دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين

4 - كتاب آداب النوم
هو غشية ثقيلة تهجم على القلب فتقطعه عن المعرفة بالأشياء ولذا قيل هو آفة لأن النوم أخو الموت، وقيل النوم مزيل للقوة والعقل، وقيل مغط لهما، أما السنة ففي الرأس والنعاس في العين. قيل السنة هي النعاس، وقيل هي ريح النوم تبدو في الوجه ثم تنبعث إلى القلب فينعس الإنسان فينام، كذا في «المصباح» مع زيادة حكاية أنه مغط للعقل قال الفقهاء: الجنون يزيل العقل، والسكر والإغماء يغلبانه، والنوم يستره، وعلامة النوم الرؤيا، وعلامة النعاس سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهم معناه (و) آداب (الاضطجاع) افتعال من الضجع: أي وضع الجنب بالأرض وأبدلت التاء طاء دفعاً للنقل.
1814 - (عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله إذا أوى) بالقصر أي انضم (إلى فراشه) بكسر الفاء أي مفروشة (نام على شقه الأيمن) وهو أنفع ما يكون بالقلب وأسرع لانتباه النائم لتعلق القلب وعدم انغماره بالنوم (ثم قال) لعل ثم فيه مستعارة في محل الفاء أو على ما بها والمراد أنه يقول قبل هذا الذكر بعد الاضطجاع أذكار آخر ثم يأتي بهذا (اللهم أسلمت نفسي إليك) أي تركتها مسلمة إليك من غير تعرض مني لما يرد إليها منك كما هو حق السيد على عبده وليكون صادقاً عند إرادة ذلك بقلبه وإلا أدركه لكذبه المقت (ووجهت وجهي إليك) أي ذاتي وكنى به عنه لأنه أشرف ما في الإنسان إذ

(5/293)


هو محل الصورة التي بها تمايز الجمال، قال «الصورة في الرأس فإذا قطع الرأس فلا صورة» أخرجه الإسماعيل في «معجمه» من حديث ابن عباس كما في «الجامع الصغير» ومعنى كونها في الرأس: أي بالقرب منه (وفوضت) أي سلمت (أمرى إليك) ومن فوّض أمره إلى مولاه كفاه (وألجأت ظهري إليك) أي أرجعته إليك وجعلته راجعاً بين يديك فلا ملجأ منك إلا إليك (رغبة) بالغين المعجمة مفعول له: أي طمعاً في ثوابك (ورهبة) إسكان الهاء وفتحها معطوف على ما قبله: أي خوفاً من عقابك (إليك) قيل إنه متعلق برهبة ومتعلق رهبة محذوف، وقيل بل كلاهما تنازعاه: أي نحن في حالتيهما نلجأ إليك لا إلى غيرك، وقيل بل هو بطريق اللفّ والنشر المرتب كما سبق عن الطيبي (لا ملجأ) بهمزة مفتوحة أي مستند (ولا منجا) أصله بترك الهمز لكن لما جمعا جاز أن يهمز ازدواجاً لما قبله، وجاز قراءتهما بالألف اللينة من غير همز لما ذكر، وجاز إبقاء كل على حاله، ويجوز التنوين مع القصر (منك) تنازعه ما قبله إن كانا مصدرين (إلا إليك) أي لا مستند ولا نجاة منك إلى أحد إلا إليك والجملة مستأنفة لما قبلهما استئنافاً بيانياً (آمنت) أي صدقت (بكتابك الذي أنزلت) أي بجنس الكتاب المنزل منك إلى الأنبياء وبالكتاب المعهود: أي
القرآن والإيمان به ليستلزم الإيمان بكل كتاب (ونبيك) كذا في الأصول من «الرياض» بحذف الجار وهو في الأدعية من البخاري بلفظ وبنبيك بإعادة الجار (الذي أرسلت) أي إلى كافة الخلائق كما يؤذن به حذف المعمول وقد تقدم الحديث مع «شرحه» وبيان من خرجه في باب اليقين أول الكتاب (رواه البخاري بهذا اللفظ في كتاب الأدب من صحيحه) أي عقبه وإلا فهو مذكور في كتاب الدعوات من الصحيح.
v

2815 - (وعنه قال: قال لي النبي: إذا أتيت مضجعك) بفتح الميم والجيم وسكون الضاد المعجمة بينهما أي أردت إتيان مكان اضطجاعك (فتوضأ وضوءك الصلاة) أشار إلى أن المراد به الوضوء الشرعي لا اللغوي (ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل، وذكر نحوه

(5/294)


فيه: واجعلهن) أي الكلمات المذكورة (آخر ما تقول) لتكون خاتمة قولك وتمام عملك فإن مت كذلك رفعت (متفق عليه) ورواه الأربعة كما تقدم ثمة.
3816 - (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة) جاء في رواية لها «يصلي ستاً منها مفصولة ويوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها» (فإذا طلع الفجر) أي الصادق (صلى ركعتين خفيفتين) سنه الصبح القبلية (ثم اضطجع على شقه الأيمن) ، وذلك ليتذكر الإنسان بها ضجعة القبر فيحمله ذلك على حسن العمل في نهاره الذي استقبلة، والصحيح أن هذه الضجعة سنة مطلقاً لمن قام الليل وغيره كما سيأتي في الأصل ويستمر علة اضطجاعه (حتى يجيء المؤذن فيؤذنه) بضم التحتية وسكون الهمزة من الإيذان وهو الإعلام أي يعلمه باجتماع الناس للصلاة فيقوم من ضجعته ويخرج إليهم (متفق عليه) .
4817 - (وعن حذيفة رضي الله عنه قال: كان النبيّ إذا أخذ مضجعه من الليل) أي أراد النوم فيه (وضع يده تحت خده) عند الترمذي في «الشمائل» في حديث البراء ابن عازب وضع كفه اليمين تحت خده الأيمن وإنما كان يختار الأيمن لأنه كان يحبّ التيمن في شأنه كله وليعلم أمته، ولأن النوم أخو الموت وهذه الهيئة عند النزع وفي القبر حال الوضع وهي

(5/295)


الأفضل في هيئة الصلاة للعاجز عن الصلاة قاعداً (ثم يقول) ثم فيه بمعنى الواو بدليل رواية الترمذي في «الشمائل» في حديث حذيفة قال «كان النبيّ إذا أوى إلى فراشه قال (اللهم باسمك أموت وأحيا) قال القرطبي: فيه دلالة على أن الاسم المسمى: أي أنت تحييني وتميتني فأموت وأحيا بقدرتك. قال الحافظ: ويقال اسم مقحم، والمعنى: بك أحيا وأموت. وفيه أنه لا يجري على مذهب البصريين المانع من زيادة الأسماء قال القرطبي: أو أن المراد أن أسمائه سبحانه وتعالى لكل منها مقتضى فكل ما ظهر في الوجود فهو صادر عن تلك المقتضيات، فكأنه قال باسمك المحيى أحيا وباسمك المميت أموت، ثم تقديم الظرف فيه لأن القصد من الكلام متعلق بشأنه دون متعلقه فقدم اهتماماً، وفيه كلام للتقي السبكي نقلته في «شرح الأذكار» (وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا) أي أيقظنا ففيه استعارة تبعية كما في آماتنا (من بعد ما أماتنا) أي أنامنا والقرينة علة المجاز فيها ظاهر الحال: قال الطيبي: لما كان الانتفاع بالحياة يتحرّى رضا الله تعالى بأعمال البرّ فيها والنائم لاحظ له من هذا الانتفاع كان كالميت، فكأن الحمد شكراً لنيل هذه النعمة وزوال تلك الفترة وبه ينتظم مع قوله (وإليه النشور) أي المرجع إليه تعالى في نيل ثواب ما اكتسبه في الحياة: أي أن ذلك منه تعالى لا مدخل لغيره فيه (رواه البخاري) في الدعوات من «صحيحه» وأخرجه الأربعة أيضاً، فأخرجه أبو داود في الأدب من «سننه» والترمذي في الدعوات من «جامعه» وقال: حسن صحيح، وفي باب النوم من
«شمائله» ، والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه في الدعاء.

5818 - (وعن يعيش) بفتح التحتية وكسر المهملة وسكون التحتية (ابن طحفة) قال صاحب «المغني» نقلاً عن جامع الأصول: هو بمهملة وخاء معجمة وفاء، وقيل بهاء مكان الخاء، وقال الحافظ في «التقريب» بكسر أوله وسكون المعجمة الخاء، ويقال بالهاء بدلها وبالغين المعجمة (الغفارى) بكسر المعجمة وتخفيف الفاء وبعد الألف راء نسبة لبني غفار قبيلة أبي ذرّ (رضي الله عنهما) قال ابن الأثير: يعيش هذا شامي (قال: قال أبي) أي طخفة، وفي

(5/296)


«التقريب» للحافظ ما يقتضي أنه ليس لطحفة هذا الحديث (بينما أنا مضطجع) اسم فاعل من الاضطجاع، قال في «النهاية» : هو النوم (في المسجد على بطني إذا رجل يحركني) برجله فقال أي عقب استيقاظي منبهاً علة حكمة تحريكه له (إن هذه ضجعة) بفتح الضاد وهي المرة من الاضطجاع (يبغضها الله) مجاز عن النهي عنها، لأن ما لا يرضاه تعالى من الأفعال منهيّ عنه (قال: فنظرت فإذا رسول الله) إذا فيهما فجائية وهي مضافة للجعلة بعدها وحذف خبر الجملة الثانية، ويحتمل أن يكون المحذوف المبتدأ: أي فإذا الذي أيقظني رسول الله (رواه أبو داود) في الأدب من «سننه» (بإسناد صحيح) فرواه عن محمد بن المثنى عن معاذ بن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن يعيش بن طخفة فذكره، ورواه النسائي أيضاً بهذا السند وبأسانيد أخر في الوليمة، ورواه ابن ماجه في الصلاة من «سننه» ببعضه، وقال فيه عن قيس بن طهفة عن طهفة بقصة نومه علة بطنه/
6819 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال: من قعد مقعداً) يحتمل أن يكون مصدراً ميمياً: أي من جلس جلوساً وأن يكون اسم مكان: أي في مكان الذي (لم يذكر الله تعالى فيه) جملة في محل الصفة (كانت عليه من الله ترة) فيه الرفع على أنه اسم كان وأحد الظرفين خبرها والثاني حال، ويجوز فيه النصب على أنه خبرها واسمها مستكن يعود على القعدة المفهومة مما قبله والظرفان كما تقدم، أو أنهما لغو متعلقان بترة لكونه بمعنى نقص (ومن اضطجع) أي نام كما تقدم أو وضع جنبه وإن لم يتم لراحة (مضطجعاً) يجوز فيه ما جاز في مقعد (لا يذكرالله تعالى فيه) خالف بين لفظي النافي في الجملتين تفنناً في التعبير (كانت عليه من الله ترة. رواه أبو داود بإسناد حسن) وروى النسائي وأحمد وابن حبان «وما مشى أحدكم ممشى لم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة، وما أوى أحدكم إلى

(5/297)


فراشه لم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة» كذا في «الحصن» لابن الجزري (الترة بكسر التاء المثناة من فوق) وتخفيف الراء، قال في «النهاية» : والهاء فيه عوض عن الواو المحذوفة: أي كعدة وزنة، إذ الأصل وتر ووعد وزن فحذف فاء كل وعوض عنها الهاء (وهي النقص) بدأ به في النهاية ثم قال (وقيل) أراد بالترة هنا (التبعة) أي بفتح الفوقية وكسر الموحدة، قال في «المصباح» : هي ما تطلب من ظلامة ونحوها.

128 - باب جواز أي إباحة الاستلقاء
أنكر ابن خلكان قول الفقهاء استلقى ومستلقي قال: إنما يقال استلقى ومستلق، ورده ابن النحوي في لغات «المنهاج» بأن صاحب العباب ذكر كلا من قول الفقهاء، وقول ابن خلكان وأن الجميع يقال في ذلك، وأن معناه نام على قفاه اهـ. فيكون قول المصنف (على القفا) تجريداً وتصريحاً لزيادة التوضيح والقفا بالقاف وألف مقصور مؤخر العتق كذا في «المصباح» (ووضع إحدى الرجلين على الأخرى) أي حال الاستلقاء وغيره (إذا لم يخف انكشاف العورة) بما ذكر من الاستلقاء والوضع المذكور، فالأحاديث الواردة بالنهي محمولة على ما إذا خيف انكشافها (وجواز القعود متربعاً محتبياً) هو ضم الظهر مع الساقين بعمامة أو بيد، والثاني من أكثر جلوسه كما فسر به القاضي عياض حديث مسلم «كان أكثر جلوسه محتبياً» . وكذا سائر أنواع الجلسات فالكل جائز، نعم يكره في الصلاة الإقعاء: أي الجلوس على وركيه ناصباً فخذيه لا الاقعاء وهو نصب أصابع القدمين ووضع الإليين على عقيبهما، فذلك سنة في الجلوس بين السجدتين وإن كان الافتراش أفضل منه فيه.
1820 - (عن عبد الله بن زيد) الأنصاري تقدمت ترجمته (رضي الله عنه) في باب إباحة الشرب من الأواني الطاهرة (أنه رأى رسول الله مستلقياً في المسجد) دليل على جواز

(5/298)


ذلك (واضعاً إحدى رجليه على الأخرى. متفق عليه) رواه البخاري في الصلاة ومسلم في اللباس، ورواه أبو داود في الأدب من «سننه» والترمذي في الاستئذان من «جامعه» والنسائي في الصلاة.
2821 - (وعن جابر بن سمرة) بفتح المهملة وضم الميم (رضي الله عنهما قال: كان النبي إذا صلى الفجر تربع) أي جلس متربعاً في مصلاه: أي محل صلاته يذكر الله تعالى واستمر جالساً (حتى تطلع الشمس حسناء) أي بيضاء ففيه دليل جواز القعود متربعاً (حديث صحيح رواه أبو داود) في الأدب من «سننه» (وغيره) بل رواه مسلم في كتاب الصلاة من صحيحه، ورواه النسائي في الصلاة وفي اليوم والليلة (بأسانيد صحيحة) فرواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ابن وكيع عن سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن جابر، ورواه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة عن داود الحفري عن سفيان بالإسناد المذكور بلفظ جلس متربعاً، ورواه النسائي عن أحمد وابن سليمان الزهيري عن يحيى بن آدم عن زهير بن حرب عن سماك عن جابر قاله المزي، وظهر حينئذ أن مراد المصنف بتعدد الإسناد ما فوق سفيان لا جميعه، وأن المراد من الجمع ما فوق الواحد، والله أعلم.
3822 - (وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت النبي بفناء الكعبة) قال في «المصباح» : الفناء مثل كتاب الوصيد وهو سعة البيت، وقيل ما امتد من جوانبه وجمعه أفنية اهـ (محتبيا) حال من رسول الله لأن رأى بصرية (بيديه هكذا) أي احتباء فهذا

(5/299)


والمشار إليه ما بينه الراوي بقوله (ووصف) في «القاموس» : القرفصى مثلثة القاف والفاء مقصورة والقرفصاء بالضم والقرفصاء بضم القاف والراء على الاتباع أن يجلس على إليتيه ويلصق بطنه بفخذيه ويتأبط كفيه. وقال الجوهري: القرفصاء ضرب من القعود يمد ويقصر فإذا قلت قعد فلان القرفصاء كأنك قلت قعد قعوداً مخصوصاً هو أن يجلس على إليتيه ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه يضعهما على ساقيه كما يحتبي بثوب فتكون يداه مكان الثوب، عن أبي عبيدة، وقال أبو المهدي: هو أن يجلس على ركبيته منكباً ويلصق بطنه بفخذيه ويتأبط كفيه وهي جلسة الأعراب اهـ (رواه البخاري) أي في الأدب من «صحيحه» لكن لم أر فيه قوله ووصف الخ.
4823 - (وعن قيلة) بفتح القاف واللام وسكون التحتية بينهما (بنت مخرمة) بفتح الميمين والراء وسكون الخاء المعجمة (رضي الله عنها) قال الحافظ في «التقريب» : هي العنبرية بفتح المهملة والموحدة وسكون النون بينهما، كذا صححه ابن الأثير في «أسد الغابة» قال: وقيل العنزية بفتح المهملة والنون وبالزاي، وقيل العنوية: أي بواو بدل الراء، وقيل العنبرية وهو الصحيح لأنها قد قيل فيها التميمية، والعنبر من تميم صحابية ولها حديث طويل. قل: وقد أورده بطوله صاحب كتاب «اليواقيت الفاخرة» في الحديث وهو نحو ورقتين، وذكر ابن الأثير أنه أخرجه أيضاً ابن عبد البرّ وابن منده وأبو نعيم، قال الحافظ: وفي حديثها أنها كانت تحت حبيب بن أزهر فولدت النساء فمات عنها فانتزع بناتها عمر بن أيوب بن أزهر، فذهبت إلى النبي تشكو ذلك إليه (قالت: رأيت رسول الله وهو قاعد القرفصاء، فلما رأيت رسول الله: المتخشع في الجلسة) بالنصب صفة لرسول (أرعدت) أي اضطربت وهو بصيغة المجهول (من الفرق) بفتح أوليه وآخره قاف الخوف مصدر فرق من باب تعب (رواه أبو داود) في الخراج من «سننه» (والترمذي) في الاستئذان من «جامعه» وقال:

(5/300)


لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن حسان، وفي باب اللباس من «شمائله» . ورواه البزار في «مسنده» .
5824 - (وعن الشريد) بفتح المعجمة وكسر الراء وسكون التحتية بعدها دال مهملة قاله في «المغني» (ابن سويد) بضم المهملة وفتح الواو وبسكون التحتية آخره مهملة الثقفي الحجازي وقيل الحضرمي (رضي الله عنه) قال العامري، عداده في ثقيف لأنهم أخواله، وقيل قتل قتيلاً في قومه فلحق بمكة فحالف ثقيفاً، ثم لحق بالنبي فبايعه بيعة الرضوان وسماه الشريد بذلك. روى عنه مسلم حديثين في «صحيحه» ، وخرّج له أبو داود والنسائي (قال: مرّ بي رسول الله وأنا جالس هكذا) جملة اسمية حالية من فاعل مرّ، ثم بين تلك الحالة المشار إليها بقوله (وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت علة إلية يدي) بكسر الهمزة وسكون اللام: أي أصلها الذي ينتهي طرفه إلى أصل الإبهام المسمى بإليته وطرفه الآخر إلى أصل الخنصر المسمى بالصرة كما في «النهاية» ، ثم رأيت الحافظ السيوطي في حاشيته المسماة «بمرفاة الصعود إلى سنن أبي داود» قال: هي أصل الإبهام وما تحته: أي دون ما يصل إلى الصرة ويقاربها (فقال: أتقعد قعدة) بكسر القاف لبيان الهيئة (المغضوب عليهم) وهما اليهود كما قاله جمهور المفسيرين في تفسير المذكور آخر سورة الفاتحة، ففيه المنع من التشبه بالمغضوب عليهم في الهيئة أو غيرها من الأفعال والأحوال (رواه أبو داود) في الأدب من «سننه» (بإسناد صحيح) فرواه عن علي بن برى عن عيسى بن يونس عن ابن جريج عن إبراهيم بن ميسرة الطائفي عن عمرو بن شريد عن أبيه.

(5/301)


5824 - (وعن الشريد) بفتح المعجمة وكسر الراء وسكون التحتية بعدها دال مهملة قاله في «المغني» (ابن سويد) بضم المهملة وفتح الواو وبسكون التحتية آخره مهملة الثقفي الحجازي وقيل الحضرمي (رضي الله عنه) قال العامري، عداده في ثقيف لأنهم أخواله، وقيل قتل قتيلاً في قومه فلحق بمكة فحالف ثقيفاً، ثم لحق بالنبي فبايعه بيعة الرضوان وسماه الشريد بذلك. روى عنه مسلم حديثين في «صحيحه» ، وخرّج له أبو داود والنسائي (قال: مرّ بي رسول الله وأنا جالس هكذا) جملة اسمية حالية من فاعل مرّ، ثم بين تلك الحالة المشار إليها بقوله (وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت علة إلية يدي) بكسر الهمزة وسكون اللام: أي أصلها الذي ينتهي طرفه إلى أصل الإبهام المسمى بإليته وطرفه الآخر إلى أصل الخنصر المسمى بالصرة كما في «النهاية» ، ثم رأيت الحافظ السيوطي في حاشيته المسماة «بمرفاة الصعود إلى سنن أبي داود» قال: هي أصل الإبهام وما تحته: أي دون ما يصل إلى الصرة ويقاربها (فقال: أتقعد قعدة) بكسر القاف لبيان الهيئة (المغضوب عليهم) وهما اليهود كما قاله جمهور المفسيرين في تفسير المذكور آخر سورة الفاتحة، ففيه المنع من التشبه بالمغضوب عليهم في الهيئة أو غيرها من الأفعال والأحوال (رواه أبو داود) في الأدب من «سننه» (بإسناد صحيح) فرواه عن علي بن برى عن عيسى بن يونس عن ابن جريج عن إبراهيم بن ميسرة الطائفي عن عمرو بن شريد عن أبيه.

129 - (باب في آداب المجلس والجليس)
فعيل بمعنى فاعل.
1825 - (وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: لا يقيمن أحدكم) هو فيه للتعميم لكونه في سياق النهي الشبيه بالنفي والنهي للتحريم (رجلاً) أي جالساً فيه ولو امرأة، وذكر الرجل لكونه أشرف لما تقدم، وعمومه متناول لما إذا كان الوارد أفضل من الجالس لعلم أو صلاح أو نحو ذلك، فليس له إقامة من سبقه للجلوس في المحل المابح ليجلس هو فيه، نعم استثنى الفقهاء من عرف بمجلس من المسجد يدرس فيه فجلس فيه غيره فيقام للمدرس، ومثله البائع إذا ألف مكاناً من السوق فله إقامة من يجلس فيه ومسائل أخرى (من مجلسه) بفتح أوله وكسر ثالثه مكان الجلوس (ثم يجلس فيه) يجوز فيه الجزم عطفاً على مدخول لا الناهية والرفع على الاستئناف وتقدير مبتدأ قبل الفعل والنصب علة إضمار أن لكونه في جواب الطلب وأقيمت «ثم» مقام «الواو والفاء» فذكر الأوجه الثلاثة غير واحد في حديث «لا يبولنّ أحدكم في الماء الراكد ثم يغتسل فيه» . ثم استدرك ما قد يتوهم من الحديث من جلوس الداخل في مكان الجليس بقوله (ولكن توسعوا) أي تكلفوا التوسع للقادم (وتفسحوا) هو بمعنى ما قبله فالعطف تفسيري (وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه) وذلك من مزيد ورعه وخشية دخوله في النهي بأن ذلك إقامة للجالس بالإشارة سيما إذا عرف محبة القادم لذلك فتركه ورعاً وتنزّهاً على أن ينسب إليه فعل مما نهى عنه الشارع (متفق عليه) ثم قوله «وكان ابن عمر الخ» لفظ مسلم، والذي في البخاري «وكان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه ثم يجلس مكانه» وهي نحو رواية مسلم.

(5/302)


2826 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: إذا قام أحدكم من مجلس) أي كان فيه منتظراً للصلاة ثم قام منه لعذر (ثم رجع) أي عاد (إليه فهو أحق به) سواء ترك فيه متاعاً أولاً، وكذا إذا قام العالم عن المحل المعهود للدرس أو البياع من محله المعهود للبيع لعذر ولم يحصل منه إعراض عن محله فسبقه إليه غيره فله إذا عاد إليه إقامة ذلك من ذلك المحل (رواه مسلم) .
3827 - (وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كناإذا أتينا النبي جلس أحدنا حيث ينتهي) أي سواء كان في صدر المحل أو أسفله، وقد جاء أنه كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، وذلك لأن طلب القادم محلاً مخصوصاً قد سبقه إليه غيره فيقيمه منه ليجلس هو فيه أو يضغطه به بغي وعدوان وليس ذلك شأن أهل الإيمان (رواه أبو داود) في الأدب من «سننه» (والترمذي) في الاستئذان من «جامعه» (وقال: حديث حسن) غريب، ورواه النسائي في العلم من «سننه» .
4828 - (وعن أبي عبد الله سلمان الفارسي) سلمان الخير مولى رسول الله (رضي الله عنه) سئل عن نسبه فقال: أنا ابن الإسلام، أصله من فارس من «حيّ» قرية من قرى أصبهان، وقيل من «رام هرمز» أسلم قديماً ولإسلامه قصة طويلة مذكورة في كتب السير، وأول مشاهده مع رسول الله الخندق ولم يتخلف عن مشهد بعدها وآخى النبي بينه وبين أبي الدرداء، وثبت ذلك في صحيح البخاري وتقدم في باب الإقتصاد، وكان من فضلاء الصحابة وزهادهم وعلمائهم وذوي القرب من رسول الله، وهو الذي أشار على النبي بحفر الخندق عند مجيء الأحزاب، سكن العراق وكان يعمل الخوص بيده فيأكل منه، نقلوا

(5/303)


اتفاق العلماء على أنه عاش مائتين وخمسين سنة وقيل ثلاثماية وخمسين، وقيل إنه أدرك وصي عيسى بن مريم عليه السلام، روي له عن رسول الله ستون حديثاً، اتفقا على ثلاثة منها، وانفرد مسلم بثلاثة أيضاً، ومن فضله ما روى الترمذي عن أنس مرفوعاً «إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة عليّ وعمار وسلمان» قال الترمذي: حديث حسن (قال: قال رسول الله: لا يغتسل رجل يوم الجمعة) ويدخل وقت هذا الغسل بطلوع الفجر وتقريبه من الزوال أولى (ويتطيب ما استطاع) ما مصدرية وثمة مضاف مقدر: أي قدر استطاعته من جيد الطيب ودنيه كما بينه بقوله (من طيب ويدهن) بإدغام الدال في التاء إذ الأصل يدتهن فأبدل تاء الافتعال دالاً دفعاً للثقل (من دهنه) بضم الدال (أو) شك من الراوي أي قال النبي: ويتطيب ما استطاع من الطيب أو قال (يمس) بفتح الميم (من طيب بيته) أي من أيّ أنواع الطيب الذي حصل له (ثم يخرج) أي من بيته مريداً الصلاة (فلا يفرق بين اثنين) أي إلا عند تقصيرهما بأن تركا فرجة بين أيديهما ففرق بينهما بسدها، فلا يضرّ ذلك في حصول ما يأتي من الثواب له (ثم يصلي ما كتب له) أي من النافلة قبل مجيء الإمام (ثم ينصت) بكسر الصاد المهملة عند شروع الإمام في الخطبة كما قال (إذا تكلم الإمام) أي بالخطبة (إلا غفر)
بالبناء للمجهول ونائب فاعله قوله (له) وقوله (ما بينه وبين الجمعة الأخرى) في محل المفعول به، وثواب الجمعة الأخرى يحتمل السابقة على جملة الصلاة والمتأخرة عنها ومؤادهما واحد: أي إن ثواب ذلك يكفر خطأ أسبوع، والمراد من الذنوب المكفرة الصغائر المتعلقة بحق الله سبحانه وتعالى (رواه البخاري) في باب الجمعة من «صحيحه» ورواه البزار من حديث سلمان، ورواه أيضاً من حديث أبي هريرة كما نقله المزي في «أطرافه» .

5829 - (وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده) أي جد أبيه وهو عبد الله بن عمرو كما

(5/304)


تقدم رضي الله عنه أن رسول الله قال: (لا يحلّ) بكسر المهملة: أي لا يباح (لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما) قال العلقمي: إذا تناجى اثنان ابتداء وثمة ثالث بحيث لا يسمع كلامهما لو جهرا فأتى ليستمع تناجيهما فلا يجوز، كما لو لم يكن حاضراً معهما أصلاً، قال ابن عبد البر: لا يجوز لأحد الدخول على المتناجين حال تناجيهما. قال العلقمي: لا ينبغي للداخل القعود عندهما ولو تباعد عنهما إلا بإذنهما لأنهما لما افتتحا حديثهما ليس عندهما أحد دلّ على كراهتهما اطلاع أحد عليه، ويتأكد ذلك إذا كان أحد المتكلمين جهورياً لا يتأتى له إخفاء كلامه من الحاضر أو كان الحاضر له قوة فهم بحيث يتسلط بما يسمع على باقي الكلام به، فالمحافظة علة ترك ما يؤذي المؤمن مطلوبة وإن تفاوتت المراتب اهـ (رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن) ورواه أحمد في «مسنده» كما في الجامع الصغير (وفي رواية رواية لأبي داود: لا يجلس بين رجلين) أي متناجيين كما علم ما تقرر (إلا بإذنهما) .
6820 - (وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: إن رسول الله لعن من جلس وسط الحلقة) بفتح الحاء وسكون اللام، قال الخطابي: وهذا يتأول فيمن يأتي حلقة قوم فيتخطى رقابهم ويقعد حيث ينته به المجلس فلعن لللأذى، وقد يكون في ذلك إيذاء إذا قعد وسط الحلقة وحال بين الوجوه وحجب بعضهم عن بعض فيضرّرون بمكانه وبمقعده هناك (رواه أبو داود) في الأدب من «سننه» (بإسناد حسن) عن موسى بن إسماعيل عن أبان عن قتادة هو أبو مجلز عن حذيفة.
(وروى الترمذي عن أبي مجلز) واسمه لاحق بن حميد

(5/305)


السدوسي البصري (أن رجلاً) لم أقف على اسمه (قعد وسط) بفتح المهملة الأولى ويجوز تسكينها (حلقة، فقال حذيفة: ملعون) خبر مقدم بمتدؤه الموصول الآتي بعد (على لسان محمد من) أي الذي (جلس وسط الحلقة) والموصول على الرواية الأولى مبتدأ خبره اسم المفعول المذكور قبله، وعلى الثانية مفعول به للفعل (قال الترمذي) أي بعد إيراده (حديث حسن صحيح) .
7831 - (وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:) سمعت رسول الله وسلم يقول: خير المجالس أوسعها) وذلك لما فيه من راحة الجليس ودفع ما يفضي إليه ضيق المجلس من حقد أو بغض (رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري) في «صحيحه» : أي بالرجال الذين روى عنهم في «صحيحه» مراعي وجه روايته عنهم من كونها في الأصول دون التوابع والشواهد: أي فالحديث صحيح على شرط البخاري، ولذا صححه الحاكم في «المستدرك» ، وقد رواه أحمد في «المسند» والبخاري في الأدب المفرد والبيهقي كلهم عن أبي سعيد، ورواه البزار والحاكم في «المستدرك» ، والبيهقي أيضاً عن أنيس.
8832 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من جلس في مجلس) أي في مكان الجلوس (فكثر) بضم المثلثة (لغطه) بفتح اللام والغين في المعجمة وبالطاء المهملة. قال في «المصباح» : هو كلام فيه جلبة واختلاط ولا يتبين اهـ والمراد في الحديث كثر فيه كلامه بما لا ينفقعه آخرة (فقال قبل أن يقوم من مجلسه) يصدق بقول الذكر

(5/306)


مع القيام كما يصدق بالأولى بقوله قبل القيام، وحديث أبي برزة لا يخصص بالثاني لأن ذكر بعض أفراد العام لا يخصص ذلك: أي الذي كثر فيه لغطه (سبحانك) بالنصب على المصدرية وهو علم علة التسبيح ثم قصد تنكيره فأضيف، ومعنى سبحان الله: تنزيهاً لله عما لا يليق به (اللهم) أي يا ألله، وعدل عنها إلى الميم دفعاً لتوهم موضوع «يا» من البعد كما أوضحت ذلك في أوائل «شرح الأذكار» ويجعل الميم عوضاً عن حرف النداء امتنع جمعه معه، وقول الشاعر أقول يا اللهم يا اللهما ضرورة، وقد جاء في رواية بزيادة ربنا بعد اللهم أوردها في «الجامع الكبير» (وبحمدك) يحتمل كون الواو عاطفة للظرف ومتعلقه على العامل في المصدر قبله: أي أسبحك وأنني عليك بحمدك فيكون في الكلام جملتان، ويحتمل كونها زائدة والظرف بعدها متعلق بسبحان لما فيه من معنى الفعل: أي سبحتك ملتبساً بحمدك (أشهد) أي أعلم وأبين (أن لا إله) أي لا معبود بحق في الوجود ولا في المكان (إلا أنت) الضمير بدل من محل «لا» مع اسمها فإنه رفع عند سيبويه، أو من محل اسم «لا» قبل دخولها (أستغفرك) أي أسألك غفر الذنوب ومنها ما اكتسب في ذلك وحذف المعمول للتعميم (وأتوب إليك) وينبغي أن يكون المتكلم بذلك قاصداً بقلبه ما دلت عليه الجملتان من سؤال غفران الذنوب والتوبة إلى الله تعالى من ذلك وإلا كان كاذباً، فكان حقيقاً بالمقت في الوقت (إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك) عمومه مخصوص بما عدا الكبائر فإنها لا تكفر إلا بالتوبة أو بالفضل الإلهي وبما عدا تبعات العباد، لأن
إسقاطها عند المتلوث بها موقوف على رضا ذي الحق، وهذا التخصيص مأخوذ من أحاديث أخر، والإتيان باسم الإشارة وتكريره لبيان أنه لكثرة اللغط فيه صارت له حالة بها يشار إليه، فإذا كان يغفر لما فيه وهو كذلك فما لم يصل لذلك بالأولى، وإنما ترتب على هذا الذكر غفر ما كسب في ذلك المجلس لما فيه من تنزيه المولى سبحانه والثناء عليه بإحسانه والشهادة بتوحيده ثم سؤال المغفرة من جنابه وهو الذي لا يخيب قاصد بابه (رواه الترمذي) في «جامعه» (وقال: حديث حسن صحيح) غريب، قال السيوطي في «الجامع الكبير» : ورواه ابن حبان والحاكم في «المستدرك» وابن السنى في «عمل اليوم والليلة» كلهم من حديث أبي هريرة.

(5/307)


9833 - (وعن أبي برزة) تقدمت ترجمته (رضي الله عنه) في باب الخوف (قال: كان رسول الله يقول بأخرة) بفتح الهمزة والخاء المعجمة: أي في آخر جلوسه، ويجوز أن يكون في آخر عمره، قاله في النهاية (إذا أراد أن يقوم من المجلس) أي من مكان جلوسه (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فقال رجل) لم أقف على ما سماه (يا رسول الله إنك لتقول قولاً ما كنت تقوله فيما مضى) أي من ذلك الزمان (قال: ذلك) أي القول المذكور وأشير إليه مع قربه بما يشار به إلى البعيد تفخيماً لشأنه (كفارة) أي مكفر، وحمله على المبتدأ مبالغة كقولك رجل رضا (لما يكون) أي يوجد (في المجلس. رواه أبو داود) في الأدب من «سننه» ، قال الحافظ المزي: ورواه النسائي في اليوم والليلة (ورواه الحاكم أبو عبد الله) محمد بن عبد الله بن حمدويه بن نعيم الطنبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع بفتح الموحدة وتشديد التحتية وبعدها مهملة، صاحب التصانيف التي قاربت ألف تصنيف، له ترجمة عظيمة في «طبقات الحافظ الذهبي» (في المستدرك) بفتح الراء لأنه استدرك فيه أحاديث على «الصحيحين» ولا استدراك عليهما بذلك لأنهما لم يلتزم إخراج جميع الصحيح إنما أراد به إخراج بعضه (من رواية عائشة رضي الله عنها) أي عن النبي (وقال) أي الحاكم (صحيح الإسناد) أي والمتن لانتفاء منافي الصحة عنه من الشذوذ والعلة القادحة.
10834 - (وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلما) ما فيه كافة الفعل عن طلبه للمرفوع ومهيئة للدخول على الجمل الفعلية كما أدخلته هنا عليها (كان رسول الله لا يقوم من

(5/308)


مجلس حتى) الظاهر أنها هنا بمعنى إلا كهي في قول الشاعر:
ليس العطاء من الفضول سماحة
حتى تجود وما لديك قليل
(يدعو بهؤلاء الدعوات) وبينهما على سبيل العطف البياني أو البدل بقول (اللهم اقسم لنا من خشيتك) هو الخوف مع معرفة جلال المخشي منه ولذا اختصت بالعلماء به تعالى: {إنما يخشى} (فاطر: 28) أي خشية إجلال لا خشية إذلال ( {الله من عباده العلماء} ) وقال سيدهم «أنا أعرفكم بالله وأشدكم له خشية» وقال تعالى: في حق الملائكة {وهم من خشيته مشفقون} (الأنبياء: 28) (ما) موصولة أو نكرة موصوفة أي الذي أو شيئاً (يحول) بالتذكير نظراً للفظ «ما» ويجوز التأنيث نظراً لكون المطلوب الخشية (بيننا وبين معصيتك) فيه إسناد إلى السبب، فإن الذي يحول بين العبد والمعصية هو الله تعالى، وذلك بأن يجعل عنده من خشيته ما يصده عنها (ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك) معطوف على ما قبله من عطف معمولين على معمولى عامل واحد وهو جائز اتفاقاً: أي واقسم لنا من طاعتك الذي أو شيئاً تبلغنا به، والتاء فيه يحتمل أن تكون تاء الغيبة فيناسب ما قبله ويكون فيه مجاز عقلي، وأن تكون تاء الخطاب فيناسب قوله آخر الحديث «جنتك» والباء يحتمل أنها باء المصاحبة وأنها باء السببية بمعنى أنه تعالى جعل مدخولها سبباً لمسببه لأن ذلك سبب ذاتي للمطلوب (ومن اليقين) أي القلبي (ما يهون) بالتذكير من التهوين (علينا مصايب) بالياء التحتية بعد الهمزة كهي في معايش ولا يجوز قلبها همزة لأنها ليست مزيدة: وهي ما يسوء الإنسان وفي الحديث المرفوع «كل شيء يؤدي المؤمن فهو له مصيبة» وإضافته إلى الدنيا إما على معنى «في» على القول بإثباته وعليه ابن مالك في آخرين نحو قوله تعالى: {بل مكر الليل} (سبأ: 33) وعلى أن الإضافة قسمان ليس إلا، إما على معنى اللام أو معنى «من» فالإضافة هنا لامية لأدنى ملابسة، وذلك لأن المراد اكشف عن عين بصيرته ما يعلم به ذوقاً أن ما أصابها صدر إليها من حضرة أرحم الراحمين هان عليها كائناً ما كان (اللهم متعنا) بتشديد المثناة الفوقية (بأسماعنا) أي بالقوة المودعة في
الصماخ (وأبصارنا) أي بالقوة المودعة

(5/309)


في الحدقة وجمعها باعتبار تعدد الداعين أو من إطلاق الجمع على ما فوق الواحد وعليه فأتى بالضمير لذلك والمقام يقتضي خلافه: أي إلى أن خلع عليه خلعة تشريف التأهيل لسؤاله تعالى فأتى بلازم العظمة من ضمير «نا» (وقوتنا ما) مصدرية ظرفية وصلتها (أحييتنا) أي متعنا بما ذكر مدة إحيائنا وذلك ليغتني المرء عن غيره بفضل ربه سبحانه فلا يحتاج لقائد ولا لمعين (واجعله) أي ما ذكر (الوارث) أي الباقي (منا) شبه دوام استمراره إلى آخر الحياة بالوارث الذي يبقى كذلك ويخلف الميت ففيه تشبيه بليغ (واجعل ثأرنا) هو بالهمزة في الأصل وسهل بقلبها ألفاً وهو طلب الدم كما في «النهاية» وأريد منه هنا التبعة والطلبة (على من ظلمنا) أي بأن تأخذ لنا حقنا منه وتجازيه على ظلمه إباناً (وانصرنا) أي اجعلنا منصورين غالبين (على من عادانا) يحتمل أن تكون المفاعلة على بابها ويحتمل أن صيغة المغالبة للمبالغة: أي على من انتصب لعداوتنا، وظاهر أن المراد المعادي لما لا تجوز المعاداة له من الأعراض الفانية المخدجة، أما المعاداة لله كأن وقعت منه عداوتك لفعلك ما لا يحل شرعاً فذلك لا يدعي عليه، والدعاء عليه غير مقبول لأنه أتى بما عليه (ولا تجعل مصيبتنا) أي ما نكرهه (في ديننا) بأن نخل بأدنى شيء مما أمرنا بأدائه أو نقع في شيء ما نهينا عن مداخلته وذلك لأن مصيبة الدين هي المصيبة العظمى لما قد يترتب عليها من الشقاوة الكبرى أعاذنا الله من ذلك، ولا كذلك مصائب الدنيا فإن ما فيها آيل إلى الذهاب، فما أصيب به المرء فذلك من عناية الله به، إن ألهمه الصبر فإنه جعل له في ذلك الثواب، ولو ذهب من غير مصيبة لما أثيب عليه (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا) فتهتم بها عن الأمور التي علينا من أداء عبوديتك والقيام بخدمتك (ولا مبلغ علمنا) بأن نقف عند ما يصلحها ولا نجاوزه لما يصلحنا في آخرتنا فإن الكافر لما لم يؤمن بدار القرار وكان
مبلغ علمه هذه الدار استغرق بلذاتها وسبح في بحار شهواتها وقال: «إن هي إلا حياتنا الدنيا» فمن استغرق من أرباب الإيمان أوقاته في عمارة دنياه وغفل عن عمارة أخراه صار شبيهاً بأولئك الخاسرين (ولا تسلط علينا من لا يرحمنا) فيه أن جور الولاة والعمال على من تحت أيديهم من الرعايا إنما هو بتسليط من الله سبحانه، وإذا كان كذلك فإذا أصيب العبد بمصيبة من أيديهم رماداً (رواه الترمذي) في الدعوات من «جامعه» (وقال: حديث

(5/310)


حسن) وقد عقد له المصنف في «الأذكار» ترجمة مستقلة فقال بعد باب ما يقوله عند القيام من المجلس «باب دعاء الجالس في جمع لنفسه ومن معه» وما فعله ثمة أولى لأن عموم الحديث يشمل ذكر ذلك في أول المجلس وفي أثنائه وفي آخره وعند القيام، فالمطلوب الإتيان به في المجلس لا بخصوص كونه عند القيام، ولما فعله هنا وجه حسن هو أنه ينبغي ختم المجلس بالذكر والدعاء وهذا من أحسن الدعاء لما فيه من جمع خيري الدنيا والآخرة.
11835 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ما من) صلة أتى بها لتأكيد عموم النفي في قوله (قوم) والمراد به هنا ما يشمل النساء أيضاً وإن كان لغة مختصاً بما يقابلهن كما تقدم (يقومون) فيه مع قوله قوم جناس الاشتقاق وهو خبر ما الحجازية المجرور اسمها بمن المزيدة (من مجلس) متعلق بيقومون والتنوين فيه للشيوع فيشمل شريف المجلس كالمساجد ودنيئه كمجلس اللغو (لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة الحمار وكان) أي ذلك المجلس (لهم متعلق بقوله حسرة) وجملة النفي في محل الحال من فاعل يقومون، وذكر جيفة الحمار زيادة في التنفير وإيماء إلى أن تارك الذكر في المجلس بمثابة الحمار المضروب به المثل في البلادة، إذ غفل بما هو فيه من الترهات ولذائذ المحاورات عن ذكر من أغدق له العطيات، وتحسره عليه لما فاته من أنفس نفيس وهو الزمان الذي إذا ذهب لا يعود أبداً، فليس له عند العارف عوض، فأذهبه ذلك الجالس في غير نفع أخروي بترك ذكر الله فيه، فعظمت بذلك الحسرة واشتعلت - بالتفريط في ذكر الله في ذلك المجلس العارف بما ضاع عليه من نفيس الوقت - الجمرة هذا إذا كانت الحسرة في الدنيا، ويحتمل أنها في الآخرة، ويأتي ما يدل له والحسرة لفوات ثواب الذكر بمعانيه ما ناله غيره ممن لم يقصر في ذلك (رواه أبو داود بإسناد صحيح) ورواه الطبراني والبيهقي عن

(5/311)


عبد الله بن مغفل مرفوعاً بلفظ «ما من قوم اجتمعوا في مجلس وتفرقوا ولم يذكروا الله إلا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة» ورواه أحمد في «مسنده» عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ «ما من قوم جلسوا مجلساً لا يذكرون الله فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة» وأورده السيوطي في «الجامع الكبير» .
12836 - (وعنه عن النبي قال: ما جلس قوم مجلساً) منصوب على الظرف وتنكيره لما تقدم، وجملة (لم يذكروا الله تعالى فيه ولم يصلوا على نبيهم) أي مع السلام عليه (فيه) محل الصفة للظرف (إلا كان) يحتمل أن تكون ناقصة واسمها مستكن يرجع إلى المجلس و (عليهم) ظرف إما لغو متعلق بخبر كان أعنى (ترة) لما أنه بمعنى نقص وذلك كالفعل في التعلق به أو بالفعل نفسه أو مستقر في محل الحال من اسم كان، ويحتمل أنها تامة وترة فاعلها وعليهم فيه الأوجه المذكورة، ويؤيدها رواية أبي هريرة الآتية آخر الباب فإنها ظاهرة في ذلك ظهوراً تاماً (فإن شاء عذبهم) جزاء قصروا في ذلك بتركها (وإن شاء غفر لهم) ذلك النقص وهذا يقتضي وجوب وجود الذكر والصلاة على النبي في المجلس لأنه رتب العذاب على ترك ذلك وهو آية الوجوب، ولم أر من ذكر عنه القول بوجوب ذلك في كل مجلس والحديث يقتضيه والله أعلم (رواه الترمذي وقال حديث حسن) ورواه ابن ماجه أيضاً من حديث أبي هريرة، ورواه أيضاً من حديث أبي سعيد كما في «الجامع الصغير» .
13837 - (وعنه عن رسول الله قال: من قعد مقعداً) بفتح العين المهملة يحتمل أن يكون منصوباً على الظرفية الزمانية ويؤيده الروايات قبله بالصيغة المتعينة للمكان، ويحتمل أنه على المفعولية المطلقة وهو مصدر ميمي: أي قعوداً (لم يذكر الله تعالى فيه) يحتمل أن يراد الذكر اللساني وهو المتبادر، ويؤيده قرن الصلاة على النبي معه في الرواية قبله،

(5/312)


فإنها لا تكون إلا باللسان مع رفع الصوت إلى أن يسمعها المتكلم بها المعتدل السمع الخالي عن نحو لغط، يحتمل أن يكون المراد ما يعمه والذكر القلبي فيدخل فيه من حصل له فيه خوف أو رجاء لله سبحانه أو غير ذلك من الأحوال وإن لم يذكر ما بالمقال (كانت) أنث لتأنيث فاعله وإن فصل بينهما قوله (عليه من الله ترة) والظرفان متعلقان به، ويجوز كونها ناقصة وأحد الظرفين خبر مقدم وترة اسمها مؤخر والتأنيث لما تقدم، وهذا كله على روايته بالرفع كما في الأصول المصححة، ويحتمل كون اسمها مستكنا يرجع إلى القعدة الدالّ عليها مقعداً «ومن اضطجع مضجعاً لا يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله ترة» (رواه أبو داود وغيره وقد سبق قريباً) منصوب على الطرفية أو المصدرية وذلك في أول كتاب آداب النوم (وشرحنا فيه الترة) وأصلها والخلاف في معناها.

130 - باب الرؤيا
بالقصر مصدر رأي الحلمية في المشهور، قال في «المصباح» : ورؤيا على فعلي غير منصرف لألف التأنيث المقصورة وسيأتي فيها مزيد بيان (وما يتعلق بها) أي من الآداب.
(قال الله تعالى) : ( {ومن آياته} ) أي دلائل ألوهيته ووحدانيته ( {منامكم بالليل والنهار} ) وذلك لما فيه من إذهاب الشعور حتى يصير النائم كالميت ثم يستيقظ منه قيعود له ما كان من الشعور والإدراك كأنه لم يزل البتة وذلك دليل كمال القدرة.
1838 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول لم يبق) قال الدماميني في «المصابيح» : قالوا يريد لا يبقى بعده (من النبوة إلا المبشرات) أي إن الوحي

(5/313)


ينقطع بموته فلا يبقى بعده ما يعلم به ما سيكون إلا المبشرات فالمقام للنفي «لمن» دون «لم» وقد جاء في رواية «لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات» اهـ. وأصل الكلام لابن التين وزاد عليه قوله: فالمقام للنفي بلن، وقال المهلب: التعبير بالمبشرات خرج للأغلب فإن من الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله المؤمن رفقاً به ليستعد لما يقع قبل وقوعه (قالوا) أي الصحابة الحاضرون كلامه (وما المبشرات: قال الرؤيا الصالحة) يحتمل أن المراد صلاحها باعتبارها في ذاتها، ويحتمل أنه باعتبار تأويلها (رواه البخاري) في كتاب التعبير من «صحيحه» . %
2839 - (وعنه أن النبي قال: إذا اقترب الزمان) أي استوى الليل والنهار واعتدلا وذلك في زمن الربيع، اقترب انتهاء أمد الدنيا أو اقترب بحيث تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة أقوال ثلاثة حكاها الطيبي وظاهر صنيعه اعتماد الثاني، وظاهر صنيع الحافظ ابن حجر اعتماد الأول، وأيد الطيبي ما قاله بحديث «في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب» وكذا أيده السيوطي بل صوبه وقال: لأن أكثر العلم ينقص حينئذ وتندرس معالم الديانة، فتكون الناس على مثل الفترة محتاجين إلى مذكر ومجدد لما درس من الدين كما كانت الأمم تذكر بالأنبياء، ولكن لما كان نبينا خاتم الأنبياء عوضوا بالرؤيا الصادقة، وقال العارف ابن أبي جمرة إن المؤمن حينئذ يكون غريباً فيقل أنيسه فيكرم بالرؤيا الصادقة. وقال الفارسي في «مجمع الغرائب» : يحتمل أن معناه إذا اقترب أجل الرائي: أي بأن طعن في السن وبلغ أوان الكهولة والمشيب فإن رؤياه أصدق وذلك لاستكماله غاية الحلم والأناة والقوة النفسية (لم تكد) لم تقارب (رؤيا المؤمن) وفي رواية «لم تكد رؤيا الرجل المسلم» (تكذب) قال الطيبي: اختلف في خبر كاد النفي، والأظهر أنه يكون منفياً أيضاً لأن أحرف النفي الداخلة على كاد تنفي قرب حصوله، والنافي لقرب حصول الشيء أدل على نفيه نفسه ويدل عليه قوله تعالى: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} (النور: 40) والرؤيا كما قال الطيبي نقلاً عن «الكشاف» بمعنى الرؤية، إلا أنها تختص بما كان

(5/314)


منها في المنام دون اليقظة فلا جرم فرق بينهما بحذف تاء التأنيث وجعل ألف التأنيث فيها مكان تائه للفرق. وقل الواحديث الرؤيا مصدر إلا أنه لما صار إسماً للمتخيل في المنام جرى مجرى الأسماء، وقال المصنف: الرؤيا مهموزة مقصورة ويجوز ترك الهمزة تخفيفاً. قال المازري: الذي عليه أهل السنة أن الرؤيا هي أن الله يخلق في قلب النائم اعتقادات وكأنه جعلها علماً على أمور أخرى يخلقها في أثناء
الحال قد تنخلف كالغيم خلقه الله تعالى علامة على المطر وقد يتخلف، وتلك الاعتقادات تقع منا مرة بحضرة الملك فنسر وأخرى بحضرة الشيطان فنساء، وقد بسط الكلام شيخ الإسلام في «فتح الباري» على الرؤيا فعليك بمراجعته لتقف على ما فيه من النفائس (متفق عليه) .
(وفي رواية) أي لمسلم (وأصدقهم) أي الرائين الصالحين (رؤيا) تمييز عن نسبته لمن هو له (أصدقهم حديثاً) أي خبراً هذا باعتبار الغالب. قال المهلب: قد يرى الصالح الأضغاث لكن نادراً لقلة تمكن الشيطان منه، بخلاف غيره فإن الشيطان متسلط عليه فغلب عليه الكذب. قال: فالناس ثلاث درجات: الأنبياء ورؤياهم صدق البتة وقد يقع فيها ما يحتاج إلى التعبير. والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير، ومن عداهم يقع في رؤياهم الصدق، والأضغاث فالمستورون يستوي الأمران فيهم، والفسقة يغلب في رؤياهم الأضغاث، والكفار يندر في رؤياهم الصدق.
3840 - (وعنه قال: قال رسول الله: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) بفتح القاف، قال الشيخ أكمل الدين في «شرح المشارق» : هو بالنسبة إلى لإخبار بالغيب يكون بشرى برؤيتهم إياه عليه الصلاة والسلام يوم القيامة وهو تأويله. وسمى ذلك يقظة لأنها اليقظة الحقيقية، وذلك لا ينافي أن يكون تأويله بالنسبة إلى أمر الدنيا حصول خير ودين وغير ذلك مما يؤول به. قال وقوله (أو فكأنما رآني في اليقظة) شك من الراوي، ومعناه غير الأول لأنه تشبيه وهو صحيح لأن ما رآه في المنام مثال وما يرى في عالم الحس حسي فهو تشبيه خيالي بحسي، قال وقوله (لا يتمثل بي الشيطان) واستئناف بياني كأن سائلاً قال:

(5/315)


ما سبب ذلك؟ فقال: لا يتمثل الشيطان بي، يعني ليس ذلك المنام من قبيل أن يمثل الشيطان في خيال الرائي ما يشاء من التخيلات، قال: وهل هذا مختص بالنبي أولاً؟ قال بعضهم رؤية الله تعالى ورؤية الأنبياء والملائكة عليهم السلام ورؤية الشمس والقمر والنجوم المضيئة والسحاب الذي فيه الغيث لا يتمثل الشيطان بشيء منها، وذكر المحققون أن ذلك خاص به، وقالوا في ذلك: إنه وإن ظهر بجميع أحكام أسماء الحق وصفاته تخلقاً وتحققاً، فإن من مقتضى مقامات رسالته ودعوته الخلق إلى الحق أن يكون الأظهر فيه - حكماً وسلطنة من صفات الحق وأسمائه - صفة الهداية والاسم الهادي، فهو صورة الاسم الهادي ومظهر صفة الهادي، والشيطان مظهر اسم المضلّ والظاهر صفة الضلالة فهما ضدان ولا يظهر أحدهما بصفة الآخر، فالنبي خلقه الله للهداية، فلو ساغ لإبليس التمثل بها لزال الاعتماد بكل ما يبديه الحق ويظهره لمن يشاء هدايته، فلذلك عصم الله صورة النبي من أن يظهر بها شيطان، وإنما لم يمنع الشيطان من مثل ذلك في حضرة الحق وهو أعظم عظماً وجلالاً، فقد وقع أنه أضلّ قوماً بقوله أنا الله، فظنوا أنهم رأوا الحق وسمعوا خطابه، لأن كل ذي عقل يعلم استحالة الصورة في حقه تعالى فلا يحصل الاشتباه من
صورة إبليس بصورته، وقوله فيها أنا الله بخلاف النبي فإنه ذو صورة مشهورة فاقتضت الحكمة ما سبق، ولأن مقتضى حكم الحق أن يضف وأن يهدي بخلاف النبي فهو مقيد يوصف الهداية وظاهر بصورتها فوجب عصمة صورته أن يظهر بها شيطان لبقاء الاعتماد وظهور حكم الهداية فيمن شاء الله تعالى هدايته به اهـ. وقال الحافظ في «الفتح» : اختلف في معنى قوله «فسيراني في اليقظة» فقيل معناه: سيرى تفسير ما رأى في اليقظة لأنه غيب ألقي فيه. وقيل معناه: سيراني في القيامة: أي رؤية خاصة من القرب منه أو نحوه من الخصوصيات، ولا مانع من أن الله تعالى يعاقب بعض عصاة المؤمنين يوم القيامة بمنعه رؤيا النبي مدة، وقد قال ابن التين: المراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائباً عنه فيكون مبشراً له أنه لا بد من رؤياه له يقظة قبل الموت. وقال قوم: هو على ظاهره فيمن رآه مناماً فلا بد أن يراه يقظة بعيني رأسه، وقيل بعيني قلبه حكاهما ابن العربي. وقد نقل عن جمع من الصالحين رؤياه مناماً ثم رأوه بعد ذلك يقظة، وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى النجاة من ذلك وجاء الأمر كذلك، وهذا نوع من كرامات الأولياء وأكثر من يقع له ذلك، وقد صرح بوقوع هذه الكرامة جمع منهم الغزالي وابن العربي وابن عبد السلام، وفي كون

(5/316)


المرئي جسمه أو مثاله خلاف، قال بالثاني الغزالي، وقال ابن العربي: إن رآه بصفته المعلومة فإدراك حقيقته وإلا فإدراك لمثاله، وقال المصنف: الصحيح أنه يراه حقيقة سواء رآه على صفته المعروفة أو غيرها، وأيد الحافظ قول من فرق بين كون المرئي بصفته أو بغيرها فيكون الأول حقيقة والثاني للمثال (متفق عليه) .
4841 - (وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي يقول: إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها) أي لحسن صورتها أو تأويلها (فإنما هي من الله) أي إنها لحسنها تضاف إليه تعالى كما يضاف إليه كل جميل (فليحمد الله عليها) يحتمل أن يكون المراد المبالغة في الحمد لذلك حتى إنه لكثرته كأنه علا على المنعم به، فعلى على بابها. وقد ورد «ما أنعم الله على عبد بنعمة فقال الحمد لله إلا كان ما أعطى خيراً مما أخذ» ويحتمل كونها تعليلية كهي في قوله تعالى: {ولتكبروا الله على ما هداكم} (البقرة: 185) وفي الحديث طلب الحمد عند حدوث النعم وتجدد المنن فذلك سبب لدوامها (وليحدّث بها) أي من يحب كما بينه قوله (وفي رواية) وهي لمسلم في حديث أبي قتادة الآتي بعده (فلا يحدث به) أي بالمرئي المدلول عليه بالرؤيا، وفي نسخة مصححة منه «بها» بضمير الرؤيا (إلا من يحب) وذلك لأن العدو يحملها على بعض ما تحتمله مما فيه سوء للرائي فيكون ذلك لأن المنام الأول عابر، وزاد الترمذي «ولا تحدث بها إلا لبيباً أو حبيباً» (وإذا رأى غير ذلك) المذكور، وبين ذلك الغير بقوله (مما يكره) يحتمل كون ما مصدرية وكونها موصولة حذف عائدها المنصوب وكراهتها بقبح صورتها أو تأويلها (فإنما هي) أي الرؤيا، وتخالف الضميرين تذكيراً وتأنيثاً تفنن في التعبير (من الشيطان) أضافها إليه لكونه على هواه ومراده وقيل لأنه الذي يخيل بها ولا حقيقة لها

(5/317)


في نفس الأمر (فليستعذ بالله من شرها) قال الحافظ: ورد في صفة التعوذ من شرّ الرؤيا أثر صحيح أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي قال «إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ: أعوذ بالله بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني فيها ما أكرهه في ديني ودنياي» (ولا يذكرها لأحد) أي وإن كان حبيباً وعلى وجه التعبير وغيره، وفي حديث أبي هريرة عند الترمذي «وإذا رأى الرؤيا
القبيحة فلا يفسرها ولا يخبر بها أحداً» فعدم ذكرها لما فيه من شرّها من أسباب الوقاية من ضرّها كما قال (فإنها) أي الرؤيا المذكورة (لا تضره) أي لا يحصل له ضر بسببها فالإسناد إلى السبب (متفق عليه) .

5 - (وعن أبي قتادة) تقدمت ترجمته (رضي الله عنه) في باب تحريم الظلم (قال: قال النبي: الرؤيا الصالحة. وفي رواية) للبخاري أواخر كتاب التعبير في حديث أبي قتادة المذكور (الرؤيا الحسنة) أي بدل الصالحة فالمراد منهما واحد، لأن الروايات يفسر بعضها بعضاً، والمراد الحسنة صورة والصالحة تأويلاً (من الله والحلم) بضم الحاء المهملة وسكون اللام قال في «النهاية» وتضم (من الشيطان) قال الزركشي: هذا تصرف شرعي بتخصيص الرؤيا بما يراه من الخير، والحلم بما يراه من الشرّ وإن كان في الأصل لما يراه من النائم. وفي «النهاية» : الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشرّ والشيء القبيح ويستعمل كل واحد منهما موضع الآخر. وقال ابن الجوزي: الرؤيا والحلم واحد، غير أن صاحب الشرع خص الخير باسم الرؤيا والشرّ باسم الحلم (فمن رأى شيئاً يكرهه فلينفث عن يساره) قال القاضي عياض: أمر به طرداً للشيطان الذي حضر الرؤيا المكروهة تحقيراً له واستقذاراً وخص بها البسار لأنها محل الأقذار ونحوها (ثلاثاً) منصوب على

(5/318)


المفعولية المطلقة لينفث (وليتعوذ) أي بالله تعالى (من الشيطان) وذلك لأن الله تعالى قدر وجود ما يسوء من الرؤيا عند وجوده فإبعاده يقتضي إبعادها (فإنها) أي الرؤيا (لا تضرّه متفق عليه) ورواه أصحاب السنن الأربعة.
(النفث: نفخ لطيف لا ريق معه) وتقدم ضبطه ومعناه.
6843 - (وعن جابر) بن عبد الله (رضي الله عنه) الأولى عنهما لأنه صحابي ابن صحابي (عن رسول الله قال إذا رأى) أي في المنام (أحدكم) أي الواحد منكم (الرؤيا يكرهها) لصورتها أو لتأويلها، والجملة حال أو صفة مما قبله لتعريفه بأن الجنسية (فليبصق) بضم الصاد المهملة، قال في «المصباح» : وهي بدل من الزاي. قال الكازروني: والبزاق ماء الفم الذي يلفظ (عن يساره) لأنها الجهة المعدة للمستقذر والمكروه (ثلاثاً) زيادة في الإهانة للشيطان (وليستعذ بالله) أي بلسانه مع جنانه (من الشيطان) كأن يقول أعوذ بالله من الشيطان (ثلاثاً وليتحول عن جنبه الذي كان عليه) حين الرؤيا المكروهة تفاؤلاً بتحول الحال من الرؤيا القبيحة إلى الرؤيا المليحة نظير ما قيل في تحويل الإمام الرداء في خطبة الاستسقاء وجاء من حديث أبي هريرة مرفوعاً «إذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث به الناس» متفق عليه كما في «المشارق» (رواه مسلم) في التعبير.
7844 - (وعن أبي الأسقع) بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وفتح القاف بعدها عين مهملة ومثله في الضبط المذكور اسم أبيه، وقيل بل كنيته أبو شداد وبها بدأ المصنف في «التهذيب» وقيل أبو محمد وقيل أبو الخطاب وقيل أبو قرصافة بكسر القاف (وائلة) بكسر المثلثة (ابن الأسقع) وقيل ابن عبد الله بن الأسقع بن عبد العزّى بن عبد يا ليل بن ماست بن عنزة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الكناني الليثي (رضي الله عنه) قيل أسلم

(5/319)


والنبي يتجهز إلى تبوك وشهدها معه وشهد فتح دمشق وحمص، وقيل إنه خدم النبي ثلاثاً، وكان من أهل الصفة، روى له عن النبي ستة وخمسون حديثاً، وانفرد البخاري عنه بحديث ومسلم بآخر، سكن الشام فسكن دمشق ثم استوطن ببيت (جبرين بارة) بقرب بيت المقدس، ودخل البصرة وله بها دار، توفي بدمشق سنة ست أو خمس وثمانين عن ثمان وسبعين سنة، قاله أبو مسهر. وقال سعد بن خالد: توفي سنة ثلاث وثمانين عن مائة وخمسين سنة، قال المصنف في «التهذيب» : والصحيح الأول (قال: قال رسول الله: إن من أعظم الفرى) بكسر الفاء وفتح الراء جمع فرية: وهي الكذبة العظيمة (أن يدعي الرجل إلى غير أبيه) عدى الادعاء بإلى لتضمنه معنى الانتساب، وإنما صار أعظم لأنه افتراء على الله تعالى لأن المدعي إلى غير أبيه كأنه يقول: خلقني الله من ماء فلان وإنما خلقه من ماء غيره (أو يرى) من الإراءة منصوب عطفاً على مدخلو أن: أي وأن يرى (عينيه ما لم تر) وفي رواية البخاري «ما لم تريا» أي يكذب في رؤياه بأن يقول: رأيت في منامي كذا ولم يكن يراه، وإنما كان أعظم لأن ما يراه النائم إنما يراه بإراءة الملك، والكذب عليه كذب على الله. وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال «من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل» الحديث. قال الطبراني: إنما أسند الوعيد على الكذب في المنام مع أن الكذب في اليقظة أشد مفسدة منه، إذ قد يكون شهادة في
قتل أحد أو أخذ مال، قال: لأن الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره، والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين، وإنما كان الكذب في المنام كذباً على الله لحديث «الرؤيا الصالحة جزء من سنة وأربعين جزءاً من النبوة» فهو من قبل الله اهـ (أو يقول على رسول الله) أي ينسب إليه من الحدث (ما) أي شيئاً أو الذي (لم يقل) وقد صح متواتراً «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» (رواه البخاري) والله أعلم.

(5/320)