طلبة
الطلبة في الاصطلاحات الفقهية ط دار القلم ص -234-
كتاب الصّرف:
قال الخليل بن أحمد رحمه اللّه: الصّرف فضل
الدّرهم على الدّرهم ومنه اشتقّ اسم الصّيرفيّ
والصّرّاف لتصريفه بعض ذلك في بعض.
والصّريف الفضّة قال قائلهم:
بني غدانة ما إن أنتم ذهبا
ولا صريفا ولكن أنتم الخزف
يعني يا بني غدانة لستم
ذهبا ولا فضّة بل أنتم خزف وكلمة ما للنّفي
وكلمة إن أيضا للنّفي وجمع بينهما تأكيدا
ويقال إن زائدة.
ومن الصّرف الّذي هو بمعنى الفضل ما روي من
فعل كذا لم يقبل اللّه منه صرفا ولا عدلا أي
فضلا وهو النّفل ولا عدلا أي مماثلا لما عليه
وهو الفرض.
وللحديث وجه آخر صرفا أي توبة تصرف العذاب عنه
ولا عدلا أي فداء يعادل نفسه.
وفي الحديث من طلب صرف الحديث عوقب بكذا أي
الزّيادة فيه فسمّي عقد الصّرف به لأنّ الغالب
ممّن عقد على الذّهب والفضّة بعضها ببعض هو
طلب الفضل بها لأنّه لا يرغب في أعيانها وقيل
هو من الصّرف الّذي هو النّقل والرّدّ يقال
صرفه عن كذا إلى كذا سمّي به لاختصاصه بالحاجة
إلى نقل كلّ واحد من البدلين من يد من كان له
إلى يد من صار له بهذا العقد.
وروي عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه أنّه قال:
أتى عمر رضي اللّه عنه بإناء
ص -235-
خسروانيّ قد أحكمت صنعته فبعثني به لأبيعه
فأعطيت به وزنه وزيادة فذكرت ذلك لعمر رضي
اللّه عنه فقال أمّا الزّيادة فلا.
الإناء الخسروانيّ المنسوب إلى ملوك العجم
وكان ملكهم يسمّى خسرو وكان من الذّهب
والفضّة.
وقوله: أعطيت به وزنه وزيادة أي طلبوا منّي
شراه بمثل وزنه من جنسه ذهبا أو فضّة وبزيادة
لجودته وإحكام صنعته فردّ عمر رضي اللّه عنه
الزّيادة للرّبا وبيّن أنّ الجودة لا قيمة لها
عند مقابلة الجنس في أموال الرّبا.
وعن أبي جبلة أنّه قال: سألت عبد اللّه بن عمر
رضي اللّه عنه فقلت إنّا نقدم أرض الشّام
ومعنا الورق الثّقال النّافقة وعندهم الورق
الخفاف الكاسدة أفنبتاع ورقهم العشرة بتسعة
ونصف وبتسعة فقال لا تفعل ولكن بع ورقك بذهب
واشتر ورقهم بالذّهب ولا تفارقهم حتّى تستوفي
وإن وثب من سطح فثب معه.
قوله: إنّا نقدم فالقدوم الإتيان من السّفر من
حدّ علم والورق الدّراهم ولذلك جمع فقال
الثّقال وهو جمع الثّقيل أي الكبير المثقال
والنّافقة الرّائجة والمصدر النّفاق بفتح
النّون من حدّ دخل وكان عندهم درهم بخلاف ما
عند هؤلاء وهي الدّراهم الخفاف الكاسدة وقوله
أفنبتاع أي نشتري وقوله العشرة بتسعة ونصف أي
بنقصان نصف درهم.
وقوله وبتسعة أي وبنقصان درهم فقال لا تفعل
ولكن بع دراهمك بالذّهب وهو خلاف الجنس فاشتر
ورقهم بالذّهب وهو خلاف الجنس أيضا ولا تفارقه
أي بالبدن حتّى تستوفي فدلّ أنّهما لو قاما من
المجلس وانتقلا إلى مكان آخر وهما مجتمعان لم
يكن ذلك افتراقا مبطلا للصّرف.
وقوله: وإن وثب من سطح فثب معه لم يطلق له
حقيقة الوثوب المهلك لكنّه مبالغة في ترك
الافتراق بالأبدان قبل القبض.
ص -236-
وروي
عن كليب بن وائل قال سألت عبد اللّه بن عمر
رضي اللّه عنه عن الصّرف فقال: من هذه إلى هذه
أي من يدك إلى يده قال فإن استنظرك أي استمهلك
إلى خلف هذه السّارية فلا تفعل السّارية
الأسطوانة وهذا نهي عن الافتراق قبل القبض.
وكره ابن سيرين رضي اللّه عنه أن يبتاع السّيف
المحلّى بالفضّة بالنّقد أي إذا لم يعلم أنّ
النّقد زيادة على فضّة السّيف.
وعن أبي نضرة قال سألت ابن عمر رضي اللّه عنه
عن الصّرف قال: لا بأس به يدا بيد أي عن الفضل
في الوزن في الذّهب بالذّهب والفضّة بالفضّة
وكان ابن عمر أوّلا لا يحرّم ربا الفضل وكان
يحرّم النّساء وقال أبو نضرة سألت ابن عبّاس
رضي اللّه عنه فقال مثل ذلك أي كان مذهبه كذلك
قال فقعدت يوما في حلقة فيها أبو سعيد الخدريّ
رضي اللّه عنه فأمرني رجل فقال سله عن الصّرف
فقلت إنّ هذا يأمرني بأن أسألك عن الصّرف فقال
لي الفضل ربا أي أفتى بخلاف فتوى ابن عمر وابن
عبّاس رضي اللّه عنهما فقال الرّجل لي سله أمن
قبل رأيه أو شيء سمعه من رسول اللّه صلّى
اللّه عليه وسلّم أي يقول اجتهادا أم سماعا
قال فذكرت ذلك له فقال أبو سعيد بل سمعته من
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتاه رجل
يكون في نخله برطب طيّب فقال:
"من أين هذا"
فقال أعطيت صاعين من تمر رديء وأخذت هذا أي
استبدلت صاعا رديئا بصاع جيّد فقال النّبيّ
عليه السلام: "أربيت أي
أعطيت الرّبا".
والاسترباء طلب الرّبا وأخذ الرّبا قال إنّ
سعر هذا في السّوق كذا وسعر هذا كذا فقال
أربيت فهلّا بعته بسلعة ثمّ ابتعت بسلعتك تمرا
فقال أبو سعيد التّمر ربا والدّراهم مثله أي
ذلك من أموال الرّبا والدّراهم كذلك فيصحّ
القياس عليه ولمّا جاز قياس الوزنيّ على
الكيليّ فلأن يجوز قياس الكيليّ على الكيليّ
والوزنيّ على الوزنيّ أولى.
قال أبو نضرة: وأمرت أبا الصّهباء فسأل ابن
عبّاس رضي اللّه عنهما عن الصّرف فقال: لا خير
فيه أي رجع عن فتواه الأولى رواية أبي سعيد
رضي اللّه عنه وقال أبو نضرة
ص -237-
فسألت
ابن عمر رضي اللّه عنه بعد ذلك عن الصّرف
فقال: لا خير فيه أي رجع هو أيضا كذلك.
وروي أنّ رجلا باع طوق ذهب مفضّض بمائة دينار
فاختصما إلى شريح فأفسد البيع أي حيث لم يعرف
المساواة في الذّهب والزّيادة بمقابلة الفضّة.
وروي أنّ النّبيّ عليه السلام: بعث يوم خيبر
سعدين يعني رجلين كلّ واحد منهما اسمه سعد
أحدهما سعد بن مالك هو سعد بن أبي وقّاص واسم
أبي وقّاص مالك وسعد آخر فباعا غنائم ذهب كلّ
أربعة مثاقيل تبر بثلاثة مثاقيل عين فالتّبر
غير المضروب والعين المضروب فقال النّبيّ عليه
السلام:
"أربيتما فردّا فدلّ أنّ الجيّد والرّديء في
هذا سواء".
وعن سليمان بن بشير قال أتاني الأسود بن يزيد
فصرفت له دراهم وافية بدنانير أي أمرني ببيع
دراهم جيّدة تامّة كانت له بدنانير رجل ففعلت
ذلك ثمّ دخل هو المسجد فصلّى ركعتين فيما ظنّ
أي تبدّل المجلس ثمّ جاءني فقال اشتر بها غلّة
أي اشتر لي بهذه الدّنانير دراهم تروج في
البلد دون نقد بيت المال فجعلت أطلب الرّجل
الّذي صرفت عنده أي ذلك العاقد الأوّل فقال
هذا الموكّل لا عليك أن لا تجده وإن وجدته فلا
أبالي أي سواء فعلت هذا مع العاقد الأوّل أو
مع إنسان آخر فلا بأس عليك وهو جائز يعني ليس
هذا باستبدال ببدل الصّرف بل مضى العقد الأوّل
فهذا عقد مبتدأ.
وعن أنس رضي اللّه عنه قال: بعت جام فضّة بورق
أقلّ منه فبلغ ذلك عمر رضي اللّه عنه فقال: ما
حملك على ذلك؟ قلت: الحاجة، فقال: ردّ الورق
إلى أهلها وخذ إناءك فعارض به: أي افسخ ذلك
العقد فإنّه ربا ثمّ بعه بعرض لئلّا يكون فيه
ربا.
وعن أبي رافع قال: سألت عمر رضي اللّه عنه عن
المصوغ أصوغه وأبيعه؟ قال: وزنا بوزن قلت إنّي
أبيعه وزنا بوزن ولكن آخذ أجر عملي؟ قال:
إنّما عملت لنفسك فلا تزدد شيئا فإنّ النّبيّ
عليه السلام: نهى عن بيع الفضّة إلّا وزنا
بوزن، ثمّ قال:
ص -238-
الآخذ
والمعطي والكاتب والشّاهد فيه شركاء أي في
الإثم.
وعن أبي الودّاك عن أبي سعيد الخدريّ رضي
اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وسلم: "الذّهب
بالذّهب الكفّة بالكفّة والفضّة بالفضّة
الكفّة بالكفّة" ولا خير فيما بينهما أي سواء بسواء يدا بيد من كفّتي الميزان فقلت
إنّي سمعت ابن عبّاس رضي اللّه عنهما يقول ليس
في يد بيد ربا فمشى إليه أبو سعيد رضي اللّه
عنه وأنا معه فقال له أسمعت من النّبيّ عليه
السلام ما لم نسمع؟ فقال: لا، فقال أبو سعيد:
فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
يقول: ثمّ حدّثه بهذا الحديث فقال ابن عبّاس
لا أفتي به أبدا وهذا دليل رجوعه عنه.
وعن ابن مسعود رضي اللّه عنه أنّه كان يبيع
نفاية بيت المال يدا بيد بالفضل فخرج خرجة إلى
عمر رضي اللّه عنه فسأله عن ذلك فقال هذا ربا
وكان ابن مسعود رضي اللّه عنه استخلف على بيت
المال عبد اللّه بن شجرة الأزديّ فلمّا قدم
ابن مسعود رضي اللّه عنه نهى عبد اللّه
الأزديّ عن بيع الدّراهم بالدّراهم بينهما فضل
النّفاية ما نفي من الجياد وهو الرّديء فدلّ
أنّ الرّديء والجيّد في هذا سواء.
وعن القاسم بن صفوان أنّه قال: أكريت عبد
اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما إبلا بدنانير أي
آجرته إيّاها بها فأتيته أتقاضاه أي أسأله
قضاءها وبين يديه دراهم فقال لمولى له انطلق
معه إلى السّوق فإذا قامت على سعر أي ظهرت
قيمته فإن أحبّ أي مكري الإبل أن يأخذ أي
الدّراهم عوضا عن دنانيره الّتي له علينا
بالقيمة الّتي ظهرت فأعطه إيّاها وإلّا فاشتر
له بها دنانير فأعطها إيّاه فقلت له يا أبا
عبد الرّحمن هو كنية عبد اللّه بن عمر أيصلح
هذا أي أيجوز هذا قال نعم لا بأس بهذا إنّك
ولدت وأنت صغير هو كناية عن الجهل لأنّ
الإنسان يولد ولا علم له ثمّ يتعلّم قال اللّه
تعالى:
{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ
أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً}1 وذكر في حديث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النحل: 78.
ص -239-
رواية
عبادة رضي اللّه عنه الرّبا في الأشياء
السّتّة أنّ معاوية رضي اللّه عنه قال ما بال
أقوام يحدّثون أحاديث لم نسمعها فقال عبادة:
أشهد أنّي سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وسلّم أي أحلف ثمّ قال لأحدّثن به وإن
رغم أنف معاوية أي كره وغضب، ودلّ ذلك على أنّ
عامّة الصّحابة رضي اللّه عنهم كانوا بالحقّ
قائلين وللحقّ قابلين.
وفي حديث عبادة بن الصّامت أيضا مدّين بمدّين
أي منوين بمنوين وفي آخره قال فمن زاد أي أعطى
الزّيادة أو ازداد أي أخذ الزّيادة فقد أربى
أي عقد عقد الرّبا.
وفي حديث عمر رضي اللّه عنه لا يباع منها غائب
بناجز أي بنقد حاضر فإنّي أخاف عليكم الرّماء
أي الرّبا يقال أرمى وأربى أي زاد وفي رواية
إنّي أخاف عليكم الإرماء وهو مصدر والأوّل اسم
وهو مفتوح الرّاء ممدود الآخر.
وعن الشّعبيّ رحمه اللّه قال لا بأس ببيع
السّيف المحلّى بالدّراهم لأنّ فيه حمائله
وجفنه ونصله الحمائل جمع حمالة بكسر الحاء وهو
المحمل بكسر الميم الأولى وفتح الميم الثّانية
وهو العلاقة المموّه المطليّ بماء الذّهب أو
الفضّة وليس له حكم الذّهب والفضّة لأنّه لا
يخلص إذا أذيب فهو كالمستهلك والمذهّب ما جعل
فيه عين الذّهب والمفضّض ما جعل فيه عين
الفضّة.
وعن زينب امرأة عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه
عنه قالت: أعطاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وسلّم جداد عشرين وسقا من تمر خيبر وقد فسّرنا
هذه الكلمة في أوّل كتاب الهبة قالت فقال لي
عاصم بن عديّ أعطيك تمرا هاهنا وأتوفّى تمرك
بخيبر أي أستوفي يقال وفّيته فتوفّى واستوفى
كما يقال عجّلته فتعجّل واستعجل فقالت حتّى
اسأل عن ذلك عمر رضي اللّه عنه فسألت عن ذلك
عمر فنهاها عنه وقال كيف بالضّمان فيما بين
ذلك كأنّ عاصم يقرضها تمرا هاهنا ليقبض مثله
بخيبر فيسقط عن نفسه ضمان حمل التّمر من هاهنا
إلى خيبر وهو قرض جرّ منفعة وهو منهيّ عنه.
وروي أنّ عمر رضي اللّه عنه أقرض أبيّ بن كعب
عشرة آلاف درهم وكانت
ص -240-
لأبيّ
نخلة تعجّل أي تسرّع إدراك ثمارها فأهدى أبيّ
بن كعب لعمر رضي اللّه عنه رطبا فردّه عليه
فلقيه أبيّ فقال له : أظننت أنّي أهديت إليك
من أجل مالك أي لتؤخّره عنّي مدّة بسبب هديّتي
ولم يكن كذلك ؟ ثمّ قال: ابعث إلى مالك فخذه
أي ابعث رجلا ليقبض منّي دينك الّذي لك عليّ
فلمّا سمع ذلك عمر قال: لأبيّ رضي اللّه عنه
ردّ إلينا هديّتنا أي ابعث علينا هذه الهديّة
الّتي كنت أهديتها إلينا حتّى نقبلها إذ ليس
فيها شبهة الرّشوة.
وذكر حديث عتّاب بن أسيد أنهاهم عن أربع وفيها
عن بيع وسلف أي قرض وهو أن يبيعه كذا بثمن كذا
بشرط أن يقرضه المشتري كذا وهو منهيّ عنه.
وأقرض ابن مسعود رضي اللّه عنه رجلا دراهم
فقضاه من جيّد عطائه فكره ابن مسعود رضي اللّه
عنه وقال لا إلّا من عرضة مثل دراهمي أي قضى
دينه بما اختاره من جياد ما خرج له من العطاء
من بيت المال فكره ابن مسعود رضي اللّه عنه
وقال: لا إلّا من عرضة أي من ناحية هذا المال
الّذي في يدك من العطاء أي تأخذه من أيّ طرف
وقع في يدك بالرّفع من غير اختيار الأجود وهذا
تنزّه وتحرّز عن الاستفضال وصفا وإن كان برضى
من عليه ولو كان مشروطا كان حراما.
جاء رجل على فرس بلقاء هي الّتي فيها سواد
وبياض.
وسأل ابن مسعود الحديث عن كنز الكنز العاديّ
بالتّشديد القديم المنسوب إلى عاد وهم قوم
قدماء قال اللّه تعالى:
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى}1.
وكانوا في الجاهليّة إذا مات أحدهم في بئر
جعلوها عقله أي ديته فأعطوها ورثته وكذلك قال
في العجماء والمعدن.
وروي أنّ رجلا وجد كنزا بالمدائن فرفعه إلى
عاملها فأخذه كلّه فبلغ ذلك إلى عائشة رضي
اللّه عنها فقالت بفيه الكثكث فهلّا أخذ
الأربعة الأخماس ودفع إليه خمسه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1سورة النجم:50.
ص -241-
الكثكث
بفتح الكافين الحجارة والتّراب وبكسرهما لغة
أرادت أنّه هو الّذي أضرّ بنفسه حيث دفع إلى
العامل وكان ينبغي له أن يدفع إليه خمسه ويمسك
الباقي فيسلّم له وإنّما أضرّ به لسانه.
وعن جبلة بن حميد عن رجل منهم: خرج في يوم
مطير أي ذي مطر إلى دير جرير الدّير الصّومعة
وجرير اسم رجل فوقعت منه ثلمة أي انهدم شيء
للمطر فإذا بستّوقة أو جرّة أي ظهرت بتوقة
بفتح الباء أي الّتي يقال لها بالفارسيّة
خنبرة أو جرّة وهي بالفارسيّة سبوى فيها كذا
الحديث.
وعن حارث الأزديّ قال: وجد رجل ركازا فاشتراه
منه أبي بمائة شاة متبع فلامته أمّي وقالت
اشتريته بثلاثمائة أنفسها مائة وأولادها مائة
وكفأتها مائة فندم فأتاه فاستقاله فأبى أن
يقيله فقال لك عشر شياه فأبى فقال لك عشر أخر
فأبى فعالج الرّكاز فخرج منه قيمة ألف شاة
فأتاه الآخر فقال خذ غنمك وأعطني مالي فأبى
عليه فقال لأضرّنّك فأتى عليّا وذكر ذلك له
وقصّ عليه القصّة فقال أدّ خمس ما أخذت للّذي
وجد الرّكاز وأمّا هذا فإنّما أخذ ثمن غنمه.
ص -242-
الرّكاز المعدن هنا والشّاة المتبع الّتي
يتبعها ولدها والكفأة بالهمزة وتسكين الفاء
وفتح الكاف وضمّها من قولهم نتج فلان إبله
كفأة إذا نتج كلّ عام نصفها وذلك لأنّ عادة
العرب إنزاء الفحول على النّوق في سنة على
بعضها وسنة أخرى على بعضها وترك الإنزاء في
سنة أخرى لأولادها وفي الغنم من عادتهم
الإنزاء عليها كلّ سنة وذكر الكفأة في هذا
الحديث في الغنم يريد به الإنزاء عليها كلّها
فيلدن مائة أخرى فتقول هذه المرأة لزوجها
اشتريت المعدن بمائة شاة كبار ولها مائة أولاد
صغار وإذا أنزيت عليها حصلت مائة أخرى فقد
اشتريته بثلاثمائة شاة في المعنى فاستقاله أي
طلب منه الإقالة ومعالجة الرّكاز العمل
والتّصرّف فيه فأتاه الآخر أي بائع الرّكاز
فطلب منه الإقالة فلم يفعل وقال لأضرّنك أي
لأخبرنّ به عليّا رضي اللّه عنه فأخبره فقال
لبائع الرّكاز أدّ خمس ما أخذت لأنّه واجد
الرّكاز وقد سلّم له بدله وأمّا مشتري الرّكاز
فلم يوجب عليه عليّ رضي اللّه عنه شيئا لأنّه
أخذه بثمن سبك الفضّة أو الذّهب أي أذابهما من
حدّ ضرب.
والقلعيّ بفتح القاف وتسكين اللّام نوع من
الرّصاص والأسرفّ أصله فارسيّ.
وقال عليه السلام: "كلّ ربا
كان في الجاهليّة فهو موضوع"
أي كلّ ما وجب على إنسان من ذلك بعقد كان في
حالة الكفر فقد وضعته أي أبطلته وأسقطته عمّن
جعل عليه. وروي أنّ أبا بكر الصّدّيق رضي
اللّه عنه قبل الهجرة حين نزلت:
{الم غُلِبَتِ الرُّومُ}1 قال له مشركو قريش: هل لك أن نخاطرك على أن نضع بيننا وبينك خطرا
المخاطرة بيمان بستن والخطر آن مال كه بروى
بيمان بندند فإن غلبت الرّوم أي كانوا غالبين
أخذت خطرنا وإن غلبت فارس أخذنا خطرك فخاطرهم
أبو بكر رضي اللّه عنه على ذلك ثمّ أتى
النّبيّ عليه السلام فأخبره بذلك فقال:
"اذهب إليهم فزد في الخطر" أي قدر المال وأبعد في الأجل أي زد في المدّة وكان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الروم:1-2.
ص -243-
خاطرهم
على خمس سنين فجعل ذلك سبع سنين فصارت الرّوم
غالبين في السّنة السّابعة وفي رواية كان
خاطرهم على سبع سنين ثمّ جعلها على تسع سنين
فكانت غلبتهم في السّنة التّاسعة ويرجع ذلك
إلى قوله تعالى:
{فِي
بِضْعِ سِنِينَ}1 وهو يقع على ما دون العشرة ففعله أبو بكر رضي اللّه عنه ثمّ غلبت
الرّوم فأعطوه خطره فأمره النّبيّ عليه
السلام: بأكله ويسمّى أيضا المناحبة، وعن
المسور بن مخرمة رضي اللّه عنه قال: وجدت في
المغنم يوم القادسيّة طستا لا يدرى أشبه هو أم
ذهب فابتعتها بألف درهم فأعطاني بها تجّار
الحيرة ألفي درهم أي طلبوا منّي شراها بضعف ما
اشتريته به والتّجّار جمع تاجر وفيه لغتان ضمّ
التّاء وتشديد الجيم على وزن الكفّار وكسر
التّاء وتخفيف الجيم على وزن القيام والحيرة
اسم القرية الّتي كان النّعمان بن المنذر
يسكنها.
قال: فدعاني سعد هو سعد بن أبي وقّاص قائد جيش
غزاة هذه الواقعة فقال: لا تلمني وردّ الطّست،
أي لا تعتب عليّ باسترداده فهو شبيه بالإضرار
بالغزاة وأمير المؤمنين عمر رضي اللّه عنه لا
يرضى به فقلت له : لو كانت من شبه ما قبلتها
منّي.
قال: إنّي أخاف أن يسمع عمر رضي اللّه عنه
أنّي بعتك طستا بألف درهم فأعطيت بها ألفي
درهم فيرى بالضّمّ: أي يظنّ أنّي قد صانعتك
فيها المصانعة: المداراة ويجوز أن يكون من
اصطناع المعروف هاهنا أي تبرّعت عليك بما هو
للغانمين.
قال: فأخذها منّي فأتيت عمر رضي اللّه عنه
فذكرت ذلك له فرفع يديه وقال: الحمد للّه
الّذي جعل رعيّتي تخافني في آفاق الأرض قال:
وما زادني على هذا.
وعن أبي رافع قال خرجت بخلخال فضّة لامرأة
أبيعه فلقيني أبو بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه
فاشتراه منّي فوضعته في كفّة الميزان ووضع أبو
بكر دراهمه في كفّة الميزان فكان الخلخال أشفّ
منه قليلا أي أزيد والشّفّ بالكسر الفضل
والشّفّ أيضا النّقصان وهو من الأضداد والشّفّ
الرّبح وهو الفضل الّذي قلنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الروم: 4.
ص -244-
قال:
فدعا بالمقراض وفارسيّته كاز ليقطعه فقلت يا
خليفة رسول اللّه هو لك أي إنّي أرضى
بالزّيادة فقال: يا أبا رافع إنّي سمعت رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول:
"الذّهب بالذّهب وزنا بوزن" الزّائد والمستزيد في النّار أي معطي الزّيادة وطالب الزّيادة
عاصيان. |