دليل الفالحين
لطرق رياض الصالحين 5 - كتاب السلام
أي التحية، قال بعضهم: تحية عرفة الوقوف بها، وتحية منى
الرمي بجمرة العقبة، وتحية المسجد ركعتان فأكثر، وتحية
المسلم السلام عليه.
131 - باب فضل السلام والأمر بإفشائه
أي إظهاره وإشاعته ونشره.
(قال الله تعالى) : ( {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلو
بيوتاً غير بيوتكم} ) التي تسكنوها ( {حتى تستأنسوا} ) أي
تستأذنوا ( {وتسلموا على أهلها} ) بأن تقولوا السلام عليكم
أأدخل؟ ويقول ذلك ثلاثاً فإن أذن له وإلا انصرف وإن كان
بيت أمه وبنيه.
(وقال تعالى) : ( {فإذا دخلتم بيوتاً} ) قيل المراد بيوت
أنفسكم ( {فسلموا على أنفسكم} ) أي على أهل بيتكم إن كان
بها له أهل وإلا سلم على نفسه، وقيل المراد بيوت من أذن
لكم في الأكل من بيوتهم من الأقرباء والأصدقاء والمعنى:
فإذا دخلتم تلك البيوت المذكور أهلها في الآية فسلموا على
أهلها الذين هم منكم ديناً وقرابة، وقيل المعنى: إذا دخلتم
بيوتاً خالية فقولوا السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين، وعلى الأول
(5/321)
جرى المصنف في «أذكاره» فقال: يستحب لداخل
منزل أن يسلم سواء كان في البيت آدمي أم لا لقوله تعالى،
فذكره، وقال: وفي الترمذي عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً «يا
بنيّ إذا دخلت على أهلك فسلم تكن بركة عليك وعلى أهل بيتك»
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقيل غير ذلك مما بيناه فيما
كتبناه على الأذكار المذكورة محبين بذلك فيكون حالاً
(تحية) نصب على المصدر لأنها بمعنى التسليم، ويجوز أن يكون
معناه: قولوا سلام الله عليكم ورحمته وبركاته فتكون حالاً
(من عند الله) أي ثابتة بأمره من عنده (مباركة) يرجى بها
زيادة الخبر (طيبة) تطيب بها نفس المستمع.
(وقال تعالى) : ( {وإذا حييتم بتحية} ) أي وإذا سلم عليكم
( {فحيوا بأحسن منها} ) أي بزيادة عليها، فإذا قال لكم
أحد: السلام عليكم ورحمة الله، فقولوا: وعليك السلام ورحمة
الله وبركاته ( {أو ردوها} ) كما سلم عليكم من غير زيادة،
والزيادة سنة، والرد واجب في أصل السلام. وقال قتادة:
الزيادة للمسلمين، والرد لأهل السنة.
(وقال تعالى) : ( {وهل أتاك حديث ضيف إبراهيم} ) فيه تعظيم
لشأن الحديث وتنبيه على أنه إنما عرفه بالوحي، والضيف كما
تقدم في الأصل مصدر ولذا أطلق على الواحد والمتعدد، قيل
كانوا اثني عشر ملكاً، وقيل ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل
وسماهم ضيفاً لأنهم في صورة الإنسان ( {المكرمين} ) أي عند
الله تعالى أو عند إبراهيم عليه السلام إذ خدمهم بنفسه
وزوجته ( {إذ دخلوا عليه} ) ظرف للحديث أو الضيف أو
المكرمين ( {فقالوا سلاماً قال سلام} ) أي عليكم عدل به
إلى الرفع بالابتداء لقصد الثبات حتى تكون تحيته أحسن من
تحيتهم كما أوضحته في «شرح الأذكار» مرفوعين أو منصوبين
والمآل إلى واحد.
1845 - (وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن
رجلاً) قال السيوطي: قيل هو
(5/322)
أبو ذرّ (قال: أيّ الإسلام) أي خصاً له
(خير) أي أكثر ثواباً عند الله تعالى (قال: تطعم) على حلف
أن: أي أن تطعم (الطعام) وذلك لما فيه من تحمل كلفة الفقر
ودفع الحاجة عنه ودخل فيه جليل الطعام وحقيره وقليله
وكثيره (وتقرأ السلام بفتح التاء والراء قال أبو حاتم تقول
اقرأ عليه السلام ولا تقول اقرأه السلام، فإذا كان مكتوباً
قلت أقرئه السلام: أي اجعله يقرأه (على من) أي الذين (عرفت
ومن لم تعرف) والعائد فيهما محذوف (متفق عليه) .
2846 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: لما خلق
الله تعالى آدم) أي أخرجه من كتم العدم إلى الوجود (قال:
اذهب فسلم على أولئك) فيه إشعار بأنهم كانوا على بعد (نفر)
بالخفض في الرواية، ويجوز الرفع والنصب ووصف النفر يقوله
(من الملائكة) قال في فتح «الباري» : ولم أقف على تعيينهم
(فاستمع) في رواية الكشميهني «فاسمع» (ما يحيونك) كذا
لللأكثر من التحية، وعند أبي ذرّ من رواية البخاري بالجيم
والموحدة من الإجابة وكذا رواه البخاري في «الأدب المفرد»
(فإنها) أي كلماتهم التي يحيونك أو يجيبونك بها (تحيتك
وتحية ذريتك من بعدك) أي فهذه تحيتكم من الشرع أو المراد
بالذرية بعضهم وهم المسلمون (فقال: السلام عليكم) يحتمل
أنه علم ذلك تنصيصاً ويحتمل أن آدم فهم ذلك من قوله تعالى
«فسلم» ويحتمل أنه تعالى ألهمه أن يقول ذلك كما ألهمه
الحمد عند العطاس (فقالو السلام عليك ورحمة الله) كذا
للأكثر رواه البخاري في الاستئذان وبدء الخلق، ووقع
للكشميهني فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله
(5/323)
وعليها شرح الخطابي، وأفادت رواية الأكثر
إجزاء رد السلام فيه باللفظ المبتدأ به (فزادوه ورحمة
الله) ففيه مشروعية الزيادة في الرد على الابتداء وتقدم
قوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها} وهل يزاد
من قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في الجواب على ما
قال أولاً؟ الجمهور على الثاني، أخرج مالك في الموطأ عن
ابن عباس «انتهاء السلام إلى البركة» والبيهقي في الشعب
قال «جاء رجل إلى ابن عمر فقال السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته ومغفرته، فقال: حسبك إلى وبركاته انتهت» وعن عمر
قال اشهر السلام إلى بركاته، وقال آخرون يجوز الزيادة على
ذلك، قال أبو الوليد ابن رشد: يؤخذ من قوله تعالى: {فحيوا
بأحسن منها} (النساء: 86) جواز الزيادة على وبركاته إذا
انتهى إليها المبتدي (متفق عليه) رواه البخاري في مواضع من
«صحيحه» منها كتاب الأنبياء ومنها في
الاستئذان ومسلم في صفة الجنة.
3847 - (وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما) والحديث تقدم
بطوله وفيه ذكر السبع المنهي عنها في باب تعظيم حرمات
المسلمين وسبق شرحه ثمة (قال: أمرنا رسول الله) المراد منه
هنا ما يشمل أمر الوجوب والاستحباب، إما من استعمال اللفظ
في حقيقته ومجازه كما هو مذهب جمع من الائمة منهم إمامنا
الشافعي أو من عموم المجاز الجائز عند الجميع (بسبع)
بتقديم المهملة على الموحدة أو إعادة الجار في البدل فقال
(بعيادة المريض) أي زيارته فيسن زيارة كل مريض من المسلمين
بأيّ مرض كان وهي سنة وقيل فرض كفاية (واتباع) بتشديد
الفوقية (الجنائز) أي تشييعها (وتشميت) بالشين المعجمة
وبالمهملة كما سيأتي بسط معناهما (العاطس) أي إذا حمد الله
تعالى (ونصر
(5/324)
الضعيف) أي إعانته على من ظلمه بالحيلولة
بينهما وإعلاء حجته (وعون المظلوم) بالقول والفعل حتى
يندفع عنه أذى الظالم (وإفشاء) أي إشاعة (السلام وإبرار
المقسم) أي الحالف على عمل شيء كان يقول إنسان والله
ليصلين مثلاً فيطلب منك إعانته على إبرار قسمه بفعلك
الصلاة لينجو من الحنث، وفي نسخة القسم بحذف الميم: أي
وإمرار الحلف (متفق عليه) وهذا لفظ البخاري في الاستئذان
لكن عنده المقسم وفيه ذكر المنهيات السبع.
4848 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله:
لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا) فالجنة محرمة على الكافر قال
تعالى: {إن الله حرمهما على الكافرين} () (ولا تؤمنوا) أي
إيماناً كاملاً وحذفت النون من الفعل المرفوع ليشاكل ما
قبله ويناسبه (حتى تحابوا) أي تتحابوا فحذفت إحدى التاءين
تخفيفاً: أي يحبّ بعضكم بعضاً، ولما كانت المحبة أمراً
قهرياً لا اختيار فيه على الأصح في ذلك لكن الأسباب
المؤدية إليها في الاختيار أرشد إليها بقوله (أولا أدلكم
على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟) الواو عاطفة دخلت أداة
الاستفهام عليها مع معطوفها والمعطوف عليه متصيد من مفهوم
الكلام أي أتسألون سبب التحابب أولا أدلكم الخ والتنوين في
شيء يحتمل كونه للتعظيم باعتبار ثمرته وللتعليل باعتبار
لفظه (أفشوا) بقطع الهمزة: أي أظهروا (السلام بينكم) وذلك
أن الله تعالى جعل إشاعة السلام وإذاعته سبباً للتوادد،
وقوله أفشوا جواب لمقدر كأنهم قالوا دلنا على ذلك (رواه
مسلم) .
(5/325)
5849 - (وعن أبي يوسف) فيه ستّ لغات بتثليث
السين مع الهمزة، وإبدالها واواً وأفصحها ضماً، وهذه كنية
(عبد الله بن سلام) بفتح المهملة وتخفيف اللام ابن الحارث
الإسرائيلي الصحابي (رضي الله عنه) كان اسمه الحصين فسماه
النبي عبد الله مشهور له أحاديث، مات بالمدينة سنة ثلاث
وأربعين، خرّج عنه الجميع كذا في «تقريب الحافظ» وفي
«تهذيب» المصنف، كان حليفاً لبني الخزرج، وهو من بني نسقاع
بتثليث النون، وهو من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن
إبراهيم عليهم الصلاة والسلام: كني بولده يوسف، أسلم حين
قدوم رسول الله المدينة ونزل في فضله قوله تعالى: {وشهد
شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبر تم} (الأحقاف:
10) وقوله تعالى: {قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن
عنده علم الكتاب} (الرعد: 34) روي له عن رسول الله خمسة
وعشرون حديثاً، اتفقا على حديث، وانفرد البخاري بآخر اهـ
(قال: سمعت رسول الله يقول) وذلك أول اجتماعه عليه (يا
أيها الناس أفشوا) يقطع الهمزة: أي أشيعوا وانشروا
(السلام) بينكم، والابتداء به سنة والرد واجب كفاية على
الأصح (وأطمعوا الطعام) ندباً في نحو الضيافة، وفرض كفاية
لسد حاجة المحتاج (وصلوا الأرحام) وتقدم وجوبها وتفاوت
مراتبها في باب مستقل بها (وصلوا) من الصلاة ولا يخفى ما
بينه وبين ما قبله من الجناس الخطي (بالليل) أي تهجدوا
(والناس نيام) جملة حالية من فاعل صلوا، وقوله (تدخلوا
الجنة بسلام) جواب لمقدر: أي إن فعلتم ما ذكر تدخلوها
متلبسين بالسلام من الآفات التي تكون في غيرها وبه سميت
دار السلام على أحد الأقوال، والمراد دخولها مع الناجين،
وإلا فدخولها لأهل الإيمان واجب بالوعد الذي لا يخلف.
ويحتمل أن المراد مطلق دخولها مع الناجين فيكون فيه تبشير
فاعل هذه الأمور بالموت على الإسلام ليكون من أهلها (رواه
الترمذي وقال حديث صحيح) .
6850 - (وعن الطفيل) بضم الطاء المهملة وفتح الفاء وسكون
التحتية (بن أبي) بضم ففتح
(5/326)
فتشديد التحتية (بن كعب الأنصاري) المقرىء
والده، وهو تابعي وليس صحابياً إنما الصحابي والده، فما في
بعض النسخ من وقوله رضي الله عنه الموهم كونه صحابياً من
تحريف الكتاب بلا ارتياب. (يقول) أي قال (إنه كان يأتي ابن
عمر) لغرض من الأغراض (فيغدو) من الغدوّ وهو الذهاب، وهو
ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس. قال في «المصباح» : هذا
أصله ثم كثر حتى استعمل في الذهاب الانطلاق، أي وقت كان،
ومنه قوله (واغد يا أنيس) أي انطلق. قلت: وما نحن فيه
الظاهر أنه من هذا الأخير (إلى السوق) مؤنثة معنوية، سميت
بذلك لسوق البضائع إليها أو للوقوف فيها على الساق أو
لتزاحم السوق. وأكد قال المقدر قبل بقوله (قال: فإذا عمدنا
إلى السوق لم يمر عبد الله على سقاط) بفتح المهملة الأولى
وتشديد القاف: وهو بياع السقط بفتحتين أي ردىء المتاع (ولا
صاحب بيعة) بفتح الموحدة الواحدة من البيع والمراد بقرينة
مقابله صاحب بيعة نفيسة (ولا مسكين) أي ذي حاجة (ولا أحد)
من عطف العام على الخاص (إلا سلم عليه، قال الطفيل: فجئت
عبد الله ابن عمر يوماً) أي لغرض (فاستتبعني) أي طلب مني
أن أتبعه (إلى السوق فقلت له: ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف
على البيع ولا تسأل عن السلع) بكسر ففتح: أي البضائع جمع
سلعة كقربة وقرب (ولا تسوم بها) أي بالسوق (ولا تجلس في
مجالس السوق) أي إنك لا تصنع شيئاً من الأغراض التي تصنع
في الأسواق من شراء المتاع، وعبر عنه بقوله: لا تقف على
البيع أو معرفة السلعة، وعبر عنها بقوله: ولا تسأل عن
السلع أو مما كسبه الباعة، وعبر عنها بقوله ولا تسوم بها
أو الجلوس لرؤية ما فيها، وإذا لم يكن واحد من أسباب
الوصول إليها حاصلاً فما فائدة الذهاب؟ وعطف على قوله فقلت
له الخ قوله (وأقول) وهو هنا كحكاية الحال الماضية: أي
وقلت له (اجلس بنا ها هنا) أي في هذا المكان الذي
نحن به، وقوله (نتحدث) يجوز جزمه جواباً للشرط المقدر
لكونه جواب الأمر ورفعه استئنافاً (فقال: يا أبا بطن) فيه
جواز ذكر بعض خلق الإنسان على وجه الملاطفة، وبين الراوي
تكنية الطفيل بها بقوله (وكان الطفيل ذا بطن) أي ناتىء ولم
(5/327)
يكن بطنه مساوياً لصدره، والجملة معترضة
بين القول والمقول الذي أتى به لبيان أن يكون ما ذكرت
المطلوب من السوق مطلوب عرضي، فإن المطلوب الأعلى لقاصد
المقام الأعلى ذكر الله تعالى فيها، لكونها محل الغفلة
والالتهاء بأمور الدنيا عنه. وقد جاء في الحديث «ذاكر الله
في الغافلين بمنزلة الصابر في الفارين» رواه الطبراني من
حديث ابن مسعود، ومنه السلام لأنه من أسماء الله تعالى كما
بيناه في «شرح الأذكار» ، فلما كان كذلك وهو المطلوب
الأسمى (قال: إنما لغدو من أجل السلام) أي إفشائه ونشره
(نسلم على من لقيناه) أي من عرفناه وغيره. (رواه مالك في
الموطأ بإسناد صحيح) فهو موقوف، وفعل هذا الصحابي الجليل
المعتدّ بالاتباع لذلك كأنه نقل ذلك عن المصطفى، بل قد جاء
في وصفه في حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما «وكان يبدر
من لقيه بالسلام» .
132 - باب كيفية السلام
(يستحب أن يقول المبتدىء بالسلام) واحداً كان أو أكثر على
واحد أو أكثر، والقول اللفظ الموضوع، ولا بد في حصول السنة
من رفع الصوت به، ثم إن كان المسلم عليه واحداً فحتى يسمعه
أو أكثر فحتى يسمع بعضهم (السلام عليكم) متعلق الخبر
محذوف: أي رقيب أو مطلع، ويجوز أن يكون السلام إما مصدراً
أواسم مصدر، ويؤيده عطف قوله (ورحمة الله) أي نعمته
(وبركاته) أي خيراته الدائمة الثابتة، وعلى الأخير فحذف
المضاف إليه من الأول لدلالة ما بعده عليه (فيأتي) أي
المبتدىء (بضمير الجمع) ندباً (وإن كان المسلم عليه واحداً
ذاكراً كان أو أنثى جليلاً أو حقيراً وينوي المسلم عليه
ومن يحضره من الملائكة، فإن أفرد الضمير جاز في أداء
السنة، وكمالها جمعه للجمع (ويقول المجيب) للمبتدىء واحداً
كان أو أكثر (وعليكم السلام) الواو عاطفة للدعاء منه على
الدعاء من المبتدىء، ولو قدم المبتدىء فقال السلام عليكم
ناوياً الرد أجزأه كما تقدم في حديث أول
(5/328)
الباب (ورحمة الله وبركاته) ولا يزيد على
ذلك لما تقدم لأن البادي ما ترك للمجيب ما يزيد حتى يأتي
به (ويأتي) أي المجيب ندباً (بواو العطف) أي لا واو
الاستئناف (في قوله وعليكم) أي فيقصد أن جوابه مشارك لسلام
المبتدىء في التعاون على إفشاء السلام.
1851 - (وعن عمران بن الحصين) كذا في الأصول بزيادة أل في
اسم أبيه، وتقدم ضبطه وأنه بضم المهملة الأولى وفتح
الثانية وسكون التحتية (رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى
النبي فقال) أي الرجل (السلام عليكم فرد) أي النبي (عليه)
أي بأن قال له وعليكم السلام (ثم جلس فقال النبي: عشر) أي
ما يأتي به من الدعاء بالسلام حسنة وهي بعشر (ثم جاء آخر
فقال: السلام عليكم ورحمة الله) فرد عليه (ظاهر اللفظ أنه
قال وعليكم السلام ورحمة الله، ويحتمل أنه زاد في الرد
فيها وفيما قبلها (فجلس) أي الرجل (فقال عشرون) أي الدعاء
بالسلام والدعاء بالرحمة عشرون حسنة لما مر (ثم جاء آخر
فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه فجلس فقال:
ثلاثون) أي حسنة، لأن الحسنة يجزي صاحبها بعشر أمثالها،
وذلك بناء على أن كلاً من السلام ورحمة الله وبركاته حسنة
مستقلة، فإذا أتى بواحدة منها حصل له عشر حسنات، وإن أتى
بها كلها حصل له ثلاثون حسنة. وجعل العاقولي في «شرح
المصابيح» الحسنات للرادّ فقال: فإذا أتى الردّ بواحدة
منها حصل له عشر حسنات، والاحسن ما قاله المظهري من أن ذلك
لكل من البادىء والرادّ، وبالجملة فأفضل صيغ الابتداء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأفضل صيغ الرد وعليكم
السلام ورحمة الله وبركاته. وأقل الرد عليكم السلام لا
مجرد قوله عليكم أو وعليكم من غير ذكر السلام (رواه أبو
داود في الأدب والترمذي وقال: حديث حسن) .
(5/329)
2852 - (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال
لي رسول الله) هذا يقتضي أنه كان حاضراً حينئذ كما هو أصل
وضع اسم الإشارة (جبريل) وجملة (يقرأ عليك السلام) بفتح
التحتية والراء في محل الحال من جبريل، قيل والعامل فيها
ما في هذا من معنى الفعل وهو أنبه أو أشير أو خبر بعد خبر
أو خبر جبريل عطف بيان، لهذا (قالت قلت) امتثالاً لقوله
تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}
(النساء: 86) (وعليه السلام ورحمة الله وبركاته) فأتت
بأحسن صيغ الرد وما ذكرته من أنها زادت بناءاً على ما
يومىء إليه ظاهر قوله يقرأ عليك السلام. ويحتمل أن مراده
أن جبريل يقرأ عليك السلام التام وأتى به بأفضل صيغ
الابتداء، فيكون ما صنعته عائشة من الرد بالمثل لأنه لم
يبق بعد وبركاته ما يزاد كما تقدم (متفق عليه) أخرجه
البخاري في بدء الخلق وفي غيره، ورواه مسلم في الأدب
(وهكذا) أي ومثل ما ذكر إلى قوله وبركاته (وقع في بعض
روايات الصحيحن وبركاته) وهكذا هو عند البخاري في بدء
الخلق، وفي رواية له أيضاً في الاستئذان (وفي بعضها) وهي
رواية البخاري في باب الاستئذان أيضاً (بحذفها) وأشار
المصنف إلى ترجيح رواية إثباتها بقوله (وزيادة الثقة
مقبولة) عند الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث كما حكاه
عنهم الخطيب سواء تعلق بها حكم شرعي أم لا. وسواء أوجبت
نقصاً من أحكام ثبت بخبر ليست فيه تلك الزيادة أم لا،
وسواء كان ذلك من شخص واحد بأن رواه مرة ناقصاً وأخرى بتلك
الزيادة من غير من رواه أم كانت الزيادة من غير من رواه
ناقصاً، وقد ادعى ابن ظاهر الاتفاق على هذا القول عند أهل
الحديث. وفي المسألة أقوال مذكورة في علم الأثر. وفي
الحديث جواز سلام الرجل الأجنبي على المرأة عند أمن
الريبة. قال العيني في «شرح البخاري» : إن قلت: هلاّ واجه
جبريل عائشة كما واجه مريم؟ قلت: وجه ذلك أنه لما قدر وجود
عيسى عليه السلام من غير أب بعث جبريل ليعلمها تكونه قبل
كونه
لتعلم أنه يكون بالقدرة فتسكن في
(5/330)
زمن الحمل، ثم بعث إليها عند الولادة
لكونها في وجد فقال {لا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً} فكان
خطاب الملك لها فيا لحالتين لتسكن ولا تنزعج. وجواب آخر أن
مريم كانت خالية من زوج فواجهها بالخطاب، وأم المؤمنين
احترمت لمكان سيد الأمة كما احترم الشارع قصر عمر رضي الله
عنه الذي رآه في المنام خوفاً من الغيرة، وهذا أبلغ في فضل
عائشة لأنه إذا احترمها جبريل الذي لا شهوة له حفظاً لقلب
زوجها سيد الأمة كان ما قيل فيها من الإفك أبعد. وجواب آخر
أنه خاطب مريم لكونها نبية على قول وعائشة لم يذكر عنها
ذلك اهز والجواب الآخر ساقط الاعتبار، زاد البخاري في
روايته عن عائشة «أنها قالت: ترى مالا نرى يا رسول الله»
أي إنه يرى الملك حينئذ وهي لا تراه وفيه إمكان رؤية
الملك.
3853 - (وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي كان إذا تكلم
بكلمة) المراد منها المعنى اللغوي الصادق بالجملة والجمل:
أي إذا نطق بما يعسر فهمه من الجمل. (أعادها) أي ذكرها
(ثلاثاً) وليس معمول أعاد لأنه يقتضي حينئذ أنه تكلم بها
أربعاً، وهو خلاف المراد وقد علل ذكرها ثلاثاً بقوله (حتى
تفهم) بالبناء للمجهول: أي تؤخذ (عنه) تلك الكلمة، وهذا من
كمال حسن خلقه ومزيد شفقته ورحمته بالعباد والاقتصار على
الثلاث إشعار بأن مراتب الفهم كذلك أعلا وأوسط وأدنى. ومن
لم يفهم في ثلاث لا يفهم ولو زيد عليه مرات (وإذا أتى
قوماً فسلم عليهم ثلاثاً رواه البخاري) هكذا في كتاب
العلم، ورواه فيه مسلم أيضاً فقال «وإذا سلم ثلاثاً»
وزيادة الثقة مقبولة، ولذا قال المصنف (وهذا) أي تكرار
السلام ثلاثاً (محمول على ما إذا كان بالجمع) المومىء إليه
قوله قوم (كثيراً) بأن لا يعمهم قوله السلام عليكم مرة أو
مرتين وإنما يعمهم الثلاث، ويؤخذ منه أنه لو كثر الجمع
جداً بحيث لا يعمهم التسليم ثلاثاً زيد عليه بقدر ما
يعمهم، وهذا منه جبر لخواطر الجمع، وإلا فأصل سنة الإسلام
تحصل بسماع بعض الجمع والمسلم عليهم كما مر، والحديث رواه
أحمد والترمذي كما في «الجامع الصغير» .
(5/331)
4854 - (وعن المقداد) بن الأسود الكندي،
تقدمت ترجمته (رضي الله عنه) في باب إجراء أحكام الناس على
ظواهرهم (في حديثه الطويل قال: كنا) هو وصاحبه اللذان
أعطاهما النبي الشاتين يشربوا من درّهما وليشرب معهما
النبي كما في الحديث (نرفع للنبي نصيبه من اللبن) المحلوب
(فيجىء من الليل) أي أثناء، فمن للتبغيض (فيسلم تسليماً
بصوت متوسط بين أقل الجهر وما فوقه كما يؤخذ من قوله (لا
يوقظ نائماً) وذلك لنزوله عن أعلا الجهر الموقظ للنائم
(ويسمع اليقظان) لوجود أصل الجهر فيؤخذ منه استحباب ذلك
لمن دخل على قوم فيهم نيام (فجاء النبي) أي على عادته وذلك
بعد أن يصلي ما كتب له (فسلم كما كان يسلم) والكاف فيه
مفعول مطلق صفة مصدر مقدر، وسكت المصنف عن تتمة الحديث
المشتمل على معجزة له من إيجاد اللبن أكثر من عادته من شاة
قد حلبت قبل ذلك بزمن يسير لعدم تعلق غرض الباب هنا وذلك
بجملته في «الأذكار» ، وذكرنا في الشرح ما يتعلق به (رواه
مسلم) في الأطعمة ورواه الترمذي في الاستئذان والنسائي في
اليوم والليلة.
5855 - (وعن أسماء) بالمد (بنت يزيد) بفتح التحتية الأولى
وسكون الثانية وكسر الزاي بينهما ويزيد بن السكن بفتح
المهملة والكاف ابن رافع بن امرىء القيس بن يزيد بن عبد
الأشهل ابن جشم، وكنيتها أم سلمة، ويقال أم عامر الأنصارية
تقدمت ترجمتها (رضي الله عنها) في كتاب اللباس (أن رسول
الله مر في المسجد) الظاهر أن أل فيه للعهد الذهني: أي
المسجد النبوي ويحتمل غيره (يوماً وعصبة) بضم المهملة
الأولى وسكون الثانية بعدها موحدة قال في «المصباح» :
العصبة من الرجال قال ابن فارس: نحو العشرة، وقال أبو
يزيد: من العشرة إلى الأربعين، والجم عصب كغرفة وغرف اهـ.
وظاهر أن الخلاف في عصبتهم جار فيهن والله أعلم. (من
النساء) صفة للنكرة قبلها وبه ساغ الابتداء بها (قعود) جمع
قاعد والتذكير باعتبار الشخص وإلا فجمع قاعدة وصف المؤنث
قواعد (فألوى) أي
(5/332)
أشار (بيده بالتسليم) رواه الترمذي في
الاستئذان (وقال: حديث حسن) قال: قال ابن حنبل لا بأس بعبد
الحميد، يعني ابن بهرام هن شهر بن حوشب، أي الراوي للخبر
عن ما ذكر عنها ورواه ابن ماجه أيضاً في الأدب (وهذا محمول
على أنه جمع بين اللفظ) فقال لهن السلام عليكن (والإشارة)
باليد اليمين لتنبههن لسلامه وكان ذلك لعدم مبالغته في
الجهر بالسلام مع بعدهن في الجملة (ويؤيده أن في رواية أبي
داود) عن أسماء في كتاب الأدب من «سننه» «مر علينا رسول
الله (فسلم علينا) وهو ظاهر في السلام اللفظي والجمع بين
الروايات خير من إلغاء بعضها وقد جاء أيضاً عند الترمذي من
حديث ابن عمر مرفوعاً «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا
باليهود ولا بالنصارى فإن تسلمي اليهود الإشارة بالأصابع
وتسليم النصارى الإشارة بالكف» قال الترمذي: إسناده ضعيف،
فوجب حمل ما ورد من أنه أشار بالسلام على أنه جمع معه
اللفظ به لئلا يخالف القول على أنه لو لم يجمع بذلك وأبقى
على أنه أشار من غير لفظ مبيناً أن النهي تنزيهي لا تحريمي
لم يكن
فيه محذور، لكن الأول أولى فلذا سلكه المصنف هنا، وفي
«الأذكار» قال الحليمي: وكان النبي للعصمة مأموناً من
الفتنة فمن وثق بنفسه في السلام فليسلم وإلا فالصمت أسلم.
6856 - (وعن أبي جرى) بصيغة التصغير فيه وفي قوله
(الهجيمي) كما تقدّم بيان ذلك مع ترجمته (رضي الله عنه) في
كتاب اللباس (قال: أتيت النبي فقلت عليك السلام يا رسول
الله) أي مبتدأ بذلك (قال) حذف العاطف لأن القصد بيان ما
صدر من النبي عند ذلك القول من غير قصد لربط هذه القصة
بقصة الإتيان (فقال: لا تقل) أي ندباً (عليك السلام) في
الابتداء (فإن عليك السلام تحية الموتى) هو إخبار عن عوائد
الجاهلية الجاري على ألسنتهم فيها وجرى عليه الشعراء
كثيراً حتى قال من رأى عمر بن الخطاب: عليك السلام من أمير
وباركت والأخبار عن الواقع لا يدل على الجواز فضلاً عن
(5/333)
الاستحباب: أي إن هذا اللفظ يستحب في تحية
الموتى فرقاً بينها وبين تحية الأحياء وإن جرى عليه في
«المفاتيح» فتعين المصير إلى ما ورد عنه من تقديم لفظ
السلام حين السلام على الموتى، فإن تخيل متخيل في الفرق أن
السلام على الأحياء يتوقع جوابه فقدم الدعاء على المدعو له
بخلاف الميت، قلنا: والسلام على الميت يتوقع جوابه أيضاً
كما ورد به الحديث، وقد بسطت الكلام فيه في «شرح الأذكار»
وأصله من ابن القيم في «بدائع الفوائد» (رواه أبو داود
والترمذي وقال: حديث حسن صحيح وقد سبق بطوله) مشروحاً في
كتاب اللباس.
133 - باب آداب السلام
أي بالنظر إلى مؤديه والمبادرة به.
1857 - (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: يسلم
الراكب علة الماشي) قال السيوطي: هذا خبر بمعنى الأمر وفي
رواية أحمد ليسلم (والماشي) وعند أبي داود: المارّ (على
القاعد والقليل على الكثير) قال ابن بطال عن المهلب: تسليم
الماشي لتشبيهه بالداخل على أهل المنزل وتسليم الراكب لئلا
يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع وتسليم القليل لأجل حق
الكثير لأن حقهم أعظم. وقال ابن العربي: حاصل ما في هذا
الحديث أن المفضول بنوع مَّا يبدأ الفاضل (متفق عليه)
أخرجه البخاري في الأدب من «صحيحه» من طريقين ومسلم في
الاستئذان (وفي رواية للبخاري) هي في الأدب أيضاً (والصغير
على
(5/334)
الكبير) لكن بلفظ «يسلم الصغير على الكبير»
قال ابن بطال: وذلك لأن الصغير مأمور بتوقير الكبير
والتواضع له.
2858 - (وعن أبي أمامة) بضم الهمزة وتخفيف الميمين (صديّ)
بضم المهملة الأولى وفتح الثانية وتشديد الياء (ابن عجلان
الباهلي) تقدمت ترجمته (رضي الله عنه قال: قال رسول الله:
إن أولى الناس بالله) أي أحقهم بالقرب منه بالطاعة (من بدأ
بالسلام) وذلك لما صنع من المبادرة إلى الطاعة والمسارعة
إليها مع ما فيه من حمل المجيب على الرد بالتسبب فيها
(رواه أبو داود بإسناد جيد، ورواه الترمذي) في الاستئذان
في «جامعه» .
(وعن أبي أمامة) أيضاً (قيل) أي سئل رسول الله وقيل (يا
رسول الله الرجلان يلتقيان) أي سواء كان يقصد منهما اللقاء
أو من أحدهما أولا قصد لأحد (أيهما يبدأ بالسلام قال:
أولاهما بالله) قال ابن رسلان: ومعنى الروايتين أقرب الناس
من الله بالطاعة من بدأ أخاه بالسلام عند ملاقاته لأنه
السابق إلى ذكر الله ومذكره، ورواه البيهقي في «الشعب» عن
ابن مسعود يرفعه «إذا مرّ الرجل بالقوم فسلم عليهم فردوا
عليه كان له عليهم فضل لأنه ذكرهم السلام، وإن لم يردوا
عليه رد عليه ملأ خير منهم وأطيب» قال القرطبي: الأولى
بمبادرة السلام ذوي المراتب الدينية كأهل العلم، والفضل
احتراماً لهم وتوقيراً، بخلاف أهل المراتب الدنيوية (وقال
الترمذي: حديث حسن) وقدمنا أن الجيد عندهم نحو الحسن فوقه.
(5/335)
134 - باب استحباب إعادة السلام
أي ذكره عند اللقاء (على من تكرر لقاؤه على قرب بأن دخل)
أي مكان حصل به إدباره عن القوم الذين كان معهم على قرب،
وقوله (ثم خرج) أي فوراً كما يدل عليه قوله على قرب وقوله
(ثم دخل في الحال) أي وخرج منه فثم فيه مستعارة بمعنى
الفاء (أو حال بينهما مشجرة) تمنع من رؤية أحدهما الآخر
لغلظ أصلها، فإن لم تحل لرقتها ويرى كل منهما صاحبه مع
وجودها بينهما فلا لانتفاء الحيلولة العرفية (ونحوها)
كجدار وجبل.
1859 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث المسيء صلاته)
بالنصب على المفعولية ويجوز الرفع على الإسناد كجري النهر
وترك تأنيث الفاعل لأن التأنيث مجازي وهو رافع ابن خلاد
الزرقي الأنصاري رضي الله عنه (أنه جاء) إلى المسجد (فصلى)
أي تحيته والنبي ينظر إلى صلاته (ثم جاء إلى النبي) قال
الزركشي في أحكام المساجد: فيه أن السنة لداخل المسجد،
وفيه جماعة أنه يقدم تحيته على السلام عليهم وذلك لأن حتى
الله تعالى مقدم على حق عباده (فرد عليه السلام فقال) أي
بعد رده عليه حالاً (ثم جاء) أي من مصلاه إلى النبي وقد
فصل بينه وبينه فاصل كسارية ونحوها بدليل قوله (فسلم على
النبي) أي فرد عليه (حتى فعل ذلك ثلاث مرات) وإنما تركه
يصلي ثانياً مع إخلاله بها أولاً ثم ثالثاً مع إخلاله بها
ثانياً قيل لتجويزه ذلك الصحابي بمصححاتها، وإنما تساهل في
استيفاء ذلك فلذا لما أخبره آخراً بأنه لا يعلم سوى ما
يعمل أرشده إلى بيان ذلك وليس ذلك من تأخير البيان عن
الحاجة (متفق عليه) .
(5/336)
2860 - (وعنه عن رسول الله قال: إذا لقي)
بكسر القاف (أحدكم) والظاهر أن المراد به معنى العموم
لكونه في سياق الشرط وهو الأقرب (أخاه) عبر به بعثاً على
أداء ما بعده (فليسلم عليه) أي يبدأ به ندباً (فإن حال
بينهما شجر أو جدار أو حجر) يمنع الرؤية بحيث يعد فاصلاً
عرفياً بدليل قوله (ثم لقيه) وثم فيه المراد بها ما يشمل
حصول التلاقي عن قرب (فليسلم عليه) أي يأتي به حينئذ لأن
هذا لقاء جديد وهو مقتضي لطلب البدء بالسلام ولا يمنع قرب
ما قبله له (رواه أبو داود) ورواه ابن ماجه والبيهقي في
«شعب الإيمان» .
(5/337)
135 - باب استحباب السلام إذا دخل بيته
أي وإن لم يكن فيه أحد أخذاً بعموم الآية التي أشار إليها
المصنف حيث قال:
(قال الله تعالى) : ( {فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على
أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة} ) وقد تقدم تفسيرها
أول كتاب السلام.
1861 - (وعن أنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله: يا
بني) بضم الموحدة وفتح النون وبتشديد الباء وتحريكها بفتحة
تخفيفاً، أو بكسرة دالة على ياء المتكلم المضاف إليها
المحذوفة للتخفيف وبهما قرىء، ورأيتها في الأصول المصححة
بفتح الياء (إذا دخلت على أهلك فسلم) أي عليهم (يكن) أي
سلامك، وفي نسخة بالفوقية فالتأنيث لمراعاة الخبر أو لأنه
بمعنى التحتية أي تكن التحية (بركة عليك وهي أهل بيتك)
ويجوز رفع بركة وتأنيث فعله على أنه تام أي توجد بركة على
من ذكر بسبب السلام كما يومىء إليه السياق والأول أولى
(رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) قال في «الأذكار» :
يستحب
(6/341)
إذا دخل بيته أن يسلم وإن لم يكن فيه أحد
وليقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وكذا إذا
دخل مسجداً أو بيتاً لغيره ليس فيه أحد يستحب أن يسلم
ويقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين والسلام عليكم
أهل البيت ورحمة الله وبركاته.
136 - باب السلام على الصبيان
بكسر المهملة وضمها جمع صبي، قال في «القاموس» : ويجمع على
صبية وصبوان بكسر أوله وضمه، والمراد المميزون منهم لأنهم
أهل الخطاب، ويحتمل مطلقاً وإن لم يصلوا إلى حد التمييز
ممن له أصل الإدراك زيادة في التواضع، ثم رأيت المصنف في
شرح مسلم قال في استحباب السلام على الصبيان المميزين.
1862 - (عن أنس رضي الله عنه أنه مرّ على صبيان فسلم عليهم
وقال: كان رسول الله يفعله) أي كثيراً كما يومىء إليه
العرف، قال الكرماني: هذا من خلقه العظيم وأدبه الشريف.
وفيه تدريب لهم على تعلم السنن ورياضة لهم بآداب الشريعة
ليبلغوا متأدبين بآدابها (متفق عليه) أخرجاه في الاستئذان،
وكذا رواه الترمذي في الاستئذان من «جامعه» وقال صحيح،
ورواه النسائي في «اليوم والليلة» .
137 - باب سلام الرجل على زوجته والمرأة من محارمه
أي المحرم نكاحها عليه لذاتها على التأييد بسبب مباح من
نسب أو رضاع أو مصاهرة (وعلى أجنبية لا يخاف الفتنة بهن)
هو قيد في المعطوف: أي الاجنبيات
(6/342)
وكذا الأجنبية (وسلامهن بهذا الشرط) أي أمن
الفتنة فيسن السلام للنساء إلا مع الرجال الأجانب فيحرم
السلام عليهم من الشابة ابتداء ورداً خوف الفتنة، ويكره
ابتداء السلام ورده عليها إلا إن سلم جمع كثير من الرجال
عليها فلا كراهة إن لم يخف الفتنة، ولا يكره ابتداء السلام
على جمع نسوة أو عجوز لانتفاء خوف الفتنة بل يندب الابتداء
به منهن على غيرهن وعكسه ويجب الرد كذلك هذا تفصيل أحكام
المسألة عند أصحابنا الشافعية.
1863 - (عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال كانت فينا امرأة)
قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمها (وفي رواية كانت لنا
عجوز) هي المرأة المسنة، قال في «المصباح» : قال ابن
الانباري: ويقال أيضاً عجوزة بالهاء لتحقيق التأنيث. وروى
عن يونس أنه قال: سمعت العرب تقول عجوزة بالهاء والجمع
عجائز وعجز بضمتين (تأخذ من أصول السلق) بكسر بكسر المهملة
وسكون اللام آخره قاف: بقل معروف (فتطرحه) أي المأخوذ (في
القدر) بكسر القاف: الإناء الذي يطبخ فيه (وتكركر حبات) أي
قليلات كما يدل عليه منون جمع السلامة (من شعير، فإذا
صلينا الجمعة انصرفنا نسلم عليها فتقدمه إلينا) والمحدث
عنهم جمع من الأنصار من بني ساعدة أو من غيرهم (رواه
البخاري) في مواضع من «صحيحه» منها الجمع ومنها الاستئذان
(قوله تكركر) بضم الفوقية وكسر الكاف الثانية (أي تطحن)
قال في «النهاية» كركرى أي اطحنى، والكركرة: صوت يردده
الإنسان في جوفه.
2864 - (وعن أم هانىء) بالهمزة في آخره وتسهل (فاختة)
بالخاء المعجمة والمثناة الفوقية (بنت أبي طالب) القرشية
الهاشمية، هي شقيقة عليّ رضي الله عنه، خرج حديثها
الجماعة،
(6/343)
ولها في الصحيحين حديثان، واحد متفق عليه
وهو حديثها في صلاة الضحى، والثاني في حديث مسلم الذي نحن
فيه روى عنها ابنها جعد وحفيدها جعدة وعودة وطائفة، ماتت
(رضي الله عنها) في زمن معاوية (قالت: أتيت النبي يوم
الفتح) أي وهو بالأبطح (وهو يغتسل) جملة حالية من مفعول
أتيت (وفاطمة تستره) عن العيون (فسلمت) وجه الدليل منه
تقريره لأمن الفتنة، إذ لو حرم سلام الأجنبية مطلقاً لبينه
لها (وذكرت الحديث) . وفيه تنفيذ النبي جوارها وأمن جارها
الذي أراد علي رضي الله عنه قتله (رواه مسلم) في باب
الطهارة.
3865 - (وعن أسماء بنت يزيد) الأنصارية (رضي الله عنها
قالت: مرّ النبي علينا في نسوة) حال من المجرور بعلى وهو
بكسر النون أفصح من ضمها اسم الجماعة إناث الأتاسي الواحدة
امرأة من غير لف «الجمع ومثله في ذلك نسوان ونساء (فسلم
علينا) أي عند المرور من غير تراخ (رواه أبو داود
والترمذي) كما تقدم في باب كيفية السلام (وقال حديث حسن)
ولما أوهم كلام المصنف أنه بهذا اللفظ عندهما نبه على
تحقيق الأمر بقوله (وهذا) أي اللفظ المذكور لفظ أي داود،
ولفظ الترمذي من حديثها: أن رسول الله مرّ في المسجد يوماً
وعصبة من النساء قعود، فألوى بيده بالتسليم وتقدم من
(6/344)
المصنف مثل ما ذكر هنا في باب كيفية
السلام.
138 - باب تحريم ابتداء الكافر بالسلام
وذلك لما فيه من التسبب للتحاب معه والتواد وقد نهى الله
عن ذلك، قال تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم
الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} (المجادلة: 22) الآية
(وكيفية الرد عليهم) أي إذا بدءونا به وهو واجب بالصيغة
الآتية (واستحباب السلام على أهل مجلس فيه مسلمون وكفار)
بقصد المسلمين.
1866 - (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: لا
تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام) هو نهى تحريم، قال
المصنف في «شرح مسلم» : هذا الحديث دليل مذهبنا ومذهب
الجمهور من تحريم ابتداء الكفار بالسلام، وذهبت طائفة إلى
جواز ابتدائنا لهم بالسلام، روى ذلك عن جمع منهم ابن عباس
وآخرون، وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردي لكنه يقول:
السلام عليك لا عليكم، واحتج هؤلاء بعموم أحاديث الأمر
بانشاء السلام وهي حجة باطلة لأنه مخصوص بهذا الحديث. ثم
حكى المصنف قولاً بكراهة ابتدائهم وضعفه وصوب أن النهي فيه
للتحريم وأنه يحرم ابتداؤهم به، وقولاً آخر أنه يجوز
ابتداؤهم به لضرورة وحاجة وسبب وهو قول علقمة في آخرين
(فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه) أي فألجئوه بالتضييق
عليه (إلى أضيقه) وهذا عند الزحام فيركب المسلمون صدر
الطريق فإن خلت الطريق عن الزحمة فلا حرج، وليكن التضييق
بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه نحو جدار (رواه مسلم) في
الاستئذان، قال السيوطي في «الجامع الكبير» : ورواه أحمد
في «مسنده» أبو داود والترمذي وابن حبان.
(6/345)
2867 - (وعن أنس رضي الله عنه قال: قال
رسول الله: إذا سلم عليكم أهل الكتاب) هو شامل للذمي
والحربي (فقولوا) وجوباً، قاله المصنف وحكى قولاً بعدم
الوجوب وضعفه (وعليكم) وجهه في حديث ما جاء في حديث آخر
عند مسلم «إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم: السام
عليكم، فقل عليك» وفي رواية فقال «فقل وعليك» قال المصنف:
اتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا لكن لا
يقال لهم إذا سلموا وعليكم السلام، بل يقال عليكم أو
وعليكم. وقد جاءت عند مسلم أحاديث بإثبات الواو وحذفها
وأكثر الروايات إثباتها، وعليه ففي معناها وجهان: أحدهما
أنه على ظاهره من العطف فقالوا عليكم فقال وعليكم أيضاً:
أي نحن وأنتم فيه سواء: أي كلنا نموت. والثاني أن الواو
للاستئناف لا للعطف والتشريك، والتقدير: وعليكم ما
تستحقونه من الذم، وأما من حذف الواو فالتقدير عنده عليكم
السام. قال المصنف بعد أن حكى عن ابن حبيب المالكي ترجيح
حذف الواو لئلا يقتضي التشريك، وعن الخطابي أنه بعد نقله
عن عامة المحدثين أنهم ترجيح حذف الواو لئلا يقتضي
التشريك، وعن الخطابي أنه بعد نقله عن عامة المحدثين أنهم
يروون هذا الحرف وعليكم بإثبات الواو، وأنّ ابن عيينة
يرويه بغير واو صوّب رواية حذفها قال: لأنها إذا حذفت صار
الكلام بعينه مردوداً عليهم خاصة، وإذا أثنتت اقتضت
المشاركة معهم فيما قالوه اهـ. والصواب أن إثبات الواو
وحذفها جائزان كما صحت به الروايات وأن الواو أجود كما هو
في أكثر الروايات، ولا مفسدة فيه لأن السام هو الموت وهو
علينا وعليهم فلا ضرورة في قوله بالواو اهـ (متفق عليه)
أخرجاه في الاستئذان، ورواه أحمد الترمذي وابن حبان.
3868 - (وعن أسامة رضي الله عنه: أن النبي مرّ) وذلك في
توجهه لعيادة سعد بن عبادة
(6/346)
كما في مسلم على مجلس فيه أخلاط (جمع خلط
بكسر المعجمة كحمل وأحمال من المسلمين والمشركين) من فيه
للبيان (عبدة الأوثان) أي ممن لم يسلم حينئذ من قبيلة
الأنصار فإنهم كانوا قبل الإسلام عبدة أوثان (واليهود)
الظاهر أنه معطوف على المشركين فيكون قسيماً لهم، ويجوز أن
يكون عطفاً على عبدة الأوثان فيكونان قسيمين للمشركين. قال
البيضاوي في تفسير قوله تعالى: و {لا تنكحوا المشركات حتى
يؤمن} (البقرة: 22) مبيناً شمول الشرك لأهل الكتاب،
والمشركات يعم الكتابيات لأن أهل الكتاب مشركون لقوله
تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح
ابن الله} (التوبة: 30) إلى أن قال {سبحانه عما يشركون}
(التوبة: 31) (فسلم عليهم النبي) ولا شبهة أن سلامه متوجه
إلى المؤمن منهم للنهي عن ابتداء غيره بالتحية (متفق عليه)
أي بمعناه، فقد أخرجه مطولاً البخاري في الجهاد وفي اللباس
والاستئذان والتفسير وغيرها ومسلم في المغازي، وأخرجه
النسائي أيضاً، وهذا اللفظ المختصر أخرجه الترمذي في
الاستئذان كما قاله المزي في «الأطراف» .
139 - باب استحباب السلام إذا قام من المجلس وفارق جلساءه
إن كانوا جمعاً أو جليسه الواحد
1869 - (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله:
إذا انتهى أحدكم) أي
(6/347)
الواحد منكم (إلى المجلس) الذي يريد الجلوس
به (فليسلم) ظاهره وإن لم يكن ثم أحد وتقدم ما يدل على ذلك
(وإذا أراد أن يقوم) أي من ذلك المجلس (فليسلم) أي عقب
قيامه فعند الترمذي «ثم إذا قام فليسلم» ويحتمل أن يسلم
إذا أراد القيام لذلك فيكون مثل قوله تعالى: {فإذا قرأت
القرآن} (النحل: 98) أي أردت قراءته (فليست الأولى) أي
التسليمة الأولى (بأحق من الآخرة) قال الطيبي: قيل كما أن
التسليمة الأولى إخبار عن سلامتهم من شره عند الحضور فكذا
الثاني إخبار عن سلامتهم من شرّه عند الغيبة، وليست
السلامة عند الحضور أولى من السلامة عند الغيبة بل الثانية
أولى (رواه أبو داود) في الأدب وها لفظه (والترمذي) في
الاستئذان (وقال حديث حسن) .
140 - باب الاستئذان
أي طلب الإذن في الدخول على من بالمنزل (وآدابه) بالمد جمع
أدب وتقدم تعريفه. (قال الله تعالى) : ( {يا أيها الذين
آمنوا} ) خاطبهم بذلك إيماء لشرف الإيمان وأنه أعظم ما
يفرد بالذكر وينوه به من شرف الخصال ( {لا تدخلوا بيوتاً
غير بيوتكم حتى تستأنسوا} ) أي تستأذنوا ( {وتسلموا على
أهلها} ) وتقدم الكلام على بعض فوائد الآية أول كتاب
السلام.
(وقال تعالى) : ( {وإذا بلغ الأطفال منكم} ) أيها الأحرار
( {الحلم} ) بضم
(6/348)
المهملة واللام: أي أوان أن يحتلموا وذلك
بأن صاروا مراهقين ( {فليستأذنوا} ) في جميع أوقات الدخول
( {كما استأذن الذين من قبلهم} ) أي من البالغين الأحرار.
1870 - (وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول
الله الاستئذان) أي طلب الإذن من ربّ المنزل (ثلاث) وذلك
لأنها أقل الكثير وأكثر القليل ومن لم يتنبه عندها لا
يتنبه غالباً بعدها كما تقدم (فإن أذن) بالبناء للمفعول
ونائب فاعله قوله (لك) وجواب الشرط محذوف لدلالة السياق
عليه: أي فأدخل (وإلا) أي وإلا يؤذن لك بعدها (فارجع) قال
المصنف في «شرح مسلم» : أما إذا استأذن فلم يؤذن له أو ظن
أنه لم يسمعه ففيه ثلاثة مذاهب: أظهرها أنه ينصرف ولا يعيد
الاستئذان. والثاني يزيد فيه. والثالث إن كان بلفظ
الاستئذان الآتي لم يعده وإن كان بغيره أعاده، فمن قال
بالأظهر فحجته قوله «وإلا فارجع» ومن قال بالثاني حمل
الحديث على من علم أو ظن أنه سمعه فلم يأذن اهـ (متفق
عليه) روياه في الاستئذان واللفظ لمسلم، وللبخاري بمعناه
(6/349)
ولفظه من حديث أبي موسى مرفوعاً «إذا
أستأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع» وهو عند مسلم
أيضاً واللفظ الذي ذكره المصنف رواه الترمذي أيضاً.
2871...........
3872 - (وعن ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر العين
المهملة وتشديد الياء (ابن حراش) بالمهملتين المكسورة
أولاهما وآخره شين معجمة وهو العبسى بفتح المهملة وسكون
الموحدة تابعي جليل، قال الذهبي في «الكاشف» : قالت لله لم
يكذب قط، قال الحافظ في «التقريب» : توفي سنة مائة وقيل
غير ذلك (قال: حدثنا رجل من بني عامر) لا يضرّ الجهل بعينه
لأن الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول من خالط الفتن منهم
ومن اعتزالها: أي قال (إنه استأذن على النبي وهو) أي النبي
(في بيت) والجملة الإسمية حالية من مجرور على (فقال) أي
الرجل (ألج) بهمزتين أولاهما للاستفهام والثانية همزة
المتكلم وهو من الولوج: أي أأدخل (فقال رسول الله لخادمه)
رأيته في أصل مصحح مضبوط بالقلم بإضافة خادم إلى ضمير
الغائب وهو من يتولى الخدمة ذكر كان أو غيره، لكن قال
السيوطي في «حاشيته على سنن أبي داود» في تفسير جرير من
طريق عمر بن سعد الثقفي أن اسمها روضة، فتكون الهاء
للتأنيث، خوطبت خطاب المذكر باعتبار أنها شخص في قوله
(أخرج إلى هذا) المستأذن بغير اللفظ الذي يطلب الاستئذان
به (فعلمه الاستئذان) أي لفظه وأبدل منه أو عطف عليه عطف
بيان قوله (فقل له: قل السلام عليكم أأدخل) قال الحافظ في
«فتح الباري» : اختلف هل السلام شرط في الاستئذان أولا،
وقال المصنف: اختلفوا هل يستجب تقديم السلام ثم الاستئذان
أو العكس، والصحيح الذي جاءت به السنة وقاله المحققون
تقديم السلام، والثاني تقديم الاستئذان. والثالث وهو
اختيار الماوردي من أصحابنا إن وقعت عين المستأذن على صاحب
المنزل قبل دخوله قدم السلام وإلا قدم الاستئذان، وصح عن
النبي حديثان في تقديم السلام (فسمعه) أي القول المذكور
(الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل) وظاهر أن المتكلم مخير
بين تحقيق
(6/350)
الهمزة وإبدال الثانية ألفاً وتسهيلها
(فأذن له النبي فدخل) وإنما لم يأذن له أولاً لإخلاله
باللفظ الوارد في ذلك وحثا على تعلم
العلم والعمل به (رواه أبو داود) في الاستئذان (بإسناد
صحيح) .
4873 - (وعن كلدة) بكسر الكاف وسكون اللام وفتح الدال
المهملة بعدها هاء تأنيث (ابن الحنبل) بفتح المهملة
والموحدة وسكون النون بينهما، قال الحافظ في «التقريب» :
ويقال ابن عبد الله ابن الحنبل، زاد المزي في «الأطراف» بن
ملك يقال مليك بن عائذ بن كلدة أخو صفوان بن أمية لأمه
وقيل ابن أخته، واقتصر الحافظ على كونه أخاً لأمه وزاد
التيمي المكي صحابي له (رضي الله عنه) حديث (قال أتيت
النبي) وذلك لما بعثه صفوان بن أمية بلبن ولباء وضغابيس
إلى النبي والنبي بأعلى الوادي رواه كل من أبي داود
والترمذي في هذا الحديث وحذفه المصنف لعدم تعلق غرض
الترجمة به لكن عند أبي داود بدل قوله ولباء قوله وجداية.
قال الخطابي: الجداية هي الصغيرة من الظباء والضغابيس
بمعجمتين وبعد الألف موحدة فتحتية فمهملة: صغار القثاء
بالقاف والمثلثة (فدخلت عليه ولم أسلم) أي أستأذن (فقال
النبي: ارجع) أي إلى ما هو خارج عن مكان النبي (فقل السلام
عليكم أأدخل) وفيه الأمر بالمعروف واستدراك السنن وعدم
التساهل فيها (رواه أبو داود والترمذي) كلاهما في
الاستئذان (وقال) أي الترمذي (حديث حسن) غريب لا نعرفه إلا
من حديث ابن جريج.
(6/351)
141 - باب بيان أن السنة إذا قيل للمستأذن
أي إذا سأله من في داخل المنزل (من أنت أن يقول فلان)
كناية عن علم من يجهل قبل من ذوي العقول وقيل أعم. قال في
«القاموس» : فلان وفلانة مضمومتين كناية عن أسمائنا وبأل
عن غيرنا انتهى: يعني إذا أردت الكناية عن البشر تقول
الفلان، وفيه نظر أشار إليه في «التهذيب» وصوب أنه يطلق
بغير أن على غير البشر أيضاً، وظاهر شرح التسهيل أن فلاناً
يكون كناية عن علم كل مذكر ذي علم أنسيا كان أو جنباً، وعن
علم كل ملك لقوله أولاً عند شرحه قول المصنف ومسميات
الأعلام أولو العلم وما يحتاج إلى تعيينه الخ قوله أولو
العلم يشمل الملائكة وأشخاص الإنس والجن القبائل، وثانياً
بعد الأول بقليل في شرح قوله وكنوا بفلان وفلانة نحو زيد
وهند: أي من أعلام أولي العلم ففلان كناية عن علم مذكر من
ذوي العقل وفلانة كناية عن علم يؤنث من ذوات العقل (فيسمي
نفسه بما يعرف به من اسم أوكنية) أو لقب أو نسبة أو وصف
كالأمير أو القاضي قاصداً به التعريف لا التشريف (وكراهة
قوله أنا ونحوها) كنحن أو إنسان أو شخص لعدم حصول غرض
السائل بذلك.
1874 - (عن أنس رضي الله عنه في حديثه المشهور عنه في
الإسراء) بالنبي وهو مروي عنه من طريق بينها السيوطي في
«الخصائص الكبرى» وتلميذه الشامي في تخريج أحاديث الإسراء
والمعراج (قال) أي أنس (قال رسول الله ثم) أي بعد تمام
الصلاة بالأنبياء في المسجد الأقصى (صعد) بفتح العين
المهملة وكسرها كما في «المصباح» لغة قليلة (بي جبريل إلى
السماء الدنيا فاستفتح) أي طلب من الملك الموكل بها واسمه
إسماعيل الفتح، وذلك لأنه وجد باب السماء مغلقاً، وإنما لم
يفتح له قيل مجيئه ليظهر غاية الظهور أن فتحها إنما هو
لكرامة المصطفى ولا يتوهم أن ذلك عادة فيها (فقيل) حذف
الفاعل لعدم العلم بعين السائل أكبير الحفظة أم خدمته (من
هذا؟ قال جبريل) فسمى نفسه باسمه المعروف، قال بعضهم: لم
نقف على من سمى بهذا الاسم من الملائكة
(6/352)
غيره (قيل ومن معك) لعل السؤال لأنهم لم
يعتادوا منه الاستفتاح حال صعوده وهبوطه بالأمور الموكل
فيها، فأخذوا من استفتاحه أن معه من يطلب الفتح لأجله، أو
لأن السماء شفافة يرى ما وراءها، ويؤيده أنهم قالوا ومن
معك؟ دون أمعك أحد (قال محمد) ذكره باسمه الأعرف له (ثم
صعد إلى السماء الثانية والثالثة والرابعة) الأحسن ثم
الثالثة ثم الرابعة، لكن لما كان ما أراد المصنف من سياق
الحديث من الدلائل على تسمية المستأذن حاصلاً بأي عاطف كان
استعار الواو مكان ثم (وسائرهن) أي باقيهن، قال الأزهري:
اتفق أهل اللغة أن سائر الشيء باقيه قليلاً كان أو كثيراً.
وقال الصغاني: سائر الناس باقيهم لا جميعهم كما زعم من قصر
في اللغة باعه وجعله بمعنى الجميع من لحن العوام كذا في
«المصباح» ، ولكن ذكر المصنف في «التهذيب» عن جميع منهم
أبو منصور الجواليقي أنه يأتي بمعنى الجميع أيضاً وليس من
لحن العوام (ويقال في باب كل سماء) عند استفتاح جبريل له
(من هذا؟ فيقول جبريل) إن قلت كيف استدل بفعل الملك وليس
مكلفاً بفروع شريعتنا، وإن قلنا بعموم بعثة
نبيانا محمد إلى الملائكة بل هم على ذلك مكلفون بالإيمان
به فقط. قلنا: الاستدلال من حكايته وتقريره عليه (متفق
عليه) .
2875 - (وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: خرجت ليلة من
الليالي فإذا) فجائية (رسول الله يمشي وحده) أي منفرداً عن
الغير والجملة الفعلية خبر المبتدأ. ويجوز كونها حالاً
والخبر محذوف، والجملة الإسمية في محل جرّ على أنها مضاف
إليها فجعلت أمشي في ظل القمر وذلك ليخفي على النبي مكانه،
لأنه فهم أن النبي حينئذ مراد بالانفراد، ورؤيته لأبي ذرّ
يفوت بها ذلك فلذا أخفى سواده في سواد ظل القمر (فالتفت
فرآني فقال: من هذا) لعل سؤاله عنه خشية أن يكون من
المنافقين وأعداء الدين (فقلت أبو ذرّ) أجاب بما اشتهر به
من كنيته وعدل عن اسمه لأنه بها أعرف منه به (متفق عليه)
(6/353)
أخرجه البخاري في الاستقراض والاستئذان
وغيرهما ومسلم في الزكاة، ورواه أيضاً الترمذي في الإيمان
وقال: حسن صحيح والنسائي في اليوم والليلة.
3876 - (وعن أم هانىء) بنت أبي طالب (رضي الله عنها قالت:
أتيت النبي وهو يغتسل وفاطمة تستره فقال) أي بعد أن سلمت
كما تقدم في باب سلام الرجل على زوجته بزيادة فسلمت (من
هذه) أي التي بدأت السلام (فقلت: أم هانىء) أتت بكنيتها
لما تقدم في الذي قبلها. ووجه الدلالة من هذين تقرير
المصطفى لهما على ما أجابا به، إذا لو كان يطلب في الإجابة
خلاف ما أتيا به لبينه كما بين لمن أخطأ سنة ما يقال في
الاستئذان ما يقال فيه (متفق عليه) .
4877 - (وعن جابر رضي الله عنه قال: أتيت النبي) زاد
الترمذي في «جامعه» «في دين كان على أبي» (فدققت الباب)
وفي نسخة بزيادة الباء في المفعول به وهو مما يقوم مقام
لفظ الاستئذان، إذ لو لم يقم مقامه لأنكر عليه تركه كما
أنكر عليه ما حكاه بقوله (فقال من ذا) أي المستأذن (فقلت
أنا، فقال أنا أنا) على وجه الإنكار كما قال (كأنه كرهها)
وعند
(6/354)
الترمذي كأنه كره ذلك، وذلك لأن قصد من
بالداخل معرفة عين المستأذن، ولا يحصل ذلك بقوله أنا لأن
الأصوات متشابهة ولا تعيين في اللفظ فلذا أنكره، وأما
الإتيان بلفظ أنا فلا كراهة فيه قال تعالى: {أنا الله لا
إله إلا أنا} (طه: 12) وقال «أنا سيد ولد آدم» في أحاديث
آخر، وكراهة بعض لها بأن كلاً من إبليس وفرعون قال أنا
فكان له ما كان، يرد بأن ما أصابهما إنما أصابهما لسوء ما
وقع منهما لا لهذه الكلمة والله أعلم (متفق عليه) .
142 - باب استحباب تشميث العاطس
التشميت بالشين المعجمة وبالسين المهملة كما ذكره الفيروز
أبادي في كتاب «تخيير الموشين فيما يقال بالشين والسين» هو
أن يقول للعاطس رحمك الله أو يدعو له، وفي حاشية السيوطي
على سنن أبي داود قال الخليل وأبو عبيد وغيرهما يقال
بالمعجمة والمهملة، والعرب تجعل السين والشين في اللفظ
الواحد بمعنى، قال الفزاري: التسميت بالمهملة التبريك،
يقال سمته إذا دعا له بالبركة، وبالمعجمة من شمت الإبل في
المرعى إذا جمعت، فمعنى شمته دعا له أن يجمع شمله وقيل هي
من الشماتة وهي فرح الشخص بما يسوء عدوه، فكأنه إذا حمد
الله دخل على الشيطان ما يسوءه فشمت هو بالشيطان، وقيل هو
من الشوامت جمع شامتة وهي القائمة يقال: لا ترك الله له
شامتة: أي قائمة. وقال أبو بكر بن العربي: تكلم أهل اللغة
في اشتقاق اللفظين ولم يبينوا المعنى فيه وهو بديع، وذلك
أن العاطس ينحل كل عضو في رأسه وما يتصل به من العنق ونحوه
فكأنه إذا قيل له يرحمك الله كان معناه أعطاك رحمة يرجع
بها بدنك إلى حاله قبل العطاس ويقيم على حالة من غير
تغيير، فإن كان التشميت بالمهملة فمعناه رجع كل عضو إلى
سمته الذي كان عليه، وإن كان بالمعجمة فمعناه صان الله
شوامته: أي قوائمه التي بها
(6/355)
قوام بدنه عن خروجها عن الاعتدال اهـ (إذا
حمد الله) وسيأتي حكمة استحبابه للعاطس (وكرهة تشميته إذا
لم يحمد الله تعالى) لأنه أمر بالتشميت عند الحمد فيدل على
النهي عنه عند عدمه (وبيان آداب التشميت والعطاس والتثاؤب)
بمثناة ثم مثلثة وبعد الألف همزة، وجاء في مسلم «إذا
تثاوب» بالواو بدل الهمزة فمصدره التثاوب بالواو، وقال
السيوطي: قال غير واحد: إنهما لغتان والهمز والمد أشهر.
1 - (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: إن الله
تعالى يحبّ العطاس ويكره التثاؤب) قال الخطابي: معنى
المحبة والكراهة فيهما ينصرف إلى سببهما وذلك أن العطاس
يكون عن خفة البدن وانفتاح المسام وعدم الغاية في الشبع،
وهو بخلاف التثاؤب فإنه يكون عن غلبة امتلاء البدن وثقله
مما يكون ناشئاً عن كثرة الأكل والتخليط فيه والأول يستدعي
النشاط للعبادة والثاني عكسه اهـ. والمراد من المحبة
المسندة إلى الله تعالى غايتها من الرضا والقبول والثواب
أو إرادته، وقد بسطت الكلام فيها أول «شرح الأذكار» (فإذا
عطس أحدكم) قال في «المصباح» : عطس من باب ضرب وفي لغة من
باب قتل اهـ. (وحمد الله تعالى) يحتمل أن تكون معطوفة على
فعل الشرط وأن تكون حالاً بإضمار قد، قال الحليمي: الحكمة
في مشروعية الحمد للعاطس أن العاطس يدفع الأذى عن الدماغ
الذي فيه قوة الفكر ومنه منشأ الأعصاب التي هي معدن الحس
وبسلامته تسلم الأعضاء، فظهر بهذا أنها نعمة جليلة فناسب
أن تقابل بالحمدلله لما فيه من الإقرار لله بالخلق والقدرة
وإضافة الخلق إليه لا إلى الطبائع وعموم الحديث متناول
للحمد بأي صيغة كانت وأفضله رواه أحمد والنسائي من حديث
سالم بن عبيد رفعه «إذا عطس أحدكم» فليقل الحمد لله على كل
حال أو الحمد لله رب العالمين» وقال المصنف: قال ابن جرير:
هو مخير بين أن يقول الحمد لله «أو» الحمد لله رب العالمين
أو الحمد لله على كل حال، قال المصنف: وهذا هو الصحيح.
وأجمع العلماء أنه مأمور بالحمد لله، وفي منهج العلماء
للمتقي حديث «إذا عطس أحدكم فقال الحمد لله قالت الملائكة
رب العالمين، فإذا قال رب العالمين قالت الملائكة يرحمك
الله» رواه الطبراني من حديث
(6/356)
ابن عباس مرفوعاً، قال الحافظ ابن حجر: ولا
أصل لما اعتاده كثير من الناس من استكمال قراءة الفاتحة
يعد قوله الحمد لله رب العالمين، وكذا العدول إلى أشهد أن
لا إله إلا الله أو تقديمها على
الحمد فهو مكروه (كان حقاً) أي سنة متأكدة (على كل مسلم)
أي ذي إسلام فيشمل المرأة (سمعه أن يقول له يرحمك الله)
قال الحليمي: أنواع البلاء كلها والآفات مؤاخذات وإنما
المؤاخذة عن ذنب، فإذا أدركت العبد الرحمة وصار الذنب
مغفوراً لم تقع المؤاخذة، فمعنى رحمك الله: أي جعل لك ذلك
ليدوم لك السلام. وفيه إشارة إلى تنبيه العاطس على طلب
الرحمة والتوبة من الذنب، ومن ثمة شرع له أن يجيب بقوله:
يغفر الله لنا ولكم، قال ابن دقيق العبد: ظاهر الحديث أن
السنة لا تتأدى إلا بالمخاطبة وما اعتاده الناس من قولهم
للرئيس يرحم الله سيدنا فخلاف السنة. قال المصنف في
«الأذكار» : قال أصحابنا: التشميت سنة على الكفاية، ولكن
الأفضل أن يقوله كل واحد منهم لظاهر قوله «كان حقاً على كل
مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله» هذا الذي ذكرناه من
استحباب التشميت هو مذهبنا. واختلف أصحاب مالك في وجوبه
فقال القاضي عبد الوهاب: هو سنة، ويجزىء تشميت واحد من
الجماعة كمذهبنا وقال ابن مزين: لزم كل واحد منهم، واختاره
ابن العربي وإذا لم يسمع الحمد لا يطلب منه التشميت وإن
أتى به العاطس. ونقل المصنف عن الإمام مالك أنه قال: لا
تشمته حتى تسمع حمده وإن رأيت من يليه شمته اهـ ملخصاً
(وأما التثاوب) بالواو في الأصول المصححة، قال العيني في
«شرح البخاري» : التثاوب هو النفس الذي ينفتح منه الفم
لدفع البخارات المختلفة في عضلات الفك اهـ (فإنما هو من
الشيطان) قال ابن بطال: إضافته إلى الشيطان بمعنى إضافة
الرضا والإرادة: أي إن الشيطان يحب أن يرى الإنسان
متثاوباً لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك، منه، وليس
المراد أن الشيطان نفس التثاوب. وقال ابن العربي: بينا إن
كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه واسطته وأن كل
فعل حسن نسبه الشرع إلى الملك لأنه واسطته. قال: والتثاوب
من الامتلاء وينشأ عنه التكاسل، وذلك بواسطة من الشيطان
والعطاس من تقليل الغذاء وينشأ
عنه النشاط وذلك بواسطة الملك. وقال المصنف: أضيف التثاوب
إلى الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات إذ
(6/357)
يكون من ثقل البدن واسترخائه وامتلائه
والمراد التحذير من السبب الذي يتولد عنه ذلك وهو التوسع
في الأكل.
فائدة: أخرج ابن أبي شيبة والبخاري في «التاريخ» من مرسل
يزيد بن الأصم قال «ما تثاوب النبي قط» وأخرج الخطابي من
طريق مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال «ما تثاوب نبي قط»
قال السيوطي ومسلمة أدرك بعض الصحابة وهو صدوق (فإذا
تثاءب) بالهمز كما قاله السيوطي قال: وروى مسلم أي في حديث
آخر تثاوب بالواو (أحدكم فليرده) بالحركات الثلاث في آخر
الفعل والضم إتباع لحركة الضمير (ما استطاع) أي قدر
استطاعته وذلك بإطباق فيه، فإن لم يندفع بذلك فيوضع اليد
عليه (فإذا تثاءب ضحك الشيطان منه) فرحاً بذلك لما فيه من
تغير صورة الإنسان ودخوله في فيه كما سيأتي آخر الباب،
وأشار ابن بطال إلى أن الشيطان يضحك حينئذ من جوفه نقله
عنه الكرماني (رواه البخاري) في الأدب من «صحيحه» .
2879ـ (وعنه عن النبي قال: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله)
شكراً على ذلك لأنه محبوب إلى الله سبحانه (وليقل له أخوه
له) شك من الراوي (صاحبه) والتعبير بأحد هذين تحريض على
التشميت (يرحمك الله) قال القاضي عياض: وإنما أمر بالحمد
لما حصل من المنفعة بخروج ما احتقن في دماغه من الأبخرة
(فإذا قال) أي أخوه (له) أي العاطس (يرحمك الله) وهي جملة
خبرية لفظاً دعائية معنى (فليقل) مقابلة للدعاء بمثله
ومكافأة للجميل (يهديكم الله) أي يرشدكم بالإيصال إلى
مرضاته (ويصلح بالكم) أي حالكم وخاطركم وكأن حكمة إفراد
الدعاء للعاطس وجمعه للمجيب ولو منفرداً فيهما أن الرحمة
مدعو بها للعاطس وحده لما أصابه مما تنحلّ به أعصابه ويضرّ
سمتها لولا الرحمة والهداية مدعوّ بها لجميع المؤمنين
ومنهم المخاطب فلذا جمع ضميره والله أعلم (رواه البخاري)
في الأدب من «صحيحه» .
(6/358)
3880 - (وعن أبي موسى رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله يقول: إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه)
وصرح بمفهوم ما قبله اعتناء به فقال (فإن لم يحمد الله فلا
تشمتوه) وظاهر الحديث طلب تشميت من عطس وحمد وإن لم يسمعه
المشمت لكن قال المصنف: وعطس وحمد ولم يسمعه الإنسان لم
يشمته، وقال مالك: لا تشمته حتى تسمع حمده فإن رأيت من
يليه شمته فشمته اهـ.» وكلام مالك يدل على أنه إذا تحقق
إتيان العاطس بالحمد شمته وإن لم يسمع حمده (رواه مسلم)
ورواه أحمد والبخاري في «الأدب المفرد» .
4881 - (وعن أنس رضي الله عنه قال: عطس رجلان) قال الشيخ
جلال الدين السيوطي هما عامر بن الطفيل ولم يحمده وابن
أخيه وهو الذي حمد (عند النبي فشمت) بالمعجمة وللسرخسي
بالمهملة، وتقدم الخلاف هل هما بمعنى وهو الدعاء بخير أو
أن بينهما فرقاً، وأن الذي بالمهملة من الرجوع: أي رجع كل
عضو منك إلى سمته الذي كان عليه لتحلل أعضاء الرأس والعتق
بالعطاس، والذي بالمعجمة من الشوامت جمع شامتة وهي
القائمة: أي صان الله شوامتك: أي قوائمك التي بها قوام
بدنك عن الخروج عن الإعتدال (أحدهما) وهو الذي حمد (ولم
يشمت الآخر) وهو الذي لم يحمد (فقال الذي لم يشمته: عطس
فلان) كناية عن اسم الرجل العاطس حينئذ (فشمته وعطست فلم
تشمتني) أي فهو سؤال عن حكمة الإتين به مع الأول وتركه معه
(فقال هذا) أي الذي شمته (حمد الله) فاستأهل الدعاء له
لاشتغاله بالذكر وعدم إهماله ذلك ففيه إكرام من صنع طاعة
(وإنك لم تحمد الله) فكان حقك أن تترك كما تركت الذكر
فالجزاء من جنس العمل، وإنما أكد مع أنه إنكار منه لعدم
مجيئه بالحمد لما قد يومىء إليه سؤاله من التأهيل له إنما
يكون بالحمد، وقد قالت علماء البلاغة: وقد ينزل غير المنكر
منزلة المنكر
(6/359)
فيتلقى بالمؤكد، وأومأ هذا الحديث إلى ما
صرح به ما قاله أنه لا يشمت من لم يحمد الله وإن أتى بنحو
تسبيح أو تحميد أو تهليل وهو كذلك. وفي «معالم السنن»
للخطابي حكى عن الأوزاعي أنه عطس رجل بحضرته فلم يحمد
الله، فقال له الأوزاعي: كيف تقول إذا عطست، فقال أقول
الحمد لله، فقال له يرحمك الله: وإنما أراد بذلك أن يستخرج
منه الحمد ليستحق التشميتالله. هـ. (متفق عليه) قال الحافظ
المزي: أخرجه البخاري في الأدب من «صحيحه» ومسلم في آخر
الكتاب، ورواه أيضاً أبو داود في الأدب من «سننه» والترمذي
في الاستئذان من «جامعه» وقال: حسن صحيح، والنسائي في
اليوم والليلة، وابن ماجه في الأدب من «سننه» اهـ ملخصاً.
5882 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله
إذا عطس وضع بده أو) شك من الراوي ويحتمل أنها للتنويع أي
كان تارة يضع يده وتارة (ثوبه على فيه) لئلا يخرج منه شيء
من بصاق أو مخاط فوضع ما ذكر على فيه لئلا يؤذي جليسه بما
يبرز منه ولو لوى عنقه صيانة لجليسه لم يأمن من الالتواء
كما شاهدنا من وقع له ذلك (وخفض أو غض بها صوته) قال ابن
العربي: الحكمة في خفض الصوت بالعطاس أن في رفعه إزعاجاً
للأعضاء، وقد روى من حديث عبادة بن الصامت وشداد بن أوس
مرفوعاً؟ إذا تجشى أحدكم أو عطس فلا يرفع صوته بهما، فإن
الشيطان يحبّ أن يرفع بهما صوت أورده السيوطي في «الجامع
الصغير» (شك الراوي) أي قال، خفض أو قال غض، وهل قال وضع
يده أو قال ثوبه (رواه أبو داود) في الأدب من «سننه»
(والترمذي) في الاستئذان من «جامعه» وقال: حديث حسن صحيح.
(6/360)
6883 - (وعن أبي موسى رضي الله عنه قال:
كان اليهود يتعاطسون) الظاهر أن التفاعل فيه للتكلف: أي
يظهرون العطاس بالإتيان بصوت يشبهه أو يتسببون له بنحو كشف
الرأس (عند رسول الله يرجون) جملة حالية من الواو: أي
يؤملون (أن يقول لهم يرحمكم الله) لتعود عليهم بركة دعائه
بها فإنهم كانوا يعلمون باطناً نبوته ورسالته وإن أنكرو
ظاهراً حسداً وعناداً (فيقول لهم) من مزيد فضله ولا يحرمهم
بركة حضرته وثمرة الجلوس بين يديه (يهديكم الله) أي يدلكم
على الهدى لتهتدوا، ولو أراد يوصلكم إلى الهدى لآمنوا
واهتدوا (ويصلح بالكم) أي ما يهتم به من أمر الدين وذلك
بأن يرشدهم إلى الاسلام ويزينه لهم ويوفقهم له (رواه أبو
داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح) .
7884 - (وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول
الله إذا تثاوب) تقدم أنه عند مسلم بالواو (أحدكم فليمسك
بيده على فيه) وفي نسخة فمه بالميم وذلك كراهية صورة
التثاؤب المحبوبة للشيطان (فإن الشيطان يدخل فيه) أي في
الإنسان عند انفتاح فمه حال التثاؤب فيمنعه من ذلك بوضع
اليد على الفم سداً لطريقه ومبالغة في منعه وتعويقه (رواه
مسلم) وأشار السيوطي في «الجامع الصغير» إلى أن البخاري
أخرجه أيضاً، وقد أخرجه أحمد وأبو داود بلفظ «فإن الشيطان
يدخل من التثاؤب» وعند ابن ماجه من حديث أبي هريرة بلفظ
«إذا تثاوب أحدكم فليضع يده على فيه، ولا يعوي فإن الشيطان
يضحك منه» .
(6/361)
143 - باب استحباب المصافحة
قال السيوطي: هي مفاعلة من الصفحة والمراد بها الإفضاء
بصفحة اليد إلى صفحة اليد قال الكرماني: وهو مما يؤكد
المحبة (وبشاشة الوجه) قال في «النهاية» : بشاشة اللقاء
الفرح بالمرئى والانبساط إليه والأنس به (عند اللقاء) ظرف
تنازعه كل من المصدرين المذكورين قبله (وتقبيل يد الرجل
الصالح) إعظاماً له لصلاحه لا لأمر دنيوي قام به (وتقبيل
ولده) ولو كبيراً (شفقة) مفعول له والشفقة هي الحنو والعطف
(ومعانقة القادم من سفر) أي ما لم يكن أمرد جميلاً غير
محرم له (وكراهة الانحناء) أي ثنى الرجل قامته عند اللقاء.
1885 - (وعن أبي الخطاب قتادة) هو ابن دعامة السدوسي أبو
الخطاب البصري (قال: قلت لأنس: أكانت المصافحة في أصحاب
النبي) الظرف مستقر: أي كانت موجودة فيما بينهم أي وذلك
معيار كونها مشروعة لأن الاجتماع السكوتي حجة (قال نعم.
رواه البخاري) في الاستئذان.
2886 - (وعن أنس رضي الله عنه قال: لما جاء أهل اليمن)
لعلهم أصحاب أبي موسى الأشعري (قال رسول الله: قد) للتخفيف
(جاء أهل اليمن وهم أول من جاء بالمصافحة. رواه أبو داود
بإسناد صحيح) وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» أيضا لكن
قال: أول من أظهر المصافحة، ورواه ابن وهب في «جامعه» .
(6/362)
3887 - (وعن البراء رضي الله عنه قال: قال
رسول الله: ما) يحتمل كونها حجازية دخلت من المزيدة
تأكيداً على اسمها ويحتمل كونها تميمية، وعلى كل فالجملة
الفعلية خبر (من مسلمين يلتقيان فيتصافحان) أي عقب
الملاقاة من غير توان كما تومىء إليه الفاء (إلا غفر)
بالبناء لما لم يسم فاعله ونائب فاعله قوله (لهما) والذي
يكفر بالأعمال الصالحة صغائر الذنوب المتعلقة بحق الله
سبحانه (قبل أن يتفرقا) ففيه تأكيد أمر المصافحة والحث
عليها، نعم يستثنى من عموم الأمر بالمصافحة المرأة
الأجنبية والأمرد الحسن (رواه أبو داود) في الأدب، ورواه
أيضاً أحمد والترمذي وصححه وابن ماجه والضياء كذا في
«الجامع الصغير» ، زاد في «الجامع الكبير» قال الترمذي:
حسن غريب، وفي «الجامع الكبير» من حديث أنس مرفوعاً «ما من
مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه إلا كان حقاً على
الله عز وجل أن يحضر دعاءهما ولا يفرق أيديهما حتى يغفر
لهما» الحديث، وقال: أخرجه أحمد وأبو داود.
4888 - (وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رجل) لم أفق على من
سماه (يا رسول الله الرجل منا يلقي أخاه) أي من المؤمنين
(أو صديقه) أي من الأقرباء والمعارف (أينحني له؟ قال لا)
ومن البدع المحرمة الانحناء عند اللقاء بهيئة الركوع، قال
ابن الصلاح: يحرم السجود بين يدي المخلوق على وجه التعظيم
وإن قصد بسجوده الله تعالى، وما ذكره الله تعالى من قوله
في أخوة يوسف وخروا له سجداً فذلك شرع من قبلنا وهو ليس
بشرع لنا إلا إن جاء تقريره في شرعنا فيعمل بذلك التقرير
(قال) أي الرجل (أفيلتزمه ويقبله) أي أيترك ما ذكر من
الانحناء فيلتزمه بالمعانقة ويقبله في بدنه (قال لا) أي لا
يشرع ذلك، نعم تشرع المعانقة عند ملاقاة غائب من سفر ما لم
يكن امرأة أجنبية أو أمرد جميلاً (قال) أي الرجل (فيأخذ
بيده)
(6/363)
حذفت همزة الاستفهام لدلالة وجودها في
قرينة عليها: أي أيترك ما ذكر من الانحناء والالتزام
والتقبيل فيأخذ بيده، ومفعول يأخذ محذوف: أي يده بيده
(ويصافحه) أي يقضي بصفحة يده إلى صفحة يد صاحبه (قال نعم
رواه الترمذي وقال حديث حسن) .
5889 - (وعن صفوان) بفتح المهملة وسكون الفاء (انب عسال
بفتح المهملة الأولى وتشددي الثانية قال في أسد الغابة: هو
من بني الريض بن زاهر بن عامر بن عوثبان بن مراد رضي الله
عنه) سكن الكوفة وغزى مع النبي اثنتي عشرة غزوة، روى عنه
ابن مسعود وزر بن حبيش في آخرين اهـ. وتقدمت ترجمته في باب
التوبة (قال: قال يهودي) لم أقف على من سماه (لصاحبه) أي
ليهودي آخر (ذهب بنا إلى هذا النبي) أي ليتبينوا بعض
معجزاته الدالة على نبوته ورسالته (فأتيا رسول الله) بقصد
السؤال له ولذا قال (فسألاه عن تسع آيات بينات) قال
الطيبي: كان عند اليهود عشر كلمات تسع منها مشتركة بينهم
وبين المسلمين وواحدة مختصة بهم، فسألوا عن التسع المشتركة
وأضمروا ما كان مختصاً بهم، فأجابهم النبي عما سألوه وعما
أضمروه ليكون أدلّ على معجزاته (فذكره) أي الحديث ولفظه
عند الترمذي «فقال لهم لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا،
ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا
تمشوا ببرىء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا
الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولوا الفرار يوم الزحف،
وعليكم خاصة أيها اليهود ألا تعدوا في السبت» (إلى قوله)
متعلق بمحذوف: أي وانتهى في ذكره إلى قوله (فقبلوا) أي
اليهود والحاضرون مع السائلين (يده ورجله) كذا في نسخ
«الرياض» بأفراد كل من «يده ورجليه» ووقفت عليه في أصل
مصحح من الترمذي بتثنيتهما والله أعلم (رواه الترمذي) في
الاستئذان والتفسير من «جامعه» (وغيره) فرواه النسائي في
السير والمحاربة في «سننه» ، ورواه ابن ماجه في الأدب
(بأسانيد صحيحة) فرواه الترمذي في
(6/364)
الاستئذان عن أبي كريب عن ابن إدريس وأبي
أسامة، وفي التفسير عن محمود بن غيلان عن أبي داود ويزيد
بن هرون وأبي الوليد خمستهم عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد
الله بن سلمة عن صفوان، وقال الترمذي: حسن صحيح. ورواه
النسائي عن كريب وأبي قمامة كلاهما عن ابن إدريس
به، وأعاده في المحاربة عن أبي كريب، ورواه ابن ماجه في
الأدب عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ابن إدريس وغندر وأبي
أسامة ثلاثتهم عن شعبة، وبه يعلم أن مراد المصنف من تعدد
الأسانيد باعتبار مبتداه لا باعتبار منتهاه والله أعلم.
6890 - (وعن ابن عمر رضي الله عنهما قصة) بالنصب على
الحكاية، أن في أبي داود عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال
«إن ابن عمر حدثه وذكر قصة» وتلك القصة رواها أبو داود في
أواخر كتاب الجهاد فقال عن أبي ليلى أن ابن عمر حدثه «أنه
كان في سرية من سرايا رسول الله، قال: فحاص الناس حيصة
فكنت ممن حاص، فلما برزنا قلنا: كيف نصنع وقد فررنا من
الزحف وبؤنا بالغضب؟ فقلنا لدخل المدينة فننسل منها لذهب
فلا يرانا أحد، قال: قال فدخلنا فقلنا لو عرضنا أنفسنا على
رسول الله فإذا كانت لنا توبة أقمنا وإن كان غير ذلك
ذهبنا، قال: فجلسنا لرسول الله قبل صلاة الفجر، فلما خرج
قمنا إليه فقلنا: نحن الفارّون، فأقبل إلينا فقال: بل أنتم
الكارّون» وباقيه ما ذكره المصنف بقوله (قال) أي ابن عمر
(فيها فدنونا من النبي فقلبنا يده) فقال: إنا فئة المسلمين
(رواه أبو داود) مختصراً في كتاب الأدب كما ذكره المصنف
ومطولاً في الجهاد، ورواه الترمذي في الجهاد بمعناه وقال:
حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد، ورواه ابن ماجه في
الادب بلفظ قبلنا يد النبي.
7891 - (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم زيد بن حارثة
المدينة ورسول الله في بيتي) جملة حالية رابطها الواو
(فأتاه) الضمير المستكن لزيد والبارز لرسول الله: أي
(6/365)
قصد زيد النبي، ففيه استحباب قصد القادم
أول قدومه من يتبرك به (فقرع الباب) فيه الاستئذان بغير
اللفظ، وقد عقد له أبو داود في «سننه» باباً فقال باب
الاستئذان بالفرع (فقام إليه النبي) أي بعد أن علمه بالوحي
أو بالإلهام أو بالفراسة الصادقة وجملة (بحر ثوبه) في محل
الحال، والمراد الإشارة إلى مزيد الإسراع كما جرت به عادة
المحب إذا شعر بوصول من يحب فلم يصبر إلى أن يضع نوبه
موضعه من بدنه بل خرج به يجره (فاعتنقه وقبله) فيسن فعل
ذلك مع القادم إلا إن كان ممن يخشى من فعل ذلك معه الفتنة
كالأجنبي من امرأة وأمرد جميل (رواه الترمذي) في الإستئذان
(وقال: حديث حسن) .
8892 - (وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله:
لا تحقرن) بصيغة خطاب الواحد، وهو إن كان كذلك إلا أن
الحكم شامل له ولجميع الأمة لقوله «حكمي على الواحد من
أمتي حكمي على الجماعة» أو كما قال: ومحل ذلك ما لم يقم
دليل التخصيص وإلا كإجزاء عناق المعز لأبي بردة في الأضحية
وإباحة النياحة لأم عطية فلا يتعدى محله (من المعروف
شيئاً) وإن قل (ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق) أن ومنصوبها
في محل الفاعل لفعل محذوف على الراجح: أي ولو كان: أي وجد
لقاؤك أخاك بوجه طليق، والواو الداخلة على الجملة الوصلية
جرى البيضاوي وغيره أنها واو الحال والجملة بعدها منصوبة
على ذلك، وقيل عاطفة على مقدر، والحديث سبق مع شرحه في باب
استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه وغيره (رواه مسلم) .
9893 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبل النبي الحسن
بن علي) ففيه استحباب
(6/366)
تقبيل الأطفال شفقة ورحمة (فقال الأقرع بن
حابس) بالمهملة وبعد الألف موحدة التميمي (إن لي عشراً)
كذا في الأصل بحذف الهاء ولعله لتأويل الولد بالنفس (من
الولد) بفتحتين قال في «المصباح» : هو كل ما ولده شيء يطلق
على الذكر والأنثى والمثنى والمجموع فعل بمعنى مفعول وهو
مذكر وجمعه، أولاد الولد وزان وقيل لغة فيه، وقيس تجعل
المضموم جمعاً للمفتوح كأسد جمع أُسد اهـ (ما قبلت منهم
أحداً) وذلك لجفاء الأعراب وسكان البوادي وفي الحديث «من
بدا فقد جفا» (فقال النبي: من لا يرحم) بالبناء للفاعل
وحذف المفعول للتعميم (لا يرحم) بالبناء للمفعول: أي إن
انتفاء ذلك دليل على قسوة القلب وفقد الرحمة منه للخلق،
ومن انتفت منه رفعت عنه والجزاء من جنس العمل (متفق عليه)
وقد سبق الحديث في باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم
والشفقة والرحمة لهم.
(6/367)
|