 235)
وصح رهن مشاع , من عقار وعرض وحيوان , كما يصح بيعه وهبته ووقفه , وسواء كان الباقي للراهن أو لغيره.
وحيز الجزء المشاع ليتم الرهن بجميعه إن بقي فيه شيء للراهن.
ولا يستأذن الراهن للجزء المشاع شريكه , أي ليس عليه ذلك , إذ لا ضرر على الشريك.

المنهاج للنووي وشرحه مغني المحتاج (2 / 122)
ويصح رهن المشاع كرهن كله , من الشريك وغيره , ولا يحتاج إلى إذن الشريك , ويقبض بتسليم كله كما في المبيع , فيكون بالتخلية في غير المنقول , وبالنقل في المنقول.
ولا يشترط إذن الشريك في القبض إلا فيما ينقل , لأنه لا يحصل قبضه إلا بالنقل.
ولا يجوز نقله بغير إذن الشريك.
وتجرى المهايأة بين المرتهن والشريك كجريانها فيما دونها , لأن الملك فيهما باق فلا تفريق.

كشاف القناع (3 / 312)
ويصح رهن المشاع من الشريك ومن أجنبي , ثم إن كان المرهون بعضه مما لا ينقل كالعقار , خلى الراهن بينه (أي الرهن) وبينه (المرتهن) وان لم يحضر الشريك ولم يأذن.
وإن كان المرهون بعضه مما ينقل كالثياب والبهائم , فرضي الشريك والمرتهن بكونه في يد أحدهما أو غيرهما جاز , وإلا جعله حاكم في يد أمين أمانة أو بأجرة.


أن يكون حقا واجب التسليم إلى صاحبه
المال المرهون به هو الحق الذي أعطي به الرهن , وقد يكون دينا , وقد يكون عينا.
وقد اتفق الفقهاء على جواز الرهن إذا كان المرهون به دينا لازما في الذمة , وعدم جوازه إذا كان عينا ليست مضمونة أصلا مثل الأعيان التي تكون أمانة في يد الراهن.
ولكنهم اختلفوا في جواز الرهن في الأعيان المضمونة , فأجاز الجمهور الرهن بالأعيان المضمونة بنفسها دون غيرها , ومنع الشافعية الرهن بكل الأعيان.


لا خلاف بين الفقهاء على جواز الرهن إذا كان المرهون به دينا
أيا كان سبب هذا الدين قرضا أو بيعا أو إتلافا أو غصبا , لأن الديون واجبة الوفاء , فكان الرهن بها رهنا بحق واجب التسليم إلى صاحبه.
وفي هذه الحالة يكون الحق قد ثبت أولا ثم تبعه الرهن.

وذهب جمهور الفقهاء إلى جواز أخذ الرهن في المسلم فيه , لأنه كما يجوز أخذ الرهن في الحق الثابت في الذمة إن كان ثمنا , فكذلك يجوز أخذ الرهن عنه إن كان مثمنا كما في السلم , وذلك بجامع الدينية والثبات في الذمة في كل منهما , فلا وجه للتفريق بين دين السلم وغيره من الديون.
أما الحنابلة فإنهم خالفوا الجمهور ومنعوا أخذ الرهن في المسلم فيه لأنه لا يؤمن هلاك الرهن فيصير رب السلم مستوفيا لحقه من غير المسلم فيه.
ولمثل هذا ذهب زفر من الحنفية وهو يعلل ذلك بأنه لا يجوز الرهن بما لا يصح الاستبدال فيه قبل القبض , لأن سقوط الدين بهلاك الرهن إذا هلك , إنما يكون نتيجة لاستبداله بما وجب في ذمة المرتهن بذلك الهلاك , بمعنى أن عين الرهن صارت بدلا عن الدين الذي رهنت به , واستبدال هذه الديون لا يصح. فلو جاز الرهن بهذه الديون لزم منه استبدال هذه الديون قبل قبضها , إذا هلك الرهن , وهو لا يجوز شرعا.
أما إذا كان المرهون به عينا
ففيه نوعان: نوع اتفق الفقهاء على عدم جواز الرهن به , وهو يخص الأعيان التي تكون أمانة في يد الراهن كالوديعة والعارية والمأجور ومال الشركة والمضاربة ونحوها من الأعيان التي هي ليست بمضمونة أصلا.
ذلك أن قبض الرهن مضمون عند الحنفية , وعند غيرهم أن يكون الدين مضمونا , فلا بد من أن يقابله مضمون , أي لا رهن إلا بمضمون , ليصح القبض موصلا إلى الاستيفاء.
ونوع اختلف الفقهاء في صحة الرهن به , وهو يخص الأعيان المضمونة.
فإذا كانت الأعيان مضمونة بنفسها (وهي التي يجب ضمان مثلها إن كان لها مثل , أو قيمتها إن لم يكن لها مثل , كالمغصوب في يد الغاصب , والمقبوض على سوم الشراء , والمهر في يد الزوج , وبدل الخلع في يد الزوجة , وبدل الصلح عن دم العمد) , فيجوز الرهن بها عند الجمهور غير الشافعية , وللمرتهن أن يحبس الرهن حتى يسترد العين المرهون بها , وإن هلك الرهن في دين المرتهن قبل استرداد العين , وهي قائمة باقية , يقال للراهن: سلم العين إلى المرتهن , وخذ منه الأول من قيمة الرهن , ومن قيمة العين , لأن المرهون مضمون بالأقل المذكور عند الحنفية.
وذهب الشافعية إلى أنه لا يصح الرهن بالعين التي هي أمانة أو مضمونة , لاشتراطهم كون المرهون به دينا , لأنه تعالى ذكر الرهن في المداينة , فلا يثبت في غيرها , ولأن هذه العين لا تستوفي من ثمن المرهون , وذلك مخالف لغرض الرهن عند البيع.
وأما إن كانت الأعيان مضمونة بغيرها كالمبيع في يد البائع , فإنه مضمون بغيره وهو الثمن , فلو هلك المبيع في يد البائع سقط الثمن عن المشتري , فلا يصح الرهن به في رواية النوادر عن أبي حنيفة لأن قبض الرهن قبض استيفاء , ولا يتحقق معنى الاستيفاء في المضمون بغيره إذ لو هلك الرهن في يد المشترى , لا يصير مستوفيا شيئا بهلاك الرهن.
وفي ظاهر الرواية: إنه يصح الرهن بالمبيع قبل القبض , لأنه مضمون وللمشتري أن يحبس المرهون حتى يقبض المبيع , لأن الاستيفاء المطلوب يتحقق من حيث المعنى , لأن المبيع قبل قبضه إن لم يكن مضمونا بقيمته , مضمون بالثمن , ويعد سقوط الثمن عن المشتري بهلاك المبيع قبل تسليمه إليه , كالعوض عنه , فيصير المشترى مستوفيا مالية المبيع.


البدائع (4 / 3722)
أما الدين فيجوز الرهن به بأي سبب وجب , من الإتلاف والغصب ونحوها , لأن الديون كلها واجبة على اختلاف أسباب وجوبها , فكان الرهن بها رهنا بمضمون فيصح.
الروض المربع (2 / 191)
ويعتبر أن يكون الرهن بدين ثابت أو مآله إليه.

مغني المحتاج (2 / 132)
وشرط المرهون به كونه دينا ثابتا لازما.

بداية المجتهد (2 / 350)
يجوز أن يؤخذ الرهن في جميع الأثمان الواقعة في جميع البيوعات.

جاء في مجلة الأحكام الشرعية (م958)
يصح الرهن برأس مال السلم.

وجاء في غاية المنتهي (2 / 89)
يصح الرهن بدين واجب غير مسلم , أو مآله إليه , كثمن مدة خيار , وأجره قبل استيفاء منفعة , ومهر قبل دخول.
وبعين مضمونة , كغصب وعارية , ومقبوض بعقد فاسد , ونفع إجارة بذمة كخياطة ثوب وبناء دار , لا بنفع عين معينة , ولا بدية على عاقلة , وجعل قبل دخول وعمل.

وجاء في تبيين الحقائق (6 / 66)
قال القدوري في مختصره اللباب (2 / 55) : ولا يصح الرهن إلا بدين مضمون , وهو مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين.

القوانين الفقهية (ص 323)
المرهون فيه وهو جميع الحقوق من بيع أو سلف أو غير ذلك إلا الصرف ورأس مال السلم.

الشرح الصغير (3 / 310)
وجاز رهن دين على إنسان , ولو كان على المرتهن له , كان يتسلف أو يشترى المسلم سلعة من المسلم إليه , ويجعل المسلم فيه رهنا في ذلك الدين.

المنهاج ومغني المحتاج (2 / 126)
شرط المرهون به: كونه دينا ثابتا لازما , ومعلوما للعاقدين , فهذه ثلاثة شروط , فلا يصح بغير الدين وهو العين المغصوبة والمستعارة في الأصح , ولا بما سيقرضه , ولا يصح بما لا يلزم ولا يئول إلى اللزوم كما في الكتابة , ولا يصح بالمجهول , فلو جهلاه أو أحدهما لم يصح , كما في الضمان.
في ص 127: ويجوز الرهن بالثمن في مدة الخيار , لأنه آيل إلى اللزوم بخلاف جعل الجعالة.

مجلة الأحكام الشرعية (م954)
يشترط أن يكون الرهن مقابل دين واجب بالذمة أو مآله إلى الوجوب , كالقرض وثمن المبيع وقيمة المتلف , والأعيان المضمونة , كالمغصوب والعارية والمقبوض على وجه السوم , والمقبوض بعقد فاسد , فيصح الرهن بها , كما يصح بالدية على العاقلة بعد الحلول , وبالجعل بعد العمل , أما قبل الحول وقبل العمل فلا يصح الرهن.

جاء في الهداية وتكملة الفتح
ولا يصح الرهن إلا بدين مضمون: لأن حكم ثبوت يد الاستيفاء , والاستيفاء يتلو الوجوب (الثبوت) . ويدخل على هذا اللفظ: الرهن بالأعيان المضمونة بأنفسها , فإنه يصح الرهن بها , ولا دين.
ويمكن أن يقال: إن الواجب الأصلي فيها هو القيمة , ورد العين مخلص على ما عليه أكثر المشايخ , وهو دين , ولهذا تصح الكفالة بها.

المجلة (م 710)
يشترط أن يكون مقابل الرهن مالا مضمونا , بناء عليه , يحوز أخذ الرهن لأجل مال مغصوب , ولا يصح أخذ الرهن لأجل مال أمانة.

بداية المجتهد (2 / 270)
على مذهب مالك يجوز أخذ الرهن في السلم وفي القرض وفي الغصب وفي قيم المتلفات وفي أرش الجنايات في الأموال , وفي جراح العمد الذي لا قود (قصاص) فيه كالمأمومة والجائفة.

منهاج النووي وفي مغني المحتاج (2 / 126)
شرط المرهون كونه دينا ثابتا لازما , فلا يصح الرهن بالعين المغصوبة والمستعارة في الأصح , ولا بما سيقرضه. قال في مغني المحتاج: لو عبر بالعين المضمونة لكان أخصر وأشمل , لتناوله المأخوذ ببيع فاسد , والمأخوذ بسوم الصداق قبل القبض , بل لو اقتصر على العين لكان أولى ليشمل غير المضمون كالمودع.

غاية المنتهى (2 / 89)
يصح الرهن بدين واجب غير سلم , أو مآله إليه كثمن مدة الخيار , وأجرة قبل استيفاء منفعة , ومهر قبل دخول , وبعين مضمونة كغصب وعارية ومقبوض بعقد فاسد , ونفع إجارة بذمة كخياطة ثوب وبناء دار , لا بنفع عين معينة ولا بدية على عاقلة , وجعل قبل دخول وعمل ويصح بعدهما , ولا بدين كتابة , وعهدة مبيع , وعوض غير ثابت في ذمة , كثمن وأجرة معينين , وإجارة منافع معينة كدار ونحوها , أو دابة لحمل معين.

مجلة الأحكام الشرعية (م954)
يشترط أن يكون الرهن مقابل دين واجب بالذمة أو مآله إلى الوجوب , كالقرض وثمن المبيع وقيمة المتلف , والأعيان المضمونة كالمغصوب والعارية , والمقبوض على وجه السوم , والمقبوض بعقد فاسد , فيصح الرهن بها كما يصح بالدية على العاقلة بعد الحول , وبالجعل بعد العمل , أما قبل الحول وقبل العمل فلا يصح الرهن.

وفي (م 955)
يصح الرهن بعوض غير ثابت في الذمة كالثمن والأجرة المعينين , وكالمأجور في إجارة منافع الأعيان المعينة , لأن الحق ثابت في نفس الأعيان المذكورة دون الذمة فلو رهن المشترى في الثمن المعين أو رهن المستأجر في الأجرة المعينة , أو رهن المؤجر في المأجور المعين , لم يصح الرهن.

وفي (م 956)
يصح الرهن بالنفع في الإجارة على عمل في الذمة , مثلا: لو استأجر خياطا لخياطة ثياب أو بناء لبناء دار , وأخذ منهما رهنا مقابل المنافع المعقود عليها , صح الرهن.

وفي (م 957)
لا يصح الرهن بعهدة المبيع ولا بدين الكتابة.


أن يكون دينا ثابتا
لا خلاف بين الفقهاء في صحة الرهن إذا كان الدين الذي يتم الرهن من أجله دينا ثابتا في الذمة ثبوتا صحيحا وقت الرهن , سواء كان ثابتا قبله أو معه.
أما إذا كان الرهن على دين موعود به , فقد أجازه الحنفية والمالكية ومنعه غيرهم.


يشترط الفقهاء لصحة الرهن أن يكون الدين الذي يتم الرهن من أجله دينا ثابتا في الذمة ثبوتا صحيحا وقت الرهن سواء كان ثابتا قبله أو معه.
ومقتضي هذا الشرط ألا يصح الرهن بالدين الموعود به , أو بما سيقرضه المرتهن للراهن , لأن الدين لا وجود له عند عقد الرهن , حتى يكون واجب التسليم.
لذلك منع الشافعية والحنابلة في ظاهر المذهب الرهن بالدين الموعود به لأنه ليس بحق ثابت في الذمة عند عقد الرهن وقالوا بأن الرهن شرع عند ثبوت الدين لا عند الوعد به ,
واحتجوا بالكتاب لقوله تعالى: {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} إلى أن قال تعالى: {فرهان مقبوضة} فيجب إذن أن يتحقق الدين.

لكن الحنفية والمالكية أجازوا الرهن بالدين الموعود به الذي سيقرض في المستقبل , استحسانا لحاجة الناس إليه.
أما إذا ارتهن المرتهن بما يثبت له على الراهن في المستقبل بدون وعد , فلا يجوز.


أن يكون الحق المرهون به معلوما
يشترط الفقهاء أن يكون الحق المرهون به معلوما , فلا يصح الرهن بحق مجهول.


يشترط الفقهاء أن يكون الحق المرهون به معلوما فلا يصح الرهن بحق مجهول , فلو أعطاه رهنا بأحد دينين له , دون أن يعينه , لم يصح الرهن.
فقد اشترط الفقهاء أن يكون معلوما أو معينا قدره وصفته للعاقدين , فلو جهلاه أو جهله أحدهما , أو رهن بأحد الدينين , لم يصح الرهن.


تمام القبض
القبض عند الجمهور شرط للزوم الرهن , فما لم يقع القبض لم يلزم الراهن بالرهن وله أن يرجع عن العقد.
وقال المالكية إن القبض شرط لتمام الرهن وليس للزومه , فالرهن يلزم بالعقد ويجبر الراهن على الإقباض إلا أن يتراخى المرتهن عن المطالبة.
ويشترط استدامة القبض من أجل دوام الحبس عند الجمهور غير الشافعية الذين يجيزون للراهن استرداد المرهون للانتفاع به.


اتفق الفقهاء في الجملة على أن القبض شرط في الرهن لقوله تعالى {فرهان مقبوضة} واختلفوا في تحديد نوع الشرط: أهو شرط لزوم أو شرط تمام؟ .
وفائدة الفرق: أن من قال شرط لزوم , قال: ما لم يقع القبض لم يلزم الراهن بالرهن , وله أن يرجع عن العقد.
ومن قال شرط تمام , قال: يلزم الرهن بالعقد ويجبر الراهن على الإقباض , إلا أن يتراخى المرتهن عن المطالبة , حتى يفلس الراهن أو يمرض أو يموت.
قال الجمهور غير المالكية: القبض ليس شرط صحة وإنما هو شرط لزوم الرهن , فلا يلزم الرهن إلا بالقبض , فما لم يتم القبض يجوز للراهن أن يرجع عن العقد , وإذا سلمه الراهن للمرتهن وقبضه لزم الرهن , ولم يجز للراهن أن يفسخه وحده بعد القبض.
ودليلهم قوله تعالى {فرهان مقبوضة} فلو لزم بدون القبض لم يكن للتقيد به فائدة , فقد علقه سبحانه بالقبض فلا يتم إلا به.
ولأن الرهن عقد تبرع أو إرفاق (أي نفع) يحتاج إلى القبول , فيحتاج إلى القبض ليكون دليلا على إمضاء العقد وعدم الرجوع , فلا يلزم إلا بالقبض كالهبة والقرض.
وذهب المالكية إلى أنه لا يتم الرهن إلا بالقبض أو الحوز , فهو شرط تمام الرهن , أي لكمال فائدته , وليس شرط صحة أو لزوم , فإذا عقد الرهن بالقول (الإيجاب والقبول) , لزم العقد , وأجبر الراهن على إقباضه للمرتهن بالمطالبة به.
فإن تراخي المرتهن في المطالبة به أو رضي بتركه في يد الراهن , بطل الرهن.
ودليلهم قياس الرهن على سائر العقود المالية اللازمة بالقول , لقوله تعالى {أوفوا بالعقود} والرهن عقد فيجب الوفاء به.
كما أن الرهن عقد توثق كالكفالة , فيلزم بمجرد العقد قبل القبض.
وبناء على اشتراط القبض: لو تعاقد الراهن والمرتهن على أن يكون الرهن في يد الراهن , لم يصح الرهن.
فلو هلك في يده لا يسقط الدين , ولو أراد المرتهن أن يقبضه من يد الراهن ليحبسه رهنا , ليس له قبضه إذ لا يصير الرهن صحيحا بعد فساد.
هذا ويشترط لصحة القبض عند الجمهور (الحنفية والمالكية الحنابلة) دوام القبض , فإن قبض الرهن , ثم رده المرتهن باختياره إلى الراهن أو عاد إليه بإعارة أو إيداع أو إجارة أو استخدام أو ركوب دابة أو سيارة , بطل الرهن عند المالكية والحنفية , وزال لزوم الرهن وبقي العقد كأن لم يوجد فيه قبض عند الحنابلة , فإن عاد الراهن فرده إلى المرتهن , عاد اللزوم عند الحنابلة بحكم العقد السابق , وعند الحنفية والمالكية: لا يعود الرهن إلا بعقد جديد.
ودليلهم عموم قوله تعالى: {فرهان مقبوضة} الذي يفهم منه اشتراط وجود القبض واستدامته.
ولم يعتبر الشافعية استدامة القبض من شروط الصحة , وذلك فيما يمكن الانتفاع به مع بقائه , وقالوا بأنه لا يمنع القبض إعارة المرهون للراهن , أو أخذ الراهن المرهون بإذن المرتهن , واستعماله للركوب والسكنى والاستخدام , ويبقى وثيقة بالدين , لخبر الدارقطني والحاكم الرهن مركوب ومحلوب وخبر البخاري الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولأن الرهن عقد يعتبر القبض في ابتدائه , وثيقة , فلم يشترط استدامته كالهبة.
وأما إذا كان المرهون مما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه , لم يكن الراهن طلب استرداده للانتفاع به بعد قبضه ووجب استمرار يد المرتهن عليه , إذ لا ضمان لحقه إلا بذلك , حتى لا يتعرض حقه للضياع والتلف.


البدائع (4 / 2723)
القبض شرط جواز الرهن لقوله تعالى: {فرهان مقبوضة} فقد وصف سبحانه وتعالى الرهن بكونه مقبوضا فيقتضي أن يكون القبض فيه شرطا , صيانة لخبره تعالى عن الخلف ولأنه عقد تبرع للحال , فلا يفيد الحكم بنفسه كسائر التبرعات.

المغني (4 / 268)
ولا يصح الرهن إلا أن يكون مقبوضا من جائز الأمر. . . . وقال بعض الحنابلة: ما كان مكيلا أو موزونا لا يلزم رهنه إلا بالقبض.
وفيما عداهما روايتان: إحداهما لا يلزم إلا بالقبض , والأخرى يلزم بمجرد العقد كالبيع.

الدر المختار ورد المحتار (5 / 340 - 341)
القبض , شرط اللزوم في الرهن كما في الهبة , وصح في المجتبى أنه شرط الجواز.

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3 / 231)
لا خلاف في المذهب إن القبض ليس من حقيقة الرهن ولا شرطا في صحته ولا لزومه , بل ينعقد ويصح ويلزم بمجرد القول , ثم يطلب المرتهن الإقباض.

مغني المحتاج (2 / 123)
ولا يلزم الرهن من جهة الراهن إلا بقبضه أي المرهون لقوله تعالى {فرهان مقبوضة} .
فلو لزم بدون القبض لم يكن للتقييد به فائدة , ولأنه عقد تبرع يحتاج إلى القبول فلا يلزم إلا بالقبض , كالهبة والقرض.

مرشد الحيران (م954)
يشترط لتمام الرهن ولزومه على الراهن أن يقبضه المرتهن قبضا تاما.
وللراهن قبل تسليم الرهن للمرتهن أن يرجع فيه , ويتصرف في العين المرهونة.

المقدمات الممهدات والقوانين الفقهية
الرهن يجوز ويلزم بالعقد ولا يتم وينبرم ويصح التوثق به إلا بالحيازة لقوله تعالى: {فرهان مقبوضة}
الشرح الصغير (3 / 313)
ولا يتم الرهن إلا بالقبض.

كشاف القناع (3 / 317 , 318)
ولا يلزم الرهن في حق الراهن إلا بالقبض لقوله تعالى {فرهان مقبوضة} ولأنه عقد إرفاق يفتقر إلى القبول , فافتقر إلى القبض كالقرض.


كيفية القبض
يتم القبض بمجرد التخلية عند الحنفية في ظاهر الرواية سواء في المنقول أو العقار , والتخلية مجزئة في العقار دون المنقول عند الجمهور.
وينوب الرهن الرسمي مناب القبض أي الحيازة.
والمقصود من قبض الرهن هو تأمين الدائن المرتهن , فيصح أن يقوم مقام القبض كل وسيلة تؤدي إلى نفس الغرض.


اتفق الفقهاء على أن قبض العقار يكون بالتسليم الفعلي أو بالتخلية أي رفع المانع من القبض أو التمكن من إثبات اليد بارتفاع الموانع , فيخلى بين المرتهن والمرهون , ويمكن من إثبات يده عليه.

أما قبض المنقول: ففي ظاهر الرواية عند الحنفية: أنه يكتفي فيه بالتخلية , فإذا حصلت صار الراهن مسلما والمرتهن قابضا , لأن التخلية تعتبر إقباضا في العرف والشرع.
أما في العرف: فلأنه لا يكون في العقار إلا بها , فيقال هذه الأرض أو الدار في يد فلان , فلا يفهم منه إلا التخلي وهو التمكن من التصرف.
وأما في الشرع: فإن التخلية تعتبر إقباضا في البيع بالإجماع من غير نقل أو تحويل.
وهذا الرأي هو المعقول تمشيا مع طبيعة التعامل وسرعته.
وقال أبو يوسف لا تكفي التخلية في المنقول , وإنما يشترط فيه النقل والتحويل , فما لم يوجد لا يصير المرتهن قابضا , لأن القبض ورد مطلقا في الآية: {فرهان مقبوضة} فينصرف إلى القبض الحقيقي , وهو لا يتحقق إلا بالنقل.
أما التخلية فالذي يتحقق بها قبض حكمي , فلا يكفي فيه.

ثم إن قبض الرهن يترتب إنشاء ضمان على المرتهن لم يكن ثابتا قبل العقد , فلا بد فيه من تمام النقل بالقبض ليحدث الضمان , كالشأن في الغصب , بخلاف البيع فإن الذي يترتب عليه إنما هو نقل الضمان من البائع للمشترى , فيكتفي فيه بالتخلية.
لكن يلاحظ أن هذا الفرق بين الرهن والبيع لا تأثير له.
ويتفق الشافعية والحنابلة مع أبي يوسف فإنهم قالوا: المراد بالقبض هو القبض المعهود في البيع , فقبض الرهن كقبض البيع , فإن كان عقارا أو مما لا ينقل كالدور والأرضين , يكون قبضه بالتخلية , أي تخلية راهنه بينه وبين المرتهن من غير حائل , وذلك ينطبق على الثمر على الشجر والزرع في الأرض , وإن كان منقولا , فقبضه يكون بنقله أو تناوله , أي أخذه إياه من راهنه فعلا.
فإن كان كالحلي فيتم قبضه بنقله , وان كان كالدراهم والثوب فيتم نقله بتناوله , وان كان مكيلا أو موزونا فقبضه يكون بكيله أو وزنه , وإن كان مزروعا فقبضه بزرعه , وإن كان معدودا فقبضه بعده , ويعتبر العرف المتعارف في المذكور كله.
والقبض عند المالكية هو الحوز أو الحيازة للآية الشريفة: {فرهان مقبوضة} والظاهر أن المقصود من قبض الرهن: هو تأمين الدائن المرتهن , والقاء الثقة والطمأنينة في نفسه , بتمكينه من حبس المرهون تحت يده , حتى يستوفي منه دينه , وليس المقصود من اشتراط القبض هو التعبد , أي تنفيذ المطلوب بدون معنى.
وبناء عليه يصح أن يقوم مقام القبض كل وسيلة تؤدي إلى تأمين الدائن , ومنها ما أحدثه القانون المدني من الرهن الرسمي في العقار , بوضع إشارة الرهن في صحيفة العقار في دائرة التسجيل العقاري , فهو محقق لحفظ المرهون وبقائه ضمانا للدائن , وتأمينا لمصلحته , فيقوم هذا مقام القبض المطلوب شرعا.
وهذا ما أقره المالكية من جواز الرهن الرسمي , بالإضافة لمشروعية الرهن الحيازي المتفق عليه بين الفقهاء.


المغني (4 / 371)
والقبض في الرهن من وجهين , فإن كان مما ينقل فقبض المرتهن له أخذه إياه من راهنه منقولا , وإن كان مما لا ينقل كالدور والأرضين فقبضه بتخلية راهنه بينه وبين مرتهنه لا حائل دونه.
فالقبض في الرهن كالقبض في البيع والهبة , فإن كان منقولا فقبضه نقله أو تناوله , وإن كان أثمانا أو شيئا خفيفا يمكن قبضه باليد فقبضه تناوله بها , وإن كان مكيلا رهنه بالكيل , أو موزونا رهنه بالوزن. . .
وإن كان الرهن غير منقول كالعقار والثمرة على الشجرة فقبضه التخلية بين مرتهنه وبينه من غير حائل بأن يفتح له باب الدار أو يسلم إليه مفتاحها.

البدائع (4 / 2723)
القبض عبارة عن التخلية وهو التمكن من إثبات اليد , وذلك بارتفاع الموانع , وإنه يحصل بتخلية الراهن بين المرهون والمرتهن , فإذا حصل ذلك صار الراهن مسلما والمرتهن قابضا. . . . وروي عن أبي يوسف إنه يشترط معه النقل والتحويل , فما لم يوجد لا يصير قابضا.
ويرد على ذلك بأن التخلي في باب البيع قبض بالإجماع من غير نقل وتحويل دل أن التخلي بدون النقل والتحويل قبض حقيقة وشريعة فيكتفى به.

حاشية الدسوقي (3 / 231)
ليس المقصود بالإعطاء والقبض الإعطاء أو القبض الحسي بل المعنوي وذلك يحصل بالعقد أي بالإيجاب والقبول.

الدر المختار ورد المحتار (5 / 340 - 341)
والتخلية بين الرهن والمرتهن قبض حكما على الظاهر كالبيع , أي ظاهر الرواية وهو الأصح كما قال ابن عابدين.
وعن أبي يوسف أنه لا يثبت في المنقول إلا بالنقل , هداية.
والتخلية هي رفع الموانع والتمكين من القبض.

المنهاج ومغني المحتاج (2 / 128)
والمراد بالقبض: المعهود في البيع , ولا بد أن يكون القبض والإقباض ممن يصح منه عقد الرهن , فلا يصح شيء منهما من غيره كصبي ومجنون ومحجور سفه.

كشاف القناع (3 / 317 , 318)
فإن كان الرهن منقولا فقبضه نقله كالحلي أو تناوله إن كان يتناول كالدراهم ونحوها , موصوفا كان الرهن أو معينا , كعبد وثوب وصبرة , وإن كان الرهن مكيلا فقبضه بذرعه , أو كان معدودا فقبضه بعده , وإن كان الرهن غير منقول كعقار من أرض وبناء وغراس , وكثمر على شجر , وزرع في أرض , فقبضه بالتخلية بينه وبين مرتهن من غير حائل , لأنه المتعارف في ذلك كله , كما في البيع.
ولو رهنه دارا , فخلى الراهن بين المرتهن وبينهما , وهما فيها , ثم خرج الراهن منها , صح القبض , لوجود التخلية.
والرهن قبل قبضه جائز غير لازم , لعدم وجود شرط اللزوم وهو القبض.


وضع الرهن عند عدل
ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز اتفاق الراهن والمرتهن على وضع المال المرهون عند عدل يرتضيانه , فيكون وكيلا عنهما , ويتصف بصفة الأمانة باعتباره نائبا عن الراهن , وصفة الضمان باعتباره نائبا عن المرتهن.
ويجب على العدل حفظ الرهن , وليس له الانتفاع بالمرهون.
وهو ينعزل كالوكيل عن الراهن عند جماعة , ولا ينعزل عند الحنفية إذا عين في عقد الرهن , ولا عند المالكية لتعلق حق المرتهن.


يتولى قبض الرهن المرتهن أو وكيله ولا يصح أن يكون وكيله هو الراهن , لأن المقصود من القبض تأمين المرتهن , ولا يتم القبض مع بقاء الرهن في يد الراهن.

ويجوز أن يتفق الراهن والمرتهن على أن يوضع الرهن عند شخص يختارانه , فيقبضه ويحفظه عنده ويسمى بالعدل , لأن الراهن قد يكره وضعه عند المرتهن , والمرتهن قد يكره وضعه عنده , خوف الضمان إذا تلف , أو لسبب آخر.
فالعدل هو الذي يثق الراهن والمرتهن بكون الرهن في يده لحفظه وحيازته , ويعتبر نائبا عن الراهن والمرتهن جميعا.
أما الراهن فلقيامه على حفظ المرهون باختيار الراهن وثقته به واطمئنانه إلى أمانته.
وأما المرتهن فيعد العدل وكيلا عنه في القبض برضا المرتهن , بل إنه يعد احتباسه للرهن استيفاء عن الراهن للدين من وجه.
فإذا قبض العدل الرهن صح قبضه , ولزم الرهن به عند جمهور الفقهاء لأنه قبض في عقد , فجاز فيه التوكيل كسائر أنواع القبض وكان العدل وكيلا من المرتهن في القبض بالنسبة لمالية الرهن بصفة الضمان , وإن كان وكيلا أيضا عن الراهن بالنسبة لعين الرهن بصفة الأمانة , ويد الضمان غير يد الأمانة.
وعليه يكون للعدل أو الأمين صفتين: صفة الأمانة باعتباره نائبا عن الراهن المالك , وصفة الضمان باعتباره نائبا عن المرتهن.
وبما أن العدل وكيل عن الراهن والمرتهن , فيشترط فيه ما يشترط في الوكيل , فلا يكون صغيرا غير مميز , ولا محجورا عليه لجنون أو عته عند جميع الفقهاء , كما لا يكون صبيا مميزا ولا محجورا عليه لسفه عند الجمهور غير الحنفية.

ويجب على العدل أن يحفظ الرهن كما يحفظ ماله , فيحفظ بنفسه أو بواسطة من يحفظ ماله عنده , لأنه في الحفظ بحكم وديعة.
وعليه أن يبقيه تحت يده , فليس له أن يدفعه إلى الراهن أو إلى المرتهن إلا بإذن الآخر , لاتفاقهما على وضع الرهن تحت يده , وعدم رضا كل منهما عن حفظ الآخر له , فإذا سلمه كان ضامنا.
وليس له أن ينتفع بالرهن , ولا أن يتصرف فيه بالإجارة أو الإعارة أو الرهن , لأن الواجب عليه الإمساك , وليس له حق الانتفاع والتصرف.
وذهب الشافعية والحنابلة بأن العدل ينعزل بعزل الراهن له , سواء اشترط تعيينه في عقد الرهن أم بعده لأنه وكيله , والوكالة عقد جائز غير لازم فلا يجبر الراهن على إبقائها.
ولكن لا ينعزل عندهم بعزل المرتهن , لأنه ليس وكيلا له.
ويرى الحنفية أنه إذا كان تعيين العدل عقب الرهن , فللراهن عزله , ولا ينعزل فيما إذا كان التعيين في نفس عقد الرهن.
وقال الإمام مالك أيضا: لا ينعزل العدل بعزل الراهن , لأن وكالته صارت من حقوق الرهن , فلم يكن للراهن إسقاطه كسائر حقوقه.
وخلافا لما ذهب إليه الجمهور من جواز وضع الرهن عند عدل , قال بعض العلماء كابن أبي ليلى وزفر وقتادة لا يصح قبض العدل , لأن القبض من تمام العقد , فوجب أن يقوم به أحد العاقدين , وهو المرتهن , كالقبول والإيجاب.


المغني (4 / 373)
وإذا تشارطا أن يكون الرهن على يدي عدل صارر مقبوضا , وجملته أن المتراهنين إذا شرطا كون الرهن على يدي رجل رضيا به واتفقا عليه جاز , وكان وكيلا للمرتهن نائبا عنه في القبض , فمتى قبضه صح قبضه في قول جماعة الفقهاء منهم عطاء وعمرو بن دينار والثوري وابن المبارك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي , وقال الحكم والحارث العكلي وقتادة وابن أبي ليلى لا يكون مقبوضا بذلك لأن القبض من تمام العقد فتعلق بأحد المتعاقدين الإيجاب والقبول.

مغني المحتاج (2 / 133)
ولو شرطا وضعه عند عدل جاز , لأن كلا منهما قد لا يثق بصاحبه.

المجلة (م752)
يد العدل كيد المرتهن , يعني لو اشترط الراهن والمرتهن إيداع الرهن عند من ائتمنه , ورضي الأمين , وبقبضه يتم الرهن ويلزم , ويقوم ذلك الأمين مقام المرتهن.

المجلة (م753)
لو اشترط حين العقد قبض المرتهن الرهن , ثم لو وضعه الراهن والمرتهن بالاتفاق في يد عدل يجوز.

المجلة (م753)
إذا كان الدين باقيا , فليس للعدل أن يعطي الرهن إلى الغير , ما لم يكن لأحد الراهن أو المرتهن رضا , وإذا أعطاه فله صلاحية استرداده وإذا تلف قبل الاسترداد , فالعدل يضمن قيمته.

المجلة (م 755)
إذا توفي العدل يودع الرهن عند عدل غيره بتراضي الطرفين , وإن لم يحصل بينهما الاتفاق , فالحاكم يضعه في يد عدل.

وفي التقنين المالكي بالأزهر (م139)
إذا سلم الأمين الرهن الموضوع تحت يده للراهن أو للمرتهن بدون إذن الآخر , فتلف الرهن عند من سلمه له منهما , كان الأمين ضامنا له. ويترتب على هذا الضمان: أنه في حالة تسليمه للراهن يدفع للمرتهن الأقل من دينه أو قيمة الرهن , ويرجع بما دفعه على الراهن. وفي حالة تسليمه للمرتهن يسقط دينه عن الراهن إن كانت قيمة الرهن مساوية لدينه , ولا شيء على الأمين. فإن كانت قيمته أقل من دينه حط عن الراهن من الدين بقدرها , ولا غرم على الأمين , وإن كانت أزيد منه دفع الأمين الزيادة للراهن , ورجع بها على المرتهن.

وفي التقنين الشافعي (م 183) :
إذا شرط الراهن والمرتهن وضع المرهون عنه عند عدل أو أكثر جاز الشرط , وينفذ ما اتفقا عليه. وإذا مات العدل الموضوع عنده المرهون أو فسق , جعلاه عند من يتفقا عليه , فإن تشاحا فيه , وضعه الحاكم عند عدل يراه.

مجلة الأحكام الحنبلية (1008)
يصح جعل الرهن بيد عدل باتفاق المتراهنين , فلا ينقل من يده مع بقاء حاله إلا باتفاقهما , ويصح جعله بيد عدلين فأكثر , فيجعل في مخزن عليه لكل منهما قفل , ولا ينفرد أحدهما بحفظه.

مجلة الأحكام الحنبلية (م1009)
العدل وكيل المرتهن في القبض أو الحفظ , فيلزم الرهن بقبضه إذا كان جائز التصرف , أما إذا كان العدل صبيا أو مجنونا أو سفيها , فقبضه وعدمه سواء.
مجلة الأحكام الحنبلية (م1010)
للعدل رد الرهن على المتراهنين , وعليهما قبوله , فإن امتنعا أجبرا , فإن أصرا على الامتناع أو تغيبا أو تغيب أحدهما , نصب الحاكم أمينا يقبضه لهما ويحفظه.

مجلة الأحكام الحنبلية (م 1011) ليس للعدل رد الرهن إلى أحد المتراهنين دون إذن الآخر , فان فعل ذلك , ففات حق أحدهما , ضمنه.

مجلة الأحكام الحنبلية (1012)
إذا مات العدل أو فسق أو ضعف عن حفظ الرهن أو حدث بينه وبين أحد المتراهنين عداوة , فإن اتفقا على وضعه بيد آخر عمل به , وإلا جعله الحاكم بيد أمين.

مجلة الأحكام الحنبلية (1013)
ليس للعدل دفع الرهن لأمين آخر إلا إذا غاب المتراهنان مسافة القصر , وكان للعدل عذر من مرض أو سفر أو نحوه , ولم يجد حاكما , فله دفعه إلى ثقه.

مجلة الأحكام الحنبلية (م 1015)
ليس للعدل بيع الرهن إلا بإذن المتراهنين , وهو كالوكيل في وجوب الاحتياط , وليس له البيع دون ثمن المثل , ولا البيع بالنسيئة , ومتى خالف فسد بيعه.

مجلة الأحكام الحنبلية (م 1016)
للعدل المأذون بالبيع أن يبيع بما عين من النقود فإن لم يعين نوعها باع بنقد البلد أو بأغلبه رواجا إن تعدد , فإن استوت في الرواج باع بجنس الدين.

مجلة الأحكام الحنبلية (م 11017)
الرهن أمانة في يد العدل , وكذا ثمنه , فتلفه بيده , بلا تعد ولا تفريط , من ضمان الراهن.


رهن الدين
يجوز عند المالكية للشخص أن يرهن ماله من دين في ذمة المدين في مقابل دين عليه (رهن الدين من المدين)
ويجوز له أن يرهن ماله من دين في ذمة شخص في مقابل دين عليه لشخص آخر غير المدين في العلاقة الأولى (رهن الدين من غير المدين) .


أجاز المالكية دون غيرهم رهن الدين.
الحنفية: لا يجوز رهن الدين لأنه ليس مالا , لأن المال عندهم لا يكون إلا عينا , ولا يتصور فيه القبض , والقبض لا يكون إلا للعين.
فلو كان خالد دائنا لعمر مئة دينار , وعمر دائن لخالد بمئة رطل حنطة (بر) لم يجز لعمر أن يجعل دينه من الحنطة رهنا عند خالد بدينه الذي يستحقه قبل عمر , فهذا رهن الدين عند المدين , حيث جعل الدين الذي للدائن رهنا في الدين الذي عليه.
ويوافقهم الشافعية والحنابلة في الأصح , حيث إنهم شرطوا كون المرهون عينا يصح بيعها , فلا يصح رهن دين ولو ممن هو عليه , أو من هو عنده , لأنه غير مقدور على تسليمه.
لكن امتناع رهن الدين عند الشافعية هو في حالة جعل الدين رهنا ابتداء , أما في حالة البقاء فلا مانع من الرهن , كضمان المرهون عند الجناية عليه , فبدله في ذمة الجاني يكون رهنا بالدين على الأرجح , لأن الدين قد يصير رهنا ضرورة في البقاء , حتى امتنع على الراهن أن يبرئه منه , بلا رضا المرتهن.

ورأي المالكية: أنه يجوز رهن كل ما يباع ومنه الدين لجواز بيعه عندهم , فيجوز رهنه من المدين ومن غيره.
وقد ذكرنا صورة رهنه من المدين.
أما صور رهنه من غير المدين: أن يكون لخالد دين عند عمر , ولعمر دين على أحمد , فيرهن عمر دينه الثابت له في ذمة أحمد لدى خالد بدينه الثابت له في ذمته (أي ذمة عمر) والطريقة: هي أن يدفع له وثيقة الدين الذي على أحمد , حتى يوفيه دينه.
جاء في تقنين الإمارات تنظيم رهن الدين المستمد من الفقه المالكي
ففي (م1491) : (من رهن دينا له يلزمه أن يسلم إلى المرتهن السند المثبت لهذا الدين) .
وفي (م 1492) : (لا يكون رهن الدين نافذا في حق المدين إلا بإعلان هذا الرهن إليه أو بقبوله له.
ولا يكون نافذا في حق غير المدين إلا بحيازة المرتهن لسند الدين المرتهن.
وتحسب للرهن مرتبة من التاريخ الثابت للإعلان أو القبول) .

وجاء في المذكرة الإيضاحية: والرأي بعدم جواز رهن الدين لاحتمال الغرر مردود , مع قيام النصوص بضرورة توثيق سند الدين , وإعلان المدين , ومع قيام ضمانات عدم التغرير , ومثال ذلك رهن سندات على الدولة , وهي الدين على الدولة , ولا خلاف في قوة ضمانها وانتفاء التغرير , وتقاس عليها الأسهم والسندات والديون المتداولة في المعاملات.

ويقع رهن الدين باعتباره منقولا , وتتغير أحكامه بما يتفق وطبيعة الدين , فيتم باتفاق الراهن والمرتهن , وقبض الأخير لسند الدين , على أن يثبت الاتفاق بسند موثق , ولا يعتبر نافذا إلا بإعلان المدين أو بقبوله سندا ثابت التاريخ , كما هو الأمر في حوالة الدين , على أن تحسب مرتبة الرهن من تاريخ الإعلان أو تاريخ قبول المدين.
ولا يكون نافذا في حق الغير إلا بحيازة المرتهن سند الدين شأن رهن المنقول حيازيا.

أما في السندات الرسمية أو الإذنية , فإن الرهن يتم بالطريقة القانونية لحوالتها على أن يذكر أن الحوالة تمت على سبيل الرهن , وتعتبر السندات لحاملها كالمنقولات المادية , وتجري عليها أحكامها , ويشترط في الدين حتى يمكن رهنه أن يكون قابلا للحوالة أو الحجز , فلا يجوز رهن دين النفقة , أو معاش التقاعد أو الديون التي لا يجوز الحجز عليها.

وجاء في مواهب الجليل للحطاب (5 / 4) : وذكر في التوضيح وغيره أن رهن الدين يصح ولو على غائب , ويكفي في حوزه الإشهاد , والظاهر هنا الصحة أيضا , والله أعلم.
يتبين من هذا أنه في صورة رهن الدين من غير المدين لا بد فقها من قبض وثيقة الحق , والإشهاد على حيازتها.

أما صورة رهن الدين من المدين فيشترط لصحتها , سواء أكان الدينان من قرض أو بيع , أن يكون أجل الدين المرهون هو أجل الدين المرهون به أو أبعد منه , بأن يحل الدينان في وقت واحد , أو يحل دين الرهن بعد حلول الدين المرهون به.
أما إذا كان أجل حلول الدين المرهون أقرب , أو كان الدين المرهون حالا , فرهنه لا يصح , لأنه يؤدى إلى إقراض نظير إقراض , إن كان الدينان من قرض , وإلى اجتماع بيع وسلف إن كانا من بيع , لأن بقاء الدين المرهون بعد أجله عند المدين به , يعد سلفا في نظير سلف الدين المرهون به.
وإذا كان الدينان من بيع , فبقاء الدين المرهون يعد سلفا مصاحبا للبيع , وهو ممنوع عند المالكية.


رهن العين المؤجرة أو المعارة
يجوز للمدين رهن المأجور والمعار باعتباره هو المالك , عند المستأجر والمستعير أو عند غيرهما.
ويبقى العقد السابق قائما بالاتفاق إن كان المرهون له هو المستأجر والمستعير , ويبطل العقد السابق إن كان الرهن لغير المستأجر والمستعير , ولم يكن بإذن المستأجر عند الشافعية.


يجوز أئمة المذاهب رهن المدين مالا له , ولو كان مأجورا أو مستعارا على النحو التالي
يرى الحنفية: أنه يجوز رهن المستعار والمستأجر عند المستعير أو المستأجر , وينوب قبض العارية وقبض الإجارة مناب قبض الرهن , إلا أنهم قرروا إذا اتفق المتراهنان على الرهن , تبطل الإجارة والإعارة , فلا يبقى في يد المرتهن مستأجرا ولا مستعارا , ويصح الرهن , إذ لا يجتمع على عين واحدة في الوقت واحد إجارة ورهن.

وإذا طرأت الإجارة على الرهن , بطل الرهن , وصحت الإجارة لأن الرهن عقد غير لازم والإجارة عقد لازم.
وعبارة المالكية: تتضمن جواز رهن العين المستأجرة , فإن رهنها مؤجرها عند مستأجرها بدين له عليه , ناب القبض السابق لها بعقد الإجارة عن قبض الرهن.
وإن رهنها عند غير مستأجرها بدين له عليه , جاز إذا عين الدائن المرتهن أمينا ليلازم مستأجرها , يكون قبضه وحيازته , بدلا عن قبض المرتهن وحيازته , لأن قبض المستأجر إنما كان لنفسه , فلا يقوم قبضه مقام قبض المرتهن.

ويلاحظ أن الأرض في يد المزارع , والبستان في يد المساقي , يجوز رهنهما كالعين المستأجرة.
وأجازه الحنابلة أيضا رهن المأجور أو المعار أو الوديعة أو المغصوب , وينوب القبض السابق مناب قبض الرهن , ولا حاجة لتجديد القبض , كما تقدم.
وكذلك الشافعية أجازوا رهن العين المستأجرة أو المستعارة والوديعة , بشرط مضي زمان يتأتى فيه القبض , فإن رهنها لدى المستأجر والمستعير , بقي الرهن لبقاء يد المرتهن , وعدم المنافاة بين كونه مستأجرا وكونه مرتهنا.
وإن رهنها عند غير المستأجر أو المستعير , صح إذا رضي به المرتهن عدلا (أمينا) فيبقى في يد المستأجر والمستعير , على اعتبار أنه أمين عن كل من عاقدي الرهن , ويظل الرهن أيضا.
وإن لم يرض المرتهن بالمستأجر أو بالمستعير عدلا , ينظر: فإن كان الرهن بإذن المستأجر بطلت الإجارة , وإن كان بغير إذنه بطل الرهن , وأما العارية فهي عقد غير لازم , فإذا رهن المستعار , فسخت الإعارة.


رهن العين المستعارة أو المستأجرة
يجوز رهن العين المستعارة أو المستأجرة للرهن , وينطبق عليها أحكام ضمان العارية والعين المستأجرة بحسب آراء المذاهب.
وللمعير عند الجمهور طلب فكاك العارية , خلافا للمالكية في العارية المقيدة , وليس للمؤجر فك المأجور قبل انتهاء مدة الإجارة.


في هذه الحالة الراهن غير مالك للعارية , وإنما يرهن مستعارا مملوكا لغيره.
ويجوز بالاتفاق للإنسان أن يستعير مال غيره , ليرهنه بإذن مالكه في دين عليه , لأن مالكه متبرع حينئذ بإثبات اليد أو الحيازة عليه , والمالك حر التصرف بملكه , فله إثبات ملك العين واليد معا عن طريق الهبة مثلا.
كما له إثبات اليد فقط بالإعارة للرهن.
وفي حالة الإذن من المالك بالرهن , قال الحنفية للمستعير عند اطلاق المعير وعدم تقييده بشيء أن يرهن العارية عند من يشاء , وبأي دين أراد , وفي أي بلد أحب.
وهو مذهب الشافعية أيضا.
أما إذا قيده بقيود فإنه يتقيد بها , فإن خالف في شيء من هذه القيود , فهو ضامن لقيمته إذا هلك لأنه بهذه المخالفة يصير غاصبا , وكان الرهن باطلا , لأنه وقع على مال مغصوب.
وكذلك قال المالكية: إن خالف المستعير قيود المعير , فهلكت العارية أو سرقت أو نقصت , ضمن المستعير مطلقا لتعديه , ولو لم تتلف العارية , فللمعير ردها وتبطل الإعارة.
ويتقيد المستعير عند الشافعية والحنابلة بقيود المعير , إلا أنهم قالوا: إذا قيده بمقدار من الدين فرهنه بأقل منه , لم يكن مخالفا لأن الإذن بما زاد يعتبر إذنا بما نقص عنه , وليس في النقص ضرر لأن الرهن عندهم أمانة في يد المرتهن.
انتفاع المستعير بالعارية:
هذا ويعتبر مستعير العارية لرهنها وديعا قبل الرهن لا مستعيرا , لأنه غير مأذون له إلا بالرهن , فليس له أن ينتفع بالعارية , لا قبل رهنها ولا بعد فكاكها , فإن فعل ضمن لأنه لم يؤذن له إلا بانتفاع على وجه خاص وهو رهنها.
نوع ضمان هلاك العارية لرهنها:
إذا قبض المستعير العارية لرهنها فهلكت في يده قبل رهنها , أو هلكت في يده بعد فكاكها لم يضمنها , لأنها هلكت وهي مقبوضة قبض العارية لا قبض الرهن , وقبض العارية قبض أمانة لا قبض ضمان عند الحنفية.
وذلك بخلاف المالكية والشافعية والحنابلة في أظهر القولين عندهم , فإن العارية مضمونة مطلقا عند الحنابلة وفيما إذا كانت مما يغاب عليه (يمكن إخفاؤه) عند المالكية , وفي أثناء الاستعمال غير المأذون فيه عند الشافعية.

وإذا هلكت العارية عند المرتهن , فليس لمالكها عند الحنفية إلا ما كان مضمونا منها , وهو الأقل من قيمتها ومن الدين.
وإذا كان الدين هو الأقل , فلا يرجع المالك على المستعير بالزيادة , لأن العارية أمانة , وهي لا تضمن إلا بالتعدي.
وقال المالكية: يرجع المالك على المستعير بقيمة العارية يوم استعارها.
وقال الشافعية والحنابلة في أظهر القولين: إذا تلفت العارية لدى المرتهن من غير تعد , ضمن المستعير (الرهن) قيمتها يوم تلفها , لأن العارية مضمونة مطلقا عند الحنابلة , ومضمونة أحيانا عند المالكية والشافعية كما تقدم.
طلب المعير فكاك العارية من الرهن
إذا رهن المستعير العارية , كان لمالكها أن يطلب من الراهن فكاكها في أي وقت شاء عند الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة) لأن العارية عندهم عقد غير لازم , وللمستعير أن يستردها متى شاء , ولو كانت مقيدة بوقت.
فإن افتكها الراهن ردها إلى مالكها , وإن عجز عن فكاكها كان لمالكها أن يفتكها تخليصا لحقه , ويرجع بجميع ما أداه للمرتهن على المستعير.
وذهب المالكية في الراجح لديهم: إلى أن للمعير الرجوع في الإعارة لمطلقها متى أحب وليس له الرجوع في العارية المقيدة بالشرط أو العرف أو العادة.

الاستئجار للرهن
وإذا جاز استعارة عين لترهن , جاز كذلك استئجارها لترهن.
وإذا هلكت بلا تعد فلا ضمان , لأن المستأجر أمانة غير مضمونة في يد المستأجر اتفاقا , وليس للمؤجر فكها قبل انتهاء مدة الإجارة.


المجلة (م 726) :
يجوز أن يستعير أحد مال آخر , ويرهنه بإذنه , ويقال لهذا: الرهن المستعار.

المجلة (م 727) :
إذا كان إذن صاحب المال مطلقا , فللمستعير أن يرهنه بأي وجه شاء.

المجلة (م728) :
إذا كان إذن صاحب المال مقيدا بأن يرهنه في مقابل كذا درهم , أو في مقابل مال جنسه كذا , أو عند فلان أو في البلد الفلانية , فليس للمستعير أن يرهنه إلا على وفق قيده وشروطه.

الشرح الكبير (3 / 238)
صح رهن الشيء المستعار بمعنى الارتهان , فإن وفى الراهن ما عليه رجع الرهن لربه , وإلا بيع في الدين , ورجع صاحبه: وهو المعير , بقيمته على المستعير يوم الاستعارة , وقيل: يوم الرهن , أو يرجع بما أدى من ثمنه الذي بيع به في الدين قولان.
وضمن المستعير إن خالف ورهن في غير ما استعار له لتعديه , كدراهم , فرهنه في طعام , أو عكسه , أي تعلق به الضمان , ولو لم يتلف , أو قامت على تلفه بينة , وللمعير أخذه من المرتهن , وتبطل العارية.

مغني المحتاج (2 / 129)
لا يبرأ المستعير بالرهن , وإن منعه المعير الانتفاع.
ويجوز له الانتفاع بالمعار الذي ارتهنه لبقاء الإعارة , وان رجع المعير فيه , امتنع ذلك عليه.

مجلة الأحكام الشرعية الحنبلية (م1033)
يصح رهن المأجور والمعار بإذن المالك , ولا يشترط لذلك علم المالك بقدر الدين ولا نوعه ولا وصفه , ولا معرفته بالمرتهن , لكن لو أذن المالك في رهنه في قدر معلوم فرهنه في أكثر منه صح في القدر المأذون فيه دون الزائد , أما لو أذن في رهنه بنوع خاص أو بموصوف أو لدى شخص معروف , فخالف ذلك لم يصح الرهن.

وفي (م1034) :
للمؤجر والمعير الرجوع في إذنه قبل لزوم الرهن أما بعد لزومه بقبض المرتهن فلا يصح رجوعه

وفي (م1035) :
من أجر عينا لأجل رهنها , لا يملك فسخ الإجارة والرجوع قبل مضي مدة الإجارة.
وفي (م1036) :
من أعار عينا لرهنها يملك فسخ الإجارة ومطالبة المستعير بفكه وتسليمها إليه مطلقا , ولو قبل حلول الدين.

وفي (1037) :
الرهن المؤجر أو المعار كالرهن المملوك بالنسبة للأحكام المتعلقة بتوثقة المرتهن , فله حفظه بيده ومنع المالك والراهن من الانتفاع والتصرف فيه , ويباع إذا لم يقض الراهن الدين.

وفي (م1038) :
إذا بيع الرهن المؤجر أو المعار في وفاء الدين , رجع المالك على الراهن بالمثل في المثليات , وبالقيمة يوم البيع في المتقومات.

وفي (م1039) :
إذا تلف الرهن المؤجر أو المعار بتعد أو تفريط , ضمن الراهن لمالكه البدل , أما إذا تلف بلا تعد ولا تفريط , ضمن الراهن المعار دون المؤجر.

وفي (م 1040) : إذا فك المؤجر أو المعير الرهن وأدى الدين بإذن الراهن أو بدون إذنه , ناويا الرجوع عليه , رجع بما أداه , أما إذا لم ينو رجوعا فلا رجوع له , كما لو نوى التبرع.


رهن العين المرهونة
يجوز عند جمهور الفقهاء غير الحنفية تعدد الرهن على أجزاء المرهون , ويطبق حينئذ أحكام رهن المشاع.
أما تعدد الرهن على المرهون كله فهو غير جائز عند الجمهور , وذهب المالكية إلى جوازه إن كانت قيمته تزيد على قيمة الدين.


الرهن إما إن يقع على بعض الشيء أو على كله , وفي الحالتين يتعدد الرهن:
أ - فإن وقع الرهن على بعض الشيء , ثم رهن البعض الآخر طبقت أحكام رهن المشاع.
فيرى الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) المجيزون رهن المشاع: أنه إذا كان الرهن على جزء من عين على الشيوع بدين , جاز رهن الجزء الباقي منها شائعا بذلك الدين , أو بدين آخر , لنفس الدائن المرتهن الأول أو لغيره.
لكن إذا كان الرهن لشخص آخر غير المرتهن الأول , لزم رضا الثاني بيد المرتهن الأول , أو أن يحدث اتفاق جديد بين الثلاثة (الراهن والمرتهن الأول والثاني) على وضع الرهن تحت يد عدل.
ويرى الحنفية الذين لا يجيزون رهن المشاع أصلا: أنه لا يصح هذا الرهن , إلا إذا أفرزت العين أو قسمت , وسلمت غير مشغولة بغيرها.

ب - وأما رهن الشيء كله بدين , وأريد رهنه بدين آخر فلا يجوز الرهن الثاني عند الحنفية والشافعية والحنابلة لأن فيه مساسا بحق المرتهن الدائن , لأن مالية المرهون له , فلا يكون لغيره أن يتعلق حقه به.
لكن إذا أجاز المرتهن الأول الرهن الثاني نفذ , وبطل ارتهانه الشيء , وبطل ارتهانه أيضا إذا رهن الشيء وهو بدين عليه , بإذن مالكه , ويصير رهنا بدينه , ويكون حكمه حكم رهن الشيء المستعار للرهن.
أما إذا رهنه المرتهن الأول بدون إذن مالكه الراهن , كان رهنه غير صحيح , وكان للمالك إعادة الشيء إلى يد المرتهن الأول كما كان.
وذهب المالكية إلى أنه يجوز رهن العين المرهونة إذا كانت قيمتها تزيد على قيمة الدين , فيكون الراهن الجديد لتلك الزيادة , ويكون الدين الثاني المتعلق بالمرهون في المنزلة الثانية , فإذا بيعت العين في الدين يوفي الدين الأول , والباقي يوفى به الدين الثاني.
وبه نرى أن حق الدائن الأول لم يمس , فلا يتوقف نفاذ الرهن الثاني على أجازته.
وعليه يجوز تعدد الدائنين على مرهون واحد: أي أن يكون المرهون رهنا حيازيا ضامنا لأكثر من دين بمرتبة واحدة , بشرط أن يتم رهنه بعقد واحد , ويكون كله مرهونا عند كل من الدائنين مقابل دينه.
فقد جاء في المجلة (م270) : (يجوز أن يأخذ الدائنان من المديون رهنا إن كانا مشتركين في الدين أولا , وهذا الرهن يكون مرهونا في مقابل مجموع الدينين) .
وجاء في شرح المجلة لهذه المادة أنه يشترط لتعدد الدائنين على رهن واحد شرطان:
الأول , وحدة العقد.
والثاني , ألا ينص على تبعيض الرهن , وإلا كان فاسدا.
ولا يتجزأ الرهن في هذه الحالة , فلو أوفى الراهن دين أحد الدائنين كاملا , فإنه لا يسترد شيئا من الرهن , ولو بقي جزء من دين الآخر.
ويجوز اتفاقا أن تتعدد الرهون في دين واحد , سواء وقعت الرهون في وقت واحد , أو في أوقات متعددة , زيادة في توثيق الدين.


تعلق الدين بالمرهون
الرهن حق لا يتجزأ , فإذا رهنت عين بدين , تعلق الدين بجميع أجزاء العين المرهونة أو بجميع وحداتها , فإذا سقط جزء من الدين بإبراء أو وفاء مثلا , ظل باقيه متعلقا بجميع العين المرهونة.
وهذا المبدأ متفق عليه بين الفقهاء , لكنهم اختلفوا في تطبيقه في حالة تعدد العقد وعدم تعدده.


المبدأ العام في تعلق الدين بالرهن هو عدم تجزئة الرهن عند الوفاء بجزء من الدين , أو أن الرهن حق لا يتجزأ , فإذا رهنت عين بدين , تعلق الدين بجميع أجزاء العين المرهونة أو بجميع وحداتها , كما أنها هي رهن بجميع أجزاء الدين.

فإذا سقط جزء من الدين بإبراء أو وفاء مثلا , ظل باقيه متعلقا بجميع العين المرهونة , أي يبقى الرهن حتى يتم الوفاء بكل الدين , وبناء عليه , يكون الرهن مرهونا مقابل مجموع الدين , لأنه أضيف إلى مجموع الدين بصفة واحدة , فلا يكون نصف الرهن مقابل نصف الدين.
والدين الذي تعلق بالرهن: هو الذي جعل المال رهنا به فقط , ولا يتعلق غيره من الديون بالمرهون.
وعلى أساس هذا التعلق , يثبت حق الحبس للمرتهن , فله حبس جميع المرهون , حتى يوفى بكل الدين , سواء أكان المال شيئا أم عدة أشياء.

وهذا المبدأ أو الأصل متفق عليه بين الفقهاء , لكنهم اختلفوا في تطبيقه في حالة تعدد العقد وعدم تعدده:
فذهب الحنفية: إلى أن اتحاد العقد يقوم على اتحاد الصيغة , فإذا اتحدت الصيغة اتحد العقد , سواء أكان الرهن في دين واحد أم أكثر , فلو وفي المدين أحد الديون , لا يسترد ما يقابله من المرهون , سواء اتحد المرهون أم تعدد.
ولو وفي الراهن ما يقابل أحد الأعيان المرهونة لا يسترده , حتى ولو سمي في عقد الرهن لكل عين مرهونة حصة من الدين , لأن العقد واحد ولا يتعدد بالتسمية.
وسواء تعدد الراهن (كأن يرهن مدينان شيئا عند دائن) أو تعدد المرتهن (بأن كانا شريكين أو كان لكل واحد منهما دين مستقل على الراهن) .
فإذا اتحد العقد , لا يتحرر شيء من الرهن لأن الرهن محبوس بجميع الديون , أو بجميع الدين.
وإذا تعدد العقد بتعدد الصيغة , يتحرر من الرهن ما يقابله.
وارتأى المالكية: أنه يتعدد العقد بتعدد كل من الراهن والمرتهن , أو بتعدد أحد الطرفين.
ويكون عقد الرهن واحدا إذا كان كل من الراهن والمرتهن واحدا.
فإذا اتحد عقد الرهن , يكون جميع المرهون رهنا بما بقي من الدين بعد وفاء بعضه , لأن كل جزء من المرهون رهن بكل جزء من الدين.
وإذا تعدد الرهن بأن كان الراهن اثنين والمرتهن واحدا , فوفي أحد الرهنين ما عليه من دين , استرد حصته.
أو كان الراهن واحدا والمرتهن متعددا , فوفى الراهن أحد الدائنين , فإنه يسترد من الرهن ما قابلها.
ولكن في هذه الحالة الأخيرة إذا كان المرهون مما لا ينقسم ووفى أحد الدائنين , يجعل الرهن تحت يد أمين , أو تبقى الحصة في يد المرتهن أمانة.
ووافق الحنابلة المالكية , فقالوا يتعدد العقد بتعدد الموجب أو القابل , فإذا كان الموجب اثنين والقابل واحدا , نشأ عقدان.
وإذا كان الموجب واحدا والقابل اثنين , نشأ أيضا عقدان.
وإذا كان كل من الموجب والقابل اثنين , نشأ أربعة عقود. ويكون عقد الرهن واحدا إذا كان من الراهن والمرتهن واحدا , سواء أكان الدين واحدا أم متعددا.
فإذا وفى المدين بعض الدين , أو وفى دينا من الديون , لم يكن له أن يسترد ما يقابله من الرهن.
وإذا تعدد الراهن , فمن وفي دينه خرجت حصته من الرهن.
وإذا تعدد المرتهن , فوفى الراهن أحد الدائنين خرجت حصته من الرهن واستردها الراهن.
وقرر الشافعية: أنه يتعدد الرهن ويتحد بتعدد الدين ووحدته , والغالب أن يتعدد الدين بتعدد العاقدين , ولو اتحد وكيلهما , بخلاف البيع , والعبرة فيه بتعدد العاقد المباشر للعقد , ولو وكيلا , لأن المال المرهون وثيقة بالدين , فإذا تعدد الدين تعددت الوثيقة , وتعدد الدائن أو المدين يستلزم تعدد الدين غالبا.
أما البيع فهو عقد ضمان , فكان النظر فيه لمن باشره.
فالمناط عندهم هو تعدد الدين وعدم تعدده , ويتعدد الدين بتعدد المدين أو الدائن غالبا , ويتحد بعدم تعددهما , أو بكون الدين مشتركا ولوكان اثنين , وهذه الحالة الأخيرة هي التي تفرق مذهب الشافعية عن مذهبي المالكية والحنابلة.
وبناء عليه , لو رهن شخص دارا عند دائنين , ثم وفي دين أحدهما , انفك من الرهن ما يقابل هذا الدين من المرهون , لتعدد الدين بسبب تعدد الدائن , بشرط أن يختص أحد الدائنين بما يقبضه , فإن شاركه فيه الآخر لم ينفك شيء من الرهن لعدم وفاء الدين على التمام.
ولو استعار مالا من اثنين ليرهنه , ثم أدى نصف الدين , انفك نصف المال المرهون.
فالعبرة باتفاق الفقهاء في فكاك شيء من المرهون , أو عدم فكاكه , بتعدد عقد الرهن وعدم تعدده , إلا أن مناط مناط تعدده عند الحنفية: هو تعدد الصيغة , دون نظر لتعدد العاقدين أو عدم تعددهما.
ومناطه عند المالكية والحنابلة: هو تعدد العاقد. وعند الشافعية: هو تعدد الدين وعدم تعدده , ويتعدد الدين عندهم بتعدد العاقد غالبا , فيصبح مذهبهم قريبا من مذهبي المالكية والحنابلة , فتكون العبرة عند الجمهور بتعدد العاقد إلا إذا كان الدين مشتركا وكان الدائن اثنين , يعد الرهن واحدا عند الشافعية.


الكاساني في البدائع (6 / 152 - 153)
أن المرهون محبوس بجميع الدين الذي رهن به. . لأن المرهون في حق ملك الحبس مما لا يتجزأ. والرهن كالبيع , إذا اشتملت الصفقة على أشياء , كان للبائع حق حبس كلها إلى أن يستوفي جميع الثمن , وإن سمى لكل واحد منهما ثمنا على حدة.

الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير (3 / 258)
إذا كان كل من الراهن والمرتهن متحدا , فإن قضى بعض الدين أو سقط البعض بهبة أو صدقة , فجميع الرهن ولو تعدد فيما بقي من الدين , لأن كل جزء منه رهن بكل جزء من الدين , كما قال المصنف.
وأما إن تعدد أحدهما فإنه يقضى لمن وفى حصته من الدين بأخذ حصته من الرهن.

المغني (4 / 402)
وإذا رهن عينا عند رجلين , فنصفها رهن عند كل واحد منهما بدينه , ومتى وفى أحدهما خرجت حصته من الرهن , لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة عقدين , فكأنه رهن كل واحد منهما النصف مفردا.

مغني المحتاج (2 / 141)
ولو رهناه بدين , فبرئ أحدهما مما عليه , انفك نصبيه لتعدد الصفقة بتعدد العاقد ولو اتحد وكيلهما.
قال الإمام الشافعي لأن المدار على اتحاد الدين وعدمه.


حق حبس الرهن
إن عقد الرهن يثبت حق الحبس الدائم للمرتهن على المرهون عند الحنفية والمالكية والحنابلة , وعلى المرتهن حفظ المرهون كما يحفظ ماله.
أما عند الشافعية فيقتضي الرهن عندهم فقط تعين المرهون للبيع لوفاء الدين.


حق الحبس أو الاحتباس يترتب على تعلق الدين بالمرهون لأن التعلق شرع وسيلة لوفاء الدين من المرهون أو من غيره , ولا يتم التعلق على وضع مأمون إلا بحبس ما يتعلق به الدين لدى المرتهن , حتى يكون حبسه حاملا للمدين على الوفاء , مخافة بيع المال المحبوس جبرا عنه عند إبائه.
فكان تعلق الدين بالرهن , وحبس المرهون من عناصر التوثق.
وبناء عليه , قال الحنفية: يترتب على صحة الرهن ثبوت حق المرتهن في حبس العين المرهونة على وجه الدوام , وعدم تمكين الراهن من استرداد المرهون قبل وفاء الدين , لأن الرهن شرع للتوثق , والتوثق لا يكون إلا بحبس ما يكون به الوفاء وهو المال المرهون.
وإثبات حق الحبس يكون عند الحنفية بإثبات يد استيفاء الدين للمرتهن على المرهون , لأن معنى الاستيفاء: هو ملك عين المستوفي , وملك اليد عليه معا , وبما أن ملك عين المرهون ممنوع شرعا بالحديث الصحيح: لا يغلق الرهن من صاحبه بقي ملك اليد , ويصير موجب عقد الرهن الذي شرع وثيقة للاستيفاء: وهو ثبوت ملك اليد فقط , دون ملك العين , لأنه مدلول لفظ الرهن لغة وهو الحبس , والمعاني الشرعية تثبت على وفق المعاني اللغوية.

ويترتب على ثبوت حق حبس المال المرهون: أن المرتهن كما ذكر الحنفية يحفظ المرهون تحت يده بما يحفظ به مال نفسه عادة , فيحفظه بنفسه وزوجته وولده وخادمه إذا كان يسكنان معه , وبأجيره الخاص , لأن عين المرهون أمانة في يد المرتهن , فصار من هذه الناحية كالوديعة يحفظ كما تحفظ.
ولا يجوز له حفظه بغير هؤلاء , فإذا أودعه أو قصر في حفظه , ضمن قيمته بالغة ما بلغت والضامن عند أبي حنيفة هو المرتهن لا الوديع , وعند الصاحبين: كلاهما ضامن , المرتهن بالدفع , والوديع بتسلمه ما ليس مملوكا للدافع , لكن يستقر الضمان في النهاية على المرتهن , كما في وديع الوديع.

ويجوز للمرتهن السفر بالمرهون إذا كان الطريق آمنا , كما في الوديعة , وإن كان له حمل ومؤنة.
وقال الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) : إن موجب الرهن هو موجب سائر الوثائق , وهو أن تزداد به طرائق المطالبة بالوفاء , فيثبت به للمرتهن حق تعلق الدين بالعين المرهونة عينا , والمطالبة بإيفائه من ماليتها , عن طريق بيعها واختصاصه بثمنها.
أما حق الحبس , فليس بحكم لازم لعقد الرهن عند الشافعية , فللراهن أن يسترد به الرهن لينتفع به , بدون استهلاكه , فإذا انتهى انتفاعه رده إليه , بدليل الحديث السابق: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه , له غنمه وعليه غرمه أي لا يحبس , وأضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الراهن بلام التمليك , وسماه صاحبا , فاقتضى أن يكون هو المالك للرهن رقبة وانتفاعا وحبسا.
والحبس على الدوام يتنافى مع كون الرهن توثيقا , فقد يهلك الرهن فيسقط الدين , أي كما قال الحنفية , فيكون توهينا لا توثيقا , ثم إن في الحبس تعطيلا للانتفاع بالرهن , فهو تسييب , والتسييب ممنوع شرعا.


جاء في المجلة (م729)
حكم الرهن: هو أن يكون للمرتهن حق حبسه إلى حين فكه , وأن يكون أحق من سائر الغرماء باستيفاء الدين من الرهن إذا توفي الراهن.

وفي مرشد الحيران (م962)
للمرتهن حق حبس الرهن لاستيفاء الدين الذي رهن به , وليس له أن يمسكه بدين آخر على الراهن سابق على العقد أو لاحق به.
وفي تبيين الحقائق (6 / 64)
الثابت للمرتهن يد الاستيفاء وهو ملك اليد والحبس , لأن لفظه ينبئ عن الحبس , والأحكام الشرعية تثبت على وفق معانيها اللغوية , ولأن الرهن وثيقة لجانب الاستيفاء: وهو أن يكون موصلا له إليه , ويثبت ذلك بملك اليد والحبس ليقع الأمن من الجحود مخافة جحود المرتهن الرهن.

وفي بداية المجتهد (2 / 271)
وعند مالك أن من شرط صحة الرهن استدامة القبض , وأنه متى عاد إلى يد الراهن بإذن المرتهن بعارية أو وديعة أو غير ذلك , فقد خرج من اللزوم.
وقال الشافعي ليس استدامة القبض من شروط الصحة.

وفي المغني (4 / 331)
واستدامة القبض شرط للزوم الرهن , فإذا أخرجه المرتهن عن يده باختياره , زال لزوم الرهن , وبقي العقد كأنه لم يوجد فيه قبض , سواء أخرجه بإجارة أو إعارة أو إيداع أو غير ذلك.

وفي المنهاج للنووي ومغني المحتاج (2 / 133)
إذا لزم الرهن فاليد فيه للمرتهن , ولا تزال إلا للانتفاع كما سبق.
وفي ص (131) وللراهن كل انتفاع لا ينقصه كالركوب والسكنى , لا البناء والغراس.


حكم لزوم الرهن
لا يلزم الرهن عند الجمهور إلا بالقبض , ويلزم عند المالكية بمجرد العقد , والقبض شرط لتمام الرهن فقط.


يلزم الرهن بالنسبة للراهن لا للمرتهن فلا يملك الراهن فسخه , لأنه عقد وثيقة بالدين ويملك المرتهن فسخه في أي وقت , لأن العقد لمصلحة.
ولا تترتب آثاره عند جميع الفقهاء إلا بالقبض , فلا يختص المرتهن بثمن العين المرهونة , ولا يثبت له حق الامتياز على غيره من الدائنين إلا بالقبض.
ولا يتحقق لزوم الرهن عند الجمهور إلا بالقبض , ويلزم عند المالكية بالإيجاب والقبول.
أما مذهب الجمهور (من الحنفية والشافعية والحنابلة في الأصح: فلا يلزم الرهن في جميع أحواله إلا بالقبض.
أما قبل القبض , فللراهن إمضاء الرهن أو فسخه , ودليلهم قوله تعالى {فرهان مقبوضة} لأن المعنى فرهن رهان مقبوضة , لأن المصدر المقترن بالفاء في جواب الشرط هو في معنى الأمر , أي فارهنوا.
والأمر بالشيء الموصوف يقتضي أن يكون الوصف شرطا فيه , فما شرع بصفة لا يوجد شرعا إلا بها , فلا يلزم الرهن إلا بالقبض , ولأن الرهن عقد تبرع لا يجبر الراهن على شيء فيه , فوجب لنفاذه وإمضائه القبض لأنه ليس للرهن قبل قبضه مظهر في الخارج إلا القبض , كما هو الشأن في الهبة والصدقة , فلا يوجد عقد الرهن شرعا , ولا يترتب عليه أثره إلا بالقبض , ولا يلزم إلا بالقبض.
وقرر المالكية: أنه يلزم الرهن بالإيجاب والقبض , ويتم بالقبض , فإذا صدر الإيجاب والقبول لزم العقد , ويجبر الراهن على تسليم الرهن إلى المرتهن ما لم يوجد أحد الموانع الأربعة التالية وهي: موت الراهن بعد العقد وقبل التسليم , ومطالبة الغرماء بأداء الراهن ديونهم , وحالة التفليس العام (أي أن تكون الديون محيطة بمال الراهن) , ومرض الراهن المخوف أو جنونه المتصلان بوفاته.
ودليلهم أن العقد والالتزام يتحققان بالإيجاب والقبول , وقد قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} والرهن عقد , والأمر للوجوب , فكان الوفاء به واجبا , من طريق لزومه بالنسبة للراهن , لأنه هو الملتزم.


الدر المختار (5 / 340)
وينعقد الرهن بإيجاب وقبول حال غير لازم , فإذا سلمه وقبضه المرتهن محوزا مفرغا مميزا لزم.
(أفاد أن القبض شرط اللزوم) .

المهذب (1 / 305)
ولا يلزم الرهن من جهة المرتهن , لأن العقد لحظه , لا حظ فيه للراهن , فجاز له فسخه إذا شاء.
فأما من جهة الراهن فلا يلزم إلا بقبض.

غاية المنتهى (2 / 90)
ولا يلزم إلا في حق راهن بقبض بإذنه , ولو بإشارة أخرس , كقبض مبيع.

الشرح الصغير (3 / 313)
ولزم الرهن بمعنى العقد بالقول: أي الصيغة , فللمرتهن مطالبة الراهن , ويقضى له به , ولا يتم الرهن إلا بالقبض , فقبله يكون أسوة الغرماء , وبعده يختص به المرتهن عنهم وعن غيرهم كمؤن التجهيز.

وفي المقدمات الممهدات (2 / 362)
الرهن يجوز ويلزم بالعقد , ولا يتم وينبرم ويصح التوثق به إلا بالحيازة.


انتفاع الراهن بالرهن
ينتفع الراهن بالرهن بإذن المرتهن عند الحنفية والحنابلة , ويبطل الرهن عند المالكية بانتفاع الراهن به , ويوكل المرتهن بالانتفاع لحساب الراهن.
وينتفع الراهن عند الشافعية بأوجه الانتفاع التي لا يترتب عليها نقص المرهون , وما عداها يحتاج لإذن المرتهن.


للفقهاء في انتفاع الراهن بالرهن اتجاهان:
اتجاه الجمهور بعدم جواز الانتفاع , واتجاه الشافعية بالجواز ما لم يضر المرتهن.
وهذا تفصيل الأقوال.
يرى الحنفية: أنه ليس للراهن أن ينتفع بالمرهون استخداما أو ركوبا أو لبسا أو سكنى وغيرها إلا بإذن المرتهن.
كما أنه ليس للمرتهن الانتفاع بالرهن إلا بإذن الراهن.
ودليلهم على الحالة الأولي: أن حق الحبس ثابت للمرتهن على سبيل الدوام , وهذا يمنع الاسترداد.
فإن انتفع الراهن من غير إذن المرتهن , فشرب لبن البقرة المرهونة , أو أكل ثمر الشجر المرهون ونحوهما , ضمن قيمة ما انتفع به , لأنه تعدى بفعله على حق المرتهن , وتدخل القيمة التي هي بدل الاستهلاك في حبس المرتهن الرهن , ويتعلق بها الدين.
وإذا استعاد الراهن الرهن لاستعماله بدون إذن المرتهن , فركب الدابة المرهونة , أو لبس الثوب المرهون , أو سكن الدار المرهونة أو زرع الأرض , ارتفع ضمان المرتهن للرهن , وكان غاصبا للرهن , فيرد إلى المرتهن جبرا عنه.
وإذا هلك في يده هلك عليه.
فإن لم يترتب على انتفاع الراهن بالرهن رفع يد المرتهن , فله الانتفاع به , كإيجار آلة يشغلها المرتهن مثل آلة الطحن ونحوه , فأجر ما تطحنه حينئذ للراهن , لأن نماء الرهن وزوائده للراهن , وإذا أخذه المرتهن احتسب من دينه.
وهذا المذهب مبني على أن الرهن يلحق الزيادة المتولدة من الرهن متصلة أو منفصلة عنه.
والحنابلة مثل الحنفية: لا يجوز للراهن الانتفاع بالرهن إلا بإذن أو رضا المرتهن فليس له استخدامه ولا ركوبه ولا لبسه ولا سكناه.
وتعطل منافعه , أي على كره من الشرع , إذا لم يتفق الراهن والمرتهن على انتفاع الراهن , فتغلق الدار مثلا حتى يفك الرهن , لأن الرهن عين محبوسة , فلم يجز للمالك أن ينتفع بها , كالمبيع المحبوس لدى الراهن حتى يوفي ثمنه.
وهذا المذهب مبني على مبدأ كون جميع منافع الرهن ونمائه تكون رهنا مع أصلها كالحنفية تماما.
ولا يمنع الراهن من إصلاح الرهن ودفع الفساد عنه ومداواته إن احتاج إليها , وإنزاء الفحل على الأنثى المرهونة عند الحاجة.
وقرر المالكية عدم انتفاع الراهن بالرهن واعتبروا أن إذن المرتهن للراهن بالانتفاع مبطل للرهن ولو لم ينتفع , لأن الإذن بالانتفاع يعد تنازلا عن حقه في الرهن.

وبما أن منافع الرهن مملوكة للراهن , فله أن ينيب المرتهن في أن ينتفع بالرهن نيابة عنه ولحساب الراهن , حتى لا تتعطل منافع الرهن.
فإن عطل المرتهن استغلال المرهون , كإغلاق الدار , ضمن عند بعض المالكية أجرة المثل في مدة التعطيل , لأنه ضيعها عليه.
وقال بعضهم: لا يضمن , لأنه ليس عليه أن يستغل للراهن ماله.
وقال بعضهم: يضمن إلا إذا علم الراهن بالاستغلال , ولم ينكر عليه التعطيل.
وذهب الشافعية خلافا للجمهور إلى أن للراهن كل انتفاع بالرهن لا يترتب عليه نقص المرهون , كالركوب والاستخدام والسكنى واللبس , والحمل على الدابة أو السيارة , لأن منافع الرهن ونماءه ملك للراهن , ولا يتعلق بها الدين عندهم ولخبر الدارقطني والحاكم الرهن مركوب ومحلوب وخبر البخاري (الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا) .
أما ما يترتب عليه نقص قيمة الرهن , كالبناء والغرس في الأرض المرهونة , فلا يجوز للراهن إلا بإذن المرتهن مراعاة لحقه.
وللمرتهن أن يرجع عن إذنه قبل تصرف الراهن.
وإذا أمكن الراهن الانتفاع بالمرهون بغير استرداد كأن يكون دارا يسكنها , أو دابة أو سيارة يركبها , فيسترد للحاجة إليه , حتى إذا انتهى انتفاعه به , رده على المرتهن.


الدر المختار (5 / 342)
لا يجوز الانتفاع بالرهن مطلقا , لا باستخدام ولا سكنى ولا لبس ولا إجارة , سواء كان من مرتهن أو راهن , إلا بإذن كل للآخر.

البدائع (6 / 146)
ليس للراهن أن ينتفع بالمرهون استخداما وركوبا ولبسا وسكنى وغير ذلك , لأن الحبس ثابت للمرتهن على سبيل الدوام.
وهذا يمنع الاسترداد والانتفاع.

مجلة الأحكام الشرعية الحنبلية (م982)
للراهن الانتفاع بالرهن بإذن المرتهن , ولا يزول بذلك لزوم الرهن ما دام في يد المرتهن , أما دون إذنه فليس له الانتفاع , وتبقى منافعه معطله ما لم يتفقا على تأجيره.

الشرح الصغير (3 / 316)
وبطل الرهن بإذن المرتهن للراهن في سكنى الدار مرهونة أو في إجارة لذات مرهونة.
والمنافع للراهن , والمرتهن يتولاها للراهن بإذنه.

المنهاج ومغني المحتاج (2 / 131)
للراهن كل انتفاع لا ينقصه كالركوب والسكنى , لا البناء والغراس في الأرض المرهونة.


انتفاع المرتهن بالرهن
لا يجيز الجمهور للمرتهن الانتفاع بالرهن إلا بإذن الراهن وقالوا بأن ذلك يحل له إن كان الدين من بيع أو شبهة من المعاوضات , ولا يحل له إن كان الدين من قرض بعدا عن الربا وأكل أموال الناس بالباطل.
وافق الحنابلة الجمهور في ذلك وأضافوا بأنه يجوز للمرتهن أن ينتفع بالمرهون إن كان مركوبا أو محلوبا , على أن يركب ويحلب بقدر نفقته , متحريا العدل في النفقة , وإن لم يأذنه الراهن.
وذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يحل للمرتهن الانتفاع بالرهن مطلقا.


في هذا الموضوع اتجاهان:
اتجاه الجمهور بعدم الجواز إلا بإذن الراهن واتجاه الحنابلة بالانتفاع بالمركوب والمحلوب فقط دون غيرهما مقابل النفقة.

وسبب الخلاف ما رواه البخاري وأبو داود عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا , ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا , وعلى الذي يركب ويشرب النفقة.
وأيضا ما رواه الدارقطني والحاكم عن أبي هريرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه , له غنمه وعليه غرمه.

أما اتجاه الجمهور غير الحنابلة: فهو أنه ليس للمرتهن أن ينتفع بشيء من الرهن وحملوا ما ورد من جواز الانتفاع بالمحلوب والمركوب بمقدار العلف على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على الرهن , فأنفق عليه المرتهن , فله الانتفاع بمقدار علفه.
وأما الحنابلة فأجازوا الانتفاع بالرهن إذا كان حيوانا , فله أن يحلبه بقدر ما يعلفه وينفق عليه.

وهذا تفصيل آراء المذاهب:
يرى الحنفية: أنه ليس للمرتهن أن ينتفع بالمرهون استخداما ولا ركوبا ولا سكنى ولا لبسا ولا قراءة في كتاب إلا بإذن الراهن , لأن له حق الحبس دون الانتفاع فإن انتفع به , فهلك في حال الاستعمال , يضمن كل قيمته , لأنه صار غاصبا.
وإذا أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بالمرهون , جاز مطلقا عند بعض الحنفية.
ومنهم من منع مطلقا , لأنه ربا أو فيه شبه ربا والإذن أو الرضا لا يحل ولا يبيح شبهته.
ومنهم من فصل , فقال: إن شرط الانتفاع على الراهن في العقد فهو حرام لأنه ربا وإن لم يشرط في العقد فجائز لأنه تبرع من الراهن للمرتهن والاشتراط كما يكون صريحا , يكون متعارفا , والمعروف كالمشروط.
وقد صرح ابن نجيم في الأشباه أنه يكره تحريما للمرتهن الانتفاع بالرهن.
وقال في التتارخانية: (ولو استقرض دراهم , وسلم حماره إلى المقرض ليستعمله إلى شهرين حتى يوفيه دينه , أو داره ليسكنها , فهو بمنزلة الإجارة الفاسدة , إن استعمله , فعليه أجر مثله , ولا يكون رهنا)
وقال ابن عابدين في رد المحتار (5 / 242) : والغالب من أحوال الناس أنهم يريدون عند الدفع الانتفاع , ولولاه لما أعطاه الدراهم , وهذا بمنزلة الشرط , لأن المعروف كالمشروط , وهو مما يعين المنع.
وفصل المالكية القول , فقالوا: إذا أذن الراهن للمرتهن بالانتفاع أو اشترط المرتهن المنفعة جاز إن كان الدين من بيع أو شبهة من المعاوضات , وعينت المدة بأن كانت معلومة , للخروج من الجهالة المفسدة للإجارة , لأنه بيع وإجارة , وهو جائز.
والجواز كما قال الدردير بأن يأخذ المرتهن المنفعة لنفسه مجانا , أو لتحسب من الدين على أن يعجل باقي الدين.
ولا يجوز إن كان الدين قرضا (سلفا) لأنه قرض جر نفعا.
ولا يجوز الانتفاع في حالة القرض , إن تبرع الراهن للمرتهن بالمنفعة , أي لم يشترطها المرتهن , لأنها هدية مديان , وقد نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
وللشافعية كلام متفق مع المالكية في الجملة , فإنهم قالوا: ليس للمرتهن أن ينتفع بالعين المرهونة , لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه , له غنمه وعليه غرمه.
قال الشافعي (غنمه: زياداته , وغرمه: هلاكه ونقصه.)
ولا شك أن من الغنم سائر وجوه الانتفاع , وهذا رأي ابن مسعود رضي الله عنه.
فإن شرط المرتهن في عقد القرض ما يضر الراهن , كأن تكون زوائد المرهون أو منفعته له أي للمرتهن , بطل الشرط والرهن في الأظهر , للحديث الثابت كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل.
وأما بطلان الرهن فلمخالفة الشرط مقتضى العقد , كالشرط الذي يضر المرتهن نفسه.
أما إن كانت المنفعة مقدرة أو معلومة , وكان الرهن مشروطا في بيع , فإنه يصح اشتراط جعل المنفعة للمرتهن , لأنه جمع بين بيع وإجارة في صفقة وهو جائز.
مثل أن يقول شخص لغيره: بعتك حصاني بمئة , بشرط أن ترهنني بها دارك , وأن تكو ن منفعتها لي سنة , فبعض الحصان مبيع , وبعضه أجرة في مقابل منفعة الدار.
وانفرد الحنابلة في تجويز الانتفاع بالمرهون أحيانا فقالوا:
إذا كان المرهون غير حيوان:
وهو ما لا يحتاج إلى مؤنة (قوت) كالدار والمتاع ونحوه: لا يجوز للمرتهن الانتفاع به بغير إذن الراهن بحال لأن الرهن ومنافعه ونماءه ملك الراهن فليس لغيره أخذها بغير إذنه , فإن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض , وكان دين الرهن من قرض لم يجز , لأنه قرض جر منفعة وذلك حرام , فهم في هذا كالمالكية والشافعية.
قال الإمام أحمد أكره قرض الدور , وهو الربا المحض , يعني إذا كانت الدار رهنا في قرض ينتفع بها المرتهن.
وان كان الرهن بثمن مبيع أو أجر دار أو دين غير القرض , فأذن له الراهن في الانتفاع جاز , أي لو مع المحاباة في الأجرة لأنه بيع وإجارة كما قال الشافعية.
وإن كان الانتفاع بعوض , هو أجر المثل من غير محاباة , جاز في القرض وغيره لكونه لم ينتفع بالقرض , بل الإجارة , وإن حاباه لا يجوز في القرض , ويجوز في غيره.
والحاصل: أن الانتفاع إن كان بعوض , جاز في القرض وغيره إن كان بأجر المثل , وإن كان بغير عوض لا يجوز في القرض ويجوز في غيره.
وإذا انتفع المرتهن من غير إذن الراهن , حسب من دينه.
وإن شرط في الرهن أن ينتفع به , فالشرط فاسد لأنه ينافي مقتضى الرهن.

وإن كان المرهون حيوان
فيجوز للمرتهن عند الحنابلة أن ينتفع به إن كان مركوبا أو محلوبا , على أن يركب ويحلب بقدر نفقته , متحريا العدل في النفقة , وإن لم يأذنه الراهن , ودليلهم الحديث المتقدم: الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا , ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا , وعلى الذي يركب ويشرب النفقة.
والجملة الأولى جملة خبرية في معنى الإنشاء , مثل {والوالدات يرضعن أولادهن} ولأن التصرف معاوضة , والمعاوضة تقتضي المساواة بين البدلين.
لكن قال ابن القيم في أعلام الموقعين: لا ضرورة إلى المساواة بين البدلين , لأن الشارع ساوى بينهما ويعسر علينا أمر الموازنة بين الركوب واللبن وبين النفقة.
ولم يعمل الجمهور بهذا الحديث , وقالوا: إنه حديث ترده أصول وآثار صحيحة , ويدل على نسخه حديث لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه وأيضا حديث: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه , له غنمه وعليه غرمه.
وأجاب الحنابلة: بأن السنة أصل من الأصول , فكيف تردها الأصول؟ وأما الحديث الناسخ فهو عام , وحديث الرهن خاص , فيكون الخاص مقيدا له.


البدائع (6 / 146)
وكذلك ليس للمرتهن أن ينتفع بالمرهون , حتى لو كان الرهن عبدا , ليس له أن يستخدمه , وإن كان دابة ليس له أن يركبها , وإن كان ثوبا ليس له أن يلبسه وإن كان دارا ليس له أن يسكنها , وإن كان مصحفا ليس له أن يقرأ فيه , لأن عقد الرهن يفيد ملك الحبس , لا ملك الانتفاع فإن انتفع به , فهلك في حال الاستعمال , يضمن كل قيمته , لأنه صار غاصبا.

المجلة (م750)
ليس للمرتهن الانتفاع بالرهن بدون إذن الراهن , ولكن للمرتهن استعمال الرهن وأخذ ثمره ولبنه إذا أذنه الراهن , وأباح له ذلك , ولا يسقط من الدين شيء في مقابل هؤلاء.

مرشد الحيران (م983)
لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن , منقولا أو عقارا , بدون إذن الراهن , وله أن يؤجره بإذنه , ويدفع الأجرة للراهن , أو يحتسبها من أصل الدين برضا الراهن , وإن بطل الرهن.

الشرح الكبير (3 / 246)
وجاز للمرتهن شرط منفعة الرهن لنفسه مجانا بشرطين: أشار للأول بقوله: إن عينت مدتها للخروج من الجهالة في الإجارة , والثاني بقوله: وكان ببيع , أي واقعا في عقد بيع فقط , لا في عقد قرض , لأنه في البيع: بيع وإجارة وهو جائز , وفي القرض سلف جر نفعا وهو لا يجوز , فيمنع شرطها.
والتطوع في القرض , عينت أم لا , كالتطوع بالمعينة في البيع , أي في المنع , لأنها هدية مديان في كل منهما.
والمنع في غير المعينة في البيع بشرط , أي لما في ذلك من الجهالة في الإجارة.

المنهاج ومغني المحتاج (2 / 121)
وإن شرط ما يضر المرتهن بطل الرهن , وان نفع المرتهن وضر الراهن , كشرط منفعة للمرتهن , بطل الشرط.

المغني (4 / 385)
ولا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء إلا ما كان مركوبا أو محلوبا فيركب ويحلب بقدر العلف.

مجلة الأحكام الشرعية (م / 974)
للمرتهن أن ينتفع بالرهن بإذن الراهن مجانا , أو بعوض , لكن إذا كان الدين قرضا , فلا يجوز له ذلك.

وفي (م 975)
لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن دون إذن الراهن مطلقا , إلا إذا كان الرهن حيوانا مركوبا أو محلوبا , ينفق عليه بنية الرجوع , فله ركوبه وحلبه بقدر النفقة دون إذن الراهن , ولو كان الراهن حاضرا غير ممتنع عن الإنفاق , وله بيع الفضل من لبن بإذن الراهن أو الحاكم.


الإنفاق على الرهن أو مؤنة الرهن
نفقات المرهون توزع على العاقدين عند الحنفية , وهي على الراهن عند الجمهور , حتى وإن أنفق لحاجة أو بإذن القاضي أو عند غيبة الراهن , رجع على الراهن.


اتفق الفقهاء على أن نفقة أو مؤنة الرهن على المالك الراهن لأن الشارع قد جعل الغنم والغرم للراهن لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه , له غنمه , وعليه غرمه أي لا يتملك وعلى الراهن مغارمه ونفقاته.
لكنهم اختلفوا على رأيين في نوع النفقة الواجبة على الراهن:
رأي الحنفية أن توزع النفقة على الراهن باعتباره مالك العين , وعلى المرتهن باعتباره مكلفا بحفظها على النحو التالي: كل ما يحتاج إليه من النفقات لمصلحة المرهون وتبقيته , فهو على الراهن لأنه ملكه.
وكل ما كان لحفظ المرهون , فهو على المرتهن لأن حبسه له فلزمه توابعه.
وبناء عليه: على الراهن طعام الحيوان وشرابه وأجرة الراعي , وعليه سقي الشجر ونفقة تلقيحه وجذاذه (قطعه) والقيام بمصالحه , وسقي الأرض وإصلاحها وكري أنهارها وانشاء مصارفها , وضريبة خراجها وعشر حاصلاتها , لأن كل ما ذكر من مؤونة (ما به بقاؤه) المال المملوك , ومؤونة المملوك على مالكه.
وعلى المرتهن أجرة الحفظ للحارس أو المحل الذي يحفظ فيه المرهون (أجرة التخزين) مثل أجر حظيرة الحيوان , وأجرة المخزن المحفوظ فيه , لأن الأجرة مؤنة الحفظ , وهي عليه.

وقال الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) : جميع نفقات أو مؤونات الرهن على الراهن , سواء منها ما كان لبقاء عينه , أو بقصد حفظه وعلاجه , للحديث السابق: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه , له غنمه , وعليه غرمه وكل إنفاق من غرمه , ولأن نفقة المملوك على مالكه.
فإن لم ينفق ما الحكم؟
قال المالكية: إن لم ينفق الراهن , واحتاج الرهن إلى نفقة كعلف حيوان وإصلاح عقار , أنفق المرتهن , ويرجع بجميع ما أنفق على الراهن , وإن زاد على قيمة الرهن , وتكون النفقة دينا في ذمة الراهن , لا بمالية الرهن أو عينه , سواء انفق بإذن منه أم يغير إذن , لأنه قام بواجب على الرهن.
وقال الشافعية: يجبر القاضي الراهن على النفقة على المرهون , إذا كان حاضرا موسرا , فإن تعذر الجبر بسبب إعساره أو غيبته , ففي حال الغيبة يمونه القاضي من مال الراهن إن كان له مال.
وفي حال الإعسار يقترض القاضي أو يبيع جزءا من الرهن لإبقائه , أو يأمر المرتهن بالإنفاق عليه , على أن يكون دينا في ذمة الراهن.
وإذا أنفق , رجع على الراهن إن كان الإنفاق بإذن القاضي , أو أشهد عند الإنفاق , وعند غيبة الراهن: أشهد أنه إنما أنفق ليرجع.
وذهب الحنابلة: إلى أنه إن أنفق المرتهن بدون إذن الراهن , مع قدرته على استئذانه , كان متبرعا لا حق له في الرجوع بما أنفق.
فإن عجز عن استئذانه لغيبة أو نحوها , وأنفق يرجع بأقل المبلغين: نفقة المثل , وما أنفقه فعلا , بشرط أن ينوي الرجوع بالنفقة , ولا يشترط استئذان القاضي , ولا الإشهاد على النفقة.


الدر المختار (5 / 346)
وأجرة بيت حفظه وحافظه ومأوى الغنم على المرتهن.
وأجر راعيه لو حيوانا , ونفقة الرهن والخراج والعشر على الراهن , والأصل فيه: أن كل ما يحتاج إليه لمصلحة الرهن بنفسه وتبقيته , فعلى الراهن , لأنه ملكه , وكل ماكان لحفظه , فعلى المرتهن , لأن حبسه له , أورد جزء منه كمداواة جريح إلى يد المرتهن فتنقسم على المضمون والأمانة.
فالمضمون على المرتهن , والأمانة مضمونة على الراهن لو قيمته أكثر من الدين وإلا فعلى المرتهن.
وكذا معالجة أمراض وقروح وفداء جناية.

المجلة (م 722)
على المرتهن أن يحفظ الرهن بنفسه , أو بمن هو أمينه كعياله وشريكه وخادمه.

المجلة (م 723)
المصارف التي تلزم لمحافظة الرهن كأجرة المحل والناظر على المرتهن.

المجلة (م 724)
الرهن إن كان حيوانا فعلفه وأجرة راعيه على الراهن , وإن كان عقارا فتعميره وسقيه وتلقيحه وتطهير خرقه وسائر مصارفه التي هي لإصلاح منافعه وبقائه عائدة إلى الراهن أيض.

الشرح الصغير (3 / 334) والشرح الكبير (3 / 251)
ورجع مرتهنه على الراهن بنفقته التي أنفقها عليه حيث احتاج لنفقة كالحيوان وكعقار احتاج لحرمة , ولو زادت النفقة على قيمة الرهن , لأن غلته له , ومن له الغلة عليه النفقة , في ذمة الراهن , لا في عين الرهن , ولو لم يأذن له الراهن في الإنفاق , لأنه قام عنه بواجب.

المهذب (1 / 314)
وما يحتاج إليه الرهن من نفقة وكسوة وعلف وغيرها , فهو على الراهن , لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا , وعلى الذي يركب ويشرب نفقته والذي يركب ويشرب هو الراهن , فوجب أن تكون النفقة عليه , ولأن الرقبة والمنفعة على ملكه , فكانت النفقة عليه.
وان احتاج إلى شرب دواء أو فتح عرق , فامتنع , لم يجبر عليه , لأن الشفاء بيد الله تعالى , وقد يجيء من غير فصد ولا دواء ويخالف النفقة فإنه لا يبقى دونها , فلزمه القيام بها.

المغني (4 / 392)
إن مؤنة الرهن من طعامه وكسوته ومسكنه وحافظه وحرزه ومخزنه وغير ذلك على الراهن.
وبهذا قال مالك والشافعي والعنبري وإسحاق.
وقال أبو حنيفة أجرة المسكن والحفاظ على المرتهن , لأنه من مؤنة إمساكه وارتهانه.


تصرف الراهن بالرهن
تصرف الراهن في الرهن قبل التسليم جائز ونافذ بدون إذن المرتهن ويبطل الرهن , وتصرفه بالمرهون بعد التسليم بغير إذن المرتهن موقوف كتصرف الفضولي عند الحنفية والمالكية باطل عند الأئمة الآخرين.


تصرف الراهن بالرهن إما أن يكون قبل التسليم أو بعد التسليم.
تصرف الراهن بالرهن قبل التسليم
ينفذ تصرف الراهن بالرهن قبل القبض بدون إذن المرتهن في رأي الحنفية والشافعية والحنابلة , لأنه لم يتعلق به حق المرتهن حينئذ , ولا يلزم الرهن قبل القبض.

أما المالكية القائلون بأن الرهن يلزم بالإيجاب والقبول , وبأن الراهن يجبر على تسليم الرهن للمرتهن , فيجيزون - بالرغم مما ذكر - للراهن أن يتصرف في الرهن قبل القبض , فلو باع الراهن الرهن المشترط في عقد البيع أو القرض , نفذ بيعه , إن فرط مرتهنه في طلبه حتى باعه , وصار دينه بلا رهن لتفريطه , فإن لم يفرط في الطلب وجد في المطالبة ففيه ثلاثة آراء:
الرأي الأول لابن القصار وهو أن للمرتهن رد البيع ولا ينفذ , إن كان المبيع باقيا , وإن فات (ذهب من يد البائع) كان ثمنه رهنا عنده مكانه , وينفذ البيع.
والرأي الثاني لابن أبي زيد القيرواني وهو نفاذ البيع , وجعل الثمن بدله رهنا.
والرأي الثالث لابن رشد وهو نفاذ البيع , ويصير الدين بلا رهن , ولا يكون الثمن رهنا بدله.
وأما إن كان الرهن متطوعا به بعد العقد , وباعه الراهن قبل أن يقبضه المرتهن , فينفذ بيعه , وهل يكون ثمنه رهنا أو لا يكون؟ فيه خلاف كالخلاف في بيع الهبة قبل قبض.
تصرف الراهن بالرهن بعد التسليم
لا يجوز تصرف الراهن بالرهن بعد التسليم , لأنه إذا سلم الراهن المرهون , وإن بقي على ملكه , ولكن تعلق به دين المرتهن , فاستحق حبسه وثيقة بالدين إلى أن يوفى عند الحنفية , ويصبح متعينا للبيع وثيقة بالدين عند بقية المذاهب.

وعلى كلا الرأيين: لا يجوز للراهن أن يتصرف بالرهن إلا بإذن المرتهن , لتعلق حقه به , فيتنازل عن حقه في حبس الرهن أو تعينه للبيع.
وتفصيل المذاهب يظهر فيما يأتي:
مذهب الحنفية: إذا باع الراهن المرهون بغير إذن المرتهن فالبيع موقوف , لتعلق حق الغير به فإن أجازه المرتهن أو قضاه الراهن دينه أو أبرأه المرتهن عن الدين جاز البيع ونفذ , وصار ثمنه في غير حال الوفاء بالدين رهنا مكانه في ظاهر الرواية , لأن البدل له حكم المبدل.
وإن لم يجزه , لم ينفسخ وبقي موقوفا في أصح الروايتين , وكان المشترى - في حال عدم علمه بأنه مرهون - بالخيار: إن شاء صبر إلى فك الرهن , أو رفع الأمر إلى القاضي بفسخ البيع.
ووجه ظاهر الرواية: أن حق المرتهن متعلق بمالية المرهون , فإذا بيع وأصبح الثمن بدلا عن المال المرهون , لم يتضرر المرتهن , لأن حقه لم يزل بالبيع.

مذهب المالكية: إذا تصرف الراهن بالرهن من غير إذن المرتهن , ببيع أو وإجارة أو هبة أو صدقة أو إعارة ونحوها , كان التصرف موقوفا على إجازة المرتهن , وبطل الرهن على المعتمد بمجرد الإذن (أي إذن المرتهن بالتصرف) وإن لم يتصرف الراهن , لاعتبار الإذن تنازلا عن الرهن.

مذهب الشافعية: ليس للراهن المقبض تصرف يزيل الملك كالهبة والبيع والوقف , مع غير المرتهن بغير إذنه , لأنه لو صح لفاتت الوثيقة.
كما لا يصح له رهن المرهون لغير المرتهن الأول عنده , ولا إجارة المرهون إن كان الدين حالا , أو يحل أجله قبل انقضاء مدة الإجارة , ويعد التصرف حينئذ باطلا.
فإن كان هذا التصرف مع المرتهن أو بإذنه فيصح , ويبطل الرهن , إلا في الإجارة فيستمر الرهن , ويصح للراهن كل تصرف لا يضر المرتهن , كالسكنى والركوب , كما تقدم.
ويصح له أيضا الإجارة إلى مدة لا تمتد إلى ما بعد حلول الدين , لأنه تصرف لا يمس حق المرتهن في بيع الرهن عند حلول الدين وعدم الوفاء.

مذهب الحنابلة: (كالشافعية) قالوا: إذا تصرف الراهن بالرهن تصرفا بغير إذن المرتهن , بطل التصرف , لأنه يؤدي إلى إبطال حق المرتهن بالوثيقة , سواء كان التصرف بيعا أو إجارة أو هبة أو رهنا وغيره.
وإذا أذن المرتهن بهذا التصرف صح , وبطل الرهن , إلا في الإجارة فيستمر الرهن في الأصح , كما أن الرهن يبقى بحاله مستمرا إذا كان التصرف إعارة أذن بها المرتهن.


الدر المختار (5 / 361)
توقف بيع الراهن رهنه على إجازة مرتهنه , أو قضاء دينه.
فإن وجد أحدهما نفذ وصار ثمنه رهنا في صورة الإجارة.
وإن لم يجز المرتهن البيع , وفسخ بيعه , لا يفسخ بفسخه في الأصح.
وإذا بقي موقوفا فالمشتري بالخيار , إن شاء صبر إلى فكاك الرهن أو رفع الأمر إلى القاضي ليفسخ البيع. . الخ.

المجلة (م 744)
إذا رهن الرهن بإذن المرتهن , عند غيره , يصح الرهن الثاني , ويبطل الأول.
بداية المجتهد (2 / 274)
والجمهور على أنه لا يجوز للراهن بيع الرهن ولا هبته وأنه إن باعه , فللمرتهن الإجازة أو الفسخ.

وفي القوانين الفقهية (ص324)
ولا يجوز للراهن بيعه.

حاشية الدسوقي (3 / 248)
يخير المرتهن بين أن يرد البيع ويرجع الرهن لما كان عليه من الرهنية أو يجيزه.

المنهاج ومغني المحتاج (2 / 130)
وليس للراهن المقبص تصرف مع غير المرتهن بغير إذنه يزيل الملك , كالهبة والبيع والوقف , لأنه لو صح لفاتت الوثيقة.
وأما معه أو بإذنه فسيأتي أنه يصح.
وفي المهذب (1 / 312)
ويملك الراهن التصرف في عين الرهن بما لا ضرر فيه على المرتهن.
ولا يملك في العين بما فيه ضرر على المرتهن , لقوله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار.

وفي المغني (4 / 363)
وإن تصرف الراهن بغير العتق , كالبيع والإجارة والهبة والوقف وغيره , فتصرفه باطل لأنه تصرف يبطل حق المرتهن من الوثيقة غير مبني على التغليب والسراية.
فلم يصح بغير إذن المرتهن , كفسخ الرهن.
فإن أذن فيه للمرتهن صح وبطل الرهن , لأنه أذن فيما ينافي حقه فيبطل بفعله كالعتق.
وفي مجلة الأحكام الشرعية (م 992)
تصرف الراهن بما ينقل الملك إلى غيره في الرهن اللازم لا يصح , لكن لو أذن له المرتهن به , صح وبطل الرهن.


تصرف المرتهن بالرهن
لا يجوز للمرتهن أن يتصرف في الرهن ببيع أو إجارة أو هبة بغير إذن الراهن كما في تصرف الراهن , ولا يجوز له بيعه إلا إذا كان وكيلا بالبيع , لأنه تصرف فيما لا يملك ويكون تصرفا موقوفا في رأي الحنفية والمالكية كتصرف الفضولي , وباطلا عند الشافعية والحنابلة.
ويكون المرتهن وكيلا بالبيع بتوكيل الراهن أراد الوفاء بالدين أو جعل الثمن رهنا.


عرفنا أن حق الراهن قائم في عين المرهون , فهو ملكه , وحق المرتهن ثابت في ماليته , فله حبسه لوفاء الدين.
وبناء عليه , لا يجوز للمرتهن أن يتصرف في الرهن بغير إذن الراهن , كما في تصرف الراهن , لأنه تصرف فيما لا يملك ويكون تصرفه موقوفا عند الحنفية والمالكية كتصرف الفضولي , وباطلا عند الشافعية والحنابلة.

وتفصيل آراء المذاهب فيما يأتي:
مذهب الحنفية: ليس للمرتهن أن يتصرف بالرهن بغير إذن الراهن , لأنه تصرف فيما لا يملك إذ لا حق له إلا في حبس المرهون , فإن تصرف بغير إذنه بالبيع أو الهبة أو الصدقة أو الإعارة ونحوها , كان تصرفه موقوفا على إجازة الراهن , إن أجازه نفذ , وإلا بطل , ولكن إن أجره المرتهن بلا إذن , فالأجرة له , وان كان بإذن فللمالك الراهن , وبطل الرهن.
مذهب المالكية كالحنفية: لا يجوز تصرف المرتهن في الرهن بغير إذن الراهن , لأنه تصرف فيما لا يملك.
فإن تصرف فيه بغير إذنه بيعا أو هبة أو إجارة أو إعارة , كان موقوفا على إجازة الراهن , كتصرف الفضولي عندهم.
وإن تصرف بإذن الراهن , نفذ , وبطل رهنه إذا كان التصرف بيعا أو هبة , أو إجارة لمدة تمتد إلى ما بعد حلول أجل الدين.
أما إذا كانت مدتها تنتهي قبل حلول أجل الدين , فلا يبطل الرهن , ويسترده المرتهن بعد انتهاء مدتها , كما يبطل الرهن بإعارته لمدة تمتد إلى ما بعد حلول أجل الدين , ولم يشترط رد المرهون إلى المرتهن عند حلول الدين , أو لم يكن هناك عرف يقضي برده.
فإن انتهت مدة الإعارة قبل حلول الأجل أو اشترط الرد عند الحلول , أو وجد عرف يقضي برده , فلا يبطل الرهن حينئذ.
مذهب الشافعية والحنابلة: ليس للمرتهن أن يتصرف في الرهن بغير إذن الراهن لأنه ليس ملكا له , فإن أقدم على التصرف , كان تصرفه باطلا , ولا يبطل الرهن.
أما إن تصرف بإذن الراهن فتصرفه ينفذ , ويبطل إن كان تمليكا.
ولا يبطل الرهن إن كان إجارة أو إعارة , سواء كان التصرف للراهن أو لغيره , وإنما يزول عند الحنابلة لزوم الرهن بالتصرف بالمرهون , وكأنه لم يلحقه قبض.
فإذا عاد المرهون للمرتهن , عاد رهنا كما كان.
وأما عند الشافعية الذين لا يشترطون استدامة قبض الرهن , فيظل الرهن , ولو كان بيد غير المرتهن.


البدائع (6 / 146)
ليس للمرتهن أن يبيع بغير إذن الراهن , لأن الثابت له , ليس إلا ملك الحبس , فأما ملك العين فللراهن , والبيع تمليك العين , فلا يملكه المرتهن من غير إذن الراهن.
ولو باع من غير إذنه , وقف على أجازته , فإن أجاز جاز وكان الثمن رهنا.

المجلة (م746)
لو باع المرتهن الرهن بدون رضا الراهن , يكون مخيرا , إن شاء فسخ البيع , وإن شاء نفذه بالإجازة.

مغني المحتاج (2 / 135)
ولو باعه المرتهن بإذن الراهن , فالأصح أنه إن باع بحضرته صح , وإلا فلا.

المغني (4 / 331)
فإذا أخرجه المرتهن عن يده باختياره زال لزوم الرهن , وبقي العقد كأنه لم يوجد فيه قبض , سواء أخرجه بإجارة أو إعارة أو إيداع أو غير ذلك , فإذا عاد فرده إليه , عاد اللزوم بحكم العقد السابق.

مجلة الأحكام الشرعية (م993)
ليس للمرتهن أن يتصرف في الرهن مطلقا إلا بإذن الراهن , فلا يصح بيعه ولا وقفه ولا عتقه ولا رهنه ولا إجارته ولا إعارته إلا بالوكالة فيه.
متن خليل والدردير في الشرح الكبير (3 / 242)
وتولاه أي الإسكان والإجارة مما يمكن فيه الاستنابة المرتهن بإذن الراهن.


صفة يد المرتهن
يذهب الجمهور إلى أن يد المرتهن على المرهون يد أمانة , فلا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير , ولا يسقط شيء من الدين بهلاك الرهن والمالكية بالرغم من قولهم بمذهب الجمهور استحسنوا تضمين المرتهن عند وجود التهمة.
أما الحنفية فهم يقولون بأن يد المرتهن يد ضمان , فإذا امتنع رد المرهون لصاحبه بسبب هلاك أو غيره كان المرتهن مستوفيا من دينه هذا المقدار واحتسب من ضمانه , وأما ما زاد من قيمة الرهن على الدين فهو أمانة , يهلك هلاك الأمانة.


هل يد المرتهن هي يد أمانة أو يد ضمان؟ فيه اتجاهان: الأول للحنفية , والثاني للجمهور.
مذهب الحنفية:
يد المرتهن يد أمانة بالنظر لعين المال المرهون , ويد استيفاء أو ضمان بالنسبة لمالية المرهون فيما يقابل الدين من مالية الرهن.
والمعنى أن ما يساوى الدين من مالية الرهن , تعتبر يد المرتهن عليه يد ضمان أو استيفاء , فإذا امتنع رد المرهون لصاحبه بسبب هلاك أو غيره , كان المرتهن مستوفيا من دينه هذا المقدار , واحتسب من ضمانه , وأما ما زاد من قيمة الرهن على الدين فهو أمانة , يهلك هلاك الأمانة فلا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير.
وأدلتهم أنه روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن المبارك عن مصعب بن ثابت قال سمعت عطاء يحدث أن رجلا رهن عند رجل فرسا بحق له , فنفق (مات) الفرس في يد المرتهن , فاختلفا وترافعا إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للمرتهن: ذهب حقك.
وكذلك عمل الحنفية بحديث: إذا عمي الرهن فهو بما فيه وقالوا: معناه إذا اشتبهت قيمته بعد هلاكه , بأن قال كل: لا أدرى كم كانت قيمته , ضمن بما فيه من الدين.
وقالوا أيضا: وإجماع الصحابة والتابعين رضي الله عنهم على أن الرهن مضمون مع اختلافهم في كيفيته , والقول بالأمانة خرق له وروي عن ابن عمر وابن مسعود أنهما قالا: (الرهن مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين) .

مذهب الجمهور:
أن يد المرتهن على المرهون يد أمانة , فلا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير , ولا يسقط شيء من الدين بهلاك الرهن.
واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: الرهن من صاحبه الذي رهن , له غنمه وعليه غرمه أي أن للراهن زوائد الرهن ومنافعه وعليه نقصانه وهلاكه , فيد المرتهن على المرهون أمانة لا يضمنه إذا هلك في يده , فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم غرم الرهن - ومنه هلاكه - على الراهن , وإنما يكون غرمه عليه إذا هلك أمانة , لأن عليه قضاء دين المرتهن , أما إذا هلك مضمونا كان غرمه على المرتهن , حيث سقط حقه , لا على الراهن.
ثم إن وجود المرهون في يد المرتهن حدث برضا الراهن , فكان بسبب الرضا أمينا , كالوديع بالنسبة للمودع.
وقد ورد في كتاب الأم للإمام الشافعي أن الحديث الشريف الذي يستشهد به الحنفية والذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم للمرتهن ذهب حقك قد لا يصلح حجة لأن علماء الحديث قد ضعفوه.
إلا أن المالكية بالرغم من قولهم بأن يد المرتهن يد أمانة , استحسنوا تضمين المرتهن عند وجود التهمة وهي عندما يكون الرهن مما يغاب عليه (أي يمكن إخفاؤه) كالحلي والثياب والكتب والسلاح والسفينة وقت جريها , ونحوه مما يمكن إخفاؤه وكتمه , إذا كان المرهون بيد المرتهن , لا بيد أمين (عدل) ولم تقم بينه (شهادة اثنين مثلا) أو شاهد مع يمين المدعي على احتراقه أو سرقته أو تلفه , بلا تعد ولا إهمال من المرتهن.
أما إذا كان المرهون مما لا يغاب عليه (لا يمكن إخفاؤه) كالعقار والحيوان , أو كان الرهن بيد أمين , أو قامت بينة على تلفه بلا تعد ولا تقصيرا وإهمال من المرتهن , فلا يضمنه المرتهن عند هلاكه.


كيفية ضمان المرتهن
يضمن المرهون عند الحنفية بالأقل من قيمته ومن الدين بشروط ثلاثة , ولا يضمن عند الجمهور إلا بالتعدي أو التقصير كسائر الأمانات , إلا أن المالكية قالوا بضمانه عند التهمة بأن كان مما يغاب عليه (يمكن إخفاؤه) .


هناك اتجاهان في كيفية ضمان المرتهن:
مذهب الحنفية: المرهون مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين فإن كانت القيمة أقل من الدين , فهو مضمون بالقيمة , وسقط من الدين بقدرها , ورجع المرتهن بالفضل الزائد على الرهن.
وإن تساوى الدين وقيمة المرهون , صار المرتهن مستوفيا دينه حكما , لتعلق قيمة الرهن بذمته.
وإن كانت قيمة الرهن أكثر من الدين , فالفضل الزائد أمانة في يد المرتهن , لا يضمن ما لم يتعد عليه , أو يقصر في حفظه.
ودليلهم ما روي عن ابن عمر وابن مسعود أنهما قالا: (الرهن مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين) .
وهكذا روي عن علي رضي الله عنه في بعض الروايات.

واشترط الحنفية لضمان الرهن على النحو المذكور شروطا ثلاثة:
أ - شرط بقاء الدين:
أي وجود الدين عند هلاك المرهون , أو أن يكون موعدا به عند قبض الرهن.
فإذا سقط الدين قبل هلاك الرهن بالإبراء أو بالوفاء ونحوهما , ثم هلك الرهن , فإنه يهلك على الراهن بغير شيء ولا ضمان على المرتهن حينئذ.
ب - شرط بقاء القبض:
أي أن يكون هلاك الرهن في يد المرتهن , أو في يد العدل , وفي حال قبضه على حكم الرهن.
فإذا هلك المرهون وهو في يد الراهن أو في يد غاصبه , لم يهلك هلاك الرهن , وإنما يهلك على ضمان الراهن إذا كان في يده , أو على ضمان الغاصب إذا هلك في يده.
وإذا أذن الراهن المرتهن في الانتفاع بالرهن , فهلك حال انتفاعه به بناء على الإذن , فإنه أيضا يهلك هلاك الأمانة , ولا يسقط بهلاكه شيء من الدين , لأنه لم يهلك في قبض الرهن , وإنما هلك في قبض العارية.
أما إن هلك قبل أن يبدأ انتفاعه به أو بعد انتهائه , فإنه يهلك هلاك الرهن , لأنه هلك في قبض الرهن.
ج - شرط كون المرهون مقصودا بالرهن:
أي ألا يكون الهالك من زيادة الرهن ونمائه , مما يدخل في الرهن تباعا , كالولد واللبن والثمرة والصوف ونحوها , من كل زيادة متولدة منفصلة.
فإذا هلك النماء أو الزيادة , هلك هلاك الأمانة , لأن الزيادة لم تدخل في الرهن إلا تبعا للأصل , فكانت يد المرتهن عليها يدا تابعة ليده على أصلها.

مذهب الجمهور غير الحنفية في كيفية ضمان الرهن
لا يضمن الرهن عند جمهور الفقهاء إذا هلك بلا تعد ولا تقصير , وهو في يد المرتهن , وإنما يضمن بالتعدي أو التقصير , ولا يسقط شيء من الدين بتلف المرهون , إلا أن المالكية ضمنوا المرتهن إذا كان الرهن مما يغاب عليه , أي يمكن إخفاؤه , كالحلي والسلاح والثياب والكتب والسفينة وقت جريها , إذا كان المرهون في يده وحيازته , لا في يد أمين , ولم تقم بينة على هلاكه من غير تعد ولا تقصير.
وحينئذ يضمن قيمته بالغة ما بلغت , ويستمر الضمان إلى تسليم الرهن لصاحبه , فلا يرفعه وفاء الدين ولا سقوطه.
ويسقط عندهم دين المرتهن إن كان مساويا للرهن.
ولديهم قولان في وقت تقدير قيمة المرهون: قول بتقديرها يوم الضياع (أي التغيب) وقول بتقديرها يوم الارتهان.
وكيفية ضمانه عندهم أن العاقدين يترادان الفضل بينهما بسبب التفاوت بين قيمة الدين وقيمة الرهن , أي الضمان يكون للأقل من قيمة الرهن والدين , كالحنفية.


الهداية وتكملة فتح القدير (8 / 198)
وهو مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين , فإذا هلك في يد المرتهن وقيمته , والدين سواء , صار المرتهن مستوفيا لدينه , وان كانت قيمة الرهن أكثر , فالفضل أمانة في يده , لأن المضمون بقدر ما يقع به الاستيفاء وذاك بقدر الدين.
وان كانت أقل سقط من الدين بقدره , ورجع المرتهن بالفضل , لأن الاستيفاء بقدر المالية. . الخ.

مرشد الحيران (م986)
الرهن مضمون على المرتهن بهلاكه بعد قبضه بالأقل من قيمته ومن الدين.
وتعتبر قيمته يوم قبضه , لا يوم هلاكه.


ولاية بيع الرهن
للراهن بيع المرهون بإذن المرتهن اتفاقا , لإيفاء الدين.
فإن أبي الراهن البيع أجبره القاضي على البيع عند الجمهور بدون حبس , ويحبسه القاضي عند أبي حنيفة حتى يبيعه بنفسه.


اتفق الفقهاء على أن المرهون يظل ملكا للراهن بعد تسليمه للمرتهن كما دلت السنة النبوية لا يغلق الرهن من صاحبه فتكون ولاية بيع المرهون للراهن لا لغيره لكن تعلق حق المرتهن به , وثبوت حق حبسه إياه عند الجمهور (غير الشافعية) وكونه أولى بماليته من الراهن , يتوقف عند الحنفية والمالكية نفاذ بيعه على رضا المرتهن وإذنه , ما دام حقه قائما , فإذا انتهى هذا الحق , نفذ البيع بانتهائه.
وعليه , يكون للراهن باتفاق الفقهاء أن يبيع الرهن بإذن المرتهن , وهذا هو البيع الاختياري.
ومن المعلوم أن الرهن هو وثيقة بالدين , والهدف المقصود منه هو الحصول على الدين من ثمن المرهون إذا لم يوف الراهن المدين بالدين عند حلول أجل الدين , عن طريق بيع المرهون.
ويتم البيع في الأحوال العادية بواسطة الراهن أو وكيله , لأنه هو المالك للمرهون.
وبناء عليه , إذا حل الدين , طالب المرتهن الراهن بوفاء الدين , فإن استجاب إلى طلبه , فوفى تحقق المقصود , وإن لم يستجب لمطل أو إعسار أو لغيبة , أجبره القاضي على البيع باتفاق الفقهاء , وهذا هو البيع الجبري.
ويجبر القاضي عند الحنفية والمالكية وكيل الراهن على البيع , ولا يجبر عند الشافعية والحنابلة لأن الوكيل متفضل , له أن يتخلى عن وكالته فلا يجبر على البيع , وإنما يتم البيع بواسطة القاضي إذا كان الراهن غائبا , أو كان حاضرا وأبي البيع ويطلب القاضي أولا من الراهن الحاضر بيع المرهون , فإن امتثل تم المطلوب , وإن امتنع باعه القاضي عند (المالكية والشافعية والحنابلة وصاحبي أبي حنيفة) بدون حاجة إلى إجباره بحبس أو ضرب أو تهديد.
وقال أبو حنيفة ليس للقاضي أن يبيع الرهن بدين المرتهن , من غير رضا الراهن , لكنه يحبس الراهن حتى يبيعه بنفسه.
وإذا وجد في مال المدين الراهن مال من جنس الدين , وفي الدين منه , ولا حاجة حينئذ إلى البيع جبرا.
وإذا احتاج بيع المال المرهون إلى نفقات , كانت على الراهن لأنه هو المالك , وهو ملزم بقضاء الدين , والبيع نتيجة لعدم وفائه.


المجلة (م756) :
ليس لكل من الراهن والمرتهن بيع الرهن بدون رضا صاحبه.
وفي (م 757) :
إذا حل وقت أداء الدين , وامتنع الراهن عن أدائه , فالحاكم يأمره ببيع الرهن وأداء الدين , فإن أبى وعاند , باعه الحاكم وأدى الدين.

وفي (م 758) :
إذا كان الراهن غائبا ولم تعلم حياته ولا مماته , فالمرتهن يراجع الحاكم على أن يبيع الرهن ويستوفي الدين.

وفي متن خليل والشرح الكبير (3 / 251)
وباع الحاكم الرهن إن امتنع الراهن من بيعه وهو معسر , أو امتنع من الوفاء وهو موسر , ولا يحبس , ولا يضرب , ولا يهدد.
وكذا يباع إذا غاب الراهن مع ثبوت الدين والرهن , ولو كان غيره أولى بالبيع.
ورجع مرتهنه على الراهن بنفقته التي أنفقها عليه حيث احتاج كالحيوان وكعقار احتاج لحرمة , ولو زادت النفقة على قيمة الرهن , لأن غلته له , ومن له الغلة عليه النفقة في الذمة , أي ذمة الراهن , لا في عين الرهن.

وفي المنهاج ومغني المحتاج (2 / 134)
ويستحق بيع المرهون عند الحاجة لوفاء الدين إن لم يوف من غيره.

وفي كشاف القناع (3 / 330)
إذا حل الدين لزم المدين الراهن الإيفاء. .
فإن امتنع من وفائه , فإن كان الراهن أذن للمرتهن في بيعه أو أذن العدل في بيعه , باعه , لأنه مأذون له فيه , ووفي الدين من ثمنه.
فإن لم يكن أذن في بيع الرهن , أو كان أذن فيه ثم عزله , رفع المرتهن الأمر إلى حاكم فيجبره (أي المدين) على وفاء الدين أو بيع الرهن للوفاء من ثمنه , لأن هذا شأن الحاكم.


حق امتياز المرتهن
يثبت حق الامتياز للمرتهن مفضلا على بقية الدائنين الغرماء بالاتفاق إن ضاق مال الراهن عن وفائه ديونه , وإن اتسع يأخذ حقه ويوزع الباقي بين الدائنين العاديين.
وذلك إذا حل أجل الدين , وإن لم يحل يصبح الثمن رهنا بدل أصله.


حق الامتياز أو الأفضلية أو التقدم:
معناه أن يكون المرتهن أولى أو أحق بثمن المرهون من سائر الغرماء (الدائنين) العاديين حتى يستوفي حقه , حيا كان الراهن أو ميتا , ويثبت هذا الحق للمرتهن باتفاق الفقهاء ما عدا الظاهرية , بناء على تعلق حقه أو دينه بالمال المرهون , وكون الرهن وثيقة بالدين , وثبوت حق المرتهن في حبسه عند الجمهور غير الشافعية , ومنع الراهن من التصرف بالرهن إلا بإذن المرتهن باتفاق المذاهب.
وعليه إذا ضاق مال الراهن عن وفاء ديونه , وطالب الغرماء بديونهم , أو حجر على المدين لإفلاسه عند مجيزي الحجر , خلافا لأبي حنيفة وأريد قسمة ماله بين غرمائه (دائنيه) .
فأول من يقدم هو المرتهن لاستيفاء حقه من ثمن المرهون , أو من قيمته عند ضمانه , عوضا عنه من قيمته أو مثل , أيا كان الضامن , بسبب الإتلاف.
ولا يحق الاعتراض لباقي الغرماء , ولهم أخذ ما فضل من الثمن لأن حق المرتهن متعلق بعين الرهن وذمة الراهن معا , فهو صاحب حق عيني , وأما سائر الغرماء فيتعلق حقهم بالذمة دون العين , فكان حقه أقوى وحقهم شخصي فقط.
هذا. . . إن كان ثمن المرهون كافيا لحق المرتهن , ويفضل منه شيء , فيوزع الفاضل أو الباقي على الغرماء بالتساوي , فإن فضل من دين المرتهن شيء أخذ ثمن المرهون , وساهم مع الغرماء ببقية دينه.
ويسدد دين المرتهن من ثمن المرهون إذا كان الدين حالا , فإن كان مؤجلا وبيع الرهن لسبب من الأسباب التي تستوجب بيعه قبل حلول أجل الدين , كما في بيع ما يسارع إليه الفساد , فإن الثمن يبقى رهنا بدل أصله إلى أن يحل الدين.


جاء في البدائع (6 / 153)
إذا بيع الرهن في حال حياة الراهن , وعليه ديون أخر , فالمرتهن أحق بثمنه من بين سائر الغرماء , لأن بعقد الرهن يثبت له الاختصاص بالمرهون , فيثبت له الاختصاص ببدله , وهو الثمن. . . الخ.

وفي القوانين الفقهية (ص 324)
وإذا قبض الرهن , ثم أفلس الراهن أو مات , فالمرتهن أحق به من سائر الغرماء.
ويصح أن يقبض الرهن المرتهن أو أمين يتفقان عليه.

وفي مغني المحتاج (2 / 134)
ويقدم المرتهن بثمنه (ثمن المرهون) على سائر الغرماء , لأن ذلك فائدة الرهن.

وفي المغني (4 / 404)
والمرتهن أحق بثمن الرهن من جميع الغرماء , حتى يستوفي حقه , حيا كان الراهن أو ميتا.


اشتراط المرتهن تملكه للرهن عند عدم الوفاء غلاق الرهن
لا يصح باتفاق الفقهاء اشتراط أن يصير المرهون مملوكا للمرتهن إذا لم يوف المدين للراهن له دينه.


اتفق الفقهاء على أنه إذا شرط المرتهن في عقد الرهن أنه متى حل الدين ولم يوف , فالمرهون له بالدين , أو فهو مبيع له بالدين الذي على الراهن , فهو شرط فاسد لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يغلق الرهن من صاحبه قال الإمام مالك لا يغلق الرهن معناه والله أعلم: لا يمنع من فكه , والنهي عن الشيء يقتضي فساد المنهى عنه.
وقال الأزهري الغلق في الرهن: ضد الفك , فإذا فك الراهن الرهن , فقد أطلقه من وثاقه عند مرتهنه.
وروى عبد الرزاق عن معمر أنه فسر غلاق الرهن بما إذا قال الرجل: إن لم آتك بمالك , فالرهن لك.
والمراد بالحديث لا يستحق المرتهن تملك الرهن , إذا لم يفتك في الوقت المشروط , فلو هلك لم يذهب حق المرتهن , وإنما يهلك من رب الرهن , إذ له غنمه وعليه غرمه.
قال النووي في المنهاج وشراحه: ولو شرط كون المرهون مبيعا له عند الحلول , فسد , أي الرهن لتأقيته , والبيع لتعليقه.
والمرهون قبل المحل (أي وقت الحلول) أمانة , لأنه مقبوض بحكم الرهن الفاسد , وبعده مضمون بحكم الشراء الفاسد.
ولأبي الخطاب من الحنابلة وبعض الحنفية قول بأن الرهن لا يفسد بهذا الشرط , لأن الحديث: لا يغلق الرهن نفي غلقه دون أصله , فيدل على صحته , ولأن الراهن قد رضي برهنه مع هذا الشرط , فمع بطلانه أولى أن يرضى به.
ورد ابن قدامة الحنبلي بأنه رهن بشرط فاسد , فكان فاسدا , كما لو شرط توقيته , وليس في الخبر أنه شرط ذلك في ابتداء العقد , فلا يكون فيه حجة.


المغني (4 / 383) :
وإن شرط أنه متى حل الحق , ولم يوفني , فالرهن لي بالدين , أو فهو مبيع بالدين الذي عليك , فهو شرط فاسد.
روي ذلك عن ابن عمر وشريح والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي , لا نعلم أحدا خالفهم. . الخ.


انتهاء الرهن
ينتهي الرهن بتسليم المرهون لصاحبه عند الجمهور , وبتسديد الدين كله اتفاقا , وبالبيع , والبراءة من الدين , وفسخ المرتهن الرهن , وبموت الراهن قبل قبض المرهون عند الحنفية والمالكية ,
وكذا بموت المرتهن وإفلاس الراهن عند المالكية.
وينتهي بهلاك المرهون بالاتفاق , وبالتصرف بالمرهون بالإجارة أو الهبة أو الصدقة من الراهن أو المرتهن بإذن الآخر.


ينتهي عقد الرهن بحالات كالإبراء والهبة ووفاء الدين ونحوها , وهي ما يأتي:
أ - تسليم المرهون لصاحبه:
ينتهي الرهن بتسليم المرهون لصاحبه عند الجمهور غير الشافعية , لأنه وثيقة بالدين , فإذا سلم المرهون , لم يعد الاستيثاق قائما فينتهي الرهن , كما ينتهي عند الجمهور بإعارة المرتهن الشيء المرهون للراهن , أو لغيره بإذنه.

ب - تسديد الدين كله:
إذا وفى الراهن الدين المرهون به , انتهى الرهن.

ج - البيع الجبري:
الصادر من الراهن بأمر القاضي , أو من القاضي إذا أبى الراهن البيع , فإذا بيع المرهون وفى الدين من ثمنه , وزال الرهن.
أما البيع الاختياري الحاصل من الراهن بإذن المرتهن , فإن كان بعد حلول أجل الدين , تعلق الحق بثمنه.
وإن كان قبل حلوله , تعلق الحق أيضا عند أبي حنيفة ومحمد بالثمن , فيصبح رهنا , لأن الراهن باع الرهن بإذن المرتهن , فوجب أن يثبت حقه فيه , كما لو حل الدين.
وقال الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) : يبطل الرهن ببيع المرهون بإذن المرتهن , ولم يكن على الراهن عوضه , ويبقى الدين بلا رهن.

د - البراءة من الدين بأي وجه:
ولو بحوالة المرتهن على مدين للراهن , ولو اعتاض المرتهن عن الدين عينا أخرى غير الأولى , انفك الرهن.

هـ - فسخ الرهن من قبل المرتهن , ولو بدون قبول الراهن
لأن الحق له , والرهن جائز غير لازم من جهة المرتهن , ولا ينتهي الرهن بفسخه من الراهن , للزومه من جهته.
ويشترط الحنفية لانفساخ الرهن بقول المرتهن رد المال المرهون إلى الراهن , لأن الرهن لا يلزم إلا بالقبض , فكذا فسخه لا يتم إلا بالقبض , عن طريق رد المال المرهون إلى الراهن.
ويبطل الرهن عند المالكية بترك الرهن قبل القبض في يد الراهن حتى باعه , لأن تركه على هذا الوضع كتسليم المرتهن بالأمر , فصار في معنى الفسخ.
وكذلك ينتهي الرهن عندهم بإذن المرتهن للراهن في بيع الرهن بعد أن سلمه له , وباعه فعلا , ويبقى الدين بلا رهن.

و يبطل الرهن عند المالكية قبل قبضه بموت الراهن أو إفلاسه
أو قيام الغرماء بمطالبته بأداء الدين , أو برفع أمره إلى الحاكم يطلبون الجحر عليه , أو بمرضه أو بجنونه المتصلين بوفاته , لأن الرهن يلزم عندهم بمجرد الإيجاب والقبول.
ويبطل الرهن عند الحنفية بموت الراهن أو المرتهن قبل التسليم , ولا يبطل بإفلاس الراهن , ولا يبطل الرهن عند الشافعية والحنابلة بوفاة الراهن أو المرتهن قبل التسليم , ولا بجنون أحدهما , ولا بإفلاس الراهن.
أما بعد قبض المرهون , فلا يبطل الرهن بالاتفاق بموت الراهن أو المرتهن , أو بإفلاس الراهن.

ي - هلاك المرهون:
ينتهي عقد الرهن باتفاق الفقهاء بهلاك المال المرهون , سواء عند الجمهور القائلين بأن المرهون أمانة غير مضمونة على المرتهن إلا بالتعدي أو التقصير , أو عند الحنفية القائلين بأن المرهون بالنسبة لماليته مضمون إذا هلك بالأقل من قيمته ومن الدين , لانعدام محل العقد.

ح - التصرف بالمرهون:
بالإجارة أو بالهبة أو الصدقة: ينتهي الرهن إذا أقدم كل من الراهن والمرتهن على إجارة الرهن أو هبته أو التصدق به أو بيعه لأجنبي بإذن صاحبه , كما ينقضي باستئجار المرتهن العين المرهونة من الراهن إذا جدد القبض بناء على الإجارة.
أما البيع من المرتهن للراهن , فلا ينقضي به الرهن , لأن للمال المرهون خلفا , هو الثمن , فيحل الثمن محل أصله في الرهنية.