شرح ابن ماجه لمغلطاي

59- باب التيمّم
حدثنا محمد بن رمح ثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن
عبد الله عن عمار بن ياسر أنه قال: " سقط عقد لعائشة، فتخلّفت لالتماسه،
فانطلق أبو بكر إلى عائشة فيغبط عليها في حبسها الناس، فأنزل الله تعالى
الرخصة في التيمم، قال: فمسحنا يومئذ إلى المناكب، قال: فانطلق أبو بكر
إلى عائشة فقال: ما علمت أنك لمباركة " (1) . هذا حديث إسناده منقطع؛ لأن
عبيد الله بن عبد الله لا يدرك عمارا يدل عليه ما رواه ابن ماجة بعد هذا. أنبأ
محمد بن أبي عمر العدني ثنا سفيان عن عمرو عن الزهري عن عبيد الله عن
أبيه عن عمار قال: " تيممنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المناكب " (2) - وفي كتاب
المعرفة لأبي بكر رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري ثم سمعه من
الزهري فرواه عنه فكان يقول أحيانا: عن أبيه عن عمار، وأحيانا لا يقول عن
أبيه قال على بن المديني: قلت لسفيان: عن أبيه عن عمار قال: أشكّ في أبيه؟
قال علي: كان إذا أنبأ لم يجعل عن أبيه. ورواه الشافعي عن الثقة عن معمر
عن الزهري، فذكر أباه، ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن معمر فلم يذكره،
واختلف فيه على الزهري فقيل: عنه عن أبيه، وقيل: عنه دون ذكر أبيه ورواه
صالح بن كيسان عند أبي (3) داود عن الزهري حدثني عبيد الله عن ابن
عباس عن عمار: " أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرس بأولات الجيش ومعه عائشة،
فانقطع عقد لها من جزع ظفار فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى/أمّنا
الفجر، وليس مع الناس ماء فيغيط عليها أبو بكر وقد حبست الناس، وليس
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجه في: 90- باب ما جاء في السبب " أبواب التيمم " من " كتاب
الطهارة "، (ح/565) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) المصدر السابق، (ح/566) .
(3) حسن. رواه أبو داود (320) والنسائي (الطهارة، باب " 196 ") وأحمد (4/264) .
قوله: " عرس " نزل ليلا ليستريح، و" الجزع " - بفتح الجيم وسكون الزاي- خرز يمني،
و" ظفار " - بكسر الظل أو فتحها- مدينة بسواحل اليمن.

(1/680)


معهم ماء؛ فأنزل الله تعالى رخصة التطهير بالصعيد الطيّب، فقام المسلمون مع
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضربوا بأيديهم الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم ينفضوا من
التراب شيئا فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى
الأباط ". قال أبو داود: زاد ابن يحيى في حديثه عن ابن شهاب ولا يعتبر
الناس هذا، قال أبو داود: وكذلك رواه ابن إسحاق- يعني: عن الزهري-
قال فيه: عن ابن عباس، وذكر ضربتين كما ذكره يونس ورواه معمر ضربتين،
وقال مالك: عن الزهري عن عبيد الله عن أبيه عن عمار، وكذلك قال أبو
أوس وشك فيه ابن عيينة قال مرة: عن عبيد الله عن أبيه أو عن عبد الله بن
عباس: اضطرب فيه. ومرة قال: عن أبيه. ومرة قال: عن ابن عباس اضطرب
فيه وفي سماعه من الزهري شك، ولم يذكر أحد منهم الضربتين من جهة
يونس عن ابن شهاب عن عبد الله عن عمار بلفظ: " فأمر المسلمين فضربوا
بأكفهم التراب ولم ينقضوا من التراب شيئا فمسحوا وجوههم مسحة واحدة،
ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا أيدهم ". وفي قول أبي
داود: ولم يذكر أحد منهم- يعني: من الرواة عن الزهري- إلا من سمت
نظر؛ لأن ابن أبي ذئب رواه عنه، كذلك أنبأ بحديثه أبو العباس أحمد بن
وهب الشافعي أنبأ أبو الحسن بن سلامة أنبأ أحمد بن محمد البصري أنبأ
القاسم بن أحمد الأصبهاني أنبأ الحافظ أبو بكر بن مردويه ثنا عبد الله بن
إسحاق البغوي ثنا أحمد بن ملاعب ثنا عبد الصمد بن النعمان ثنا ابن أبي
ذئب به، وفي كتاب اللخمي قال سفيان: فرأيت إسماعيل بن أمية جاء
إلى الزهري فسأله عن هذا الحديث فأبا أن يحدثه، وقال: لم أسمعه إلا من
عبيد الله بن عبد الله فانظروا هل تجدونه من جانب آخر، ولما سأل ابن أبي
حاتم أباه وأبا زرعة عن حديث صالح بن كيسان وعبد الرحمن بن إسحاق
عن الزهري عن عبد الله عن ابن عباس عن عمار/في التيمم فقالا: هذا خطأ
رواه مالك وابن عيينة عن الزهري عن عبد الله عن أبيه عن عمار وهو
الصحيح، وهما أحفظ، قلت: قد رواه يونس وعقيل وابن أبي ذئب عن
الزهري عن عبيد الله عن عمار وهم أصحاب الكتب فقال مالك: صاحب
كتاب وصاحب حفظ، وأما ما زعمه ابن عساكر والمزي من أن ابن ماجة

(1/681)


خرج في سننه عن محمد بن أبي عمر عن سفيان عن عمرو عن الزهري عن
عبيد الله عن أنس عن عمّار به فغير صحيح؛ لأني لم أجده في كتابه، وفي
التمهيد كل ما يروى عن عمّار في هذا مضطرب مختلف فيه وأكثر الآثار
المرفوعة عنه ضربه واحدة للوجه واليدين، وفي سؤالات أحمد بن أبي عبدة
قال أحمد في حديث عمّار: هذا أثبت عندي، وقال عبد الحق: الصحيح
المشهور في صفة التيمم من تعليم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنّما هو للوجه والكفين. وأقرّه
على ذلك أبو الحسن؛ بل نظرته، وكذا قاله ابن الجهار في المدارك، وقال
إسحاق فيما ذكره أبو عيسى (1) : حديث عمار الوجه والكفين حديث صحيح
وحديثه: " تيممنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المناكب والآباط " (2) ليس هو بمخالف
لحديث الوجه والكفين؛ لأنّ عمارا لم يذكر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم بذلك، وإّنما
قال: فعلنا كذا وكذا فلما سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بالوجه والكفين، ففي هذا
دلالة أنه انتهى إلى ما علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال الإمام الشّافعي: ولا يجوز على
عمار إذ ذكر تيممهم مع (3) النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند نزول الآية إلى المناكب إن كان
عن أمره عليه السلام إلا أنه منسوخ عنده إذ روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أنه أمر
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 110- باب ما جاء في التيمم، (ح/
144) وقال: " حديث عمار حديث حسن صحيح ".
ورواه للدارمي (1/190) وأحمد في المسند (4/263) وأبو داود (1/128) وابن الجارود
) ص 67) والبيهقي (1/210) كلهم من طريق قتادة. قال الدارمي بعد روايته: " صح
إسناده ".
وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبد الرحمن بن أبزي قال: " جاء رجل إلى
عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب:
أما تذكر ألا كنا في سفر أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت فصليت، فذكرت
ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما كان يكفيك هكذا، وضرب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكفيه الأرض
ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه ". اللفظ للبخاري، وانظر فتح الباري (1/375-
377) .
(2) انظر: سن الترمذي) ص 270 ج 1 بعد الحديث السابق. ورواية التيمم إلى المناكب
والآباط عند أبي داود والنسائي وابن ماجة. وانظر نصب الراية (1/81) .
(3) قوله: " مع " وردت " بالأصل " " وسعى " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه من
" الثانية ".

(1/682)


بالتيمم على الوجه والكفين " أو يكون لم يرو عنه إلا تيمما واحدا فاختلف
رواية عنه فيكون رواية ابن الصمة التي لم يختلف أثبت، وإذا لم يختلف
فأولى أن يؤخذ بها؛ لأنها أوفق لكتاب الله تعالى من الروايتين اللتين رويتا
مختلفتين أو يكون إنما سمعوا آية التيمّم عند حضور صلاة فتيمموا فاحتاطوا
على غاية ما يقع عليه اسم اليد؛ لأنّ ذلك لا يضرهم كما لا يضرهم لو/
فعلوه في الوضوء فلما صاروا إلى سؤاله عليه السلام أخبرهم أنّهم يجزيهم من
التيمم أقلّ ما فعلوه وهذا أولى المعاني عندي برواية ابن شهاب من حديث
عمار ما وصفت من الدلائل، والله تعالى أعلم. وقال ابن أبي حاتم سألت أبي
عن اختلاف حديث عمار في التيمم وما الصحيح منها فقال: رواه الثوري عن
سلمة عن أبي مالك الغفاري عن عبد الرحمن بن أبزى عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
ورواه مسعد عن الحكم عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمار
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورواه شعبة عن سلمة عن ذر عن عبد الرحمن عن أبيه عن
عمار عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورواه حصين عن أبي مالك سمعت عمارا يذكر التيمم
موقوفا قال: أتى الثوري أحفظ بن شعبة قلت لأبي: فحديث حصين عن أبي
مالك قال الثوري: أحفظ، ويحتمل أن يكون سمع أبو مالك من عمّار كلاما
غير مرفوع، وسمع مرفوعا من عبد الرحمن بن أبزى عن عمار عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
القصة، وفي كتاب ابن أبي حازم حديث عمار لا يخلوا إمّا أن يكون عن
أمره عليه السلام أو لا، فإن لم يكن عن أمره فقد صحّ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلافه،
ولا حجة لأحد مع كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحق أحق أن يتبع فإن كان عن أمره
فهو منسوخ وناسخه أيضا حديث عمار- يعني: المذكور في الصحيح،
مرفوعا: " إنما كان يجزيك.. وضرب عليه الصلاة والسلام بيده الأرض إلى
التراب، ثم قال: هكذا يتضح منها فمسح وجهه ويديه إلى المفصل " (1) ، وليس
فيه الذراعان، وهذا الحديث ظاهر الدلالة في النسخ لتأخّره عن الحديث الأوّل،
فإن قيل: فلو كان عمار حفظ التيمم في أوّل الأمر، وكان الثّاني بعد الأوّل
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/112) وأبو داود (326) وابن خزيمة (269،
270) والفتح (1/444) والدارقطني (1/180) وأبو عوانة (1/305) والنسائي (1/
170) وأحمد (4/264، 265، 396) ومعاني (1/112) .

(1/683)


كما زعمتم لما اضطر عمار إلى التمرغ في التراب، قلت: إنّما أشكل الأمر على
عمر وعمار لحصول الجنابة فاعتزل عمر وتمعك عمار ظنّا منه أنّ حالة الجناية
يخالف حالة الحدث الأصغر، إذ ليس في الحديث الأوّل ما يدلّ على أنّ القوم
كانوا قد أصابتهم جنابة وهم على غير ماء فاحتاجوا إلى الوضوء فأمروا
بالوضوء،/ولفظ الدارقطني (1) في حديثه، إذ سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما تمرغ في
الصعيد كالدابة وضرب بكفه ضربة إلى الأرض ثم نفضها وقال: " تمسح بها
وجهك وكفيك إلى الرسغين "، وقال: لم يروي عن حصين مرفوعا غير إبراهيم
ابن طهمان وأوقفه شعبة وزائدة وغيرهما، ورواه أبو بكر الأثرم ثم يمسح
بوجهك وكفيك إلى الرسغين من رواية إبراهيم عن حصين، وفي لفظ
لمسلم (2) : " ثم تمسح بهما وجهك وكفيك". وفي لفظ لابن ماجة (3) : " فضربوا
بأكفهم التراب ولم يقبضوا من التراب شيئا فمسحوا وجوههم مسحة واحدة،
ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصّعيد مرة أخرى، فمسحوا بأيديهم ". وفي لفظ
لأبي (4) داود: " ثم مسح وجهه والذراعين لما نصف الساعد ولم يبلغ المرفقين
ضربة واحدة ". وفي رواية شكّ سلمة بن كهيل فقال: لا أدرى فيه إلى
المرفقين يعني: أو إلى الكعبين. وقال شعبة: كان سلمة يقول: الكفين والوجه
والذراعين، فقال لهما منصور ذات يوم: انظر ما يقول؛ فإنّه لا يذكر الذراعين
غيرك. وقال الطبراني في الأوسط (5) : لم يروه عن الحكم ابن علية إلا سليمان
ابن أبي داود. تفرد به محمد بن سليمان فرجع إلى أبي داود، وفي رواية؛ لأنه
لم ينفع وفي رواية: " سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن التيمم فأمرني به واحدة للوجه
والكفين ". وفي كتاب الدارقطني إلى المرفقين قال الحربي: فذكرته لأحمد بن
__________
(1) صحيح. رواه الدارقطني: (1/180) .
(2) صحيح. رواه مسلم في: 3- كتاب الحيض، 28- باب التيمم، (ح/112) .
(3) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 92- باب في التيمم ضربتين، (ح/ 571) .
وصححه الشيخ الألباني.
(4) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 121- باب التيمم، (ح/ 322) .
(5) قوله: في " الأوسط" غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(1/684)


حنبل فعجب منه وقال: ما أحسنه. وفي رواية لأبي داود قال: المرفقين، وفي
إسناد هذه الرواية رجل مجهول، قال أبو القاسم في الأوسط: لم يرو هذا
الحديث عن أبان بن يزيد العطار إلا عفّان، وقال أبو محمد بن حزم: والأخبار
الثابتة كلها عن عمار خلاف هذا فسقط هذا الجزء. وفي لفظ النسائي: " ثم
ضرب بيده على الأرض ضربة واحدة فمسح كفيه ثم نفضهما.، ثم ضرب
بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله، وعلى وجهه وكفيه " (1) . وفي المعرفة
قال الشافعي: ولو أعلمه رأينا- يعني: الوجه والكفين- لم أعده ولم أشك
فيه، وفي الأوسط لابن مطير: ثنا محمد بن نوح بن حرب ثنا يحيي بن غيلان
ثنا إبراهيم بن محمد الأسلمي عن عتبة/بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن
سلمة بن كهيل عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أمه عن عمار أنه
أصابته جنابة وليس معه ماء، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما يكفيك أن تمسح
وجهك وكفيك بالتراب ضربة للوجه وضربة للكفين ". وقال: لم يروه عن ابن
عميس عتبة بن عبد الله إلا إبراهيم بن محمد: وفي المعجم الكبير له: وضربة
لليدين إلى المنكبين ظهرا وبطنا، وفي لفظ: " ومن بطون أيديهم إلى الآباط "،
وفي لفظ: " إلى المناكب والآباط "، وفي لفظ: " إنما كان يكفيك من ذلك
التيمم " فإذا قدرت على الماء اغتسلت (2) .. وفي لفظ غريب في الإبل:
" فأجنبت فأمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أتيمّم، وكنت تمعكت في التراب حتى
أجنبت ". رواه عن أحمد بن الخضر المروزي ثنا محمد بن منده المروزي ثنا أبو
معاذ النحوي الفضل بن خالد ثنا أبو حمزة السكرى عن رقبة عن أبي إسحاق
عن ناجية بن كعب عنه وهو غير حديثه الذي في الصحيح؛ لأنّ ذاك وهو في
غزاة والله أعلم. وفي كتاب الكنى للنسائي أنه قال لعمر: " أما تذكر أنا كنّا
نتناوب رعية الإبل فأجنبت. " (3) الحديث. وفي كتاب البيهقي: " أجنبت في
الرمل فتمعكت ... " (4) الحديث. وفي حديث عبد الله بن عمر: " سلّم رجل
__________
(1) راجع الحديث الأول من هذا الباب ص 681.
(2) رواه البيهقي في " الكبرى ": (1/220) .
(3) رواه أبو داود: (ح/322) .
(4) رواه البيهقي في " الكبرى ": (1/216) .

(1/685)


على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سكة من السكك وقد خرج من غائط أو بول فسلم عليه فلم
يرد عليه حتى إذا كاد أن يتوارى ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه
ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه ثم رد على الرجل السلام ". رواه أبو
داود (1) من حديث محمد بن ثابت العبدي عن نافع عنه، وقال في كتاب
التفرّد: لم يتابع أحد محمد ابن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي-
عليه السلام- ورووه عن ابن عمر، ورواية أبي الجهم نحو حديث ابن الهادي
عن نافع عن ابن عمر ورواه أيوب بن مالك، وعبيد الله، وقيس بن سعد،
ويونس، وابن أبي داود عن نافع عن ابن عمر: " أنه يتيمم ضربتين للوجه "، قال
أبو داود:/جعلوه يقل ابن عمر، وسمعت أحمد يقول: روى محمد بن ثابت
حديثا منكرا في التيمم أثر كلامه وفيه نظر؛ من حيث أنّ حديث ابن أبي
داود مرفوع لا موقوف ذكره الشيرازي في الألباب فقال: ثنا أبو عمرو ثنا
محمد بن إبراهيم ثنا موسى بن سعيد بن النعمان بن حسان الدرداني ثنا أبو
حذيفة موسى بن مسعود ثنا ابن أبي رواد به بلفظ: " التيمم ضربتان ضربة
للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين ". وقال الطبراني في الأوسط: لم يروه بهذا
التمام عن نافع إلا العبدي. وقال أبو أحمد بن عدي: خالف العبدي عبيد الله
وأيوب والناس فقالوا: عن نافع عن ابن عمر فعله. وقال الخطابي: هذا حديث
لا يصح؛ لأن محمدا ضعيف جدا لا يحتج بحديثه. وقال أبو بكر في كتاب
المعرفة: رواه جماعة من الأئمة عن العبدي منهم يحيى بن يحيى ومعلى بن
منصور وسعيد بن منصور وغيرهم. وقال مسلم بن إبراهيم في رواية موسى بن
الحسن بن عباد عنه: ثنا محمد بن ثابت العبدي وكان صدوقا وابن معين لم
ير به بأسا في رواية عثمان الدارمي عنه، وأنكر البخاري رفع هذا الحديث
ورفعه غير منكر فقد روى الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر- يعني:
الذي في صحيح مسلم- قصة السلام مرفوعة إلا أنه قصر ثنا مسلم بذكر
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 122- باب التيمم في الحضر، (ح/
330) . ورواه الحاكم (1/179) والمجمع (1/262) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " وفيه
علي بن ظبيان ضعفه يحيي بن معين فقال: كذاب خبيث وجماعة، وقال أبو علي النيسابوري:
لا بأس به. والدارقطني (1/180) .

(1/686)


التيمم، ورواه يزيد بن عبد الله بن الهاد عن نافع عن ابن عمر فذكر قصة
السلام، وذكر قصة التيمم إلا أنّه قال: ثم مسح وجهه ويديه كما روى يحيى
بن بكير عن الليث في حديث ابن عبد الصمد وإنّما تفرد العبدي من هذا
الحديث فذكر الذراعين فيه دون غير، وتيمم ابن عمر ورضاه بذلك يؤكد
رواية العبدي، وشهد له بالصحة فقد صار هذه الشواهد معلوما أنه روى قصة
السلام والتيمم، وهؤلاء يخالف النبي فيما يروى عنه فتيمّمه على الوجه
والذراعين إلى المرفقين يدلّ على أنّه حفظه من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنّ العبدي حفظه
من نافع، أنبأ أبو سعيد أنبأ أبو العباس أنبأ الربيع أنبأ الشافعي أنبأ مالك عن
نافع أنه أقبل هو وابن عمر من الجرف حتى إذا كان بالمربد نزل فتيمّم
متعبدا،/فمسح بوجهه ويديه إلى المرفقين، ثم صلى. وروى عُبيد الله ويونس
عن نافع عن ابن عمر أنّه كان يقول: " التيمم ضربتان، ضربة للوجه وضربة
للكفين إلى المرفقين " (1) . قال: ورويناه أيضا عن جابر مرفوعا: " التيمم ضربة
للوجه وضربة للكفين إلى المرفقين " (2) انتهى كلامه. وفيه نظر من وجوه:
الأوّل: حديث العبدي الذي بآداب نفسه في تقويته بما لم يجد شيئا وإن كان
له من وثّقه، وأبو الحسن البصري فيما ذكره أبو الغرب، وقال ابن بريدة: قد
صحّ معنى ذلك من حديث ابن عباس وغيره لما ذكره أبو حاتم وسأله ابنه عن
حديثه فقال: هذا خطأ إنّما هو موقوف. وقال أبو محمد الفارسي: إنّما رواه-
يعني: حديث ابن عمر العبدي- وضعيف هو لا يحتج به. وسأل أبو طالب
الإمام أحمد عنه فقال: هو رجل بصرى سمعت له نحو عشرين حديثا منكر.
__________
(1) ضعيف جدا. رواه الحاكم (1/179) والمجمع (1/262) وتلخيص (1/151) والمنثور
(2/167) وابن كثير (2/280) والدارقطني (1/180) والعلل (136، 137) وضعفه
الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص 370، ح/2519) 0 انظر: ضعيف أبي داود
(58) ، والضعيفة (ح/3427) .
(2) ضعيف جدا. رواه البيهقي (1/207) والطبراني (8/297) والمجمع (1/262) والمسير
(2/95) ونصب الراية (1/15، 151، 155) والدارقطني (1/181، 183) .
وضعفه الشيخ الألباني: (ضعيف الجامع: ص 370، 2518- 703) . وانظر: (الضعيفة،
ح/3427) .

(1/687)


وقال مهنأ: سألت أحمد عن هذا الحديث فقال: ليس بصحيح إنما هو عن ابن
عمر فعله، قال: وسألته عن العبدي فقال: كان يخرط في حديث عن ابن
عمرو، قال أبو داود: سمعت أحمد يقول العبدي ليس به بأس ولكن روى
حديثا منكرا في التيمم لا يتابعه عليه أحد. وقال معاوية بن صالح: سمعت
يحيى يقول: العبدي ليس به بأس منكر عليه حديث ابن عمر في التيمم لا
غير، وفي رواية ابن أبي خيثمة عنه: ليس بالقوى وفي رواية: ضعيف، قال
الدوري: قلت: أليس قلت مرة: ليس به بأس؟ قال: ما قلت هذا قط. وقال
العقيلي: هذه الرواية- يعني: الموقوف- أولى وهو الصواب. وحدثني الحسن
قال: سمعت أبا داود السجستاني قال ابن ثابت: ليس بشيء هو الذي يحدّث
بحديث نافع في التيمم. وقال الساجي: روى عن نافع حديث التيمم وخالفه
أيوب وعبد الله قالوا: من فعل ابن عمر، وقال أبو الوليد الداعنى: العبدي
متروك، ولما ذكره أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب الكنى أتبعه رفع حديث
ابن عمر هذا لا غير. وقال أبو زرعة: هذا حديث باطل. الثاني: قوله إنما ينفرد
العبدي من هذا الحديث- يعني: حديث ابن عمر-/فذكر الذراعين صحيح
لما يذكره بعد من رواية الشافعي من شرح السنة البغوي، ولما ذكره أبو عبد الله
في مستدركه شاهدا ثنا أبو جعفر عبد الله ابن إبراهيم ثنا الهيثم بن خالد ثنا
أبو نعيم ثنا سليمان بن الأرقم عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: تيممنا مع
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضربنا بأيدينا على الصعيد الطيب ثم نفضنا أيدينا فمسحنا بها
وجوهنا ثم ضربنا ضربة أخرى ثم نفضنا أيدينا فمسحنا بأيدينا من المرفق إلى
الكف على منابت الشعر من ظاهر وباطن "، ثم قال: هذا حديث مفسر، وإنما
ذكرته شاهدا؛ لأن سليمان ليس من شرط هذا الكتاب، وقد اشترطنا إخراج
مثله في الشواهد، ولفظ الدارقطني في سنه: " وضربة للذراعين إلى المرفقين ".
قال الحاكم: أنبأ حمزة بن العباس العقبى ببغداد ثنا محمد بن عيسى المرايني
ثنا شبابة بن سوار ثنا سليمان بن أبي داود الحراني عن سالم ونافع عن ابن
عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى
المرفقين ". نا سليمان بن أبي داود، وإنّما ذكرناه في الشواهد، ثنا علي بن
عيسى ثنا محمد بن عمرو الحرشي ثنا محمد بن يحيى ثنا علي بن طيبان عن

(1/688)


عبد الله بن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " التيمم ضربتان ضربة
للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين ". ورأوا للشيخان على حديث الحكم عن ذر
عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمر في التيمم ولم يخرجاه
بهذا اللفظ، ولا أعلم أحدا أسنده عن عبيد الله غير علي بن طيبان، وهو
صدوق وقد وثقة يحيى بن سعيد وهشيم وغيرهما، وقد أوقفه مالك في الموطأ
بغير هذا اللفظ غير أنّ شرطي في سند الصدوق الحديث يخرجه، ولما ذكره
الجرجاني في كامله قال: ابن طيبان ضعيف عندهم، وإنّما رواه الثقات موقوفا
على ابن عمر. وقال ابن نمير: بن طيبان يخطئ في حديثه كلّه، وقال يحيى
بن سعيد وابن معين وأبو داود: ليس بشيء. وقال النسائي وأبو حاتم والأزدي:
متروك. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن
حبان: سقط الاحتجاج بأخباره./الثالث: قوله ورويناه أيضا عن جابر من غير
تعرّض من الكلام عليه لعادته حتى نظر من سمعه ضعفه، وعدم بلوغه مرتبة
حديث العبدي لا سيّما من ذكره بعده ولو صدر بذكره لكان أولى من
حديث العبدي لصحبته وعدالة رواته، ورواه الحاكم في مستدركه عن ابن
حماد وابن ماكولا ثنا إسحاق الحربي ثنا أبو نعيم ثنا عروة بن ثابت عن أبي
الزبير عن جابر قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أصابتني جنابة وإنى
تمعكت في التراب " فقال: " اضرب فضرب بيديه الأرض فمسح وجهه ثم
ضرب بيديه فمسح بهما إلى المرفقين ". وثنا ابن حماد وابن مالويه ثنا الجري
ثنا عثمان بن محمد الأنماطي ثنا حرمي بن عمارة عن عروة بن ثابت بلفظ:
قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين " (1) . وقال:
هذا إسناد صحيح ورواه أبو بكر في مصنفه عن وكيع عن عروة موقوفا، واتبع
ما ذكره عن ابن عمر موقوفا ووقع ذكره عنده في موضع آخر مرفوعا، وقال
أبو عبد الله النيسابوري: رواه عن محمد بن يعقوب ثنا محمد بن سنان الفزار
ثنا عمرو بن محمد بن أبي رزين ثنا هشام بن حسان عن عبيد الله بن عمر
عن نافع عن ابن عمر قال: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بموضع يقال له: مربد النعم
يتيمم وهو يرى بيوت المدينة ". وقال: هذا حديث تفرد به ابن أبي رزين وهو
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب ص 687.

(1/689)


صدوق ولم يخرجاه، وقد أوقفه الأنصاري وغيره عن نافع عن ابن عمر، وأما
قول أبي القاسم الطبراني لم يروه هذا التمام غير العبدي، ففيه نظر؛ لما أسلفناه
من أنّ يزيد بن الهاد ذكره كذلك، وكذا رواه أبو الحسن وفي الباب غير
حديث من ذلك حديث أبي هريرة: " أن ناسا من أهل البادية أتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فقالوا: إنّا نكون بالرمال الأشهر الثلاثة والأربعة، ويكون فينا الحائض والجنب
والنفساء ولسنا نجد الماء: فقال عليكم بالأرض ". رواه أبو القاسم في
الأوسط (1) من حديث المثنى بن الصباح عن الزهري/عن سعيد عنه وقال: لم
يروه عن الزهري إلا المثنى ولا رواه عن المثنى إلا حفص. تفرّد به إبراهيِم
الشافعي، ورواه الثوري وعبد الرزاق وغيرهما عن المثنى عن عمرو بن شعيب
عن سعيد بن المسيب، وقال في موضع آخر من هذا الكتاب: ورواه عن شيخه
أحمد بن محمد البزار ثنا الحسن بن حمّاد ثنا وكيع عن إبراهيم بن يزيد عن
سليمان الأحول عن سعيد به لا نعلم الأحول عن سعيد غير هذا ولم يروه إلا
وكيع بن إبراهيم بن يزيد، وقال البيهقي: هذا حديث يعرف فالمثنى عن عمرو
والمثنى غير قوى، وقد رواه الحجاج بن أرطأة عن عمرو إلا أنه خالفه في
الانتهاء، فرواه عن عمرو عن أبيه عن جدّه واختصر المتن فجعل السؤال عن
الرجل لا يقدر على الماء الجامع أهله، قال: نعم. ورواه أبو الربيع السكاك عن
عمرو بن دينار عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن أعرابيا ... وأبو الربيع
ضعيف، قال ابن المديني: قلت لسفيان أنّ أبا الربيع قوي عن عمرو عن سعيد
عن أبي هريرة في الرجل يعرف عن أصله فقال سفيان: إنما جاء بهذا المثنى
عن عمرو بن شعيب وإنّما قال عمرو بن مرثد: سمعت لجابر بن زيد بقوله قال
علي: قلت لسفيان: أنّ شعبة رواه هكذا عن جابر فقال: كان شعبة من أهل
الحفظ والصدق ولم يكن عن يزيد الباطل، وقد روى عن ابن أبيِ عروبة عن
عمرو وابن أبي عمرو به إنّما سمعه في من أتى الربيع عن عمر، وروى من
وجه آخر ضعيف من حديث عبد الله بن سلمة الأفطس عن الأعمش عن
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/261) وعزاه إلى الطبراني في
" الأوسط " وفيه المثنى بن الصباح والأكثر تضعيفه، وروى عياش عن ابن معين توثيقه.
قلت: وعلى هذا فأكثر الظن ان الحديث حسن.

(1/690)


عمرو والأفطس ضعيف، ولفظ أبي الفرح في التحقيق: ثم ضرب بيده على
الأرض لوجهه ضربة واحدة، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح على يديه إلى
المرفقين، وهو معارض بما ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه عن عباد بن العوّام
عن بريدة عن سليمان بن موسى عن أبي هريرة قال: " لما نزلت آية التيمم لم
أدر كيف أصنع، فأتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم أجده، فانطلقت أطلبه، فلما رآني
عرف الذي جئت له عليله فبال ثم ضرب بيديه الأرض فمسح بهما وجهه
وكفيه " (1) . وحديث الربيع بن بدر عن أبيه عن جده عن الأسلع ووصف
كيف علمه النبي/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التيمم قال: " فضرب بكفيه الأرض ثم نفضها ثم
مسح بهما وجهه ثم أمر على لحيته ثم أعادهما إلى الأرض، فمسح بهما
الأرض ثم ذلك إحداهما على الأخرى ثم مسح ذراعيه ". ذكره أبو الحسن
المقري في سنه، وضعفه أبو حاتم الرازي في كتاب العلل، ذكر البارودي أن
بسببه نزلت آية التيمم، وقال ابن حزم: هذا الحديث في غاية السقوط وفيه
إشكال؛ لأن (2) التيمم نزل قبل إسلامه وفي تاريخ البرقي أصابتني جنابة فنزل
عليه جبريل بالتيمم فذكره وهو مشكل أيضا. وحديث أبي أمامة عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اّنه قال: " في التيمم ضربة للوجه وأخرى للذراعين " (3) . ذكره عبد الله بن
وهب في مسنده عن محمد بن عمرو الشافعي عن رجل حدثه عن جعفر بن
الزبير عن القاسم بن عبد الرحمن عنه قال ابن حزم: فيه علّتان: إحداهما:
ضعف القاسم، الثانية: أن محمد بن عمرو لم يسم من أخبره عن جعفر، وقد
دلسه بعض الناس عليه فقال: عن محمد بن عمرو عن جعفر، ومحمد لم
يدرك جعفرا فسقط هذا الخبر. وحديث (4) أبي ذر قال: " وضع رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه على الأرض ثم نفضها ثم مسح وجهه ويديه إلى المرفقين ". ذكره
__________
(1) انظر: تفسير آية التيمم من كتب التفاسير.
(2) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".
(3) ضعيف جدا أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/262) وعزاه إلى الطبراني في
" الكبير " وفيه جعفر بن الزبير، قال شعبة فيه: وضع أربعمائة حديث.
(4) قوله: " وحديث أبي " غير واضحة " بالأولى " وأثْبتناه من " الثانية ".

(1/691)


أبو محمد الفارسي من طريق ابن جريج عن عطاء حدثنى رجل أنّ أبا ذر به،
وقال: هذا خبر ساقط، قال ابن حزم: وقد روى من حديث عائشة وابن عمر
أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تيمم للوجه والكفين بضربتين وليسا صحيحين أمّا الأول: فرواه
الحربي ابن الجرمي وهو ضعيف، والثاني: فيه سليمان بن داود الحراني وهو
مثله. وحديث ابن الصمة: " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تيمم فمسح بوجهه وذراعيه ". رواه
الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية عن
الأعرج عنه قال البيهقي: هو منقطع والأعرج لم يسمعه من ابن الصمة إنّما
سمعه من غير مولى ابن عباس. وحديث ابن الحمامة السلمي: " أنه أتى النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/وهو في المسجد، فذكر حديثا فيه: ثم أقبل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المسجد
فوضع يده على حائط المسجد فمسح به وجهه وذراعيه ثم دخل ". رواه أبو
القاسم البغوي عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن محمد بن إسحاق عن
يعقوب بن عتبة عن الحرث بن عبد الرحمن بن هشام عن أبيه قال: إنّ ابن
الحمامة يذكره. وحديث عمار: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تيمم (1) إلى المرفقين ".
ذكره البيهقي من حديث قتادة، قال: حدثني محدب عن الشيخين عن
عبد الرحمن بن أبزى عنه، والله أعلم.
حدثنا يعقوب بن حميد بن كاتب ثنا عبد العزيز بن أبي حازم وثنا أبو
إسحاق الهروي ثنا إسماعيل بن جعفر جميعا عن العلاء عن أبيه عن أبي
هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ". هذا
حديث خرجه مسلم (2) بلفظ: " فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع
الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلّت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا
وطهورا وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون ". ورواه (3) الشافعي عن
__________
(1) قوله: " تيمم إلى " سقطت من " الأصل " وكذا أثبتناه من سياق الكلام.
(2، 3) صحيح، متفق عليه. رواه مسلم في (المساجد، ح/3، 4) والبخاري (1/91،
119) وأبو داود (489) والترمذي (317) والنسائي (2/56) وابن ماجة (567) وأحمد (1/
250، 2/240، 250، 412، 442، 501، 5/145) والبيهقي (2/433، 434)
والطبراني (11/61، 73، 12، 413) والتمهيد (5/222، 223) وأبو عوانة (1/
395، 396) وابن أبي شيبة (2/402، 11/432) والشافعي، وشرح السنة (2/412)
وابن كثير (2/112، 281، 3/489، 4/34) والطبراني (10/34) .

(1/692)


سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال: " ثم جلست إلى سفيان ... "
فذكر هذا الحديث فقال الزهري: عن أبي سلمة- أو سعيد- عن أبي هريرة،
ولفظ ابن الجارود: وخرجه من حديث أنس بن مالك: " جعلت لي كل أرض
طيبة مسجدا وطهورا "، فرواه عن محمد بن يحيى ثنا حجاج الأنماطي ثنا
حماد عن ثابت وحميد عنه، وفي البخاري (1) من حديث جابر: " أعطيت
خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض
مسجدا وطهورا.. " الحديث أنبأ الإمام تاج الدين أحمد بن علي بن وهب
العنبري- رحمه الله- أنبأ ابن بنت الحميري قراءة عليه وأنا أسمع أنبأ الحافظ
أبو طاهر أنبأ أبو عبد الله الثقفي أنبأ أبو الفتح هلال بن محمد ثنا أبو عبد الله
الحسين بن يحيى القطان ثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام ثنا يزيد بن زريع ثنا
سليمان التيمي عن يسار عن أبي أمامة/أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله تعالى قد
فضلني على الأنبياء- أو قال- فضلت أمتي على الأمم بأربع: أرسلني إلى
الناس كافة، وجعل الأرض كلها لي ولأمتي طهورا ومسجدا، فأينما أدركت
الرجل من أي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره، ونصرت بالرعب مسيرة
شهر فقذف في قلوب أعدائي، وأحلّت لي الغنائم " (2) . وفي كتاب أبي نعيم
الأصبهاني- رحمه الله- قال: " كنا نحرس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض مفارقه
فجئت ذات ليلة إلى المكان الذي يكون فيه، فلم أجده في مضجعه فعلمت
أنه إِنما أقامته الصلاة فتلفت ورميت ببصرى يمينا وشمالا، فإذا به قائما يصل
إلى شجرة، فهويت نحوه فإذا رجل قبلي أخرجه الذي أخرجني، فقمت أنا
وهو خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصلى بصلاته فصلى ما شاء الله أن نصلي، حتى إذا
كان بين ظهري صلاته سجد سجدة فظننت أنّه قد قبض فيها فابتدرناه
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/119) ومسلم في (المساجد، ح/3) والنسائي
في (النحل، باب " 46 ") وأحمد (3/304، 5/148) والدارمي (2/224) والبيهقي
(1/212، 2/329، 433، 6/291، 4/9) والمجمع (8/59) وشفع (122،
1817) والحلية (8/316) والمنثور (5/237) والكنز (32058، 32063، 32064،
32065) وابن أبي شيبة (11/433) والحميدي (945) .
(2) صحيح. رواه البيهقي (1/222) والمشكاة (4001) والجوامع (4888) والكنز
(31951، 32070) ونصب الراية (2/325) .

(1/693)


فجلسنا بين يديه أنا وصاحبي فسألناه، فقال: هل التزمتم من صلاتي الليلة
شيئا؟ قلنا: نعم. سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة حتى ظننا أنّك قد
قبضت فيها. فقال: إنى أعطيت فيها خمسا لم يعطهن نبي/قبلي ... " فذكر
الحديث وفيه: " وأعطيت دعوة ادخرتها شفاعة لأمتي " (1) .
رواه من حديث حازم بن خزيمة عن مجاهد عنه، قال: وتابعه على هذا
مزاحم بن زفر عن مجاهد عنه مختصرا، ورواه أيضا من حديث ابن أحمد بن
زفر عن مجاهد عن أبي سعيد بنحوه مختصرا، وذكر أيضا حديث حذيفة قال
عليه الصلاة والسلام: " فضلنا على الناس بثلاث: جعلت لنا الأرض مسجدا
وجعلت تربتها لنا طهورا "، رواه مسلم (2) في صحيحه وحديث ابن عباس
ولفظه "وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأوتيت الكوثر"، رواه أبو
داود (3) ، وذكر أيضا حديث ابن عمر بنحوه ذكره أبو نعيم. وحديث علي:
قال عليه الصلاة والسلام: " أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء فقلنا ما هو يا
رسول الله؟ قال: نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض،/وسميت أحمد،
وجعل لي التراب طهورا، وجُعلت أمتي خير الأمم ". ذكره أحمد في مسنده (4)
من حديث ابن عقيل عن محمد بن علي عنه. وحديث عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جدّه: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام غزوة تبوك قام من الليل يصلي "،
فذكر حديثا فيه: " لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد كان قبلي ... "
فذكر حديثا وفيه: " وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، أينما أدركتني الصلاة
__________
(1) صحيح بشواهده مشكل (2/264) والعقيلي (2/27) والحلية (8/316) .
(2، 3) تقدما من أحاديث الباب ص 692.
(4) حسن. رواه أحمد (1/98) والبيهقي (1/213) والمجمع (1/260) وعزاه إلى أحمد
وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وهو سيء الحفظ، قال الترمذي: صدوق وقد تكلم فيه
بعض أهل العلم من قبل حفظه، وسمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: كان أحمد بن
حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث ابن عقيل، قلت: فالحديث حسن والله
أعلم. وابن كثير (2/78) ونصب الراية (1/159) والمنثور (6/214) والكنز (21416)
وابن أبي شيبة (11/434) .

(1/694)


تمسّحت وصلّيت ". رواه أحمد بن حنبل في مسنده (1) ، وكذلك حديث أبي
موسى بنحوه أيضا وحديث ابن مسعود عن البيهقي بنحوه، وفي حديث
عائشة المذكور عند ابن ماجة (2) بعد وهو مخرج عند الشيخين (3) : " خرجنا
مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض المغازي حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع
عقد لي ... " وفيه: " فقال أسيد بن الحصيب: ما هي بارك تركتكم يا آل أبي
بكر " وفي لفظ: " جزاك الله خيرا، فوالله ما يزل بك أمر قط إلا جعل الله لك
منه مخرجا وجعل للمسلمين فيه بركة ". وفي كتاب التفرّد لأبي داود:
" فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء، فأتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكروا ذلك فأنزلت آية
التيمم " قال أبو داود: الذي تفرد به من هذا الحديث أنّهم لم يتركوا الصلاة
حين لم يجدوا الماء، فصلُّوا بغير وضوء؛ لأنّ بعض الناس يقول: إذا لم يجد
الماء لا تصل، قال أبو عمر: وهو أصح حديث روى في هذا الباب قال:
والسفر المذكور، يقال إنه كان في غزوة بنى المصطلق، وتسمى: المريسيع. وهو
ماء لخزاعة، قال الواقدي: كانت سنة خمس. وقال ابن إسحاق: سنة ست.
وقال ابن عقبة: أربع من الهجرة. وكذا ذكره ابن الجعدي عن ابن حبيب عند
النسائي (4) . ورواه هشام عن أبيه عن عائشة: " أنها استعارت قلادة من أبيها
فانسلّت منها، وكان ذلك المكان يقال له الضلضل ". كذا ضبطه البكري
بضادين معجمتين قال: وهو صحيح. وزعم الجوهري إنه بالمهملتين فأتاه أبو
__________
(1) صحيح. رواه أحمد (2/222) والمجمع (10/367) وعزاه إلى " أحمد " ورجاله
ثقات. والترغيب (4/432) والشجري (1/218) والكنز (32066) وابن كثير في
" التفسير " (3/489) . وصححه الشيخ الألباني: (الإِرواء: 1/317) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، " أبواب التيمم " 90- باب ما جاء
في السبب، (ح/568) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في: 7- كتاب التيمم، 2- باب إذا لم يجد ماء ولا
ترابا، (ح/336) . ورواه مسلم في: 3- كتاب الإِيمان، 28- باب التيمم، (ح/108) .
قوله: " البيداء أو بذات الجيش " موضعان بين المدينة وخيبر.
(4) راجع حاشية الحديث الأوْل من هذا الباب. قوله: " انسلت " أي وقعت منها في خفية.

(1/695)


عبيد، وفي رواية هشام قلادة، وقد سبق أنه عقد لها. وفي كتاب الترمذي/
عن الحميدي عن سفيان ثنا هشام به وفيه أنّ القلادة سقطت ليلة الأبواء في
معجم الطبراني إسناد لا بأس به؛ بل لو حسن لم ينكر ذلك ما يدلّ على أنّ
عقدها سقط مرّتين وأنّ التيمم (1) نزل بعد الإفك وكان الأول في سنة خمس
فيترجح قول من قال: كان التيمم سنة ست، وفيه بيان لقول أسيد ما هي
بأوّل تركتكم، قال: ثنا القاسم بن عباد ثنا محمد بن حميد الرازي ثنا سلمة
بن الفضل وإبراهيم بن المختار عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن
عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: " لما كان من أمر عقدي ما كان
وقال أهل الإفك ما قالوا وخرجت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزورة أخرى
فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على التماسه، وطلع الفجر فلقيت من
أبي بكر ما شاء الله، وقال ما تنبّه في كل سفر يكون عناء وليس مع الناس
ماء، فأنزل الله تعالى الرخصة في التيمم، فقال أبو بكر: ما تبيّنه أنك ما
علمت لمباركة ". وذكر الإمام أبو محمد إسحاق بن إبراهيم البستي في تفسيره
أنّ القائل لها ما أنزل قلائدك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرجع إلى قوله: وفي الباب أحاديث
منها حديث عبد الله بن أبي أوفى. ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل.
وحديث سلمان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تمسحوا بالأرض فإنها منكم " (2) . قال
__________
(1) قال ابن العربي: هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء؛ لانا لا نعلم أي الآتيتين عنه عن
عائشة. وقال ابن بطال: هي آية النساء أو آية المائدة. وقال القرطبي: هي آية النساء.
ووجهه بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء فيتجه تخصيصها بآية التيمم. وأورد الواحدي في أسباب النزول هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضا، وخفْي على الجمع ما ظهر للبخاري من ان المراد بها آية المائدة بغير تردد لرواية عمرو بن الحارث إذ صرح فيها بقوله: " فنزلت (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة..) الآية ".
(2) صحيح. رواه أبو الشيخ في " تاريخ أصفهان " (ص 238) ورواه الطبراني في " المعجم الصغير " (83)
وقال: لم يروه عن سفيان إلا الفريابي. وهو ثقة من رجال الشيخين وكذا من فوقه. وابن أبي شيبة في "المصنف " (1/62/2) عن عوف عن أبي عثمان النهدي. وصححه الشيخ الألباني.
قوله: " لا تمسحوا " أراد به التيمم، وقيل: أراد مباشرة ترابها بالجباه في السجود من غير
حائل، ويكون هذا أمر تأديب واستحباب، لا وجوب.

(1/696)


الطبراني في الأصغر: لم يروه عن الثوري عن عروة عن أبي عثمان إلا
الفريابي، وقال البيهقي في هذا: حديث غريب الإسناد والمتن. وحديث معاذ:
" بال النبي فتيمم بالصعيد فلم أره يمسح يديه ووجهه إلا مرّة ". وأخرجه
الطبراني في الكبير (1) من حديث محمد بن سعيد المصلوب، والتيمم في اللغة:
القصد، قال الفراء: قال الله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث) معناه: ولا تقصدوا
وفيه قول الشاعر:
تيممتها من أذرعات وأهلها ... يثرب أدنا دارها نظر عالي
يريد قصدتها ويروى سورتها أي: نظرت إلى دارها وهو أصوب، وقال
خفاف:/فإن يك صلى قد أصب صحيحها فعمدا على عيني يمّمت مالكا
أي: قصدته، وقال تعالى: " فتيمموا صعيدا طيبا " قالوا: معناه أقصدوا الصعيد
بالتمسح، وقال الخليل: التيمم يجرى مجرى التوخي بقول تيمم أطيب ما
عندك فأطعمنا منه أي: توضأه، وعلى هذا فسّر ما ذكرنا وأجاز أن يكون
التيمم التعمد والقصد، وكثر هذا الاسم حتى صار اسما للتمسح بالتراب
والعرب تقول: تيممت الشيء تيمما وتممته تيمما واتممته، وأما قول الفراء: ولم
أسمع فيها يممت بالتخفيف، ويقولون: يممت فلانا سيفي ورمحي قصدته
وترخيته دون من سواه وأنشد الخليل:
يممت بالرمح شذراء ثم قلت له ... هذى الروة لها لعب الزحاليق
قال: ومن أنشده أممت فقد أخطأ؛ لأنه قال: شذراء والسن لا لكون إلا
من ناحية ولم يقصد به إمامه، وفي الصحاح: يممتك وتاممتك وأنشد أبو بكر
في الكتاب الزاهر:
وفي الأطعان أنسبه العرب ... يتمم أهلها نجلدا فساروا
في المائدة آية وفي النساء آية، وقال القرطبي: أولات التي في النساء؛ لأنها
لا ذكر فيها الوضوء، والتي في المائدة ذكر فيها الوضوء، وفي كتاب الحميدي
__________
(1) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/262) وعزاه إلى الطبراني في
" الكبير " وفيه محمد بن سعيد المصلوب وقيل فيه: كذاب يضع الحديث.

(1/697)


عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: فنزلت: (إذا قمتم إلى
الصلاة. وقال أمية بن أبي الصلت: ليطلب الوتر أمثال ابن ذى بزر تيمم
البحر للأعداء أحوالا. وقال تعالى: (ولا آمين البيت الحرام) معناه: ولا
قاصدين قال الشاعر:
إنى كذلك إذا ما شأني بلد ... يممت صدر بعيري غيره بلدا
وقال غيره:
سل الرمح إنّى يممت أم أسلا ... وهل عادة للربع أن يتكلّما
وقال الجاحظ في كتاب الرصان تأليفه: ومنهم ثم من بنى الأعرج الأسلع
الذي قال منهم رجل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له يوما: إنى جنب وليس عندي ماء
فأنزل الله تعالى آية التيمم. انتهى. وهو قول غريب،/وأما قول ابن الجوزي
ظاهر حديث عائشة يدل على أنهما كانا مرتين حيث قالت: سقط عقدي،
وفي الآخر: لا شيء، وليس لذلك معارض ما أسلفناه من عند الطبراني لما
كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا " خرجت مع النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي ... " الحديث. قال القاضي أبو بكر
قول عائشة فنزلت آية التيمم: لا أدرى أي آية أرادت؛ لأن في المائدة آية وفي
النساء آية. وقال القرطبي: أولات إلي في النساء؛ لأنه لا ذكر فيها للوضوء
والتي في المائدة ذكر فيها الوضوء، وفي كتاب الحميدي عن عبد الرحمن بن
القاسم عن أبيه عن عائشة فنزلت: (إذا قمتم إلى الصلاة) ، وقال المازوري-
رحمه الله تعالى-: قال بعض أصحابنا: يباح السفر للتجارة وإن أدى التيمم،
ويحتج له بهذا الحديث؛ لأنّ إقامتهم على التماس العقد ضرب في مصلحة
المال وتيممه، وقال أبو عمر في كتاب التمهيد: فيه من الفقه خروج النساء مع
الرجال في الأسفار وفي الغزوات، وذلك مباح إذا كان العسكر كثيرا ويؤمن
عليه الغلبة روى أبو داود عن أنس: " كان عليه الصلاة والسلام يخرج بأم
سليم ونسوة من الأنصار يسقين الجرحى ". وأجمع علماء الأمصار بالمشرق
والمغرب فيما علمت أن التيمم بالصعيد عند عدم الماء طهور لكل مسلم مريض

(1/698)


أو مسافر وسواء كان جُنبا أو على غير وضوء لا يختلفون في ذلك، وقد كان
عمر بن الخطاب وابن مسعود يقولان: الجنب لا يطهره إلا الماء، ولا يستفتح
بالتيمم صلاة؛ لقوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا (1) وقوله: (ولا جنبا
إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) (2) . وذهب إلى أن الجنب لم يدخل في
المعنى المراد بقوله: (وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من
الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا) (3) . ولم يتعلّق
بقولهما في هذه المسألة أحد من فقهاء الأمصار من أهل الرأي وحملة الآثار.
انتهى كلامه. وفي شرح المهذب للثوري: قد ذكروا رجوع عمر وابن مسعود
عن ذلك، قال أبو عمر: واختلف العلماء/في كيفية التيمم فقال مالك
والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري وابن أبي سلمة والليث: ضربتان
ضربة للوجه وضربة يمسح بهما إلى المرفقين يمسح اليمنى باليسرى واليسرى
باليمنى، والفرض عند مالك إلى الكوعين والاختيار إلى المرفقين، وسائر من
ذكرنا معه يرون بلوغ المرفقين بالتيمم فرضا واجبا، وقال الأوزاعي: التيمم
ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الكوعين وهما الرسغان، وروى ذلك
عن علي، وقد روى عن الأوزاعي وهو أشهر أنّ التيمم ضربة واحدة يمسح بها
وجهه ويديه إلى الكوعين وهو قول عطاء والشعبي في رواية وفيه قال: أحمد
وإسحاق وداود بن علي والطبري: وهو أثبت ما روى في ذلك عن عمّار،
ورواه سفيان عن أبي موسى عن عمار، ولم يختلف في حديث أبي وائل هذا
وسائر أحاديث عمار مختلف فيها، وقال الحسن بن حيي وابن أبي ليلى:
التيمم ضربتان، يمسح بكلّ ضربة منهما وجههه وذراعيه ومرفقيه. ولم يقل
ذلك أحد من أهل العلم غيرهما في علمي. وقال الزهري يبلغ بالتيمم الآباط
ولم يقله غيره. وفي بعض ألفاظ أبي داود (4) : أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح إلى أنصاف
__________
(1) سورة المائدة آية: 6 (2) سورة النساء آية: 43 (3) الآية السابقة.
(4) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 121- باب التيمم، (ح/323) ولفظه:
" يا عمار إنما كان يكفيك هكذا " ثم ضرب بيديه الأرض، ثم ضرب إحداهما على=

(1/699)


ذراعيه. قال ابن عطية: لم يقل أحد بهذا الحديث فيما خطب، وفي شرح
الأحكام لابن بريزة: وقالت طائفة من العلماء: أربع ضربات ضربتان للوجه
وضربتان لليدين، قال: وليس له أصل من السنة. قال: وقال بعض العلماء:
تيمم الجنب إلى المنكب وعنه إلى الكوعين، قال: وهو قول ضعيف. وفي
كتاب ابن رشد رواية عن مالك الاستحباب إلى المرفقين والفرض الكفان. قال
أبو عمر: واختلفوا في الصعيد: فقال مالك وأصحابه: الصعيد وجه الأرض.
قال ابن أخو شدّاد: الصعيد عندنا وجه الأرض وكل أرض جائز التيمم عليها
صحراء كانت أو معدنا أو ترابا، قال: وبذلك قال أبو حنيفة والأوزاعي
والطبري، قال: ويجوز عند مالك على الحشيش إذا كان دون الأرض،
واختلفت الرواية عنه في التيمم على البلح فأجازه مرة ومنعه/أخرى، قال:
وكل ما صعد على وجه الأرض فهو صعيد، والحجة في ذلك قوله تعالى:
(صعيدا جرزا) (1) يعني: أرضا غليظة لا تنبت شيئا، وصعيدا زلقا. وقال عليه
الصلاة والسلام: " يحشر الناس على صعيد واحد " (2) أي: أرض واحدة، وفي
الصحيح: الصعيد التراب، وقال ثعلبة: وجه الأرض والجمع صعد وصعدان.
وفي الجمهرة: هو التراب الذي لا يخالطه رمل ولا سبخ هذا قول أبي عبيدة.
وقيل: هو الظاهر من وجه الأرض، وكذا فسّر قوله صعيدا طيبا. وفي الجامع:
جمع الصعيد صعد وجمع الصعد صعدات وفي الزاهر لابن القاسم الصعيد
وجه الأرض قال الشاعر:
صلى حنوطهم الصعيد وغسلهم ... نجع الترائب والرءوس يقطف
وقال الشافعي وأبو يوسف وداود فيما ذكره أبو عمر: الصعيد التراب؛ لأنه
__________
= الأخرى، ثم مسح وجهه والذراعين إلى نصف الساعدين، ولم يبلغ المرفقين، ضربة واحدة، قال أبو داود: ورواه وكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن أبزي، ورواه جرير عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، يعني: عن أبيه.
(1) سورة الكهف آية: 8.
(2) صحيح الترغيب (1/425) والمشكاة (5565) .

(1/700)


يجرى عندهم التيمّم بغيره، قال الشّافعي: لا يقع الصعيد إلا على تراب ذي
غبار فأمّا الصخر الغليظة والرقيقة والكثيب الغليظ لا يقع عليه اسم صعيد.
انتهى. وما أسلفناه يرد هذا، قال: وأجمع العلماء على أنّ التيمم بالتراب ذي
الغبار جائز، وقال عليه الصلاة والسلام في الأرض وتربتها: " لنا طهور " وهو
مخرج في صحيح أبي عوانة (1) الإسفرايني وهو يقضى على قوله " مسجدا
وطهورا وتفسيره " وسُئل ابن عباس أي الصعيد أطيب؟ فقال الحرث وجماعة
العلماء على إجازة التيمم بالسباخ إلا إسحاق. انتهى. وهو محجوج مما يذكره
من عند ابن خزيمة بعد، قال أبو عمر: وقال الثوري وأحمد: يجوز التيمم بغبار
اللبد والثوب خلافا لمالك. وفي تفسير إلياس جوّز ابن علية وابن كيسان التيمم
بالمسك والزعفران. وفي حلية الشّاشي: ولا يجوز التيمم بتراب خالطه دقيق أو
جص. وقيل يجوز إذا كان التراب غالبا. وأجمع العلماء على أنّ التيمّم لا
يرفع الجنابة ولا الحدث إذا وجد الماء وأنّ المتيمّم للجنابة أو للحدث إذا وجد
الماء عاد جنبا أو محدثا كما كان،/واختلفوا إذا رأى الماء بعد دخوله في
الصلاة فقال مالك: يتمادى في صلاته، وقال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد
والمزني وغيرهم: تقطع تلك الصلاة ويخرج إلى استعمال الماء، واختلفوا في
التيمم في الحضر فذهب مالك وأصحابه إلى أنّ التيمم في الحضر والسفر سواء
إذا عدم الماء أو تعذّر استعماله، وهو قول أبي حنيفة ومحمد، وقال الشّافعي:
لا يجوز للحاضر الصحيح أن يتيمم إلا أن يخاف التلف، وفيه قال الطبري
وقال أبو يوسف وزفر: لا يجوز التيمم في الحضر لا لمرض ولا لخوف خروج
الوقت. وقال عطاء: لا يتيمّم المريض ولا غير المريض إذا وجد الماء؛ لأنّ الله
تعالى قال: (فلم تجدوا ماء) فلم يصح التيمم إلا عند فقد الماء. قال أبو
عمر: ولولا قول الجمهور وما روى من الأثر لكان قوله صحيحا، واختلفوا
أيضا في التيمم هل تقبل (2) به الصلوات أم يلزم التيمم لكل صلاة وفرض؟
فقال شريك القاضي: يتيمم لكل صلاة فرض فقال شريك القاضي: يتيمم لكل
صلاة نافلة وفريضة. ولم يختلف قول مالك وأصحابه فيمن يتيمم لصلاة
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب.
(2) قوله: " تقبل " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(1/701)


فصلاها فلما سلم منها ذكر صلاة نسيها أنّه تيمّم لها. واختلفوا فيمن صلى
صلاة فرض بتيمم واحد، فروى يحيى عن أبي القاسم فيمن صلى صلوات
كثيرة بتيمم واحد ثم يعيد على ما زاد على واحدة في الوقت، واستحب أن
يعيد أبدا، وروى ابن أبي زيد عنه أنه يعيد أبدا، وقال أصبع: إنّ الجمع بين
صلاتين بتيمم واحد فيه نظر، فإن كانتا مشتركتين أعاد الثانية أبدا. وقال أبو
حنيفة والثوري والليث والحسن بن حيي وداود: يصلى ما شاء بتيمم واحد ما
لم يحدث ما لم يجد الماء وليس عليه طلب الماء إذا يئس منه، والله تعالى
أعلم.

(1/702)


60- باب في المجرُوح تصيبه الجنابة فيخاف على نفسه إن اغتسل
حدثنا هشام بن عمار ثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين ثنا
الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح سمعت ابن عباس: يخبر أن رجلا أصابه
جرح في رأسه على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أصابه احتلام/فأمر بالاغتسال،
فاغتسل فكز فمات، فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " قتلوه قتلهم الله أولم يكن
شفاء العي السؤال ". قال عطاء: وبلغنا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو غسل
جسده وترك رأسه حيث أصابه الجراح ". هذا حديث خرجه أبو داود (1) نهى
أنه منقطع عن ظفر بن عاصم ثنا محمد بن شعيب أنبأ الأوزاعي أنه بلغه عن
عطاء أنه سمع ابن عبان به وقال عبد الرحمن: سألت أبي وأبا زرعة عنه
فقالا: رواه ابن أبي العشرين عن الأوزاعي عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء
راوي الحديث، وخرجه أبو الحسن عن الفارسي ثنا إبراهيم بن إسحاق بن
إبراهيم ثنا عبد الرزاق ثنا الأوزاعي عن رجل عن عطاء وقال عبد الحق: ولا
بروى من وجه قوى، وسيأتي خلاف قوله: وأما قول الحافظ المنذري أخرجه-
يعني: أبا داود- منقطعا وابن ماجة (2) موصولا فلم يضع شيئا كلاهما منقطع
لكن أحدهما قال: بلغه والآخر قال: عن فلو كان في ابن ماجة بحديث أو
شبهه كما سنذكره بعد سماع له قوله، والله تعالى يغفر له، لكن المتصل ما
ذكره الحافظان أبو بكر بن خزيمة وابن حبان في صحيحهما وابن الجارود في
__________
(1، 2) ضعيف. رواه أبو داود (ح/337) وابن ماجة (ح/572) في الزوائد: إسناده
منقطع. وأحمد (1/330) والطبراني (11/194) وابن أبي شيبة (1/101) والبخاري في
" التاريخ الكبير " (8/ 288) وحبيب (1/36) والدارمي (1/192) والبيهقي (1/226،
227) وتلخيص (1/174) والدارقطني (1/190) والمنثور (2/263) والبغوي (1/532)
والكنز (27578) والحلية (3/317) والإرواء (1/142) .
قلت: ولفظه: " قتلوه قتلهم الله، أولم يكن شفاء العي السؤال ". قال عطاء: وبلغنا أنّ رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو غسل جسده وترك رأسه، حيث أصابه الجراح ".
وهو حديث حسن، دون بلاغ عطاء. انظر: ضيف ابن ماجة (ح/ 126) ، وصحيح أبي داود
(ح/ 364) .

(1/703)


منتقاه من حديث الذهلي ثنا عمر ابن حفص بن غياث ثنا أبي أخبرني الوليد
بن عبيد الله بن أبي رباح أن عطاء حدثه عن ابن عباس بلفظ: " قتلهم الله
ثلاثا قد جعل الله الصعيد أو التيمم طهورا ". قال: شكّ ابن عباس ثم انتبه
بعد، قال أبو بكر: ثنا يوسف بن موسى ثنا جرير عن عطاء بن السائب عن
سعيد بن جرير عن ابن عباس رفعه في قوله: (لن كنتم مرضى أو على
سفر) (1) قال: إذا كان بالرجل الجراحة في سبيل الله أو القروح أو الهذري
فيجنب فخاف إذا اغتسل أن يموت فليتيمم. وخرجه ابن الجارود أيضا، وفي
ذلك نظر؛ لما ذكره أبو أحمد من أنّ جريرا سمع من عطاء بعد الاختلاط، ولما
خرج أبو عبد الله في مستدركه/حديث الوليد قال: هذا حديث صحيح فإن
الوليد بن عبيد الله هذا ابن أخي عطاء بن أبي رباح وهو قليل الحديث جدا،
وقد رواه الأوزاعي عن عطاء مخرج بعدوله شاهد آخر عن ابن عباس فذكر
الحديث الذي أسلفناه من عند ابن خزيمة ثم ذكر حديث محمد بن يعقوب
ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان التنوخي ثنا بشر بن بكر حدثنى الأوزاعي ثنا
عطاء، فذكره ثم قال: بشر بن بكر ثقة مأمون وقد أقام إسناده وهو صحيح
على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وثنا أبو العباس ثنا العباس بن الوليد بن يزيد
أنبأ أبي سمعت الأوزاعي يقول: بلغني عن عطاء، ورواه أيضا الفضل بن زياد
وهو من أثبت أصحاب الأوزاعي فلم يذكر سماع الأوزاعي من عطاء إنّما قال:
عطاء عن ابن عباس، ورواه أيضا محمد بن كثير المصيصي فقال: ثنا الأوزاعي
عن عطاء بن أبي رباح أنبأ بذلك الإمام ضياء الدين موسى القطبي- رحمه
الله تعالى- أنبأ عبد اللطيف البغدادي قراءة عليه وأنا أسمع أنبأنا الشيخان
اللبان الجمال أنبأ أبو علي أنبأ الحافظ أبو نعيم ثنا محمد بن أحمد بن علي نبأ
إبراهيم بن الهيثم البلدي ثنا محمد بن كثير، فذكره وقال: هذا حديث
غريب لا تحفظ هذه اللفظة- يعني: ألم يكن شفاء العي السؤال- من أحد
من الصحابة إلا من حديث ابن عباس ولا عنه إلا من رواية عطاء حدث به
الوليد بن مسلم والأعلام عن الأوزاعي، وقال ابن عساكر: ورواه أيوب بن
__________
(1) سورة النساء آية: 43.

(1/704)


سويد عن الأوزاعي كرواية ابن أبي العشرين، ولما خرّج البيهقي حديث الوليد
قال: هذا حديث موصول وتمام هذه القصة في الحديث الذي أرسله الأوزاعي
عن عطاء، ومن أوجب الجمع بينهما يقول: لا ينافي بين الروايتين إلا أنّ
إحداهما مرسلة وبنحوه ذكره قاسم في الدلائل، فكان أبو عبيد الله لم يعد
هذه علّة وإلا أصبحت له طريقه الحرث، فكأنه يقول: سمعه أولا عبد الله ثم
سمعه آخرا منه، ورواه أيضا في تاريخ نيسابور بإسناد ضعيف عن أبي الفضل
المسلمي ثنا محمد بن حاتم بن يونس ثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن الأشعث
ثنا بشر بن يحيى من ثقات/أصحاب عبد الله ثنا أبو عصمة عن إبراهيم
الصائغ عن عطاء عن ابن العباس، ورواه أيضا عطاء عن جابر بن عبد الله
قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلا معنا حجر فشجّه في رأسه، فاحتلم، فسأل
أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت
تقدر على الماء فاغتسل فمات. فلما قدمنا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر بذلك
فقال: " قتلوه قتلهم الله. ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال، إنما
كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب". شك الراوي على جرحه خرقة ثم
يمسح عليها ويغسل سائر جسده. رواه أبو داود (1) من وجهه الزبير بن خريق،
قال أبو بكر بن أبي داود: هذه سنة تفرد بها أهل مكة وحملها أهل الجزيرة
ولم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير وليس بالقوى وخالفه الأوزاعي، فرواه
عن عطاء عن ابن عباس: واختلف عن الأوزاعي فقيل عنه عن عطاء وقيل عنه
بلغني عن عطاء وأرسل الأوزاعي أخبره عن عطاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو
الصواب، وقال البيهقي في الخلافيات: هذا إسناد مختلف فيه. وصحّ عن ابن
عمر أنّه: " كان يمسح على العصابة ". وقال في السنن الكبير: هذه رواية
موصولة. وفي مسند الدارمي (2) قال عطاء: بلغني أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل بعد
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 125- باب في المجروح يتيمم، (ح/336) .
(2) صحيح. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، باب في المجروح يتيمم، (ح/337) .
ورواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 92- باب في المجروح تصيبه الجنابة، (ح/572) .
ورواه الحاكم في: (1/165- 178) . ورواه ابن حبان في: كتاب الطهارة، باب التيمم،
(ح/201) . وموارد الظمآن (ص 76) .

(1/705)


ذلك فقال: " لو غسل جسده وترك رأسه حيث أصابه الجرح ". وقال عبد الحق:
لم يروه عن عطاء غيره وليس بالقوي، ورواه الأوزاعي عن عطاء عن ابن
عباس، واختلف على الأوزاعي ولا يروى الحديث من وجه قوي، ويتبع ذلك
علة أبو الحسن بقوله هكذا ساقه في التيمم، وهذا لا يحتمل إلا أنّ التيمم في
حق المريض من رواية ابن عباس أيضا كما هو من رواية جابر وذلك باطل،
وإنّما اعتراه هذا من كتاب الدارقطني الذي نقله منه؛ فإنّه أجمل القول كما
ذكر ثم فسره بإيراد الأحاديث فيخلص، فكتب أبو محمد الإجمال ولم يكتب
التفسير فوقع في الخطأ. وحديث ابن عباس لا ذكر فيه للتيمم، ولا يعرف
ذكر التيمم فيها إلا من رواية ابن خريق كما تقدّم أو من رواية أبي/سعيد
الخدري بإسناد بالغ إلى الغاية في الضعف، ورواه ابن عدي عن محمد بن
الحسن بن موسى الكوفي بمصر ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن حماد ثنا
عبد الرحمن بن أبي حماد عن عمرو بن شمس عمرو بن أنس عن عطية
عن أبي سعيد قال: أجنب رجل مريض في يوم بارد على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فغسله أصحابه فمات، فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ما لهم قتلوه قتلهم الله،
إنما كان عزى من ذلك التيمم " (1) انتهى كلامه، وفيه نظر؛ من حيث زعمه
أنّ حديث ابن عباس لا ذكر فيه للتيمم؛ لما أسلفناه قبل من كتاب ابن حبان
وابن خزيمة، ولما في كتاب العلل لعبد الرحمن سألت أبي وأبا زرعة عن
حديث رواه علي بن عاصم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد فالمريض إذا خاف على نفسه تيمم، قال أبو
زرعة: ورواه جرير أيضا؛ فقال: عن عطاء به مرفوعا في المجروح وهو خطأ
أخطأ فيه على بن عاصم، ورواه أبو عوانة وورقاء وغيرهما عن عطاء بن
السائب عن سعيد عن ابن عباس موقوفا وهو الصحيح. انتهى كلامه، وفيه
نظر؛ من حيث عقد التيمم أيضا على متابعة جرير، وإن كان سماعه منه بآخره
__________
ورواه الدارمي في: الوضوء، 70- باب المجروح تصيبه الجنابة، (ح/752) . والحديث
حسن بشواهده. وتقدّم ذكره بلفظه وسبب تضعيفه، وكيف يتم تحسينه: (ص/265) .
(1) صحيح. رواه الحاكم (1/165) وتلخيص (1/147) وابن خزيمة (273) وابن حبان
(201) والبيهقي (1/226) .

(1/706)


فلابدّ من ذكره بهذين الأمرين أو بأحدهما، وفي كتاب الدارقطني: ثنا برز بن
الهيثم ثنا أبو سعيد الأشج ثنا عبدة بن سليمان عن عاصم الأحول عن عطاء
عن سعيد عن ابن عباس قال: رخص التيمم للمريض والتيمم بالصعيد فهذا
كما ترى في كتاب الدارقطني الذي زعم أنّه بخصوصه ليس فيه ذكر التيمم
في حديث ابن عباس، اللهم إلا أن يحمل كلامه على المرفوع صحاب
بأمرين: الأول: قوله بعض- بضم الباء- غالبا إنما عزى لسيدنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لقوله أمر بلال؛ لأنه ليس لأحد أن يبيّن أو يرخص غيره، وعلى تقدير
المشاححة (1) في هذه اللفظة فيقال له: قد قال أبو الحسن بعده ورواه علي بن
عاصم عن عطاء فرفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اعتذارك عن هذا يا أبا الحسن وأظن
الموقع له في هذا عدم رؤيته إيّاه في مصيبته، وليس/بين الموضعين الأيسر، وقد
وقع لنا حديث عبد الحميد متصلة فقال: ثنا الأوزاعي ثنا عطاء بن أبي رباح
قال: سمعت ابن عباس، فذكره، ذكره أبو عمر في جامع بيان العلم، والله
أعلم. وأمّا تيمم الجنب ففيه أحاديث منها: حديث عمران بن حصين رأى
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا لم يصل مع القوم قال ما منعك يا فلان أن تصل مع القوم؟
قال: أصابتني جنابة ولا ماء؟ قال: " عليك بالصعيد فإنه يكفيك" (2) . خرجاه
في كتابيهما. وحديث أبي ذر: كانت تصيبني الجنابة- يعني: وهو بالبريدة-
فامكث الخميس والسبت، فأتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقال أبو ذر: فسألت فقال:
" ثكلتك أمك يا أبا ذر، فدعا لي بجارية سوداء وفيه الصعيد الطيب وضوء
المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ". خرجه أبو عيسى (3) وقال به في السنن،
وهو حديث صحيح وخرجه البستي في صحيحه (4) من حديث خالد الحذاء
__________
(1) كذا ورد هذا السياق هذا اللفظ.
(2) صحيح. رواه النسائي (1/171) وأحمد (4/434) والبيهقي (1/178، 216،
218) والطبراني (18/133) وأبو عوانة (1/308) وابن خزيمة (271) وابن أبي شيبة (1/
156) ونصب الراية (1/156، 161) والنبوة (4/277) والفتح (1/447، 457، 4/
446) وابن كثير (2/279) والقرطبي (5/237، 6/104، 106) .
(3- 3) صحيح. رواه الترمذي (124) وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أحمد (5/
180) عن أبي أحمد الزبيري هذا الإسناد، وفيه " وضوء المسلم " كرواية محمود بن غيلان
ورواه أبو داود (1/129- 130) والحاكم (1/176- 177) والبيهقي (1/220) من=

(1/707)


عن أبي قلابة عن عمرو بن بجران سمعت أبا ذر به ثم قال ذكر الخبر المريض
قول من زعم أنّ هذا الخبر تفرد به خالد، فذكر حديث الثوري عن أيوب
وخالد به، ولما ذكره أبو عبد الله في مستدركه (5) قال: هذا حديث صحيح
ولم يخرجاه إذ لم يجد لعمرو راويا غير أبي قلابة وهذا مما شرطت فيه وثبت
أنهما قد أخرجا مثل هذا في مواضع من الكتابين، ولما ذكره الجوزجاني قال:
هذا حديث صحيح، ولما ذكره أبو داود في كتاب التفرد قال الذي تفرد به
من هذا الحديث: أنه رخص له أن يصيب أهله، ورواه حماد بن زيد فلم يذكر
أبواها، ولما ذكره الاشبيلي اتبعه قول الترمذي فيه حسن، وتتبع ذلك عليه أبو
الحسين بقوله فهو عنده غير صحيح ولم يبين لم لا يصح ذلك؛ وذلك لأنه لا
__________
طريق خالد الواسطي عن خالد الحذاء. ورواه الدارقطني (ص 68) والبيهقي (1/212،
220) من طريق يزيد بن زريع عن خالد الحذاء، كلهم يقول: " عن خالد الحذاء عن أبي
قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر " كرواية الترمذي. ورواية أبي داود والحاكم والبيهقي
أطول من هذه الرواية.
ورواه النسائي (1/61) عن عمرو بن هشام عن مخلد بن يزيد عن الثوري عن أيوب
السختياني عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر. ورواه الدارقطني (ص 68) من
طريق عبد الحميد بن محمد بن المستام- بضم الميم وإسكان السين المهملة وفتح التاء المثناة
الفوقية- وهو ثقة، ورواه البيهقي (1/212) من طريق عمرو بن هشام وأحمد بن بكار،
ثلاثتهم عن مخلد بن يزيد عن الثوري عن أيوب السختياني وخالد الحذاء معا عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر.
وقال البيهقي: " تفرد به مخلد هكذا، وغيره يرويه عن الثوري عن أيوب عن أبي قلابة عن
رجل عن أبي ذر، وعن خالد عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر، كما رواه سائر
الناس ".
وقد صحح الحاكم في المستدرك هذا الحديث من رواية خالد الحذاء، كما صححه الترمذي،
ووافقه الذهبي على تصحيحه، وهو يقول في الميزان (2/282) في ترجمة عمرو بن بجدان
في الكلام على هذا الحديث نفسه: " حسنه الترمذي، ولم يرقه إلى صحة للجهالة بحال
عمرو، روى عنه أبو قلابة وما قال: سمعت، ورواه أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني
عامر، ومرة جاء أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني قشير، وقيل غير ذلك، وقد وثق
عمرو مع جهالته "!! ونقل الذهبي عن الترمذي تصحيحه، ويناقض الذهبي نفسه في إقرار هذا
مع إقراره تصحيح الحاكم إياه.
ونقل الزيلعي في نصب الراية (1/77- 78) أن ابن حبان رواه أيضا.

(1/708)


يعرف لابن بجدان هذا حال وإنما روى عنه أبو قلابة، واختلف عنه خالد
الحذاء يقول عن عمرو بن بجدان، ولا يختلف عن خالد في ذلك، فأما
أيوب؛ فإنّه رواه عن أبي قلابة فاختلف عليه، فمنهم من يقول فيه: عن أبي
قلابة عن رجل من بني عامر. ومنهم من يقول: عن رجل فقط. ومنهم من
يقول: عن رجاء بن عامر. ومنهم من يقول:/عن عمرو بن بجدان كقول
خالد. ومنهم من يقول: عن أبي المهلب. ومنهم من لا يجعل عنهما أحدا
فيجعله عن أبي قلابة عن أبي ذر. ومنهم من يقول: عن أبي قلابة أنّ رجلا
من بنى قشير قال: يا نبي الله، وهو حديث ضعيف لا شك فيه؛ لأنّه لابد فيه
عن عمرو بن مجدان، ولهذا المعنى إسناد صحيح من رواية أبي هريرة قال عليه
الصلاة والسلام: " الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ". رواه
البزار (1) عن مقدم بن محمد ثنا عمى القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم ثنا
هشام بن حسان عن ابن سيرين عنه. انتهى كلامه. وفيه نظر من وجوه:
الأول: تقريره قول أبي محمد عن الترمذي حسن، والذي رأيته في عدّة من
نسخه حسن صحيح كما قدمته أولا، وكذا ذكره ابن عساكر في الأطراف
والشيخان ضياء الديّن المقدسي في أحكامه والمنذري في مختصره. الثاني:
عصبة الجهالة برأس بن بجدان وهو فيه أمر عجيب؛ وذلك أنّه كثير النظر في
كتاب العجلي وهو قد قال في تاريخه: بصري تابعي ثقة، وكذلك ذكره أبو
حاتم البستي، وأمّا قول الإمام أحمد فيه وسأله عنه ابنه عبد الله: عمرو
معروف؟ قال: لا، فليس تضعيفا له. الثالث: ما ذكره من الاختلاف في اسمه
ونسبه كلّه يرجع إلى شيء واحد، والله أعلم وفيه أيضا خلاف لم يذكره وهو
عمرو بن محجن- أو محجل- وقيل: عن محجن أو أبي محجز فيما ذكره
الخطيب في كتاب الفصل والوصل. وأما ما قال عن أبي المهلب فحذائه لو
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/261) وعزاه إلى البزار وقال: لا نعلمه
يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه، قلت: ورجاله رجال الصحيح. وأبو داود (333)
والبيهقي (1/7، 8، 220، 7/84، 212) والبغوي (1/540) والقرطبي (5/133)
والدارقطني (1/186) والمنثور (2/168) والفتح (1/235) وابن كثير (2/274، 280)
والتاريخ الكبير (6/317) .

(1/709)


كان صحيحا لكان الآتي به هو مُوسى بن خلف أبو خلف العمي القائل فيه
أبو حاتم كثرت روايته للمناكير. فاستحق الترك، ولما روى أبو القاسم حديث
مقدم في الأوسط قال لم يرو هذا الحديث عن محمد بن سيرين إلا هشام ولا
عن هشام إلا القاسم بن يحيى- تفرد به مقدم- وحديث حكيم بن معاوية
عن عمه أنه سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنّى أغرب عن الماء ومعى (1) أهلي أفأصيب
منهم؟ قال: نعم./قال: إني أغيب شهرا. قال: وإن مكثت ثلاث سنين ".
ذكره البرقي في تاريخه من جهة بقية ثنا سعيد بن بشير ثنا قتادة عن معاوية
بن حكيم أو حكيم بن معاوية عن عمه. ورواه الوليد عن سعيد فقال: عن
معاوية بن حكيم، ولم يشكّ وعمه عبد الله بن سعيد، ولما ذكره البيهقي في
السنن الكبير من حديث معاوية بن حكيم قال: فقال عمه حكيم بن معاوية
غيره، وحديث زيد بن أبي أنيسة أنّ رجلا: أصيب فغسل فمات فقال النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لو تيمموه قتلهم الله "! قال النعمان: فجلب فيه الزهري أنه بعد أن
يرويه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت من حدثك؟ فقال: أنت حدثتني عمن حدثك.
قلت: عن رجل من أهل الكوفة؟ قال أفسدته في حديث الكوفة وعليك ذكره
البخاري في الأوسط (2) . وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال:
جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا رسول الله نغيب لا نقدر على الماء أيجامع
أهلنا قال: نعم ". رواه الإمام أحمد (3) من حديث ابن أرطأة وفي السنن لأبي
داود (4) من حديث عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: احتلمت في ليلة
باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت أن أغتسل فأهلك فتيممت ثم صليت
بأصحابي. فذكروا ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا عمرو صليت بأصحابك وأنت
جنب " فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إنِّي سمعت الله يقول:
(ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) قال: " فضحك رسول الله
__________
(1) قوله: " ومعي أهلي " سقط من " الأصل " وأثبتناه من " الثانية " وكذا أثبتناه.
(2) ضعيف. رواه البخاري في " التاريخ الصغير ": (2/68) . قلت: وعلته الرجل الذي لم يُسم.
(3) ضعيف. رواه أحمد: (2/225) . قلت: وعلّته ابن ارطأة فهو مدلس، وإن كان قد وثق.
(4) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 124- باب إذا خاف الجنب البرد
أيتيمم؟ (ح/ 334) .

(1/710)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يقل شيئا ". رواه عن ابن مثنى ثنا وهب بن جرير ثنا أبي سمعت
يحيي بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنيس عن
عبد الرحمن بن جبير بن نصر ثنا محمد بن سلمة ثنا بن وهب عنه ثم قال:
ابن جبير هذا مصري مولى خارجة بن حذافة وليس هو ابن جبير بن نفير ثنا
محمد بن سلمة ثنا ابن وهب عن ابن لهيعة وعمرو بن الحرث عن زيد عن
عمران عن / ابن جبير عن ابن قيس مولى عمر وإن عمرا كان على سرية،
وذكر الحديث نحوه قال: يغسل مغابنة ويتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم
فذكر نحوه ولم يذكر التيمم، قال أبو داود: وروى هذه القصة عن الأوزاعي
عن حسان بن عطية قال فيه: فتيمم وبنحوه، ذكره في كتاب التفرد. ولما
ذكره أبو عبد الله من حديث أبي قيس بلفظ: " إنّ عمرا كان على سرية
وإنهم أصابهم برد شديد لم ير مثله، فخرج لصلاة الصبح فقال: وإنِّي قد
احتلمت البارحة، ولكن والله ما رأيت بردا مثله هذا، هل مر على وجوهكم
مثله؟ قالوا: لا يغسل مغابنه، وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم فلما قدم
على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل كيف وجدتم عمرا وصحابته فأثنوا عليه خيرا وقالوا: يا
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بنا وهو جنب فأرسل إلى عمرو، فسأله فأخبره بذلك
وبالذي يلقى من البرد فقال: يا رسول الله إن الله قال: (ولا تقتلوا
أنفسكم) ولو اغتسلت مت فضحك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عمرو " (1) . قال: هذا
حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والذي عندي أنهما عللا
بحديث جرير بن حازم عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب ثم ذكر
الحديث المتقدّم، وقال: حديث جري لا يعلّل حديث عمرو الذي فيه ذكر أبي
قيس؛ فإن أهل مصر عرفوه بحديثهم من أهل البصرة، ولما ذكره البيهقي قال:
يحتمل أن يكون عمرو فعل ما قيل في الروايتين جميعا: غسل ما قدر على
غسله، وتيمم للباقي. وقال أبو طالب: سألت الإمام أحمد، يؤم المتوضئين؟
قال: نعم قدام ابن عباس- يعني: أصحابه- وهو جنب فتيمم وعمرو بن
العاص صلى بأصحابه وهو جنب فأخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتبسم. قلت: حسان بن
__________
(1) صحيح. رواه الحاكم: (1/176- 177) .

(1/711)


عطية سمع من عمرو قال: لا، ولكن يقوى لحديث ابن عباس وقال: نهى عنه
إنه ذكر ما روى عن عمرو فقال: ليس بمتصل الإسناد، قال: وذكرت له عن
علي لا يؤم المتيمم المتوضئين فلم يعرفه. انتهى. إنّما أنكره؛ لأنه من رواية
الحرث عنه عمّا ذكره البيهقي. ولما ذكره عبد الحق الأشبيلي- رحمه الله
تعالى- في الأحكام الكبير هذا الإسناد/أعلى من الأول عمرو بن الحرث لا
يقاس بيحيى بن أيوب وعبد الرحمن بن جبير المصري أدرك عمرو بن العاص،
وعمران بن أبي أنس ثقة مشهور، وأمّا قول أبي الحسن بن القطان وزاد-
يعني: الأشبيلي- فيه لفظا آخر من رواية عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن
أبيِ قيس مولى عمرو عن عمرو ثم قال: هذا أوصل من الأوّل. كانه يفهم أنّ
الأول أيضا موصول وليس كذلك؛ بل معنى قوله أوصل: أنّ هذا متصل دون
الأوّل فإنه منقطع. انتهى كلامه. وفيه نظر؛ من حيث إن عبد الحق لم يقل
جبير بن نفير كما قاله عنه، ونص ما عنده عبد الرحمن بن جبير المصري عن
أبي قيس وأبي متبوع لأبي محمد هذا القول، ومن عد أبي داود فعل الحديث
وأبو داود قد نص على أنه ليس بأنه جبير بن نفير، ولكن قوله هذا يتجه على
ما ذكره في الكبرى من أنه أدرك عمرا فصار هذا موصولا أيضا فيسار في
الاتصال وأصله في تعليق (1) البخاري بلفظ: " إنه أجنب في ليلة باردة فتيمم،
وتلا قوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحميا) ، فذكر ذلك
للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يعنّفه. ووقع في أنساب بنى سهم أصابتني جنابة وأنا مريض
شديد المرض، فخفت إن اغتسلت أن أقتل نفسي ... " الحديث. وحديث أبي
هريرة وقد تقدّم. وحديث طارق بن شهاب قال: " جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقال: يا رسول الله، إنى أجنبت فلم أصل قال: أحسنت وجاء آخر فقال: إنى
__________
(1) صحيح. رواه البخاري " تعليقا " في: 7- كتاب التيمم، 7- باب إذا خاف العطش
تيمم) فتح الباري: 1/541) .
قوله: " فلم يعنف " حذف المفعول للعلم به، أي: لم يلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرا، كان ذلك
تقريرا دالا على الجواز.
وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك، سواء كان لأجل برد أو
غيره.

(1/712)


أجنب فتيممت وصليت. قال: أصبت ". ذكره أبو محمد الأموي وصححه
بعد شهادته لطارق، وفي سنن البيهقي وأمّا فعل ابن عمر قال البيهقي:
محمول على الاستحباب، وحديث جابر مرفوعا: " لا يؤم المتيمم
المتوضئين " (1) : إسناده ضعيف فيما قال الدارقطني. وحديث الزهري عن سعيد
عن عمر بن الخطاب قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يؤم المتيمم المتوضئين ". ذكره ابن
شاهين وذكر بعده حديث عمرو بن العاص ثم قال: يحتمل أن يكون هذا
الحديث ناسخا للأول، وهذا الحديث مأخوذ إسنادا من حديث الزهري./وإن
صحّ فيحتمل أن يكون النهى في ذلك لضرورة وقعت مع وجود الماء، فان قال
قائل: فيجوز أن يكون هذا رخصة لعمرو إذا لم ينهه ولم يأمر بالإعادة، قيل لو
كان رخصة له دون غيره لم يقل له. أحسنت وضحك في وجهه، ولقال له:
كما قال لأبي بردة بن يسار وغيره، والله أعلم. وأمّا إذا تيمم الرجل وصلّى
ثم وجد الماء ففيه حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال: " خرج رجلان
في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا
الماء في الوقت وأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر ثم أتيا النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرا ذلك له فقال للذي/يعد: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك.
وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين ". ذكره أبو عبد الله في
مستدركه (2) من حديث ابن نافع عن الليث عن بكر عنه وقال: هذا حديث
صحيح على شرط الشيخين، قال ابن نافع: ثقة. وقد وصل هذا الإسناد عن
الليث، وقد أرسله غيره أنبأ أبو بكر بن إسحاق أنبأ أحمد بن إبراهيم بن
ملحان نا يحيى بن بكير ثنا الليث بن سعد عن عمرة بن أبي ناجية عن بكر
بن سوادة عن عطاء بن يسار عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنحوه. انتهى كلامه. وفيه نظر؛
__________
(1) ضعيف. رواه البيهقي (1/234) والدارقطني (1/185) والكنز (20439) والمتناهية
(1/381) .
(2) صحيح. رواه الحاكم (1/178، 181) وأبو داود (ح/338) والنسائي في (الغسل،
باب " 27 ") والبيهقي (1/231) ونصب الراية (1/160) وتلخيص (1/155) والكنز
(31846) والدارمي (744) . وسنده حسن، ورواه ابن السكن بإسناد متصل صحيح، وله
شاهد من حديث ابن عباس.

(1/713)


لما ذكره أبو داود من أنّ ذكر أبي سعيد في هذا الحديث وهم، وليس محفوظ
وهو مرسل ثنا النعمان ثنا ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن أبي عبد الله مولى
إسماعيل بن عبيد عن عطاء بن يسار أنّ رجلين من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعناه
وقال الطبراني في الأوسط: ورواه من حديث الليث عن بكر بن سوادة عن
عطاء عن أبي سعيد قال: لم يروه عن الليث متصلا إلا عبد الله بن نافع تفرد
به المثنى. وقال الدارقطني: تفرد به عبد الله بن نافع. عن الليث هذا الإسناد
متصلا وخالفه ابن المبارك وغيره فلم يذكروا أبا سعيد. وعاب أبو الحسن على
الأشبيلي كونه دعاه بالإرسال وأعقل كونه منقطعا فيما بين الليث وبكر، قال:
قلت: هو قد منع به مرسلا، والمرسل متصل إلى عطاء بزيادة عمير (1) /فلعله
الذي أورد فإيّاه قصد فالجواب أن يقول: هو إذن قد ترك أن تبيّن أنه مرسل
في إسناده رجل مجهول، وذلك أنّ عميرة ابن أبي ناجية مجهول الحال فإذا
لم يبيِّن ذلك فقد أوهم أنه لا عيب له إلا الإرسال وألا ظهر انه لم يرد شيئا
من ذلك ولا أعتقد فيه إلا أنه إذا سقط منه ذكر أبي سعيد- يعني: من رواية
الليث- عن بكر عن عطاء مرسلا على نحو ما رواه ابن المبارك عن الليث
ذكر روايته الدارقطني فقال: ثنا محمد بن إسماعيل ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا
عبد الرزاق عن ابن المبارك عن كثير عن بكر عن عطاء: أن رجلين أصابتهما
جنابة فتيمما ... نحوه، وإذا كان هذا هو الذي اعتقد فلم يعتمد إلا منقطعا
فيما بين كثير وبكر ولكنه لم يبيّنه، ولا أيضا شيء له على نحو ينفعه؛ فإنّ
المنقطع الذي اعتمدنا وصّله أبو داود عن رجل مجهول وهو عميرة، وأقول بعد
هذا أنّه قد جاء من رواية أبي الوليد الطيالسي ثنا الليث عن عمرو بن الحرث
وعميرة عن بكر عن عطاء عن أبي سعيد ذكره أبو على بن السكن فقال: ثنا
أبو بكر الواسطي ثنا عباس بن محمد ثنا أبو الوليد فذكره. وأمّا الانقطاع
الذي زاده ابن لهيعة فيما بين بكر وعطاء فلا يلتفت إليه؛ لضعف ابن لهيعة.
انتهى كلامه. وفيه نظر؛ من حيث عصبة الجنابة برأس عميرة وأظنّه أبا عذرة
هذا القول، وليس كما زعم أنه ممن قال فيه الحافظ أبو سعيد بن يونس: هو
مولى حجر بن ذى رعني ثم مدر يكنى أبا يحيى وكان ناسكا متعبدا، فقال:
__________
(1) قوله: " بزيادة عمير " سقطت من " الأولى " وأثبتناه من " الثانية ".

(1/714)


إن أباه ناجية كان روميا يدّعى حريثا روى عنه عبد الرحمن بن شريح وحيوة
بن شريح والليث وبكر بن مضر ويحيى بن أيوب ورشدين بن سعد وعبد الله
بن وهب، قال ابن دريد: توفي سنة ثلاثٍ وخمسين ومائة، فنحر مصرحا من
الحج وكانت له عبادة وفضل، وقال أحمد بن وزير: سمعت ابن وهب يقول:
كان عميرة من العباد وكان بمنزلة النائحة إذا قرأ يبكي، وإذا سجد يبكي، وإذا
سكت عن القراءة، وفرغ من الصلاة/ جلس يبكى وكان يزيد بن حاتم الأمير
سئل عنه فيقول: ما فعلت الكلا، وقال أبو نصر بن ماكولا: وروى عن يزيد
بن أبي حبيب وأبي الأسود ويحيى بن سعيد الأنصاري، وقال النسائي: وابن
بكر كان ثقة. وقال المسحالي عن أحمد بن محمد بن رشدين: سمعت أحمد
بن صالح وسئل عن عميرة وأبي شريح فقال: هما متقاربان في الفضل وذكره
البستي في كتاب الثقات وقال: توفي سنة إحدى وخمسين. وكذلك ذكره
ابن نافع. وأمّا التيمم لردّ السلام ففيه حديث أبي الجهيم بن الحرث بن الصمة
قال: " أقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلِّم عليه فلم يرد
عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه ثم ردّ عليه
السلام ". أنبأ به المسند المعمر أبو الحسن بن الصلاح- رحمه الله- أنبأ العلامة
أبو علي الحسن بن محمد بن محمد البكري وأبو عبد الله المرسى قالا: أنبأ
المؤيد الطوسي أنبأ الفراوي أنبأ الفارسي أنبأ أبو أحمد بن عمرو به ثنا أبو
إسحاق بن سفيان سمعت أبا الحسين القشيري قال: وروى الليث بن سعد عن
جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن عون عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه
يقول: أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى
دخلنا على أبي الجهيم، فقال ... الحديث. كذا ذكره مسلم (1) بن الحجاج في
صحيحه مقطوعا، وفيه مع ذلك وهم: وهو قوله: عبد الرحمن بن يسار، وقد
ذكره أبو عبد الله في صحيحه متصلا سالما من هذا الوهم أنبأ بذلك مسندا،
وفيه الشيخ أبو العباس الصالحي- رحمه الله- أنبأ ابن الزبيدي أنبأ أبو الوقت
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في: 3- كتاب الحيض، 28- باب التيمم، (ح/114) .
قوله: " من نحو بئر جمل " أي: من جانب ذلك الموضع. وبئر جمل موضع بقرب المدينة.

(1/715)


أنبأ الراودي أنبأ السرخسي أنبأ الفربري أنبأ محمد بن إسماعيل- رحمه الله-
ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج قال: سمعت
عميرا مولى ابن عباس قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة حتى
دخلنا على أبي جهيم، فذكره ورواه أبو داود (1) وأبو عبد الرحمن من رواية
شعيب بن أينب عن أبيه فثبت اتصاله وصح الاحتجاج به، ووقع في هذا
الحديث زيادة حسنه أنبأ بها المسند المعمر علي/بن موسى الحجازي أنبأ شيخ
الإسلام شمس الدين الخردقي قراءة عليه في شهور سنة تسع وستين وستمائة،
ثنا الفقيه رشد الدين زاهد بن محمد المروزي أنبأ شيخ الإسلام أبو محمد
التميمي أنبأ الحافظ أبو محمد الحسين بن مسعود، أنبا عبد الوهاب بن محمد
الكناني، أنبأ عبد العزيز بن أحمد الخلال، ثنا أبو العباس الأصم، قال البغوي:
وأنبأ أحمد بن عبد الله الصالحي ومحمد بن أحمد العارف قالا: أنبأ أبو بكر
الحيري ثنا الأصم أنبأ الربيع أنبأ الشّافعي أنبأ إبراهيم بن محمد عن أبي
الحويرث عن الأعرج عن ابن الصمة قال: " مررت على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يبول،
فسلمت عليه فلم يردّ علي حتى قام إلى جدار فحثّه بعصا كانت معه، ثم
وضع يده على الجدار فمسح وجهه وذراعيه، ثم ردّ علي " (2) . قال: هذا
حديث حسن وفيه فوائد منها: وجوب مسح اليدين إلى المرفقين، ومنها: أنّ
التيمم لا يصح ما لم يعلق باليد غبار التراب؛ لأنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حثّ الجدار
بالعصا ولو كان مجرد الضرب كافيا لكان لا يحثّه. وحديث أبي هريرة تقدّم
ْذكره من عند ابن ماجة. وحديث عبد الله بن عمر تقدم أيضا. وحديث
عبد الله بن حنظلة بن الراهب: " أن رجلا سلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد بال فلم
يرد عليه حتى قام بيده إلى الحائط، يعني: أنه تيمم- ". رواه أحمد في
مسنده (3) وفي طريقه رجل لم يسم. وحديث سليمان بن يسار " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 122- باب التيمم في الحضر، (ح/ 329) .
قلت: وإسناده صحيح متصل.
(2) حسن. رواه البيهقي: (1/205) .
(3) ضعيف. رواه أحمد: (5/225) . قلت فيه رجل لم يُسم.

(1/716)


ذهب إلى مرحل حاجته ثم أقبل فسلم عليه رجل فلم يرد عليه حتى مسح يده
بجدار ثم رد عليه السلام ". ذكره أبو بكر في كتاب المعرفة. وأما التيمم
بالسباخ ففيه: حديث عائشة قال عليه الصلاة والسلام: " قد أريت دار
هجرتكم أرأيت مسبخة ذات نخل ... " الحديث خرجه ابن خزيمة في
صحيحه (1) وقال فيه: إن التيمم بالسباخ جائز، وأما التيمم للجنازة ففيه حديث
رواه ابن عدى (2) من جهة مغيرة بن زياد عن عطاء عن ابن عباس قال النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا فجئتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمي "./قال ابن عدي: هذا
غير محفوظ وإنما هو موقوف عن ابن عباس. وفي كتاب العلل لعبد الله بن
أحمد، وروى الليث عن نافع عن ابن عمر أنه قال: " لا يصل على الجنازة إلا
وهو طاهر ". قال البيهقي: وكذلك رواه مالك عن نافع. والذي روى عنه
في التيمم لصلاة الجنازة يحتمل أن يكون في السفر عند عدم الماء، وفي إِسناد
حديث ابن عمر في التيمم ضعف، وأما التيمم لكل فريضة فقد صح عن ابن
عمر وروى عن علي وعمرو بن العاص وابن عباس فيما قاله البيهقي: واستدل
على جد طلب الماء بحديث ابن عمر: " أنه تيمم مريد (3) النعم وصلى وبينه
وبين المدينة ثلاثة أميال وبمرية أيضا أن كان يكون في السفر فحضره الصلاة،
والماء منه على غلوة أو غلوتين ". ونحو ذلك ثم لا يعدل إليه، وسئل ابن
المسيب عن راعى في غنمه أوراعى تصيبه الجنابة وبينه وبن الماء ميلان أو
ثلاثة، قال: يتيمم صعيدا طيبا. وعن علي: " اطلب الماء حتى يكون أخر
الوقت، فإذا لم تجد ماء تيمم ثم صل " قال أبو بكر: وهذا لم يصح عن علي
والثابت عن ابن عمر يقول ومعه طاهر القرآن، والله تعالى أعلم.
__________
(1) صحيح. رواه ابن خزيمة (265) والبخاري (3/128) وتلخيص (1/149) والنبوة (2/
459) والمنثور (3/243) وابن عساكر في " التاريخ " (7/139) وطبقات ابن سعد (1/1/
152) والبداية (3/168) .
(2) ضعيف. رواه ابن عدي في " الكامل " (7/2640) ونصب الراية (1/157) والمتناهية
(1/381) .
قلت: الحديث غير محفوظ.
(3) قوله: " مريد " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(1/717)


61- باب ما جاء في الغسل من الجنابة
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد ثنا وكيع عن الأعمش عن
سالم بن أبي الجعد عن كريب مولى ابن عباس ثنا ابن عباس عن خالته ميمونة
قالت: " وصفت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غسلا، فاغتسل من الجنابة، فأكفأ الإناء بشماله
على يمينه، فغسل كفيه ثلاثا، ثم أفاض على فرجه بالأرض ثم دلك يده
بالأرض، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثلاثا ثم أفاض على
سائر جسده، ثم تنحى فغسل رجليه ". هذا حديث خرجه أصحاب الكتب
الستة (1) ، وفي لفظ للبخاري: " ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكا شديدا،
ثم توضأ وِضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات على كفيه وفي
آخره ثم أهِيثُهُ (2) بالمنديل/فرده ". وفي رواية: " وجعل يقول بالماء هكذا،
ينفضه "، وفي لفظ: " ثم غسل فرجه، ثم مال بيده إلى الأرض فمسحها
بالتراب ثم غسلها "، وفي لفظ: " فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا "، وفي لفظ لمسلم:
" يغسل فرجه وما أصابه، ثم مسح يده بالحائط أو الأرض "، وفي صحيح
الإسماعيلي: " مسح يده في الجدار، وحين قضى غسله غسل رجليه ". وفي
لفظ: فلما فرغ من غسل فرجه دلك يده بالحائط ثم غسلها، فلما فرغ من
غسلها غسل قدميه "، وفي لفظ للبخاري: " وضعت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسترته بثوب ".
وفي لفظ: " فأكفأ بيمينه على شماله مرتين أو ثلاثا ثم غسل فرجه ثم ضرب
بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثا "، وفي لفظ: " ثم أفرغ بيمينه على شماله
فغسل مذاكيره "، وفيه: " ثم غسل رأسه ثلاثا ". وفي لفظ: " فلما فرغ من
غسله، غسل رجليه لم يزِد" قال الإسماعيلي: قدمين زائدة أن من الجنابة ليس
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (266) ومسلم في (الحيض، ح/37) وأبو داود
(ح/ 245) والترمذي (103) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (1/163) وابن
ماجة (ح/573) والبيهقي (1/177، 184) والدارقطني في " السنن " (1/114) والدارمي
(ح/747) ومالك في الموطأ (الطهارة، ح/89) .
(2) كذا ورد في السياق " بالأصل ".

(1/718)


من قول ميمونة ولا ابن عباس وإنّما هو عن سالم، وفي صحيح ابن خزيمة: " ثم
أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفيه ". وفي لفظ: " فأتى بمنديل فأبي أن
يقبله وجعل ينفض الماء عنه ". ولفظ أبي علي الطوسي في كتاب أحكامه
وحكم عليه بالصحة فأتيته بثوب فقال بيده: هكذا. وعند الدارقطني: " ثم
غسل سائر جسده قبل كفيه ". وفي مسد الدارمي: " فأعطيته ملحفة فأبي ".
ولما ذكر بعده حديث عائشة قال: هذا أحب إلي من حديث سالم- يعني:
حديث ميمونة- وقد أشار إلى هذا قبل. حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي
الشوارب بن عبد الواحد بن زياد ثنا صدقة بن سعيد الجعفي ثنا جميع بن
عمير التيمي قال: " انطلقت مع عمتي وخالتي فدخلنا على عائشة فسألناها:
كيف كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع عند غسله من الجنابة؟ قالت: كان يفيض
على كفّيه ثلاث مرات، ثم يدخلها الإناء، ثم يغسل رأسه ثلاث مرّات، ثم
يفيض على جسده، ثم يقوم إلى الصلاة. وإنا نحن فإنا نغسل رءوسنا خمس
مرات من أجل الضفر ". هذا حديث رواه البيهقي في/الكبير (1) بلفظ:
" دخلت مع عمتي وخالتي على عائشة، فسألها إحداهما كيف كنتم
تصنعون ... " الحديث. ولما ذكره أبو محمد الأشبيلي سكت عنه إلا أنّه أبرز
من إسناده جميعا وذلك مشعر بصحته عنده، وتتبع ذلك عليه ابن القطان
بكونه لهوى ذكر راويه عن جميع وهو صدقة بن سعيد والد الفضل بن صدقة
وهو علّة الخبر، قال البخاري: عنده عجائب. وقال فيه الساجي: ليس بشيء.
وقال ابن وضاح: ضعيف. وقال فيه أبو حاتم: شيخ وبالجملة فلم يثبت عدالته،
أو لم يثبت فيه جرح مفسد وإلى هذا فإن جميعا وإن كان قد روى عنه
جماعة وقالوا إنه صالح الحديث فقد قال أبو حاتم فيه: من عنق الشيعة، وقال
أبو أحمد بن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه غيره عليه. وأحسن أحوال هذا
الحديث أن يقال فيه: حسن. انتهى كلامه. وفيه نظر؛ من حيث عصبة الجنابة
برأس صدقة وبترميه جميعا وهو ممن قال فيه ابن نمير: كان من أكذب الناس.
وقال البخاري في الأوسط: حديثه ليس بشيء. وقال في الكبير: سكتوا عنه
__________
(1) ضعيف. رواه البيهقي: (1/180) .

(1/719)


وهو قد أخبر عن اصطلاحه في هذه اللفظة فيما ذكره الدولابي عنه: بأنهم
تركوا حديثه، وقال الخفّاف عنه: لا أروى عنه. وفي لفظ: لا يحل الرواية
عنه. وقال الساجي: في أحاديثه مناكير وفيه نظر، وهو صدوق. ولما ذكره
البلخي في كتاب الضعفاء قال: هذا يضع الحديث لا يحتمل. وقال العجلي:
لا بأس به يكتب حديثه وليس بالقوي. وذكره ابن حبان في كتاب الضعفاء،
فقال: كان يضع الحديث. وذكره في كتاب الثقات سهوا منه أو لترجيح أحد
الأمرين على الآخر ويشبه أن يكون ذكره إياه في الضّعفاء آخر الاحتمال
اطلاعه بعد على كلام القدماء، فنظره ثابتا وسر أحاديثه فترجح الضعف على
غيره. وقال المنذري: لا يحتج بحديثه. ولما ذكره أبو العرب كلام أبي الحسن
فيه كوفي تابعي ثقة. وقال أبو العرب: لا يتابع على هذا، والله أعلم. فظهر
من هذا أنّ سكوت أبي محمد عن ذكر صدقة كان صوابا؛ لكونه ممن ذكره
البستي في كتاب الثقات. ولما ذكره/ابن القطان من عدم سرد جرح مفسد
فيه، وأمّا إبرازه جمعيا فليس لقائل أن يقول إنما أبرزه لطعن فيه سبق ذكره
أو ليكل الناظر فيه إلى علمه؛ لأنه لم يتقدم له فيه ما يشعر بذلك كعادته في
الحوالة أو يقول: كتبته حتى أنظره، وأمّا كلام الدارقطني إذ سئل عن هذا
الحديث خالف الرقيقي العلاء بن صالح، فرواه عن جميع بن عمير عن عائشة
موقوفا. وحديث صدقة أشبه بالصواب فليس فيه تعرض للتصحيح وعدمه، إنّما
فيه ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى على ما فيهما ومن المستغرب في هذا
الحديث هو قولها: فأمّا نحن فنغسل رءوسنا خمس مرات من أجل الضفر لما
أثبت في صحيح البخاري (1) عنها أنها قالت: " كنا إذا أصابت إحدانا جنابة،
أخذت بيديها ثلاثا فوق رأسها ". وفي صحيح مسلم (2) : " وما أريد أن أفرغ
على رأسي ثلاث إفراغات ". وفي صحيح ابن خزيمة " ثلاث حثيات " أو قال:
__________
(1) صحيح. رواه البخاري في: 5- كتاب الغسل، 19 باب من بدأ بشق رأسه الأيمن في
الغسل، (ح/227) .
(2) صحيح. رواه مسلم في: 3- كتاب الحيض، 12- باب حكم ضفائر المغتسلة، (ح/59)

(1/720)


" ثلاث غرفات " وفي الموطأ (1) : " أن مالكا بلغه عن عائشة عن غسل المرأة من
الجنابة ولتضغث رأسها بيدها " - يعني: تضمه وتجمعه وتغمره بيدها ليدخله
الماء- وليس لقائل أن يقول لعلّ الحديث الأوّل يكون محمولا على أنّ شعرها
كان مضفورا والثاني: غير مضفور لما ذكره أبو عبد الرحمن النسائي عنها:
فأفيض على رأسي ثلاث مرات وما انقض لي شعرا، وفي حديث جبير بن
نفير عن ثوبان عد أبي داود وأمّا المرأة فلا عليها أن تنقصه لتغرف على رأسها
ثلاث غرفات بكفيها، وزعم بعضهم أن هذا معارض قوله عليه السلام لعائشة
في حجة الوداع: " نقضى رأسك وامتشطي عن عمرتك "، وهو مخرج في
الصحيح (2) . وفي كتاب الأفراد لأبي الحسن من حديث مسلم بن صبيح عن
حماد عن ثابت عن أنس قال عليه السلام: " إذا اغتسلت المرأة من حيضها
نقضت شعرها نقضا وغسلته بخطمى وأشنان فإذا اغتسلت من الجنابة صبّت
على رأسها الماء وعصرته " (3) وفيه أخذ أهل الظاهر. وحديث جابر مرفوعا:
__________
(1) صحيح. رواه مالك في: 2- كتاب الطهارة، 17- باب العمل في غسل الجنابة، (ح/
70) .
قوله: " ولتضغث " قال ابن الأثير: الضغث معالجة شعر الرأس باليد عند الغسل، كأنها
تخلط بعضه ببعض، ليدخل فيه الغسول والماء.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/86، 2/172، 3/4، 5، 5/221)
ومسلم في (الحج، ح/111، 113) وأبو داود في (المناسك باب " 23 ") والنسائي (5/
166) وأحمد (6/64 ظ، 246) والبيهقي (1/182، 4/346، 353، 5/105)
وشرح السنة (7/81) وتجريد (41) وحبيب (2) وبداية (5/138) والموطأ (411) وتمهيد
(8/198، 203، 204، 215، 225) وابن خزيمة (2788) .
(3) ضعيف. رواه الخطيب في " تلخيص المتشابه " (2/ 34/1) والبيهقي في " السنن
الكبرى " (1/182) من طريقين عن مسلم بن صُبيح: ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أن
مرفوعا. قال الدارقطني: " هذا حديث غريب من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أن.
تفرد به مسلم بن صبيح عن حماد، ولم نكتبه إلا من هذا الوجه ".
وأخرجه الضياء في " المختارة " (ق 2/23- مسند أنس) من طريق الطبراني وهذا في " المعجم الكبير " (1/2/37) وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/273) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "، وفيه سلمة بن صبيح اليحمدي ولم أجد من ذكره.

(1/721)


" في المرأة تغسل من حيضة أو جنابة لا تنقض شعرها " (1) /ذكره أبو محمد بن
جرير (2) وضعفه بابن حبيب وابن لهيعة، وقد وقع لنا من غير حديثهما رواه
ابن أبي داود عن أحمد بن عضل وثنا أبو بكر الحنفي ثنا سفيان الثوري عن
أبي الزبير عنه وهو سند صحيح وقد جاء في كيفية غسله عليه السلام
أحاديث منها حديث جابر: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأخذ ثلاثة أكف فيفيضها
على رأسه ثم يفيض على سائر جسده ". خرجاه في الصحيح (3) من حديث
أبي جعفر محمد بن علي عنه ورواه أبو سفيان عنه أنّ وفد ثقيف سألوا النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: إن أرضنا باردة فكيف نفعل بالغسل فقال: " أمّا أنا فأفرغ على
رأسي ثلاثا " (4) . أنبأ به المسند المعمر أبو زكريا المقدسي- رحمه الله- قراءة
عليه وأنا أسمع عن الفقيه بهاء الدين المصري أنبأ شهرة الزيدية قراءة عليها أنبأ
أبو منصور قراءة عليه أنبأ الحافظ أبو بكر الخوارزمي ثنا الحافظ أبو بكر أحمد
بن إبراهيم بن إسماعيل ثنا طلحة بن أبي طلحة كتبت عنه وأنا صغير وهو
مغمور عليه لم أخرج عنه فيما صنعت شيئا أنبأ يحيى بن يحيى أنبأ هشيم عن
أبي بشر عن أبي سفيان به. وحديث جبير بن مطعم عند البخاري (5) : " أما
أنا فأفيض على رأسي ثلاثا وأشار بيده كلتاهما "، وخرجه مسلم (6) ولم يذكر
بالإشارة وقال ابن أبي حاتم في علله عن أبي زرعة الصحيح موقوف. وفي
مسند (7) أحمد: " فأخذ مِليءُ كفي ثلاثا ثلاثا فأصب على رأسي ثم أفيض بعد
__________
(1) قال الترمذي عقب (ح/105) : " والعمل على هذا عند بعض أهل العلم: أن المرأة إذا
اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها ".
قلت: والحديث ضعيف، وذكره ابن جرير محمد.
(2) قوله: " أبو محمد بن جرير " سقط من " الأولى " وأثبتناه من " الثانية ".
(3) صحيح. رواه البخاري (1/73) وإتحاف (2/378) وأصفهان (2/282) .
(4) رواه أحمد (3/304، 4/85) والبيهقي (1/187) والكنز (27251، 27381)
والمنحة (224) وجرجان (238) .
(5، 6) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/73) ومسلم (259) وأبو داود (239) وابن
ماجة (575) وأحمد (4/84) والبيهقي (1/176، 177) وعبد الرزاق (995) والمنحة
(223) والجوامع (4309) والطبراني (2/112، 113) وابن السني (1/64) .
(7) صحيح. رواه أحمد: (4/84) .

(1/722)


على سائر جسدي ". وحديث أبي هريرة عند أحمد (1) : " كان عليه السلام
يصب بيده على رأسه ثلاثا ". وحديث ثوبان عند أبي داود (2) : " أما الرجل
فلينثر رأسه، فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر ". وحديث ابن عباس أنه: " كان
إذا اغتسل من الجنابة، يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرات، ثم
يغسل فرجه، فنسى مرة". قال شعبة لمولاه: فسألني كم أفرغت؟ قلت: لا
أدري قال: لا أدراك، وما يمنعك أن تدري؟ ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم
أفاض على جلده الماء ثم قال: هكذا كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتطهر ". رواه أبو
داود (3) من حديث شعبة، وفيه كلام وخرج أيضا حديث أبي عاصم/عن ابن
عمر: " كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرات، وغسل البول
من الثوب سبع مرات، فلم يزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأل حتى جعلت الصلاة
خمسا، والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة " (4) .
عبد الله بن عاصم وثقة ابن معين وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال أبو
حاتم: شيخ والراوي عنه أيوب بن جابر تكلم فيه جماعة. وقال فيه الفلاس:
صالح. وقال أحمد: حديثه يشبه حديث أهل الصدق وقال ابن عدي: أحاديثه
صالحة متقاربة يحمل بعضها بعضا، وهو ممن يكتب حديثه. وقال الطبراني في
الأوسط: لم يروه عن ابن عمر إلا ابن عاصم. تفرد به أيوب. وحديث عائشة:
" كان عليه الصلاة والسلام إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ
بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوء للصلاة، ثم يأخذ الماء
فيدخل أصابعه في أصول الشعر، حتى إذا رأى أنه قد استبرأ حفن على رأسه
ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه ". رواه في
__________
(1) صحيح. رواه أحمد (3/292) وأبو عوانة (1/232) .
(2) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 99- باب في المرأة هل تنقض شعرها
عند الغسل، (ح/255) .
(3) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 97- باب الغسل من الجنابة، (ح/ 246)
(446) صحيح. رواه أحمد (2/109) والمشكاة (450) والإِرواء (1/186) .

(1/723)


الصحيح (1) وفي لفظ وعابش نحو الحلاب، زاد البزار: من حديث الطفاوي
عن أيوب عن هشام عن أبيه عنها: " كان يخلل رأسه مرتين فيغسل الجنابة ".
وفي سنن أبو داود (2) من حديث: رجل من سواه عنها: " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب يجتزئ بذلك ولا يصعب عليه الماء". وفي
لفظ: " حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة، أو أبقى بشرة، أفرغ على رأسه
ثلاثا وإذا فصلت فصله صبها عليه ". وفي أحكام الطوسي وصححه: " ثم
يشرب شعره الماء، ثم يحثى على رأسه ثلاث حثيات ". وفي لفظ: " ثم غسل
مرافقه وأفاض عليه الماء إذا أنقاهما أهوى إلى حائط، ثم يستقبل الوضوء ثم
يفيض الماء على رأسه ". وفي لفظ: قالت عائشة: " إن شئتم لأرينكم أين يد
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة ". وفي الأوسط لأبي
القاسم: ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا أبي ثنا مؤمل بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة
عن عطاء بن السائب وعلي بن زيد عن أبي سلمة عنها أن النبي/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان
إذا اغتسل من جنابة غسل كفيه ثلاثا، ووصفت المضمضة والاستنشاق وغسل
الوجه والذراعين ثلاثا ثلاثا، ثم يصب الماء على رأسه واحدا واحدا. فإذا فرغ
من مغتسله غسل يديه ". قال: لم يروه عن حماد عن عطاء عن أبي
عبد الرحمن إلا مؤمل. وحديث عمر مرفوعا: "تفرغ بيمينك على شمالك، ثم
تدخل يدك في الإناء فتغسل فرجك وما أصابك، ثم توضأ وضوءك للصلاة ثم
تفرغ على رأسك ثلاث مرات تدلك رأسك كل مرّة ". ذكره الطبراني في
الأوسط مطولا من حديث أبي إسحاق عن عاصم بن عمرو عن عمير مولى
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/73، 74) ومسلم في (الحيض باب " 9 " رقم " 35، 36 " مكرر،
39) وأبو داود في (الطهارة، باب " 97 ") والنسائي في (النسل، باب " 15، 16، 19، 149،
153 ") وأحمد (1/307، 6/237، 330) وتجريد (62) والمشكاة (435) وشفع (104) وشرح
السنة (2/10) والدارقطني (1/113) والشافعي (19) وعبد الرزاق (999) وإتحاف (2/337)
ومطالب (178) والنسائي (1/134) .
(2) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 100- باب في الجنب يغسل رأسه
بخطمى، (ح/256) .

(1/724)


عمر عنه، غريبه: قال أبو زيد الأنصاري: الغسل بالفتح: الاسم وبالضم: اسم
الماء وقيل: فهما معا اسم الفعل وهو قول ابن قريب. وفي الجمهرة: الغسل
مصدر غسلت الشيء أغسله غسلا، والغسل الاسم والغسل ما غسلت به
رأسك، وبنحوه قاله في الصحاح الجامع، وفي المغيث: المغتسل والغسول اسم
الماء الذي يغتسل به، والمغتسل مصدر اغتسل؛ لأنّ مصدر افتعل مفتعل،
فيحتمل أن يكون إنّما سُمِّى بالمصدر، والمغتسل الموضع الذي يغتسل منه وفيه،
وفي الصحيح وضعت له غسلا من الجنابة بضم الغين وهو الماء الذي يغتسل
به كالأكل لما يؤكل.

(1/725)


62- باب الوضوء بعد الغسل (1)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن عامر بن زرارة وإسماعيل بن
موسى السدّى قالوا: أنبأ شريك عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت:
" كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة ". هذا حديث لما خرجه
أبو عيسى (2) من حديث شريك قال فيه: صحيح. وعاب ابن القطان على أبي
محمد اتباع في ذلك لأجل شريك لأنه دائما يضعف به الأحاديث قال
وطريقه الجيدة ما ذكرها النسائي عن أحمد بن عثمان بن حكيم ثنا أبي ثنا
حسن بن صالح بن حيي عن أبي إسحاق، وكأنه نزل بطريق أبي داود لأجل
زهير؛ فإنّ أبا محمد وأبا الحسن يضعفان حديثه، وخرجه/ابن شاهين من
حديث حبان العبري عن الأعمش عن أبي إسحاق عن الأسود ولفظ أبي
داود (3) وخرجه من حديث زهير أنبأ أبو إسحاق بلفظ: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يغتسل ويصلى الركعتين صلاة الغداة، ولا أراه يحدث وضوءا بعد الغسل ".
ولما خرجه أبو عبد الله من حديث أيضا قال فيه: صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرجاه وله شاهد على شرط مسلم ملخص تفسيره. ولم يشك فيه
الراوي فذكر حديث شريك المتقدّم ثم قال: وله شاهد صحيح عن ابن عمر
ثناه عمر ابن جعفر البصري ثنا محمد بن الحسن بن مكرم ثنا محمد بن
عبد الله بن مربع ثنا عبد الأعلى ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر:
أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الوضوء بعد الغسل فقال: " وأي وضوء أفضل من
الغسل ". محمد بن مربع ثقة وقد أوقفه غيره، وفي الأوسط لأبي القاسم: ثنا
__________
(1) سقط هذا العنوان من " الأولى " وأثبتناه من " الثانية ".
(2) صحيح. رواه الترمذي (ح/107) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (ح/
209) وابن ماجة (ح/579) وأحمد (6/19، 68، 192، 253، 258) والبيهقي (1/
179) وشرح السنة (2/14) والمشكاة (445) والكنز (17864، 27415) وأبن أبي شيبة
(1/68) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 98- باب في الوضوء بعد الغسل،
(ح/250) .

(1/726)


أسلم بن سهل الواسطي ثنا سليمان بن أحمد بن مسلم عن سعيد بن بشير
عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من توضأ
بعد الغسل فليس منا " (1) . وقال: لم يروه عن أبان إلا سعيد، ولا عن سعيد إلا
الوليد. تفرد به سليمان بن أحمد الجرشي الشامي سكن واسط، ولما ذكره أبو
أحمد سليمان هذا ضعيف؛ بل متروك. وروى ابن أبي شيبة عن علقمة وقيل
له أن قلابة توضأ بعد الغسل، فقال: أما لو كانت عندنا لم تفعل ذلك، وأي
وضوء أعمر من الغسل، وروى نحوه عن جابر بن زيد وسعيد بن جبير
وعكرمة وحذيفة وإبراهيم وعبد الله بن مسعود، وأما ما روى عن علي أنه
كان يتوضأ بعد الغسل فمن طريق أبي البختري عنه ولم يسمع منه شيئا، ولو
ثبت كان مجهولا عن انتفاض عارض كما حكى عن ابن عمر: " أنه توضأ
بعد الغسل، فسئل فقال: خيل إلي أنه خرج من ذكرى شيء فتوضأت".
كذلك أو يكون متعلقا بحديث قتادة عن عروة عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" كان إذا اغتسل من الجنابة توضأ وضوءه للصلاة " (2) . قال ابن شاهين: وهو
حديث غريب/صحيح، ولقائل أن يقول هذا محمول على الوضوء المسنون
عند الاغتسال لا بعده كما في حديث ميمونة وغيرها، ويحتمل أنه منسوخ
كما ذكره ابن شاهين، ويحتمل أن يكون محمولا على أنه لا يجزئ الغسل
فقد لا ينوب عن الوضوء، ويحمل قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس منا ". أي: ليس
مثلنا، إلا أن يحدث بعد الغسل حادث فوجب الوضوء.
كما قدّمناه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
__________
(1) ضعيف. رواه الطبراني (11/267) والحلية (8/52) وابن عدي في " الكامل " (3/
1140، 7/2618) والمجمع (1/273) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير والأوسط والصغير "
وفي إسناد الأوسط سليمان بن أحمد كذبه ابن معين وضعفه غيره ووثقه عبدان.
وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص 797 ح/5535) .
(2) تقدم من أحاديث الباب.

(1/727)


باب في الجنب يستدفئ امرأته بعد أن يغتسل (1)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا شريك عن حريث عن الشعبي عن مسروق
عن عائشة قالت: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغتسل من الجنابة، ثم جاء فاستدفأنى
فضممته إلي ولم اغتسل " (2) . وقال: ليس بإسناده بأس. ولما ذكره أبو علي
الطوسي في أحكامه عن القاسم بن يزيد الوراق ثنا وكيع ثنا حريث بن أبي
مطرد ثنا يعقوب الدورقي ثنا يحيى بن زكريا بن زائدة حدثني حريث بن أبي
مطر، وهذا حديثه ربما اغتسل النبي ثم باشرني قبل أن أغتسل أو فيه ثم قال:
فقال في هذا الحديث أنه ليس بإسناده بأس، ولفظ ابن وهب في مسنده: " ثم
يأتي وأنا جنب فيسدفئ بي ". ولما خرجه أبو عبد الله الحاكم من حديث
شريك وإسماعيل بن زكريا ثنا حريث بلفظ: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستدفئ
بها بعد الغسل ". قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
وشواهده عن سعيد بن المسيب وعنده عن عائشة، والطريق إليهما فاسد. انتهى
كلامه. وله فيه نظر من حيث أن حريث الفزاري أبا عمر والخيّاط الكوفي لم
يخرج له مسلم في كتابه شيئا، وأنى له ذلك مع قول البخاري فيه نظر! وفي
رواية ليس عندهم بالقوي. وقال الفلاس: لم أسمع يحيى ولا عبد الرحمن
يحدثان عنه بشيء قط وهو حديث بن عمرو وهو ضعيف الحديث نابه عبيدة
الضبي وعبد الأعلى/الجزار ونظراؤه، وقال ابن معين: لا شيء. وقال مرّة:
ضعيف. وكذلك قاله أبو حاتم الرازي وأبو أحمد بن عدي. وقال النسائي
وعلي بن الجنيد وأبو الفتح الأزدي: متروك. وقال الحربي: ليس هو بحجة،
وفي تاريخ أبي زرعة البصري يضعون حديثه. ولما روى حديثه هذا أبو بكر في
سننه الكبير قال: تفرد به حريث وفيه نظر. وروى من وجه آخر ضعيف عن
__________
(1) سقط هذا العنوان من " الأولى " وأثبتناه من " الثانية ".
(2) ضعيف الإسناد والمتن صحيح. رواه ابن ماجة (حبر 580) وأحمد (6/111) وابن أبي
شيبة (1/77) والكنز (27443) . وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/
128) وضعيف أبي داود (ح/44) والمشكاة (459) .

(1/728)


علقمة عن عائشة مختصرا. وذكره أبو جعفر العقيلي في كتاب الضعفاء ولما
ذكره أبو زكريا الساجي قال: ضعيف الحديث عنده مناكير. ثم ذكر له هذا
الحديث فقط، ولما ذكره الطبراني في الأوسط قال: لم يروه عن الشعبي إلا
ابن أبي مطر وكلامه أوضح من كلام البيهقي؛ لأنّ كلامه يقتضى تفرّد
حريث بالحديث نفسه، وليس كذلك لما أسلفناه من كتاب المستدرك، وكان
أبو عبد الله لمح كذب شريك في الإسناد وأنه ممن يخرج مسلم حديثه،
فاعتمده وسهى عمن عداه، وممن كان يستدفئ بزوجته عمر بن الخطاب من
رواية النخعي عنه وأبو الدرداء من رواية عطاء الخراساني عن أم الدرداء
وعبد الله بن عمر من حديث مسعر عن جبلة، وابن عباس من حديث إبراهيم
بن المهاجر عن عبد الله بن شدّاد، وأبو هريرة، والأسود، وعلقمة، وعلي بن
أبي طالب من حديث أبي إسحاق عن الحرث، وسعيد بن المسيب، والحسن
البصري، ذكر ذلك في مصنفه ابن أبي شيبة، قال: وكرهه حماد حين رواه
عن وكيع عن مسعر. وفي كتاب أبي داود من حديث الأفريقي عن عمارة بن
عراب أن عمّة له حدّثته وأنها سألت عائشة؛ فذكرت حديثا فيه: " دخل النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مسجده. قال أبو داود: يعني: مسجد بيته، فلم ينصرف حتى غلبتني
عيني وأوجعه البرد، فقال: ادن منّى فقلت: إني حائض، فقال: وأن اكشفي
عن فخذيك فكشفت فخذي فوضع خدّه وصدره على فخذي وحنيت عليه
حتى دفيء ونام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (1) .
ويعارض هذا على تقدم صحته ما في التمهيد من حديث ابن لهيعة، قال
أبو عمر: ولا يعرف/إلا من طريقه إن فرط بن عوف سأل عائشة: أكان النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضاجعك وأنت حائض؟ قالت: نعم، إذا شددت على إزاري وذلك إذا
لم يكن لنا إلا فراش واحد فلما رزقنا الله فراشين اعتزل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وما في
السنن أيضا عن أبي اليمان عن أم درة وهي مجهولة فيما قاله ابن حزم عن
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/270) وابن كثير (1/378) والبخاري في الأدب للفرد (ح/
120) والمنثور (1/259) والتمهيد (3/175) .

(1/729)


عائشة أنها قالت: " كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير فلم يقرب
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يدن منه حتى نطهر " (1) 0 الغريب قال ابن القطاع: يقال: دفيء
دفأ ودِفْاء ودفأة: ذهب عنه البرد. وقال ابن درستويه: والمصدر الدفأ ممدود
والدفأة ومنه رجل دفان وامرأة دفأني إذا كان سخنا من حرارة أو مرض أو
عليل القلب من الحب. وفي نوادر الترمذي: دفؤه فاه مثل توضوء وضأه ودفأ
يزيه دفعا وفي شرح الترمذي وقوله يعني: يعلما من الرجل فهو دفآن وامرأة
دفأة أي: كثير لحمها وسمنها. وقال ابن قريب: يقال رجل دفأ بكسر الدال
مع الهمز وكذلك الكسائي، وقال ابن سيده: إنّما إذا أستدفي فدفيء في
مكسور لا غبر ورجل دفان وبلده وفيه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/271) والمشكاة (ح/556) .
قوله: " المثال " - بكسر الميم بعدها ثاء مثلثة- قال الجوهري: هو الفراش.

(1/730)


63- باب في الجنب ينام لهيئته لا يمس ماء
حدثنا محمد بن الصباح ثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي
إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجنب، ثم ينام
ولا ماء حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل " (1) .
وذكره أيضا من حديث أبي الأحوص عن أبي إسحاق بلفظ: " إن كانت
له حاجه إلى أهله فقضاها ثم ينام كهيئته لا يمس ماء ": من حديث سفيان عنه
بلفظ: " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجنب، ثم ينام كهيئته لا يمس ماء " (2) . قال
سفيان: فذكرت الحديث يوما فقال لي إسماعيل: يا فتى يشدّ هذا الحديث
بشيء، هذا حديث اختلف فيه فصححه قوم وضعفه آخرون فمن الضعفاء
يزيد بن هارون قال أبو داود: ثنا الحسين بن علي الواسطي سمعت يزيد بن/
هارون يقول هذا الحديث، وهو يعني حديث أبي إسحاق، وفي كتاب ابن
العبد ليس بالصحيح وفي موضع آخر وهم أبو إسحاق في هذا الحديث، وفي
كتاب العلل لابن أبي حاتم: قال شعبة: قد سمعت حديث أبي إسحاق أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ينام جنبا ولكنني أبعثه. وقال مهنا: سألت أبا عبد الله عنه
فقال: ليس صحيحا، قلت: لم؟ قال: لأن شعبة روى عن الحكم عن إبراهيم
عن الأسود عن عائشة: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ
وضوء للصلاة " (3) . قلت: من قبل من جاء بهذا الاختلاف؟ قال: من قبل أبي
إسحاق، ثم قال: وسمعت يزيد بن هارون يقول: حرموا أبو إسحاق في هذا
الحديث. ثم قال: وسألت أحمد بن صالح عن هذا الحديث فقال: لا يحل أن
يروى هذا الحديث. قال أبو عبد الله: الحاكم يرويه مثل قصة أبي إسحاق ليس
__________
(1) صحيح الإسناد. رواه ابن ماجة (581) وأحمد (6/43) والمعاني (1/125) وصححه
الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (583) وأحمد (6/111) والمشكاة (468) والمجمع (1/275)
وعزاه إلى أحمد ورجاله رجال الصحيح. وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه أبو عوانة (1/278) وأحمد (6/192) والمعاني (1/125) .

(1/731)


عن الأسود: " الجنب يأكل ". ورواه في مسنده بألفاظ منها: " إذا كانت له إلى
أهله حاجة أتاهم ثم يعود ولا يمس ماء ". وفي لفظ: " كان يصيب أهله من
أول الليل ثم قام ولا يمس ماء، فإذا استيقظ من آخر الليل عاد إلى أهله
واغتسل " (1) . ولفظه في الأوسط. ورواه من حديث حمزة الريان عن أبي
إسحاق: " كان يجامع (2) المرأة من نسائه ولا يمس ماء، فإن أصبح فأراد أن
يعاودها عاود وإن لم يرد اغتسل " (3) . وقال: لم يروه عن حمزة إلا زياد أبو
حمزة. تفرد به عامر بن إبراهيم، وفي كتاب الأثرم فلو لم يخالف أبا إسحاق
في هذا إلا إبراهيم وحده كان أثبت وأعلم بالأسود، ثم وافق إبراهيم
عبد الرحمن بن الأسود، ثم وافقهما فيما رواه أبو سلمة وعروة عن عائشة، ثم
وافق ما صح من ذلك عن عائشة رواية ابن عمر عن عمرو ما روي عن عمار
وأبي سعيد فتبين أنّ حديث أبي إسحاق إنّما هو وهم، وروى هشيم عن
عبد الملك- يعني: ابن عمير- عن عطاء عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ما
رواه أبو إسحاق عن الأسود قال: ورواية عطاء عن عائشة ما لا يحتج به إلا
أن يقول: سمعت، ولو قال: في هذا سمعت،/كانت تلك الأحاديث أقوى
وقال أبو عيسى: وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" إنّه كان يتوضأ قبل أن ينام " (4) . وهذا أصح من حديث أبي إسحاق وقال:
وكانوا يرون إن هذا غلطا من أبي إسحاق، وقال القشيري في كتاب التمييز:
ذكر الأحاديث التي نقلت على الغلط في متونها ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير
ثنا أبو إسحاق به قال: فهذه الرواية عن أبي إسحاق خاصة، وقد جاء النخعي
وعبد الرحمن خلاف ذلك، وقال الطوسي في الأحكام: وحديث: " كان
يتوضأ قبل أن ينام ": صح من حديث الشعبي، وقد رواه عنه شعبة والثوري
وغير واحد، ويرون هذا غلطا من أبي إسحاق، وقال ابن الحصار في كتابه
__________
(1) رواه أبو حنيفة (33) وأحمد في " المسند " (6/107) .
(2) قوله: " يجامع " سقطت من " الأولى " وأثبتناه من " الثانية ".
(3) المعاني (1/127) وأصفهان (1/318) .
(4) حسن. رواه أبو داود (ح/241) وأحمد في " المسند " (6/ 188، 273) والدارقطني في
" السنن " (1/144) .

(1/732)


تقريب المدارك: هذا مما يكاد يتفق عليه المحدثون إلا القليل- يعني: أنّ أبا
إسحاق غلط- وقال عبد الحق: وحديث أبي إسحاق عندهم غلط. وقال أبو
عمر: حديث الثوري عن أبي إسحاق لم يمس ما خطأ ونحن نقول به. وقال
الحربي: لم يزل المتفقهة من أصحاب الحديث يتكلم في حديث أبي إسحاق
يقولون: كيف حكا عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى حاجته من أهله ثم ينام
ولا يمس ماء؟! قال: وإبراهيم وعبد الرحمن بن الأسود يحكون عنه عن
عائشة: " كان يتوضأ وضوءه للصلاة"، ووافق إبراهيم وعبد الرحمن على
روايتهما أبو سلمة وعروة وأبو عمر وذكوان، وقوى هذا القول عمر فيما سأل
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو سعيد وعمار وابن عباس وجابر وأم سلمة، وكان أحسن
الوضوء في ذلك إن صح حديث أبي إسحاق فيما رواه ووافقه عطاء والقاسم
وكريب والسوائي أن تكون عائشة أخرت الأسود أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربما توضأ
وربما أخّر الوضوء والغسل حتى يصبح، فأخبر الأسود إبراهيم: " أنّه كان
يتوضأ ". وأخبر أبا إسحاق أنه: " ان يؤخر الغسل ". وقد حكى مثل ذلك
عصيب عن عائشة وعبد الله بن أبي قيس ويحيي بن يعمر والصنابحي وهذا
أحسن وجوهه، والله أعلم. وأمّا المصححون: فأبو الحسن الدارقطني بقوله يشبه
أن يكون/الخبران صحيحين؛ لأن عائشة قالت: ربما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم
الغسل وربما أخّره كما حكى ذلك عصيف وعبد الله بن أبي متين وغيرهما
عن عائشة وأن الأسود حفظ ذلك عنها فحفظ أبو إسحاق عنه فأخبر الوضوء
والغسل، وحفظ عبد الرحمن وإبراهيم يقدم الوضوء على الغسل. ولما ذكر أبو
بكر البيهقي في سننه حديث أبي إسحاق قال: سألت الأسود بن يزيد وكان
أبي جار أو صديقا عما حدّثته عائشة عن صلاة النبي: قالت: " كان ينام أول
الليل ويحيى آخره، ثم إن كانت له إلى أهله حاجة قضى حاجته، ثم نام قبل
أن يمس ماء، فإذا كان عند النداء الأوّل قالت: وثب فلا والله ما قالت: قام
وأخذ الماء، ولا والله ما قالت: اغتسل، وأنا أعلم ما يريد وإن لم يكن له
حاجة توضأ وضوء الرجل للصلاة، ثم صلى ركعتين ". أخرجه مسلم (1) في
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه مسلم في (صلاة المسافرين، باب " 17 " رقم " 139 ")
والبخاري (2/66) والنسائي في (قيام الليل، باب " 17 ") وابن ماجة (1365) =

(1/733)


الصحيح عن يحيى بن يحيى وأحمد بن يونس ثنا زهير عن أبي إسحاق دون
قوله قبل أن يمس ماء؛ وذاك لأنّ الحفاظ طعنوا في هذه اللفظة، وتوهموها
مأخوذة من غير الأسود، وأنّ أبا إسحاق رّبما دلس فرواها من تدليساته،
واحتجوا على ذلك برواية النخعي وعبد الرحمن بن الأسود بخلاف رواية
إسحاق قال: وحديث أبي إسحاق صحيح من جهة الرواية؛ وذلك أنّه بيّن فيه
سماعه من الأسود في رواية زهير عنه، والمدلس إذا بين سماعه ممن روى عنه
وكان ثقة، فلا وجه لردّه ووجه الجمع بين الروايتين على وجه يحتمل، وقد
جمع بينهما أبو العباس بن شريح فأحسن الجمع وذلك فيما أنبأ أبو عبد الله
الحافظ: قال: سألت أبا الوليد الفقيه، فقلت: أيّ الإسناد قد صح عندنا
حديث الثوري عن أبي إسحاق عن الأسود قال: " كان ينام ولا يمس ماء ".
كذلك صح حديث نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر: يا رسول
الله أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: " نعم إذا توضأ " (1) . فقال ابن الوليد: سألت
ابن شريح عن الحديثين فقال الحكم: لهما جمعيا أم حديث عائشة فإنّما أرادت
أنّه كان لا يمس ماء للغسل. وأمّا حديث عمر فمفسّر ذكر فيه الوضوء/وبه
يأخذ. انتهى كلامه. ولو حمل الأمر على الاستحباب والفعل على الجواز لكان
حسنا إذ الفعل لا يدلّ على الوجوب بمجرده، ويمكن أنّ يكون الأمران جميعا
وقعا فالفعل لبيان الاستحباب والترك لبيان الجواز، وقد صرّح ابن قتيبة في
كتاب مختلف الحديث به في قوله إنّ هذا كلّه جائز فمن شاء أن يتوضأ
وضوءه للصلاة بعد الجماع ثم نام، ومن شاء غسل يديه وذكره ثم نام ومن
شاء نام من غير أن يمس ماء غير أنّ الوضوء أفضل، وكان عليه الصلاة
والسلام يفعل هذا مرّة وهذا مرّة ليدلّ على الفضيلة وهذا مرة ليدل على
الرخصة، واستعمل النّاس ذلك، فمن أحبّ أن يأخذ بالأفضل أخذ، ومن
__________
وأحمد (6/102، 253) والبيهقي (1/202) وشرح السنة (4/62) والمعاني (1/
125) .
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 103- باب في الجنب يأكل
ويشرب، (ح/592) . وصححه الشيخ الألباني.

(1/734)


أحبّ أن يأخذ بالرخصة أخذ. ولماّ ذكره أبو محمد ابن حزم مصححا له من
حديث سفيان عنه قال: هذا لفظ يدل على مداومته عليه الصلاة والسلام
كذلك وهى أحدث الناس عهدا بمبيته ونومه جنبا وطاهرا، فإن قيل: إن هذا
الحديث أخطأ فيه سفيان؛ لأنّ زهيرا خالفه فيه قلنا. بل أخطأ بلا شك من
خطأ سفيان بلا دليل، وسفيان أحفظ من زهير بلا شك وقد تابع سفيان على
روايتهما أبو الأحوص والأعمش من حديث أبي بكر بن عياش عنه ولفظهما:
" كان يجنب ثم ينام ولا يمس ماء " (1) . وإسماعيل بن أبي خالد من حديث
هشيم عنه ذكره الطحاوي في شرح الآثار وحمزة الزيات ذكره أبو القاسم في
الأوسط وقال: لم يروه عن حمزة إلا زياد أبو حمزة. تفرد به عامر بن إبراهيم،
وقال الخزرجى في كلامه على الموطأ: وقد رواه عن أبي إسحاق أئمة عدول،
وهذه رخصة ورفق من الله تعالى، لا ينبغي أن نطرح مثل هذا الحديث لأجل
انفراد رواية العدل برواية لا تعارض زيادة من زاد عن الأسود وذكر الوضوء؛
إذ قد يصح أن يفعل الأمرين في وقتين، والله أعلم.
وفي كتاب ابن شاهين: يجامع ثم يعود ولا يتوضأ وينام ولا يغتسل،
وسيأتي ذكره فنبيّن مجموع ما سبق تكافؤ القولان المضعف والمصحح، ولم
يبق إلا الترجيح بأمر زائد على ما يتفرع فيه وهو متابعة عطاء المذكورة عند
الأثرم وما ذكره جرير من/التابعين وليس لتضعيفه رواية عن عائشة وجه
لأمرين: الأول: تصريح جماعة العلماء بسماعه منها. وقد خرج الشيخان في
صحيحهما أربعة أحاديث رواها عنها صرّح في بعضها بالسماع. الثاني: لم
يك تدليسا حتى يتوقّف في روايته إذا لم يبيّن سماعه، وقد وجدنا أيضا له
شاهدا من حديث أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسناد جيّد خرجه الإمام أحمد
في مسنده (2) قالت: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجنب ثم ينام ثم ينتبه ثم ينام ".
وحديث ابن عباس: " إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من الخلاء فأتى بطعام فقالوا: ألا
نأتيك بطهر؟ فقال: أأصلي فأتطهر! " وبعضهم يقول فيه: ألا تتوضأ؟ قال: ما
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب ص 731.
(2) صحيح. رواه أحمد في " المسند " (6/111، 298) وله شاهد إسناده جيد.

(1/735)


أردت الصلاة فأتوضأ! ثم تناول عرقا، فأكل منه ولم يمسّ ماء " (1) . قال أبو
عمر: هو حديث صحيح وفيه دلالة: أنّ الوضوء لا يكون إلا لمن أراد الصلاة،
وذلك رفع للوضوء عند النوم والأكل. وحديث يحيى بن معمر عن عمار بن
ياسر المصحح عند الترمذي: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص للجنب إذا أكل أو شرب
أو نام أن يتوضأ " (2) . قال أبو عمر: احتج به الكوفيون على أن الجنب لا بأس
أن ينام قبل أن يتوضأ. قالوا: ومعناه: أن لا يتوضأ؛ لأنه في ذلك وردت
الرخصة. قال أبو عمر: وهو محتمل للتأويل ولا حجة فيه. وحديث ضعيف
وعبيد الله بن أبي قيس عن عائشة رّبما اغتسل من أوّل الليل وربما اغتسل في
آخره وهو مصحح عند أبي عبد الله في مستدركه، وفي فوائد ابن صخر. هذا
حديث شامي الطريق المحفوظ من حديث برد بن سنان عال من حديث قيس
بن المفضل من هذا الوجه عن برد وهو غريب في الأصل، قال الحاكم:
تابعه- يعني: سفيان- كهمس بن الحسين عن برد. انتهى كلامه. وفيه نظر؛
لأنّ جماعة قالوا: الصواب كهمس بن المنهال منهم المزي وغيرها والله تعالى
أعلم. وصح عن حذيفة أنه قال: نومه قبل الغسل أوعب لخروجه وفي لفظ:
نومه بعد الجنابة أوعبّ للغسل، ذكر ابن أبي شيبة في مصنفه/ثم قال: ثنا
شريك عن إبراهيم عن مجاهد عن ابن عباس قال: " إذا جامع الرجل، ثم أراد
أن يعود فلا بأس أن يؤخّر الغسل ". وحديث أنس: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف على
نسائه في غسل واحد ". خرجه مسلم (3) ، وفيه دلالة على تأخير استعمال الماء.
وحديث عمر حين سأل عن نوم الجنب فقال عليه السلام: " يتوضأ إن
__________
(1) صحيح. رواه أحمد في " المسند " (1/284) .
(2) ضعيف. رواه أبو داود (ح / 225) وقال أبو داود: بين يحيى بن يعمر وعمار بن ياسر في هذا الحديث رجل، وقال علي بن أبي طالب وابن عمر وعبد الله بن عمرو: " الجنب إذا أراد أن يأكل يتوضأ ". وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/274) وعزاه إلى " الطبراني " وفيه يوسف بن خالد السمتي قال فيه ابن معين: كذاب خبيث عدو الله، قلت: فيه رجل لم يسم.
(3) صحيح. رواه مسلم في (3- كتاب الحيض، باب " 6 "، ح/28) ورواه أبو داود (ح/
218) قال أبو داود: وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس ومعمر عن قتادة عن أنس وصالح بن
أبي الأخضر عن الزهيري كلهم عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والنسائي (1/143) .

(1/736)


شاء " (1) . وحديث علي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نام على أثر الجنابة حتى أصبح ".
ذكره ابن أبي داود في كتاب السنن وقال: أخطأ فيه داود بن الجراح، وإنما هو
عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة. انتهى. ولقائل أن يقول: رواد ثقة وقد
ساق بلفظ أو إسنادٍ فلا مشتبها إلا على معضل، والله أعلم إلا لوروده
تضعيف رواية الحديث وبانقطاع ما بين أبي إسحاق وبينه لكان صوابا، والله
أعلم بالصواب.
__________
(1) الزفاف: (27، 39) .

(1/737)


64- باب من قال لا ينام الجنب حتى يتوضأ وضوءه للصلاة (1)
حدثنا محمد بن رمح المصري أنبأ الليث بن سعد الزهري عن أبي سلمة
عائشة قالت: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه
للصلاة". هذا حديث خرجه البخاري (2) بلفظ: " غسل فرجه وتوضأ ".
ولمسلم (3) : " إذا كان جنبا، فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه". ولم يذكر
المنذري أن البخاري رواه ويشبه أن يكون وهما، ولفظ الحاكم في تاريخ بلده:
ورواه من جهة يحيى بن أبي كثير عن الزهري عن أبي سلمة عنها أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يرقد وهو جنب ويتوضأ وضوءه للصلاة، وفي السنن للكجي:
" يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يرقد ". وفي الأوسط من حديث بقية عن إسماعيل
بن عباس عن هشام عن أبيه عنها: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا واقع بعض أهله
يكسل أن يقوم ضرب يده على الحائط فتيمم " (4) . وقال: لم يروه عن هشام
إلا إسماعيل. وفي كتاب البيهقي من حديث/أبي أسامة الكلبي ثنا الحسن بن
الربيع ثنا هشام بن علي عن هشام بلفظ: " فأراد أن ينام توضأ أو تيمم ". ورواه
أبو القاسم أيضا في الأوسط من حديث أبي حمزة عن إبراهيم عن الأسود
وقال: لم يرو عن أبي حمزة إلا ابن علية. تفرّد به زياد. حدثنا نصر بن على
الجهضمي ثنا عبد الأعلى ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بن
الخطاب قال: " يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ ".
__________
(1) سقط هذا العنوان من " الأصل " وأثبتناه من " الثانية ".
(2،) تقدم من أحاديث الباب ص 732.
(4) روى أبو داود في سننه: 1- كتاب الطهارة، 83- باب في الاغتسال، (ح/214) .
حدثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو- يعني ابن الحرث- عن ابن شهاب، حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن ابن بن كعب أخبره أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإِسلام لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل ونهي عن ذلك، قال أبو داود: يعني: الماء من الماء.

(1/738)


هذا حديث خرجاه في صحيحهما (1) ، ولما ذكره أبو محمد الإشبيلي أردفه
برواية الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قوله عليه الصلاة والسلام:
" إنه يغسل ذكره ويتوضأ وضوءه للصلاة". ذكره أبو عمر وعاب ابن القطان
ذلك عليه بقوله هو في كتاب البزار من حديث ابن عمر من ثلاثة طرق:
أحدها: من رواية معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر أنّه سأل النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ وضوءه للصلاة" (2) .
قال: وهو من أحسن ما يروى عن عمر من الطرق، والثاني، والثالث: من
رواية وهب عن أيوب عن نافع عن ابن عمرو في مسند الحميدي بسند
صحيح عن سفيان ثنا عبد الله بن دينار سمع ابن عمر سأل عمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال: " نعم، إذا توضأ، ويطعم إن شاء ". وهو في
صحيح ابن حبان (3) بمعناه.
وفي صحيح ابن خزيمة (4) : " ويتوضأ إن شاء ". وفي كتاب رواه الموطأ للدارقطني
رواه أبو مصعب ومعنى بن خالد بن مخلد وعبد الله بن يوسف والشعبي وروح ويحيى
بن أبي بكير وأيوب بن صالح وابن القاسم وعبد الله بن حسين بن عطاء بن يسارعن
مالك بلفظ: " توضأ ثم اغسل ذكرك ونم " (5) . فقال خالد بن مخلد: قصة الجنابة فقال:
" توضأ ثم اغسل ذكرك ثم نم ".
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/80) ومسلم (248) والترمذي (ح/ 120) وقال:
حديث عمر أحسن شيء في هذا الباب وأصح. والبيهقي (1/200، 202) وابن ماجة (ح/
585) وأحمد في " المسند " (1/17، 35، 2/17، 102) وأبو عوانة (1/277) وزفاف
(37) وإتحاف (5/378) والمغني عن حمل الأسفار (2/52) .
(2) المصدر السابق.
(3) صحيح. رواه ابن حبان: (2/260) .
(4) تقدم من أحاديث الباب ص 738.
(5) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/76، 80) ومسلم في (الحيض، ح/25)
والنسائي في (الطهارة باب " 164 ") وأبو داود (ح/ 221) والموطأ (ح/ 47) وأحمد (2/
64) والبيهقي (1/199، 7/193) والمشكاة (452، 453) وتلخيص (1/117) وشرح
السنة (1/ 329، 2/32) والحلية (7/332) والكنز (41328) .

(1/739)


وفي التمييز: وكذا رواه الثوري وسعيد عن ابن دينار وقال ابن أبي داود
في كتاب السنن: وأما كيفية الوضوء فهو ما/ ذكره مالك في الموطأ (1) عن
نافع أن ابن عمر: " كان إذا أراد أن ينام أو يطعم وهو جنب غسل وجهه
ويديه إلى المرفقين ومسح برأسه ثم طعم أو نام ". ورواه من حديث مروان أنبأ
مالك حدثنى عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر لم يرو هذا عن مالك
إلا مروان ثنا عمرو بن علي ثنا عبد الرحمن بن عثمان ثنا شعبة عن عبد الله بن
دينار عن ابن عمر عن عمر فذكره.
حدثنا أبو مروان العثماني محمد بن عثمان ثنا عبد العزيز بن محمد عن
يزيد بن عبد الله بن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري: " أنه
كان تصيبه الجنابة بالليل فيريد أن ينام فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتوضأ ثم
ينام " (2) . هذا حديث رواه الإمام أحمد في مسنده (3) بلفظ: " أنه ذكر للنبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه تصيبه الجنابة فيريد أن ينام، فأمره أن يتوضأ ثم ينام ". ولفظ
الطحاوي (4) : " توضأ وارقد ". وإسناده صحيح وأبو مروان محمد بن عثمان بن
خالد بن عمر ابن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان الأموي وروى عنه
أبو حاتم الرازي وقال: ثقة، وسئل عنه صالح بن محمد فقال: هو ثقة صدوق
إلا أنه يروي عن أبيه المناكير ورجاله الباقون حديثهم في الصحيح، ولما ذكره
البزار في مسنده لم يرد على قوله وهذا الحديث لا يعلمه يروى عن أبي سعيد
إلا بهذا الإسناد، وقد وردت في هذا الباب أحاديث منها حديث ابن عباس
المذكور عند ابن حبان وقد تقدّم طرف منه قالت: جئت ميمونة فرأيت النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بال ثم غسل وجهه وكفّيه ثم نام؟ ولفظ أبي القاسم في الأوسط: " ثلاثة
لا تقربهم الملائكة الجنب والكافر والمتضمخ بالزعفران ". وحديث أبي هريرة
__________
(1) صحيح. رواه مالك في: 2- كتاب الطهارة، 19- باب وضوء الجنب إذا أراد أن ينام
أو يطعم قبل أن يغتسل: (ح/78) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب (99) ، (ح/586) . وصححه
الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه أحمد: (3/55) .
(4) صحيح. الكنز (41332) وأبو عوانة (1/278) .

(1/740)


قال عليه السلام: " لا أحب أن يبيت المسلم وهو جنب، أخاف أن يزرو ولا
تحضره الملائكة " (1) . ذكره ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ عن البغوي ثنا
شيبان بن فروخ ثنا يزيد بن عياض بن جعدية عن الأعرج عنه. وحديث/عمار
بن ياسر قال: قدمت من سفر فضمخني أهلي بصفرة قال: ثم جئت فسلّمت
على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " وعليك السلام اذهب فاغتسل "، قال: فذهبت
فاغتسلت، ثم رجعت ولي صفرة فقلت: السلام عليكم، فقال: " وعليك
السلام، اذهب فاغتسل " فذهبت فأخذت نشفة فدلّكت بها جلدي حتى
ظننت أنى قد أنقيت ثم أتيته، فقلت: السلام عليكم، قال: " وعليك السلام،
اجلس، ثم قال: إن الملائكة لا تحضر جنازة كافر نجس ولا جنبا حتى يغتسل
أو يتوضأ وضوءه للصلاة ولا مُتضمخا بصفرة " (2) .
رواه الطحاوي في شرحه من جهة حماد بن سلمة عن عطاء، ورواه
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/4180) والبيهقي (5/36) والبزار (ص 164- زوائد ابن
حجر) : حدثنا العباس بن أبي طالب ثنا أبو سلمة ثنا أبان عن قتادة عن ابن بريدة عن يحيى بن
يعمر عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فذكره، وقال: " رواه غير العباس مرسلا، ولا يعلم
يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه ".
وإسناد صحيح كما قاله المنذري في " الترغيب " (1/91) ، ورجاله ثقات رجال الشيخين،
غير العباس هذا وهو ابن جعفر بن عبد الله بن للزبرقان البغدادي أبو محمد بن أبي طالب أخو
يحيى، وهو مصدوق.
ورواه البخاري في " التاريخ " (3/1/74) من طريق أبي عوانة عن قتادة به.
ورواه الطبراني في " الأوسط " (5536) وقال: " لم يروه عن كثير مولى سمرة إلا هشام،
ولا عن هشام إلا المغيرة بن مسلم. تفرد به شبابة " وهو مصدوق من رجال الشيخين، وشيخه
المغيرة حسن الحديث كما قال الذهبي في " الكاشف ".
وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5/156) وقال: " رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن
حكيم وهو ضعيف ".
(2) صحيح. رواه عبد الرزاق (7936) والكنز (17463) والجوامع (5924) والطبراني (11/
361) والحبائك (126) وأبو داود في (الترجل باب " 80 ") وأحمد (4/320) والبيهقي
(1/203، 5/36) .

(1/741)


الكجي في سننه من طريق حماد بزيادة قدمت على أهلي من سفر وقد
شققت يدي فخلوني بزعفران، وذكره قاسم بن أصبع فلم يقل للصلاة، وذكره
عبد الرزاق (1) كذلك منقطعا في غير قوله رخص فما بعده، ورواه أبو عيسى
الترمذي في جامعه مختصرا وقال فيه: حسن صحيح، وفيما قاله نظر؛ وذلك
أنّ الصحة ملازمة للاتصال وهذا الحيث عدتها ذكر ذلك أبو داود (2) أنه
يخرجه له فقال: بين يحيى وحماد في هذا الحديث رجل، وتبعه على ذلك
الإشبيلي. ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث شعبة عن إسحاق بن
سويد عن رجل فقال: له حسن عن رجل أحسبه عمارا، وقال: لم يروه عن
شعبة إلا سويد. تفرّد به أحمد بن عمر، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
__________
(1) ، (2) صحيح. رواه عبد الرزاق (7936) والكنز (17463) والجوامع (5924) والطبراني
(11/361) والحبائك (126) وأبو داود في (الترجل باب " 80 ") واحمد (4/320)
والبيهقي (1/203، 5/36) .
قلت: وتفرد الثقة جائزة عند عامة أهل العلم.

(1/742)


65- باب في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ
حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا
عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أتى
أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود فليتوضأ ". هذا حديث خرجه مسلم (1) في
صحيحه فمن بعده ورواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث سعيد بن
عبد الرحمن المخزومي عن سفيان/عن عاصم بزيادة: " إذا أراد أن يعود فليتوضأ
وضوءه للصلاة". ومن جهة شعبة عن عاصم: " إذا أراد أحدكم العود فليتوضأ
فإنه أنشط له في العود ". وبنحوه خرجه أبو حاتم في صحيحه (2) وأبو عوانة
وخرج الحاكم هذه الزيادة وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه بهذا اللفظ، وهذه لفظة تفرد بها شعبة عن عاصم والتفرد من مثله
مقبول عندهما، ولما ذكره أبو محمد الفارسي مصحّحا له من جهة ابن عتاب:
" إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود ". هذا لفظ حفص ولفظ ابن عيينة إذا
أراد أن يعود فلا يعود حتى يتوضأ ثم قال: لم يجد هذا الخبر ما يخصصه ولا
ما يخرجه إلى الندب الأخير أضعف من رواية يحيى بن أيوب- يعني: المخرج
عند أبي شاهين- عن موسى بن عقبة وأبي حنيفة عن أبي إسحاق عن الأسود
عنها: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجامع ثم يعود، ولا يتوضأ وينام ولا يغتسل " (3) . قال:
وما يجاب الوضوء، ويقول: عطاء وعكرمة وإبراهيم والحسن وابن سيرين.
انتهى كلامه. وفي قوله هذا لفظ حفص نظر؛ فإنّ أبا داود رواه عن عمرو بن
عون أنبأ حفص بن غياث، ولفظه: " إذا أتى أحدكم أهله، ثم بدا له أن يعود
فليتوضأ بينهما وضوءا " (4) . وعند الترمذي عنه: " ثم أراد أن يعود فليتوضأ "
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح 27) وأبو داود (220) والترمذي (141) وقال:
هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة (587) والبيهقي (1/203، 204، 7/192)
والحاكم (1/152) والخطيب (3/239) والمجمع (4/295) والكنز (44855) .
(2) رواه ابن حبان: (2/359) .
(3) معاني: (1/127) .
(4) تلخيص: (1/141) .

(1/743)


وعند مسلم: " ثم أراد أن يعود ". وما حكاه من الوجوب فمردود بقول أبي
عمر، وما أعلم أحدا من أهل العلم أوجبه إلا طائفة من أهل الظاهر وأما ما
شاء من الفقهاء بالأمصار فلا يوجبوه وأكثرهم يأمرون به ويِستحبونه بخلاف
الحائض، والذي يشبه أن يكون أبو محمد أخلط عليه الوضوء المطلق الجنب
بهذا، والله أعلم. وقال أبو عاونة في صحيحه: تعارض هذه الأخبار في
إيجاب الوضوء حديث أيوب عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس: " أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من الخلاء فأتى بطعام فقيل له: ألا تتوضأ؟ قال: إنما أمرت بالوضوء
إذا قمت إلى الصلاة". كان صحيحا عند أهل التمييز، وقال ابن المنذر: إن
توضأ فحسن (1) ،/وليس ذلك بواجب. انتهى. وفي الباب حديث ذكره في
كتاب العلل عن عبد الرحمن وسألت أبي عن حديث رواه ليث بن أبي سليم
عن عاصم عن أبي المستهل عن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إذا أتى أحدكم
أهله فأراد أن يعود فليغسل فرجه ". قال أبي: هذا يرون أنّه عاصم عن أبي
المتوكل عن أبي سعيد وهو أنثييه، وفي كتاب العلل لأبي عيسى ثنا عبد الله
بن الصباح الهاشمي البصري ثنا محمد بن سليمان سمعت أبي عن عاصم
عن أبي المستهل عن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا أتى أحدكم أهله ... "
الحديث. سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: هو خطأ ولا أدرى من أبو
المستهل، وإنما روى عاصم عن أبي عثمان عن سليمان بن ربيعة عن عمر قوله
وهو الصحيح، قال الثقفي: هذا كله جائز ومشروع من شاء أخذ بالأول، ومن
شاء أخذ هذا وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل هذا مرة ليدلّ على الفضيلة، وهذا مرة
ليدلّ على الرخصة، والله تعالى أعلم.
__________
(1) قوله: " إن توضأ وحسن " سقط من " الأولى " وأثبتناه من " الثانية ".

(1/744)