فقه
المعاملات الصرف
تعريف الصرف
الصرف: هو بيع النقد بالنقد. والمراد بالنقد: ما خلق للثمنية , وهو الذهب
والفضة. وكذا ما يلحق به في الحكم من الأوراق النقدية كالريال السعودي
والدولار الأمريكي وغيرها.
الصرف: هو بيع النقد بالنقد. والمراد
بالنقد: ما خلق للثمنية , وهو الذهب والفضة. وكذا ما يلحق به في الحكم من
الورق النقدي.
ولا فرق في ذلك عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة بين أن
يباع الجنس بجنسة , كالذهب بالذهب , والفضة بالفضة , وبين أن يباع الجنس
بغير جنسه كالذهب بالفضة , فكل ذلك يسمونه صرفا.
وخالفهم في ذلك الاصطلاح المالكية , حيث إنهم قسموا بيع النقد بالنقد إلى
ثلاثة أقسام: مراطلة , ومبادلة , وصرف.
وعنوا بالمراطلة: بيع النقد بمثله وزنا ,
وبالمبادلة: بيع النقد المسكوك بمثله عددا ,
وبالصرف: بيع النقد بنقد من غير صنفه , كبيع الذهب بالفضة أو بيع أحدهما
بالفلوس. ولا مشاحة في الاصطلاح.
مجلة الأحكام العدلية (ص 31)
الصرف: بيع النقد بالنقد. (م 121) .
المغني لابن قدامة (6 / 112)
الصرف: بيع الأثمان بعضها ببعض.
كشاف القناع (3 / 253)
(المصارفة: وهي بيع نقد بنقد) اتحد الجنس أو اختلف. سميت بذلك لصريفهما ,
وهو تصويتهما في الميزان. وقيل: لانصرافهما أي المتصارفين عن مقتضى
البياعات من عدم جواز التفرق قبل القبض ونحوه.
بدائع الصنائع (5 / 215)
الصرف في متعارف الشرع اسم لبيع الأثمان المطلقة بعضها ببعض , وهو بيع
الذهب بالذهب والفضة بالفضة وأحد الجنسين بالآخر. فاحتمل تسمية هذا النوع
من البيع صرفا لمعنى الرد والنقل. يقال: صرفته عن كذا إلى كذا , سمى صرفا
لاختصاصه برد البدل ونقله من يد إلى يد.
ويحتمل أن تكون التسمية لمعنى الفضل , إذ الصرف يذكر بمعنى الفضل , كما روي
في الحديث من فعل كذا لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا فالصرف الفضل وهو
النافلة , والعدل الفرض سمي هذا العقد صرفا لطلب التاجر الفضل منه عادة لما
يرغب في عين الذهب والفضة.
الدر المحتار (4 / 234)
(الصرف) شرعا (بيع الثمن بالثمن) أي ما خلق للثمنية , ومنه المصوغ (جنسا
بجنس , أو بغير جنس) كذهب بفضة.
مغني المحتاج (2 / 25)
تنبيه: بيع النقد بالنقد من جنسه وغيره يسمى صرفا.
لباب اللباب لابن راشد القفصي المالكي (137)
والنقد إن بيع بغير نوعه سمي صرفا , وإن بيع بنوعه وزنا سمي مراطلة , وإن
بيع بنوعه عددا سمي مبادلة.
الشرح الكبير للدردير (3 / 41)
بيع النقد بنقد غير صنفه يسمى صرفا , وبصنفه مسكوكين عددا مبادلة , وبه
وزنا مراطلة.
مراجع إضافية
أنظر كفاية الطالب الرباني وحاشية العدوي عليه (2 / 130) , تبيين الحقائق
(4 / 134) , شرح منتهى الإرادات (2 / 201) , الهداية مع فتح القدير
والعناية والكفاية (6 / 258) بداية المجتهد (2 / 199)
دليل مشروعية الصرف
أجمع الفقهاء على مشروعية عقد الصرف , ومستندهم في ذلك القرآن الكريم
والسنة النبوية الصحيحة.
لقد ثبتت مشروعية الصرف بالكتاب والسنة
والإجماع.
الدليل من الكتاب:
تتبين مشروعية الصرف بعموم قوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا}
(البقرة: 275) حيث أن الصرف نوع من البيع , إذ هو بيع النقد بالنقد , أو
الثمن المطلق بالثمن المطلق , وهو الدراهم والدنانير وما يجري مجراها.
الدليل من السنة:
وردت مشروعية الصرف بقوله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب , والفضة
بالفضة.. إلى أن قال: مثلا بمثل , سواء بسواء , يدا بيد. فإذا اختلفت هذه
الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد. رواه مسلم وأبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة. ومراده عليه الصلاة والسلام بقوله (الذهب بالذهب. . .
إلى آخر الحديث) أي بيعوا الذهب بالذهب والفضة بالفضة. . الخ.
الدليل من الإجماع:
فقد أجمع الفقهاء على مشروعية عقد الصرف بشروطه الشرعية.
العناية على الهداية (6 / 259)
وقد دل على مشروعيته - أي الصرف - قوله تعالى {وأحل الله البيع} وقوله عليه
الصلاة والسلام: الذهب بالذهب.. الحديث.
حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (4 / 110)
قال صاحب التحفة: البيع أربعة أنواع ,
أحدها: بيع العين بالعين كبيع السلع بأنواعها , نحو بيع الثوب بالثوب وغيره
, ويسمى هذا بيع المقايضة.
والثاني: بيع العين بالدين نحو بيع السلع بالأثمان المطلقة وبيعها بالفلوس
الرائجة والمكيل والموزون والمعدود المتقارب دينا.
والثالث: بيع الدين بالدين , وهو بيع الثمن المطلق بالثمن المطلق , وهو
الدراهم والدنانير , وأنه يسمى عقد الصرف.
والرابع: بيع الدين بالعين وهو السلم , فإن المسلم فيه مبيع وهو دين , ورأس
المال قد يكون عينا وقد يكون دينا , ولكن قبضه شرط قبل افتراق العاقدين
بأنفسهما , فيصير عينا.
مغني المحتاج (2 / 25)
تنبيه: بيع النقد بالنقد من جنسه وغيره يسمى صرفا. ويصح على معنيين
بالإجماع , كبعتك أو صارفتك هذا الدينار بهذه الدراهم وعلى موصوفين على
المشهور: كقوله بعتك أو صارفتك دينارا صفته كذا في ذمتي بعشرين درهما من
الضرب الفلاني في ذمتك. . .
مراجع إضافية
انظر فتح القدير والعناية والكفاية (6 / 259) , المبسوط (14 / 2 - 5) تكملة
المجموع للسبكي (10 / 93) , الأم (3 / 25) , بداية المجتهد (2 / 195 , 196)
, الإقناع لابن المنذر (1 / 256)
الوصف الفقهي للصرف
الصرف نوع من أنواع البيوع لأنه مبادلة نقد بنقد وهو عقد لازم.
البيع أربعة أنواع:
أحدها: بيع العين بالعين كبيع السلع بأنواعها , نحو بيع الثوب بالثوب وغيره
, ويسمى هذا بيع المقايضة.
والثاني: بيع العين بالدين نحو بيع السلع بالأثمان المطلقة وبيعها بالفلوس
الرائجة والمكيل والموزون والمعدود المتقارب دينا.
والثالث: بيع الدين بالعين وهو السلم , فإن المسلم فيه مبيع وهو دين , ورأس
المال قد يكون عينا وقد يكون دينا , ولكن قبضه شرط قبل افتراق العاقدين
بأنفسهما , فيصير عينا.
والرابع: بيع الدين بالدين , وهو بيع الثمن المطلق بالثمن المطلق , وهو
الدراهم والدنانير , وأنه يسمى عقد الصرف.
والصرف كبقية أنواع البيوع هو من العقود اللازمة التي لا تفسخ إلا بإرادة
الطرفين.
الحكم التكليفي
للصرف
الصرف مشروع على سبيل الإباحة كبقية المعاوضات.
الأصل في الصرف أنه مشروع على سبيل الإباحة
ولكن قد يصير محرما إذا اشترط فيه تأجيل قبض أحد البدلين , أو مندوبا لقضاء
حاجة المضطر إلى الحصول على جنس آخر من النقد.
أقسام الصرف
ينقسم الصرف إلى أنواع كثيرة أهمها:
بيع أحد النقدين (الذهب والفضة) بجنسه.
بيع أحد النقدين بالآخر.
بيع النقد بالنقد ومع أحدهما أو كليهما شيء آخر.
الصرف في الذمة.
ينقسم الصرف إلى أنواع كثيرة تتعلق بها
أحكام وأهمها ما يلي:
بيع أحد النقدين بجنسه
يجب أن يكون يدا بيد مثل بمثل في المقدار والوزن لحديث عبادة بن الصامت
مرفوعا: الذهب بالذهب , والفضة بالفضة.... مثلا بمثل يدا بيد
بيع أحد النقدين بالآخر
وقد اتفق الفقهاء على جواز التفاضل بينهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ويشترط في هذا النوع
أيضا التقابض في المجلس قبل الافتراق.
بيع النقد بالنقد ومع أحدهما أو كليهما شيء آخر
ويشترط فيه التقابض أيضا عند الحنفية الذين أجازوه بشرط أن يزيد الثمن
(النقد المفرد) على النقد المضموم إليه أو أن يكون مع كل واحد منهما شيء من
غير جنسه وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جوازه.
الصرف في الذمة
وهو أن يكون البدلان المختلفان في ذمة العاقدين , وقد أجازها الحنفية
والمالكية خلافا للشافعية والحنابلة. والصورة الثانية أن يكون في ذمة
أحدهما نقد من جنس فيتفقا على أدائه بجنس آخر , وقد أجازها الجمهور خلافا
للمالكية.
الصيغة
صيغة الصرف هي الإيجاب والقبول بأي لفظ يدل على مبادلة النقد بالنقد.
ينعقد الصرف بصدور الإيجاب من أحد العاقدين
والقبول من الآخر , واتفق الفقهاء على أن الصيغة يجب أن تكون منجزة يترتب
عليها أثرها في الحال. فلا يقبل التعليق على شرط , ولا الإضافة إلى زمن
مستقبل.
صفات العاقدين
لما كانت عقود المعاوضات المالية كالبيع والسلم والاستصناع والصرف تنشأ بين
متعاقدين بإرادتهما , اشترط الفقهاء في كل واحد من العاقدين أن يكون أهلا
لصدور العقد عنه , وأن يكون له ولاية إذا كان يعقد لغيره.
الصرف هو عقد معاوضة مالية ينشأ بين طرفين
متعاقدين بإرادتهما الحرة , فلا بد لانعقاد الصرف ونفاذه أن يكون عاقداه من
أهل العبارة المعتبرة في إنشاء العقود والالتزام بآثارها ويتحقق ذلك بتوافر
شرطين فيهما:
الشرط الأول: أن يكونا أهلا للمعاملة والتصرف:
أي أن يكون عندهما أهلية أداء. وأهلية الأداء التي تعني صلاحية الشخص لصدور
الأقوال منه على وجه يعتد به شرعا.
وتتحقق هذه الأهلية عند جمهور الفقهاء في الإنسان المميز العاقل الرشيد غير
المحجور عليه بأي سبب من أسباب من الحجر , ولم يكتف الشافعية بالتمييز بل
اشترطوا البلوغ فلا ينعقد عندهم بيع الصبي لعدم أهليته.
الشرط الثاني: أن يكون لهما ولاية على العقد:
أي أن يكون للعاقد سلطة تمكنه من تنفيذ العقد وترتيب آثاره عليه , ويكون
ذلك إما بتصرف العاقد أصالة عن نفسه وإما أن يكون مخولا في ذلك بأحد
طريقين:
- بالنيابة الاختيارية التي تثبت بالوكالة. ولابد فيها أن يكون كل من
الوكيل والموكل أهلا لإنشاء عقود المعاوضات المالية.
- أو بالنيابة الإجبارية التي تثبت بتولية الشارع , وتكون لمن يلي مال
المحجور عليهم من الأولياء والأوصياء الذي جعلت لهم سلطة شرعية على إبرام
العقود وإنشاء التصرفات المالية لمصلحة من يلونهم.
محل العقد
محل العقد هو الأثمان المتبادلة بعقد الصرف.
محل العقد في الصرف يشمل ما يقدمه كل عاقد
من الأثمان المراد مبادلتها كالذهب والفضة والعملات النقدية لأن الصرف هو
بيع الثمن بالثمن.
تقابض البدلين
يشترط لصحة الصرف التقابض في البدلين قبل التفرق. فإذا تفرق العاقدان عن
المجلس قبله بطل العقد. ولو تقابضا البعض ثم افترقا صح الصرف في القدر
المقبوض وبطل فيما سواه. ولو كل أحدهما وكيلا في القبض , فقبض الوكيل البدل
قد تفرقهما صح الصرف , أما إذا تفرقا قبل قبضه بطل.
ولا يشترط التقابض الفوري عقب العقد , ولا يضر طول لبثهما في الجلوس ولا
طول مصاحبتهما إذا وقع القبض قبل التفرق بالأبدان عند جمهور الفقهاء.
وخالفهم المالكية فاشترطوا الفورية فيه.
اتفق الفقهاء على أنه يشترط في صحة عقد
الصرف تقابض البدلين من الجانبين في المجلس قبل التفرق. قال ابن المنذر
أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن
يتقابضا أن الصرف فاسد.
واستدلوا على ذلك بالسنة وقول الصحابة والمعقول.
دليل شرط التقابض من السنة
فما روى عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الذهب بالورق
ربا إلا هاء وهاء أخرجه البخاري ومسلم.
وما روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: لا تبيعوا
الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل , ولا تشفوا بعضها على بعض , ولا تبيعوا الورق
بالورق إلا مثلا بمثل , ولا تشفوا بعضها على بعض , ولا تبيعوا منها غائبا
بناجز رواه البيهقي ومالك.
وما روى عبادة بن الصامت عنه صلى الله عليه وسلم قال: الذهب بالذهب والفضة
بالفضة.. إلى أن قال: مثلا بمثل , سواء بسواء , يدا بيد. فإن اختلفت هذه
الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد رواه مسلم وأصحاب السنن.
وما روى روى البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع
الذهب بالورق دينا أخرجه النسائي والدارقطني.
فقد دلت هذه النصوص على اشتراط تقابض البدلين قبل الافتراق.
دليل شرط التقابض من قول الصحابة
فما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ,
ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تبيعوا الذهب بالورق أحدهما
غائب والآخر ناجز , وإن استنظرك حتى يلج بيته فلا تنظره , إني أخاف عليكم
الربا. أخرجه مالك والبيهقي.
وما روى عن ابن عباس أنه سئل عن الصرف , فقال: أيدا بيد؟ قيل: نعم. قال:
فلا بأس به رواه مسلم.
دليل شرط التقابض من المعقول
فهو أنه لا بد من قبض أحد البدلين قبل الافتراق , كيلا يكون افتراقا عن دين
بدين , وهو منهي عنه. ولا بد من قبض الآخر لعدم أولوية أحد العوضين في
القبض - حيث استويا في الثمنية - تحقيقا للمساواة بينهما , لأن المنقود خير
من النسيئة , فيتحقق الفضل في أحد العوضين - إن لم يقبض الآخر - وهو ربا ,
فوجب قبضهما.
المراد بالتفريق
والمراد بالتفرق في هذا المقام هو افتراق العاقدين بأبدانهما. فلو قاما عن
المجلس مصطحبين ومشيا قليلا أو كثيرا , فليسا بمفترقين. وعلى ذلك نص جمهور
الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة , ولا يضر طول لبثهما في المجلس
ولا طول مصاحبتهما إذا وقع التقابض قبل التفرق بالأبدان.
وخالفهم المالكية في عدم اشتراط الفورية وقالوا: يشترط التقابض فور العقد ,
فإذا تأخر التقابض بطل الصرف إن كان التأخير طويلا , ويجوز مع الكراهة إن
كان التأخير يسيرا.
التوكيل في الصرف
لا خلاف بين الفقهاء في أنه لو وكل أحدهما وكيلا في القبض , فقبض الوكيل
قبل تفرقهما صح الصرف , وإن تفرقا قبل قبض الوكيل بطل , لأن التقابض قبل
الافتراق شرط وقد فات , إذ القبض من حقوق العقد , وهي تتعلق بالعاقدين ,
فمن أجل ذلك اعتبر افتراقهما.
ولو تقابضا البعض ثم افترقا صح الصرف في المقبوض لوجود شرطه وبطل فيما لم
يقبض لفواته.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص
191)
يشترط في الصرف التقابض في المجلس , فلو افترقا قبله بطل. والمعتبر في هذا
التفرق ما يبطل به خيار المجلس (م 474) .
يجوز تفريق الصفقة في الصرف فلو قبض بعض العوض في المجلس وتفرقا قبل قبض
الباقي , صح فيما قبض وبطل في الباقي. (م475)
إذا وكل أحد عاقدي الصرف شخصا في القبض يقوم قبض , الوكيل مقام قبضه , لكن
العبرة في التفريق لحال الموكل العاقد دون الوكيل. فلو فارق الموكل قبل
القبض بطل , ولا تضر مفارقة الوكيل. أما لو كانت وكالته في العقد فالعبرة
لحال الوكيل دون الموكل. (م482)
بداية المجتهد (2 / 197)
اتفق العلماء على أن من شرط الصرف أن يقع ناجزا. واختلفوا في الزمان الذي
يحد , هذا المعنى , فقال أبو حنيفة والشافعي الصرف يقع ناجزا ما لم يفترق
المتصارفان , تعجل أو تأخر القبض. وقال مالك إن تأخر القبض في المجلس بطل
الصرف , وإن لم يفترقا , حتى كره المواعدة فيه. وسبب الخلاف ترددهم في
مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام إلا هاء وهاء وذلك أن هذا يختلف بالأقل
والأكثر , فمن رأى أن هذا اللفظ صالح لمن لم يفترق من المجلس , أعنى أنه
يطلق عليه أنه باع هاء وهاء قال: يجوز التأخير في المجلس. ومن رأى أن اللفظ
لا يصح إلا إذا وقع القبض من المتصارفين على الفور , قال: إن تأخر القبض عن
العقد في المجلس بطل الصرف.
لباب اللباب لابن راشد (ص 137)
والنقد إن بيع بغير نوعه سمي صرفا , وإن بيع بنوعه وزنا سمى مراطلة , وإن
بيع بنوعه عددا سمي مبادلة , ويشترط في الصرف وجود المناجزة , وفي المراطلة
والمبادلة المناجزة والمماثلة , والمناجزة عبارة عن سرعة التقابض.
بدائع الصنائع (5 / 215)
وأما الشرائط (فمنها) قبض البدلين قبل الافتراق لقوله صلى الله عليه وسلم
في الحديث المشهور: والذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد , والفضة بالفضة مثلا
بمثل يدا بيد وروي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: لا تبيعوا الورق إلا مثلا بمثل , ولا تشفوا بعضها على بعض , ولا
تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز.
وروى عن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا
بمثل , ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل , ولا تبيعوا الذهب بالورق
أحدهما غائب والآخر ناجز , وإن استنظرك حتى يلج بيته فلا تنظره , إني أخاف
عليكم الرماء أي الربا.
فدلت هذه النصوص على اشتراط قبض البدلين قبل الافتراق. وتفسير الافتراق: هو
أن يفترق العاقدان بأبدانهما عن مجلسهما , فيأخذ هذا في جهة وهذا في جهة ,
أو يذهب أحدهما ويبقى الآخر , حتى لو كانا في مجلسهما لم يبرحا عنه لم
يكونا مفترقين وإن طال مجلسهما , لانعدام الافتراق بأبدانهما. . ثم المعتبر
افتراق العاقدين , سواء كانا مالكين أو نائبين عنهما كالأب والوصي والوكيل
, لأن القبض من حقوق العقد , وحقوق العقد تتعلق بالعاقدين , فيعتبر
افتراقهما.
شرح منتهى الإرادات (2 / 201)
(ويبطل) صرف (ك) بطلان (سلم بتفرق) ببدن (يبطل خيار المجلس قبل تقابض) من
الجانبين في صرف لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم يدا بيد وفي سلم قبض
رأس ماله كما يأتي في بابه إن شاء الله (وإن تأخر) تقابض في صرف أو في رأس
مال سلم (في بعض) من ذلك (بطلا) أي الصرف والسلم (فيه) أي المتأخر قبضه
(فقط) لفوات شرطه , وصحا فيما قبض لوجود شرطه , ويقوم الاعتياض عن أحد
العوضين وسقوطه عن ذمة أحدهما مقام قبضه (ويصح التوكيل) من العاقدين أو
أحدهما بعد عقد (في قبض في صرف ونحوه) كربوي بربوي وسلم , ويقوم قبض وكيل
مقام قبض موكله (ما دام موكله بالمجلس) أي مجلس العقد لتعلقه به , سواء بقي
الوكيل بالمجلس إلى قبض أو فارقه ثم عاد وقبض , لأنه كالآلة. فإن فارق موكل
قبله بطل العقد , وإن وكل في العقد اعتبر حال الوكيل.
المجموع شرح المهذب (9 / 404)
وحيث شرطنا التقابض , فمعناه التقابض قبل التفرق الذي ينقطع به خيار المجلس
كما سبق تفصيله.
قال الشافعي في كتاب الصرف من الأم والأصحاب: لا بأس أن يطول مقامهما في
مجلسهما , ولا بأس أيضا بطوله متماشيين وإن طال مشيهما وتباعدا عن مجلس
العقد , ثم تقابضا قبل افتراقهما فيصح البيع لعدم افتراقهما.
روضة الطالبين (3 / 379)
فرع: حيث اعتبرنا التقابض فتفرقا قبله , بطل العقد. ولو تقابضا بعض كل من
العوضين , ثم تفرقا , بطل فيما لم يقبض. وفي المقبوض قولا تفريق الصفقة.
ولو وكل أحدهما وكيلا بالقبض , فقبض قبل مفارقة الموكل المجلس جاز , وبعده
لا يجوز.
المغني (6 / 112)
الصرف بيع الأثمان بعضها ببعض , والقبض في المجلس شرط لصحته بغير خلاف.
ويجزئ القبض في المجلس وإن طال , ولو تماشيا مصطحبين إلى منزل أحدهما أو
إلى الصراف فتقابضا عنده جاز , وبهذا قال الشافعي. وقال مالك لا خير في ذلك
, لأنهما فارقا مجلسهما.
لنا: أنهما لم يفترقا قبل التقابض , فأشبه ما لو كانا في سفينة تسير بهما ,
أو راكبين على دابة واحدة تمشي بهما. . . وإن تفرقا قبل التقابض بطل الصرف
لفوات شرطه. وإن قبض البعض ثم افترقا , بطل فيما لم يقبض وفيما يقابله من
العوض , وهل يصح في المقبوض؟ على وجهين بناء على تفرق الصفقة. ولو كل
أحدهما وكيلا في القبض , فقبض الوكيل قبل تفرقهما جاز , وقام قبض وكيله
مقام قبضه , سواء فارق الوكيل المجلس قبل القبض أو لم يفارقه. وإن افترقا
قبل قبض الوكيل بطل , لأن القبض في المجلس شرط , وقد فات.
مراجع إضافية
انظر تبيين الحقائق وحاشية الشلبي (4 / 135) , تكملة المجموع للسبكي (10 /
14 , 69) , الأم (3 / 26) , مواهب الجليل (4 / 304) , البهجة شرح التحفة (2
/ 29) , منح الجليل (2 / 508) , التاج والإكليل (4 / 302) , التاودي على
التحفة (2 / 29) , فتح العزيز (8 / 166) , المجموع للنووي (9 / 404)
الخلو عن شرط الخيار
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن شرط الخيار في الصرف مبطل للعقد والشرط معا
وخالفهم الحنابلة فقالوا: العقد صحيح والشرط لاغ وذهب أبو ثور وابن سريج
وابن تيمية إلى صحة ذلك الشرط والعقد معا.
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية
والمالكية إلى عدم صحة الصرف إذا اشترط فيه الخيار لأحد العاقدين أو
لكليهما بحجة أن خيار الشرط في الصرف يمنع ثبوت الملك أو تمامه , وذلك يخل
بالقبض المشروط لصحته.
وخالفهم في ذلك أبو ثور وابن سريج وابن تيمية وقالوا بصحة خيار الشرط فيه ,
وتوسط الحنابلة فذهبوا إلى بطلان شرط الخيار وصحة الصرف إذا وقع التقابض
قبل التفرق.
بدائع الصنائع (5 / 219)
ومنها - أي شرائط الصرف -: أن يكون خاليا عن شرط الخيار. فإن شرط الخيار
فيه لهما أو لأحدهما فسد الصرف , لأن القبض في هذا العقد شرط بقائه على
الصحة , وخيار الشرط يمنع انعقاد العقد في حق الحكم , فيمنع صحة القبض.
المبسوط (14 / 3)
لا يجوز شرط الخيار في هذا العقد , لأن الخيار يعدم الملك , فيكون أكثر
تأثيرا من عدم المقبض قبل الافتراق وبشرط الخيار يمتنع استحقاق ما به يحصل
التعيين - وهو القبض - ما بقي الخيار.
المجموع شرح المهذب (9 / 404)
قال المصنف والأصحاب: وإذا تخايرا في المجلس قبل التقابض فهو كالتفرق ,
فيبطل العقد , كما ذكر المصنف. هذا هو المذهب , وبه قطع الجمهور. وقال ابن
سريج لا يبطل. لظاهر الحديث , فإنه يسمى يدا بيد.
شرح منتهى الإرادات (2 / 201)
(ولا يبطل) صرف ونحوه (بتخاير) أي باشتراط خيار (فيه) كسائر الشروط الفاسدة
في البيع , فيصح العقد ويلزم بالتفرق.
روضة الطالبين (ص 379)
والتخاير في المجلس قبل التقابض كالتفرق , فيبطل العقد. وقال ابن سريج لا
يبطل. والصحيح الأول.
القوانين الفقهية (ص 255)
لا يجوز الصرف على الخيار في المشهور.
الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية (ص 125)
فصل: ويثبت خيار الشرط في كل العقود ولو طالت المدة.
المقدمات الممهدات (2 / 17)
فأما الخيار , فلا اختلاف أن الصرف به فاسد , كانا جميعا بالخيار أو أحدهما
, لعدم المناجزة بينهما بسبب الخيار.
لباب اللباب للقفصي (ص 137)
الخيار: المشهور فيه المنع. والجواز حكاه ابن شعبان وغيره. وحكى ابن رشد
اتفاق المذهب على فساده , كانا معا بالخيار أو أحدهما.
بداية المجتهد (2 / 197)
. . . ولاتفاقهم على هذا المعنى لم يجز عندهم في الصرف حوالة ولا حمالة ولا
خيار , إلا ما حكي عن أبي ثور أنه أجاز فيها الخيار.
كشاف القناع (3 / 253)
ولا يبطل الصرف بتخاير فيه , وقياسه سلم وبيع , وبيع , نحو مد بر بمثله أو
بشعير , فيصح العقد دون الشرط , كسائر الشروط الفاسدة.
مراجع إضافية
انظر المغني (6 / 113) , فتح القدير مع العناية والكفاية (6 / 258) الإقناع
لابن المنذر (1 / 256) مواهب الجليل (4 / 308)
الحلول
يشترط لصحة الصرف الحلول , أي خلو العقد عن اشتراط الأجل. فإن اشترطاه
لأحدهما أو لكليهما فسد الصرف.
المراد بالحلول: الخلو عن اشتراط الأجل.
وذلك أن الفقهاء اتفقوا على أنه لا يجوز في الصرف اشتراط الأجل للعاقدين أو
لأحدهما. فإن اشترطاه لهما أو لأحدهما فسد الصرف , لأن قبض البدلين مستحق
قبل الافتراق , والأجل يفوت القبض المستحق بالعقد شرعا , فيفسد العقد
باشتراطه.
بدائع الصنائع (5 / 219)
ومنها - أي شرائط الصرف -: أن يكون خاليا عن الأجل لهما أو لأحدهما , فإن
شرطاه لهما أو لأحدهما فسد الصرف , لأن قبض البدلين مستحق قبل الافتراق ,
والأجل يعدم القبض , فيفسد العقد.
الدر المختار مع رد المحتار (4 / 235)
(ويفسد) الصرف (بخيار الشرط والأجل) لإخلالهما بالقبض. قال ابن عابدين لأن
خيار الشرط يمتنع به استحقاق القبض ما بقي الخيار , لأن استحقاقه مبني على
الملك , والخيار يمنعه , , والأجل يمنع القبض الواجب.
مغني المحتاج (2 / 24)
(والنقد بالنقد كطعام بطعام) في جميع ما سبق من الأحكام. فإن بيع بجنسه
كذهب بذهب , اشتراط المماثلة والحلول والتقابض قبل التفرق والتخاير , وإن
بيع بغير جنسه كذهب بفضه جاز التفاضل واشترط الحلول والتقابض قبل التفرق.
المقدمات الممهدات (2 / 15)
والنظرة , في الصرف تنقسم إلى ثلاثة أقسام أحدها: أن ينعقد الصرف بينهما
على أن ينظر أحدهما صاحبه بشيء مما اصطرفا فيه وإن قل , فهذا إذا وقع فسخ
جميع الصرف باتفاق , لانعقاده على فساد.
المبسوط (14 / 3)
لا يجوز شرط الخيار في هذا العقد , لأن الخيار يعدم الملك , فيكون أكثر
تأثيرا من عدم القبض قبل الافتراق , وبشرط الخيار يمتنع استحقاق ما به يحصل
التعيين وهو القبض ما بقي الخيار , وكذلك شرط الأجل يعدم استحقاق القبض
الذي يثبت به التعيين. فلهذا كان مبطلا لهذا العقد.
مراجع إضافية
انظر بداية المجتهد (2 / 194) تحفة المحتاج (4 / 275) , كشاف القناع (3 /
253) , شرح منتهى الإرادات (2 / 201) , تكملة المجموع للسبكي (10 / 68) ,
المهذب (1 / 279) .
التماثل
يشترط التماثل في بيع أحد النقدين بجنسه , كالذهب بالذهب , والفضة بالفضة ,
وإن اختلفا في الجودة والرداءة باتفاق أهل العلم , ولا عبرة بالصناعة
والصياغة عند جمهور الفقهاء خلافا لابن تيمية وابن القيم اللذين أجازا بيع
المصوغ بجنسه متفاضلا , اعتبارا لثمنية الصنعة.
أما إذا بيع أحد النقدين بغير جنسه كذهب بفضة أو ذهب بفضة ومتاع , فإنه
يجوز التفاضل دون النساء.
هذا الشرط مختص بنوع خاص من الصرف , وهو
بيع أحد النقدين بجنسه.
فإذا بيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة , فيجب فيه التماثل في القدر , وإن
اختلفا في الجودة والرداءة ونحو ذلك.
وهذا باتفاق الفقهاء , لقوله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب والفضة
بالفضة.. إلى أن قال: مثلا بمثل , سواء بسواء , يدا بيد. فإذا اختلفت هذه
الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد رواه مسلم. وقوله عليه الصلاة
والسلام: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل , ولا تشفوا بعضها على بعض
, ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل , ولا تشفوا بعضها على بعض , ولا
تبيعوا منها غائبا بناجز رواه مالك والبيهقي.
وكذلك لا عبرة بالصناعة والصياغة في هذا النوع من الصرف عند جمهور الفقهاء
من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة في المذهب.
وخالفهم في ذلك ابن تيمية وابن القيم فأجازوا بيع المصوغ بجنسه متفاضلا إذا
كان يدا بيد , اعتبارا لثمنية الصياغة والصنعة.
أما إذا بيع أحد النقدين بنقد من غير جنسه كذهب بفضة , أو بنقد من غير جنسه
ومع أحدهما أو كليهما متاع , كأن باع ذهبا بفضة وثوب , أو فضة بذهب وكرسي ,
فيجوز التفاضل باتفاق الفقهاء إذا كان يدا بيدا , لقوله صلى الله عليه
وسلم: فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد.
الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية (ص
127)
ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل , ويجعل
الزائد في مقابلة الصنعة , سواء كان البيع حالا أو مؤجلا , ما لم يقصد
كونها ثمنا.
الإشراف على مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب (1 / 252)
المصوغ من الذهب والفضة لا يجوز بيعه بشيء من جنسه إلا مثلا بمثل , وزنا
بوزن , خلافا لمن أجاز المفاضلة بينهما قدر قيمة الصنعة.
لباب اللباب لابن راشد القفصي (ص 137)
والنقد إن بيع بغير نوعه سمي صرفا , وإن بيع بنوعه وزنا سمي مراطلة , وإن
بيع بنوعه عددا سمي مبادلة , ويشترط في الصرف وجود المناجزة , وفي المراطلة
والمبادلة المناجزة والمماثلة , والمناجزة عبارة عن سرعة التقابض.
الدر المختار (4 / 234 , 235)
(الصرف هو بيع الثمن بالثمن) أي ما خلق للثمنية , ومنه المصوغ (جنسا بجنس
أو بغير جنس) كذهب بفضة (ويشترط التماثل والتقابض قبل الافتراق) وهو شرط
بقائه صحيحا على الصحيح (إن اتحدا جنسا , وإن اختلفا جودة وصياغة وإلا) بأن
لم يتجانسا (شرط التقابض) لحرمة النساء (لا يتعينان) حتى لو استقرضا فأديا
قبل افتراقهما أو أمسكا ما أشارا إليه في العقد وأديا مثلهما.
القوانين الفقهية (ص 255)
يحرم التفاضل في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة في المراطلة والمبادلة ,
فلا يجوز أن يكون بينهما زيادة أصلا , بل يجب أن يكونا مثلا بمثل عند
الجمهور خلافا لقوم. فتلخص من هذا أن بيع أحد النقدين بجنسه تحرم فيه
النسيئة والتفاضل , وبيعه بالجنس الآخر تحرم فيه النسيئة دون التفاضل.
المغني (6 / 60 , 61)
فصل: والجيد والرديء والتبر والمضروب , والصحيح والمكسور , سواء في جواز
البيع مع التماثل , وتحريمه مع التفاضل. وهذا قول أكثر أهل العلم , منهم
أبو حنيفة والشافعي. . .
لا خلاف في جواز التفاضل في الجنسين نعلمه , إلا ما روي عن سعيد بن جبير
أنه قال ما يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز التفاضل فيهما.
الأم (3 / 26)
قال الشافعي لا يجوز الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا شيء من المأكول
والمشروب بشيء من صنفه إلا سواء بسواء , يدا بيد. . فإذا اختلف الصنفان من
هذا , وكان ذهبا بورق أو تمرا بزبيب , أو حنطة بشعير , فلا بأس بالفضل في
بعضه على بعض يدا بيد , لا يفترقان من مقامهما الذي تبايعا فيه حتى
يتقابضا. . وإذا اختلف الصنفان فلا بأس أن يشترى أحدهما بالآخر ومع الآخر
شيء , ولا بأس أن يشترى بالذهب فضة منظومة بخرز , لأن اكثر ما في هذا أن
يكون التفاضل بالذهب أو الورق , ولا بأس بالتفاضل فيهما , وكل واحد من
المبيعين بحصته من الثمن.
تكملة المجموع للسبكي (10 / 16 , 72 , 83)
الحكم الأول: تحريم التفاضل في الجنس الواحد من أموال الربا إذا بيع بعضه
ببعض , كبيع درهم بدرهمين نقدا , أو صاع قمح بصاعين , أو دينار بدينارين ,
ويسمى ربا الفضل , لفضل أحد العوضين على الآخر. . وربا النقد في مقابلة ربا
النسيئة.
الحكم الثاني: جواز التفاضل عند اختلاف الجنس مع تحريم النساء والتفرق قبل
التقابض. ولا خلاف في جواز المفاضلة عند اختلاف الجنس. .
/217 (فرع) /217 على تحريم التفاضل في الجنس الواحد.
قال أصحابنا: لا يجوز بيع الذهب بالذهب متفاضلا ولا الفضة بالفضة كذلك ,
سواء كانا مصوغين أو تبرين أو عينين أو أحدهما مصوغا والآخر تبرا أو عينا ,
أو جيدين أو رديئين , أو أحدهما جيدا والآخر رديئا أو كيف كان. وهو مذهب
الأوزاعي وأبي حنيفة وأحمد وأكثر العلماء. وعلى ذلك مضى السلف والخلف.
قال الشافعي في كتاب الصرف من الأم: ولا خير في أن يصارف الرجل الصائغ
الفضة بالحلي الفضة المعمولة ويعطيه أجرته , لأن هذا الورق بالورق متفاضلا
, ولا نعرف في ذلك خلافا إلا ما روى عن معاوية أنه كان لا يرى الربا في بيع
العين بالتبر ولا بالمصوغ , ويذهب إلى أن الربا لا يكون في التفاضل إلا في
التبر بالتبر وفي المصوغ بالمصوغ وفي العين بالعين. كذلك حكاه ابن عبد
البر.
مسألة مد عجوة
ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى عدم جواز بيع النقد
بجنسه ومعهما أو مع أحدهما صنف آخر من غير جنسه كبيع درهمين (أو درهم وثوب)
ومد عجوة.
وذهب الحنفية وأحمد في رواية عنه إلى جواز ذلك بشرط أن يزيد الثمن (النقد
المفرد) على النقد المضموم إليه , أو أن يكون مع كل واحد منهما شيء من غير
جنسه.
مسألة (مد عجوة) من الفروع الفقهية
المشهورة في باب الربا والصرف , وإنما سميت بذلك لأنها مثلت بمد عجوة ودرهم
, ومراد الفقهاء بها: (بيع ربوي بجنسه , ومعهما أو مع أحدهما بصنف آخر من
غير جنسه) . وذلك كبيع درهمين (أو درهم وثوب) بدرهم ومد عجوة , وكبيع شيء
محلى بذهب أو فضة - مثل سيف أو مصحف - بجنس حليته.
وقد ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى عدم جواز هذا
البيع سدا لذريعة الربا , لأنه قد يتخذ حيله على الربا الصريح.
وخالفهم الحنفية وأحمد في رواية عنه فقالوا بجواز بيع نقد مع غيره بنقد من
جنسه بشرط أن يزيد الثمن (أي النقد المفرد) على النقد المضموم إليه. فإن
تساوى النقدان , أو كان النقد المفرد أقل بطل البيع , لتحقق التفاضل المحرم
, وكذا إذا لم يدر الحال , لاحتمال المفاضلة والربا.
الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية (ص
128)
وتجوز مسالة مد عجوة , وهو رواية عن أحمد ومذهب أبي حنيفة.
المهذب (1 / 280)
فصل: وما حرم فيه الربا لا يجوز بيع بعضه ببعض ومع أحد العوضين جنس آخر
يخالفه في القيمة كبيع ثوب ودرهم أو مد عجوة ودرهم بدرهمين.
شرح منتهى الإرادات (2 / 198)
و (لا) يصح بيع (ربوي جنسه ومعهما) أي العوض (أو) مع (أحدهما من غير جنسهما
كمد عجوة ودرهم بمثلهما) أي بمد عجوة ودرهم , ولو أن المدين والدرهمين من
نوع واحد (أو) بيع مد عجوة ودرهم (بمدين) من عجوة (أو بدرهمين) وكبيع محلى
بذهب بذهب أو محلى بفضة بفضة , وتسمى مسألة مد عجوة درهم , لأنها مثلت
بذلك. ونص على عدم جوازها لحديث فضالة بن عبيد أتي النبي صلى الله عليه
وسلم بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير , فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: لا حتى تميز بينهما. قال: فرده حتى ميز بينهما
رواه أبو داود ولمسلم أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالذهب الذي في القلادة
فنزع وحده لأنه قد يتخذ حيلة على الربا الصريح.
مجموع فتاوى ابن تيمية (9 / 457)
وأصل مسألة (مد عجوة) أن يبيع مالا ربويا بجنسه , ومعهما أو مع أحدهما من
غير جنسه. فإن للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
أحدهما: المنع منه مطلقا. كما هو قول الشافعي ورواية عن أحمد.
والثاني: الجواز مطلقا. كقول أبي حنيفة ويذكر رواية عن أحمد.
والثالث: الفرق بين أن يكون المقصود بيع الربوي بجنسه متفاضلا أو لا يكون ,
وهذا هو مذهب مالك وأحمد في المشهور عنه. فإذا باع تمرا في نواه بنوى , أو
بتمر منزوع النوى , أو شاة فيها لبن بشاة ليس فيها لبن أو بلبن ونحو ذلك ,
فإنه يجوز عندهما , بخلاف ما إذا باع ألف درهم بخمسمائة درهم في منديل ,
فإن هذا لا يجوز. فمن كان قصده بيع الربوي بجنسه متفاضلا لم يجز , وإن كان
تباعا غير مقصود جاز , ومالك رحمة الله يقدر ذلك بالثلث.
المغني (6 / 92 / 93)
فصل: وإن باع شيئا فيه الربا , بعضه ببعض ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسه
كمد ودرهم بمد ودرهم أو بمدين أو بدرهمين , أو باع شيئا ملحى بجنس حليته ,
فهذه المسألة تسمى مسألة (مد عجوة) , والمذهب أنه لا يجوز ذلك. نص على ذلك
أحمد في مواضع كثيرة , وذكره قدماء الأصحاب. .
وعن أحمد رواية أخرى تدل على أنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي
معه غيره , أي يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه.
وقال حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة يجوز هذا كله إذا كان المفرد أكثر من
الذي معه غيره , أو كان مع كل واحد منهما من غير جنسه. وقال الحسن لا بأس
ببيع السيف المحلى بالفضة بالدراهم. وبه قال الشعبي والنخعي.
المبسوط (14 / 5)
أما بيع السيف المحلى بالفضة بالفضة , فعلى أربعة أوجه: إن كان يعلم أن فضة
الحلية أكثر فهو فاسد , وكذلك إن كانت الحلية مثل النقد في الوزن , الجفن
والحمائل فضل خال عن العروض , فإن مقابلة الفضة بالفضة في البيع تكون
بالأجزاء. وإن يعلم أن الفضة في الحلية أقل جاز العقد على أن يجعل المثل
بالمثل والباقي بإزاء الجفن والحمائل عندنا خلافا للشافعي وإن كان لا يدرى
أيهما | أقل فالبيع فاسد عندنا لعدم العلم بالمساواة عند العقد وتوهم الفضل
وعند زفر هذ يجوز فإن الأصل الجواز والمفسد هو الفصل الخالي عن العوض مما
لم يعلم به يكون العقد محكوما بجوازه.
مراجع إضافية
انظر مغني المحتاج (2 / 28) , مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية (ص 329) ,
أسنى المطالب (2 / 25)
صرف ما في الذمة
صرف ما في الذمة هو أن يقول الرجل لآخر: بعتك الدنانير التي لي في ذمتك
بالدراهم التي لك في ذمتي حتى تبرأ ذمة كل منا.
وهو جائز مشروع عند الحنفية والمالكية والسبكي من الشافعية وابن تيمية من
الحنابلة.
أما الشافعية والحنابلة فقد نصوا على عدم جوازه.
المراد بصرف ما في الذمة أن يكون للرجل في
ذمة آخر دنانير , وللآخر عليه دراهم , فيصطرفا بما في ذمتهما , بأن يقول
الأول: بعتك الدنانير التي لي في ذمتك بالدراهم التي لك في ذمتي , حتى تبرأ
ذمة كل منا , فيقبل الآخر. وتسمى هذه المسألة ب (تطارح الدينين صرفا) .
وقد ذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم جواز صرف ما في الذمة , لأنه بيع دين
بدين. غير أن المالكية اشترطوا أن يكون الدينان قد حلا معا , فأقاموا حلول
الأجلين في ذلك مقام الناجز بالناجز.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص
193)
لا يصح تصارف المدينين بجنسين في ذمتهما. مثلا: لو كان لأحدهما على الآخر
دين من الذهب , للآخر عليه دين من الفضة , فتصارفا بهما , لم يصح (م 483) .
الأم للشافعي (3 / 33)
ومن كانت عليه دراهم لرجل , وللرجل عليه دنانير , حلت أو لم تحل ,
فتطارحاها صرفا , فلا يجوز , لأن ذلك دين بدين.
كشاف القناع (3 / 257)
وإن كان كل النقدين في ذمتيهما , فاصطرفا من غير إحضار أحدهما , لم يصح
الصرف , لأنه بيع دين بدين.
القوانين الفقهية (ص 320)
فإن كان أحدهما - أي الدينين - ذهبا , والآخر فضة , حازت المقاصة إن كانا
قد حلا معا , ولم تجز إن لم يحلا أو حل أحدهما دون الآخر , لأنه صرف
مستأجر.
مجموع فتاوى ابن تيمية (29 / 472)
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ وهو المؤخر بالمؤخر
, ولم ينه عن بيع دين ثابت في الذمة يسقط إذا بيع بدين ثابت في الذمة يسقط
, فإن هذا الثاني يقتضي تفريغ كل واحدة من الذمتين , ولهذا كان جائزا في
أظهر قولي العلماء.
نظرية العقد لابن تيمية (ص 235)
مثل أن يكون لأحدهما عند الآخر دنانير , وللآخر عند الأول دراهم , فيبيع
هذا بهذا. فالشافعي وأحمد نهيا عن ذلك , لأنه بيع دين بدين. وجوزه مالك
وأبو حنيفة وهذا أظهر لأنه قد برئت ذمة كل منهما من غير مفسدة ولفظ النهى
عن بيع الدين بالدين لم يرو عن النبي , صلى الله عليه وسلم لا بإسناد صحيح
ولا ضعيف , وإنما في حديث منقطع أنه نهى عن بيع الكالئ بالكالئ. أي المؤخر
, وهو بيع الدين بالدين. قال أحمد لم يصح فيه حديث , ولكن هو إجماع. وهذا
مثل أن يسلف إليه شيئا مؤجلا في شيء مؤجل , فهذا الذي لا يجوز بالإجماع.
وإذا كان العمدة في هذا هو الإجماع - والإجماع إنما هو في الدين الواجب
بالدين الواجب , كالسلف المؤجل من الطرفين - فهذه الصورة , وهي بيع ما هو
ثابت في الذمة ليسقط بما هو في الذمة ليس في تحريمه نص ولا إجماع ولا قياس
, فأن كلا منهما اشترى ما في ذمته , وهو مقبوض له بما في ذمة الآخر , فهو
كما لو كان لكل منهما عند الآخر وديعة , فاشتراها بوديعته عند الآخر , وهذا
أولى بالجواز من شراء ما في ذمة الغير.
اقتضاء أحد النقدين
من الآخر
يجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر إذا وقع القبض قبل الافتراق في قول
جماهير أهل العلم واشترط الحنابلة أن يكون بسعر يومهما واشترط المالكية أن
يكون الدين المبدل منه حالا.
يجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر إذا وقع
القبض قبل الافتراق في قول جماهير أهل العلم , وذلك كما إذا كان لك على آخر
دراهم فتأخذ منه عوضها دنانير , أو كان لك عليه دنانير , فتأخذ منه بدلها
دراهم من غير إحضار المبدل منه في مجلس العقد.
وهذا جائز في قول جماهير الفقهاء من الحنفية والشافعي في الجديد والمالكية
والحنابلة إذا وقع القبض قبل الافتراق. واشترط الحنابلة أن يكون استبدال
أحد النقدين بالآخر بسعر يومه , واشترط المالكية أن يكون المبدل منه حالا
غير مؤجل.
ودليل جواز اقتضاء أحد النقدين من الآخر قبل التفرق حديث ابن عمر قال: كنت
أبيع الإبل بالبقيع , فأبيع بالدنانير وآخذ مكانها الدراهم , وأبيع
بالدراهم وآخذ مكانها الدنانير , آخذ هذه من هذه , وأعطي هذه من هذه. فأتيت
النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك , فقال: لا بأس إذا تفرقتما وليس
بينكما شيء رواه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم.
قال الشوكاني فيه دليل على جواز الاستبدال عن الثمن الذي في الذمة بغيره ,
ظاهرة أنهما غير حاضرين جميعا , بل الحاضر أحدهما , وهو غير اللازم , فدل
على أن ما في الذمة كالحاضر.
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد (ص
193)
يصح بيع الدين بالعين , فيصح صرف دين بأمانة أو بعين مقبوضة في المجلس مثلا
لو كان لأحد على آخر دراهم فأعطاه بها دنانير أو بالعكس صح.
شرح منتهى الإرادات (2 / 205)
(ويصح اقتضاء) نقد (من آخر) كذهب من فضة وعكسه (إن أحضر أحدهما) أي النقدين
(أو كان) أحدهما (أمانة) أو عارية أو غصبا (والآخر مستقر في الذمة) لا رأس
مال سلم (بسعر يومه) لحديث أبي داود وغيره عن ابن عمر وفيه أبيع بالدنانير
وآخذ الدراهم , وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير , آخذ هذه عن هذه , وأعطي هذه
عن هذه فقال صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا
وبينكما شيء. ولأنه صرف بعين وذمة , فجاز كما لو لم يسبقه اشتغال ذمة ,
واعتبر سعر يومها للخبر , ولجريان ذلك مجرى القضاء , فتقيد بالمثل , وهو
هنا من حيث القيمة لتعذره من حيث الصورة. ذكره في المغني (ولا يشترط حلوله)
أي ما في الذمة إذا قضاه بسعر يومه لظاهر الخبر , ولأنه رضي بتعجيل ما في
الذمة بغير عوض. أشبه مالو قضاه من جنس الدين , فإن نقصه عن سعر المؤجل أو
غيرها لم يجز للخبر.
القوانين الفقهية (ص 255)
يجوز صرف ما في الذمة إن كان حالا , وذلك بأن يكون لرجل على آخر ذهب ,
فيأخذ فيه فضة , أو فضة فيأخذ فيها ذهبا. ومنعه الشافعي حل أو لم يحل ,
وأجازه أبو حنيفة حل أو لم يحل.
المغني (6 / 107)
فصل: ويجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر , ويكون صرفا بعين وذمة في قول
أكثر أهل العلم.
بداية المجتهد (2 / 200)
ومن هذا الباب اختلافهم في الرجل يكون له على الرجل دراهم إلى أجل , هل
يأخذ فيها إذا حل الأجل ذهبا أو بالعكس؟ فذهب مالك إلى جواز ذلك إذا كان
القبض قبل الافتراق. وبه قال أبو حنيفة إلا أنه أجاز ذلك وإن لم يحل الآجل.
ولم يجز ذلك جماعة من العلماء , سواء كان الأجل حالا أو لم يكن. وهو قول
ابن عباس وابن مسعود. وحجة من أجاز ذلك حديث ابن عمر قال: كنت أبيع الإبل
بالبقيع , أبيع بالدنانير , وآخذ الدراهم , وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ,
فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا بأس بذلك إذا كان بسعر
يومه. أخرجه أبو داود وحجة من لم يجزه ما جاء في حديثه أبي سعيد وغيره ولا
تبيعوا منها غائبا بناجز
مغني المحتاج (2 / 70)
(والجديد جواز الاستبدال عن الثمن) الثابت في الذمة وإن لم يكن نقدا , لخبر
ابن عمر أنه قال: كنت أبيع الإبل بالدنانير وآخذ مكانها الدراهم , وأبيع
بالدراهم وآخذ مكانها الدنانير , فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن
ذلك , فقال: لا بأس إذا تفرقتم وليس بينكما شيء. رواه الترمذي وغيره وصححه
الحاكم على شرط مسلم وسواء أقبض الثمن أم لا , فقوله في الخبر (وليس بينكما
شيء) أي من عقد الاستبدال , ولا من العقد الأول , بقرينة رواية أخرى تدل
لذلك. والقديم: المنع لعموم النهى السابق لذلك , وللمضمونات ضمان العقود
كبدل خلع وصداق وأجرة حكم الثمن لاستقرارها , بخلاف دين السلم كما مر ,
وفرق بينه وبين الثمن بأنه معرض بانقطاعه للانفساخ أو الفسخ , وبأن عينه
تقصد بخلاف الثمن فيهما. ويجوز استبدال الحال عن المؤجل , وكأن صاحبه عجله
, بخلاف عكسه لعدم لحوق الأجل.
(فإن استبدل موافقا في علة الربا كدراهم عن دنانير) أو عكسه (اشترط قبض
البدل في المجلس) كما دل عليه الخبر السابق حذرا من الربا , فلا يكفي
التعيين عنه.
المواعدة على الصرف
المواعدة على الصرف جائزة عند جمهور الفقهاء , فإن تصارفا فيما بعد ترتبت
على العقد آثاره الشرعية من وقت انعقاده لا من وقت المواعدة ليست عقدا في
النظر الفقهي وذهب المالكية إلى كراهتها.
المواعدة في الاصطلاح الفقهي هي عبارة عن
إعلان صادر من شخصين يتضمن توافق رغبتيهما على إنشاء عقد في المستقبل تعود
آثاره عليهما.
وقد نص كثير من الفقهاء منهم الإمام الشافعي وابن حزم وبعض المالكية على
جواز المواعدة على الصرف. فإن تصارفا فيما بعد ترتبت على العقد آثاره
الشرعية من وقت العقد لا من زمن المواعدة عليه , لأن المواعدة لا تعتبر
عقدا في النظر الفقهي.
وذهب المالكية في المشهور إلى كراهة المواعدة على الصرف , فإن تم الصرف
فيما بينهما بعد بناء على المواعدة صح ولزم عند ابن القاسم وقال أصبغ يفسخ.
الأم (3 / 27)
قال الشافعي وإذا تواعد الرجلان الصرف , فلا بأس أن يشتري الرجلان الفضة ثم
يقرانها عند أحدهما حتى يتبايعاها ويصنعا بها ما شاء.
المحلى (8 / 513)
والتواعد في بيع الذهب بالذهب أو بالفضة , وفي بيع الفضة بالفضة , وفي سائر
الأصناف الأربعة بعضها ببعض جائز , تبايعا بعد ذلك أو لم يتبايعا , لأن
التواعد ليس بيعا.
لباب اللباب (ص 137)
المواعدة: فيها ثلاثة أقوال: الجواز لابن نافع والمنع لأصبغ والكراهة لمالك
وابن القاسم.
القوانين الفقهية (ص 255)
يكره الوعد في الصرف على المشهور , وقيل: يجوز , وقيل: يمنع.
التاج والإكليل (4 / 309)
قال ابن رشد لا يجوز في الصرف مواعدة ولا كفالة ولا خيار ولا حوالة. ثم قال
بعد ذلك: أما الخيار فلا خلاف أن الصرف به فاسد لعدم المناجزة بينهما ,
واما المواعدة فتكره , فإن وقع ذلك وتم الصرف بينهما على المواعدة لم يفسخ
عند ابن القاسم. وقال أصبغ يفسح. ابن عرفة كره مالك وابن القاسم المواعدة
في الصرف , ومنعها أصبغ وجوزها ابن نافع. قال اللخمي والجواز أحسن.
انتهاء الصرف
ينتهى الصرف بتسليم كل من العاقدين النقد الذي اتفقا على مبادلته.
ينتهى الصرف بتنفيذ آثاره وهي الالتزامات
المترتبة على المتعاقدين وذلك بتسليم الثمنين.
وينتهي أيضا باتفاق الطرفين على الإقالة ويترتب على ذلك التراد بإعادة
الثمنين.
وينتهي أيضا بطروء سبب من أسباب الفسخ المقررة شرعا ومن ذلك ظهور العيب في
الذهب أو الفضة إذا اختار المشترى الفسخ دون التعويض (الأرش) .
|