شرح ابن ماجه لمغلطاي

66- باب ما جاء فيمن يغتسل من نسائه
حدثنا محمد بن مثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدى وأبو أحمد عن سفيان
عن معمر عن قتادة عن أنس: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يطوف على نسائه في
غسل واحد ". هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه (1) ، وفي صحيح ابن
إسماعيل: " كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن
إحدى عشرة " (2) قال: قلت لأنس: وكان يطيقه؟ قال: كذا يحدّث أنّه أعطى
قوة ثلاثين وفي لفظ: " تسع نسوة"، وفي صحيح ابن حبان: حكى أنس هذا
الفعل منه عليه السلام في أوّل قدومه المدينة حيث كان عنده تسع نسوة؛ لأنّ
لهذا الفعل منه عليه السلام كان مرارا إلا مرة واحدة لم إلا في آخر أمره حيث
اجتمع عنده تسع نسوة وجاريتان وريحانة ومارية، فإنا لا نعلم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اجتمع عنده إحدى عشرة امرأة بالتزويج، فإنّه دخل بإحدى عشرة أولهن
خديجة ولم يتزوج بغيرها حتى ماتت. وفي سنن السجستاني: هكذا رواه
هشام بن زيد عن أنس ومعمر عن قتادة عن أنس وقال صالح بن أبي
الأخضر: عن الزهري كلّهم عن أنس، ورواه أيضا ثابت عن أنس، قال أبو
القاسم في الأوسط: لم يروه عن معمر عن ثابت إلا ابن عينية، ورواه الثوري
والناس عن معمر عن قتادة ورواه أيضا من جهة مصعب وزاد في الأصغر تفرد
به عبد الله بن أبي غسان وكان ثقة، وقال ابن خزيمة: لم يقل أحد من
أصحاب قتادة إحدى عشرة إلا معاذ بن هشام عن أبيه، ثم رواه من جهة
سفيان عن معمر عن ثابت عن أنس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان يطوف "، وفي لفظ
" يطيف على نسائه في غسل واحد "، وقال: هذا حديث غريب، والمشهور
معمر عن قتادة ورواه الإسماعيلي في صحيحه من جهة معاذ بن هشام وفيه
قوة أربعين، ولما رواه ابن أبي داود في سننه من حديث بقية عن شعبة حدثني
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب.
(2) صحيح. رواه البخاري (1/76) وأحمد (3/291) وابن سعد (2/2/30) وشرح
السنة (2/37) والكنز (18344) وأخلاق (231، 232) .

(1/745)


عاصم بن زيد بن أنس قال: سمعت أنسا فذكره قال: لم يرو هذا الحديث
عن شعبة إلا بقية وسكين بن بكير، ورواه أيضا من جهة ابن حماد، عن قتادة
عن أنس بلفظ: " يطوف على نسائه بغسل واحد، هذه ثم هذه" (1) وقال:
هذه سنة تفرد بها أهل البصرة، ولم يروه عن سفيان إلا يوسف بن أسباط،
وكذا قاله أبو نعيم في الحلية قال ابن أبي داود: والناس يخالفونه عن سفيان
يقولون: عن معمر عن قتادة ومن جهة حبان عن صالح بن أبي الأخضر عن
الزهري وقال: لم يروه عن الزهري إلا صالح. وقال الترمذي: وقد روى محمد
بن يوسف هذا عن سفيان فقال: عن أبي عروة عن أبي الخطاب عن أنس وأبو
عروة ومعمر وأبو الخطاب قتادة، ورواه بعضهم عن محمد بن يوسف عن أبي
عروة عن أبي الخطاب وهو خطأ والصحيح أبي عروة،/وفي الباب عن أبي
رافع. انتهى. وفيه نظر؛ لأن حديث أبي رافع لفظه: " يغتسل عند هذه، وعند
هذه وسيأتي وهو مخالف لما رواه قبل عن أنس، والله أعلم.
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، باب " 6 "، ح/28) وأحمد (3/225) وأبو
عوانة (1/280) وإتحاف (5/369) وشرح السنة (2/37) وأخلاق (232) والحلية (7/
100، 232، 8/247، 10/170) .

(1/746)


67- باب فيمن يغتسل عند كل صلاة غسلا
حدثنا إسحاق بن منصور أنبأ عبد الصمد ثنا حماد ثنا عبد الرحمن بن
أبي رافع عن عمته سلمى عن أبي رافع: " أنّ النبيِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف على نسائه في
ليلة، وكان يغتسل عند كل واحدة منهن: فقيل له: يا رسول الله ألا تجعله
غسلها واحد فقال: هو أذكى وأطيب وأطهر ". هذا حديث لما خرجه أبو
داود (1) قال: وحديث أنس أصح من هذا ولما ذكره أبو محمد الإشبيلي من
عند النسائي سكت عند وكيع وذلك أبو الحسن عليه بقوله: لا يصح فإنّه من
رواية يقولون عن معمر عن قتادة، ومن جهة صالح بن أبي الأخضر عن
الزهري وقال: لم يروه عن الزهري إلا صالح عن حمّاد أنبأ عبد الرحمن هذا
فمنهم من يقول: ما ذكرناه ومنهم من يقول: عبد الرحمن بن أبي رافع
كذلك ذكره أبو داود من رواية موسى بن إسماعيل عن حماد وموسى والناس
بحماد وتعرفه بحديثه، وهكذا ذكره البخاري في تاريخه قال عبد الرحمن بن
أبي رافع عن عمته عن أبي رافع: " طاف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على نسائه في ليلة " (2) .
قال شهاب: عن حماد بن سلمة وقال عبد الله ابن محمد: عن عارم عن
حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن أبى رافع عن عمته سلمى عن أبي رافع
قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ناوليني الذراع " (3) . وقاّل عفان ويزيد بن هارون وحماد: ثنا
ابن أبي رافع مولى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان عبد الله بن جعفر يتختم في يمينه،
وزعم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتختم في يمينه حديثه في البصريين، وقال بن أبي
حاتم: عبد الرحمن بن أبي رافع روى عن عبد الله بن جعفر وعن عمته سلمى
وروى عنه حماد بن سلمة ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن
__________
(1) حسن. رواه أبو داود: الطهارة، باب " 85 "، (ح/219) .
(2) صحيح. رواه النسائي: (1/143) . وأبو داود (ح/218) بلفظ: " طاف على نسائه
في غسل واحد ".
(3) رواه ابن سعد (7/45) ، وأحمد (3/484، 485) والمجمع (8/311) والبداية بلفظ:
" ناولني ذراعها ".

(1/747)


معين قال عبد الرحمن بن أبي رافع الذي بروى عنه حماد صالح فإن كان
الأمر هكذا أعني أنّه عبد الرحمن/بن أبي رافع مولى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال
عفان ويزيد فإن عمته سلمى أخت لأبي رافع وهى لا تعرف له وإن كانت
غيرها فخالها لا يعرف، وإن كان الأمر عاما وقع في السند عند النسائي من
أنّه حفيد لأبي رافع وسلمى بخت لأبي رافع، ويكون حالها حينئذ أخفى وما
من ذلك شيء يعرف فإنّ أبا رافع مولى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتوشته امرأتان كلّ
واحدة منهما اسمها سلمى، إحداهما: أمة. والأخرى: زوجه فأُمّه سلمى مولاة
صفية بنت عبد المطلب روت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثبت لأمر فيه يرويه حارثة بن
محمد عن عبيد الله بن أبي رافع عن جدّته، وكانت خادما للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرها
هذا ابن السكن، وأمّا زوجه فسلمى مولاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ابن أبي خيثمة:
زوّجه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مولاته وشهدت سلمى هذه خيبر وولدت له عبيد الله بن
أبي رافع كاتب علي فما من هاتين من يكون عمّه لعبد الرحمن بن أبي رافع
ولا لحفيد أبي رافع إذ إحداهما أم لأبي رافع والأخرى زوجه، وقد كنت أظنّ
أن أبا محمد عثر في هذا على مزيد حتى رأيته كتب في كتابه الكبير بخطّه
أثر هذا الحديث بعد أن أورده من عند النسائي سلمى مولاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا
يصح أن تكون عمة لأحد من ولد أبي رافع؛ بل أما وأما جدّه. انتهى كلامه.
وفيه نظر من وجوه: الأوّل: قوله في أبي رافع أختيه امرأتان، وأغفل ثالثة
ذكرها أبو حاتم البستي في كتاب الثقات من التابعين روى عنها القعقاع بن
حكيم وقال: هي امرأة أبي رافع. روت عن أبي رافع، الثاني: قوله لا يصح
مردود بتصحيح ابن حزم له من الطريق التي خرجها أبو داود. الثالث: ما
ذكره عن أبي محمد أنه اتبعه بخطّه في الكبير لم أره ولا شيئا منه في
الكتاب المشار إليه، والله تعالى أعلم. وفي كتاب البيهقي طاف على نسائه
أجمع في ليلة يغتسل لكل واحدة منهن غسلا. وقال الحافظ ضياء الدين: ليس
بين هذا الحديث وحديث أنس اختلاف؛ بل كان يفعل هذا مرّة وذلك أجزى،
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

(1/748)


68- باب ما جاء في الجنب ما يأكل ويشرب
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ابن علية وغندر ووكيع عن شعبة عن
الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا
أراد أن يأكل وهو جنب توضأ " (1) . هذا حديث خرجه الحافظ أبو بكر بن
خزيمة في صحيحه من حديث يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة بلفظ:
" كان إذا أراد أن يطعم وهو جنب غسل يديه " (2) . وصححه أيضا أبو محمد
الفارسي، ولفظ ابن حبان في صحيحه: (3) " إذا أراد أن ينام وهو جنب لم
ينم حتى يتوضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه وأكل ". ولما ذكر البيهقي (4) أن
الليث وأنّه كرواية ابن وهب عن ابن شهاب عن أبي سلمة قالت عائشة: " إذا
أراد أن يأكل ويشرب غسل يديه ".- يعني: من قولها- قال: وقد قيل في هذا
الإسناد عن هذا. وحديث الأسود عن عائشة أصح، وقال أبو داود: رواه ابن
وهب عن يونس فجعل قصة الأكل قول عائشة مقصورا، ورواه صالح بن أبي
الأخصر عن الزهري كما قال ابن المبارك- يعني: عن يونس عن الزهري عن
أبي سلمة- إلا أنه قال: عن عروة أو عن أبي سلمة، ورواه الأوزاعي عن
يونس عن الزهري عن النبي، كما قال ابن المبارك، وفي كتاب العلل للخلال
عن أحمد قال عن قوله: أن يأكل قال أحمد بن القاسم: وسمعت أبا عبد الله
__________
(1) حسن. رواه أبو د أود (ح/224) والنسائي (1/138) والزفاف (37) .
(2) صحيح. رواه أبو داود (ح/223) . قال أبو داود: ورواه ابن وهب عن يونس وجعل
قصة الأكل قول عائشة مقصورا، ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كما قال ابن المبارك إلا أنه قال. " عن عروة أو أبي سلمى " ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال ابن المبارك. وابن ماجة (ح/591) ومعاني (1/128) وعبد الرزاق (1085) .
وصححه أبو محمد الفاسي وآخرون منهم الشيخ الألباني.
(3) رواه ابن حبان: (ح/231) .
وهو حديث عزيز جيد، فيه سنية غسل اليدين قبل الطعام فهو يغني عن الحديث المشهور الذي
بلفظ: " بركة الطعام الوضوء قبله وبعده " وهو حديث ضعيف برقم " 168 ".
(4) صحيح. رواه البيهقي في " الكبرى " (1/203) والكنز (27435) .

(1/749)


يقول: إذا أراد أن ينام فليتوضأ وضوءه للصلاة، على الحديث ثم ينام، فأمّا إذا
أراد أن يطعم فليغسل يديه ويمضمض وليطعم؛ لأنّ الأحاديث في الوضوء لمن
أراد النوم، قال: وبلغني أنّ شعبة ترك حديث الحاكم بآخره فلم يحدّث به
فيمن أراد أن يطعم؛ وذلك لأنه ليس بقوله غيره إنّما هو في النوم ولفظ
الدارقطني: " وإذا أراد أن يأكل غسل كفيه ثم أكل "، وفي لفظ: " غسل كفّيه
ومضمض فاه "، وفي لفظ النسائي (1) : " وإذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل
يديه ثم يأكل ويشرب ". حدثنا محمد بن عمر ثنا إسماعيل بن صبيح أنبأ أبو
أوس عن شرحبيل بن سعيد عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عن الجنب هل/ينام أو يأكل أو يشرب؟ قال: " نعم، إذا توضأ وضوءه
للصلاة " ". هذا حديث خرجه، بن خزيمة في صحيحه، وفي الباب أحاديث
منها حديث عبد الله بن مالك الغافقي قال: " أكل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما طعاما، ثم
قال: استر على حتى اغتسل، فقلت له أنت جنب! فأخبرت بذلك عمر بن
الخطاب فخرج إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " انّ هذا يزعم أنك أكلت وأنت جنب،
قال: نعم، إذا توضأت أكلت وشربت، ولا أقرأ حتى اغتسل ". وفي لفظ: " ولا
أصل حتى أغتسل ". رواه الدارقطني (2) عن ابن مخلد ثنا الصفار ثنا أبو الأسود
ثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن سليمان عنه. وحديث بشير بن نهيك عن أبي
هريرة: " كان النبي إذا كان جنبا وأراد أن يأكل أو ينام توضأ ". ذكره أبو
القاسم في الأوسط (3) وقال: لم يروه عن قتادة عن بشير إلا شعبة، وقال عن
شعبة إلا حجاج. تفرد به إبراهيم بن محمد القرفساني. وحديث عمار بن
ياسر مرفوعا: " رخص للجنب إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب أن يتوضأ
وضوءه للصلاة " (4) . ذكره ابن أبي شيبة وقد تقدّم ذكره قال أبو بكر بن
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب انظر الحاشية رقم (2) السابقة.
(2) ضعيف. رواه الدارقطني (1/119) والطبراني (19/295) والمجمع (1/274) وعزاه
إليه في " الكبير " وفيه ابن لهيعة.
(3) حسن. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " وفيه
إسحاق بن إبراهيم القرفساني، وإسناده حسن.
(4) تقدم. وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/274) وعزاه إلى " الطبراني " وفيه
يوسف بن خالد السمتي، قال فيه ابن معين: كذاب خبيث عدو الله.

(1/750)


المنذر: وممن قال هذا الحديث علي وابن عمر وعبد الله بن عمرو وروينا عن
ابن عمر قولا ثانيا وهو أنه يتوضأ وضوءه للصلاة إلا غسل القدمين. وقال
مجاهد والزهري: يغسل كفيه ويمضمض ثم يأكل. وقال مالك: يغسل يديه إذا
كان الأذى قد أصابهما. وقال أحمد وإسحاق: يغسل يديه وفاه. وقال
أصحاب الرأي: يغسل يديه ويمضمض ثم يأكل ولا يضره. وقال أبو بكر: إذا
أراد أن يطعم توضأ، فإن اقتصر على غسل فرجه ويمضمض كفاهُ زاد ابن أبي
شيبة وعائشة وأبو الضحى وشداد بن أوس وقال: إنه يصف الجنابة وابن سيرين
ومحمد بن علي والنخعي، وأما قول ابن المنذر عن مجاهد والزهري يغسل
كفيّه ويمضمض فلعله في رواية عنهما وإلا ففي المصنف بسند صحيح ثنا
وكيع عن سفيان عن زيد عن مجاهد في الجنب يأكل قال: يغسل يديه
وجمل حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن الزهري قال: الجنب إذا أراد
أن أكل غسل يديه. وأما سعيد بن المسيب فإنه قال: إن شاء الجنب نام قبل
أن يتوضأ. وقال إبراهيم في رواية مغيرة عنه: " يشرب الجنب قبل أن
يتوضأ " (1) .
__________
(1) قوله: " قبل أن يتوضأ " كذا في " الأصل " وسقطت من " الثانية ".

(1/751)


69- باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة
حدثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرّة عن
عبد الله بن سلمة قال: دخلت على علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-
فقال: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي الخلاء فيقضى الحاجة ثم يخرج فيأكل معنا
الخبز واللحم، ويقرأ القرآن ولا يحجبه- وربما قال: لا يحجزه- عن القرآن
شيء إلا الجنابة " (1) . هذا حديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه: فأما أبو
داود فإنه سكت عنه لما رواه مطولا بلفظ: " دخلت على علي أنا ورجلان،
رجل منّا ورجل من بنى أسد احتسب فبايعتهما على وجها وقال: إنها علجان
فعالجا عن دينكما ثم قام فدخل المخرج ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنة
فتمسح بها ثم جعل يقرأ القرآن فأنكروا ذلك فقال ... " الحديث. ولما خرجه
أبو عيسى (2) قال فيه: حسن صحيح وخرجه في الصحيح أبو بكر بن خزيمة
وابن الجارود في منتقاه وأبو حاتم البستي، وقال أبو عبد الله بن البيع: هذا
الحديث صحيح الإسناد والشيخان لم يحتجا بعبد الله بن سلمة، ومدار
الحديث عليه وهو غير مطعون فيه، وقال البغوي في شرح السنة: هذا حديث
صحيح وفي الكامل قال سفيان: قال شعبة: لم يرو عمرو أحسن من هذا
الحديث وقال سعيد: لا أدرى أحسن منه عن عمرو وكان شعبة يقول: هذا
ثلث رأس مالي، وقد روى ابن سلمة عن علي وحذيفة وغيرهما هذا الحديث،
وأرجو أنه لا بأس به، وفي سؤالات الميمون لأحمد قال شعبة: ليس أحدث
بحديث أجود من ذلك، وفي فوائد ابن صخر: ورواه عن طريق يحيى بن أبي
بكير عن أبي جعفر الرازي عن الأعمش عن عمرو عن أبي البختري عن على
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/ 229) وسكت عنه كناية عن حسنه. وابن ماجة (594)
وأحمد (1/84، 124) والحاكم (4/17) والنسائي (1/144) .
قوله: " لا يحجبه ولا يحجره "، أي: لا يمنعه.
وقال البغوي: هذا حديث صحيح.
(2) قوله: " أبو عيسى " سقطت من " الأولى " وأثبتناه من " الثانية ".

(1/752)


قال عليه الصلاة والسلام: " اقرأ القرآن على كل حال ما لم تكن جنبا " (1) .
هذا حديث غريب جدا إن كان محفوظا لم يروه غير يحيى عن أبي جعفر
والمسور عن الأعمش وغيره عن عمرو عن ابن سلمة ومحمد أبو محمد
الإشبيلي، وقال أبو علي الطوسي: حديث علي حديث حسن صحيح. وقال
أبو الحسن: رواه أبو جعفر الرازي وجنادة ومحمد بن فضيل عن الأعمش عن
عمرو عن أبي البختري عن علي/إلا أن فضيلا وفيه والآخران رفعاه وخالفهم
أبو الأحوص فقال: عن الأعمش عن عمرو بن علي مرسلا موقوفا ورواه ابن
أبي ليلى عن عمرو على الصواب عن ابن سلمة ورواه جماعة من الثقات عن
ابن أبي ليلى كذلك وخالفهم يحيى بن عيسى الرملي فرواه عنه عن سلمة بن
كهيل عن ابن سلمة ووهم، والصواب عن عمرو بن مرّة، والقول قول من قال
عمرو عن ابن سلمة عن علي. انتهى كلامه. وفيه رد لما ذكره الحاكم فيما
أسلفناه، ولما في الكامل ثنا ابن أبي عصمة ثنا أبو طالب ثنا أحمد لم يرو
أحد: " لا يقرأ الجنب ... " غير شعبة عن عمرو عن ابن سلمة عن علي، ولما
ذكره أيضا البزار أثر حديث ابن سلمة لا يروى عن علي إلا من حديث عمرو
عن ابن سلمة وكذا ما ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث النعمان بن
راشد عن أبي إسحاق عن الحرث عن على: نهاني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القراءة وأنا
جنب، ولا أقول نهاكم " (2) ، وقال: لم يروه عن النعمان إلا أبو الجراح. تفرد
به رباح بن زيد، وقال ابن أبي داود في سننه: هذه سنة تفرد بها أهل الكوفة،
وأما المضعّفون فالإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل- رضي الله عنه- فإنه
كان يوهن حديث علي هذا ويضعف أمر عبد الله بن سلمة ذكره عنه
الخطابي، وقال الشّافعي: وإن يكن أهل الحديث يثبتونه، قال البيهقي: وإنما
توقف الشافعي في ثبوته؛ لأنّ مداره على ابن سلمة وكان قد كبر وأنكر من
حديثه وعقله بعض النكرة، وإنّما روى هذا الحديث بعد ما كبر، قاله شعبة في
__________
(1) ضعيف جدا. الكنز (2770) وابن عدي في " الكامل " (3/925) ، وضعفه الشيخ
الألباني. (ضعيف الجامع: ص 150 ح/1065) أنظر، الضعيفة: (ح/2863) .
(2) ضعيف. كذا ذكره الخطابي في معالم السنن. وضعفه أحمد بن حنبل.

(1/753)


تاريخ الجعفي الكبير عن عمرو بن مرة قال: كان عبد الله- يعني: بن سلمة-
يحدّثنا فنعرف وننكر وكان قد كبر لا نتابع في حديثه، وفي الأوسط سألت
أحمد بن أبي سلمة من روى عنه غير عمرو فقال: روى عنه أبو إسحاق
الهمداني قوله، وفي لفظ: لا أعرف روى عنه غيرهما وقال ابن نمير: هذا ليس
به قال صاحب عمرو بن مرة: لم يرو عنه إلا عمرو، والذي قال ابن معين
أصح من الذي قال أبو إسحاق هو الهمداني والذي روى عنه عمرو بن مرّة
هو من رهط عمرو بن مرة الجملي المراوي ويقال: الجهني، وقد روى أبو
إسحاق عن عبد الله بن سلمة أبي العالية الهمداني، وقال بعض الكوفيين: هذا
غير الذي روى عنه عمرو بن مرة وبمثله قاله يحيى بن معين وأبو نصر بن
ماكولا وأبو الحسن في كتاب المختلف والمؤتلف، قرأت على المسند المعمر
محمد بن عبد الحميد أخبركم أبو الحسن بن عبد الواحد أنبأ ابن طبرزد أنبأ
أبو البركات/أنبأ أبو القاسم بن حبابة أنبأ أبو القاسم، نا ابن بنت منيع أن
علي ثنا أبو داود قال: كان شعبة يقول: هو ذي أنزعه من عنقي وأضعه في
أعناقكم قد سمعت عمرا يقول: كان ابن سلمة قد كبر فكان يحدثنا فيعرف
وينكر، وأشار أبو محمد الفارسي إلى ضعف هذا الحديث، وقال أبو حاتم: في
كتاب الثقات وذكر ابن سلمة كان يخطىء، وقال أبو عبد الرحمن: يعرف
وينكر. وقال الساجي: كان يهم، ولقائل أن يقول في هذا الكلام ردّ على
الحاكم لزعمه ألا يطعن فيه ويجاب بأن الحاكم أراد طعنا موجبا لردّ حديثه،
وأمّا الحرف فهذا لا طعن، والله أعلم. ولولا قول من قال: أنّ عمر أخذ عنه
هذا الحديث بعد الكبر لكان قول من صحح على قول المضعف أرجح، ويريده
ما رواه الدارقطني موقوفا من حديث أبي العريف قال: كنّا مع علىّ في الرحبة
فخرج إلى أقصى الرحبة، فوالله ما أدرى أهو أحدث أم غائط، ثم جاء فدعا
بكوز من ماء، فغسل كفيه ثم قبضهما إليه، ثم قرأ سورا من القرآن ثم قال:
اقرءوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة فإن أصابته جنابة فلا ولا حرف " (1) .
__________
(1) ضعيف جدا. أورده الألباني في ضعيف الجامع (ص 150 ح/1065) وعزاه إلى أبي
الحسن بن صخر في " فوائده " عن علي.

(1/754)


رواه عن أبي بكر النيسابوري وأبي على الصفّار ثنا محمد بن عبد الملك
الدقيقي ثنا يزيد بن هارون ثنا عامر بن السمط ثنا أبو العريف به. وفي سنن
البيهقي من حديث عاصم البجلي عن أبي داود الظهري عن عبد الأعلى عن
عامر الثعلبي عن أبط عبد الرحمن سئل علي عن الجنب يقرأ: قال: " لا، ولا
حرف ". فهذا مما يؤكد قول من صحح الحديث ويدلّ أن له أصلا عن عليّ،
والله تعالى أعلم. قال البستي: وقد توهم غير المتبحِّر في الحديث أنّ حديث
عائشة: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الله على كل أحيانه " (1) . يعارض هذا وليس
كذلك؛ لأنها أرادت الذكر الذي هو غير القرآن إذ القرآن يجوز أن يُسمى
ذكرا، وكان لا يقرأ وهو جنب ويقرأ في سائر الأحوال، وقال ابن حزم:
وحديث على لا حجة. انتهى الذي قاله بعضهم وقع لنا في حديث عائشة ثنا
وكيع عن سفيان عن هشام عن أبيه عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقرأ الجنب
ولا الحائض شيئا من القرآن " (2) . رواه أبو عبد الله في تاريخه عن أحمد بن
هارون الفقيه ثنا جعفر بن سهل ثنا الحسين بن يونس ثنا وكيع به، وقال ابن
حزم: وحديث علي لها حجة فيه لمن منع الجنب من القراءة؛ لأنه ليس فيه/
نهي عن القراءة (3) وإنما هو فعل منه لا يلزم ولا بيّن عليه الصلاة والسلام. أنه
إنما يمتنع من ذلك لأجل الجنابة، وقال جاءت آثار في نهي الجنب ومن ليس
__________
انظر: (الضعيفة ح/2863) .
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/83، 163) ومسلم في (الحيض باب " 30 "
رقم " 117 ") وأبو داود (18) والترمذي (3384) وصححه. وابن ماجة (302) وأحمد
(6/70، 153، 278) والبيهقي (1/90) وأبو عوانة (1/217) وإتحاف (6/287، 7/
110) والكنز (17980) وشرح السنة (2/44) والقرطبي (4/310) والمشكاة (456)
ومعاني (1/88، 91) والصحيحة (406) .
(2) ضعيف. رواه الترمذي (131) وقال: حديث ابن عمر حديث لا نعرفه إلا من حديث
إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر. ورواه ابن ماجة (596)
والدارقطني (1/131، 117) والعلل (116) .
قلت: وعلته إسماعيل بن عياش.
وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص 918، ح/6364) . انظر الإرواء: 162.
(3) في " الأولى " " القمأة " وهو تصحيف، والصحيح " القراءة " كما أثبتناه من " الثانية ".

(1/755)


على طهر عن أن يقرأ شيئا من القرآن، ولا يصح منها شيء، ولو صحت
كانت حجة على من يبيح له قراءة الآية التامة- يعني مالكا- أو بعض
الآية- يعني: أبا حنيفة- لأنها كلها نهى عن القراءة للجنب جملة. حدثنا
هشام بن عمار ثنا إسماعيل بن عياش ثنا موسى بن عقبة عن نافع عن ابن
عمر قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقرأ القرآن الجنب والحائض ". هذا حديث
إسناده ضعيف لما أسلفناه في إسماعيل لاسيّما وروايته هنا عن المدنيين، ورواه
أبو الحسن القطان عن أبيِ حاتم ثنا هشام به وزاد: " لا يقرأ الجنب والحائض
شيئا من القرآن ". وقال أبو عيسى: لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش
عن موسى بن عقبة وسمعت محمدا يقول: أن إسماعيل يروي عن أهل
الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير، كانه ضعف روايته عنهم فيما يتفرد به،
وقال في العلل: قال محمد: لا أعرفه من حديث ابن عقبة، وقال البزار: وهذا
الحديث لا يعلم رواه عن موسى بن عقبة إلا ابن عباس ولا نعلم يروى عن
ابن عمر من وجه إلا من هذا الوجه، ولا يروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحائض إلا
من هذا الوجه، وفي علل الرازي: سمعت أبي وذكر معنى هذا الحديث فقال:
هذا خطأ إنما هو عن ابن عمر قوله، وفي كتاب المعرفة: وهذا حديث تفرد به
إسماعيل وروايته عن أهل الحجاز ضعيفة لا يحتج بها أهل العلم الحديث وفي
السنن الكبير رواه غيره عن موسى بن عقبة ولا يصح، وفيه ردّ لما قاله في
المعرفة قبل وفي موضع آخر ليس هذا بالقوي، وفي كتاب الخلال عن عبد الله
وذكر هذا الحديث قال أبي: هذا باطل أنكر على إسماعيل- يعني: أنه وهم
من إسماعيل-، ولما رواه أبو أحمد من حديث أبي إسحاق إبراهيم بن العلاء
الزبيدي الحمصي عرف بابن وبريق عن ابن عباس عن عبيد الله- يعني:
العمري- وموسى بن عقبة قال: ليس لهذا الحديث أصل من حديث عبيد الله.
انتهى كلامه. وفيه نظر؛ من حيث أن سعيد بن يعقوب الطالقاني ورواه أبو
الحسن في سننه عن إيراهيم بن محمد ثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي
ثنا سعيد به ثم قال: تابعه إبراهيم بن العلاء عن/إسماعيل ورواه عن ابن
عياش كرواية إبراهيم بن العلاء فيما ذكره أبو بكر في الخلافيات الموثق عند

(1/756)


أبي حاتم وغيرها وأمّا قول من قال: لا يروى عن موسى إلا من حديث
إسماعيل، ولا يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه، ففيه نظر؛ لما ذكره
الدارقطني في كتاب السنن ثنا محمد بن حمدويه المروزي ثنا عبد الله بن
حماد الأعلى ثنا عبد الملك بن سلمة حدثني المغيرة بن عبد الرحمن عن
موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال عليه الصلاة والسلام: " لا يقرأ
الجنب شيئا من القرآن ". ثنا محمد بن مخلد ثنا محمد بن إسماعيل الجيشاني
عن رجل عن أبي معشر عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أن الحائض والجنب لا يقرآن من القرآن شيئا ". وقال ابن عبد الواحد
الحافظ: روى بعض الحفاظ هذا الحديث من غير طريق إسماعيل بإسناد لا
بأن به وكأنه- والله أعلم- يريد طريق المغيرة المذكورة أنبأ وأبى ذلك
عبد الحق والبيهقي بقوله روى عن غيره ولا يصح، وأمّا قول البزار ولا يروى
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحائض إلا من هذا الوجه ففيه نظر؛ لما أسلفنا من حديث
عائشة قيل والله أعلم، ولم يذكره من حديث جابر بن عبد الله عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقرأ الحيض ولا الجنب ولا النفساء من القرآن شيئا ". رواه
الدارقطني (1) عن أحمد بن محمد أبي سهل أنبأ أحمد بن على الآباد ثنا أبو
الأشعث على بن الحسن الواسطي ثنا سليمان أبو خالد عن يحيى عن أبي
الزبير عنه وفيه ردّ لما ذكره أبو أحمد هذا ينفرد به محمد بن الفضل بن عطية
وهو متروك عند الجميع، والله أعلم. وفي هذا الباب والذي قبله أحاديث منها
حديث عبد الله ابن رواحة وكان مضطجعا إلى جنب امرأته فقام إلى جارية
في ناحية الحجرة فوقع عليها وفرغت امرأته فلم تجده في مضجعه فقامت
فخرجت فرأته على جاريته فرجعت إلى البيت فأخذت السفرة، ثم خرجت،
وفرغ فقام فلقيها تحمل السفرة قال: وأين رأيتيني؟ قالت: رأيتك على الجارية،
فقال: ما رأيتني وقال: " قد نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقرأ أحدنا القرآن وهو
جنب " قالت: فاقرأ فقال:
__________
(1) ضعيف. رواه الدارقطني (1/117) .

(1/757)


نهانا رسول الله أن نتلوا كتابه ... كما لاح مشهور من الفجر ساطع
/أنا بالهدى بعد العمى فقلوبنا به ... وضآت إن ما قال واقع
بين ما في جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المناجع
فقال: آمنت بالله وكذبت البصر " ثم غدا " على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره،
فضحك حتى بدت نواجذه ". رواه الدارقطني (1) عن ابن مخلد نا العباس بن
محمد الدوري ثنا إبراهيم بن قيس بن أحمد الحداد ثنا محمد بن سليمان
الواسع ثنا أبو نعيم ثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة قال:
كان ابن رواحة فذكره وثنا ابن مخلد ثنا القاسم بن خلف ثنا ابن عمار
الموصلي ثنا عمرو بن رزيق عن زمعة عن سلمة عن عكرمة عن ابن عباس
فذكر نحوه هذا متصل لولا ضعف زمعة لكان إسناده لا بأس به على أنّ ابن
معين قال: فيه صويلح، وقال البيهقي: وروى عن ابن عباس عن زمعة كذلك
موصولا وليس بالقوي. قال: وعن عكرمة عن ابن رواحة وليس بالقوى، وقال
عبد الحق: ولا بروى من وجه صحيح يحتج به؛ لأنه منقطع وضعيف، وفي
الاستفتاء أنشدها حين قالت له: " إن الجنب لا يقرأ القرآن فاقرأ:
شهدت بأن وعد الله حق ... وإنّ النّار مثوى الكافرينا
وأنّ العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا
فقالت له صدق الله وكذبت عيني وكانت لا تحفظ القرآن، قال أبو عمر:
روينا هذه القصة من وجوه صحاح زاد غيره وتحمله ملائكة غلاظ ملائكة
الإله مسبوقينا. وحديث عبد الله بن مالك الغافقي المذكور قبل قال: " أكل
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما طعاما، ثم قال: استر علي، فاغتسل فقلت له: أكنت
جنبا يا رسول الله؟ قال: نعم، فأخبرت بذلك عمر فجاء فقال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن
هذا زعم أنك أكلت وأنت جنب، قال: نعم، إذا توضأت أكلت وشربت ولا
أصل ولا أقرأ حتى أغتسل ". رواه البيهقي من حديث محمد بن عمر عن
عبد الله بن سليمان بن أبي سلمة عن ثعلبة بن أبي المنكدر عن عبد الله بن
__________
(1) المصدر السابق.

(1/758)


مالك به ثم قال: تابعه ابن لهيعة عن عبد الله بن سليمان. وحديث ابن لهيعة
المشار إليه خرجه الطبراني (1) في الكبير وابن نافع في معجمه وعبد الله بن
وهب/في مسنده وفي كتاب البيهقي من حديث الأعمش عن شقيق عن
عبيدة قال: كان عمر يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب قال: وهو إسناد وصحيح
وفي الخلافيات: من حديث شعبة عن الحكم عن إبراهيم أن عمر كان يكره
أن يقرأ الجنب، قال شعبة: وحدث في صحيفتي والحائض. وحديث أبي
موسى الأشعري قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يا علي إنى أرضى لك ما أرضاه
لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي، لا تقرأ القرآن وأنت جنب، ولا أنت راكع
ولا أنت ساجد، ولا تصل وأنت عاقص شعرك، ولا تذبح بذبح الحمار ". رواه
الدارقطني (2) من حديث أبي مالك النخعي عبد الملك بن حسين أخبرني أبو
عاصم بن كليب الجرمي عن أبي بردة عن أبي موسى. وحديث علقمة قال:
كنا مع سلمان الخير- رضي الله عنه- في سفر فقضى حاجته، فقلنا له:
توضأ حتى نسألك عن آية من القرآن فقال: سلوني إنى لست أمسه، إنه لا
يمسه إلا المطهرون، فقرأ علينا ما أردناه. خرجه أبو عبد الله في مستدركه (3)
وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لتوقفه، وقد رواه
أيضا جماعة من الثقات عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد
عن سلمان، وذكر ابن الجوزي: أن بعضهم رفعه ولا يصح. وحديث أنس
قال: " خرج عمر متقلدا السيف، فقيل له: إن حبك واحد قد صبوا، فأتاهما
عمر وعندهما رجل من المهاجرين، فقال: وكانوا أجنابا يقرءون سورة طه،
فقال: أعطوني الكتاب الذي عندكم فاقرؤوه، وكان عمر يقرأ الكتب فقالت
له أخته: إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ، فقام عمر
__________
(1) ضعيف. رواه الدارقطني (1/119) والكنز (27463) والمجمع (1/274) وعزاه إلى
الطبراني في " الكبير " وفيه ابن لهيعة وهو علته.
(2) ضعيف. رواه الدارقطني (1/119) وإتحاف (3/97) وأحمد (1/146) وعبد الرزاق
(2836) والمشكاة (903) والكنز (41877، 44002، 44059) وضعفه الشيخ الألباني.
ضعيف الجامع (ص 928 ح/6400- 1192) .
(3) صحيح. رواه الحاكم وصححه.

(1/759)


وتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ طه ". ذكره ابن سعد في الطبقات عن إسحاق
الأرق رواه الدارقطني (1) عن محمد بن عبد الله بن غيلان ثنا الحسن بن
الجنيد وثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي ثنا ابن المأدي ثنا إسحاق
الأزرق ثنا القاسم بن عثمان البصري عن أبيه عن أنس به. ولما ذكر أبو زيد
السهيلي في روضه أشار إلى أنه من أحاديث السير، وقال القشيري: وذكر ابن
إسحاق في قصة إسلام عمر بن الخطاب/أن أخته قالت له: " إنك جنب ولا
يمسه إلا المطهرون "، وهو هكذا معضل وأظنّه في ذلك تبع ابن عبد البر كأنما
لم ينظر إلى كتاب أبي الحسن وابن سعد نقضه اغتساله وكونه بسند صحيح؛
لأنّ عثمان وثّقه أبو حاتم وباقي من فيه لا نسأل عنه، وفي كتاب المعانقة
لمرتضى بن حاتم ثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن حصين مشافهة
قال: أذن لي أبو الفتح محمد بن عبد الله عرف بابن النحاس أنبأ أبو الفرح
أحمد بن محمد بن أبي ذهبة ثنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن الرحماني
ثنا أبو بكر محمد بن بكران ثنا يحيى بن عبيد الله، ثنا الفضل بن عبيد الله
الهاشمي، ثنا يوسف بن محمد البغدادي، ثنا أبو عبد الله محمد بن عبيدة
بن جرود حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الملك الأسدي ثنا ناهض بن
سلام ثنا محمد بن سيرين ومحمد بن كعب القرطبي ثنا أبو العباس عبد الله
بن عبد العباس فذكر سلام عمر مطولا، وفي كتاب الدلائل للبيهقي من
حديث أسامة بن زيد عن أبيه عن جدّه أسلم قال: " قال لنا عمر أتحبون أن
أعلمكم كيف كان بدء إسلامي؟.. " الحديث رواه عن الحمامي ثنا محمد بن
عبد الله بن إبراهيم ثنا محمد بن أحمد بن برد ثنا إسحاق الحسنى قال: ذكره
أسامة أنّ الصحيفة كان فيها: سبح لله ما في السموات وما في الأرض، وقد
استوفينا ذلك في كتابنا المسمى بالوهم الباسم في سير أبي القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك.
وحديث حكيم بن حزام قال: لما بعثني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى اليمن قال: " لا تمس
القرآن إلا وأنت طاهر ". رواه أبو القاسم في الكبير (2) عن بكر بن نفيل ثنا
__________
(1) صحيح. رواه الدارقطني: (1/121، 2/285) .
(2) حسن. رواه الحاكم (3/485) والدارقطني (1/123) ونصب الراية (1/198) والكنز
(2829) والطبراني (3/230، 9/33) والمجمع (1/276، 277) ، وعزاه إلى الطبراني=

(1/760)


إسماعيل بن إبراهيم صاحب القوهي سمعت أبي ثنا سويد أبو حاتم ثنا مطر
الوراق عن حسان بن بلال عنه. ولما خرجه أبو الحسن قال لنا ابن مخلد:
سمعت جعفرا يقول: سمع حسان من عائشة وعمار قيل له: سمع مطر من
حسان؟ فقال: نعم. وحديث ثوبان قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا يمس القرآن إلا
طاهر. والعمرة الحج الأصغر وعمرة خير من الدنيا. وما فيها. ذكره ابن القطان
من رواية علي بن عبد العزيز ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا مسعدة البصري عن
حصيب بن جحدر عن النضر بن شقي عن أبي إنّما الرحبي عنه قال: وهو
إسناد في غاية الضعف./وحديث ابن عمر قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يمس
القرآن إلا طاهر " (1) . رواه أبو الحسن عن الحسين بن إسماعيل ثنا سعيد بن
محمد بن سوار ثنا أبو عاصم ثنا ابن جريج عن سليمان بن موسى قال:
سمعت سالما يحدث عن أبيه فذكره وهو سند صحيح، وذلك أن أبا الحسن
ذكر حديثا من رواية سعيد هذا في كتاب الصيام وقال: إسناده صحيح، وذكر
الخطيب أنه روى عنه إسماعيل بن الفضل البلخي وابن ياسين وابن صاعد
ومحمد بن أحمد البوداني وسليمان بن موسى معروف الحال بالفقه، وممن
خرج مسلم حديثه في صحيحه ولما ذكره الجوزجاني في كتابه قال: هذا
حديث مشهور حسن، وقال الطبراني في الصغير: لم يروه عن سليمان بن
موسى إلا ابن جريح ولا عنه إلا أبو عاصم. تفرد به سعيد والله أعلم.
وحديث أبي بكر بن إسحاق الجعفي قال: ذكره أسامة عن أبيه عن جده أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل اليمن كتابا فكان فيه: " لا يمس القرآن إلا
طاهرا ". رواه الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري ثنا محمد بن علي وثنا
الحسن بن إسماعيل ثنا إبراهيم بن هانىء ثنا الحكم بن موسى ثنا على بن
حمزة عن سليمان بن داود حدثني الزهري عن أبي بكر، ومن هذه الطريق
خرّجه الطبراني وابن عبد البر والبيهقي في شعب الإيمان، وفي الموطأ عن
__________
= في " الكبير " و" الأوسط "، وفيه سويد أبو حاتم ضعفه النسائي وابن معين في رواية،
ووثقه في رواية. وقال أبورعة: ليس بالقوي حديثه حديث أهل الصدق.
(1) تقدم من أحاديث الباب.

(1/761)


عبد الله بن أبي بكر أن في الكتاب الذي كتبه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم:
" لا يمس القرآن إلا طاهرا ". ورواه أبو الحسن في الغرائب من جهة إسحاق
الطباع ومبشر ابن إسماعيل عن مالك مسندا، ورواه في الخلافيات عن أبي
بكر بن الحرث عن ابن حبان عن محمد بن سهل عن أبي مسعود عن
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن جده
قال: كذا في كتابه عن جده ولم يذكره غيره عن عبد الرزاق، ومن حديث
إسماعيل بن أبي أويس حدثنى ابن عبد الله ومحمد ابني أبي بكر عن أمه عن
أبيهما عن جدهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكره، وهو حديث لو صحح إسناده
لكان بذلك جديرا؛ فإن سليمان بن داود وهو أبو داود الخولاني الدمشقي
حاجب عمر بن عبد العزيز وكان متقدما عنده قال ابن حسان: كان ثقة
مأمونا، وقال الدارقطني:/لا بأس به، وقال البيهقي أثنى عليه أبو زرعة وأبو
حاتم وعثمان بن سعيد وجماعة من الحفاظ، وأبو بكر معروف بالسماع من
أبيه، وأبوه محمد معروف بالسماع من عمرو، وذكره بعضهم في الصحابة
لمولده سنة عشر، ويفهم من حمل قوله عن جده أنه هو، فإن كان صحيحا
فيكون فيه شامة الاتصالِ، ومنهم من حمله على جده الأعلى وهو الصحيح؛
لأنّ في الحديث كان فما أخذ عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. الحديث، والله أعلم.
وحديث إسحاق ابن عيسى الطباع يعضده وإسناده أيضا صحيح لتخريج
مسلم حديثه ولمتابعة مبشر له ويزيد ذلك وضوحا قول عبد الله بن محمد بن
عبد العزيز سمعت أبا عبد الله، وسئل عن حديث الصدقات أصحيح هو؟
قال: أرجو أن يكون صحيحا، وقال أبو عمر بن عبد البر: كتاب عمرو بن
حزم كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة
يستغنى بشهرتها عن الإسناد؛ لأنه أشبه التواتر في مجيئه ليلقى الناس له
بالقبول والمعرفة، وما فيه متفق عليه إلا قليلا ومما يدلك على شهرة كتاب
عمرو وصحته ما ذكره ابن وهب عن مالك والليث بن سعد عن يحيى بن
سعيد عن سعيد بن المسيب، قال: وجد كتاب عند آل ابن حزم يذكرون أنه
من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه وفيما هنالك من الأصابع عشر عشر فصار القضاء في
الأصابع إلى عشر عشر.

(1/762)


وقال أبو أحمد: وأما حديث الصدقات فله أصل في بعض ما رواه معمر
عن الزهري عن أبي بكر وأفسد إسناده. وحديث سليمان بن داود مجود
الإسناد، وقال البيهقي والحديث الذي رواه- يعني: سليمان- في الصدقات
موصول الإسناد، وحسن، وقال السهيلي: قد أسند من طرق حسان أقواها
رواية ابن داود عن الزهري وأبي ذلك جماعة من الحفاظ قال الدارقطني: فإنه
لما ذكر حديث سليمان عن الزهري قال: لا يثبت عنه، وقال غير الحكم بن
موسى أنه سليمان بن أرقم، ولما روى النسائي هذا الحديث من طريق يحيى بن
حمزة عن سليمان بن داود ثم رواه من حديث يحيى عن سليمان بن أرقم
قال: هذا أشبه بالصواب، وقال ابن المديني: سليمان بن داود الذي يروى عن
الزهري حديث عمرو في الديات منكر الحديث وضعفه، وقال أبو بكر بن
خزيمة: لا يحتج/بحديثه إذا انفرد، وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى يقول:
الحكم بن موسى ثقة، وسليمان بن داود الذي يروى عن الزهري، حديث
الصدقات والديات مجهول لا يعرف، وفي رواية أبي يعلى عنه سليمان لا
يعرف ولا يصح هذا الحديث. وفي رواية الدارمي عنه: ليس بشيء، وفي رواية
ابن الدورقي عنه: شامي ضعيف. وقال أبو محمد الإشبيلي: والصحيح في هذا
الحديث الإرسال كما رواه مالك وغيره وسليمان ضعيف، وأكثر أهل الحديث
لا يأخذون هذا وأشباهه من الكتب. انتهى كلامهم. فإن كان ما قالوه عن
سليمان صحيحا فطريق إسحاق الطباع بعض على قولهم وتوهنه، والله أعلم.
وحديث معاذ بن جبل قال: قلنا يا رسول الله فقوله: " لا يمسه إلا
المطهرون ". قال: يعني: لا يمس ثوابه إلا المؤمنون. قال: قلنا: فقوله كتاب
مكنون من الشرك، ومن الشياطين ذكره أبو أحمد بن عدى من حديث
إسماعيل بن زياد الموصلي ويقال: أن ابن زياد قال: وهو منكر الحديث، وعامة
ما يرويه لا يتابعه عليه أحد، وقال الجوزجاني هذا حديث باطل لا أصل له.
وذكره ابن الجوزي في كتاب المرفوعات وقال: لا بارك الله فيمن وضعها افتح
هذا الوضع. وحديث عثمان بن أبي العاص قال: كان فيما عهد إلى رسول

(1/763)


الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا تمس المصحف وأنت غير طاهر ". ذه ابن أبي داود في
كتابه عن أحمد بن الحباب الحميري ثنا أبو صالح الحكم بن المبارك الحبشي ثنا
محمد بن راشد عن إسماعيل المكي عن القاسم بن أبي بزة عنه ومحمد بن
راشد وشيخه متكلم فيهما، قال أبو محمد الفارسي: وقراءة القرآن والسجود
فيه ومس المصحف وذكر الله جائز كل ذلك بوضوء وبلا وضوء للجنب
والحائض: برهان ذلك أن هذه أفعال خير مندوب إليها أما جواز فعليها فمن
ادعى المنع منها في بعض الأحوال كلف أن يأتي البرهان، ويعد قول ربيعة
وابن المسيب وابن عباس وسعيد بن جبير وقول داود وجمع أصحابنا، وأما
مس المصحف فإن الآثار التي احتج بها من لم يجز للجنب مسه فإنه لا يصح
فيها شيء؛ لأنها إما مرسلة وإما ضعيفة لا يستر، وإما عن مجهول وإما عن
ضعيف، والصحيح حديث ابن عباس عن أبي سفيان أنه كان عند هرقل
فجيء/بكتاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي بعث به دحية إلى عظيم كسرى فدفعه إلى
هرقل فقرأه فإذا فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى
هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإنى أدعوك بدعاية
الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليكم إثم
الأرمسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا
الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا
فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (1) . بهذا النبي عليه الصلاة والسلام قد بعث
كتاب فيه قرآن إلى البصري وقد اتقن أنهم يمسون ذلك الكتاب فإن ذكروا
حديث ابن عمر: " كان نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو
مخافة أن يناله العدو " فهذا حق يلزم اتباعه وليس فيه أن لا يمس المصحف
جنب ولا كافر، وإنما فيه أن لا ينال أهل الحرب القرآن فقط، فإن قالوا إنما
بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هرقل بآية واحدة قيل لهم ولم يمنع عليه السلام من غيرها
وأنتم أهل قياس فإن لم تقيسوا على الآية ما هو أكثر منها فلا تقيسوا على
__________
(1) راجع القصة في " البداية والنهاية ".

(1/764)


هذه الآية غيرها، فان ذكروا قوله يقال: لا يمسه إلا المطهرون، فلا حجة فيه؛
لأنه ليس أمرا وإنما هو خبر والرب تعالى لا يقول إلا حقا، ولا يجوز أن
يصرف لفظ الخبر إلى معنى الأمر إلا ببصر جلى أو إجماع متيقن، فلما رأينا
المصحف يمسه الطاهر وغير الطاهر علمنا أنه عز وجل لم يعِنِ المصحف وإنما
عنا كتابا آخر كما جاء عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: (لا يمسه إلا
المطهرون) قال: الملائكة الذين في السماء. وكان علقمة إذا أراد أن يتخذ
مصحفا أمر نصرانيا فنسخه له. وقال أبو حنيفة: لا بأس أن يحمل الجنب
المصحف بعلاقة وغير المتوضئ عندهم كذلك. وأبي ذلك مالك إلا إن كان
خرج أو يموت، وقال: فلا بأس أن يحمله اليهودي والنصراني والجنب وغير
الطاهر، قال أبو محمد: وهذه تفاريق لا دليل على صحتها، والله أعلم. وقد
أسلفنا ما يرد هذا القول وأن المرسل أسند والضعيف قوي والحمد لله وحده
لذلك، وفي المحيط يكره للجنب من كتب التفسير والسنن والفقه لعدم خلوها
عن آيات من القرآن، وفي فتاوى السمرقندي يكره للجنب/والحائض أن يكتبا
كتابا فيه آية، لأنه مس القرآن. وفي مسند الدارمي أنبأ عبيد الله بن موسى
وأبو نعيم قالا: حدثنا ابن عمرو عن ابن أبي مليكة أن عائشة رضى الله عنها:
" كانت ترقى أسماء وهى عارك " (1) وفي تفسير عبد بن حميد ثنا عبيد الله
بن موسى عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس لا يمسه إلا المطهرون، قال:
الملائكة هم المطهرون من الذنوب ثنا يونس عن شيبان عن قتادة لا يمسه إلا
المطهرون، قال: ذاكم عند رب العالمين لا يمسه إلا المطهرون الملائكة، فأما
عندكم فيمسه المشرك النجس والمنافق الرجس وفي الروض المطهرون في هذه
الآية: هم الملائكة، وهو قول مالك في الموطأ واحتج بالآية الأخرى التي في
سورة عبس، ولكنهم وإن كانوا الملائكة فمع وصفهم بالطهارة مقرونا بذكر
__________
(1) صحيح. رواه الدارمي في: كتاب الطهارة، 103- باب الحائض تذكر الله ولا تقرأ
القرآن، (ح/ 996) .
قوله: " عارك "، أي: حائض.

(1/765)


المس يقتضى أن لا يمسه إلا طاهر اقتداء بالملائكة المطهرين فقد تعلق الحكم
بصفة التطهر، ولكنّه حكم مندوب إليه وليس محمولا على الفرض، وكذلك
ما كتب به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم ليس على الفرض أيضا وإن كان
الفرض فيه أتى منه في الآية؛ لأنه جاء بلفظ: النهي عن مسه على غير طهارة
ولكنه في كتابه إلى هرقل دليل على ما قلناه، وقد خالف أبو ثور وطائفة ممن
سلف منهم ابن عيينة وابن أبي سليمان إلى إباحة مسه على غير طهارة، ومما
يقوى إن المطهرين في الآية هم الملائكة إنه لم يقل المتطهرون إنما قال:
المطهرون، وفرق ما بين المتطهر والمطهر وذلك أن المتطهر: من فعل الطهور
وأدخل نفسه فيه، كالمتفقه الذي يدخل نفسه في الفقه وكذلك المتفعل في
أكثر الكلام أنشد سيبويه وقيس بن غيلان ومن بقيا. فالآدميون متطهرون إذا
تطهروا، والملائكة مطهرون خلقة، والآدميات إذا طهرت متطهرات، قال تعالى:
(فإذا تطهرن) والحور العين مطهرات قال تعالى: (لهم أزواج مطهرة)
وهذا فرق بيّن والمصطفي عليه الصلاة والسلام متطهر ومطهر ولله الحمد
والمنة. قال ابن المنذر: ورخص بعض من كان في عصرنا للجنب والحائض في
مسّ المصحف والدنانير والدراهم التي فيها ذكر الله تعالى، قال:/ثبت أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المؤمن لا ينجس ". وفي كتاب المعرفة: قال مجاهد وأنس بن
مالك: المطهرون: الملائكة. وقال أبو عبد الله الحليمي: إّنما أتى بالملائكة إلى
مسّ ذلك الكتاب؛ لأنهم مطهرون والمطهر: هو الميسّر للعبادة والمرض لها فثبت
أن المطهر من الناس هو الذي ينبغي له أن يمس المصحف، والمحدث ليس
كذلك؛ لأنه ممنوع من الصلاة والطواف والجنب والحائض ممنوعان منها ومن
قراءة القرآن؛ فلم يكن لهم حمْل المصحف ولا مسّه، وفي شرح السنة قول
أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم لا يجوز للجنب ولا للحائض قراءة
القرآن وهو قول الحسن، وفيه قال سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد
وإسحاق وجوّز عكرمة للجنب قراءة القرآن وجوّز مالك للحائض قراءة القرآن
لأنّ زمن حيضها قد يطول فتمس القرآن. وقال مالك: لا يحمل المحدث

(1/766)


المصحف بعلاقته ولا على وسادة إلا وهو طاهر وجوز الحكم وحماد وأبو
حنيفة: حمله ومسه، وقال أبو حنيفة: لا يمس الموضع المكتوب. وكان أبو وائل
يرسل شارعة وهي حائض إلى أبي رزين لكتابة المصحف فيمسكه بعلاقته،
وكذلك رأي الشعبي. والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى
آله وسلم.

تم الجزء المبارك من كتاب
الإعلام بسنته عليه الصلاة والسلام
تأليف الإمام العالم العلامة المتقن المحقق مغلطاي
تغمّده الله تعالى برحمة منه وكرمه آمين
وحسبنا الله ونعم الوكيل، يتلوه في السفر الذي يليه
باب: تحت كل شعرة جنابة، والحمد لله رب العالمين

(1/767)


بسم الله الرحمن الرحيم
70- باب تحت كل شعرة جنابة
/حدثنا نصر بن على الجهضمي ثنا الحرث بن وجيه، ثنا مالك بن دينار
عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنّ تحت كل
شعرة جنابة، واغسلوا الشعر وانقوا البشر ". هذا حديث لما رواه أبو داود (1)
اتبعه الحارث حديثه منكر وهو ضعيف، كذا في كتاب اللؤلؤي وابن العبد
وعند ابن داسة هذا الحديث ضعيف، وقال أبو عيسى (2) : الحارث بن وجيه
غريب لا نعرفه إلا من حديثه وهو شيخ ليس بذاك، وقد روى عنه غير واحد
من الأئمة، وقد تفرّد بهذا الحارث عن مالك بن دينار، وقال الدارقطني:
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود (ح/ 248) والنسائي في (الطهارة، باب " 106 ") والكنز
(27361) والخفاء (1/255، 353) .
وضعفه الشيخ الألباني انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/ 132) والمشكاة (344) والروض (704)
وضعيف أبي داود (37) .
(2) ضعيف. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة (11/78) ، 78. باب ما جاء أن تحت كلْ
شعرة جنابة، (ح/ 106) . وقال: حديث الحرث بن وجيه حديث غريب، لا نعرفه إلا من
حديثه. وهو شيخ ليس بذاك. وقد روى عنه غير واحد من الأئمة، وقد تفرد هذا الحديث عن
مالك بن دينار. ويقال: " الحرث بن وجيه " ويقال: " ابن وجبة ".
و" وجيه " بكسر الجيم وبعدها ياء تحتية مثناة، و" وجبة " بإسكان الجيم وفتح الباء الموّحدة،
والحرث هذا هو أبو محمد الراسي، ليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث. قال أبو داود:
" الحرث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف ". وقال ابن حجر في التلخيص (ص/52) :
" قال الدارقطني في العلل: إنّما يروي هذا عن مالك بن دينار عن الحسن مرسلا، ورواه سعيد
ابن منصور عن هشيم عن يونس عن الحسن قال: نبئت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره. ورواه
أبان العطار عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة قوله. وقال الشافعي: هذا الحديث ليس بثابت
. وقال البيهقي: أنكره أهل العلم بالحديث: البخاري وأبو داود وغيرهما ".

(1/768)


غريب من حديث ابن سيرين عن أبي هريرة. تفرد به مالك بن دينار، وقال
في كتاب العلل: وغير الحارث يرويه عن مالك عن الحسن/مُرسلا، ورواه أبان
العطار عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة قوله، ولا يصح مسندا والحارث
ضعيف، وقال البغوي في شرح السنة: هذا حديث غريب الإسناد، وقال ابن
حزم: هذا لا يصح، ولما ذكره أبو الفرج في كتاب العلل قال: إنّما يروى عن
أبي هريرة موقوفا، وفي كتاب المعرفة لأبي بكر: وأمّا ما روى تحت كل شعرة
جنابة فقد حمله الشافعي في القديم على ما ظهر دون ما بطن من داخل
الأنف والفم، وضعّف الحارث في حكاية بعض أصحابنا عنه، وزعم أنه ليس
بثابت هو كما قال: وقد أنكره البخاري قال البيهقي: وإنّما يروى هذا الحديث
المثنى عن الحسن مرسلا، وعنه عن أبي هريرة موقوفا وسماعه من أبيِ هريرة لا
يثبت، قال في الكبير: تفرد به الحارث وقد تكلموا فيه، وقال في الخلافيات:
وهذا المتن إنما يروى عن إبراهيم، قال: كان يقال: وقد كتبناه من حديث
عائشة وأنس مرفوعا بإسنادين لا يتساويان ذكرهما ضعيفان. وحديث أبي
هريرة ليس بثابت، وفي علل الخلال قال أبو عبد الله الحارث بن وجيه: لا
أعرفه، وهذا حديث منكر إنّما يروى عن الحسن مرسلا، وأما من حديث ابن
سيرين فلا أعلمه، ولماّ سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث قال: هذا
حديث منكر والحارث ضعيف، وفي كتاب الساجي: إنْما يروى هذا عن
الحسن عن أبي هريرة من قوله، وروينا عن أبي علي الطوسي أنّه قال: يقال:
هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن وجيه، ويقال: ابن وجبة وهو
شيخ ليس بذاك، وفي كتاب العقيلي وذكر هذا الحديث لا يتابع عليه وله غير
حديث منكر، ولهذا الحديث إسناد غير هذا فيه لين أيضا، وقال البزار: لا
نعلم أسند مالك عن ابن سيرين إلا هذا الحديث ولا نعلم رواه/عن مالك إلا
ابن وجيه، وقال الخطابي: هذا الحديث ضعيف والحارث مجهول، وقد يحتج
به من يوجب الاستنشاق في الجنابة. انتهى كلامه، وفيه نظر في قوله: مجهول
إن أراد العين فمن زود بما أسلفناه من قول الترمذي روى عنه غير واحد من
الأئمة، وإن أراد الحال فكذلك أيضا لما أسلفناه قبل، وفي كتاب البيهقي
والحسن لم يثبت سماعه من أبي هريرة نظرا لما أسلفناه من ثبوت سماعه منه

(1/769)


قبل، والله تعالى أعلم. حدثنا هشام بن عمار ثنا يحيى بن حمزة، حدّثنى عتبة
بن أبي حكيم حدثنى طلحة بن نافع، حدّثنى أبو أيوب الأنصاري أنّ النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، وأداء الأمانة كفّارة لما
بينهما "، قلت: وما أداء الأمانة؟ قال: " غسل الجنابة؛ فإنّ تحت كلّ شعرة
جنابة " (1) . هذا حديث إسناده صحيح، عتبة شامي طبراني أزدي. روى عنه
جماعة منهم عبد الله بن المبارك وبقية بن الوليد وصدقة بن خالد ومحمد بن
سعيد بن شابور وسلمة بن علي وسعيد بن يزيد وأيوب بن حسان ومحمد بن
حرب إلا يونس وإسماعيل بن عياش وأيوب بن سويد الرملي وابن لهيعة، وإن
كان قد ضعّفه محمد بن حارث الحمصي، وقال ابن سنان: يعتبر بحديثه من
غير رواية لبقية عنه، وقال السعدي: غير محمود في الحديث، وقال ابن معين:
موثّق، وقال أبو حاتم الرازي: صالح لا بأس به، وقال مروان الطاطري وأبو
زرعة الدمشقي: كان ثقة، وقال أبو القاسم الطبراني: هو من ثقات المسلمين،
وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وأبو سفيان طلحة بن نافع وإن كان
تكلّم فيه بكلام مئول وهو قول/الحربيِ وذكره غيره أوثق منه، وقال يحيى:
ليس بشيء، وقال أبو زرعة: روى عنه الناس قيل له: أبو الزبير أحب إليك أم
هو؟ قال أبو الزبير أشهر فأورده بعض من حضر فيه فقال: أتريد أن أقول: هو
ثقة الثقة شعبة وسفيان، فقال: خرج مسلم- رحمه الله تعالى- حديثه في
صحيحه محتجّا به والبخاري مقرونا، وفي كتاب التهذيب روى له، وقال
الإمام أحمد: لا بأس به، وقال- ابن معين: في رواية: صالح. وقال البزار: هو
في نفسه ثقة وباقي من في الإسناد ولا يسأل عنه، وأمّا قول أبي حاتم: لم
يسمع من أبي أيوب الأنصاري شيئا فمردود بحديث ابن ماجة المصرّح فيه
بسماعه منه على لسان ثقة، والقاعدة أنّ المحدّث إذا خرج بالتحديث أو بما
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/598) .
في الزوائد: إسناده ضعيف، لأن طلحة بن نافع لم يسمع من أبي أيوب.
وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/132) ، وضعيف أبي داود (37)
والضعيفة (3801) .

(1/770)


يشابهه قيل، والله تعالى أعلم. ومن شرط أبي داود أن يذكر في الباب أصح
ما يجد ولم يذكر في متن حديث أبي هريرة المتقدم غيره، وهذا بغير شك ولا
ارتياب خير ممّا ذكره في الباب، اللهمّ إلا أن يكون ما أسنده، فلهذا ما أورده
وروى البيهقي عن يونس بن حبان، ثنا سليمان بن فروح أتيت أبا أيوب
الأنصاري فصافحته فرأى أظفاري فقال: ما هذا إلا بمسلمة عن خبر السماء
فقال: يسأل أحدكم عن خبر السماء وهو يدع أظفاره كأظفار الطير يجمع
فيها الجنابة والنتن، قال: هكذا رواه جماعة عن يونس، ورواه أبو داود
الطيالسي عن وائل بن سليم قال: أتيت أبا أيوب الأزدي، فذكره ثم قال: هذا
مرسل، أبو أيوب الأزدي عن أبي أيوب الأنصاري، حدثنا أبو بكر بن أبي
شيبة، ثنا الأسود بن عامر ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن زاذان
عن علي بن أبي طالب/- رضي الله عنه- عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ترك
شعرة من جسده لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار. قال علي فمن ثم
عاديت شعري وكان يجزّه " (1) . هذا حديث رواه أبو داود عن موسى بن
إسماعيل، ثنا حماد بلفظ: " فمن ثم عاديت رأسي "، قلنا: وقال البزار: هذا
الحديث لا نعلمه يروى عن علي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من هذا الوجه بهذا
الإسناد، ورواه عن محمد بن معمر، ثنا أبو الوليد ثنا حماد بن سلمة. وفيه
نظر؛ لما يذكره من أنّ له إسنادا غير إسناده المذكور عندها وقال عبد الحق:
يروى موقوفا عن علي وهو الأكثر وفيه نظر؛ لما يذكره بعد، قال أبو الحسن:
أعرض أبو محمد منه عما هو من الحقيقة عفته، وهي أنه من رواية حماد بن
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود (ح/249) وابن ماجة (ح/599) والبيهقي في " الكبرى " (1/175، 227) وابن أبي شيبة (1/100، 155) وأحمد (1/49، 101، 133) والدارمي (1/192) والطبراني في " الصغير " (2/81) والمشكاة (ح/444) وابن عدي في " الكامل " (5/2002) .
وضعفه الشيخ الألباني. انظر له: ضعيف أبي داود (ح/38) وضعيف ابن ماجة (ح/134)
والروض (ح/704) وتخريج المختارة (ح/4310427) والإرواء في تخريج أحاديث منار
السبيل (ح/133) والضعيفة (ح/903) .
غريبه:
قوله: " كذا وكنا من النار " أي: من العذاب وهذا بالذي ترك ذلك متعمدا لو صح
الحديث. وقوله: " ثم عاديت شعري " أي: أبعدته، وقصته.

(1/771)


سلمة عن عطاء وحمّاد، إنما سمع منه بعد اختلاطه، وإنّما يقبل من حديث
عطاء ما كان قبل أن يختلط، وأبو محمد بعيد هذا من (1) حاله، وإنّما ينبغي
أن يقبل من حديثه ما روى عنه مثل شعبة وسفيان، فأمّا جرير وخالد بن عبد
الله وابن عليّة وعلي بن عاصم وحمّاد بن سلمة، وبالجملة أهل البصرة
وأحاديثهم عنه ممّا يسمع منه بعد الاختلاط؛ لأنه قدم عليهم في آخر عمره،
وقد نصّ العقيلي عن حمّاد بن سلمة أنّه ممن يسمع منه بعد اختلاطه، وأما أبو
عوانة فسمع منه الحالين، ولماّ أورد أبو أحمد ما أنكر عليه من الحديث أو ما
خلط فيه أو ما روى عنه بعد اختلاطه أو رد في جملة ذلك هذا الحديث
انتهى كلامه، وفيه نظر في موضعين: الأوّل: من قول: 5 أنّ حماد بن سلمة
سمع منه بعد اختلاط لما رويناه عن البغوي أن ابن معين قال: كلّ شيء من
حديث عطاء ضعيف إلا ما كان من حديث شعبة/وسفيان وحماد بن سلمة،
فهذا ابن معين نصّ علي ابن سلمة أنه سمع منه قديما فهو صحيح. الثاني: إن
سلمنا له قوله؛ فقد وقع لنا هذا الحديث من غير رواية حماد من طريق شعبة
الذي نص على أنّه سمع منه قبل اختلاطه مطلقا وفيه نظر؛ لأن يحيى بن
سعيد قال: إنه سمع منه حديثين بعد اختلاطه عن برأ، وإن كان شعبة بينهما،
والطريق المشار إليها ذكرها أبو الحسن الدارقطني في علله إذا سئل عنه فقال:
رواه عطاء عن زاذان حدّث به عنه أرسله وشعبة وحفص بن غياث رواه عبد
الله بن رشيد عن حفص بن غياث عن الأعمش وكثير عن زاذان عن علي،
ورواه حماد بن زيد عن عطاء عن زاذان عن علي موقوفا ولذلك قال الأسود
بن عامر: عن حماد بن سلمة انتهى، فهذا كما ترى شعبة قد رواه عن عطاء،
وهو ممن قال أبو القطان: إنهّ سمع منه قبل اختلاطه كما أسلفناه، ولم يبيّن أنّه
سمع منه قبل اختلاطه كما قال محمد بن سعد يدل ذلك على صحّته، عنده
وأنه أخّره عنه قبل اختلاطه إذ لو كان بعده لبيّنه، فإنّ الأعمش وليث بن أبي
سليم تابعا عطاء عن زاذان فصح إسناده وذهب إسناده، وذكر أبو القاسم في
كتابه الأوسط، ثنا محمد بن الأعجم الصغاني ثنا جرير بن المسلم، ثنا عبد
__________
(1) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".

(1/772)


المجيد عن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه عن عطاء فذكره مرفوعا، وقال: لم
يروه عن عبد العزيز بن أبي روّاد إلا ابنه. تفرد به جرير بن المسلم، فهذه
الطريق لا بأس بها أيضا؛ لأنها من رواية المكيين عن عطاء وهم ممن سمعوا
منه قبل اختلاطه، وأمّا قول الدارقطني: ولذلك قال الأسود: عن حماد، يعني:
موقوفا فيه نظر في كتاب ابن ماجة/من حديثه مرفوعا، وإنّما قول عبد الحق
يروى موقوفا على عليّ وهو الأكثر فقد أسلفنا خلاف ذلك، والله أعلم. وفي
الباب حديث عائشة من عند البخاري (1) : " ثم يخلل بيده شق رأسه الأيمن
فيدفع بها أصول الشعر، ثم يفعل بشق رأسه الأيسر بيده اليسرى كذلك حتى
يستبرئ اليسرة ثم يصب على رأسه ". وحديث أبي ذر المذكور في صحيح
ابن حبان (2) مرفوعا: " فإذا وجدت الماء، فأمسّه بشرتك ". وقد تقدّم.
وحديث عائشة قالت: " احمرت رأسي إحمارا شديدا فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا
عائشة، إنّ تحت كلّ شعرة جنابة ". رواه الإمام أحمد في مسنده (3) من رواية
حصيف عن رجل غيره يسمى عنها. وحديث أنس بن مالك قال عليه السلام
: " خلل أصول الشعر واتق البشرة " (4) . ذكره أبو محمد بن حزم من طريق
يحيى بن عيينة عن حميد عنه، قال: ويحيى مشهور برواية الكذب فسقط-
يعني: الحديث- وفى كتاب ابن بنت منيع بإسناد صحيح عن حذيفة موقوفا
انه قال: " تحت كل شعرة جنابة فما فوقها؛ لذلك عاديت رأسي ورأسه
مجروز " (5) . رواه عن ابن الجعد، ثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت أبا
__________
(1) صحيح. رواه البخاري في: 5. كتاب الغسل، 1. باب الوضوء قبل الغسل، (ح/
248) . أطرافه في: [ح 262، 272] .
(2) تقدم من رواية ابن حبان. وله مصادر أخرى بلفظ: " إذا وجدت الماء فأمسه جلدك "
ورواه البيهقي في " الكبرى " (1/79) والمنثور (2/168) وتلخيص (1/154) والكنز 27566،
(3) ضعيف. رواه أحمد: 1/94، 101، 133، 6/111، 254.
(4) بلفظ قريب منه: رواه البيهقي في " الكبرى " (4/261) وابن حبان (159) .
(5) بنحوه. رواه البيهقي في " الكبرى " (1/175) والمشكاة (443) وتلخيص (1/142) وشرح السنة (2/18) وعبد الرزاق (1002) وإتحاف (2/380، 381، 408) والقرطبي (5/210) والحلية (2/ 388) والكنز (27379) والذهبي (149) والخفاء (1/353) وفيه: " فبلوا الشعر ".

(1/773)


البختري يحدّث عن حذيفة فذكره قوله: اتقوا البشرة، قال أبو زيد في كتاب
الأسرار: وداخل الأنف شعرة ولداخلها بشرة سمعت والذي عمر بن عيسى
يحكى عن أبي عمر غلام ثعلب ببغداد يحكى عن ثعلب أنه قال: البشرة:
الجلدة التي تقى اللحم عن الأذى، وبداخلها هذه الجلدة. انتهى كلامه، وفيه
نظر؛ لأنّ المعروف عن ثعلب ما حداه الخطابي واحتج بعضهم في إيجاب
المضمضة بقوله واتقوا البشرة، وزعم أنّ داخل الفم من البشرة/وهذا خلاف
قول أهل اللغة؛ لأن البشرة عندهم هي ما ظهر من البدن فباشره البصر من
الناظر إليه، وأما داخل الفم والأنف فهو الأدمة؛ لذلك أخبرني أبو عمر عن
أبي العباس أحمد بن يحيى، وفي صحاح أبي نصر الجوهري والجمهرة لابن
دريد البشرة والبشر: ظاهر جلد الإنسان. زاد ابن سيده ظاهره أعلا جلدة
الرأس والوجه والجسد من الإنسان وهي التي عليها الشعر، وقيل: هي التي تلي
اللحم وبشرة الأرض ما ظهر من نباتها الاشتقاق وذكره أبو زيد، وفي كتاب
الموضح للخطيب التبريزي والبشرة: ظاهر الجلد، وقال قوم: يقال للباطنة:
بشرة، وقال السراج في كتاب الاشتقاق: وذكره أبو زيد وهو غلط، وفي
كتاب أبي عبيد بن سلام البشرة: ظاهر الجلد والأدمة باطنه، وتبعه على هذا
غير واحد من الأئمة، واحتج من أوجب المضمضة والاستنشاق في الاغتسال
بحديث أبي هريرة أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا
فريضة ". رواه الدارقطني (1) من جهة نزلة بن محمد الحلبي عن يوسف بن
أسباط عن سفيان عن خالد الحذاء عن ابن سيرين عنه وقال: هذا باطل، ولم
يحدّث به غير نزلة وهو صحيح الحديث، قال ابن عدي: ذكرت الحديث
لعبدان فقال: هات أحاديث المسلمين إذا رأيت قوله بحلب وتركته على عمد؛
لأنه كان يكذب، قال البيهقي: وقد اعترف نزلة نفسه بكونه منكرا؛ فإنّه لما
رواه قال: وأمّا بقية هذا الحديث لم يروه متصلا غيره، وقد روى مرسلا عن
ابن سيرين بغير هذا اللفظ بإسناد صحيح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/: " الاستنشاق من
الجنابة ثلاثا ". وقال أبو الحسن في الأفراد: هذا غريب من حديث الثوري عن
__________
(1) منكر. رواه الدارقطني في " السنن ": (1/48، 600) .

(1/774)


خالد، وإنّما يعرف هذا من رواية همام بن مسلم تفرّد به عن الثوري، وتفرد به
عنه سليمان بن الربيع، وذكره ابن الجوزي في المرفوعات، وقال: هو خلاف
الإجماع؛ إذ لمن أوجبها أن يوجب ثلاثا. وحديث هشيم عن ابن أرطأة عن
عائشة بنت عجر وعن ابن عباس قال: " إن كان من جنابة أعاد المضمضة
والاستنشاق واستأنف الصلاة ". رواه الدارقطني وقال: ليس لعائشة إلا هذا
الحديث، وكذا رواه الثوري وأبو حنيفة- رحمهما الله تعالى- عن عثمان بن
راشد عنهما، قال الشافعي: الذي يعتمد على عثمان عن عائشة، ويزعم أنّ
هذا الأمر ثابت فترك له القياس، وهما غير معروفين ببلدهما فكيف يجوز
لأحد يعلم ست حديثا ضعيفا مجهولا، ولو هي قدما معروفا معنى حديث
البشرة، وروينا في كتاب الصلاة لأبي نعيم القطب وكني ثنا يونس ثنا خالد
الحذاء قال: " أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالاستنشاق من الجنابة ثلاثا " (1) . وحديث
عائشة وعلمها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغسل من الجنابة: " يا عائشة: اغسلي بدنك، ثم
تمضمضي واستنشقي، وانتثري، ثم اغسلي وجهك ... ". الحديث ذكره ابن
حزم ورده، وذكر فيه ابن عمّار بانقطاع ما بين عبيد الله بن عمير وعائشة وفي
كلامه في عمار نظر؛ لما سنبيّنه بعد إن شاء الله- تعالى- وذكره في الأسرار
بلفظ: " المضمضة والاستنشاق فرضان في الجنابة " (2) . وقال: هو حديث
__________
(1) صحيح. رواه الدارقطني: (1/115) .
(2) موضوع. الخفاء (2/296) وتذكرة (23) وأسرار (319) واللآلئ (2/4) ونصب الراية
(1/78، 79) وابن القيسراني (1103) والموضوعات (2/81) وقد رواه ابن الجوزي من طريقين: فالأول: إسماعيل بن أحمد، والثاني: من طريق محمد بن الحسن بن أبي بكر المزرفي فذكره. وقال: هذا حديث موضوع لا شك فيه. فأما الطريق الأول ففيه بركة بن محمد وكان كذابا ... قال أحمد بن عدي: له أحاديث بواطيل عن الثقات وكنت ذكرت حديثه لعبدان فقال لي:
هات حديث المسلمين. كان بركة يكذب. وقال الدارقطني: هذا الحديث وضعه بركة أو
وضع له. وقال ابن حبان: كان يسرق الحديث ورّبما قلبه. قال ابن الجوزي: وقد قال أبو
الفتح الأزدي: لم يحدث به إلا يوسف بن أسباط ولا يتابع عليه، ويوسف دفن كتبه ثم
حدّث من حفظه؛ فلا يجيء حديثه كما ينبغي.
وأما الطريق الثاني: ففيه همام بن مسلم ولعله سرقه من يوسف. وقال ابن حبان: كان-

(1/775)


غريب، وفي المغيث من حديث ابن السائب أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان إذا اغتسل
من الجنابة مضمض واستنشق/ثلاثا " (1) . قال: وما محمد بن فضيل عن
العلاء بن المسيّب عن فضيل بن عمرو وقال: قال عمر: " إذا اغتسلت من
الجنابة فمضمض؛ فإنه أبلغ ". ثنا العقدي ثنا الزبيري عبيد الله حدّثنى جدي
أن عثمان كان إذا اغتسل من الجنابة يشوص فاه بأصبعه ثلاث مرات (2) . ثنا
عبيد الله عن أبان العطار عن قتادة عن حسان بن بلال قال: " الاستنشاق من
البول مرّة، ومن الغائط مرتين ومن الجنابة ثلاثا ". ثنا معتمر عن سالم عن
قتادة أنه كان يقول: مضمض من الجنابة ثلاثا.
وبنحوه ذكره في المغيث، قال: ومدار هذه الكلمة على الطهور، ثنا
عبيد الله عن شيبان عن منصور عن أبي معشر عن إبراهيم قال: كانوا
يستحبون أن يستنشقوا في الجنابة ثلاثا، قال الدبوسي: ويدل ما ذهبنا إليه ما
ذكرناه في القني وإنّ للفم حكم الظاهر فيما بيته وبين الظاهر وحكم الباطن
فيما بيته وبين الباطن حتى إذا دخل شيء فاه لم يفسد صومه كأنه وجه، والله
تعالى أعلم.
__________
= يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم ويسرق الحديث فبطل الاحتجاج به. وفيه سليمان
ابن الربيع. قال الدارقطني: ضعيف غير أسماء مشايخ ويروى عنهم مناكير. قال ابن الجوزي
: ثم هذا الحديث على خلاف إجماع الفقهاء فان منهم من يوجب المضمضة والاستنشاق،
ومنهم من يوجب الاستنشاق وحدها ومنهم من يراهما سنة، ومنهم من أوجب مرة لا ثلاثا.
(1) صحيح. رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ": (1/68) . قلت: ولهذا الحديث طرق عديدة
جملتها صحيحة.
(2) قوله: " مرات " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(1/776)


71- باب ما ترى المرأة في منامها ما يرى الرجل
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، ثنا وكيع عن هشام بن عروة
عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألته عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل قال: إذا رأت الماء
فلتغتسل. فقلت: فضحت النساء وهل تحتلم المرأة؟! فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تربت
يمينك فبم يشبهها ولدها إذا ". هذا حديث خرجه الأئمة الستة (1) في كتبهم،
ورواه مالك (2) عن هشام وأرسله عنه جماعتها فذكروا/أم سلمة، واختلف
على ابن عيينة وعلي بن يونس في وصله وإرساله، فأرسله حماد بن سلمة
بأشخاص وزوج بن القاسم، ووصله بعضهم من حديثه، وأسنده يحيى بن
سعيد والغفاري وغيرهما من البصريين والكوفيين، ابن نمير وابن يسير ووكيع
وابن معونة ذكره الإسماعيلي، وفي حديث النسائي: " فضحكت أم سلمة "،
قال أبو عمر بن عبد البر: هكذا هذا الحديث في الموطأ عن عروة أن أم سليم،
وقال به ابن أبي أويس عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن أم سليم، وكلّ
من رواه عن مالك لم يذكر فيه عائشة فيما علمت إلا ابن أبي الوزير وعبد الله
بن نافع فأيهّما روياه عن عروة عن عائشة عن أم سليم، وقال الدارقطني: تابع
ابن أبي الوزير على إسناده عن مالك عن حباب بن صلة وعبد الملك بن
الماجشون، وعن ابن عيسى فيما ذكره ابن رشدي في غرائب حديث مالك
عن عبد الرحمن بن أبي يعقوب بن أبي عياد عن معن ولم يذكر أبو الحسن
ابن نافع، وقال في الاستذكار: الصحيح عروة عن زينب عن أمّها لا عن
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (4411) ومسلم في (الحيض، ح/32) وأبو داود في
الطهارة، باب " 95 " والنسائي في (الطهارة، باب " 30 ") وابن ماجة (ح/ 600) والدارمي
(1/165) وأحمد في " المسند " (6/306) وأبو عوانة (1/291) وشرح السنة (2/9) والمنتقى
(88) .
(2) رواه مالك في: كتاب الطهارة، 21. باب غسل المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى
الرجل، (ح/ 84) .

(1/777)


عائشة، وفي التمهيد: قال أبو عمرو: الحديث عند أهل العلم بالحديث صحيح
لابن شهاب عن عروة عن عائشة أيضا، ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن
يعقوب ثنا وكيع ثنا هشام وثنا علي بن حشرم أنا وكيع نا هشام ح وثنا مسلم
ابن جنادة بن صيرفة ح وثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهب أنّ مالكا
حدّثهم كلهم عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة، قال: جاءت أم
سليم إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألته عن المرأة في المنام ترى ما برى الرجل؟ قال: "
إذا رأت الماء فلتغتسل ". قال: قلت فضحت النساء وهل تحتلم المرأة؟! فقال
النبي/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تربت يمينك فبم يشبهها ولدها إذا ". قال الشيخ: هذا حديث
وكيع غير أنّ الدورقي لم يقل إذا، وانتهى حديث مالك عند قوله: إذا رأت
الماء ولم يذكر ما بعده من الحديث ولفظ أبي عيسى: " فهل على المرأة-
يعني: غسلا- إذا هي رأت في المنام مثل ما يرى الرجل؟! قال نعم إذا هي
رأت الماء " (1) . وفي قول ابن خزيمة أن الدورقي يعقوب لم يقل به يعني: عن
وكيع إذا نظر؛ لأنّ أبا علي الطوسي روى في كتاب الأحكام من تأليفه عنه
عن وكيع بلفظ: " إذا " أورد ابن الجارود في منتقاه عن زياد بن أيوب عن
وكيع بغير ذكر " إذا " ورواه ابن حزم حدثنا محمد بن المثنى حدّثنا ابن أبي
عدي وعبد الأعلى عن سعيد بن عروبة عن قتادة عن عن أنس أنّ أم سليم
سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المرأة ترى في منامها مما يرى الرجل؟ فقال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأت فأنزلت فعليها الغسل " فقالت أم سلمة: يا رسول
الله، أتكون هذا؟ قال: " نعم ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر،
فأيهّما سبق أو على أشبهه الولد ". هذا حديث خرجه مسلم (2) في صحيحه
عن أنس عن أم سليم حدّثت أنها سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المرأة ترى في منامها.
__________
(1) رواه الترمذي في: أبواب الطهارة (1/209) 90. باب ما جاء في المرأة ترى في المنام ما
يرى الرجل (ح/ 122) . وقال: " هذا حديث حسن صحيح ". وهو قول عائشة الفقهاء: أن
المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل فأنزلت أن عليها الغسل. وبه يقول سفيان الثوري
والشافعي.
(2) صحيح. رواه مسلم في: الحيض، (ح/ 30) .

(1/778)


الحديث فقالت أم سليم: واستحييت من ذلك، وهل يكون هذا؟! قال الجبائي:
هكذا في أثر النسخ عن الجلودي والكسائي فقالت أم سليم: وكذلك عند
ابن ماهان إلا أنه غير في بعض النسخ فقالت أم سلمة: وهو المحفوظ، وفي
لفظ له قال أسْر: جاءت أم سليم فقالت له:- وعائشة عنده- يا رسول الله،
المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام وترى في نفسها ما يرى الرجل من نفسه؟!
فقالت عائشة: يا أم سليم/فضحت النساء، تربت يمينك، فقال لعائشة: بل
أنت تربت يمينك وألت رعيها وهل يكون الشبه الا من مثل ذلك! إذا علا
ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه ".
وفي لفظ له عن عائشة: أنّ امرأة سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل تغتسل المرأة
إذا احتلمت وأبصرت الماء؟ فقال: " نعم ". ولفظ أبي داود (1) " يا رسول
الله، إنّ الله لا يستحى من الحق، أرأيت المرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل
أتغتسل أم لا. فقال: فلتغتسل إذا وجدت الماء؟ قالت عائشة: فأقبلت عليها
فقلت: أن لك وهل ترى ذلك المرأة فأقبل علي النْبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: تربت يمينك
يا عائشة ومن أين يكون الشبه "؟! وفي لفظ عن عائشة قالت: " سئل النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما قال: يغتسل، وعن الرجل يرى
أن قد احتلم ولا يجد البلل قال: لا غسل عليه فقالت أم سليم: والمرأة ترى
ذلك أعليها غسل؟! قال: نعم. إنما النساء شقائق الرجال " (2) . وسيأتي ذكره
عند ابن ماجة عن قريب إن شاء الله تعالى، وفي كتاب العلل لأبي حاتم
ويسأل ابنه عن حديث رواه عمر بن يونس عن عكرمة بن عمار عن إسحاق
__________
(1) رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 95. باب في المرأة ترى ما يرى الرجل، (ح/ 237)
قال أبو داود: وكذلك روى عُقيل والزبيدي ويونس وابن أخي الزهري عن الزهري، وإبراهيم
ابن أبي الوزير عن مالك عن الزهري، ووافق للزُهري مسافع الحجبي، قال عروة عن عائشة،
وأما هشام بن عروة فقال: عن عروة، عن زينب بنت أبى سلمة عن أم سلمة أن أم سليم
جاءت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(2) حسن. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 94. باب في الرجل يجد البلة في
منامه، (ح/ 236) .

(1/779)


عن أنس: جاءت أم سليم وهي جدّة إسحاق فقالت: وفيه المرأة ترى ما يرى
الرجل في المنام كأنّ زوجها يجامعها أتغتسل؟! الحديث ". قال: وروى
الأوزاعي عن إسحاق عن جدّته أم سليم أنها دخلت على أم سلمة، فدخل
عليها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت له أم سليم: " أرأيت إذا رأت المرأة "؟! فقال أبو
إسحاق بن عبد الله: عن أم سليم يرسل، وعكرمة بن عمار روى عن إسحاق /
عن أنس أن أم سليم. وحديث الأوزاعي المرسل أشبه في الموصول، وفي
المصنف: نا جرير بن عبد الحميد عن عبد العزيز بن ربيع عن عطاء وأبي سلمة
ومجاهد قالوا: إن أم سليم قالت: يا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المرأة ترى في منامها ما
يرى الرجال أيجب عليها الغسل؟ قال: " هل تجد شهوة "؟ قالت: لعله.
قال: " هل تجد بللا. قالت: لعله. قال: فلتغتسل "؟ فلقيها نسوة يقلن لها:
فضحت عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: والله ما كنت لأنتهي حتى أعلم في
حل إذا أو في حرام (1) .
وفي الأوسط لأبي القاسم ثنا علي بن سعيد الرازي، ثنا عبد الله بن عمران
الأصبهاني، ثنا أبو زهير عبد الرحمن بن معن، نا محمد بن إسحاق عن
محمد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل قال: حدّثتني أم سليم أم أنس من
فيها إلى أذني قالت: أتيت النبي- عليه السلام- وهو في بيت أمّ سلمة
فوجدت عنده رجالا فجلست حتى قاموا فدنوت منه. فقلت: يا رسول
الله، أمر يقربني إلى الله أحببت أن أسألك عنه. قال: أصبت يا أم سليم.
فقلت: ... الحديث " قال: لم يروه عن أبي أمامة إلا التيمي، ولا عن التيمي
إلا ابن إسحاق، يرويه ابن معن قال: أنا موسى بن زكريا نا عقبة بن ملزم نا
عبيد الله بن عيسى عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس سئل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فذكره. قال: لم يروه عن يونس إلا عبيد الله تفرد به عقبة، حدثنا أبو بكر
بن أبي شيبة وعلي بن محمد نا وكيع عن سفيان عن علي بن زيد عن سعيد
بن المسيب عن خولة بنت حكيم أنها سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المرأة ترى
في منامها ما يرى الرجل فقال: " ليس عليها غسل حتى تنزل كما أنه ليس
__________
(1) صحيح. رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1/81) ومطالب (207) والكنز (27335) .

(1/780)


على/الرجل غسل حتى ينزل " (1) . هذا حديث إسناده ضعيف، ملكان على
ابن زيد بن جدعان وإن كان مسلم خرج حديثه مقرونا بثابت البناني وصحح
أبو عيسى حديثه، وكذلك أبو علي الطبري والبغوي وقال الساجي: كان من
أهل الصدق، وروى عن شعبة أحاديث صالحة أسند منها بضعة عشر حديثا،
وهو يحتمل الرواية لأنّ الأجلّة من أهل العلم حذروا مه وليس يجرى مجرى
من أجمع على نفسه في الحديث، فقد قال به ابن عيينة: وهبت كتابة ضعيفة
وقال مرة أخرى: لا يعتمد على حديثه، ومرة قال: أست منه يعنى كتاب
وجمع يده، وقال الأخرى: سمعت أبا داود يقول: قال حماد بن زيد ثنا علي
ابن زيد وكان كبير التخليط، وقال غيره عن حماد كان يقلب الأحاديث،
وذكر شعبة أنه اختلط، وقال الإمام أحمد: رجل، ويحيى بن معين: ليس
بشيء، وقال يحيى مرة: ضعيف في كل شيء ومرة: ليس بذاك، ومرة: ليس
بحجة، ومرة قال: ليس بذاك القوى، وقال أبو حاتم الحنظلي: لا يحتج به
وقال أبو زرعة: ليس بقوى ويخطئ فيكثر ذلك فاستحق الترك، وقال
العجلي: يكتب حديثه وليس بالقوي، وقال السعدي: واهي الحديث ضعيف
وفيه ميل عن القصد ولا يحتج بحديثه، وقال ابن أبي شيبة في تاريخه: سألت
عليا عنه فقال: هو ضعيف عندنا، وقال السرماني: وسألته يعنى أبا الحسين عن
ابن زيد فقال: أنا أثق فيه لا يترك عندي فيه لين، وقال ابن سعد: ولد أعمى
وفيه ضعف ولا يحتج به، وفي كتاب الساجي ثنا ابن المثنى قال: ما سمعت
يحيى بن سعيد القطان تحدّث عنه وفي رواية عمرو بن علي كان يحيى ينفي
الحديث عنه وقال شعبة كان رقّاعا قال أبو يحيى:/أحسب شعبة نسبه إلى
ذلك لما اختلف هو ويونس بن عبيد في قوله تعالى: " وشاهد ومشهود " فأوثقه
يونس علي بن أبي هريرة ورفعه علي، وقال وهيب. كان لا يحفظ وذكره
يعقوب بن سفيان في الضعفاء وكذلك أبو القاسم البلخي: وفي كتاب
الضعفاء لأبي العرب: مكفوف (2) ضعيف الحديث كان يتشيّع يكتب حديثه،
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/60) وأبن أبي شيبة في " المصنف " (1/81) والفتح (1/389)
وأحمد في " المسند " (6/409) والمسانيد (2/721) وصححه الشيخ الألباني.
(2) كذا ورد " بالأصل ".

(1/781)


وقال السيرفي: ليس بالقوي، وقال البيهقي في سننه: لا يحتج بحديثه وبنحوه
قاله ابن طاهر: وأمّا الحافظ المنذري وأمه اضطرب حاله فيه قتادة، وحدّثنا من
رواية بقوله لا يحتج به وتارة يحسنه، وتارة يسكت عنه مهما صحت، ولذلك
فعل الترمذي وهو في هذا أعذر فإن حاله عنده بحسب الشواهد وعدمها
معتبرة بذلك ولا عذر لأبي محمد وأما تخريج مسلم له في المقرونات فليس
بمحمد ولا في المناظرات، وقد تكلّم في أبيه بعض أهل الأنساب بما استوجبه
ذكره في هذا الباب، وهو أن من ينسبه ابن تميم رهط الصديق، يقول علي بن
زيد بن عبد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن
كعب بن سعد بن تميم وقال بعضهم علي بن عبد الله بن جدعان، وقال
آخرون علي بن زيد بن عبد الله بن زهير بن أبي مليكة بن عبد الله بن
جدعان وزعم ابن القطان أن هذا كله ضرب من الهذيان وأن عبد الله بن
جدعان كان عقيما لا يولد له فادى رجلا سماه زهير، وكناه أبا مليكة، فولده
كلهم ينسبون إليه وفقد أبو مليكة فلم يرجع وكان عمل عصيدة (1) ثم خرج
في حاجة فلم يرجع فقيل في المثل لا أفعل كذا حتى يرجع أبو مليكة إلى
عصيدته،/وقال أحمد بن يحيى البلاذري: في كتاب أنساب الأشراف
وأخبارهم من تأليفه، قالوا: وكان عبد الله بن جدعان عقيما وادعى بنوة رجل
فسماه زهيرا وكناه أبا مليكة فولده كلهم ينسبون إلى أبي مليكة ويقال أبو
مليكة بن عبد الله بن جدعان، وبنحوه ذكره الهيثم بن عدي في تاريخه،
وذكره الخرائطي في كتاب اعتلال القلوب تأليفه من حديث هشام بن محمد
عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس عن المطلب بن أبي وداعة كانت تباعة
ابنة عامر تحت عبد الله بن جدعان فمكثت عنده زمانا فقال لها هشام بن
المغيرة المخزومي يوما في انطران ما تصنعين بهذا الذي لا يولد له فذكر حديثا
طويلا، وبنحوه ذكره أبو الفرج الأصبهاني وأبو عبيد المرزباني في الكتاب
المستنير من تأليفه، والوزير أبو القاسم في كتاب أدب الخواص أبو محمد
الرشاطي رحمهم الله تعالى، ورواه أبو عبد الرحمن في سننه وأخرج عليا من
سننه بمتابع صحّح به الإسناد وبرد حرارة الأكباد أنابه المسند الفقيه أبو محمد
__________
(1) قوله: " عصيدة " العصيدة: دقيق يُلت بالسمن ويطبخ. وجمعها عصائد.

(1/782)


عبد القادر بن أبي بكر بن أيوب بقراءتي عليه أنا أبو عبد الله محمد بن
إسماعيل بن أحمد المقدسي ابنا هبة الله بن علي أنا مرشد بن يحيى ابنا أبو
الحسن محمد بن الحسين النيسابوري أنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن
زكريا بن حيوة النيسابوري قراءة عليه من لفظه أنا النسائي قال: أنبأ يوسف بن
سعيد، أنبأ جراح عن شعبة سمعت عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيّب عن
قوله فذكره، ورواه أحمد بن منيع في مسنده، ثنا حجاج حدثني شعبة من
سماع حجاج له من شعبة، وزال ما رماه به/بعض العلماء المتأخرين من أنه
يدّلس ولعلّه لم يسمعه منه عطاء بن أبي مسلم عبيد الله ويقال: أبو عثمان،
ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو صالح البلخي الخراساني خرج مسلم حديثه في
صحيحه محتجا به، وروى عنه مالك فيما ذكره الألكائى، وقال ابن معين وأبو
حاتم: ثقة، زاد أبو حاتم يحتج بحديثه، وقال الدارقطني: ثقة في نفسه وبقية
الرجال لا يسأل لهم عن حال، وذكر أبو الحسن في العلل: أنّ عبد الوارث
رواه عن علي عن سعيد قال: سألت خالتي خولة النبي عليه الصلاة والسلام
فهذا مرسل، وقال عبد الجبار بن عمر عن عطاء: حدثتني خولة بنت حكيم
عن أم سليم الرميضاء وهي أم أنس أنها سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الجبار ضعيف
ولا يصح قوله، والحديث صحيح لخولة بنت حكيم، وفي الأوسط من حديث
علي عن سعد عن خولة وكان النبي عليه السلام تزوجها فأرجاها فيمن أرجا
فذكره وقال ابن موسى المديني في كتاب الصحابة: هي غير خولة بنت حكيم
زوج عثمان بن مظعون، ثم قال: روى حديثا ابن عباس عن عطاء رواه الثوري
عن علي بن زيد، وفي الباب حديث ثوبان قال له عليه السلام: " ماء
الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا علا مني الرجل مني المرأة؛ كان ذكرا بإذن
الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل؛ كانت ابنة بإذن الله " رواه مسلم (1) في
صحيحه. وحديث عمرو ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه عن محمد بن بسر
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، باب " 8 " رقم " 34 ") والبيهقي (1/169)
والطبراني (2/88) وابن خزيمة (232) والكنز (36554) والفتح (7/372) ومشكل (3/
276) وابن كثير (4/437، 5/269) والقرطبي (61/50) والبداية (6/196) وأحمد (1/
278، 3/282) وعبد الرزاق (4 لم20) والقرطبي (91/21) والنسائي في (الطهارة، باب
" 132 ") وابن ماجة (601) . وصححه للشيخ الألباني.

(1/783)


العبدي ثنا عبد الله بن عباس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:
جاءت امرأة يقال لها بسرة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله،/أجد ما
يرى أنها مع زوجها في المنام فقال: " إذا وجدت بللا فلتغتسل يا بسرة " (1)
وحديث أبي هريرة قال: سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المرأة تحتلم فهل عليها غسل؟
قال: " نعم، إذا وجدت الماء فتغتسل " رواه أبو القاسم في الأوسط (2) عن
أحمد بن الحسين، نا سليمان بن عبد الرحمن بن بنت شرحبيل، أنا محمد بن
عبد الرحمن البسري عن مسعر عن سعيد المقبري عنه، وحديث عائشة قالت:
" سألت امرأة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء؟ قال:
" نعم ... ". الحديث ذكره أبو جعفر في المشكل (3) ، وقال: ليس بالقوى؛ لأنه
إنّما روى (4) من طريق مصعب بن شيبة ليس هو عندهم بالقوى انتهى كلامه.
وفيه نظر؛ لأن مصعب ممن وثقة غير واحد وخرج له مسلم في صحيحه
بطريق الاحتجاج، وحديث سهلة بنت سهل أنها قالت: يا رسول الله، أرأيت
المرأة إذا رأت في منامها الاحتلام أتغتسل؟! فقال: إذا رأت الماء فلتغتسل "
ذكره في الأوسط (5) وقال: لم يروه عن سهلة إلا ابن هبيرة يرويه ابن لهيعة،
وأما أمّ سليم فاخلتف في اسمها اختلافا كثيرا، فمن ذلك ما ذكره الحافظ أبو
عبد الله محمد بن حسين الأنصاري المعروف بابن أبي إحدى عشرة في كتابه
الجمع بين الصحيحين سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: ربيعة، وقيل: مليكة، وقيل:
العميضاء وقيل: الرميصاء، زاد ابن سعد في طبقاته أنيقة، وقال أبو داود
السجستاني: الرميصاء أخت أم سليم من الرضاعة، واسم أم سليم مليكة كذا
قاله ابن سعد وابن الكلبي وغيرهما، واختلف في إسلامها فذكرها أبو نعيم
الأصبهاني في كتاب/الصحابة من تأليفه مستدلا بها في مسلم عن إسحاق
__________
(1) صحيح. المطالب (206) والكنز (27766) وابن أبي شيبة (1/81) .
(2) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/268) وعزله إلى الطبراني في
" الأوسط " وفيه محمد بن عبد الرحمن القشيري، قال أبو حاتم: كان يكذب.
(3) ضعيف. كما ذكر المصنف.
(4) قوله: " يروى " وردت " بالأصل " " رأى " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.
(5) تقدم من أحاديث الباب ص 780.

(1/784)


ابن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس عن جدته مليكة، وعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لطعام صنعه، فذكر حديث الصلاة على الحصير وخالفه غير واحد، وزعموا ان
الضمير في جدّته يعود على إسحاق لا على أنس، حتى ترجم أبو عمر من
الاستيعاب باسم مليكة جدة إسحاق، ولو استدل رحمه الله تعالى بما ذكره
الحافظ أبو الشيخ بن حيان في الحادي عشر من فوائد العراقين عن أبي بكر
محمد بن جعفر الشقيري ثنا مقدم بن محمد ثنا عمر بن عبيد الله بن عمر
عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: " أرسلت
جدتي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واسمها مليكة، فلما حضرت الصلاة فقمت إلى حصيرة
لنا " (1) فذكره فكان أصرح دلالة من جدنه الذي ذكره والله تعالى أعلم، قال
الطحاوي: فلا تعارض بين هذه الأحاديث وبن قوله يدخل الملك على النطفة
بعدما تستقر في الرحم أربعين ليلة؛ لأن ذاك يكون على المني قبل أن يكون
نطفة فما قدر الله تعالى قال أبو عمر: فيه دليل ان النساء ليس كلهن يحتلمن،
ولهذا ما أنكرت عائشة وأم سلمة سؤال أم سليم، وقد يقوم الاحتلام في بعض
الرجال فالنساء أجدر أن يعدم ذلك فيهن، وقد قيل: إن إنكار عائشة لذلك إنما
كان لصغر سنها، وكونها مع زوجها؛ لأنها لم تحض إلا عنده ولم تفقده فقدا
طويلا إلا بموته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت: لك لم تعرف في حياته الاحتلام؛ لأن الاحتلام
لا يعرفه النساء ولا أكثر الرجال أي: عند عدم الجماعة بعد المعرفة به فإذا
فقد/النساء أزواجهن احتلمن، والوجه الأوّل عندي أصحّ وأولى؛ لأنّ أم سلمة
فقدت زوجها وكانت كبيرة عالمة بذلك، وأنكرت منه ما أنكرت فدل ذلك
على أن من النساء من لا تنزل الماء في غير الجماع الذي يكون في اليقظة.
انتهى، ولقائل أن يقول: أن أم سلمة لم تمكث بعد زوجها زمانا يتأتى لها فيه
طلب الرجال، لا سيما هي- رضى الله تعالى عنها- وشغلها بالعبادة والصوم
أو تكون قالته إنكارا على أم سليم كونها واجهت بذلك اللفظ المصطفى
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويدل عليه فقالت أم سليم: وغطت وجهها، وفي قوله: تربت يمينك
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الأذان، باب " 161 ") ومسلم في (المساجد ح/
266) ومالك في (السفر، ح/31) وأحمد (1/391، 3/ 10، 52، 59، 184، 6/42،
137، 204، 262) .

(1/785)


وجهان: قال أبو عمر: أحدهما: أن يكون أراد استغنت يداك أو يمينك كانه
يعرض لها بالجهل لما أنكرت مالا ينبغي أن تنكره بخاطبها تقيد المعنى تنبيها،
وقيل في قوله تعالى: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) (1) وكما يقول لمن
كف عن السؤال عما جهله أما أنت واستغنيت، عن أن تسأل عن مثل هذا
أي: لو اتصفت نفسك ونصحت لها لسألت، وقال غيره: هو كمال الشاعر
إذا أحاد قائله الله وأخزاه الله أحاد ومنه الحديث: " ويل أمة مسعر حرب " (2)
وهو يريد مدحه، وهذا كله عند قول من قال هذا القول فرارا من الدعاء على
زوجته عليه السلام تصريحا وأن ذلك غير ممكن من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندهم، وأكثر
أهل العلم باللغة والمعاني أن تكون هذه اللفظة بمعنى الاستغناء بالواو ولو كانت
بمعنى الاستغناء بالواو لقال: أتربت يمينك؛ لأن الفعل رباعي يقال: أترب الرجل
إذا استغنى وترب إذا افتقر،/وقالوا: معنى قوله: يمينك أي افتقرت من العلم بما
سألت عنه أم سليم، قال أبو عمر: إذا تربت يمينك فمعلوم من دعاء العرب
بعضهم على بعض مثل قاتله الله، وثكلته أمه، وعقرى حلفي ولليدين والفم
وغير هذا، والشبه لغتان انتهى كلامه. وفيه نظر من حيث إن أترب يستعمل
في الغناء، وليس كذلك بل يستعمل في الفقر أيضا حكاه كراع في المجرد
وابن سيده في المحكم، قال: أترب الرجل: إذا كثر ماله وأترب أيضا ولصق
بالتراب من الفقر، وكذا قاله الوزير أبو القاسم المغربي في كتاب أدب الخواص
تأليفه، وأبو العلاء المصري في كتاب الأمل والوصول فيما رآه بخط الشاطبي
رحمه الله. والله تعالى أعلم-، قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه العلم
أن الرجل إذا رأى في منامه أنه احتلم أو جامع ولم يجد بللا إذا لا غسل
عليه، واختلفوا فيمن رأي بللا ولم يذكر احتلاما، فقالت طائفة: يغتسل روينا
ذلك عن ابن عباس والشعبي وسعيد بن جبير والنخعي، وقال أحمد: أحب
إلي أن يغتسل إلا رجل به، وقال إسحاق: يغتسل من النطقة، وروينا عن
__________
(1) صورة الدخان آية: 49.
(2) صحيح. رواه البخاري (3/257) وأبو داود في (الجهاد، باب " 167 ") وأحمد (4/331)
والبيهقي (8/221، 222، 226، 228) والنبوة (4/107، 637) والمنثور (6/78) وبداية
(4/176) وعبد الرزاق (9720) وصححه الشيخ الألباني. الإرواء (1/59) .

(1/786)


الحسن البصري أنّه قال: إذا كان انتشر إلى أهله من أوّل الليل فوجد من ذلك
بللا؛ فلا غسل عليه وإن لم يكن، كذلك اغتسل وفيه قول ثالث: وهو أن لا
يغتسل حتى يوقن بالماء الدافق هكذا قال مجاهد: وهو قول قتادة، وقال مالك
والشافعي ويعقوب: يغتسل إذا علم بالماء الدّافق والله تعالى أعلم، وسيأتي له
زيادة أيضا فيما بعد إن شاء الله تعالى.

(1/787)


72- باب ما جاء في غسل النساء من الجنابة
/حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا سفيان، بن عيينة عن أيوب بن موسى عن
شعبة بن أبي سعيد المقبري، عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة قالت: قلت
يا رسول الله، إنى امرأة أشد ضفر رأسي أفأنفضه لغسل الجنابة؟ قال: " إنما
يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضي عليك من الماء فتطهرين
أو قال: فإذا أنت فقد طهرت " هذا حديث رواه مسلم (1) بلفظ: " أنا
أنقضه للحيض والجنابة فقال: أراد في لفظ فأغسله من الجنابة " ورواه أبو
داود (2) عن زهير بن حرب وابن سرح، نا ابن عيينة وفيه عن عبد الله بن رافع
مولى أم سلمة عن أم سلمة أنّ امرأة من المسلمين، وقال زهير: أنها قالت
الحديث، وفي لفظ من حديث المقبري عن أم سلمة واغمزي قرونك عند كل
حفنة، والمقبري لم يسمع من أم سلمة بينهما ابن رافع ذكره أبو محمد
الإشبيلي، وتتبع ذلك عليه أبو الحسن بأنه مع ذلك من رواية أسامة بن زيد
الليثي وهو مختلف فيه، فلو أسند لقيل في حديثه: حسن لا صحيح، ورواه
أبو بكر محمد بن أحمد بن الجهم الوراق المالكي هذا السند، ولفظه عن أم
سلمة: أنّ امرأة سألتها عن الغسل فسألت لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: " امرأة تشد
ضفر رأسها أفتنفضه لغسل الجنابة "؟ مثله وذكره ابن وهب في مسنده عن
أسامة بن سعيد بن أبي سعيد حدّثه أنّه سمع أم سلمة تذاكره وهذا يفيض
سماعه منه تصريحا ويحمل الواسطة بينهما على أنه رواه مرة عنها ومرة عن
ابن رافع عنها والله تعالى أعلم، ولفظ ابن خزيمة في صحيحه، وخرجه من
حديث عبد الجبار بن العلاء عن/سفيان فإذا أنت قد طهرت من غير شك،
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه الحسين بن حفص الأصبهاني
عن سفيان، عن أيوب بن موسى، عن سعيد المقبري، عن أبي رافع عن أمّ
سلمة الحديث فقال: هذا خطأ إنما هو سعيد عن عبد الله بن رافع عنها،
__________
(1، 2) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/85) وأبو داود في (الطهارة، باب " 99 ")
والترمذي (ح/105) والنسائي (1/131) وابن ماجة (ح/603) وتلخيص (1/59)
والمشكاة (834) والحميدي (294) والدارقطني في " السنن " (1/114) والإرواء (1/168) .

(1/788)


يعني حديث البزار، وفي كتاب الدلائل للدارقطني، أنا محمد بن علي
الصانع، عن سعيد بن منصور، عن الوليد سمعت الحسن يقول: سألت أم
سلمة يا رسول الله، إنى أمتشط فأخمر رأسي إخمارا شديدا فكيف أغتسل
للجنابة والحيضة؟ فقال: " تفيضين على رأسك ثلاث غرفات " (1) وفى لفظ
لأبي نعيم في المستخرج عن أم سلمة: " أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟
قال: " لا ". وفي السنن (2) الكبير للبيهقي من حديث ابن مهدي عن بكار
بن يحيى عن جدته قالت: " دخلت على أم سلمة، وأمّا الممتشطة فكانت
إحدانا تكون ممتشطة فإذا اغتسلت تنقض ذلك ولكنها تحفن على رأسها ثلاث
حفنات، فإذا رأت البلل على أصول الشعر دلكته ثم أفاضت على سائر
جسدها " وفي المصنف نا أبو داود عن هشام عن يحيى بن أبي كريب: أن
امرأة سألت أم سلمة فقالت: " صبي ثلاثا فقالت: إنّ شعري لن يغالب
صفي بعضه على بعض " ولفظ ابن القاسم في الأوسط (3) من حديث
الحسن عنها: " فكيف اغتسل من الجنابة والحيضة؟ " وأما ما توهمه بعضهم
من أن حديث أم سلمة مضطرب لكونه في رواية أنها سألت، وفي أخرى
امرأة من المسلمين، وفي أخرى امرأة سألتها أن تسأل فليس بشيء؛ لأن
المرأة (4) سألت لاشتراكهما في هذا، فسألت لنفسها وبين امرأة من المسلمين
أيضا، والله تعالى أعلم. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة/ثنا إسماعيل بن علية،
عن أيوب عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن
عمرو يأمر نساءه أن ينقضن رؤوسهن فقالت: يا عجبا لابن عمرو هذا أفلا
يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟! لقد كنت أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نغتسل من إناء
واحد فلا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات " هذا حديث رواه
مسلم (4) في صحيحه، ولفظ النسائي: " لقد رأيتني أغتسل أنا ورسول الله
__________
(1) صحيح رواه مسلم (ح/58) .
(2) رواه البيهقي: (2/407، 7/437) .
(3) قوله: " الأوسط " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(4) صحيح. رواه مسلم (ح/59) .

(1/789)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا وإذا تود موضوع مثل الصاع أو دونه نشرع فيه جميعا، فأفيض
على رأسي ثلاث مرات " ولفظ ابن خزيمة (1) : " يأمر نساءه أن ينقضن رؤوسهن
إذا اغتسلن من الجنابة فقالت: يا عجباه لابن عمرو " وهذا قد كلفهن نفيا
وفيه: " فما أزيد على ثلاث حثيات أو قال: ثلاث غرفات "، ولفظ مالك في
الموطأ وبلغه عن عائشة، وسئلت عن غسل المرأة من الجنابة فقال: ليحفن على
رأسها ثلاث حفنات لتضغث رأسها بيدها، وفي حديث جميع بن عمير
التيمي المذكور عند ابن ماجة عنها، وأمّا نحن فإنّا نغسل رؤوسنا خمس مرات
من أجل الضفر. وفي حديث عائشة بنت طلحة المذكورة عند أبي داود (2)
بسند صحيح، ثنا نصر بن علي نا عبد الله بن داود عن عمر بن سويد عنها
أنّ عائشة قالت: " كنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
محلات ومحرمات " وفي الباب حديث رواه أبو داود فقال: نا محمد بن
عوف قال: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش قال ابن عوف: وثنا محمد بن
إسماعيل عن أبيه، حدثنى ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد / قال: أنبأني
جبير عن الغسل من الجنابة أنّ ثوبان حدثهم أنهم استفتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك
فقال: " أمّا الرجل فلينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر، وأمّا المرأة فلا
عليها إلا ببعضه تغرف على رأسها ثلاث غرفات " وهو حديث في إسناده
علل الأولى: ضعف محمد بن إسماعيل، الثانية: انقطاع ما بينه وبن أبيه نص
على ذلك ابن أبي حاتم بقوله: سألت أبي عنه فقال: لم يسمع من أبيه شيئا
حملوه على أن يُحدِّث محدّث، الثالثة: ضعف أبيه الذي سبق ذكرها قاله،
__________
(1) صحيح. رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1/26/1) : نا وكيع عن هشام عن أبيه عن
عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في الحيض: فذكره. ورواه ابن ماجة (ح/641) من طريق ابن أبي
شيبة وعلي بن محمد قالا: ثنا وكيع به.
في الزوائد: هذا إسناد رجاله ثقات. قال السندي: قلت ليس الحديث من الزوائد، بل هو في
الصحيح.
(2) سنده صحيح. رواه أبو داود (ح/254) .
غريبه: قوله: " الضمار " بكسر الضاد المعجمة وآخره دال مهملة. قال ابن الأثير: خرقة يشد
بها العضو المعروف، ثم قيل لوضع الدواء على الجرح وإن لم يشد، وقال المنذري: المراد هنا ما يلطخ به الشعر مما يلبده ويسكنه من طيب وغيره.

(1/790)


والله تعالى أعلم. وحديث جابر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " في المرأة تغتسل من
حيض، أو جنابة لا تنقض شعرها " ذكره أبو محمد الأموي في كتابه من
حديث عبد الملك بن حبيب عن عبد الله بن عبد الحكيم عن ابن لهيعة عن
أبي الزبير عن جابر ثم قال: وهذا حديث ساقط ولو لم يكن فيه إلا ابن لهيعة
لكفي سقوطا، كيف وفيه عبد الملك بن حبيب وحسبك به، ولم يقل فيه أبو
الزبير: حدثنا جابر أو سمعت جابرا وهو مدلس، وفي المصنف: ثنا وكيع عن
مسعر عن عثمان بن موهب عن امرأة شكت إلى عائشة الغسل من الجنابة
فقالت: " صبى ثلاثا فما أصاب وما أخطأ " نا عيسى بن يونس عن
الأوزاعي عن الزهري وعطاء أنهما قالا: لا نزجى شعرها ولكن تصب ثلاث
مرات ثم تفركه، نا ابن إدريس عن هشام عن الحسن في المرأة تغتسل قال:
يجزأها ثلاث حفنات، وإن سألت لم تنقض شعرها، نا غندر، نا شعبة؛
سألت حمادا عن المرأة إذا اغتسلت فقال: إن كانت ترى أن الماء أصابه أجزى
عنها، وإن كانت ترى أن الماء لم يصبه فلتنقضه، وقال/الحكم: تبل أصوله
وأطرافه ولا تنقضه، نا ابن خالد الأحمر عن حجاج عن أبي الزبير عن جابر
قال: الحائض والجنب يصبان الماء على رأسهما ولا ينقضان، نا علي بن مسهر
عن عبيد الله، عن نافع أنّ نساء ابن عمر وأمهات أولاده كنّ يغتسلن من
الجنابة والحيض، فلا ينقضن رؤوسهن ولكن يبالغن في بلها، ثنا خالد بن يسار
ثنا جعفر بن برقان عن علي به انه سئل عن امرأة تغتسل من الجنابة والحيض
قال: ترخى الذوائب وتصب على رأسها الماء حتى يبل أصول الشعر ولا تنقض
لها رأسها. ثنا أبو خالد عن حجاج عن فضيل عن إبراهيم عن علقمة عن عبد
الله قال: تخلله بأصابعها، وقال عطاء مثله، وفي الباب أحاديث تخالف ما
تقدّم منها: حديث عائشة عند ابن ماجة بسند صحيح، نا علي نا وكيع عن
هشام عن أبيه عنها أن النبي- عليه السلام- قال لها في الحيض: " انقضى
رأسك واغتسلي " (1) وحديثها المخرج في الصحيحين (2) قالت: " أهللت مع
__________
(1) ، (2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/86، 2/172، 3/4، 5/221) ومسلم في
(الحج، ح/113،111) وأبو داود في (المناسك، باب " 23 ") والنسائي (5/166) وأحمد (6/
461، 246) والبيهقي (1/182، 4/346، 353، 5/105) وشرح السنة (7/81) =

(1/791)


النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع بعمرة " فذكر الحديث في حيضها، فقالت يا
رسول الله: " هذا يوم عرفة ولم أطهر بعد، وإنّما كنت تمتّعت بالعمرة، فقال
لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انقضى رأسك، وامتشطي وأهلي بالحج، وأمسكي عن
عمرتك " قالت: " ففعلت الحديث ". قال أبو بكر البيهقي: أثره وهي إن
اغتسلت للإهلال بالحج ما كان غسلا مسنونا، وقد أمرت فيه بنقض رأسها
وامتشاط شعرها، وكأنها أمرت بذلك استحبابا كما أمرت أسماء بنت عميس
بالغسل للإهلال على النفاس استحبابا انتهى. ولقائل أن يقول ليس ذلك على
طريق الاستحباب، إنّما هو على طريق الوجوب ويوضحه حديث أنس بن
مالك/قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها
وغسلت بالخطمي والأشنان، وإذا اغتسلت من الجنابة لم تنقض رأسها ولم
تغسله بالخطمي والأشنان " ذكره البيهقي في السنن (1) الكبير عن اليسع، أنبا
أبو بكر بن إسحاق، أنبا محمد بن يونس، ثنا مسلم بن ضبيع، ثنا حماد بن
سلمة عن ثابت عنه، ورواه أبو الحسن في الإفراد عن محمد بن إسماعيل
الفارسي، عن عثمان بن حيرداد نا مسلم وأشار إلى تفرّده به عن حماد وهو
يكنى أبا عثمان بصري، وفي المصنف نا غندر عن شعبة عن بقية عن إبراهيم
أنّه كان يقول: العروس ينقض شعرها إذا أرادت أن تغتسل، نا أبو معاوية عن
الأعمش عن إبراهيم عن همام عن حذيفة أنّه قال لامرأته: خللي رأسك بالماء
معناها عليه وهو مذهب أهل الظاهر، قال أبو محمد: ويلزم المرأة حل ضفائرها
وفي غسل المحيض وغسل الجمعة، والغسل من غسل الميت ومن النفاس،
والأصل في الغسل الاستيعاب بجميع الشعر، وإيصال الماء البشرة بيقين خلاف
__________
وشفع (922) وتجريد (41) وحبيب (2/14) وبداية (5/138) والموطأ (411) والتمهيد
(8/198، 203، 204، 215، 225) وابن خزيمة (2788) .
(1) ضعيف. رواه البيهقي (1/182) والخطيب في " تلخيص المتشابه " (2/1/34) من طريقين عن مسلم بن صُبيح: ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعا. قال الدارقطني: هذا حديث غريب من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، تفرد به مسلم بن صبيح عن حماد، ولم نكتبه إلا من هذا الوجه.
وأخرجه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (ق 23/2. مسند أنس) من طريق الطبراني وهذا في " المعجم الكبير " (2/1/37) قال حدثنا أحمد بن داود المكي: ثنا سلمة بن صبيح اليحمدي ثنا حماد بن سلمة به. وضعفه الشيخ الألباني. (الضعيفة: ح/937) .

(1/792)


المسح فلا يسقط ذلك إلا حيث أسقطه النص، وليس ذلك إلا في الجنابة
فقط، وقد صح الإجماع: أنّ غسل النفاس كغسل الحيض فان قيل بحديث أم
سلمة أنّ نقضه للحيضة والجنابة قال: لا. قلنا: نعم. إلا أن حديث هشام
الوارد ينقض ضفرها في الحيض زائد حكما ومثبت شرعا على حديث أم
سلمة، والزيادة لا تجوز تركها. انتهى. ولقائل أن يقول ليس بزيادة إنما هو
تعارض وإذا كان كذلك رجح حديث أم سلمة بالإجماع، وحمل حديث
عائشة على الاستحباب بل على الوجوب، قال ابن حزم: فان قيل: بأنّ عائشة
قد أنكرت على ابن عمرو نقض الضفائر قلنا: لا حجة/علينا فيه وجوه:
أحدها: أنّ عائشة لم تعن هذا إلا غسل الجنابة فقط، وهكذا يقول وان ذلك
إحالتها في آخر الحديث على غسلها مع النبي- عليه السلام- من إناء واحد،
وهذا إنما هو في غسل الجنابة لا الحيض انتهى. قد قدمنا مبينا من صحيح ابن
خزيمة أنه من غسل الجنابة فلا حاجة إلى التحرض، قال ابن حزم: الثاني: أنه
لو صحّ فيها إنما أرادت الحيض لما كان به علينا حجة؛ لانا لم نؤمن بقبول
رأيها وإنما أمرنا بقبول روايتها انتهى كلامه. وفيه نظر؛ من حيث أنّ الصحابي
إذا فسر حديثا أو بين سببه قبل قوله إجماعا، قال أبو محمد: الثالث: أنه قد
خالفها عبد الله بن عمرو وهو صاحب، وإذا وقع التنازع وجبه الرد إلي القرآن
والسنة لا إلي قول أحد المتنازعين دون الآخر والحمد لله وحده، ولقائل أن
يقول: لعلّ ابن عمرو وهو صاحب وإن وقع التنازع وجب الرد إلى القرآن
والسنة لا إلى قول أحد المتنازعين دون الآخر والحمد لله وحده، ولقائل أن
يقول: لعل ابن عمرو المخالف رجع إلى قولها لما بلغه عداء بعض العلماء فيما
أنكرنه عائشة على الصحابة وأنهم رجعوا إلى قولها، أمّا النسخ: لم يظهر لهم
أو لتخصيص أو لنص مخالف، وأمّا الضفر: ففي الجامع ضفّرت الحبل أضفره
ضفرا وهو فتلك له أو إدخال بعضه في بعض، وبه أخذت ضفيرة المرأة وهو
ضفرها لشعرها وقال أبو محمد بن السيد في كتاب الفرق بين الأحرف
المشكلة: الضفر فتل الشعر أو نسجه، وفي المغيث لأبي موسى والضفائر الفتائل
المضفرة كالنقص بمعنى المنقوص والسلب بمعنى المسلوب وفي المطالع: هو ضم
شديد.

(1/793)