المتواري على
أبواب البخاري (29 -] كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور [)
(170 - (1) بَاب لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ)
فِيهِ ابْن عمر: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
أدْرك عمر - وَهُوَ يسير فِي ركب - يحلف
(1/220)
بِأَبِيهِ. فَقَالَ: أَلا إِن الله
يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمن كَانَ حَالفا
فليحلف بِاللَّه أَو ليصمت.
قَالَ عمر: فوَاللَّه مَا حَلَفت بهَا مُنْذُ سَمِعت
النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ذَاكِرًا وَلَا آثراً.
وَقَالَ مُجَاهِد: {أَو أثارة من علم} [الْأَحْقَاف: 4]
قَالَ يأثر علما.
فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
وَالله لَا أَحْلف على يَمِين فَأرى غَيرهَا خيرا مِنْهَا.
الحَدِيث.
قلت: رَضِي الله عَنْك {عبّر أَنه [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] أخبر عَن أيمانه كلهَا أَنَّهَا قَابِلَة للتحلّل
بِالْكَفَّارَةِ. وإنمّا تكفر الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى
خَاصَّة. فَدخل فِي ذَلِك أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
لم يحلف إِلَّا بِاللَّه فَيخرج الْحلف بِالْآبَاءِ. وَقد
كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة.
(171 - (2) بَاب من حلف على الشَّيْء وَإِن لم يحلف)
فِيهِ ابْن عمر: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
اصْطنع خَاتمًا من ذهب. وَكَانَ يلْبسهُ، فَيجْعَل فصّه
فِي بَاطِن كفّه. ثمَّ إِنَّه جلس على الْمِنْبَر
فَنَزَعَهُ، فَقَالَ: إِنِّي كنت ألبس هَذَا الْخَاتم
وَأَجْعَل فصّه من دَاخل فَرمى بِهِ، وَقَالَ: وَالله لَا
ألبسهُ أبدا. فنبذ النَّاس خواتيمهم.
قلت: رَضِي الله عَنْك} مَقْصُود التَّرْجَمَة أَن يخرج
مثل هَذَا من قَوْله تَعَالَى:
(1/221)
8 - (وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم}
[الْبَقَرَة:: 224] لِأَن لَا يتخيل أَن الْحَالِف قبل أَن
يسْتَحْلف مُطلقًا مرتكب للنَّهْي. فبيّن أَن الْيَمين
لمثل هَذَا الْقَصْد الصَّحِيح مَشْرُوعَة. وَالْقَصْد
تَأْكِيد الْكَرَاهَة عِنْدهم للتختم بِالذَّهَب.
(172 - (3) بَاب من حلف بِملَّة سوى الْإِسْلَام)
وَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " من حلف
بِاللات فَلْيقل: لَا إِلَه إِلَّا الله وَلم ينبّه
بالْكفْر.
فِيهِ ثَابت بن الضَّحَّاك: قَالَ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]-: من حلف بِغَيْر مِلَّة الْإِسْلَام،
فَهُوَ كَمَا قَالَ. وَمن قتل نَفسه بِشَيْء عذّب بِهِ فِي
نَار جَهَنَّم. وَلعن الْمُؤمن كقتله. وَمن رمى مُؤمنا
بِكفْر فَهُوَ كقتله.
قلت: رَضِي الله عَنْك {قصد بِهَذِهِ التَّرْجَمَة وَبِمَا
أعقبها من حَدِيث " الْحلف بِاللات " أَن يبيّن أَن قَوْله
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من حلف بِغَيْر مِلَّة
الْإِسْلَام، فَهُوَ كَمَا قَالَ. لَيْسَ على ظَاهره فِي
نسبته إِلَى الْكفْر، بل هُوَ كَمَا قَالَ فِي كذبه مثل
كذب الْمُعظم للات من الْجِهَة الْعَامَّة إِذا حلف بهَا.
(173 - (4) بَاب قَول الله تَعَالَى: {وأقسموا بِاللَّه
جهد أَيْمَانهم} [الْأَنْعَام: 109] )
وَقَالَ أَبُو بكر: فوَاللَّه يَا رَسُول الله} لتحدثني
بِالَّذِي أَخْطَأت فِي الرُّؤْيَا.
(1/222)
قَالَ: لَا تقسم
فِيهِ الْبَراء: " أمرنَا رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- بإبرار الْمقسم.
وَفِيه أُسَامَة: أَن ابْنة النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- أرْسلت إِلَيْنَا أَن ابْني قد احْتضرَ. فأشهدنا
وقمنا مَعَه. الحَدِيث.
وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]-: لَا يَمُوت لأحد من الْمُسلمين ثَلَاثَة
من الْوَلَد فَتَمَسهُ النَّار إِلَّا تَحِلَّة الْقسم.
وَفِيه حَارِثَة بن وهب: قَالَ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- أَلا أدلكم على أهل الْجنَّة؟ كل ضَعِيف
متضعّف، لَو أقسم على الله لأبّره. وَأهل النَّار كل خوّاض
عتلّ متكبر.
قلت: رَضِي الله عَنْك! مَقْصُوده من هَذَا الْبَاب -
وَالله أعلم - الردّ على من لم يَجْعَل الْقسم بِصِيغَة "
أقسم " يَمِينا منعقدة كالشافعي وكمالك فِي قَوْله
بِأَنَّهَا لَيست يَمِينا حَتَّى تذكر مَعهَا اسْم الله،
أَو يَنْوِي. فَذكر البُخَارِيّ الْآيَة. وَقد قرن الْقسم
فِيهَا بِاللَّه. ثمَّ بيّن أنّ هَذَا الاقتران لَيْسَ
شرطا بالأحاديث، فَإِنَّهُ جعل هَذِه الصِّيغَة بمجردّها
يَمِينا تتصف بالبرّ من غير الْحَالِف، وَهُوَ الْمَحْلُوف
عَلَيْهِ.
(174 - (5) بَاب الْحلف بعزّة الله وَصِفَاته وَكَلَامه)
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- يَقُول: أعوذ بعزتك. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة
(1/223)
عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-:
يبْقى رجل بَين الْجنَّة وَالنَّار، فَيَقُول: يارب اصرف
وَجْهي عَن النَّار. وَعزَّتك لَا أسئلك وَغَيرهَا.
وَقَالَ أَيُّوب] عَلَيْهِ السَّلَام [: وَعزَّتك لاغني
بِي عَن بركتك.
فِيهِ أنس: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-
لَا تزَال جَهَنَّم تَقول: هَل من مزِيد؟ حَتَّى يضع رب
العزّة فِيهَا قدمه، فَتَقول: قطّ قطّ وعزّتك. ويزوى
بَعْضهَا إِلَى بعض.
قلت: رَضِي الله عَنْك! مَقْصُود التَّرْجَمَة أَن الْحلف
بِالصِّفَاتِ الْقَدِيمَة بِصِيغَة الْمصدر كالحلف
بالأسماء. وطابقت التَّرْجَمَة قَوْله: " أعوذ بعزتك "
مَعَ أَن هَذَا دُعَاء وَلَيْسَ بقسم من نَاحيَة أَن لَا
يستعاذ إِلَّا بالقديم. فَأثْبت هَذَا أَن الْعِزَّة من
الصِّفَات الْقَدِيمَة، لِأَن من صفة الْفِعْل فتنعقد
الْيَمين. وَالله أعلم.
(175 - (6) بَاب إِذا حنث نَاسِيا)
وَقَوله تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِيمَا أخطأتم
بِهِ} [الْأَحْزَاب: 5] وَقَالَ: {لَا تواخذني بِمَا نسيت}
[الْكَهْف: 73] .
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: يرفعهُ، قَالَ رَسُول الله -[صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِن الله تجَاوز لأمتي عَمَّا وسوست
أَو حدثت بهَا أَنْفسهَا مَا لم تعْمل بِهِ أَو
تَتَكَلَّم.
(1/224)
وَفِيه عبد الله بن عمر: إِن النَّبِي
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بَيْنَمَا هُوَ يخْطب يَوْم
النَّحْر إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رجل، فَقَالَ: كنت أَحسب
كَذَا. ثمَّ قَامَ آخر فَقَالَ: يَا رَسُول الله {كنت
أَحسب كَذَا. فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
: افْعَل وَلَا حرج. الحَدِيث. وَفِيه ابْن عَبَّاس مثله.
وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: إِن رجلا دخل الْمَسْجِد يُصَلِّي
- وَالنَّبِيّ -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي نَاحيَة
الْمَسْجِد - فجَاء فسلّم عَلَيْهِ. فَقَالَ: ارْجع فصل
فانك لم تصل. فَقَالَ فِي الثَّالِثَة: علّمني. فَقَالَ:
إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فأسبع الْوضُوء. ثمَّ اسْتقْبل
الْقبْلَة وكبّر واقرأ بِمَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن.
ثمَّ اركع حَتَّى تطمئِن رَاكِعا، ثمَّ ارْفَعْ رَأسك
حَتَّى تعتدل قَائِما ثمَّ افْعَل ذَلِك فِي صَلَاتك
كلهَا.
وَفِيه عَائِشَة: هزم الْمُشْركُونَ يَوْم أحد هزيمَة تعرف
فِيهَا. فَصَرَخَ إِبْلِيس أَي عباد الله} أخراكم فَرَجَعت
أولاهم فاجتلدت هِيَ وأخراهم. فَنظر حُذَيْفَة: فَإِذا
هُوَ بِأَبِيهِ. فَقَالَ: أبي أبي، فوَاللَّه مَا انحجزوا
حَتَّى قَتَلُوهُ. فَقَالَ حُذَيْفَة: غفر الله لكم!
فَقَالَ عُرْوَة: فوَاللَّه مَا زَالَت فِي حُذَيْفَة
مِنْهَا بَقِيَّة خير حَتَّى لقى الله.
وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: من أكل نَاسِيا وَهُوَ صَائِم
فليتّم صَوْمه فَإِنَّمَا أطْعمهُ الله وسقاه.
فِيهِ ابْن بُحَيْنَة: صلى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- بِنَا فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين قبل
أَن يجلس. ثمَّ رفع ثمَّ كبّر وَسجد. ثمَّ رفع رَأسه ثمَّ
سلّم.
وَفِيه ابْن مَسْعُود: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- صلى بهم الظّهْر، فَزَاد وَنقص مِنْهَا فَقَالَ:
يَا رَسُول الله أقصرت الصَّلَاة أم نسيت؟ فَقَالَ: وَمَا
ذَاك؟ قَالُوا: صليت كَذَلِك. قَالَ: فَسجدَ بهم ثمَّ
قَالَ: هَاتَانِ السجدتان لمن لم يدر زَاد فِي صلَاته أَو
نقص فيتحّرى الصَّوَاب فليتّم مَا بقى ثمَّ يسْجد
سَجْدَتَيْنِ ".
(1/225)
وَفِيه أَبى بن كَعْب: إِنَّه سمع النَّبِي
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول: {لَا تؤاخذني بِمَا
نسيت وَلَا ترهقني من أمرى عسراً} [الْكَهْف: 73] قَالَ:
كَانَت الأولى من مُوسَى نِسْيَانا.
وَفِيه الْبَراء: كَانَ عِنْدهم ضيف فَأمر أهلهم أَن
يذبحوا قبل أَن يرجع ليَأْكُل ضيفهم. فذبحوا قبل
الصَّلَاة. فَذكرُوا ذَلِك للنَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- فَأمر أَن يُعِيد الذّبْح.
وَفِيه جُنْدُب: شهِدت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]-] صلى [يَوْم عيد، ثمَّ خطب فَقَالَ: من ذبح فليعد
مَكَانهَا أُخْرَى. وَمن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله.
قلت: رَضِي الله عَنْك! لما كَانَ حكم النَّاسِي قَاعِدَة
مُخْتَلفا فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْجَاهِل هَل يلْحق بالناسي
أَو الْعَامِد؟ أَطَالَ البُخَارِيّ الْأَحَادِيث
المتعارضة فِيهِ. فَمِنْهَا مَا قَامَ النسْيَان فِيهِ
عذرا مُطلقًا. وَمِنْهَا مَا كَانَ الْخَطَأ فِيهِ ملغى،
وَألْحق صَاحبه بالتعمد. وَمِنْهَا مَا عذر بِهِ من وَجه
دون وَجه. والتدبر يبيّن ذَلِك. وَالله أعلم.
(176 - (7) بَاب الْيَمين فِيمَا لَا يملك وَفِي
الْمعْصِيَة، وَالْيَمِين فِي الْغَضَب)
فِيهِ أَبُو مُوسَى: أَرْسلنِي أَصْحَابِي إِلَى النَّبِي
-[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- اسأله الحملان فَقَالَ:
وَالله
(1/226)
لَا أحملكم على شَيْء. ووافقته وَهُوَ
غَضْبَان فَلَمَّا انتبه، قَالَ: انْطلق إِلَى أَصْحَابك.
فَقَالَ: إِن الله عز وجلّ، أوإن رَسُوله يحملكم.
وَفِيه عَائِشَة: حِين قَالَ لَهَا أهل الأفك مَا قَالُوا،
فبرأها الله. وَكَانَ أَبُو بكر ينْفق على مسطح
لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ. فَقَالَ: وَالله لَا أنْفق على مسطح
شَيْئا بعد الَّذِي قَالَ لعَائِشَة فَأنْزل الله
سُبْحَانَهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم
وَالسعَة أَن يؤتوا أولي الْقُرْبَى} [النُّور: 22] .
قَالَ أَبُو بكر: بلَى وَالله إِنِّي لأحب أَن يغْفر الله
لي.
فَرجع إِلَى مسطح النَّفَقَة الَّتِي كَانَ ينْفق
عَلَيْهِ. وَقَالَ: وَالله لَا أَنْزعهَا مِنْهُ أبدا.
وَفِيه أَبُو مُوسَى: أتيت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- فِي نفر من الْأَشْعَرِيين فوافقته وَهُوَ
غَضْبَان فاستحملته فَحلف أَن لَا يحملنا. ثمَّ قَالَ:
وَالله إِن شَاءَ الله لَا أَحْلف على يَمِين فَأرى
غَيرهَا خيرا مِنْهَا، إِلَّا أتيت الَّذِي هُوَ خير.
وتحللتها.
قلت: رَضِي الله عَنْك! حَدِيث أبي مُوسَى يُطَابق
الْيَمين فِيمَا لَا يملك. قَالَ الشَّارِح. لِأَنَّهُ لم
يكن يملك ظهرا يحملهم عَلَيْهِ. فَلَمَّا طَرَأَ الْملك
حملهمْ. وَفهم عَن البُخَارِيّ أَنه نحا نَاحيَة تَعْلِيق
الطَّلَاق قبل ملك الْعِصْمَة، أَو الحرّية قبل ملك
الرَّقَبَة. وَالظَّاهِر من قصد البُخَارِيّ غير هَذَا،
وَهُوَ أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- حلف أَن
لَا يحملهم، فَلَمَّا حملهمْ وراجعوه فِي يَمِينه. قَالَ:
مَا أَنا حملتكم وَلَكِن الله حملكم. فبيّن أَن يَمِينه
إِنَّمَا انْعَقَدت فِيمَا يملكهُ، لأَنهم سَأَلُوهُ أَن
يحملهم. وَإِنَّمَا سَأَلُوهُ ظنا أَنه يملك حملانا فَحلف
لَا يحملهم على شَيْء يملكهُ لعدم الْملك حِينَئِذٍ. كأنّه
قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَام - وَالله مَا أملكت حملانا
فَكيف أحملكم؟ وَالَّذِي حملكم عَلَيْهِ مَال الله لَا
ملكه الْخَاص.
(1/227)
فَلَو حملهمْ على مَا يملكهُ لكفّر. وَلَا
خلاف فِيهَا إِذا حلف على شَيْء وَلَيْسَ فِي ملكه أَنه
لَا يفعل فعلا مُتَعَلقا بذلك الشَّيْء مثل قَوْله: "
وَالله لَا ركبت هَذَا الْبَعِير " وَلم يكن فِي ملكه.
وَلَو ملكه وَركبهُ حنث وكفّر. وَلَيْسَ هَذَا من تَعْلِيق
الْعتْق على الْملك. وَالله أعلم.
(177 - (8) بَاب إِذا حلف أَن يأتدم، فَأكل تَمرا بِخبْز،
وَمَا يكون من الْأدم)
فِيهِ عَائِشَة: قَالَت مَا شبع آل مُحَمَّد -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- من خبز برّ مأدومٍ ثَلَاثَة أَيَّام
حَتَّى لحق بِاللَّه.
فِيهِ أنس: قَالَ أَبُو طَلْحَة لأم سليم: لقد سَمِعت صَوت
رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ضَعِيفا أعرف
فِيهِ الْجُوع. فَهَل عنْدك من شَيْء؟ فَقَالَت: نعم
{فأخرجت أقراصاً من شعير ثمَّ أخذت خماراً لَهَا، فلفّت
الْخبز بِبَعْضِه، ثمَّ أرسلتني إِلَى النَّبِي [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] فَذَهَبت فَوجدت النَّبِي [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] فِي الْمَسْجِد وَمَعَهُ النَّاس -
الحَدِيث - فَأَتَت بالخبز فَأمر بِهِ النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- فقت وعصرت عكة لَهَا، فأدمته ثمَّ قَالَ
فِيهِ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مَا شَاءَ أَن
يَقُول. الحَدِيث.
قلت: رَضِي الله عَنْك} مَقْصُوده أَن يرد على من زعم أَنه
لَا يُقَال ائتدم إِلَّا إِذا كَانَ اصطبغ فَذكر حَدِيث
عَائِشَة. والمعلوم أَنَّهَا نفت الإدام مُطلقًا فِي
سِيَاق وَبَيَان شظف الْعَيْش فَدخل فِيهِ التَّمْر
وَغَيره. وَحَدِيث أنس إِنَّهَا عصرت العكة.
(1/228)
على الأقراص فَلم يكن اصطباغ، قَالَ:
فأدمته.
(178 - (9) بَاب الْوَفَاء بِالنذرِ وَقَوله عزّ وجلّ:
{يُوفونَ بِالنذرِ} [الدَّهْر: 7] .)
فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
عَن النّذر لَا يقدّم شَيْئا وَلَا يُؤَخِّرهُ. وَإِنَّمَا
يسْتَخْرج بِالنذرِ من الْبَخِيل. وَقَالَ مرّة: لَا يردّ
شَيْئا.
وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] : لَا يَأْتِي ابْن آدم النّذر بِشَيْء لم
أكن قدرته. لَكِن يلقيه النّذر إِلَى الْقدر قد قدّرته.
فيستخرج إِلَيْهِ بِهِ من الْبَخِيل فيؤتيني عَلَيْهِ مَا
لم يكن يؤتيني عَلَيْهِ من قبل.
قلت: رَضِي الله عَنْك! مَوضِع الاستشهاد قَوْله: "
يسْتَخْرج بِهِ من الْبَخِيل " مَا يجب عَلَيْهِ، لَا مَا
هُوَ متبّرع بِهِ، وَإِلَّا كَانَ جوداً.
(179 - (10) بَاب النّذر فِيمَا لَا يملك وَلَا نذر فِي
مَعْصِيّة)
فِيهِ عَائِشَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه، وَمن نذر أَن
(1/229)
يعصيه فَلَا يَعْصِهِ.
وَفِيه أنس: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِن
الله لغنىّ عَن] تَعْذِيب [هَذَا نَفسه. - وَرَآهُ يمشي
بَين ابنيه -.
وَفِيه ابْن عَبَّاس: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم]- رأى رجلا يطوف بِالْكَعْبَةِ بزمام أَو غَيره
فَقَطعه. وَقَالَ: يَقُود إنْسَانا بخزامة فِي أَنفه
فقطعها النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بِيَدِهِ.
ثمَّ أمره أَن يَقُود بِيَدِهِ.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس مرّة: بَيْنَمَا النَّبِي -[صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم]- يخْطب إِذا هُوَ برجلٍ قَائِم فَسَأَلَهُ
عَنهُ فَقَالَ: أَبُو إِسْرَائِيل نذر أَن يقوم وَلَا
يقْعد، وَلَا يستظل، وَلَا يتَكَلَّم، ويصوم. فَقَالَ
النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: مره
فَلْيَتَكَلَّمْ، ويستظل، وليقعد وليتّم صَوْمه.
قلت: رَضِي الله عَنْك! نفى الشَّارِح تَرْجَمته هَهُنَا
على النّذر فِيمَا لَا يملك، وَقَالَ: " لَا مدْخل لَهُ
فِي هَذِه الْأَحَادِيث، وَإِنَّمَا يدْخل فِيهَا نذر
الْمعْصِيَة ". وَالصَّوَاب مَعَ البُخَارِيّ، فَإِنَّهُ
تلقى عدم لُزُوم النّذر فِيمَا لَا يملك نذر الْمُتَصَرف
فِي ملك الْغَيْر، وَهُوَ مَعْصِيّة. فَمن هَهُنَا أدخلهُ
فِي التَّرْجَمَة. وَالله أعلم.
وَلِهَذَا لم يقل: " بَاب النّذر فِي مَا لَا يملك، وَفِي
الْمعْصِيَة " وَلكنه قَالَ: " النّذر فِيمَا لَا يملك ".
ثمَّ قَالَ: " وَلَا نذر فِي مَعْصِيّة "، اندرج النّذر
فِي ملك الْغَيْر فِي النّذر فِي الْمعْصِيَة الَّذِي
نَفَاهُ عَن الْعُمُوم فَتَأَمّله.
(1/230)
|