طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية ط دار القلم

ص -248-     كتاب القسمة:
القسمة: إفراز النّصيبين أو الأنصباء من حدّ ضرب والقسم بفتح القاف كذلك والقسم بالكسر النّصيب وقاسم فلان فلانا وتقاسم فلان وفلان واقتسما كذلك والاقتسام طلب القسمة وسؤالها والتّقسيم تبيين الأقسام والتّقسّم مطاوع له والانقسام مطاوع القسمة.
وروى محمّد رحمه اللّه عن بشير بن بشّار أنّ النّبيّ عليه السلام: قسّم غنائم خيبر على ستّة وثلاثين سهما ثمانية عشر سهما للمسلمين فيها سهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وثمانية عشر سهما أرزاق أزواج النّبيّ عليه السلام ونوائبه، أي: حوائجه الّتي تنوبه أي تصيبه فكان للنّبيّ عليه السلام: خمس الخمس وما ذكر في الحديث من سهمه وأرزاق أزواجه رضي اللّه عنهنّ يصير بأضعافه ولكن وجهه أنّه عليه السلام: جعل أنصباء النّاس في العروض والنّقود والحيوان وجعل نوائبه وأرزاق أهله في الأراضي فبلغ ذلك ما قال.
وعن محمّد بن إسحاق الكلبيّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّه قسّم غنائم خيبر على ثمانية عشر سهما جميعا وكانت الرّجال ألفا وأربعمائة والخيل مائتي فرس وكان على كلّ مائة رجل نقيب وكان عليّ بن أبي طالب على مائة وطلحة على مائة وكان عبيد السّهام على مائة وكان عاصم بن عديّ على مائة وكان الزّبير على مائة وكان عبد الرّحمن بن عوف على مائة وكان سهم رسول اللّه عليه السلام مع سهم عاصم بن عديّ.
وكانت المقاسم في الشّقّ والنّطاة وكانت الشّقّ ثلاث عشر سهما والنّطاة خمسة أسهم وكانت الكتيبة فيها خمس اللّه وطعام أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعطاياه وكان أوّل

 

ص -249-     سهم خرج من الشّقّ سهم عاصم وفيه سهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ سهم عليّ، ثمّ سهم عبد الرّحمن، ثمّ سهم طلحة، ثمّ سهم ساعدة، ثمّ سهم النّجّار، ثمّ سهم حارثة، ثمّ سهم أسلم، ثمّ سهم سلمة، ثمّ سهما آخر ثمّ سهم أوس، وكان أوّل سهم خرج بالنّطاة سهم الزّبير ثمّ سهم بياضة ثمّ سهم أسيد ثمّ سهم الحارث ثمّ سهم ناعم وفيه قتل محمود بن سلمة رضي اللّه عنه أوّل هذا الخبر بظاهره.
وحجّة أبي يوسف ومحمّد رحمهما اللّه في أنّ الرّاجل له سهم والفارس له ثلاثة أسهم سهم لنفسه وسهمان لفرسه فإنّه قال: كانت الرّجال ألفا وأربعمائة والخيل مائتي فرس وكانت القسمة على ثمانية عشر سهما لكلّ مائة سهم فيكون لألف وأربعمائة رجل أربعة عشر سهما فيبقى أربعة أسهم لمائتي فرس لكلّ مائة سهمان وقد أصاب صاحب الفرس سهما فيصير له ثلاثة أسهم مع سهمي فرسه لكنّه حجّة أبي حنيفة رحمه اللّه في الحقيقة فإنّ الرّجال في هذا الحديث جمع راجل كما في قوله تعالى:
{يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}1 وقوله: والخيل مائتي فرس، أي: أصحاب الخيل مائتا فرس كما في قوله عليه السلام: "يا خيل اللّه اركبي" أي: يا فرسان اللّه اركبوا فيصير لألف وأربعمائة راجل أربعة عشر سهما ولمائتي فارس أربعة أسهم لكلّ فارس سهمان سهم له وسهم لفرسه.
وقوله: على كلّ مائة رجل أي كان على كلّ مائة منهم نقيب وعدّ أسماءهم، فقال: كان عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه على مائة وعبيد السّهام على مائة وهذا على الإضافة والسّهام جمع سهم وعرف بهذا الاسم لأنّ النّبيّ عليه السلام: لمّا أراد أن يسهم قال لهم هاتوا أصغر القوم فأتي بعبيد وهو من صبيان الأنصار فدفع إليه السّهام فسمّي به وعدّ في أوّل هذا الحديث ستّة منهم، ثمّ ذكر جميعهم في آخره فقال: أوّل سهم خرج سهم عاصم ثمّ كذا ثمّ كذا أي بالقرعة فقد أقرع بينهم وكان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الحج: 27.

 

ص -250-     ذلك لتطييب النّفوس لا لأنّه شرط وقوله وكانت المقاسم في الشّقّ وهو اسم حصن من حصون خيبر وكذلك النّطاة وهي على وزن القطاة ولا همزة فيهما وكذلك الكتيبة اسم حصن من حصونها.
وروى أحاديث ظاهرة، ثمّ روى عن عامر الشّعبيّ أنّ النّبيّ عليه السلام: بعث عليّا رضي اللّه عنه إلى اليمن فأتى بركاز فأخذ منه الخمس وترك أربعة أخماسه وأتاه ثلاثة يدّعون غلاما كلّ واحد منهم يقول هو ابني، فأقرع بينهم فقضى بالغلام للّذي قرع أي خرجت قرعته وجعل عليه الدّية لصاحبيه قال فقلت لعامر: هل رفع عنه حصّته؟ قال: لا أدري كان هذا غلاما مشتركا بين ثلاثة أو كان ولد من جارية مشتركة بينهم فادّعى كلّ واحد منهم أنّه ابنه فأقرع بينهم عليّ رضي اللّه عنه وكان هذا رأيه في الابتداء، ثمّ رجع ولم ير القضاء بالقرعة وقيل إنّما أقرع لتراضيهم بها واصطلاحهم عليها وهو جائز
وقوله: جعل الدّية على الّذي قرع لصاحبيه، أي: أوجب عليه قيمة نصيب صاحبيه لأنّ الدّية بدل النّفس والقيمة كذلك فسمّيت بها وإنّما أوجب عليه قيمة نصيب صاحبيه لأنّه كان لهم جميعا ظاهرا وقد أتلف حصّتهما فضمن لهما.
وقوله: لعامر هل رفع عنه حصّته؟ أي هل أسقط عنه قيمة الثّلث الّذي هو نصيبه؟ أو أوجب عليه لكلّ واحد منهما نصف القيمة؟ والظّاهر أنّه أوجب عليه قيمة نصيبهما دون نصيب نفسه.
ومن مشايخنا رحمهم اللّه تعالى: من حمل هذا الحديث على أنّ واحدا كان قتل هذا الغلام المشترك بينهم وكان كلّ واحد يدّعي أنّه ابنه ويطلب من القاتل ديته وقضى عليّ رضي اللّه عنه بالنّسب لمن قرع لكن مع هذا أوجب الضّمان عليه لصاحبيه لأنّها وجبت ظاهرا فلا يصدّق في إسقاطها عن نفسه وهما يدّعيان دية الحرّ دون قيمة العبد لكنّه كان عبدا ظاهرا فلم يصدّقا في إيجاب الدّية فوجب القيمة.
وعن إسماعيل بن إبراهيم أنّه قال: خاصمت أخي إلى الشّعبيّ رضي اللّه عنه

 

ص -251-     في دار صغيرة أريد قسمتها ويأبى أخي ذلك فقال الشّعبيّ: لو كانت مثل هذه فخطّ بيده مقدار آجرّة لقسمتها بينكما وجعلتها على أربع قطع أي لو كانت هذه الدّار في الصّغر مثل هذه الآجرّة لقسمتها وهو تمثيل لا تحقيق لأنّ الصّغير الّذي لا ينتفع به بعد القسمة لا يقسم لكن أراد به أنّ هذا مع صغره ينتفع به بعد القسمة فأقسمه.
ومثل هذا التّمثيل قوله عليه السلام:
"من بنى للّه تعالى مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى اللّه تعالى له بيتا في الجنّة" ومفحص القطاة: بفتح الميم والحاء أفحوصها ومجثمها والمسجد وإن صغر لم يكن كذلك فكذا الدّار وإن صغرت لم تكن كآجرّة فكان المراد بها الصّغيرة الّتي ينتفع بالمفرز منها بعد القسمة فتقسم.
وعن شريح رحمه اللّه قال: ومالي لا أرتزق أي لا آخذ العطاء أستوفي منهم وأوفّيهم أي أسمع كلام الخصمين بتمامه وأوفّي حقّ الجواب والقضاء وإيصال الحقّ إلى المستحقّ وأصبر نفسي لهم في المجلس من قوله تعالى:
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}1 وبعضهم يرويه وأصيّر بياء معجمة من تحتها بنقطتين وتشديدها من التّصيير أي أجعل نفسي لهم موقوفا في مجلس القضاء وأعدل بينهم في القضاء.
وقال في مسألة سفل لا علوّ له وعلوّ لا سفل له: يحسب في القسمة السّفل ذراعا بذراعين من العلوّ عند أبي حنيفة رحمه اللّه وقال محمّد رحمه اللّه يقسمان باعتبار القيمة وقال أبو يوسف رحمه اللّه يحسب العلوّ بالنّصف والسّفل بالنّصف ثمّ ينظر كم جملة أذرع كلّ واحد منهما فيطرح من ذلك النّصف أمّا أصل كلامه أنّ ذراعا من هذا بذراع من ذلك فمعلوم وأمّا باقي الكلام فمشكل وقيل هو جواب سؤال سكت عنه وهو أنّه إذا كان علوّ بين رجلين وسفل بينهما وبيت كامل يعني مشتمل على علوّ وسفل بينهما فأراد القسمة فإنّه يقدّر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الكهف: 28.

 

ص -252-     عنده كلّ ذراع من العلوّ بنصف ذراع من البيت الكامل فينظر وكلّ ذراع من السّفل بنصف ذراع من البيت الكامل إلى جملة ذراعان كلّ واحد منهما فيطرح من البيت الكامل نصف تلك الجملة فيقدّر نصف تلك الجملة من البيت الكامل بتلك الجملة من العلوّ والسّفل.
ولو كان أزج وقع على حائط بفتح الهمزة والزّاي وتخفيف الجيم وفارسيّته كمرا وكذلك روشن وقع لصاحب العلوّ مشرف على نصيب الآخر على وزن كوثر هو ما يخرج من الجدار من الجذوع يوسّع به المنزل العلوّ أو يجعل ممرّا يمرّ عليه وأصله فارسيّ.
ولو اتّخذ رجل بئرا في ملكه أو كرياسا أو بالوعة أو بئر ماء فنزّ منها حائط جاره الكرياس بكسر الكاف وبعد الرّاء ياء معجمة بنقطتين من تحتها وبعد الألف سين غير معجمة الكنيف في أعلى السّطح والبالوعة في صحن الدّار ونزّ الحائط أي ظهر تحته النّزّ وهو النّجل وهو مفتوح النّون والكسر لغة فيه وفارسيّته رهّاب وقال في ديوان الأدب النّزّ ما تحلّب من الأرض من الماء وإذا أخذ أحدهما حيّزا أي ناحية.
وإذا كانت أقرحة أرض متفرّقة بين رجلين هي جمع قراح بفتح القاف وهي الأرض البارزة الّتي لم يختلط بها المسنّاة العرم كسح الكرم كنسه من حدّ صنع وهو قشر أرضه بالمسحاة ونحو ذلك وتلقيح النّخل إيبارها وهو إدخال شيء من فحولها في إناثها كتلقيح الحيوانات والقوصرّة بالصّاد وتشديد الرّاء وعاء التّمر والمقصورة كلّ ناحية من الدّار الكبيرة إذا أحيط عليها بحائط.
والمبرسم لا يجوز عليه القسمة أي المعلول بعلّة البرسام بكسر الباء وهو وجع يحدث في الدّماغ من ورم في الحمّيات الحارّة ويذهب منه عقل الإنسان وكثيرا ما يهلك يقال برسم على ما لم يسمّ فاعله فهو مبرسم والمعتوه شبيه بالمجنون وهو الّذي يصيبه فساد في عقله من وقت الولادة وقد عته يعته عتها على ما لم يسمّ فاعله فهو معتوه.