دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين

2 - كتاب أدب الطعام
المراد منه ما يقابل الشراب، وإلا فيطلق لغة على كل ما يساغ فيدخل فيه الشراب كما في «المصباح» .
(وفي رواية) عند مسلم (لما رمى جمرة العقبة ونحر نسكه) بضمتين ويجوز إسكان الثاني: أي هديه الذي ساقه معه (وحلق) أي بعد نحره (ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري) واسمه زيد بن سهل زوج أم أنس بن مالك (وأعطاه إياه) لأنه كان له مزيد خصوصية ومحبة به وبأهله ليست لغيرهم من الأنصار ولا لكثير من المهاجرين. ولذا خصه بدفنه لبنته أم كلثوم وزوجها عثمان حاضر، ولذا خصه الصحابة بأنه الذي حفر القبر الشريف وألحد فيه النبي وبنى فيه اللبن (ثم) أي بعد أن ناول أبا طلحة (ناوله) أي الحلاق (الأيسر، فقال احلق، فحلقه فأعطاه أبا طلحة، فقال اقسمه بين الناس) لكن في رواية لمسلم أن الشعر الذي قسمه بين الناس شعر رأسه الأيمن وأن الذي أعطاه أبا طلحة شعر شق الرأس الأيسر، وقد أشار إلى ذلك الآتي في «شرح مسلم» فقال: إعطاؤه لأبي طلحة ليس مخالفاً لقوله فرّقه بين الناس لاحتمال أن يكون إعطاؤه له ليفرقه بينهم، وينبغي النظر في اختلاف الرواية في الجانب الأيسر ففي الأولى أنه فرقه كالأيمن وفي الثنية أنه أعطاه أم سليم وهي امرأة أبي طلحة والجمع بين الروايات. والله أعلم.
2 - كتاب أدب الطعام
المراد منه ما يقابل الشراب، وإلا فيطلق لغة على كل ما يساغ فيدخل فيه الشراب كما في «المصباح» .

100 - باب التسمية في أوله أي عند استعماله والحمد في آخره
1728 - (عن عمرو بن أبي سلمة) ربيب رسول الله من أم سلمة (رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: سمّ الله) أي اذكر اسم الله، قال المصنف: وأفضله بسم الله الرحمن الرحيم، ونازعه الحافظ ابن حجر بأنه لم يرد ما يدل لذلك (وكل بيمينك) لأنها لما ليس من باب الإهانة وهذا منه، وسيأتي الخلاف في وجوبه (وكل ما يليك) أي إذا كان الطعام لوناً واحداً، فإن كان ألواناً جاز الأكل من جميع الجوانب (متفق عليه) رواه البخاري ومسلم في الأطعمة، ورواه النسائي وابن ماجه، ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه أيضاً من طريق آخر.

(5/216)


2729 - (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله إذا أكل أحدكم) أي شرع، وهو في «الجامع الصغير» بلفظ «إذا أكل أحدكم طعاماً» وقال في آخره «فليقل بسم الله على أوله وآخره» لكن قال بعض شراحه: إن زيادة على فيه في بعض النسخ (فليذكر اسم الله تعالى) بأن يقول بسم الله الرحمن الرحيم وظاهر إطلاق الحديث شامل ما لو أتى عند إرادة أكله كما في قوله تعالى: {وتنسون أنفسكم} (البقرة: 44) أي تتركونها من البرّ الذي تأمرون به الغير. بلفظ الجلالة (فإن نسي) يحتمل أن يراد ما يقابل العمد وهو المتبادر، فالتارك عمداً لا يأتي بها أثناءه، ويحتمل أنه يأتي بها أيضاً، ولا مفهوم لقيد النسائي لأنه جرى على الغالب أن شأن المؤمن أنه لا يترك ذكر الله على طعامه إلا نسياناً، ويحتمل أن يراد به الترك كما في قوله تعالى: {وتنسون أنفسكم} أي تتركونها من البرّ الذي تأمرون به الغير فيشمل ذلك (أن يذكر اسم الله تعالى في) أي عند (أوله فليقل) ندباً (بسم الله) أي آكل (أوله وآخره) المراد بهما ما يشمل سائر الأحزاء ونصبهما على نزع الخافض.
(رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث صحيح) ورواه الحاكم في «المستدرك» ، وظاهر الخبر يتناول ما بعد الفراغ وأخذ بعديته جمع من أصحابنا وقالوا: فارق عدم استحباب ذلك بعد تمام الوضوء بأن القصد منها فيه عود البركة عليه وذلك انتهى بتمامه، والقصد منها هنا منع الشيطان من الطعام، فليتقايأ ما أكله قبلها لما أتى به بعد مها. ومشى ابن رسلان في شرح أبي داود. وأرجح آخرون على خلافه فقالوا: التقدير فليقل في أثنائه لا بعده فلا يستحب.

3730 - (وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: إذا دخل الرجل) ذكر

(5/217)


لأنه الأشرف، وإلا فالمرأة في جميع ما ذكر في الحديث مثله (بيته) أي منزله ولو كان خيمة، وظاهر أن المراد دخوله في المساء بدليل المبيت والعشاء، إذ إن قبله الغذاء والفطور (فذكر الله تعالى) أي اسمه بأن قال بسم الله (عند دخوله) يحتمل أن يراد عند إرادة الدخول، ويحتمل عند نفس الدخول الذي ابتداؤه الولوج في المنزل (وعند طعامه) أي تناوله له (قال الشيطان) لأعوانه على سبيل الإخبار (لا مبيت لكم ولا عشاء) ويحتمل أن يكون دعاء على الداخل وأهله إذ فوتهم كلا من المبيت والعشاء بما يأتي به من الذكر، لكن شأن الشيطان فيه كما قال تعالى: {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} (الرعد: 14) (وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت) إطلاقه يقتضي تمكنه من المبيت عند تركه الذكر حال الدخول وإن أتى به بعد، ويحتمل أنه مقيد بما إذا لم يأت به بعد، وإلا فلا سبيل لهم إلا قياساً على التسمية أثناء الطعام (وإذا لم يذكر اسم الله عند طعامه) أي تركه كذلك عند الطعام أيضاً (قال) أي الشيطان لأعوانه (أدركتم المبيت) أي مكان البيات، ويجوز أن يكون مصدراً اسمياً (والعشاء. رواه مسلم) في كتاب الأطعمة من «صحيحه» ، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي، ومداره عندهم على أبي جريج عن ابن الزبير عن جابر.
4731 - (وعن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا إذا حضرنا مع رسول الله طعاماً) التنوين فيه للشيوع فيشمل القليل والكثير والحقير والجليل (لم نضع أيدينا) أي فيه (حتى يبدأ رسول الله فيضع يده) وذلك تأدب معه وقد قال تعالى: {لا تقدموا بين يدي الله

(5/218)


ورسوله} (الحجرات: 1) وعمومه متناول لذلك (وإنا حضرنا معه مرّة طعاماً) معطوف على قوله كنا (فجاءت جارية) يحتمل أن يكون المراد منها المعنى المشهور وهو ما يقابل الحرة ولو عجوزاً، ويحتمل أن المراد به الشابة من الحرائر (كأنها تدفع) أي لشدة سرعتها وهو بالفوقية وبصيغة البناء للمفعول وحذف الفاعل للجهل به (فذهبت) عطف على جاءت (لتضع يدها في الطعام) أي قبل وضعه يده فيها (فأخذ رسول الله بيدها) منحياً لها عن الطعام لئلا يتوصل الشيطان بيدها (إليه ثم جاء أعرابيّ) ساكن البادية (كأنما) عدل إليه عن قوله كأنها المناسب لعديله تفنناً في التعبير وما كافة مهيئة للدخول لكان على قوله (يدفع فأخذه بيده، فقال رسول الله إن الشيطان) يحتمل أن تكون أل جنسية فيشمل كل الشياطين، ويحتمل كونها عهدية، والمشار إليه إبليس لأنه كبير أتباعه، والأول أقرب، وهل هو مأخوذ من شاط إذا احترق فنونه زائدة أو من شطن إذا بعد لبعده عن الخير فيه قولان (يستحل الطعام) أي يطلب حله: أي ليتمكن منه وقوله (أن لا يذكر اسم الله تعالى عليه) علة استحلاله والجار قبلها أي بأن لا يذكر اسم الله عليه، وحذف الجار من أن وكى المصدريان قياس مطرد (وأنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها) منعاً له مما أراد (فجاء بهذا الأعرابيّ يستحل به فأخذت بيده) لذلك (والذي نفسي بيده) أي بقدرته. وفيه استحباب القسم لتأكيد الأمر عند السامع (إن يده) أي الشيطان (في يديّ) بتشديد التحتية، ويحتمل أن يكون بتخفيفها (مع يديهما) كذا فيما وقفت عليه من نسخ الرياض. والذي في معظم الأصول من مسلم يدها بالإفراد، قال
المصنف في «شرحه» : وفي بعضها يدهما: أي بالثنية فهذا ظاهر، وضمير التثنية يرجع للجارية والأعرابي، وعلى رواية الإفراد يعود الضمير على الجارية. وقد حكى القاضي عياض أن الوجه التثنية. والظاهر أن رواية الإفراد أيضاً مستقيمة، وأن إثبات يدها لا ينافي يد الأعرابي، وإذا صحت الرواية وجب قبولها

(5/219)


وتأويلها كما ذكرنا اهـ (ثم ذكر) أي النبي (اسم الله تعالى وأكل) ظاهر العطف بالواو شامل لكون الذكر مقابلاً للأكل، ومتقدماً عليه وتناوله للذكر بعد الأكل يدفعه المقام (رواه مسلم) في الأطعمة أيضاً، ورواه أبو داود والنسائي أيضاً.
5732 - (وعن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية (ابن مخشى) بفتح الميم وسكون المعجمة الأولى وكسر الثانية (الصحابي) وصفه بذلك (رضي الله عنه) لخفاء صحبته على غير أهل الحديث، وهو خزاعي بصري يكنى أبا عبد الله، قاله أبو نعيم وأبو عمر، وقال ابن منده الخزاعي: وهو من الأزد، وقال ابن الأثير في «أسد الغابة» بعد ذكر حديث الباب: وقد أخرجه الثلاثة، يعني ابن عبد البر وابن منده وأبا نعيم ولا يعرف له غير هذا الحديث (قال: كان رسول الله جالساً ورجل يأكل) جملة إسمية حال من اسم كان (فلم يسمّ حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله) يكتب بإثبات الألف كما نبه عليه المصنف في «شرح مسلم» ، ولا يحذف إلا من جملة البسملة تخفيفاً لكثرة استعمالها (أوله وآخره) أي فيهما والمراد جميع أجزاء الطعام (فضحك النبيّ ثم) أي بعد ضحكه، ولعل تراخى الأخبار ليكثر التشوق للخبر فيكون أقر عندهم (قال: ما زال الشيطان يأكل معه) أي في دوام تناوله الطعام تاركاً التسمية فيه (فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه) قال العلماء: إنما لم يجب غسل الإناء مع أن القىء نجس منجس، لأن الخبر ليس أن تقيده يكون داخله، فيجوز أن يكون خارجه، ولا تجب الطهارة من المشكوك فيه (رواه أبو داود) في الأطعمة من «سننه» (والنسائي) في الوليمة منها.
6733 - (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله يأكل طعاماً في) أي مع

(5/220)


وهي في مثل هذا المقام أبلغ (ستة من أصحابه، فجاء) أي بعد تركهم لذلك الطعام وانقطاع نسبة ذكرهم اسم الله عند تناوله عنه (أعرابيّ فأكله بلقمتين) الباء بمعنى في (فقال رسول الله أما إنه) أي الأعرابيّ أو ضمير الشأن (لو سمى لكفاكم) أي معه بأن يبارك فيه فتأكلون ويأكل ويكفي الجميع، لكن يترك التسمية عليه نزعت منه البركة حتى أكل في لقمتين (رواه الترمذي) في الأطعمة من «جامعه» (وقال: حديث حسن صحيح) .
7734 - (وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن النبيّ كان إذا رفع مائدته) تقدم ضبطها ومعناها (قال: الحمد لله حمداً) بالنصب مفعول مطلق (كثيراً) بالمثلثة (طيباً) أي منزهاً عن سائر ما ينقصه من رياء أو سمعة أو إخلال بإجلال (مباركاً) بصيغة المفعول نائب فاعله قوله (فيه) والبركة الزيادة والنماء (غير مكفي) قال المصنف بتشديد الياء هذه الرواية الصحيحة الفصيحة، ورواه أكثر الرواة بالهمزة وهو فاسد من حيث العربية سواء كان ومن الكفاية أو كفأت الإناء كما لا يقال في مقرؤ من القراءة مقرىء بالهمزة (ولا مستغني) بصيغة الفعول (عنه) قال صاحب «المطالع» : الضمير يعود على الطعام، قال الحربي: الكفي الإناء المقلوب للاستغناء عنه كما قال غير مستغني عنه أو لعدمه. وذهب الخطابي إلى أن المراد بهذا الدعاء كله الباري سبحانه وتعالى، وأن الضمير يعود إليه، ومعنى غير مكفي: إنه يطعم ولا يطعم كأنه على هذا من الكفاية، وإلى هذا ذهب غيره في تفسير الحديث: أي إن الله مستغن عن معين وظهير (ربنا) منصوب على الوجه الأخير بالاختصاص أو المدح أو النداء، كأنه قيل: يا ربنا اسمع حمدنا ودعاءنا. ومن رفعه قطعه وجعله خبراً، وكذا قيده الأصيلي كأنه قال ذلك أو أنت ربنا. ويصح فيه الجر على البدلية من لفظ الجلالة في قوله الحمد لله. وذكر ابن الأثير في «النهاية» نحو هذا الخلاف مختصراً وقال: من رفع ربنا فعلى الابتداء المؤخر: أي هو ربنا غير مكفي ولا مستغني عنه، وعلى هذا يرفع غير، ويجوز أن

(5/221)


يكون الكلام راجعاً إلى الحمد كأنه قال: حمداً كثيراً غير مكفي ولا مستغني عن هذا الحمد اهـ كلام المصنف ملخصاً، وقد زدته وضوحاً في «شرح الأذكار» (رواه البخاري) أورده في «الأذكار» كذلك، وزاد فيه بعد قوله غير مكفي «ولا مودع» قال: وقال غيره «إذا رفع مائدة قال: الحمد لله الذي كفانا وآوانا غير مكفي ولا مكفور» .g
8735 - (وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من أكل طعاماً) ظاهر عمومه ولو على وجه التداوي لشمول الطعام له لغة وشرعاً كما ذكره الفقهاء في باب الربا وعدم حنث من حلف لا يأكل طعاماً يتناوله من حيث أن مدار الأيمان على العرف وهو لا يعدّه طعاماً (فقال) أي عقب الفراغ كما تومىء إليه الفاء (الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه) عطف على أطعم عطف عام على خاص (من غير حول) أي حيلة (منى ولا قوّة) أشار به إلى طريق التحصيل للطعام، فإن القويّ يأخذ ظاهراً بقوته والضعيف يحتال على تحصيل قوته، فأشار بالذكر المذكور إلى أن حصول ذلك بمحض الفضل لا دخل في ذلك لغيره سبحانه (غفر) بالبناء للمجهول (له ما تقدم من ذنبه) ظاهره ولو كبائر لكنه مقيد عندنا بالصغائر غير التبعات (رواه أبو داود) في اللباس (والترمذي) في البر والصلة (وقال: حديث حسن) قال المزي في «الأطرف» : ورواه ابن ماجه في الأطعمة، ومداره عندهم على أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون عن سهل عن معاذ بن أنس عن أبيه، وقال السيوطي في «الجامع الصغير» بعد أن رواه بزيادة «ومن لبس ثوباً فقال الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول منى ولا قوّة، غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر» ورواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن غريب، والطبراني في «الكبير» وابن السني والحاكم عن سهل عن معاذ بن أنس عن أبيه اهـ.

(5/222)


101 - (باب)
بالتنوين ويجوز بتركه وإضافته إلى قوله (لا يعيب) أي الإنسان (الطعام) على تقدير مضاف: أي استحباب عدم إعابة الطعام، وعطف عليه قوله (واستحباب مدحه) وذلك لأن الأول إن كان فيه منع للشرّ ففيه التعرض لصنع من أحسن كل شيء خلقه، وإن كان فيه منع لهما ففيه كسر قلب صاحبه والمدح فيه الثناء على الله سبحانه وجبر قلب الصانع.
1731 - (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما عاب رسول الله طعاماً قط) أي في زمن من الأزمنة، وذلك لأن إعابة الطعام إنما تكون من الترفه والرعونة وليس منها قوله في الضبّ «إني أعافه» لأنه إخبار عن طبعه لا إعابة للطعام (إن اشتهاه أكله وإن كرهه) أي من جهة الطبع (تركه) من غير ذم له (متفق عليه) .
2737 - (وعن جابر رضي الله عنه أن النبيّ سأل أهله الأدم) بضمتين ويجوز التسكين للثاني تخفيفاً جمع إدام بوزن كتاب وهو ما يؤدم به مائعاً كان أو حامداً كما في «المصباح» ، وفيه تجوز معاملته بعد تسكين ثانيه معاملة المفرد فيجمع على آدم مثل قفل وأقفال، وسبب سؤاله لهم ما جاء أن أهله قدموا له خبزاً فقال: ما من إدام (فقالوا: ما عندنا إلا خل) استثناء مفرغ من عام شامل لسائر الأدم: أي ليس عندنا أدم إلا خل (فدعا به) أي أمر بإحضاره (فجعل) أي شرع (يأكل ويقول: نعم الأدم الخل) هذا دليل الشطر الثاني من الترجمة، ثم قال المصنف تبعاً للقاضي عياض: معنى الحديث مدح الاقتصاد في الأكل ومنع النفس عن ملاذّ الأطعمة، والمعنى ائتدموا بالخل وما في معناه مما تخفّ مؤنته ولا

(5/223)


تتنافسوا في الشهوات، وهذا قول الخطابي ومن تبعه، والصواب الذي ينبغي الجزم به أنه مدح الخل نفسه، وأما الاقتصاد في المأكل فمعلوم من دليل آخر اهـ. ونوقش فيما قال إنه الصواب أنه غير ظاهر فضلاً عن كونه هو الصواب، إذ ثبت أنه لم يكن يمدح طعاماً ولا يذمه، لأن في الأول شائبة شهوة وفي الثاني احتقار للنعمة، وفي التنظير نظر لأن المنقول عنه محمول على مدح ينشأ عن ميل النفس لذلك الطعام، أشار إليه المصنف أنه مدحه لمعنى آخر جبراً لخاطرهم وتطييباً لقلوبهم والله أعلم (رواه مسلم) وأخرجه الترمذي من حديث عائشة بنحوه.

102 - باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم
«إذ» بسكون الذال وفي نسخة (إذا لم يفطر) وإفطاره من صوم واجب ولو موسعاً لقضاء لما أفطره بعذر حرام ومن مندوب إن شق على ضيفه أو مضيفه أفطر ندباً وإلا فلا.
1738 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إذا دعي أحدكم فليجب) وجوباً إن كان المدعو إليه وليمة نكاح في اليوم الأول، وخلت من الأعذار المسقطة للوجوب المبينة في كتب الفقه، وإلاّ فندباً، إلا في الوليمة للنكاح في اليوم الثالث (فإن كان صائماً فليصل) أي فليدع ندباً لأهل المنزل (وإن كان مفطراً فليطعم) ظاهر الأمر وجوب التناول، وبه قال جمع. قال: وعليه فأقله لقمة ولا تلزمه الزيادة عليها، والجمهور على استحباب التناول. قال المصنف في «شرح مسلم» : وهو الأصح فلا يجب الأكل لا في وليمة نكاح ولا في غيرها (رواه مسلم) في كتاب النكاح من «صحيحه» وفي «الجامع الصغير» ، ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
(قال العلماء) أي من شراح الحديث (معنى فليصل فليدع)

(5/224)


هذا قول الجمهور، قال في «شرح مسلم» نقلاً عنهم: معناه ليدع لأهل الطعام بالمغفرة والبركة ونحو ذلك. وقيل المراد الصلاة المشرعية ذات الركوع والسجود ليحصل له فضلها وليتبرّك أهل المكان والحاضرون بذلك (ومعنى فليطعم) بفتح التحتية (فليأكل) .

103 - باب ما يقول من دعي إلى طعام فتبعه غيره
لا يخفى أن الطعام ليس بقيد فكذا من دعي لنحو مشورة فتبعه غيره يفعل ما يأتي:
1739 - (عن أبي مسعود) واسمه عقبة بن عمرو الأنصاري (البدري) نسبته لبدر لسكناه بها، وإلا فلم يشهد وقعتها المشهورة (رضي الله عنه قال: دعا رجل) اسمه أبو شعيب (النبيّ لطعام صنعه) أي أمر غلامه بصنعه كما صرح به في رواية أخرى (له) أي النبي (خامس خمسة) أي تصير العدة به كذلك (فتبعه رجل فلما بلغ) أي النبي والرجل أو صاحب المنزل (الباب) والأخير أنسب بقوله (قال النبي: إن هذا تبعنا، فإن شئت أن تأذن له، وإن شئت رجع) هذا لا يخالف ما جاء في حديث آخر من استتباعه أنساً رضي الله عنه لما دعاه الخياط لضيافة جعله، لأن هذا محمول على ما إذا لم يعلم النبي برضا ربّ المنزل بالزيادة على العدد المدعو وعدم الاستئذان على ما إذا كان واثقاً برضاه (قال بل أذنت) بصيغة المتكلم (له يا رسول الله. متفق عليه) أخرجه البخاري في البيوع ومسلم في الأطعمة، وروه الترمذي والنسائي.

(5/225)


104 - باب الأكل مما يليه
الضمير المنصوب يعود على الآكل المفهوم من الأكل وكذا ضمير قوله (ووعظه وتأديبه من يسيء أكله) .
1740 - (عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: كنت غلاماً) لأن النبي دخل بأمه وهو ابن ست سنين (في حجر) بكسر المهملة وفتحها: أي تحت نظر (رسول الله وكانت يدي) بالإفراد (تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله: يا غلام) بضم الميم (سمّ الله تعالى) أي اذكر اسمه أوّل أكلك بأن تقول بسم الله، وتقدم أكملها وما فيه (وكل بيمينك) إن كان الطعام لوناً واحداً وإلا فلا بأس بالأكل من جهة صاحبه (وكل ما يليك) والأمر في الثلاث للندب. والحديث قد تقدم بشرحه في باب التسمية على الطعام، ولعله كان يأكل باليسرى أو تارة بها وأخرى باليمين (متفق عليه. قوله تطيش) بفتح الفوقية (وبكسر الطاء المهملة وبعدها ياء مثناة من تحت) وآخره شين معجمة (معناه تتحرك وتمتد) من الامتداد (إلى نواحي) أطراف (الصحفة) وهو مأخوذ من الطيش وهو الخفة.
2741 - (وعن سلمة) بفتح أوله (ابن الأكوع رضي الله عنه أن رجلاً أكل عند رسول الله بشماله فقال) إرشاداً له لللأفضل (كل بيمينك) الأمر فيه للندب (قال) أي الرجل مخبراً

(5/226)


بخلاف الواقع (لا أستطيع، قال) داعياً عليه لما ظهر له من عناده وكبره عن الانقياد للحق (لا استطعت) وقوله (ما منعه إلا الكبر) جملة مستأنفة من الراوي مبينة للمقتضى لدعائه مع كمال رحمته ومزيد رأفته وتجاوزه عن أكثر من ذلك خصوصاً والأمر على سبيل الندب، وقوله (فما رفعها) أي فما رفع المدعو عليه يمينه (إلى فيه) أشار به إلى حصول الإجابة حالاً (رواه مسلم) في الأشربة من «صحيحه» .

105 - باب النهي عن القران
بكسر القاف مصدر قارن (بين تمرتين ونحوهما) مما يعتاد أكله واحدة واحدة (إذا أكل جماعة إلا بإذن رفقته) بتثليث الراء. قال العلماء: إن كان يعلم رضا الشركاء بقرانه بينهما جاز مع الكراهة لما فيه من الاستئثار على الجلساء وإلا حرم. قال في «فتح الباري» : قال ابن بطال: النهي عن القران من حسن الأدب في الأكل عند الجمهور لا على التحريم كما قال أهل الظاهر، لأن الذي يوضع للأكل على سبيل المسالمة لا التشاحّ لاختلاف الناس في الأكل، لكن إذا استأثر بعضهم بأكثر من بعض لم يحمد له ذلك اهـ.
1742 - (عن جبلة) بفتح الجيم والموحدة واللام (ابن سحيم) بضم المهملة الأولى وفتح الثانية وسكون التحتية قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» : هو كوفي ثقة من الطبقة الوسطى من التابعين، مات سنة مائة وخمس وعشرين وخرّج عنه الستة (قال أصابنا) جاء في رواية البخاري عنه قال «كنا بالمدينة في بعض أهل العراق فأصابتنا سنة» والمارد من المدينة فيه مكة (عام سنة) أي عام قحط وجدب. قال في «المصباح» : أرض سنهاء أصباتها السنة وهي الجدب اهـ. وكان ذلك لأن زمن الجدب والقحط يستطال فيطلق عليه ما هو موضوع

(5/227)


للزمن الطويل (مع) عبد الله (ابن الزبير) في خلافته (فرزقنا تمراً) يحتمل أن يكون لنفاد ما عداه من الأقوات من عنده أو اتفق وجوده عنده (فكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يمر بنا ونحن نأكل فيقول: لا تقارنوا) أي لا يفعل ذلك كل منكم فالمفاعلة باعتبار الأكلة، والمراد منها أصل الفعل فتكون المفالة للمبالغة، ويؤيده أنه جاء في رواية للبخاري في باب الشركة «لا تقرنوا» بضم الراء (فإن نهى عن الإقران) قال ابن الأثير وغيره: كذا روى، والأصل القران (ثم يقول) أي ابن عمر (إلا أن يستأذن الرجل أخاه) فيكون مدرجاً في آخر الحديث، ويحتمل عودالضمير إلى النبيّ فيكون الاستثناء مفرغاً أيضاً. قال القسطلاني في كتاب الأطعة من «شرحه» «إرشاد الساري» بعد قول البخاري قال شعبة الإذن من قول ابن عمر ما لفظه: أي مدرجاً في الحديث. وكذا رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» مدرجاً، وآخرون ترددوا في الرفع والوقف، نبه عليه الحافظ ابن حجر اهـ. واستدل بقول أبي هريرة المروي عنه ابن حبان وغيره «كنت في أصحاب، فبعث إلينا رسول الله تمر عجوة، فكبشنا فكنا نأكل البسر من الجوع، وجعل أصحابنا إذا قرن أحدهم فقال لصاحبه إني قرنت فاقرنوا» على الرفع وعدم الإدراج لأن هذا الفعل منهم في زمنه دالّ على أنه كان مشروعاً بينهم، وقول الصحابي: كنا نفعل في زمانه له حكم الرفع
عند الجمهور، وقد اعتمد البخاري هذه الزيادة، ولا يلزم من كون ابن عمر ذكر الإذن مرة غير مرفوع أن لا يكون مستنده فيه الرفع (متفق عليه) قال المزي: رواه البخاري في المظالم وفي الشركة وفي الأطعمة من «صحيحه» ، ورواه مسلم في الأطعمة من «صحيحه» ورواه أبو داود والترمذي في الأطعمة أيضاً والنسائي ي الوليمة وابن ماجه في الأطعمة والترمذي وقال حسن صحيح.

106 - باب ما يقوله من الأذكار ويفعله من يأكل ولا يشبع

(5/228)


1743 - (عن وحشي) بفتح الواو وسكون المهملة وكسر الشين المعجمة وتشديد التحتية (بن حرب) الحبشي (رضي الله عنه) يكنى أبا دسمة بفتح المهملتين والميم، قال المصنف وهو من سودان أهل مكة ويقال هل الحبشي وهو مولى طعيمة بن عدي، وقيل مولى جبير بن مطعم بن نوفل بن عبد مناف، وهو الذي قتل حمزة يوم أحد وشارك في قتله مسيلمة الكذاب، وكان يقول: قتلت في جاهليتي خير الناس، وقتلت بعد إسلامي شرّ الناس. صحابي نزل حمص ومات بها، خرّج عنه البخاري وأبو داود وابن ماجه، كذا في «تقريب» الحافظ ابن حجر. قال المصنف: وروي له عن النبيّ أربعة أحاديث، وقيل ثمانية، روى البخاري منها حديثاً واحداً في قتله حمزة، قال المصنف: قيل سكن دمشق، والصحيح أنه سكن حمص (أن أصحاب النبي قالوا: يا رسول الله إنانأكل ولا نشبع) الجملة معطوفة على جملة الخبر قبلها ويجوز إعرابها حالاً (قال: فلعلكم) هي هنا للاستفهام كقوله تعالى: {وما يدريك لعله يزّكى} (عبس: 3) وهذا الاستفهام ليس على حقيقته، بل المراد التنبيه والإيماء على علة عدم الشبع قاله ابن رسلان (تفترقون) بأن تأكلوا متفرقين (قالوا نعم، قال فاجتمعوا على طعامكم) وذلك لأن البركة في الجمع ومن ثم شرعت الجماعة في الصلوات (واذكروا اسم الله) أي قولوا بسم الله عند أكله (يبارك) بالجزم جواب الطلب وهو مبني للمفعول (لكم فيه) أي يوضع لكم فيه البركة بحيث تشبعون إذا اجتمعتم وذكرتم اسم الله بالتسمية والحمد آخره (رواه أبو داود) في الأطعمة، وكذا رواه ابن ماجه في «السنن» في الأطعمة، ورواه الطبراني من حديث ابن عمر بزيادة في آخره «فإن طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة» .

باب الأمر بالأكل من جانب القصعة والنهي عن الأكل من وسطها

(5/229)


بالفتح قال في «المصباح» : ضربت وسط رأسه بالفتح لأنه اسم لما يكشفه من جهاته غيره، ويصح دخول العوامل عليه فيكون فاعلاً ومفعولاً ومبتدأ، والسكون فيه جائز، أما وسط بالسكون فهو بمعنى بين نحو جلست وسط القوم: أي بينهم اهـ (فيه) أي مضمون الباب (قوله) في حديث عمر بن أبي سلمة (وكل مما يليك) أي دون وسطها وما يلي صاحبك (متفق عليه) كما سبق.
1744 - (وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيّ قال: البركة) التي أودعها الله في الطعام (تنزل وسط الطعام) فلا يأكل وسط الصحن جامداً كان كالثريد أو مائعاً كالأمراق. وقال الغزالي: ولا يأكل من وسط الرغيف بل من استدارته، إلا إذا قلّ الخبز فيكسر الخبز (فكلوا من حافتيه) بتخفيف الفاء: أي من ناحيته، قال في «المصباح» : حافة كل شيء ناحيته، وأصله حوفة مثل قصبة فقلبت الواو ألفاً، والمراد من التثنية هنا ما فوق الواحد فيعم سائر الجوانب (ولا تأكلوا من وسطه) والنهي كما قال المصنف محمول على التنزيه، وتعقبه الإسنوي بأن الشافعي نص على تحريم ذلك، ولفظه في «الأم» : فإن أكل مما يلي غيره أو من رأس الطعام أثم بالفعل الذي فعله إذا كان عالماً بنهي النبيّ.
(رواه أبو داود) أي ينحوه (والترمذي) في الأطعمة واللفظ له، وكان على المصنف تقديمه ذكراً لكونه راوي اللفظ، وإنما لأبي داود منه المعنى (وقال: حديث حسن صحيح) إنما نعرفه من حديث عطاء بن السائب/
2745 - (وعن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة المازني أحد من صلى إلى

(5/230)


القبلتين تقدمت ترجمته (رضي الله عنه) في باب المجاهدة (قال: كان للنبي قصعة) بفتح القاف وجمعها قصع كبدرة وبدر (يقال لها الغراء) بالغين المعجمة وغراء تأنيث الأغرّ، مشتق من الغرّة: وهي بياض الوجه وإضاءته، ويجوز أن تكون من الغرة بمعنى الشيء النفيس والمرغوب فيه، فيكون وصفها بذلك لرغبة الناس فيها لنفاسة ما فيها أو لكثرة ما تسعه. وقال المنذري. وسميت غراء لبياضها بالألية والشحم أو لبياض وبرها أو لبياضها باللبن (ويحملها أربعة رجال) يحتمل أن يكون لها حلق أربع، فقد جاء عند أحمد في «مسنده» من حديث ابن بسر هذا قال «كان للنبي جفنة لها أربع حلق» ويحتمل ألا يكون لها حلق وما في حديث أحمد في جفنة غير الغراء (فلما أضحوا) أي دخلوا في الضحى وهو قدر ربع النهار (وسجدوا) أي صلوا (الضحى) أي صلاته، وظاهره أنهم صلوها جماعة، ويحتمل أن كلاً صلاها بمفرده (أتى) بالبناء للمفعول (بتلك القصعة) وقوله (يعني وقد ثرد فيها) من كلام بعض الرواة بعد ابن بسر. والثريد بالمثلثة فتّ الخبز وبله بالمرق، والمراد ثرده بماء اللحم لأن الثريد غالباً لا يكون إلا من لحم (فالتفوا) بتشديد الفاء: أي استداروا (عليها فلما كثروا) بضم الثاء وضاقت بهم الحلقة (جثا رسول الله) بالجيم والمثلثة: أي قعد على ركبتيه جالساً على ظهور قدميه. وفيه استحباب هذه الجلسة عند ضيق المجلس (فقال أعرابي) أي من الحاضرين (ما هذه الجلسة) بكسر الجيم: أي ما هذه الهيئة التي جلست عليها (قال رسول الله: إن الله جعلني عبداً كريماً) أي شريفاً بالنبوة والعلم (ولم يجعلني جباراً) من الجبر: وهو قهر الغير على مراد القاهر (عنيداً) قال في «النهاية» : هو الجائز عن القصد الباغي الذي يردّ الحق مع العلم به (ثم قال رسول الله: كلوا من حواليها) قال ابن رسلان: أي من جوانبها بدليل رواية ابن ماجه
«كلوا من جوانبها» اهـ، وبه يتبين أن حركة اللام فيه الكسر فإنه جمع (ودعوا) أي اتركوا (ذروتها يبارك) بالجزم: أي يكن

(5/231)


ذلك مع ذكر الله تعالى سبب حصول البركة (فيها) أي في جميع ما فيها من الأعلى والأسفل. وفيه الحرص على إبقاء ما فيه البركة والخير وعدم إزالته، فبحصولها يحصل الخير الكثير. وجاء في الحديث «من بورك له في شيء فليلزمه» (رواه أبو داود) في الأطعمة من «سننه» (بإسناد جيد) وهو من رباعياته ورواه ابن ماجه مختصراً.

(ذروتها) أعلاها بكسر الذال وضمها، وكذا عبر به في «المصباح» ، لكن قال ابن رسلان بكسر الذال، ويقال بضمها فاقتضى أن الكسر هو الأصل.

108 - باب كراهية الأكل متكئاً
قال في «النهاية» : المتكىء في العربية: كل من استوى قاعداً على وطاء متمكناً. والعامة لا تعرف المتكىء إلا من مال في قعوده كأنه أوكأ مقعدته وشدها بالقعود على الوطاء الذي تحته.
1746 - (عن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة الخفيفة وسكون التحتية بعدها فاء: وهب بن عبد الله السوائي، بضم المهملة وتخفيف الواو بعدها همزة نسبة إلى سوء بن عامر ابن صعصعة، توفي رسول الله وأبو جحيفة مراهق، وولى بيت المال لعليّ (رضي الله عنه قال: قال رسول الله «لا آكل متكئاً» رواه البخاري) وأبو داود (قال) أحمد بن محمد بن إبراهيم (الخطابي) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة وبعد الألف موحدة نسبة إلى الخطاب البستي الإمام المشهور صاحب «معالم السنن» على أبي داود (المتكىء ها هنا) أي في هذا الحديث وما شابهه (هو الجالس معتمداً على وطاء تحته، قال. وأراد أنه لا يقعد على وطاء) بكسر الواو وتخفيف المهملة والألف ممدودة، قال في «المصباح» : هو المهاد الوطىء (والوسائد) جمع وسادة بالكسر: هي المخدة (كفعل من يريد

(5/232)


الإكثار من الطعام) أي فإنه يجلس كذلك (بل يقعد مستوفزاً) أي غير مطمئن للجلوس ولذا قال (لا مطمئناً ويأكل بلغة) بضم الموحدة وسكون اللام: أي يكتفي ويجترىء به (هذا كلام الخطابي، وأشار غيره إلى أن المتكىء في الخبر هو المائل على جنبه والله أعلم) وعلله بأن ذلك فعل المتجبرين المتكبرين، ولأنه يمنع نزول الطعام وانحداره في مجاري الأكل وإساغته هنيئاً.
2747 - (وعن أنس رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله جالساً مقعياً يأكل تمراً) زاد الترمذي في «الشمائل» قوله «وهو مقع من الجوع» (رواه مسلم) ورواه الترمذي في «الشمائل» (والمقعي هو الذي يلصق ألييه بالأرض وينصب ساقيه) زاد الجوهري ويتساند ظهره: وهو الاحتباء الذي هو جلوس الأنبياء وأكثر جلوسه، وإنما كره هذا الإقعاء في الصلاة للنهي عنه، لأن فيه تشبهاً بالكلاب وطلب في الأكل لما فيه من الاستيفاز وعدم التقعد المشعر بأن أكله بقدر الحاجة مع ما فيه من التشبه بالأرقاء ففيه غاية التواضع.

109 - باب استحباب الأكل بثلاث أصابع واستحباب لعق الأصابع
اغتناماً لبركة الطعام، نعم يكره لعقها في أثناء الأكل لأنه يعيدها إلى الطعام وعليها أثر

(5/233)


ريقه فيقذره (وكراهة مسحها قبل لعقها) لاحتمال كون ذلك الممسوح هو المبارك فيه من الطعام (واستحباب لعق القصعة) أي أخذ ما فيها بالأصبع ولحسه منه وذلك لما تقدم وإعمالاً للتواضع وكسر النفس (وأخذ اللقمة التي تسقط منه وأكلها) ما لم تتنجس ويتعذر تطهيرها، فإن تعذر تطهيرها أطعمها للحيوان ولا يتركها للشيطان، وإن أمكنه تطهيرها فينبغي فعل ذلك وتناولها بعدها (وجواز مسحها) أي الأصابع (بعد اللعق) أي اللحس لها (بالساعد) هي قصبة الذراع (والقدم وغيرهما) كمسح اليد باليد.
1748 - (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله إذا أكل أحدكم طعاماً) أي فيه رطوبة تعلق بالأصابع (فلا يمسح) ندباً (أصابعه) بمنديل ونحوه (حتى يلعقها) بفتح التحتية والمهملة: أي يلحسها هو اغتناماً للبركة وحرصاً عليها (أو) للتنويع (يلعقها) بضم التحتية وكسر المهملة: أي يلحسها من لا يقذر من ذلك منه من ولد وتلميذ ومريد (متفق عليه) روياه في الأطعمة من «صحيحيهما» ، ورواه أيضاً أحمد وأبو داود وابن ماجه كلهم من حديث ابن عباس، قال الخطابي: عاب قوم أفسد عقلهم الترفه فزعموا أن لعق الأصابع أن يلعقها وبطن كفه إلى جهة وجهه مبتدئاً بالوسطى ثم السبابة ثم الإبهام. فعند الطبراني من حديث كعب بن عجرة قال «رأيت النبي يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى، ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث قبل أن يمسحها الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام» والسرّ في ذلك أن الوسطى أكثر تلوّثاً لأنها أول داخل في الطعام ثم المسبحة، أشار إليه في «الفتح» .
2749 - (وعن كعب بن مالك) الأنصاري (رضي الله عنه قال؛ رأيت رسول الله يأكل بثلاث أصابع) قال العلماء: فيستحب الأكل بثلاث أصابع ولا يضم إليها الرابعة والخامسة

(5/234)


إلا لضرورة، فقد قيل إنه ربما كان في الأكل يرابع أصابعه وكان لا يأكل بأصبعين وقال: إن الشيطان يأكل بهما. وما أخرجه سعيد بن منصور من مرسل ابن شهاب «أن النبي إذا أكل يخمس» فمحمول على القليل النادر لبيان الجواز أو على المائع، فإن عادته في أكثر الأوقات هو الأكل بثلاث أصابع. قيل وإنما اقتصر عليها لأنه الأنفع، إذ الأكل بأصبع واحدة مع أنه فعل المتكبرين لا يستلذّ به الآكل ولا يستمري به لضعف ما يناله منه كل مرة، فهو كمن أخذ حقه حبة حبة، وبالأصبعين مع أنه فعل الشيطان ليس فيه استلذاذ كامل مع أنه مفوّت الفردية، والله وتر يحبّ الوتر، والخمس مع أنه فعل الحريص الفجع يوجب ازدحام الطعام على مجراه من المعدة فربما أفسد مجراه فأوجب الموت فوراً وفجأة (فإذا فرغ) أي من أكله (لعقها) بكسر المهملة: أي لحسها لما تقدم ومبالغة في التنظيف (رواه مسلم) في الأطعمة، ورواه أبو داود فيها من «سننه» ، ورواه الترمذي في «الشمائل» ، ورواه النسائي في الوليمة.
3750 - (وعن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله أمر بلعق الأصابع والصحفة) أي ومن النهي عن قرينه السابق في أول الباب، فإن النهي عن الشيء أمر بضده (وقال) مبيناً حكمة الأمر بذلك (إنكم) بكسر الهمزة على الاستئناف البياني ويجوز فتحها على تقدير لام التعليل قبلها (لا تدرون) أي لا تعلمون (في أي طعامكم) أي في أي جزء من أجزائه (البركة) أهي في المأكول أو الباقي بالأصبع أو الباقي بالقصعة ونحوها من اللقمة الساقطة ومن ثم استحب التقاطها كما تقدم، ويأتي دليله في الحديث عقب هذا، والبركة هنا والله أعلم ما يحصل به التغذية وتسلم عاقبته من أذى ويقوي على الطاعة وغير ذلك كما قال المصنف في «شرح مسلم» ، ثم ما علل به من الأمر باللعق في الحديث لا يمنع أن يكون له علة أخرى كما قال الحافظ ابن حجر، فقد تكون العلة هنا أيضاً كما قال عياض: ألا يتهاون بقليل الطعام: أي الباقي في آخر القصعة أو الساقط، وقد تكون العلة أيضاً كما قال ابن

(5/235)


دقيق العيد أن مسحها قبل لعقها فيه زيادة تلويث لما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق (رواه مسلم) وأحمد والنسائي وابن ماجه كما في «الجامع الصغير» .
4751 - (وعنه أن رسول الله قال: إذا وقعت) سقطت (لقمة أحدكم) بضم اللام قال في «المصباح» : هو اسم لما يلقم في مرة كالجرعة اسم لما يجرع في مرة (فليأخذها) من الذي سقطت فيه ندباً (فليمط) بضم التحتية وكسر الميم وبالطاء المهملة، قال المصنف في «شرح مسلم» : حكى أبو عبيدة ماطه وأماطه: نحاه، وقال الأصمعي: أماطه لا غير، ومنه إماطة الأذى ومطت عنه: أي تنحيت (ما كان بها من أذى) الظرف بيان لإبهام مَّا، والمراد بالأذى هنا المستقذر من غبار وتراب ونحوه (وليأكلها) ندباً تحرصاً على البركة وحمل النفس على التواضع ومعاملة الشيطان بنقيض قصده كما قال (ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل) يكسر الميم وهو معروف، قال ابن فارس في «المجمل» : لعله مأخوذ من الندل وهو النقل. وقال غيره: من الندل وهو الوسخ لأنه يندل به، قال أهل اللغة يقال تندلت بالمنديل، قال الجوهري: ويقال أيضاً تمندلت، وأنكرها الكسائي وتقدم هذا (حتى يلعق أصابعه) اقتصر عليه لأنه الأعم الأغلب فلا ينافي ما تقدم من قوله «حتى يلعق أصابعه أو يلعقها» لأن ذلك لمن له تبع لا يستقذر منه كما تقدم (فإنه لا يدري في أي طعامه البركة. رواه مسلم) في كتاب الأطعمة، ورواه ابن ماجه في الأطعمة من «سننه» ولم يذكر في الحديث لعق الأصابع.
5752 - (وعنه أن رسول الله قال: إن الشيطان) أل فيه للجنس، ويحتمل كونها للعهد: أي كبيرهم وهو إبليس (يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه) قال المصنف: فيه التحذير منه والتنبيه على ملازمته الإنسان في سائر تصرفاته، فينبغي أن يتأهب ويحترزه منه ولا يغترّ

(5/236)


بما يزينه له (حتى يحضره عند طعامه) ليلهيه عن ذكر الله تعالى فيستحل الطعام ويضرب على اللقمة بيده لتقع (فإذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى) الفاء الأول للتفريع والثانية رابطة للجواب بالشرط والثالثة للعطف، والإتيان بثم في قوله (ثم ليأكلها) لتراخي ما بين الأكل وسقوط اللقمة (ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ) أي من أكله (فليلعق أصابعه) أي واحداً بعد واحد كما تقدم سند الطبراني (فإنه لا يدري في أي طعامه البركة) وبفعله لما ذكر واستيعاب الطعام قدر حاجته استوعب ما هو مظنة لها (رواه مسلم) بل جعله المزي في «الأطراف» مع ما قبله حديثاً واحداً إلا أن الإسناد إلى جابر مختلف فيه وعبارته. وزاد جرير في أول حديثه «إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه» وحديثا جابر تقدم الكلام عليهما في باب اتباع السنة.
6753 - (وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله إذا أكل طعاماً لعق) بكسر العين (أصابعه الثلاث) أي إذا اقتصر عليها كما هو غالب فعله في أكله، أما إذا أكل نحو مائع فكان بالخمس كما تقدم فيلعق الجميع (وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى) لتقبل عليها النفس (وليأكلها ولا يدعها للشيطان، وأمرنا) معطوف على كان ومعمولها (أن نسلت) بفتح النون وضم اللام أي نمسح (القصعة) ونتبع ما فيها من الطعام ومنه سلت الدم (وقال) معللاً للأثر بما ذكر في الحديث على طريق الاستئناف البياني النحوي (إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة. رواه مسلم) وهذه الأحاديث سبقت مشروحة في باب الأمر

(5/237)


بالمحافظة على السنة وفيما هنا بسط زائد على ما ذكر ثمة، وسبق حديث أنس في باب التواضع.
7754 - (وعن سعيد بن الحارث) تقدمت ترجمته (إنه سأل جابراً) على تقدير القول قبله: أي قال إنه سأل جابراً (رضي الله عنه عن الوضوء مما مست النار) من أكل ما مسته بخبز أو طبخ أو شتى أو قلى (فقال لا) أي لا وضوء، ثم بين مستنده في ذلك بقوله (قد) للتحقيق (كنا في زمن النبي لا نجد مثل ذلك الطعام إلا قليلاً) وذلك لإعراضهم في عصره عن حظوظ النفوس واقتصارهم على أدائهم حقوقها (فإذا نحن وجدناه) من الوجود بضم الواو ضد العدم (لم يكن لنا مناديل) نمسح بها وضر الطعام (إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا) استثناء منقطع، والأكفّ بفتح الهمزة وضم الكاف وبتشديد الفاء جمع كف وهي مؤنثة. قال ابن الأنباري: وزعم من لا يوثق به أنها مذكرة ولا يعرف تذكيرها عمن يوثق بعلمه، وأما قولهم كف مخضب فعلى معنى قولهم ساعد مخضب، ويجمع في القلة على أكف كفلس وأفلس وفي الكثرة على كفوف كفلوس وهي الراحة مع الأصابع، سميت بذلك لأنها تكفّ الأذى عن البدن. والسواعد جمع ساعد: وهي من الإنسان ما بين المرفق والكف، سمي ساعداً لأنه يساعد الكف في بطشها وعملها والأقدام جمع قدم وهي مؤنثة وهي معروفة اهـ ملخصاً من «المصباح» ، والمعنى: أن الصحابة كانوا يمسحون ما بقي في أصابعهم بعد لعقها من لزوجة الطعام بما ذكر (ثم نصلي ولا نتوضأ) وهذا ناسخ لما جاء من الأمر بالوضوء عند أكل ما مست النار (رواه البخاري) في الأطعمة، ورواه ابن ماجه في سننه اهـ.

(5/238)


110 - باب تكثير الأيدي على الطعام
أي ما جاء في الحديث مما فيه الإيماء إلى طلب ذلك.
1755 - (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: طعام الاثنين كافي الثلاثة. وطعام الثلاثة كافي الأربعة) قال ابن المهلب: المراد بهذا الحديث وما في معناه الحضّ على المكارمة والتقنع بالكفاية، وليس المراد الحصر في مقدار المواساة، وأنه ينبغي للاثنين إدخال ثالث بل ورابع أيضاً لا بحسب ما يحتسب من يحضر. وقع عند الطبراني ما يرشد إلى العلة في ذلك وأوله «كلوا جميعاً ولا تفرقوا، طعام الواحد يكفي الاثنين» فيؤخذ منه أن الكفاية تنشأ عن بركة الاجتماع وأن الجمع كلما كثر زادت البركة. قال ابن المنذر: يؤخذ من الحديث استحباب الاجتماع على الطعام وألا يأكل وحده اهـ. (متفق عليه) .
2756 - (وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية. رواه مسلم) وقد تقدم الحديثان مع شرحيهما وبيان من خرّجهما زيادة على ما ذكره المصنف هنا في باب المواساة والإيثار. وروى الطبراني في حديث جابر لكن عن ابن عمر بلفظ «طعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية، فاجتمعوا عليه ولا تفرقوا» أورده السيوطي في «الجامع الصغير» ، وتقدم في كلام «الفتح» الإشارة إليه.

(5/239)


111 - باب آداب الشرب
بضم الشين المعجمة: وهو إدخال المائع الجوف (واستحباب التنفس ثلاثاً) لأن تركه مع توارد الشرب وتصاعد البخار من المعدة مؤد إلى الشرقة. واستحباب التنفس ثلاثاً مذهب الجمهور، وإلا ففي «فتح الباري» قال الأثرم: اختلاف الروايات في هذا: أي عدد التنفس هالّ على الجواز وعلى اختيار الثلاث، واستدل به مالك على جواز الشرب بنفس واحد. وأخرج ابن أبي شيبة الجواز عن سعيد بن المسيب. وقال عرم بن عبد العزيز: إنما نهى عن التنفس داخل الإناء، أما من لم يتنفس، فإن شاء فليشرب بنفس واحد، وقد ورد الأمر بالشرب بنفس واحد من حديث أبي قتادة مرفوعاً أخرجه الحاكم وهو محمول على التفصيل المذكور اهـ (خارج الإناء) بأن يتنفس بعد فصله له عن فيه (وكراهة التنفس فيه) لئلا يخرج من فيه مع النفس ما يتقذر به الشراب من نحو بلغم أو يبقى في الإناء ريح كريهة لذلك (واستحباب إدارة الإناء على الأيمن فالأيمن بعد المبتدىء) يؤخذ من قوله بعد المبتدىء أن التيامن بعده لا ينظر إليه، وتقدم أنه ينبغي تقديم ذوي الفضل ثم ينظر إلى الأيمن منه، والله تعالى أعلم.
1757 - (عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله كان يتنفس في الشراب ثلاثاً، متفق عليه) رواه البخاري في كتاب الأشربة من «صحيحه» بلفظ «كان أنس يتنفس من الإناء مرتين أو ثلاثاً، وزعم أن النبيّ كان يتنفس ثلاثاً» ورواه مسلم فيه، وكذا رواه فيه الترمذي وقال صحيح، ورواه النسائي في الوليمة وابن ماجه في الأشربة، وقال النسائي: قال قتادة: في هذا الحديث خطأ اهـ ملخصاً من «الأطراف» للمزي (يعني يتنفس خارج الإناء) أي بعد إبانة الإناء عن فيه، وأراد بذلك الإشارة إلى دفع التعارض بين هذا الحديث وحديث نهيه

(5/240)


عن التنفس في الإناء الآتي في الباب بحمل حالة النهي عن التنفس في نفس الإناء حالة الشرب وحالة الفعل على التنفس خارجه. فالنهي على ظاهره، وحديث الفعل على تقدير كان يتنفس حال الشرب ثلاثاً: أي في حال حمل الإناء، وقال القرطبي: قال بعضهم: هذا منه معارض للنهي عنه، وحينئذ هذا بيان للجواز وأن النهي للتنزيه لا للتحريم، وقيل بل هذا من خصائصه لأنه كان لا يتقذر بشيء منه اهـ.
2758 - (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: لا تشربوا واحداً) صفة مصدر محذوف: أي شراباً بأن لا تتنفسوا بينه (كشرب البعير) فإنه لا يتنفس بين شربه (ولكن) بكسر النون لملاقاتها ساكنة مع شين (اشربوا مثنى) أي في نفسين (وثلاث) بضم المثلثة أنفاساً ثلاثة، تقدم في كلام الفتح أن هذا الحديث وما في معناه محمول على التنفس في الإناء، وحديث الأمر بأن يتنفس في الشرب مرة محمول على ما لم يتنفس فيه. قال في «الفتح» : النهي عن الشرب من نفس واحد للتنزيه (وسموا إن أنتم شربتم) إن شرطية والضمير المنفصل بعدها فاعل لفعل الشرط المقدر المفسر بالمذكور بعده وكذا حال الشرطية بعده (واحمدوا إن أنتم رقعتم) من الشراب في كل مرة من الثلاث أو المرتين، واختلاف حرفي الشرط تفنن في التعبير (رواه الترمذي) في «جامعه» (وقال: حديث حسن) خالفه الحافظ في «فتح الباري» ، فحكم بأن سنده ضعيف ثم قال بعده: فإن كان محفوظاً الخ ما قال اهـ. والترمذي كثيراً ما يخالفه الحافظ في حكمه على الحديث، على أن النسخة التي عندي من الترمذي فيها ما يوافق كلام الحافظ، فإن فيها هذا حديث غريب وليس فيها تعرّض لتحسينه، ورأيت كذلك في نسخة أخرى. والذي حسنه الترمذي في ذلك الباب حديث آخر فلعل بصر المصنف انتقل منه إلى حديث الباب.
3759 - (وعن أبي قتادة رضي الله عنه: أن النبي نهى أن يتنفس في الإناء) قال

(5/241)


المهلب: النهي عن النفس في الشرب كالنهي عن النفخ في الطعام والشراب من أجل أنه قد يقع فيه شيء من الريق فيعافه الشارب ويستقذره إذا كان التقذر في مثل ذلك عادة غالبة على طباع أكثر الناس. قال الحافظ: ولا فرق في ذلك بين كونه مع غيره أو وحده، إذ لا يؤمن مع ذلك أن تفضل فضلة أو يحصل النفور من الإناء أو نحوه وقال: قال ابن العربي: قال علماؤنا: هو من مكارم الأخلاق، ولكن يحرم على الرجل أن يناول أخاه ما يقذره، فإن فعله في خاصة نفسه ثم جاء غيره فليعلمه، فإن لم يعلمه فهو غشّ والغشّ حرام. وقال القرطبي: معنى النهي عن التنفس في الإناء لئلا يتقذر به من البزاق أو أثر رائحة كريهة تعلق بالماء، وعليه إذا لم يتنفس يجوز له الشرب بنفس واحد، وقيل يمنع لأنه شرب الشيطان (متفق عليه) رواه البخاري في الطهارة، وقال الترمذي: حسن صحيح (يعني) بالتنفس المنهي عنه (يتنفس في نفس الإناء) تقدم أن هذا منه إشارة لدفع التعارض بين الحديثين.
4760 - (وعن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله أتى) بالبناء للمجهول (بلبن قد شيب) بكسر المعجمة. وشوبه إما لإبراد حرارته لكونه حليباً أو ليكثر فيعمّ (بماء) وقد عين في رواية أخرى بأنه الذي حلب وشاب المحلوب بالماء، فإن كانت القصة واحدة فأبهم الفاعل لغرض وإن كانت متعددة وأن ما في هذا الحديث غير ما في قصته فالأمر واضح (وعن يمينه أعرابيّ وعن يساره أبو بكر رضي الله عنه) الجملة حال من ضمير أتى، وقد جاء في رواية «وعن يساره أبو بكر وعمر تجاهه» (فشرب ثم أعطى الأعرابي فضله) أي ما فضل من الإناء بعد شربه (وقال) جواباً لقول عمر له كما جاء في رواية: فقال عمر وخاف أن يعطيه الأعرابي أعط أبا بكر، وفي رواية: فقال عمر هذا أبو بكر. قال الخطابي: كانت العادة جارية لملوك الجاهلية ورؤسائهم بتقديم الأيمن في الشرب وغيره، فخشي عمر بتقديم الأعرابي على أبي بكر كذلك، فنبه عليه لأنه احتمل عنده تقديم النبي أبا بكر تلك العادة فتصير السنة تقديم

(5/242)


الأفضل في الشرب على الأيمن، فبين النبيّ بفعله وقوله (الأيمن فالأيمن) أن تلك العادة لم تغيرهاالسنة وأنها مستمرة من تقديم الأيمن على غيره وإن كان أفضل، ولا يحطّ ذلك من رتبته، وكأن ذلك لفضل اليمين على اليسار، ويجوز رفع الأيمن على أنه مبتدأ محذوف الخبر: أي الأيمن أحق فالأيمن، أو على أنه خبر لمبتدإ محذوف: أي المقدم الأيمن، أو فاعل لمحذوف: أي يقدم الأيمن، ويجوز النصب على تقدير قدموا أو أعطوا.g قال في «الفتح» : واستنبط من تكرير الأيمن أن السنة إعطاء من على اليمين ثم الذي يليه وهكذا، ويلزم منه شرب عمر قبل أبي بكر لكن الظاهر أن عمر يؤثر أبا بكر اهـ (متفق عليه) رواه البخاري ومسلم في الأشربة من «صحيحيهما» (قوله شيب: أي خلط) ومحل النهي عن شراب اللبن بالماء إنما هو في المبيع منه لما فيه من الغش والخديعة المحرمين.
5761 - (وعن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله أتى بشراب فشرب منه) أي بعضه (وعن يمينه غلام) سيأتي تسميته (وعن يساره أشياخ) تقدم معناه (فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء) قال ابن الجوزي: إنما استأذن الغلام دون الأعرابي لأنه لم يكن له علم بالشريعة، فاستألفه بترك استئذانه بخلاف الغلام. وقال المصنف: السرّ فيه أن ابن عباس كان ابن عمه وكان له عليه إدلال، وكان من عن اليسار أقارب الغلام فطيب نفسه مع ذلك بالاستئذان لبيان الحكم وأن السنة تقديم الأيمن ولو مفضولاً بالنسبة إلى من على اليسار. وقد جاء في السنن أن النبي تلطف به وقال: الشربة لك، وإن شئت آثرت بها خالداً، وفي لفظ لأحمد: وإن شئت آثرت عمك. وإنما أطلق عليه عمه لأنه أسن منه ولعل سنه كان قريباً من سن العباس، وإن كان من جهة أخرى من أقرانه لكونه ابن خالته، وكان خالد مع رياسته في الجاهلية وشرفه في قومه قد تأخر إسلامه فلذا استأذن له ابن عباس،

(5/243)


بخلاف أبي بكر فإن رسوخ قدمه في الإسلام وسبقه يقتضي طمأنينته بجميع ما يقع منه وعدم التأثر بشيء منه. قال الحافظ ابن حجر: وظاهر قوله أتأذن لي الخ أنه لو أذن لأعطاهم، فيؤخذ منه جواز الإيثار بمثل ذلك وهو مشكل على ما اشتهر من كارهة الإيثار بالقرب اهـ. وقد أجبت عنه في كتاب فضل زمزم (فقال الغلام لا) المنفي محذوف بدليل ذكره في الاستفهام أي لا أوثر به (والله) وأكد بالتصريح بذكر ذلك المقدر بقوله (لا أوثر بنصيبي منك أحداً) أي من قريب ولا شيخ لما في ذلك النصيب من علوّ المقام المكتسب له بكونه سؤر المصطفى (فتله رسول الله في يده. متفق عليه) وقد تقدم الحديث مع شرحه في باب التنافس في أمور الآخرة (قوله تله) بفتح المثناة الفوقية وتشديد اللام (أي وضعه) وقال الخطابي وضعه بعنف وأصله من الرمي على التل وهو المكان العالي، ثم استعمل في كل شيء يرمى به وفي كل إلقاء، وقيل هو من التلتل بلام ساكنة بين المثناتين
الفوقيتين المفتوحتين وآخره لام وهو العنف ومنه {وتله للجبين} أي صرعه فألقى عنقه وجعل جبينه إلى الأرض والتفسير الأول أليق بمعنى حديث الباب، وقد أنكر بعضهم تقييد الخطابي الوضع بالعنف. اهـ ملخصاً من «الفتح» للحافظ (وهذا الغلام هو ابن عباس رضي الله عنهما) أي عبد الله لأن هذا اللفظ منصرف إليه وهو ما حكاه ابن التين، قال في «الفتح» : وهذا هو الصواب، وحكى ابن بطال أنه الفضل أخوه.

112 - باب كراهية الشرب من فم القربة ونحوها
كالدورق الذي خشيى بروز مؤذ حال الشرب لا يتمكن من رده (وبيان أنه) أي النهي المدلول عليه بالكراهة (كراهة تنزيه لا كراهة تحريم) .

(5/244)


1762 - (عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نهى رسول الله عن اختناث الأسقية) قال في «فتح الإله» : الاختناث افتعال من الخنث بالخاء المعجمة والنون والمثلثة: وهو الانطواء والتكثير والانثناء، والأسقية: جمع سقاء، والمراد المتخذ من الأدم صغيراً كان أو كبيراً، وقيل القربة قد تكون كبيرة وقد تكون صغيرة ولا يكون السقاء إلا صغيراً (يعني أن تكسر) أي تثنى (أفواهها فيشرب منها) وليس المراد الكسر حقيقة ولا إبانتها، والقائل يعني لم يصرح به، وقد أدرج التفسير في الخبر في رواية في البخاري، قال ابن المبارك: قال معمر أو غيره: هو الشرب من أفواهها، وقد جزم الخطابي أن تفسير الاختناث من كلام الزهري، ويحمل تفسير الاختناث بمطلق الشرب من أفواهها على القيد بكونه مع كسر فمها وقلب رأسها. ووقع في مسند أبي بكر بن أبي شيبة في رواية في أول هذا الحديث «شرب رجل من سقاء فانساب في بطنه حيان فنهى رسول الله» فذكره، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة وفرقهما. والأفواه جمع فم، وهو على سبيل الردّ إلى الأصل في فم لأنه فوه، نقصت منه الهاء لاستثقال هاءين في نحو فوهة، فلما لم تحتمل الواو بعد حذف الهاء لسكونها عوضت ميماً فقيل فم وهذا إذا أفرد، ويجوز أن يقتصر على الميم حالة إضافته فتعتوره حركات الإعراب ظاهرة، فإن أضيف إلى مضمر كفت الحركات ولا يضاف مع الميم إلا في ضرورة شعر كقوله: «يصبح ظمآن وفي البحر فمه» فإن أرادوا تصغيره أو تكسيره ردوه إلى الأصل فقالوا فويه وأفواه دون فم وأفمام اهـ ملخصاً (متفق عليه) روياه في الأشربة من «صحيحيهما» ، ورواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، وابن ماجه كلهم في الأشربة من «سننهم» .
2763 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله أن يشرب من في السقاء أو) شك من الراوي (القربة) قال في «الفتح» : وكان الشك من سفيان، فقد وقع في رواية عبد الجبارين العلاء عن سفيان عند الإسماعيلي «من في السقاء» وفي رواية ابن أبي عمر

(5/245)


بدله عنده «من فم القربة» (متفق عليه) روياه في الأشربة، ورواه ابن ماجه فيها.

3764 - (وعن أم ثابت كبشة) بفتح الكاف وسكون الموحدة وبشين معجمة، قال ابن الأثير: ويقال كبيشة بالتصغير وتعرف بالبرصاء (بنت ثابت) الأنصارية (أخت حسان) بفتح المهملة الأولى وتشديد الثانية أحد شعراء النبي (ابن ثابت رضي الله عنه) قدم ضميره لقربه وإن كان فيه ترك لترتيب نشر اللفّ (وعنها) وعدل إلى ما عبر به مع ما فيه من الطول دفعاً لتوهم عود الضمير عليها وعلى أبيها فيوهم صحبته. روي لها عن رسول الله حديث واحد ذكرها ابن الجوزي، خرّج لها الترمذي وابن ماجه، ثم ماجزم به المصنف من كونها أخت حسان، حكاه المزي في «الأطراف» بصيغة يقال إنها أخت حسان بن ثابت، وهي جدة عبد الرحمن بن أبي عمرة، وجزم ميرك في «شرح الشمائل» بما جزم به المصنف، واستظهره القاري وجزم الشارح به وقال: هي كسيبة الأنصارية من بني مالك بن النجار (قالت: دخل عليّ رسول الله فشرب من في قربة معلقة قائماً) أتى بها لبيان أن النهي عن الشرب من فم القربة وعن القيام حال الشرب ليس على سبيل التحريم بل على سبيل التنزيه، أو أنه فعل ذلك لعدم إمكان الشرب حينئذ إلا كذلك (فقمت إلى فيها) أي قاصدة إليه (فقطعته، رواه الترمذي) في «جامعه» و «شمائله» (وقال) في «جامعه» (حديث حسن صحيح) غريب. ورواه ابن ماجه أيضاً وابن الأثير في «أسد الغابة» ، وقال رواه الثلاثة: يعني ابن عبد البرّ وأبا نعيم وابن منده (وإنما قطعتها) أي القربة بقطع فمها (لتحفظ موضع فم رسول الله) أي عندها (وتتبرك به) بالنصب عطفاً على تحفظ، والعطف هنا بالواو
أحسن من عطف بعضهم لأحدهما على الثاني بأو الموهم أنه لأحدهم مع أنه لا مانع من كونه لهما كما صرح به المؤلف هنا. وفي «شرح مسلم» فقال: وقطعته لأمرين فذكرهما (وتصونه عن الابتذال) أي الامتهان (وهذا الحديث) أي ما فيه من الشرب من في القربة وقائماً (محمول على بيان

(5/246)


الجواز) كما تقدم مع وجه آخر كذلك (والحديثان السابقان) في النهي عن الشرب من في القربة (لبيان الأفضل الأكمل، والله أعلم) فلا منافاة، وقد كان يجب عليه فعل المكروه ليشرعه ويعلم منه جوازه، فالكراهة بالنسبة لغيره لا له.

113 - باب كراهة النفخ بالمعجمة في الشراب
خشية تقذر الشراب بما يصل إليه بواسطة النفخ.
1765 - (عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي نهى عن النفخ في الشراب) نهياً تنزيهياً (فقال رجل: القذاة) واحدة القذا، قال في «الصحاح» : القذاة في العين وفي الشراب ما يسقط فهي، وهو مرفوع خبره جملة (أراها) أي أبصرها أو منصوب بمحذوف تفسيره الفعل المذكور (في الإناء فقال: أهرقها) بالهاء أي أرقها (قال: فإني لا أروي من نفس) بفتح الفاء (واحد) أي لغلبة العطش (قال: فأبن) أي أزل (القدح إذا عن فيك) وتنفس لئلا يسبق شيء بالنفس إلى الإناء فتقذره (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) وانفرد به عن باقي الستة كما يؤخذ من «الأطراف» للمزي.
2766 - (وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي نهى أن يتنفس) بالبناء للمفعول أو

(5/247)


بالبناء للفاعل وهو المتنفس المفهوم من الفعل قبله (في الإناء أو) للتنويع (ينفخ فيه) وذلك خشية الاستقذار (رواه الترمذي) هو والحديث قبله في باب واحد وترجم بما ترجم المصنف (وقال: حسن صحيح) الذي رأيته في أصل معتمد منه هذا الحديث صحيح.

114 - باب بيان جواز الشرب قائماً
أي عدم حرمته، فلا ينافي كراهته (وبيان أن الأكمل والأفضل الشرب قاعداً. فيه) أي في الباب (حديث كبشة السابق) مع شرحه في باب كراهة الشرب من فم القربة.
1767 - (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سبقت النبي من زمزم) فيه إطلاق ذلك على نفس الماء فيكون زمزماً اسماً له، ويحتمل أن يكون على تقدير مضاف: أي من ماء زمزم فيكون زمزم اسماً للبئر (فشرب وهو قائم) وذلك لبيان الجواز أو لضيق المحل عن التمكن من الجلوس، وقد بسطت الكلام على ذلك في كتاب «درر القلائد فيما يتعلق بزمزم وسقاية العباس من الفوائد» (متفق عليه) روياه في الأطعمة من «صحيحهما» .
2768 - (وعن النزل) بفتح النون وتشديد الزاي (ابن سبرة) بفتح المهملة وسكون الموحدة

(5/248)


الهلالي الكوفي ثقة من كبار التابعين، وقيل إن له صحبة كذا في «تقريب الحافظ» ، وليس للنزال في البخاري سوى هذا الحديث كما في «الفتح» (قال: أتى علي رضي الله عنه باب الرحبة) بفتح الراء وبالمهملة وبالموحدة وهو المكان المتسع، ومنه رحبة المسجد وهي ساحته قال ابن التين: فعلى هذا تسكن حاء الرحبة، ويحتمل أنها صارت رحبة الكوفة بمنزلة رحبة المسجد فيقرأ بالتحريك، قال الحافظ ابن حجر: وهذا هو الصحيح (فشرب قائماً) أي بعد غسله وجهه ورأسه ورجليه (وقال إني رأيت) أي أبصرت (رسول الله فعل كما رأيتموني فعلت) وجملة فعل الخ في محل الحال من مفعول الفعل بإضمار قد، ويجوز كون رأي علمية فالجملة ثاني مفعوليها والمشار إليه بقوله فعلت كما رأيتموني فعلت: قال الحافظ: هو الشرب من قيام ثم أورد ما يدل له ومنه قول على: «إن أشرب قائماً فقد رأيت رسول الله يشرب قائماً، وإن أشرب قاعداً فقد رأيته يشرب قاعداً» (رواه البخاري) في الأشربة من «صحيحه» ، ورواه أيضاً أبو داود فيها والترمذي في «الشمائل» والنسائي في الطهارة.
3769 - (وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نأكل على عهد) أي زمن (رسول الله ونحن نمشي) الجملة الاسمية حال من فاعل نأكل وهذا محمول على أنه جائز: أي لا يحرم، وإن كان منهياً عنه فالنهي فيه تنزيهي لا تحريمي وكذا قوله (ونشرب ونحن قيام) جمع قائم كقوله تعالى: {فاذكروا الله قياماً وقعوداً} (النساء: 103) وهذا الفعل فيهما خلاف الأكثر من شأنهم فيهما، فالأكثر فعل الأكل والشرب من قعود (رواه الترمذي) في الأشربة من «جامعه» (وقال: حديث صحيح) والذي في نسختي منه هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، ورأيته كذلك عند المزي في «الأطراف» فلعل حذف

(5/249)


الوصفين من النسخة التي عند المؤلف من النساخ. قال المزي: ورواه ابن ماجه في الأطعمة.

4770 - (وعن عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص (عن أبيه عن جده) أي جد أبيه وهو ابن العاص، ولذا قال (رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله يشرب قائماً) محمول عند الجمهور كما تقدم على بيان الجواز أو أن ضرورة ضيق المحل حملته على ذلك (وقاعداً) هذا هو الأكثر وهو الأكمل والأفضل (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) الذي في نسختي من «الجامع» الاقتصار على وصف الحسن، وكذا اقتصر المزي في «الأطراف» بقوله وقال: حديث حسن.
5771 - (وعن أنس رضي الله عنه عن النبي نهى أن يشرب الرجل قائماً) بتقدير أنه قبل الفعل وروي التثليث الترمذي وحسنه من حديث الجارود (قال قتادة) هو ابن دعامة السدوسي البصري تابعي ثقة ثبت، قال الحافظ في «التقريب» : يقال إنه ولد أكمه، خرج عنه الجميع (فقلنا لأنس فالأكل) أي قائماً كيف هو أيكره كالشرب قائماً (قال ذلك أشر) قال المصنف: كذا وقع في أصول مسلم أشر بالألف والمعروف في اللغة بحذفها وكذا أخير قال الله تعالى {فسيعلمون من هو شرّ مكاناً} (مريم: 75) وقال {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً} () ولكن هذه اللفظة وقعت على الشك فإنه قال أشر (أو أخبث) فشك الراوي عن قتادة في أي اللفظين صدر من أنس فلا يثبت عن أنس أنه قال أشر بالألف لهذه الرواية فإن بت عنه من رواية أخرى كان عربياً فصيحاً قليل الاستعمال قال ولهذا نظير مما لا يكون معروفاً عند النحاة وجارياً على قواعدهم وتثبت به الرواية فلا ينبغي رده إذا ثبت بل يقال هذه لغة قليلة الاستعمال وسببه أن النجاة لم يحيطوا إحاطة قطعية بجميع كلام العرب ولذا يمنع بعضهم ما ينقل غيره عن العرب كما هو معروف اهـ قال في الفتح وإنما جعل الأكل شراً لطول زمانه بالنسبة لزمان الشرب.
(رواه مسلم. وفي رواية له) عن أنس (أن النبيّ زجر)

(5/250)


أي منع (عن الشرب قائماً) والمنع على سبيل التنزيه لدليل شربه قائماً.
6772 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: لا يشربن أحد منكم قائماً فمن تسنى) فشرب كذلك قال المصنف: وتبعه العراقي في «شرح الترمذي» لا مفهوم لهذا القيد، فمن شرب قائماً ولو عامداً (فليستقيء) أي يتقايا والسين للمبالغة، وخص النسيان بالذكر لكون شأن المؤمن ألا يفعل ذلك بعد النهي غالباً إلا نسياناً قال الحافظ في «الفتح» : ويطلق النسيان بمعنى الترك فيشمل العمل ومنه قال المصنف: بعد أن ذكر الأحاديث الواردة في المنع من الشرب قائماً والواردة في إجازة ذلك والصواب أن النهي فيها محمول على التنزيه، وشربه قائماً لبيان الجواز، ومن زعم نسخاً أو غيره فإنه لا يصار إلى النسخ إلا عند تعذر إمكان الجمع من ثبوت التاريخ وفعله لذلك لا يكون مكروهاً في حقه أصلاً لأنه كان يفعل الشيء للبيان المرة والمرات ويواظب على الأفضل، والاستقاء محمول على الاستحباب لأن الأمر إذا لم يحمل على مقتضاه من الوجوب حمل على الاستحباب، وقول عياض لا خلاف بين أهل العلم أن من شرب قائماً لا يتقيأ، وأشار به إلى تضعيف الحديث لا يلتفت إلى إشارته وكون أهل العلم لا يقولون به لا يمنع استحابه فمن ادعى منع الاستحباب بالإجماع فهو مخالف وكيف يترك السنة الصحيحة الصريحة بالتوهمات والدعاوى والتنزهات. وقال الحافظ في «الفتح» : وليس في كلام عياض التعرض للاستحباب أصلاً بل نقل الاتفاق وإنما هو كلام المازري وتضعيف عياض للأحاديث لم يتشاغل النووي الجواب عنه وطريق الإنصاف ألا تدفع حجة العالم بالصدر فأما إشارته إلى تضعيف حديث أنس فلكون قتادة مدلساً، وقد يمنعه فيجاب عنه بأنه صرح في نفس السند بما يقتضي سماعه له منه فإن فيه قلنا لأنس فالإكل اهـ. وللناس في حديث الشرب المذكور مسالك ذكرها الحافظ في الأشربة من «الفتح» ، وهذا الذي ذكرناه ما اختاره المصنف وهو أوجهها والله أعلم. (رواه مسلم) .

(5/251)


115 - باب استحباب كون ساقي القوم
حذف المسقى ليعم سائر الشراب (آخرهم) خبر كون ونصب (شراباً) على التمييز.
1773 - (عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي قال: ساقي القوم آخرهم) وقوله (يعني آخرهم شرباً) وقد جاء عند أبي ماجه في حديث ندائه لأهل الصفة وإسقائهم اللبن فقال «ساقي القوم آخرهم شرباً» بل في «الجامع الصغير» حديث «ساقى القوم آخرهم شرباً» رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي قتادة ولعل عزوه للترمذي من حيث أصل الحديث لا بجميع ألفاظه تفسيراً لما هو آخر فيه، قال المصنف: هذا أدب من آداب ساقي الماء واللبن ونحوهما وفي معناه من يفرق على الجماعة مأكولاً كلحم وفاكهة وغيرهما فليكن المفرق آخرهم تناولاً منه لنفسه، قال ابن رسلان: في الحديث إشارة إلى أن من ولي شيئاً من أمر الأمة فعليه السعي فيما ينفعهم ودفع ما يؤذيهم وتقديم مصلحتهم على مصلحته، وكذا في الإطعام والسقي فيبدأ بكبير القوم ثم بمن يليه وهكذا ثم يشرب ما بقي منهم (رواه الترمذي) في الأشربة من «جامعه» (وقال حديث حسن صحيح) ورواه ابن ماجه.

(5/252)


116 - باب جواز
أي إباحة (الشرب من جميع الأواني الطاهرة) ولو نفيسة كياقوت وألماس لكن يكره استعمال النفيس منها لذاته كما ذكر لا لصنعته كإناء مصطنع من نحو خشب فلا كراهة في استعماله (غير الذهب والفضة) أي فيحرم استعمالها في غير ضرورة (وجواز الكرع) بفتح وسكون (وهو الشرب بالفم من النهر وغيره) كالبركة والسيل (بغير إناء ولا يد وتحريم استعمال إناء الذهب والفضة) أي لغير ضرورة وكذا يحرم ما موه بهما من باقي الأواني كأن ينحصل بالعرض على النار منه شيء، ويجوز استعمال إناء النقدين المموه بغيره إذا لم يحصل على النار شيء من ذلك، ويحرم المضبب بالذهب مطلقاً وبالفضة إن كانت الضبة كبيرة وكلها أو بعضها للزينة (في الشرب والأكل والطهارة وسائر وجوه الاستعمال) والاقتصار على أواني الأكل والشرب في حديث آخر الباب لأنهما الأغلب وإلا فسائر الاستعمال في الحرمة سواء.
1774 - (عن أنس رضي الله عنه قال: حضرت الصلاة) بدخول وقتها (فقام من كان قريب الدار إلى أهله وبقي قوم) مع النبي: أي لبعد دورهم أو للزوم الأدب معه كما هي العادة من الجلوس بين يدي الكبير (فأتى النبي بمخضب) الفعل مبني للمجهول، قال الحافظ: والمخضب بكسر الميم وسكون المعجمة الأولى وفتح الثانية آخره موحدة إناء (من حجارة فصغر) بضم الغين المعجمة (المخضب) عن (أن يبسط فيه كفه) أي لا عن ضمها مجموعة أو مبسوطة بعض أصابعها (فتوضأ القوم) أي من الماء التابع من بين أصابعه في ذلك المخضب، ثم القوم في الحديث يحتمل أن يراد منهم الباقون بمجلسه لأن من داره قريب تطهر منه، ويحتمل أن يراد منهم الجميع ويؤيده قوله (كلهم) ويكون تطهيرهم

(5/253)


ثانياً لقرب عهد ذلك الماء بتكوين الله سبحانه كما أمر بالتطهير من ماء المطر وفعله، وقال: إنه حديث عهد بربه: أي بتكوينه ثم يحتمل أن يكون طهرهم الثاني بعد أن صلوا الأول صلاة ما، لأن ذلك الذي يستحب عنده تجديد الوضوء، ويحتمل أنه قيل ذلك ويكون محل ذلك ما إذا كان القصد تجديد الطهارة ليس إلا. أما إذا كان القصد مع ذلك التبرك بذلك الماء أو معنى آخر فلا يعتبر ذلك (قالوا) أي الحاضرون بمجلس أنس وقت تحديثه بذلك (كم كنتم قال ثمانين) أي كنا كذلك فحذفت الجملة لدلالة وجود نظيرها في السؤال عليها (وزيادة. متفق عليه. هذه رواية البخاري) أخرجه في باب علامات النبوة لكن لم أر فيه قوله وزيادة، وفي كتاب الطهارة وفيها قوله وزيادة (وفي رواية له) أي للبخاري في كتاب الطهارة (ولمسلم) في باب الفضائل (أن النبيّ دعا) أي أمر (بإناء من ماء فأتى) بالبناء للمفعول (بقدح رحراح) بفتح الراء وسكون الحاء المهملة. قال في «النهاية» : هو القريب القعر مع سعة (فيه شيء) أي يسير ولعل التقليل لكونه الميسور إذ ذاك (من ماء فوضع أصابعه فيه) أي في الماء ستراً للسرّ الإلهي، وإلا فكان متمكناً بإقدار الله على ما فعل من غير
الإتيان بشيء من الماء (قال أنس: فجعلت أنظر إلى الماء ينبع) بضم الموحدة وكسرها والجملة في محل الحال، وقوله (من بين أصابعه) ظرف لغو متعلق بالفعل، ويجوز إعرابه حالاً فيكون ظرفاً مستقراً (فحزرت) بفتح المهملة والزاي وسكون الراء: أي خرصت (من توضأ ما بين السبعين رجلاً إلى الثمانين) لا تخالف هذه الرواية ما قبلها، لأن هذا بحسب الخرص وذاك بحسب العد والله أعلم.

2775 - (وعن عبد الله بن زيد) تقدمت ترجمته (رضي الله عنه قال: أتانا النبي فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ) فدل على أن لا منع من استعماله وقوله البعض بالمنع منه رده

(5/254)


بمخالفته النص، ولا يستحب الخروج من الخلاف إذا كان كذلك (رواه البخاري) في الطهارة (الصفر بضم الصاد) المهملة وسكون الفاء بعدها (ويجوز كسرها) قلت: في «المصباح» الصفر كقفل وكسر الصاد لغة (وهو النحاس) قال في «المصباح» بد أن صدر به: وقيل أجوده (والتور إناء كالقدح) قال الأزهري: فتذكره العرب (وهو بالتاء المثناة من فوق) المفتوحة.
3776 - (وعن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله دخل على رجل من الأنصار) قال الشيخ زكريا في «تحفة القاري» : قيل هو أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري (ومعه صاحب له) هو أبو بكر الصديق. قال في التحفة أيضاً: وعليه فالتنوين للتعظيم (فقال رسول الله) وكان الوقت صائفاً كما في نفس الحديث عند البخاري (إن كان عندك ماء بائت هذه الليلة في شن) بفتح المعجمة وتشديد النون القربة الخلقة، الحكمة في طلب الماء البائت أنه أبرد وأصفى، وحذف جواب إن وهو نحو قوله فاسقنا لدلالة المقام عليه (وإلا) أي وإن لا يوجد ذلك وحقه أن يكتب بالنون بعد الألف وإن كانت مدغمة لفظاً في اللام، والذي وقفت عليه في النسخ كتابته بصورة إلا الاستثنائية وهو من تحريف الكتاب (كرعنا) الكرع تناول الماء بالفم من غير إناء ولا كف، وقد ورد النهي عنه في حديث ابن ماجه وهو للتنزيه وهذا لبيان الجواز وذلك محمول على ما إذا انبطح الشارب على بطنه (رواه البخاري) في الأشربة من «صحيحه» ، قال المزي: ورواه أبو داود وابن ماجه في الأشربة من «سننهما» (الشنّ القربة) ظاهرة مطلق القربة وتقدم أنها بقيد الخلقة، وفي «المصباح» : الشنّ الجلد البالي وهو أنسب بالمقام لأنه يبرد الماء أكثر.

(5/255)


4777 - (وعن حذيفة رضي الله عنه قال: إن النبي نهانا) أي معشر الرجال المكلفين وألحق بهم الخنائي احتياطاً (عن الحرير والديباج) أي عن لبسهما، قال في «المصباح» : الديباج ثوب سداه ولحمته إبريسم، ويقال هو معرب. واختلف في الباء فقيل زائدة ووزنه فيعال ولذا يجمع بالياء فيقال ديابيج، وقيل أصيل والأصل دبَّاج بالتضعيف فأبدل من أحد المضعفين حرف العلة، ولذا يرد في الجمع إلى أصله فيقال دبابيج بموحدتين اهـ (والشرب في إناء الذهب والفضة) وألحق به باقي الإستعمال لهما كالاكتحال بهما لغير تداو والتخلل (وقال هنّ) أي هذه الثلاث المنهيات المعدودات، واستعمال ضمير النسوة فيما دون العشرة هو الأكثر ومنه قوله {أربعة حرم فلا تظلموا فيهن أنفسكم} (التوبة: 36) (لهم) أي الكفار المدلول عليهم بالسياق (في الدنيا) لأنهم وإن كانوا مخاطبين بالأحكام على الصحيح إلا أنهم لا ورع لهم يحملهم على التمسك بها فكأنها أبيحت لهم (وهي) أي بضمير الواحدة على خلاف الأكثر تفننا في التعبير (لكم في الآخرة) دونهم لأنهم في العذاب المهين، وفيه إيماء إلى حسن ثمرة التقوى وسوء عاقبة المعصية (متفق عليه) روياه في اللباس.
5778 - (وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله قال: الذي يشرب في آنية) بفتح الهمزة وبعدها ألف لينة وبعدها نون مكسورة: أي وعاء (الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) يجوز فيه النصب على أن فاعل الفعل مضمر يعود على الشارب المفهوم من يشرب، وبه صرح الأزهري فقال: نار منصوب، ويجرجر بمعنى يلقى، وهذا مثل قوله تعالى: {إنما

(5/256)


يأكلون في بطونهم ناراً} (النساء: 10) ويؤيده الرواية الآتية آخر البار ناراً من جهنم والرفع على أنها فاعل الفعل، وجاز تذكيره للفصل بينه وبينه مع أن تأنيثه مجازي وتقدم معناها (متفق عليه) روياه في اللباس أيضاً (وفي رواية لمسلم) الحديث المذكور وقال إن على ابن مسهر أحد أشياخه في هذا الحديث زاد (إن الذي يأكل ويشرب) الواو فيه يحتمل كونها على بابها من أصل الجمع فيكون فيه وعيد كل منهما على انفراده من حديث آخر، ويحتمل أنها فيه بمعنى أو (في آنية الفضة والذهب) في الواو الاحتمالان المذكوران ويؤيد الثاني الرواية بعده قال مسلم وليس في حديث أحد منهم: أي أشياخه في هذا الحديث ذكر الأكل والذهب إلا في حديث ابن مسهر (وفي رواية له) أي لمسلم في الحديث المذكور من حديث أم سلمة أيضاً، لكن من غير طريق الحديث قبله فلا يشكل بما تقدم عن مسلم لأن كلامه في حديث نافع عنها فليس عند رواته ذكر ذينك إلا عند ابن مسهر فقط، وهذه الرواية الأخيرة ليست من رواية نافع عنها بل من رواية ابن أخيها عبد الله ابن عبد الرحمن عنها والله أعلم (من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه ناراً من جهنم) ففيه الوعيد الشديد في استعمال أواني النقدين المنصوص منه على الأكل والشرب لأنهما أغلب أنواعه فسائره مثلهما في الحرمة، وقضية هذه الأحاديث أن ذلك من الكبائر وبه صرح ابن حجر الهيتمي في «الزواجر» ، وظاهر أن محل حرمة ذلك حيث لا ضرورة، وإلا فمن وجد إناء أحدهما وليس عنده ما يصنع فيه طعامه المائع أو الرطب الذي يتلوّث سوى
الأرض، فيجوز له استعمال ذلك حينئذ «لأن الضرورات تبيح المحظورات» «وإذا ضاق الأمر اتسع» ، وقد قال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} (الحج: 78) .

(5/257)