شرح ابن ماجه لمغلطاي

73- (باب الماء من الماء)
/ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن بشار، ثنا غندر محمد بن جعفر
عن شعبة عن الحكم عن ذكوان عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر
على رجل من الأنصار فأرسل إليه فخرج ورأسه يقطّر فقال: لعلنا أعجلناك.
قال نعم يا رسول الله. قال: " إذا أعجلت أو أقحطت فلا غسل عليك،
وعليك الوضوء " هذا حديث خرجاه في صحيحيهما (1) فرواه البخاري عن
إسحاق نا النضر نا شعبة عن الحكم بلفظ: " إذا أعجلت أو أقحطت فعليك
الوضوء " تابعه وهيب قال ثنا شعبة ولم يقل غندر ويحيى عن شعبة الوضوء
، ورواه الإسماعيلي في صحيحه عن البغوي، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وثنا
القاسم بن زكريا ثنا ابن مثنى ومحمد بن بشار، بن عبد الكريم نا بن بندار
والبسري وأخبرني الحسن وعمران قالا. ثنا ابن بشار قالوا. ثنا محمد بن جعفر
عن غندر ثنا القاسم أيضا ابن مثنى، نا ابن أبي عدي عن شعبة، وقال غندر:
ثنا شعبة عن الحكم قال أبو بكر: وهما عندنا عن كله هو ولا كلّهم عن غندر
فيه الوضوح والله تعالى أعلم. ورواه مسلم (2) عن أبي بكر بن أبي شيبة، نا
غدر عن شعبة، وحديث ابن مثنى وابن بشار قالا: ثنا محمد بن جعفر، ثنا
شعبة ولفظه: " وعليك الوضوء "، واختلف في إسحاق هذا الذي رواه
البخاري عنه وأبو نعيم في المستخرج، ورواه من جهة إسحاق بن إبراهيم
وقال: رواه البخاري عن إسحاق الكوسج رواه عن النضر، وفي تقييد المهمل
لأبي علي في نسخة أبي محمد الأصيل ثنا إسحاق بن منصور ثنا النضر
والذي في أصل شيخ شيوخنا ابن الشيرازي / ما وضح هذا وبيّنه ولا يحتاج
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/56) والفتح (1/284) ومسلم في الحيض، ح/
83) وابن ماجة (606) وأحمد (3/26،21) ونصب الراية (1/81) والمنحة (216) ومعاني
(1/54) وابن أبي شيبة (8911) والكنز (27414) .
(2) انظر: الحاشية السابقة.

(1/794)


إلى التخرص والحسبان، ثنا إسحاق بن منصور بن بهرام أبو يعقوب الكوسج
المروزي، فلا معدل إذا عن هذا، وفي لفظ لمسلم وخرجه من حديث عبد
الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال: " خرجت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على باب
غسّان فصُرح به فخرج يجر إزاره.. " الحديث وفي مسند لسراج ثنا عبد
الجبار ثنا سفيان عن عمرو عن عروة بن عياض قال: قدم علينا أبو سعيد
الخدري فقال: " أرأيتم لو اغتسلت وأنا أعرف أنه كما يقولون: قالوا: لا
أخرج حتى يكون في نسك خرج ما قضى الله ورسوله، وفي لفظ: " أرأيتم
لو اغتسلت وأنا أعرف أنه مما يقولون " وفي لفظ ابن شاهين من حديث عبد
الرحمن عن أبي سعيد قال: " خرجت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الإثنين إلى قباء،
حتى إذا لحنا في بنى سالم وقف على باب غسان (1) أرأيت الرجل يعزل عن
امرأته ولم يمن ". وفي لفظ: " إذا قحط أحدكم " (2) . حدثنا محمد بن
الصباح ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن السائب عن
عبد الرحمن بن سعاد عن أبي أيوب قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الماء من الماء " (3) هذا
حديث إسناده ضعيف؛ للجهالة بحال عبد الرحمن بن السائب ويقال: ابن
السائبة، كذا رويناه في أحكام أبي علي الطوسي- رحمه الله تعالى-، فإنّى
لم أر عنه راويا غير عمرو بن دينار إلا وكذا ابن سعاد ويقال: ابن سقاد، ولم
يتعرض أحد لذكر حالهما فيما علمت، وأمّا ما ذكره الدارمي في مسنده عن
عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن السائب عن عبد الرحمن ابن سعاد وكان
__________
(1) بياض " بالأصل ".
(2) تقدم في أحاديث الباب ص 794.
(3) صحيح. رواه أبو داود (ح/217) والترمذي (ح/112) والنسائي (1/115) وابن ماجة
(607) وأحمد (3/29، 36، 4/143، 342، 5/416، 421) والدارمي (1/194) والبيهقي
(1/167) وابن خزيمة (234) والطبراني (15614) وأبو عوانة (1/286) وحبيب (1/29)
ونصب الراية (1/80، 81) والخطيب (1/352) والمعاني (1/54، 55) وصححه الشيخ
الألباني.
قلت: وهذا التخريج من طرق صحيحة ليس من طريق المصنف. أما ما ذكر سنده المصنف فقد أشار إلي ضعفه؛ لجهالة عبد الرحمن بن السائب.

(1/795)


مرضيا من أهل المدينة فلا ندرى من القائل أهو ابن السائب أم عمرو؟! فإن
كان ابن السائب/فلا نقبل قوله؛ لأنه يحتاج إلى من يعدله، وإن كان عمرو
قاله فلا ندرى أراد ابن سعاد أو ابن السائب فلمّا اتهمّ الإمام سقط الاحتجاج
به، وأيضا فهذه لفظة لا تعطى توثيقا؛ لاحتمال أن يكون مراده الدين، وقد
وقع لنا هذا الحديث من طريق صحيحة سالمة من هذين الرجلين ذكرهما
البخاري في صحيحه، نا أبو معمر، نا أبو نعيم، نا عبد الوارث عن الحسين
ابن ذكوان المعلم البصري قال يحيى بن أبي كثير: وأخبرني أبو سلمة أنّ عطاء
ابن يسار أخبره أن زيد بن خالد الحمني أخبره أنّه سأل عثمان بن عفّان فقال:
أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة
ويغسل ذكره، وقال عثمان: سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألت عن ذلك علي
ابن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبيّ بن كعب فأمروه
بذلك. فأخبرني أبو سلمة: أن عروة أخبره أنّ أبا أيوب أخبره أنه سمع ذلك
من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال أبو الحسن الدارقطني في كتاب العلل: وفي هذا
الموضع وهم؛ لأنّ أبا أيوب لم يسمع هذا من النبي عليه السلام، إنّما سمعه
أبي بن كعب من النبي قال ذلك هشام بن عروة عن أبيه عن أبي أيوب عن
أبي انتهى كلامه. وفيه نظر؛ لأنّ أبا أيوب قد قدمنا قوله: أنّه سمع ذلك من
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على لسان أبي سلمة عن عروة، وكونه رواه بواسطة في البخاري
أيضا لا يؤثر فيما قلنا؛ لأنه يحتمل أنّه سمعه من أبي، ثم سمعه من المصطفى
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو لم يكن هذا لما جاز له أن يقول: سمعته من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمّا قول/
القاضي أبي بكر (1) بن العربي- رحمه الله تعالى- في حديث أبي أيوب
هذا، والعجب من البخاري كيف ساوى بين حديث عائشة في إيجاب الغسل
__________
(1) ابن العربي العلامة الحافظ القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي. جمع
وصنف، وبرع في الأدب والبلاغة، وبعد صيته، وكان متبحرا في العلم، ثاقب الذهن، موطأ
الأكناف، كريم الشمائل، مات بفاس في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. له
ترجمة في البداية والنهاية (12/228) ، وشذرات الذهب (4/141) وطبقات المفسرين
للداودي (2/162) ونفح الطيب (2/25) .

(1/796)


بالتقاء الختانين (1) وبين حديث عثمان وأبي في نفي الغسل إلا بالإنزال؟
وحديث عثمان هذا ضعيف؛ لأنّ مرجعه إلى الحسين بن ذكوان رواه عن
يحيى بن كثير ثم قال: والحسين لم يسمعه من يحيى؛ وإنّما نقله له يحيى؛
ولذلك أدخله البخاري عنه بصيغة المقطوع، وهذه علّة وقد حوّلت حسين فيه
عن يحيى فرواه عنه غيره موقوفا على عثمان ولم يذكر فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذه
علّة ثانية، وقد خولف أيضا أبو سلمة فرواه زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار
عن زيد بن خالد أنه سأل خمسة أو أربعة من الصحابة فأمروه بذلك من غير
وقع، قال: وهذه علة ثالثة ففيه نظر أمّا العلة الأولى فلأنّ البخاري رواه في
موضع آخر عن سعد بن حفص عن شيبان عن يحيى، وقال أبو الحسن
الدارقطني: حدّث به عن يحيى حسين المعلم وشيبان وهو صحيح عنهما،
ورواه ابن شاهين من حديث معاوية بن سلام أنا يحيى به، العلة الثانية: قوله:
إنّ البخاري رواه بصيغة المقطوع، وليس كذلك؛ لأن العلماء قالوا: ليس في
البخاري حديث منقطع شاهدا وسابقا فكيف بما ذكره الاحتجاج، وقد نص
العلماء على أنه قال: ذكر من غير قول أولت وما أشبه ذلك من ألفاظ الرواية
محمولة عندهم على السماع إذا عرف اللقاء والسماع، وحسين ممن عرف
ذلك مه والله أعلم؛ ولذلك أنّ أصحاب الأطراف ذكروا موضع، وقال يحيى:
هي رواية إجماع، ولهذا ساغ لهم إخراجه في مسند أبي أيوب/ولذا أخرجه
مسلم والإسماعيلي وأبو نعيم بصيغة عن، وعلي رأى جماعة عن في صحيح
مسلم متصلة، فلأنّ عند البخاري بطريق الأول لما علم من شرط، وقد وقع
لك حديث حسين المعلم هذا مصرّحا فيه بالسماع من يحيى بن أبي كثير، نا
أبو بكر محمد بن إبراهيم الطرفي، أنا يحيى بن عبد الوهاب أنبأ محمد بن
جعفر، ثنا عبد الله بن محمد بن ناجية ثنا عبد الوارث بن عبد الصمد،
__________
(1) وتمام لفظ الحديث: " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ". رواه البخاري في " التاريخ
الكبير " (6/281) والتجريد (699) والخفاء (1/86) والخطيب (1/311، 6/282، 12/
286) وإتحاف (3/383) وأحمد (6/239) والبيهقي (11/63) وتلخيص (1/134) والعلل
(86) وابن عدي في " الكامل " (4/1635) .

(1/797)


حدثنى أبي حدثني أبي ثنا حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير حدثنى أبو
سلمة: أنّ عطاء بن يسار اخبره أنّ زيد بن خالد أخبره أنه سأل عثمان قلت:
أرأيت إذا جامع امرأته ولم يمن؟! فقال عثمان: لا يتوضأ كما يتوضأ للصلاة،
ويغسل ذكره" سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وسألت عن ذلك علي بن أبي
طالب والزبير وطلحة وأبيا فأمروه بذلك، قال: وحدثني يحيى بن أبي كثير
عن أبي سلمة أن عروة أخبره أنّ أبا أيوب أخبره أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول
ذلك، وفي كتاب ابن شاهين، ثنا البغوي، ثنا هارون بن عبد الله، ثنا عبد
الصمد ثنا أبي ثنا حسين المعلم بن أبي كثير فذكره، وكذا ذكره البيهقي في
السنن الكبير عن أبي بكر أحمد بن إسحاق ثنا إبراهيم بن عبد الله نا محمد
قال ثنا الحسن بن عيسى البسطامي، ثنا عبد الصمد نا أبي نا حسين حدثنى
يحيى به، وإمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة في صحيحه أيضا، وأمّا قول ابن
جرير في تهذيب الآثار، وهذا خبر عندنا صحيح سنده لا علّة فيه توهنه ولا
سبب يضعفه لعدالة رواته، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما
غير صحيح لعلّتين إحداهما: أنّ المعروف من رواية الثقات/عن عثمان أن
الختان إذا مس الختان وجب الغسل أنزل أو لم ينزل، والأخرى: أنّه خبر قد
رواه بعضهم عن شيبان عن يحيى، فجعله عن عطاء عن عثمان لم يجعل
بيتهما أحدا، والثالثة: أنّ يحيى كان عندهم مدّلسا، والمدلس لا يقل عندهم
من خبره إلا ما قال، ثنا وشبهه بكلام لا يجزي شيئا كما بيّناه، والثالثة
قوله: إنّ أبا سلمة خالفه زيد فغير ضار ولا منافاة بين قولهما؛ لأن أبا سلمة
إمام حافظ زاد شيئا فتقبّل منه إجماع، ولأن الصحابة المذكورين أصحاب فتيا
فلمّا سئلوا أفتوا بما عندهم من حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنّ مثل هذا لا يؤخذ
بالآراء ونشطوا مرّة أخرى فتذكروا مستندهم إن قيل لهم في ذلك فذكروه
فصار جمعا بين الرواية والفتيا والله تعالى أعلم، ويوضح ذلك ما ذكره ابن
عبد البر في الاستذكار، قال أبو عمر: وقد تدبرت حديث عثمان الذي انفرد
به يحيى فليس فيه تصريح يجاوزه الختان الختان، وأنا فيه طامع ولم يمس
الختان الختان؛ لأنه مأخوذ من الاجتماع مكنى عن الوطء، وإذا كان لذلك فلا

(1/798)


خلاف حينئذ، ولو ذكر ما ذكره الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في جمعه
لحديث يحيى ابن أبي كثير كان أولى ما تقدّم وهو قوله، قال أبو طالب: زيد
بن أخرم سمعت يحيى بن سعيد القطّان، وسئل عن حديث أبي أيوب فلم
يحدث به، وقال: نبأني عنه، عبد الرحمن، وقال أبو عمر في التمهيد:
وحديث أبي سلمة هذا حديث منكر لا يعرف من مذهب عثمان ولا علي
ولا من مذهب المهاجرين انفرد به يحيى وهو ثقة، إلا أنه جاء بما شذ به
وأنكره عليه، ونكارته أنّه محال أن يكون عثمان سمع من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما
يسقط الغسل من التقاء الختانين ثم يعني/بإيجاب الغسل، وذلك في حديث
مالك عن ابن شهاب عن سعيد أن عمر وعثمان وعائشة كانوا يقولون: " إذا
مس الختان الختان فقد وجب الغسل " (1) . وهو صحيح ولا أعلم أحدا قال:
بأنّ الغسل من التقاء الختاتين منسوخ، بل الجمهور أنّ الوضوء منه منسوخ
بالغسل ومن قال: بالوضوء منه أجازه وأجاز الغسل ولم ينكره، وقال يعقوب
بن أبي شيبة: سمعت ابن المديني وذكر حديث يحيى فقال: إسناد حسن به،
ولكنه حديث شاذ، وقال علي: قد روى عن عثمان وعلي وأبي بأسانيد جياد
أيهم أفتوا بخلافه، قال يعقوب: هو حديث منسوخ، وقال أبو بكر الأثرم:
قلت لأحمد بن حنبل: حديث حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير يعنى هذا
فيه علّة تدفعه بها قال: نعم ما روى خلافه عنهم قال أحمد المديني: إذا جاوز
الختان الختان فقد وجب الغسل، قيل له: قد كنت تقول غير هذا، قال: ما
أعلمني قلت: غير هذا قط قيل له: قد بلغنا ذلك عنك. قال: الله المستعان،
وفي صحيح الأسهل قال: ولم يذكر يعنى الراوي عليا ولم يقل أحد من الرواة
عن النبي غير الحماني إنما قالوا مثل ذلك، وليس الحماني من شرط هذا
الكتاب، وفي الباب غير ما حديث من ذلك حديث أبي هريرة- رضي الله
تعالى عنه- قال: " بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجل من الأنصار فأبطأ
واحتبس فقال: ما حبسك قال: كنت أصبت من أهلي، فلما جاءني رسولك
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب انظر ص 789.

(1/799)


اغتسلت، ثم لم أحدث شيئا. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الماء من الماء، والغسل
على من أنزل " رواه أبو جعفر في شرح الآثار (1) ومن جهة يزيد عن العلاء
بن محمد بن سنان، عن محمد بن عمرو عن أم سلمة عنه، وقال أبو القاسم
في الأوسط:/ورواه من حديث وقاء بن إياس الوالي سمعت سهيل وذكر أنّ
أبي صالح يذكر عن أبيه عن أبي هريرة لم يروه عن وقاء إلا أبو زهير تفرّد به
عبد الرحمن بن سلمة. وحديث رافع بن حديج قال: ناداني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأنا على بطن امرأتي فقمت ولم أنزل، واغتسلت وخرجت فأخبرته فقال: لا
عليك الماء من الماء " قال رافع: ثم أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك بالغسل
رواه أحمد في مسنده (2) من حديث رشيد بن سعد عن موسى بن أيوب
الغافقي عن بعض ولد رافع ولم يسمه، وقال البخاري: هذا حديث حسن وفيه
نظر؛ لأنّ رواية رشدين وحديثه لا يحسن وفيه رجل لم يسمه فهو منقطع،
وقد وقع لنا متابعا لرشدين وهو ابن لهيعة فيما ذكره ابن مساور عن موسى بن
أيوب وسمى الرجل المبهم سهلا؛ ولذا جاء في بعض الروايات مصرّحا باسمه
عن رشدين، ذكر ذلك الحافظ أبو الطاهر البغوي فقال: أنا الراوي عن أبي
الحسن أحمد بن محمد الحليمي سماعا عن أبي بكر المهندس سماعا، ثنا
محمد هو ابن زمان بن حبيب، ثنا أبو الطاهر، ثنا رشدين عن موسى بن
أيوب عن سهل بن رافع بن خديج عن أبيه فذكره، فلو حسّنه الحازمي هذه
الأمور يساغ له ذلك، والله تعالى أعلم. وحديث عائشة: " أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان يفعل ذلك ولا يغتسل، وذلك قبل فتح مكة، ثم اغتسل بعد ذلك وأمر
الناس بالغسل " رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه وسيأتي الكلام عليه بعد
وحديث جابر بن عبد الله قال مرّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل من الأنصار فخرج ورأسه
__________
(1) ضعيف. رواه الطحاوي في مشكل الآثار (1/376) وأحمد في " المسند " (3/150)
والطبراني (1/226) وعبد الرزاق (20517) وإتحاف (4/498) ومطالب (204) ومعاني (1/
54) والمجمع (1/265) وعزاه إلى أبي يعلى والبزار وفيه أبو سعد البقال وهو ضعيف.
(2) ضعيف. رواه أحمد (4/143) والمجمع (1/265، 266) وعزاه إليه وإلى الطبراني في "
الأوسط " وقال عن سهل بن رافع عن أبيه، وفيه رشدين بن سعد وهو سيء الحفظ.

(1/800)


يقطر فقال:/ " لعلنا أعجلناك " قال: أجل يا رسول الله. قال: " إذا عجل
أحدكم أو أقحط، فلا يغتسل " رواه أبو جعفر (1) وشاهين في كتاب الناسخ
والمنسوخ عن أبيه عن الباغندي، ثنا أبو نعيم ثنا أبو إسرائيل الملائي عن الحكم
عن أبي صالح عنه. وحديث أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الماء من
الماء " (2) ، رواه أيضا عن أحمد بن عمرو ثنا عبيد الله بن أسامة الحلبي، ثنا
يعقوب بن كعب، ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عنه. وحديث
عبد الله بن عباس قال: أرسل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجل من الأنصار فأبطأ عليه
فقال: ما حبسك؟ قال: كنت على المرأة فقمت واغتسلت فقال: وما عليك
ألا تغتسل ما لم تنزل قال: فكانت الأنصار تفعل ذلك " (3) رواه ابن أبي داود
في كتاب الطهارة تأليفه عن عبد الله بن سعيد ثنا طلحة عن أبي سعيد عن
عكرمة عنه، وحديث زيد ابن ثابت الآتي في الباب بعده، وكذلك حديث
رفاعة قال أبو عمر: وفعله إذا أعجل أحدكم أو أقحط تقتضى أن يكون جوابا
لمن أقحط أو أعجل عن بلوغ التقاء الختانين، ولذلك حديث ابن شهاب عن
أبي سلمة رواه أصحابه كذلك؛ لأن قوله الماء من الماء لا يدفع أن يكون الماء
من التقاء الختانين، والله تعالى أعلم. وحديث صالح السالمي الأنصاري قلت
للنبي عليه السلام: هتفت وأنا مع المرأة قد خالطها، فلمّا أن سمعت صوتك
أجبتك منها فلما دخلت المسجد كرهت أن أدخله حتى اغتسل. فقال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الماء من الماء ". رواه أبو موسى في كتاب الصحابة من جهة ابن
إسحاق عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي سعيد عن أبيه عن جدّه أبي
سعيد/قال خرجنا مع النبي إلى مسجد ابن عمرو بن عوف، فمن تفرد به عن
سالم فذكره ثم قال: رواه ذكوان عن أبي سعيد ولم يسمه الرجل، وكذلك
أبو هريرة وابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- لم يسمياه، وحديث عبد الله
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/265) وعزاه إلى البزار ورجاله ثقات الا أبا إسرائيل الملائي فإنه ضعيف لسوء حفظه، وقد وثقة بعضهم.
(2) تقدم من أحاديث الباب ص 794.
(3) تقدم من أحاديث الباب

(1/801)


بن غسان قال: قلت: يا رسول الله إني كنت مع أهلي فلما سمعت صوتك
أعجلت فاغتسلت فقال عليه السلام: " الماء من الماء " رواه أيضا من حديث
كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله عنه، وحديث أبي عثمان الأنصاري
قال: " دق علي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد ألممت بالمرأة، فكرهت أن أخرج إليه
حتى أغتسل فأبطأت عليه فلحقته فأخبرته، فقال: أكنت أنزلت قلت: لا.
قال: أما إنه لم يكن عليك إلا الوضوء " (1) . رواه أيضا من حديث عمر بن
محمد بن الحسن، ثنا أبي ثنا عبد الرحمن بن أبي الزياد عن أبيه عن أبي
سلمة عنه، ومرسل عبد الله بن عبد الله بن عقيل قال: " سلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
على سعد بن عبادة ثلاثا فلم يأذن له، كان على حاجة فرجع النبي- عليه
السلام- فقام سعد سريعا فاغتسل، ثم تبعه فقال يا رسول الله: إني كنت
على حاجة فقمت فاغتسلت، فقال عليه الصلاة والسلام: " الماء من الماء ".
رواه معمر بن راشد في جامعه عنه.
__________
(1) بنحوه. أورده الهيثم في " مجمع الزوائد " (1/264) وعزاه إلى أحمد في " مسنده "
وإسناده حسن. ولفظه:
قلت يا نبي الله: إني كنت مع أهلي، فلما سمعت صوتك أقلعت فاغتسلت. فقال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الماء من الماء ".

(1/802)


74- باب ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانان
حدثنا علي بن محمد وعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قالا: ثنا الوليد ابن
مسلم ثنا الأوزاعي، أنبأ عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فاغتسلنا ". هذا حديث خرجه أبو عيسى (1) من حديث الوليد ثم قال: ثنا
هناد ثنا وكيع عن سفيان عن عكرمة عن سعيد عن عائشة قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا جاوز الختان فقد وجب الغسل " (2) . وقال: حديث عائشة حسن
صحيح، وقال في العلل الكبير: سألت محمدا عن هذا الحديث. فقال: هذا
حديث خطأ، إنما يرويه الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلا، وروى
الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة شيئا من قولها فأخذ
الخرقة فمسح بها الأذى، وقال أبو الزناد: وسألت القاسم بن محمد سمعت
في هذا الباب شيئا قال: لا، ورواه الشافعي عن الثقة عن الأوزاعي عن عبد
الرحمن بن القاسم عن أبيه، أو عن يحيى بن سعيد عن القاسم، قال البيهقي:
كذا رواه الربيع بالشّك، ورواه المزني عنه فقال عبد الرحمن بن القاسم: بلا
شك، ولذلك قاله ابن خزيمة عن المزني، ورواه حرملة عن الشّافعي عن الوليد
بن مسلم، والوليد بن يزيد عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بغير شك، وعاب
أبو محمد الإشبيلي على الترمذي تصحيح حديث ابن زيد بقوله، وذكره
الترمذي من حديث ابن زيد وقال فيه: حسن صحيح، ولم يقل في علي: شيئا
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/108) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة (ح/
608) وأحمد (2/178) وابن أبي شيبة (1/89) وتلخيص (1/134) والبيهقي (1/163)
وابن عدي في " الكامل " (4/1653) وتجريد (699) والخطيب (1/311، 6/282) ورواه
الشافعي في اختلاف الحديث (7/90) عن إسماعيل بن إبراهيم عن علي بن زيد بإسناده
ورواه أيضا فيه وفي الأم (7/31) عن سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب:
" أن أبا موسى الأشعري سأل عائشة عن التقاء الختانين؟ فقالت عائشة: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إذا التقى الختانان، أو مس الختان الختان؛ فقد وجب الغسل ". وصحح إسناده الشيخ أحمد
شاكر، والشيخ الألباني.
(2) انظر: الحاشية السابقة.

(1/803)


وأكثر الناس يضعفه، وقال أبو الحسن: عليه بأنه لم يصب في اعتراضه؛ لأن اعتلال
البخاري عليه بأنه يروى مرسلا بعلة فيه، ولا اتصال قول القاسم: أنه لم يسمع في
هذا الباب شيئا؛ فإنه قد يعنى به شيئا يناقض هذا الذي رويت لابُد من حمله على
ذلك لصحة الحديث المذكور عنه من رواية ابنه وهو الثقة المأمون والأوزاعي، أما
الوليد بن مسلم وإن كان مدلسا ومسوما، فأنه قد قال/فيه ذكر ذلك الدارقطني،
وذكر أيضا طريقا آخر عن الأوزاعي هو منه صحيح أيضا، قال أبو الحسن ثنا أبو
بكر النيسابوري، ثنا العباس بن الوليد بن يزيد، أبنا أبي قال: سمعت الأوزاعي قال:
ثنا عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن عائشة: " إنما سئلت
عن الرجل يجامع المرأة فلا ينزل؟ فقالت: فعلته أنا والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاغتسلنا جميعا "
قال الدارقطني: رفعه الوليد بن مسلم، والوليد بن فريد، ورواه بشر بن بكر وأبو
المغيرة وعمرو بن أبي سلمة، نا محمد بن كثير المصيصي ومحمد بن مصعب
وغيرهم موقوفا انتهى. الوليد ثقة من أكابر أصحاب الأوزاعي وكان
الأوزاعي، يقول: عليكم به فإن كتبه صحيحة أو كلاما هذا بمعناه، وقال
أيضا: ما عرض علي كتاب أصح من كتاب الوليد، وقال فيه دحيم: صالح
الحديث وابنه العباس ثقة صدوق، وقد ذكر جميعهم سماع بعضهم من بعض
فصح الحديث، وإن كان حديث الترمذي معترضا عنده من طريق الوليد بن
مسلم، فقد صح من طريق ابن فريد- رحمه الله تعالى- انتهى كلامه. وفيه
نظر من حيث إغفاله ما قاله علي بن عيسى من تصحيح حديث ابن جدعان
على ما ذكر، ولهذا أن عبد الحق لما ذكره في أحكامه الكبرى أفرده من
حديث الأوزاعي من عند النسائي محققا تصريح الترمذي لحديث ابن جدعان،
وأبو عيسى في ذلك كما قيل، ومالك حكاه لأبي محمد في فهمه لا
الترمذي بزعمه؛ لأنه لم يصحح حديثه كما صححه أبو علي الطوسي في
أحكامه من غير متابع ولا شاهد، ولذلك المعرى في شرح السنة، ولا قال ما
يؤذن بذلك إنما قال: حديث عائشة صحيح وهذا ما لا خلاف/فيه، ولو أراد
هذا الحديث لأشار كعادته، وقال: هذا وإن شئت لم أقل ذلك أيضا في
حديث الأوزاعي المبدأ بذكره عنده لا من طريق غيره المصححة؛ لما نقله عن
شيخه وهو في الغالب سمع كلامه حذر العدة بالعدة، ولا يقال: لعله صح

(1/804)


حديث ابن جدعان هذا ما عضده من الشاهد قبله تنصيصه على خطابه، والخطأ لا
يصلح عنده للشواهد، وفي المعرفة عورض الشافعي في هذه المسألة بمصعب بن
جدعان، وأنّ حديثه هذا ليس مما يثبت أهل الحديث فعارضهم برجوع إلى وأنّ
ذلك لا يكون إلا عن توفيق، قال أبو بكر: والأمر على ما قالاه جميعا غير
أنّ حديث عائشة هذا ما ثبت من جهة أخرى، ولما رواه أبو القاسم في
الأوسط من حديث عاصم عن عثمان بن مرة عن السّائب عن عروة عنها
مرفوعا قال: لم يروه عن عثمان إلا عاصم، فهذا رجل رفعه عنها الرواية الوليد
ابن مسلم وأغفل ذكره الدارقطني فلم يذكره حتى عدّد الواقعتين والدافعين،
وأمّا قول الحافظ التستري إنّ حديث الأوزاعي موقوفا لم يسنده عائشة بغير
صواب؛ لأنها قالت: فعلته أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهذا موضوع إجماعا، ولهذا
الحديث إسناد صحيح ذكره مسلم من جهة عبد الله فقال: ثنا محمد بن مثنى
ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، ثنا هشام بن حسان ثنا حميد بن هلال عن
أبي بردة عن أبي موسى وثنا ابن مثنى ثنا عبد الأعلى، وهذا حديثه ثنا هشام
ابن حسان عن حميد بن هلال قال: ولا أعلمه إلا عن أبي بردة عن أبي
موسى الأشعري قال: اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار، فقال
الأنصاريون: لا يجب الغسل/إلا من الدفق أو من الماء، وقال المهاجرون: إذا
خالط فقد وجب الغسل، قال: فقال أبو موسى: أنا أشفيكم من ذلك، فقمت
فاستأذنت على عائشة فقلت لها: يا أمّاه أو يا أم المؤمنين، إنى أريد أن أسألك
عن شيء، وإنى استحييت فقالت: لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلا
أمك التي ولدتك، فإنّما أنا أمّك، قلت: فما يوجب الغسل على الحبير
سقطت؟ قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس
الختان الختان فقد وجب الغسل " كذا خرجه مسلم (1) في صحيحه بلفظ
الشك أعني قوله: ولا أعلمه إلا من أبي بردة لم يذكر رواية الأنصاري هل
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه مسلم في (الحيض، ح/87،ْ 88) والبخاري (1/80) وأحمد
(2/234) والدارمي (1/194) والدارقطني (1/113) وابن خزيمة (227) وشرح السنة (1 / 4)
والمشكاة (430) ونصب الراية (1/82) والخطيب (2/74) وتلخيص (1/134) والحلية (6/
275) والإرواء (1/163) .

(1/805)


هي لهذه لفظا وشكا أو ليس مثلها؟ فلما أردنا علم ذلك ليسلم الحديث من هذه
الشائبة، وليعلم هل يخاف هذه فيما يؤثر أم لا؟ يوجد نا أبو بكر بن خزيمة خرجها
بلفظ مسلم، وسواء عن ابن مثنى عنه، وكذلك أبو العباس السراج في مسنده وأبو
نعيم الحافظ رحمه الله تعالى والبيهقي في سننه ولفظه: فأتيت عائشة فقالت: قال
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان ". ولفظ أبو نعيم:
" إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم اجتهد فقد وجب الغسل ". ورواه مسلم أيضا
من طريق فيه لطيفة، وهي رواية صحابي عن تابعية فقال: ثنا هارون بن معروف،
وهارون بن سعيد الأيلي، ثنا ابن وهب أخبرني عياض بن عبد الله عن أمّ كلثوم
عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: إنّ رجلا سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يجامع
أهله ثم يكسل هل عليها الغسل؟ وعائشة جالسة فقال رسول الله/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنى
لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل " (1) . وليس لقائل أن يقول: هو من رواية أبي الزبير
عن جابر من غير تصريح بالسماع، ولا هو من رواية الليث عنه، وذلك مشعر
بالانقطاع، وإن كان عند مسلم فإنه ينفع في المناظرة لا في النظر؛ لأنه وقع لنا
طريق يصرح فيها بالسماع ذكرها الحافظ أبو بكر الخطيب فيما رويناه عنه في
كتاب رواية الصحابة عن التابعين من حديث الإمام أحمد بن حنبل، ثنا
موسى بن داود ثنا عبد الله عن أبي الزبير أخبرني جابر به في الموطأ عن يحيى
بن سعيد عن ابن المسيّب أن أبا موسى سأل أنا عائشة فقال: " الرجل يصيب
أهله ثم يكسل ولا ينزل؟ فقالت: إذا جاوز الختان الختان؛ فقد وجب
الغسل " (2) . فقال أبو موسى: لا أسأل عن هذا أحدا بعدك، وكذا ذكره
موقوفا، وقال في المعرفة: هذا إسناد صحيح إلا أنه موقوف، ورواه أبو قرّة
موسى بن طارق عن مالك عن يحيى مرفوعا، قال أبو الحسن في الغرائب: لم
يسنده عن مالك غير أبي قرة، وفي مسند أبي قرة ذكر سفيان عن محمد بن
عجلان عن أبي سلمة عن عائشة مرفوعا مثله، وقد وقع لنا ما يشعر بأن ابن
المسيب رواه عن أبي موسى عنها، ذكر ذلك أبو جعفر الطحاوي من حديث
__________
(1) صحيح. رواه مسلم (272) والبيهقي في " الكبرى " (1/164) وابن السني (ح/610)
ومعاني (1/55) وأبو عوانة (1/289) .
(2) تقدم في أحاديث الباب ص 803.

(1/806)


أسد عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد قال ة ذكر أصحاب النبي:
" إذا التقى الختانان " فأتى أبو موسى عائشة فذكره، وقال البيهقي: لم يروه مرفوعا
غير ابن جدعان، وهو لا يحتج به، والله تعالى أعلم. وقال ابن عمر في
الاستذكار: وروى علي بن زيد عن سعيد قال: " نازع أبو موسى قوما من
الأنصار فقالوا: الماء من الماء. فانطلقت أنا وهو حتى دخلنا على عائشة ".
وروى حماد بن سلمة عن ثابت عن/عبد الله بن رباح عن عبد العزيز بن
النعمان (1) عنها: " كان عليه السلام إذا التقى الختانان اغتسل " (2) . والأول
وإن لم يكن مسندا؛ فإنه يدخل في المسند بالمعنى والنظر، وفي شرح السنة
هذا حديث حسن صحيح، لكن جريانه على توهمه كما بينا أنّ مثله لا يصح
سندها ورواه الحسن عن أبيه من طريق لا بأس بها فرفعه بنحوه، قال أبو
القاسم في الأوسط (3) : لم يروه عن سالم الخياط عن الحسن إلا الوليد بن
مسلم، وفي كتاب الطحاوي من حديثه عن ابن أبي داود عن عباس بن
الوليد البرنام، ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن ابن إسحاق عن يزيد بن أبي
__________
(1) قوله: " النعمان " وردت " بالأصل " " العمير " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.
(2) صحيح. رواه أحمد (6/123، 227) وبهذا اللفظ الذي ذكره المصنف عن عائشة
صحيح، فقد رواه القاسم بن محمد عنها قالت: " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل،
فعلته أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
رواه الترمذي (1/23) وابن ماجة (ح/608) بسند صحيح عنها.
ورواه مسلم (1/187) وغيره من طريق أخرى عنها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرفوعا من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه.
ورواه الخطيب من طريق أخرى عنها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرفوعا من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلفظ الترجمة،
وروايته (1/311، 6/283) .
(3) رواه الطبراني في " الأوسط " (1/9/2) وقال: " لم يروه عن عمرو إلا أبو حنيفة، ولا عنه
إلا عبد الله " وهو وشيخه ضعيفان، ولكن للحديث زيادات منها ما هو حسن بمجموع طرقها
عن عمرو بن شعيب.
ورواه الطحاوي (1/35) ورواه البيهقي (1/163) بإسناد صحيح، وهو عند مسلم (1/189)
بنحوه، وفي صحيح سنن أبي داود (ح/209) كلهم من طريق أبي رافع عن أبي هريرة وبه
زاد: " أنزل أو لم ينزل ".

(1/807)


حبيب عن معمر بن أبي حبيبة عن عبيد بن رفاعة عن أبيه قال: إني لجالس عند
عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، هذا زيد بن ثابت يفتى النّاس
في الغسل من الجنابة برأيه. فقال عمر: أعجل به، فجاء زيد فقال عمر: قد بلغ من
أمرك أن تفتى الناس فقال له زيد: ما أفتيت برأيي، ولكن سمعت من أعمامي شيئا
فقلت به. فقال من أي أعمامك؟ فقال: من أبي وأبي أيوب ورفاعة بن رافع.
فالتفت عمر فقال: ما تقول في هذا؟ قال: فقلت: إنّا لكنّا نفعله على
عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم لا نغتسل. قال أسألتم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك؟ قلت: لا.
قال علي بالناس فاتفق الناس أن الماء لا يكون إلا من الماء، إلا ما كان من
علي ومعاذ بن جبل فقال علي: لا أحدا أعلم بهذا من أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فأرسل إلى حفصة فقالت: لا علم لي. فأرسل إلى عائشة فقالت: إذا جاوز
الختان الختان فقد وجب الغسل جد فخطب عمر وقال: لئن أخبرت بأحد
يفعله ثم لا/يغتسل فحكمه عقوبة " (1) ورواه أيضا من حديث ابن لهيعة عن
يزيد عن أبي وجيه سمعت عبيد بن رفاعة يقول: ثنا في مجلس عمر بغير
ذكر أبيه، ورواه أيضا عن روح بن الفرح عن يحيى بن بكير، عن الليث
حدثنى معمر عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، والله تعالى أعلم. وذكر هذه
القصة من حديث عبد الأعلى أيضاً الإمام أبو بكر محمد بن هارون في
مسنده عن يحيى بن إسحاق، ثنا ليث بن سعد عن يزيد عن معمر وفيه فقال
عمر: " إنّ الأمر لا يصلح. وقال معاذ: يا أمير المؤمنين: إن هذا الأمر لا
يصلح " وذكر أحمد بن منيع في الروايات في مسنده باختلاف قريب وفيه:
فجاء زيد فكلما رآه عمر قال ابن عدي نفسه قد بلغت أن تفتى الناس برأيك،
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/266) وعزاه إلى أحمد في " مسنده "
والطبراني في " الكبير " ورجال أحمد ثقات إلا ابن إسحاق مدلس وهو ثقة، وفي الصحيح
طرف منه، زاد الطبراني في " الكبير " " ثم أفاضوا في العزل فقالوا: لا بأس فسار رجل
صاحبه فقال: ما هذه المناجاة فقال أحدهما يزعم أنها الموؤدة للصغرى فقال علي: إنها لا
تكون موؤدة حتى تمر بسبع تارات قال الله عز وجل: (ولقد خلفنا الإنسان من سلالة من طين
ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) إلى قوله: (فتبارك الله أحمسن الخالقين) قال: فترقوا على قول
علي بن أبي طالب انه لا باس به.

(1/808)


وفيه قد كنا نفعل ذلك على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يأتنا من الله تحريم ولم يكن
من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عني قال: ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم ذلك قال: لا أدرى وهو
معارض لما ذكره مالك عن يحيى عن عبد الله بن كعب عن محمود بن لبيد
أنه سأل زيد بن ثابت أن أُبيّا فرغ عن ذلك فبل أن يموت، وسيأتي في
صحيح البستي ثنا علي بن الحسين بن سليمان، ثنا إبراهيم بن يعقوب
الجرجاني، ثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة، ثنا أبو مرة قال حدثنا الحسين بن
عمران عن الزهري سألت عروة في الذي يجامع ولا ينزل؟ قال: على الناس
أن يأخذوا الأمر من أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثتني عائشة: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان يفعل ذلك ولا يغتسل، وذلك قبل فتح مكة، ثم اغتسل بعد ذلك، وأمر
الناس بالاغتسال " قال:/عن ابن مهران قالا: ثنا مبشر الحلبي عن محمد بن
غسان عن أبي حازم، وقال البيهقي: إسناده صحيح موصول، خبرنا على طريقة
الفقهاء في صحة السند، وهذا كان يصلح أن يكون دليلا لولا ما قاله ابن أبي
حاتم وسأل أباه عنه فقلت: يعرف هذا الحديث، فقال: ما يعرف أصلا يعني
والله تعالى أعلم هذه الرواية لا أصل الحديث بدليل ما ذكره ابنه، سمعت
أبي وذكر الأحاديث المروية في الماء من الماء من حديث أبي أيوب عن أبي
وأبي صالح وأبي سعيد، فقال: هذا منسوخ بحديث سهل عن أبي، وقال
الحازمي: يشتبه أن يكون الزهري أخذه عن أبي حازم وذكر البستي في
صحيحه شيئا شفي به النفس وأزال به اللبس أن هذا الخبر رواه معمر عن
الزهري من حديث غندر فقال: أخبرني سهل ورواه عمرو بن الأرت عن
الزهري فقال: حدثني بعض من أرضى عنه سهل، ويشبهه أن يكون الزهري
سمع الخبر من سهل كما قاله غندر وسمعه عن بعض من يرضاه عن سهل
فرواه مرة عن سهل ومرة عن الذي رضيه عنه، وقد تتبعت طرق هذا الحديث
على أن أجد أحدا رواه عن سهل فلم أجد في الدنيا أحدا رواه إلا أبا حازم
يشبه أن يكون المبهم هو والله تعالى أعلم. وقال موسى بن هارون: قد روى
ابن حازم هذا الخبر عن سهل، وأظن ابن شهاب سمعه منه؛ لأنه لم يسمعه
من سهل، وقد سمع من سهل أحاديث، فإن كان سمعه من أبي حازم فإنه
عدل رضى وبنحوه ذكره البيهقي في المعرفة، وقال أبو عمر: إنما رواه ابن

(1/809)


شهاب عن أبي حازم عن سهل، وهو حديث صحيح ثابت بنقول العدول الثقات
له ذكره في الاستذكار، ويفهم من كلام ابن حبان أن محمد/بن جعفر تفرّد
بقول الزهري أخبرني سهل، وليس كذلك كما ذكر أبو جعفر في كتابه الناسخ
والمنسوخ، نا أحمد بن يونس ثنا محمد بن شاذان ثنا يعلى بن المبارك عن يونس
عن الزهري حدثنى سهل، وكذا ذكره يعني: ابن مخلد، فقال: ثنا أبو كريب، نا
ابن المبارك عن يونس به فيما ذكره أبو الحسن القطان وقال: إن صحّ ما ذكره كان
متصلا. وذكره الحافظ ضياء الدين في الأحاديث المختارة من حديث يونس عن
الزهري عنه، وذكر ابن الحصار في تقريب المدارك: أنّ أبا داود قال: النّاس
كلّهم رووه عن الزهري عن سهل إلا عمرو ابن الحارث فإنّه أدخل بينهما
رجلا، ويرون أنّ الرجل أبا حازم، وأمّا قول ابن حبان: لم أر أحدا في الدنيا
رواه عن سهل إلا أبا حازم. فيشبه أن يكون وهما لما أسلفناه من تصريح
الزهري بسماعه من سهل هذا الحديث، وفي لفظ الطحاوي مسنده إلى أبي
إنّما كان الماء من الماء في أول الإسلام، فلما أحكم الله الأمر نهي عنه، وقال
ابن أبي حازم: وعلى الجملة الحديث محفوظ عن سهل عن أبىِّ، وقال
البيهقي: أنبأ أبو علي بن شاذان، أنبا حمزة بن محمد بن العباس، ثنا الدوري
عن عثمان بن عمر، ثنا يونس الأيلي عن الزهري أنّ رجلا من الأنصار يتهم
أبا أيوب وأبا سعيد كانوا يفتون الماء من الماء، وأنّه ليس على من أتى امرأته
فلم ينزل غسل، فلما ذكر ذلك لعمر ولابن عمر وعائشة أنكروا ذلك وقالوا:
" إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل " فقال سهل بن سعد- وكان قد
أدرك النبي عليه السلام وهو ابن خمس عشرة سنة-: حدثنى أُبيِ بن كعب
فذكره، وقال الشّافعي: وإنّما بدأت بحديث أبي؛ لأنّ فيه دلالة على أنّه سمع
الماء من الماء من النبي/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يسمع خلافه فقال به: ثم لا أحسبه تركه إلا
أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال بعده ما نسخه، قال: وهذا أثبت إسناد ورواه أبو شيبة في
مصنفه عن سهل بن يوسف، نا شعبة عن سيف بن وهب عن أبي حرب بن
أبي الأسود الديلي عن عميرة بن شربي عن أبي بن كعب قال: " إذا التقى
متلقاهما من وراء الختان وجب الغسل " حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة نا الفضل
بن دكين عن هشام الدستوائي عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي

(1/810)


هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا جلس الرجل بين شعبها الأربع، ثم جهدها
فقد وجب الغسل " هذا حديث أخرجوه (1) إلا الترمذي ولما رواه البخاري عن
معاذ بن فضالة ثنا هشام ح، وثنا أبو نعيم عن هشام قال: تابعه عمرو بن
مروان عن شعبة مثله يعني: المخرج عند مسلم عن محمد بن عمرو بن جبلة،
عن ابن أبي عدي وعن ابن المثنى عن وهب بن جرير كلاهما عن عمرو عنه
قال البخاري: وقال موسى: ثنا أبان ثنا قتادة أنبأ الحسن مثله يعنى المخرج عند
البيهقي من حديث عثمان وهمام بن يحيى عنه، ولفظه: " ثم أجهد نفسه فقد
وجب الغسل أنزل أو لم ينزل " وهو أسلم من حديث مطر عن قتادة، ولفظ
أبي داود: " التزق الختان الختان ". ولفظ أبي عبد الرحمن: " بين شعبها ".
ورواه أيضا من حديث أشعث عن ابن سيرين، ثم ذكر أنّ شعبة وهشام وأبان
وأبا عوانة رووا يعنى كما تقدّم، ولذلك قاله يزيد بن صريح (2) عن ابن أبي
عرفة عن قتادة وخالفه عبد الأعلى عن سعيد فأسقط أبا رافع، ووقفه ورواه
الليث عن قتادة مرفوعا لم يذكر أبا رافع وتابعه/سعيد بن بشير عن قتادة
ورواه حماد بن سلمة عن قتادة وحبيب بن الشهيد وحميد الطويل عن الحسن
عن أبي هريرة موقوفا، ورواه مطر عن الحسن عن أبي رافع مرفوعا لم يختلف
عليه، واختلف عن يونس بن عبيد فرواه نصر بن علي عن عبد الأعلى عن
يونس مثل رواية مطر، وخالفه حميد بن الحسن ومحمد بن مثنى فقالا: عن
عبد الأعلى عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا؛ ولذلك رواه يزيد بن
زريع وأبو مروان الغساني يحيى بن زكريا وشعبة تفرد به النّضر بن محمد عن
شعبة عن يونس مرفوعا لم يذكر أبا رافع، ولما ذكره ابن شاهين من هذه
الطريق قال فيه: صحيح غريب، قال أبو الحسن: ورواه الثوري مرفوعا بإسقاط
الحسن، ورواه جرير بن حازم بإسقاط الحسن عن أبي هريرة مرفوعا، ورواه ابن
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/80) ومسلم في (الحيض، 87، 88) وأحمد
(2/234) والدارمي (1/194) والدارقطني (1/113) وابن خزيمة (227) وشرح السنة (1/4)
والمشكاة (430) ونصب الراية (1/82) والخطيب (2/74) وتلخيص (1/134) والحلية (6/
275) والإرواء (1 / 163) .
(2) قوله: " صريح " وردت " بالأصل " " تصريع " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.

(1/811)


جدعان وأبو هلال الراسبي وخالد بن رواح عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا،
وقال يحيى القطان والنضر بن شميل عن أشعث عن الحسن عن أبيِ هريرة
مرفوعا، وخالفهم عيسى بن يونس فرواه عن أشعث عن ابن سيرين مرفوعا،
ورواه عبد الأعلى عن هشام عن الحسن عن عائشة مرفوعا، ورواه عبد الأعلى
عن هشام عن الحسن عن عائشة مرفوعا، وخالفه مخلد بن حسين فرواه عن
هشام عن محمد بن أبي هريرة عن عائشة وكلاهما وهم، والصحيح عن
الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة، وفي لفظ عنده من طريق صحيحة
رجحها ابن القطّان على طريق مسلم؛ لأنّ طريقه فيها نظر وهذه سالمة مه:
" إذا غشي الرجل امرأته فكان بين شعبها الأربع، ثم اجتهد فقد وجب الغسل
أنزل أو لم ينزل " (1) . وفي كتاب الإسماعيلي وقاسم بن أصبع فيما ذكره عبد
الحق في الكبرى " والتزق الختان بالختان "، وفي لفظ لابن/أبي شيبة في
مصنفه: " إذا جلسها بين فروجها الأربع " حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو
معاوية عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا التقا الختانان، وتوارت الحشفة؛ وجب الغسل " (2) . هذا حديث لو
قال قائل: إسناده جيّد لكان مصيبا؛ لما أسلفناه من حال حجاج بن أرطأة، وأنّ
العجلي قال فيه: جائز الحديث وأنّ ابن خزيمة قال: لا أحتج به إلا مما قال أنبا
وسمعت، وقال عطاء: هو سيد شباب أهل العراق، وقال الحاكم: وثقة شعبة
وغيره من الأئمة، وقال ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم: صدوق، وقال: ابن
عدي: يكتب حديثه، لكن يعارض هذا القائل فإنّ جماعة قالوا عنه: كان
يدلس عن العزرمي عن عمرو بن شعيب، وهذا الحديث مخرجه من حديث
محمد بن عبد الله العزرمي عن عمرو، فلعل ابن أرطأة: اشتبه عنه، ولو صح
__________
(1) صحيح. رواه أحمد (2/28) والكنز (44859) والفتح (1/395) وعبد الرزاق
قلت: وهذه الروايات بألفاظ متقاربة المعنى. قلت: وطريق سند المصنف صحيحة من الضعف.
(2) صحيح، وإسناده ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/ 611) وأحمد (2/178) وابن أبي شيبة (1/89) .
قلت: وعلْته الحجاج بن أرطأة فهو مدلس. ولكن له شاهد صحيح رواه مسلم وغيره من
وجوه أخر.

(1/812)


ذلك ما ذكره ابن وهب في مسنده أنبأ الحارث بن شهاب عن محمد بن عبيد الله
عن عمرو بلفظ: سئل أنس ما يوجب الغسل فقال: " إذا التقى الختانان، وغابت
الحشفة؛ وجب الغسل أنزل أو لم ينزل " (1) فصار هذا حديث في غاية الضّعف؛ لما
ذكرناه من حال العزرمي؛ ولهذا قال عبد الحق: وذكره من المدونة هذا إسناد
ضعيف جدا، والصحيح حديث مسلم (2) ، وذكره الطبراني في الأوسط من
حديثه عن عبيد الله بن محمد الصفار التستري، ثنا يحيى بن غيلان، ثنا عبد
الله بن مربع عن أبي حنيفة عن عمرو به، وقال: لم يرفعه عن عمرو بن
شعيب إلا أبو حنيفة، ولا عن أبي حنيفة إلا عبد الله بن مربع، تفرّد به يحيى
بن غيلان انتهى كلامه. وفيه/نظر؛ لما أسلفناه من غير أبي حنيفة رفعه والله
تعالى أعلم، وفي الباب حديث رافع بن خديج: " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر به
فناداه؛ فخرج إليه فمشى السعة حتى المسجد، ثم انصرف فاغتسل ثم رجع
فرآه النبي عليه السلام، وعليه أثر الغسل فسأله النبي عليه السلام عن غسله؟
فقال: سمعت بذاك وأنا أجامع امرأتي فقمت قبل أن أخرج فاغتسلت فقال له
النبي عليه السلام: " إنّما الماء من الماء، ثم قال النبي عليه السلام: " ليس
ذاك إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل " (3) . رواه الطبراني في الكبير
من حديث رشدين بن سعد عن موسى بن أيوب عن سهل بن رافع بن حديج
عن أبيه به معاذ قال عليه السلام: " إذا جاوز الختان الختان فقد وجب
الغسل ". ذكره الشيرازي من حديث غندر عن عبد القدوس بن الحجاج أنبأ
ابن أبي مريم ثنا حبيب بن عبيد عنه، وحديث بلال بن رباح أنه قال للنبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا رسول الله إذا خالطت أهلي فاختلفنا ولم أمن أغتسل؟ قال: نعم "
ذكره أبو القاسم في الأوسط (4) وقال: لم يروه عن بلال إلا شرحبيل بن
السمط، ولا عن شرحبيل إلا ابن محيرز، ولا عن ابن محيرز إلا علي بن أبي
__________
(1) إسناده ضعيف. نصب الراية (1/84) .
(2) قوله: " مسلم " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(3) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/ 264. 165) وعزاه إلى أحمد في
" مسنده " والطبراني في " الكبير " وفيه رشدين بن سعد وهو ضعيف.
(4) ضعيف. المصدر السابق (1/267) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " وفيه محمد=

(1/813)


جبلة تفرّد به حمزة بن ربيعة، وروى ذلك عن جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة
قال: " إذا غابت المدورة فقد وجب الغسل " رواه في المصنف (1) عن ابن علية عن
حبيب بن شهاب عن أبيه عنه، ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله
قال: " أمّا أنا فإذا بلغت ذلك منها اغتسلت " ثنا وكيع عن مسعر عن عبيد بن
خالد عن علي وعن غالب بن الهديل عن إبراهيم عن علي قال: " إن جاوز
الختان الختان فقد وجب الغسل "، ثنا حفص عن حجاج/عن أبي جعفر قال:
اجتمع المهاجرون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أنّ ما أوجب الحدّ أو الجلد أو
الرجم أوجب الغسل، ثنا غندر عن شعبة عن أبي عبد الله الشامي قال:
سمعت النعمان بن بشير يقول في الرجل إذا كسل فلم ينزل قال: يغتسل، ثنا
ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: أمّا أنا فإذا
خالطت أهلي اغتسلت، قال النووي: وعليه الجماعة، قال ابن المنذر: وبه
قال شريح وعبيدة ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور
وأصحاب الرأي ومن تبعهم، ولا أعلم اليوم فيه من أهل العلم اختلافا وبه
نقول: قال أبو عمر: وقد قيل: معنى الماء من الماء في الاحتلام لا في اليقظة؛
لأنّه لا يجب الغسل في الاحتلام إلا مع إنزال الماء وهذا مجتمع عليه، روى
شريك عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف عن عكرمة عن ابن عباس قال:
" الماء من الماء في الاحتلام لا في اليقظة "؛ لأنّه لا يجب الغسل في الاحتلام
إلا مع إنزال الماء، وهذا ما اجتمع عليه. روى شريك عن أبي الجحاف داود
بن أبي عوف عن عكرمة عن ابن عباس قال: " الماء من الماء في الاحتلام " (2) .
قال أبو عمرو: اختلف أصحاب داود في هذا فمنهم من قال بما عليه الجمهور،
__________
= بن إسماعيل بن علي الوساوسي وهو ضعيف.
(1) قوله: " المصنف " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 81. باب ما جاء أن الماء من الماء، (ح/112) .
وقال: سمعت ابن الجارود يقول: سمعت وكيعا يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك.
وقال: وفي الباب عن عثمان بن عفْان وعلي بن أبي طالب، والزبير، وطلحة وأبي أيوب وأبي
سعيد: عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " الماء من الماء ".

(1/814)


ومنهم من قال: لا غسل إلا بإنزال الماء الدافق، وجعل في الإرسال الوضوء انتهى
كلامه. وفيه نظر لما ذكره عياض، ولا نعلم من قال به بعد خلاف الصحابة إلا
الأعمش وداود بن على الأصبهاني فهذا يبين لك أنّ الخلاف ليس من أصحاب
داود، وقال أبو محمد: الأشياء الموجبة غسل الجسد كله إيلاج الحشفة، أو إيلاج
مقدارها من الذكر الذاهب الحشفة أو الذاهب أكثر من الحشفة في فرج المرأة الذي
هو مخرج/المولد منها بحرام أو بحلال إذا كان تعمّد أنزل أو لم ينزل، وممن روى
عنه الغسل من الإيلاج في الفرج إن لم يكن إنزال فذكر الذين ذكرهم ابن المنذر
وزاد الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وحمزة بن عمرو
الأنصاري، وأنكر البغوي في شرح السنة ذهاب سعد بن أبي وقاص إلى الغسل
وقال: وكذلك أبو أيوب وأبو سعيد الخدري ورافع بن خديع، وفي صحيح الجعفي
قال أبو عبد الله: الغسل أحوط، وذلك الأخر إنّما بيّنا اختلافهم. قال ابن التين:
رويناه بفتح الخاء وضبط في بعض الكتب بكسرها كأنه يقول: هذا الأخر من
فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو ناسخ لما قبله، وقال القاضي أبو بكر في قول البخاري:
والغسل أحوط: كأنّ البخاري يرى أنّ الغسل مستحب، وقال أبو الوليد بن
رشد في كتاب القواعد: لما وقع الإجماع أنّ مجاوزة الختانين يوجب الحدّ.
وقيل: هو أن يكون الموجب للطهر، وحكوا أنّ هذا القياس مأخوذ من الخلفاء
الأربعة، وقال ابن القصار: رجع التابعون، ومن بعدهم على الأخذ بحديث:
" إذا التقى الختان ". وإذا صحّ الإجماع بعد الخلاف كان مسقطا للخلاف
قبله، ويصير ذلك إجماعا، وإجماع الإعصار حجة عندنا كإجماع الصحابة،
قال النووي: ومنهم من حمل قوله: " الماء من الماء ". على ما إذا باشرها دون
الفرج، واختلف في الشعب الأربع، فقيل: هما اليدان والرجلان، وقيل:
الرجلان والفخدان، وقيل: الرجلان والشفّران، واختار عياض نواحي الفرج.
قوله. ثم جهدها، قال ابن العربي: هو من الجهد بفتح الجيم، قال الخطابي:
يعنى حضنها، وقال غيره: بلغ مشقها، وفي الإكمال: الأولى بلغ جهده في
عمله فيها، وهو إشارة إلى الحركة،/وقال ابن الأعرابي: الجهد من أسماء
النكاح. ولذا ذكره ابن القطان في كتاب أسماء النكاح؛ من تأليفه، قال
القرطبي: وعلى هذا يكون جهدها أي: نكحها، وقوله: فلم يمن يقال بضم

(1/815)


الياء وإسكان الميم وهي اللغة الفصيحة ويقال: فتح الياء وبضم الياء مع فتح الميم
وتشديد النون حكاه عياض، يقال: أمنى منى إذا أنزل المنى قال تعالى: (أفرأيتم ما
تمنون) ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1/816)


75- باب من احتلم ولم ير بللا
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حماد بن خالد عن العمرى عن عبيد الله
عن القاسم عن عياش عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا استيقظ أحدكم من نومه فرأى
بللا ولم ير أنّه احتلم اغتسل، وإذا رأى أنه احتلم ولم ير بللا، فلا غسل
عليه " (1) . هذا حديث خرجه أبو عيسى (2) عن أحمد بن منيع ثنا حمّاد بن
خالد بلفظ: سئل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يجد بللا ولا يذكر احتلاما، قال:
يغتسل ". وعن الرجل يرى أنه قد احتلم فلم يجد بللا قال: " لا غسل عليه "،
قالت أم سلمة: يا رسول الله، هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال: " نعم إن
النساء شقائق الرجال " (3) . وقال: إنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر
وعبد الله ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في الحديث، ولماّ ذكره
الطوسي في أحكامه ضعفه بعبد الله العمرى، وكذلك ولما رواه أبو القاسم في
الأوسط عن حديث مقدام بن داود عن أبي الأسود عن عروة والقاسم بن
محمد عنها قال: لم يروه عن القاسم إلا عبيد الله بن عمرو/أبو الأسود فتفرد
عن عبيد الله آخره عبد الله وعن أبي الأسود وابن لهيعة انتهى وهو كلام
مخلص الترمذي؛ لأنّ بعضهم اعترض عليه برواية الأسود ولا يصلح ذلك؛
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1. كتاب الطهارة، 112. باب من احتلم ولم ير بللا، (ح/
112) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) إسناده ضعيف. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 82- باب ما جاء فيمن يستيقظ فيرى
بللا، ولا يذكر احتلاما، (ح/113) .
قال أبو عسى: وإنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر: حديث عائشة
في الرّجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما. وعبد الله بن عمر ضعّفه يحيى بن سعيد من قبل
حفظه في الحديث.
وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعين: إذا استيقظ الرجل فرأى بله أن يغتسل. وهو قول سفيان الثوري وأحمد. وقال بعض أهل العلم من التابعين: إنّما يجب عليه الغسل إذا كانت البلة بلة نُطفة. وهو قول الشافعي وإسحاق، وإذا رأى احتلاما ولم ير بلة فلا غُسل عليه عند عامة أهل العلم.
(3) حسن. رواه أبو داود (ح/ 236) وأحمد في " مسنده " (6/256) .

(1/817)


لأنّ قوله تفرد به عبيد الله عن أخيه صحيح، ولو كان قال: تفرد به عبد الله
مطلقا لجاء عليه الاعتراض هذا والله تعالى أعلم، قال أبو عمر في الاستذكار:
وقد روى هذا المعنى يعني: وجد أنّ الماء في النوم ملخصا من أخبار الآحاد
العدول مرفوعا، ورواه عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة بلفظ: " إنما
النساء شقائق الرجال "، ولما ذكره الإشبيلي ردّه بالعجري المتقدّم الذكر، ثم
قال: وهذا اللفظ: إنّما النساء شقائق الرجال، وروى من حديث أنس بن مالك
إسناد صحيح، وقد روى ذلك أبو الحسن من فعله، وقال: والحديث المشار إليه
ذكره البزار فقال: ثنا عمر بن الخطاب ثنا محمد بن كثير ثنا الأوزاعي عن
إسحاق بن عبد الله عن أنس: جاءت أم سليم إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت:
" يا رسول الله، المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام؟! فقالت أم سلمة فضحت
النساء يا أم سليم فقال: إذا رأت ذلك فلتغتسل فقالت أم سلمة: وهل للنساء
من ماء؟ قال: نعم إنّما من شقائق الرجال " (1) ، قال: وهذا حديث قد رواه
جماعة عن أنس، ولا يعلم أحد جاء بلفظ إسحاق عن أنس انتهى كلامه وفيه
نظر؛ من حيث تقديره كلام أبي محمد على صحة هذا الحديث ولا صحة
به؛ لأن راويه محمد بن كثير بن أبي عطاء الصغاني الثقفي مولاهم المصيصي
قال أبو جعفر العقيلي: هو من صنعاء دمشق، وقال أبو محمد بن الأكفاني:
هو من مصيصة دمشق وأنكر ذلك بعض العلماء وإن/كان الحسن بن الربيع
قال: هو اليوم أوثق الناس، وكان يكتب عليه ابن معين فقال: كان
صدوق (2) ، وفي رواية: ثقة وقال ابن سعد لشابا بالشّام ونزل المصيصة وكان
ثقة، وذكره ابن حبّان من الثقات وقال: يخطىء ويغرب. وقال صالح بن
محمد: حزرة هو صدوق كثير الخطأ فقد قال فيه البخاري: لين جدا وضعّفه
أحمد وقال: بعث إلى اليمن وأتى بكتابه فرواه، وقال عبد الله بن أحمد:
ذكره أبي فضعّفه جدا، وضعّف حديثه عن معمر جدا وقال: هو منكر
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/310) والنسائي (1/112، باب غسل المرأة ترى في
منامها ما يرى الرجل) والدارمي (ح/764) وأبو عوانة (1/290) .
(2) قوله: " صدوق " وردت " بالأصل " " صدرة " وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.

(1/818)


الحديث، أو قال: يروى أشياء منكرة، وقال عبد الرحمن: سئل أبي عنه، فقال.
دفع إليه كتاب الأوزاعي من حديث كان مكتوبا ثنا محمد بن كثير فقرأه إلى
آخره يقول: ثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي وهو محمد بن كثير المصيصي،
وأنّه حدّثه عن الأوزاعي عن قتادة عن أنس قال: نظر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر
وعمر ... الحديث فقال: كنت اشتهي أن أرى هذا الشيخ، والآن لا أحب أن
أراه؛ ولذلك قاله علي بن المديني في علله الكبرى، وقال ابن سعد: ويذكرون
انه اختلط في آخر عمره، وقال ابن عدي: له روايات عن معمر والأوزاعي
خاصة لا يتابعه عليها أحد، وقال العقيلي: وقد حدث معمر بمناكير لا يتابع
منها على شيء، وذكره أبو العرب في كتاب الضعفاء له، وقال ابن سعد:
توفي في أواخر سنة ست عشرة ومائتين في خلافة عبد الله بن هارون؛ ولذا
قاله الحافظ أبو يعقوب القراب بعد تضعيفه وزاد السبع عشرة مضت من ذى
الحجة زاد البخاري يوم السبت، وبنحوه ذكره ابن قانع في تاريخه ويعقوب بن
سفيان، وخالف أبو داود فقال: حكاه الآجري مات سنة ثمان عشرة أو سبع
عشرة، قال: ولم/يكن يفهم الحديث فتبيّن بهذا صحة ما قلناه والله تعالى
أعلم، قال أبو سليمان الخطابي: ظاهر الحديث يوجب الاغتسال إذا رأى
البلّة (1) ، وإن لم يتيقّن أنّه الماء الدافق، وروى هذا القول عن جماعة من
التابعين منهم: عطاء والشعبي والنخعي وقال أحمد بن حنبل: أعجب أبي أن
يغتسل الرجل به، وقال أكثر أهل الأدب: لا يجب عليه الاغتسال؛ حتى يعلم
انه بلل الماء الدافق، واحتجوا أن يغتسل من طريق الاحتياط، ولم يختلفوا أنّه
إذا لم ير الماء وإن كان قد رأى في النوم أنّه أحتلم فإنه لا يجب عليه
الاغتسال، وقوله: النساء شقائق الرجال. عليه الاغتسال وقوله: " النساء شقائق
الرجل " أي: الظاهر هم وأمثالهم في الخلق والطباع فكأنهن تنقض من الرجال
ولا قد خلقت من آدم عليه السلام، وفيه من الفقه إثبات القياس، وإلحاق
حكم النظر بالنظير وأنّ الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطابا للنساء، وفيه
ما دل على فساد قول أهل الظاهر: أنّ من اعتق شركا له في جارية بينه وبين
__________
(1) قوله: " البلْة " بكسر الباء وتشديد اللام: الندوة وضبطها البعض بفتح الباء، وهو لحن.

(1/819)


شريكه وكان موسرا؛ فإنه لا يقوم عليه نصيف شريكه ولا يعتق الجارية؛ لأنّ
الحديث إنّما ورد في العبد دون الأمة، والله تعالى أعلم.

(1/820)


76- باب ما جاء في الاستتار عند الغسل
حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري وأبو جعفر عمرو بن علي الفلاس
ومجاهد بن موسى قالوا: أنبأ عبد الرحمن بن مهدى ثنا يحيى بن الوليد
أخبرني محل بن خليفة حدثني أبو الشيخ قال: كنت أخدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان
إذا أراد أن يغتسل قال: ولّنى فأولّيه قفاي أنشر الثّوب فأستره به " (1) /. هذا
حديث سبق الكلام على صحة سنده في باب بول الصبي الذي لم يطعم،
وسبق أنّ البزار قال في ذاك: لا نعلم أبا الشيخ روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير هذا
الحديث، وذكر ابن ماجة بعده حديث أم هانىء في سبحة الضحى، وسيأتي
ذكره في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. حدثنا محمد بن عبيد بن ثعلبة
الجماني ثنا عبد الحميد أبو يحيى الجحاني، ثنا الحسن بن عمارة عن امتثال بن
عمرو وعن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا
يغتسلن أحدكم بأرض فلاة ولا فوق سطح لا يواريه؛ فإن لم يكن يرى فإنه
يُرى " (2) . هذا حديث جمع ضعفاء وانقطاعا عبد الحميد أبو يحيى الحماني
وإن وثّقه ابن معين وخرج عند البخاري في صحيحه، وقال ابن عدي: يكتب
حديثه فقد ضعفه الإمام أحمد بن حنبل، وقال ابن سعد: كان ضعيفا وشيخه
الحسن بن عمارة بن المضرب البجلي مولاهم أبو محمد الكوفي روى عن
جماعة من التابعين وروى عنه جماعة كثيرة، وإن كان عيسى بن يونس قال
فيه: شيخ صالح، وقال الفلاس: رجل صالح صدوق، وأثنى عليه يزيد بن
هارون بما سنذكره بعد فقد قال البخاري: قال لي أحمد بن سعيد: سمعت
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/613) .
قوله: " ولنى " أي: ظهرك، وتولية القفا لئلا يقع نظره عليه.
(2) ضعيف جدا. رواه ابن ماجة (ح/615) . في الزوائد: إسناده ضعيف؛ لاتفاقهم على ضعف
الحسن بن عمارة. وقيل: أجمعوا على ترك حديثه. وأبو عبيدة قيل: لم يسمع من أبيه عبد الله
ابن مسعود وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف الجامع (ص 917، ح/6356) ، والضعيفة (ح/ 4818) ، وضعيف ابن ماجة (ج/135) .
قوله: " أرض فلاة " أي: مفازة.

(1/821)


النضر بن شميل عن شعبة قال: أفادى الحسن بن عمارة عن الحكم، قال
أحمد: أحسبه قال سبعين حديثا فلم يكن لها أصل، وقال لي عبد الله بن
محمد: قيل لابن عيينة: أكان ابن عمارة يحفظ؟ فقال: كان له فضل وغيره
أحفظ منه، وسئل عنه عبد الله بن المبارك فقيل: لم تركت حديثه؟ فقال:
خرّجه عندي سفيان، وسفيان الثوري وشعبة فيقول لهم: تركت حديثه، وفي
تاريخ / ابن المبارك: كان لا يحفظ، وفي لفظ: ما كنا نثق بحفظ الشيخ، وقال
أبو داود الطيالسي: قال لي شعبة في بيت جرير بن حازم فقل له: لك أن
تروى عن الحسن فإنه يكذب. قلت لشعبة: كيف ذاك؟ قال: ثنا عن الحسن
بأشياء لم يكن لها أصل، ويحدّث بأحاديث وضعها، وقال النضر بن شميل:
قال الحسن: الناس كلّهم في حل إلا شعبة، وقال أبو طالب: قال أحمد بن
حنبل: هو متروك الحديث؛ أحاديثه موضوعة لا يكتب حديثه، وقال ابن أبي
خيثمة عنه: ليس حديثه شيء، وفي رواية: يكذب، وقال مكي بن عبدان:
سمعت مسلما يقول: هو متروك الحديث، ومثله قاله عبد القوى في تاريخه
وعلى بن الجنيد والرازي، وقال عبد المؤمن بن خلف: سألت أبا علي صالح بن
محمد عنه فقال: لا يكتب حديثه، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال أبو
حاتم: سمعت الحميدي يقول: رمس (1) على بن عمارة، وقال عبيد الله بن
علي بن المديني: سمعت أبي وذكره فقال. ما احتاج إلى شعبة فيه أمر ما بين
من ذلك فقيل له: كان يغلط فقال: نعم، وذهب إلى أنه كان يضع الحديث،
وقال الدارقطني: متروك الحديث، وقال أبو أحمد: ما أقرب قصة إلي ما قال
عمرو بن على أنّه كثير الوهم والغلط، وقد قيل: إنّ الحسن كان صاحب مال،
وتحول الحكم بن عيينة إلى منزله فخضه بما لم يخص به غيره وهو إلى
الضعف أقرب منه إلى الصدق، وقال ابن حبان: كان يدلس عن الثقات بما
يسمع من الضعفاء، ثم يسقط بسماع الضعفاء ويروى عن الثقات، وقال
الساجي: ضعيف الحديث متروك وقد ترك حديثه، سمعت ابن المثنى يقول: ما
سمعت يحيى ولا عبد الرحمن/يحدثان عنه بشيء، ولما ولى المظالم قال
__________
(1) قوله: " رمس ": دفنه وسوى عليه الأرض.

(1/822)


الأعمش: ظالم ولى المظالم، فبعث إليه بأثواب ونفقة فلمّا أصبح قال: هكذا
ولى مظالمنا من يعرف حقوقنا، وقال ابن سعيد: كان ضعيفا في الحديث،
ومنهم ممن لا يكتب حديثه، وقال الحري: غيره أوثق منه وذكر الحاكم في
تاريخ نيسابوري قال يزيد بن هارون: الويل لشعبة والله إنّى لأخشى أن يكون
قد لقى ولا في الأخرة بما صنع بابن عمارة، وأنّ أهل بيت الحسن يدعون الله
تعالى عليه حتى الساعة، وكان والله خيرا من شعبة لو أنى وجدت أعوانا
لأسقطت شعبة، قال الحاكم: هذا كلام المشايخ الذين لا يعرفون الجرح
والتعديل فوالله شعبة كان على الحق في جرحه ابن عمارة، والحق معه وشعبة
إمام لا يسقط بكلام أحد من الناس، وهذا الكلام لا أعرف له راويا عن يزيد
غير إبراهيم بن عبد الله الرباطي ويقال: الحمال، وقال الطحاوي: قال جرير بن
عبد الحميد: ما ظننت أنى أعيش إلى زمان يحدّث فيه عن محمد بن إسحاق
ويسكت فيه عن ابن عمارة، وقال البزار: سكت أهل العلم عن حديثه، وقال
الجوزجاني: ساقط، وقال الفلاس: كثير الخطأ والوهم متروك، وذكر أبو جعفر
العقيلي في كتاب الضعفاء وقال أبو بشر الدولابي: ثنا عبد الله بن أحمد عن
أبيه قال: كان وكيع إذا وقفه على حديث ابن عمارة قال آخر عليه، قال أبو
بشر: وكان ابن عيينة يضعفه، ولما ذكره أبو العرب في كتاب الضعفاء قال:
قال لي مالك بن عيسى: إنّ أبا الحسن الكوفي ضعف ابن عمارة وترك أن
يحدّث عنه، وأمّا الانقطاع فهو فيما بين أبي عبيدة وابنه نصّ على ذلك شعبة
وعمر بن مرّة وأبو حاتم الرازي وأحمد بن حنبل في رواية الحضرمي/عن ابنه
عنه وقد تقدّم ذلك قبل، وفي الباب حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم قال
عليه الصلاة والسلام: " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة
المرأة " (1) . وحديث ميمونة قالت: " وضعت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماء وسترته
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/74) وأبو داود في (الحمام، باب " 3 " والترمذي (ح/
2793) . وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. والبيهقي (7/38) وابن أبي شيبة (6/101)
والحاكم (1/158) ، وشرح السنة (9/02) ، والمشكاة (3100) ، والفتح (9/338) ، وابن خزيمة
(72) ، وابن عدى في " الكامل " (2/745) ، والكنز (13052) .

(1/823)


واغتسل " (1) . رواه أيضا أبان. وحديث يعلى بن أمية: أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى
رجلا يغتسل بالبراز، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " ان الله جل
وعز حيي ستير يحب الحياء والتستر؛ فإذا اغتسل أحدكم فليستتر ". رواه أبو
داود (2) من جهة عبد الملك العزري عن عطاء عن يعلى، وخرجه الإمام
أحمد (3) بلفظ: " فإذا أراد أحدكم أن يغتسل فليتوارى بشيء ". ولما سئل ابن
أبي حاتم فقال: المتصل محفوظ. قال: ليس بذاك، وفي كتاب الخلال عن
أحمد: هذا حديث منكر، وقال الدارقطني: أنا أنكره؛ لأنهم رووه عن عطاء
مرسلا، ووصله أسود. وحديث أبي هريرة قال عليه السلام: " إذا اغتسل
أحدكم بعضا من الأرض، فمن استطاع أن لا يغتسل بعضا من الأرض فإن
كان لابد فاعلا فليخط خطا " (4) . قال أبو القاسم في الأوسط: ورواه من
حديث الزهري عن أبي سلمة عنه، ولا يروى هذا الحديث عن الزهري إلا
هذا الإسناد، تفرد به عبد المجيد بن أبي رواد يعني: عن مروان بن سالم عن
محمد بن عقيل عن الزهري. وحديث عائشة قالت: " نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عن دخول الحمامات، ثم رخّص للرجال أن لا يدخلوها إلا في الإزار ". رواه
أبو داود (5) بسند جيد وإن خالف عبد الحق. وحديث عبد الله بن عمرو أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنها ستفتح لكم أرض العجم وتستخدمون فيها بيوتا
يقال لها: الحمامات فلا يدخلها/الرجال إلا بالأزر " (6) ، وذكره أيضا من
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/245) ، والترمذي (ح/103) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وابن ماجة (ح/589) ، والدارقطني (1/114) ، والبيهقي (1/177، 184) .
وصححه الشيخ الألباني.
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/4012) ، والمشكاة (744) ، والجوامع (4809) ، وكحال (2/
52) ، وصفة (91) .
(3) رواه أحمد: (4/224) .
(4) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "، (1/269) وعزاه إلى الطبراني في
" الأوسط" وفيه مروان بن سالم وهو منكر الحديث.
(5) سنده حسن. رواه أبو داود (ح/ 4009) ، والبيهقي (7/308) .
(6) حسن. رواه أبو داود (ح/ 4011) ، والزفاف (60) ، والبيهقي (7/309) ، والموضح (1/
363) ، وحسنه الشيخ الألباني.

(1/824)


حديث الإفريقي عن عبد الرحمن بن نافع عنه. وحديث طاوس عن ابن عباس
قال عليه السلام: " احذروا بيتا يقال له: الحمام. قالوا يا رسول الله، يبقى
الوسخ! قال: فاستتروا ". رواه البزار، وقال عبد الحق: هو أصح حديث في هذا
الباب على أن الناس يرسلونه عن طاوس، وأمّا ما خرجه أبو داود في هذا فلا
يصح منه شيء؛ لضعف إسناده. وحديث ميمونة قالت: " وضعت للنبي- عليه
السلام- ماء فسترته فاغتسل " (1) ذكره السراج في مسنده بإسناد صحيح عن
إسحاق بن إبراهيم أنبأ موسى الفارسي ثنا زائدة عن الأعمش عن سالم بن أبي
الجعد عن كريب عن ابن عباس عنها. وحديث ابن عباس قال: " كان عليه
السلام يغتسل من وراء الحجرات فما رأى عورته أحد قط " (2) وفي لفظ: " إن
الله نهاكم عن التعري فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين
الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين: الغائط والجنابة والغسل، فإذا
اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بجذمة حائط " (3) . رواه أيضا من
حديث حفص بن سليمان عن عكرمة بن يزيد عن مجاهد. وحديث أنس بن
مالك قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذا أراد أحدكم أن يدخل الماء لا يلق ثوبه حتى
توارى عورته في الماء ". رواه أحمد (4) من حديث ابن جدعان عنه وهو
معارض بقوله عليه السلام: " لا تدخلوا الماء إلا بمئزر فإن للماء عامرا " (5)
__________
(1) مرسل. رواه البيهقي (7/309) والعلل (2209) والترغيب (1/144) والمجمع (1/277)
وعزاه إلى البزار والطبراني في " الكبير " إلا أنه نال: " قالوا يا رسول الله إنه يذهب بالدرن وينفع المريض " ورجاله عند البزار رجال الصحيح إلا أن البزار قال: رواه الناس عن طاوس مرسلا.
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/269) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " وفيه مسلم الملائي وقد اختلط في آخر عمره.
(3) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/862) ، وعزاه إلى البزار وقال: لا يروى
عن ابن عباس إلا من هذا الوجه وجعفر بن سليمان لين، قلت: جعفر بن سليمان من رجال
الصحيح وكذلك بقية رجاله والله أعلم. فائدة: جعفر بن سليمان ليس هو الضبعي الذي
أخرج له مسلم وإنما هو حفص بن سليمان، وهو ضعيف بمرة فكأنه تصحف على الشيخ.
غريبة: قوله: " الخدم " الأصل، أراد بقية حائط أو قطعة حائط.
(4) رواه أحمد: (3/262) .
(5) ضعيف. رواه ابن عدي في " كامله "، وإتحاف السادة المتقين. (2/401) .

(1/825)


ذكره أبو أحمد في كامله وضعفه، وروى عن ابن وهب عن ابن مهدى
عن خالد بن حميد عن بعض أهل الشّام أنّ ابن عباس لم يكن يغتسل في
بحر ولا بنهر (1) إلا وعليه إزار، فإذا سئل عن ذلك قال:/إن له عامرا.
وحديث الزهري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا تغتسلوا في الصحراء إلا أن لا تجدوا
متواري، فإن لم تجدوا فليخط أحدكم كالدائرة ثم يسمى الله ويغتسل فيها "
رواه أبو داود (2) في كتاب المراسيل، وبسنده أيضا قال عليه السلام: " لا
يغتسلن أحدكم إلا وتريه إنسان لا ينظر البصر ". وهو قريب منه يعلمه.
وحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده يرفعه: " إذا اغتسل أحدكم
فليستتر ولو بجوار ذكره " (3) . رواه السلمي في كتاب الطبقات من حديث
الدوري عن محمد بن يوسف الأشيب نا عاصم ثنا عبد السلام عنه.
وحديث برد عن مكحول عن عطية عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه قال: " من اغتسل
بليل في فضاء فليتحارز على عورته، ومن لم يفعل فأصابه لمم فلا يلومن إلا
نفسه ". ذكره ابن بطال. وحديث أبي هريرة مرفوعا: " وكان موسى- عليه
السلام- يغتسل وحده ... " الحديث وفي موضع آخر: " كان موسى- عليه
السلام- حييا ستيرا لا يكاد أن يرى من جلده شيء " (4) . ولقائل أن يقول:
اغتسل موسى عليه السلام عريانا كان في خلوة بعيدة على بني إسرائيل
حتى رأوه عريانا فبرأه الله مما قالوا ويزيد ومرّ ما روى البخاري (5) : " أن
أيوب عليه السلام كان يغتسل عريانا " وهما من الذين أمر الله تعالى أن
يقتدى هم فيجوز لنا أن نغتسل عراة في خلوة لما ثبت في هذين الحديثين،
وما أسلفناه من الأحاديث في أنه لا يغتسل عريانا في خلوة تحمل على
__________
(1) قوله: " بنهر " وردت " بالأصل " " بنقص " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.
(2) مرسل. رواه البيهقي (1 / 199) وإتحاف (2/402) .
(3) روى طرفا منه. أبو داود في (الحمامات ح/4012) والنسائي (1/200) والبيهقي (1/
198) وجرجان (374) والكنز (27362) .
(4) المنثور (5/223) والشفا (1/294) والطبري (22/37) وابن كثير (6/474) والمجمع (7/
93) وعزاه إلى البزار وفيه علي بن زيد وهو ثقة سيء الحفظ، وبقية رجاله ثقات.
(5) صحيح. رواه البخاري في (الغسل، باب " 20 " والتوحيد، باب " 25 "،، والأنبياء، باب
" 2 ") والنسائي في (الغسل، باب " 7 ") وأحمد (2/314) .

(1/826)


الاستحباب أو ترد رسالها وضعف سندها، وبهذا قال: مالك والشافعي
وجمهور العلماء إلا ابن أبي ليلى محتجا بما قدّمناه كذا ذكره ابن بطال
وفيه/نظر لما ذكره، وأبو البركات عبد السلام بن تيمية وقد نص أحمد
على كراهة دخول الماء بغير إزار قال إسحاق: والإزار أفضل لقول الحسن
والحسين- رضي الله تعالى عنهما- وقد قيل لهما في دخولهما الماء
وعليهما بردان، قال: إن للماء سكانا، قال إسحاق: وإن تجرّد رجونا أن لا
يكون إنه. وحديث جابر عن النبي- عليه السلام-: " لا تدخلوا الحمام إلا
بمئزر " (1) قال الآجري: سمعت أبا داود يقول: الحسن بن بسر روى عن
زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر حديثين منكرين " زكاة الجنين " (2) ،
" ولا تدخلوا الحمام إلا بمئزر " فقلت له: هما عند حماد بن شعيب عن أبي
الزبير، فقال: حماد ضعيف. وحديث حبان بن حوزة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" نهينا أن نرى عوراتنا ". ذكره أبو موسى في كتاب الصحابة من حديث
معاذ بن حسان عن إبراهيم بن محمد الأسلمي عن من حدّث سعد عنه ثم
قال: أمّا هو حبان بن حمزة صحف به ابن عبدان وغيره.
__________
(1) ضعيف. وتقدم انظر ص 824.
(2) ضعيف. رواه الخطيب (8/412) ، وإتحاف (6/70) ، والطبراني في " الصغير " (1/11) والخفاء (2/ 502) والعلل (1641) وابن عدي في " الكامل " (1/406، 2/443، 660، 733، 3/931، 1293، 4/1545، 6/2403) والحاكم (4/411) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف الجامع (ص 447، ح/3046) .

(1/827)


77- باب ما جاء في النهي للحاقن أن يصلي
حدثنا محمد بن الصباح أنبأ سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عبد الله بن الأرقم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أراد أحدكم الغائط وأقيمت
الصلاة فيبدأ به " (1) . هذا حديث خرجه أبو حاتم في صحيحه من حديث
مالك عن هشام بلفظ إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة وقال أبو
عبد الله وخرجه من حديث زهير عن هشام هذا حديث صحيح عن شرط
الشيخين ولم يخرجاه وله شهود بأسانيد صحيحة فذكر حديث ثور عن يزيد
بن شريح/عن أبي هريرة. وحديث عائشة المذكور في الصحيح، ولا معنى
لذكره عنده بإسناده إلا أن وهم فيه ولو أراد التنبيه عليه لذكره مقطوعا
كعادته، وقال في موضع آخر: هذا حديث صحيح من جملة ما قدّمت ذكره
من تفرد التابعي عن الصحابة، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح،
وقال في العلل: سألت محمدا عنه فقال: رواه وهب عن هشام عن أبيه عن
رجل عن ابن الأرقم فكان هذا أشبه عندي، قال أبو عيسى: رواه مالك وغير
واحد من الثقات عن هشام عن أبيه عن ابن الأرقم لم يذكروا فيه عن رجل،
وفي سنن أبي داود روى وهب بن خالد وشعيب بن إسحاق وأبو حمزة هذا
الحديث عن هشام عن عروة عن رجل حدّثه عن ابن الأرقم، وأكثر الذين
رووه عن هشام قالوا كما قال زهير يعني: لسقوط الرجل، وقال أبو نعيم
الحافظ: رواه السخستياني والثوري وشعبة والحمادان ومعمر وابن عيينة وابن
إسحاق وهمام وزهير وزائدة ومرجا بن رجاء وأبو معاوية وحفص وابن نمير
وأبو شهر ووكيع وأبو أسامة ومحمد بن بشر وعبدة وأبو ضمرة في آخرين
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/616) وتجريد (654) والموطأ (159) وابن خزيمة (1652)
ومشكل (2/403) والأخيرين بلفظ: " إذا أراد أحدكم الخلاء وأقيمت الصلاة ".
وصححه الشيخ الألباني.

(1/828)


مثله عن هشام، ورواه وهيب وشعيب بن إسحاق وابن جريج في بعض
الروايات عنه فقالوا: عن رجل. قال: ورواه أيضا أبو الأسود عن عروة بلفظ:
" إذا حضرت الصلاة وكان بأحدكم الغائط فليبدأ به، ثم ليصل بعد ولا يأتي
الصلاة وهو يدافع " (1) . رواه عن سليمان نا المقدام بن داود، ثنا أسد بن موسى
ثنا ابن لهيعة ثنا أبو الأسود به وخرجه إمام الأئمة في صحيحه من حديث
أيوب عن هشام بغير واسطة، ولفظه عن عبيد الله بن أرقم وكان يؤم قومه فما
قد/أقيمت الصلاة فقال: ليصل أحدكم فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" إذا حضرت الصلاة وحضر الغائط فابدأو بالغائط " (2) . ورواه أبو علي في
أحكامه عن محمد بن عبد الله المقري عن ابن عيينة بلفظ: " وكان يؤم
أصحابه في سفر إلى مكة فأقيمت الصلاة ". وصححه ورجحه أبو حاتم الرازي
في كتاب العلل وصححه أيضا ابن حزم، وفي التمهيد لم يختلف عن مالك
في إسناده ولفظه، واختلف فيه عن هشام وبايع مالكا جماعة، وقال البزار: لا
نعلم ابن أرقم روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هذا، ورواه بغير واسطة أبو القاسم في
الأوسط من حديث زفر بن سليمان عن الثوري، وقال: لم يروه عن زفر إلا
عبيد الله بن أبي عنان من حديث قيس بن سعد عن هشام، وقال: لم يروه
عن قيس إلا جرير بن حازم، ولا عن جرير إلا ابنه وهب تفرد به محمد بن
عبد الكريم العبدي، وأمّا ما ذكره الحافظ ابن عساكر في كتاب الأطراف من
قوله: رواه ابن ماجة في كتاب الصلاة عن محمد بن الصباح أنبأ سفيان وقرره
على ذلك المزمى فيشبه أن يكون وهما منهما لما أسلفناه ولأني لم أر لهذا في
كتاب الصلاة، ذكر والله تعالى أعلم. حدثنا بشر بن آدم ثنا زيد بن الحباب نا
معاوية بن صالح عن السفر بن بشير عن يزيد بن شريح عن أبي أمامة أنّ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نهى أن يصلى الرجل وهو حاقن " (3) . هذا حديث إسناده
__________
(1) صحيح. رواه الحاكم (1/257، 352، 4/66) ، وابن خزيمة (932) ، والكنز (20064) .
(2) انظر: الحاشية السابقة.
(3) صحيح. وتقدم.

(1/829)


صحيح على شرط ابن حبان يزيد بن شريح روى عنه حبيب بن صالح
ومحمد بن الوليد الزبيدي وأبو الراهوية وثور بن يزيد الكلاعي ويزيد بن
الحمصي،/قال: بقية بن الوليد هو من صالحي أهل الشام وثقة ابن حبان، وقد
تقدّم تصحيح الحاكم إسناد حديثه ولفظه عند أبي الحسن: " ولا يدخل بيتا إلا
بإذن، ولا يؤمن إمام فيخص نفسه بالدّعاء " (1) . والراوي عنه روى عنه عبد الله
ابن رجاء الشيباني أيضا، وإن كان الدارقطني قال: لا يعتبر به فقد وثّقه ابن
حبان وباقي من فيه حديثهم في الصحيح، وأمّا قول الدارقطني وسئل عنه
خالفه يعني: السفر ثور بن يزيد فرواه عن يزيد بن شريح عن أبي حيى يعني:
المؤذّن عن ثوبان عن النبي- عليه السلام- والله تعالى أعلم بالصواب. فليس
ترجيحا لأحد القولين على الآخر، ولو رجّح أحدهما على الآخر قلنا: يحتمل
أن يكون يزيد عنده في هذا حديثان، وإنّما ترجيح أبي عيسى حديث أبي حيى
على حديث السفر بقوله أثره، وقد روى هذا عن معاوية بن صالح عن السفر
عن يزيد عن أبي أمامة، وروى عن يزيد بن شريح عن أبي هريرة، وحديثه عن
أبي حيى أجود إسنادا وأشهر فليس حكما منه على حديث معاوية بضعف ولا
وهن كاله قال: هما جيّدان وأحدهما أجود من الآخر، وهذا موضوع اللغة
والعرف، ولكن لا جودة في إسناد الترمذي لكنه من حديث إسماعيل بن
عياش وإن كان من حديث عن الشّاميين، وقد قدّمنا ذكر من جوّد هذا
الحديث وسيأتي تكملته إن شاء الله تعالى. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو
أسامة عن إدريس الأدوي عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا
يقوم أحدكم إلى الصلاة وبه أذى " (2) . هذا حديث رواه أبو داود مطولا عن
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود: (ح/09) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف الجامع (ص 379، ح/2465) . وقد عزاه الألباني إلى أبي داود
والترمذي من حديث ثوبان.
انظر: المشكاة 1070، وضعيف أبي داود 11.
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/618) في الزوائد: رجال إسناده ثقات وابن أبي شيبة (2/
422) والكنز (20060) . وصححه الشيخ الألباني.

(1/830)


محمود/ بن خالد ثنا أحمد بن علي ثنا ثور عن يزيد بن شريح عن ابن حيي
المؤذن عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم
الآخر أن يصلى وهو حقن حتى يتخفّف " (1) . قال: " ولا يحل لرجل يؤمن
بالله واليوم الآخر أن يؤم قوما إلا بإذنهم، ولا يخص نفسه بدعوة دونهم فإن
فعل فقد خانهم " (2) . وقال: هذا من سنن أهل الشام لم يشر لهم فيها أحد،
وخرجه أبو عبد الله في مستدركه من حديث شعيب بن إسحاق عن ثور عن
يزيد عن أبي هريرة مختصرا وصحح إسناده كما تقّدم، وفي الاستذكار زيادة
وهو حاقن جدا، قال أبو عمر: هو حديث ضعيف؛ لضعف إسناده منهم من
يجعله عن أبي هريرة ومنهم من جعله عن ثوبان، وأظن أبا عمر إنما رقى بحال
أبي حيي المؤذن، ويوضح ذلك ما قاله في التمهيد وروى يزيد بن شريح عن
أبي حيي عن أبي هريرة الحديث، وهو خبر لا تقوم به حجة عند أهل العلم
بالحديث. وحديث أبي عبد الله المبدأ بذكره صحيح الإسناد على شرط،
والعجب من أبي عيسى كيف يحكم على حديث ابن عياش بالجودة على
هذا؟! اللهم إلا أن يريد حديث يزيد عن أبي حيي وهو الأشبه، والله تعالى
أعلم. وفي الباب حديث عائشة قالت: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى وهو يجد في
بطنه شيئا ". ذكره أبو القاسم في الأوسط (3) وقال: لم يروه عن أبي معشر-
__________
(1) تقدم. قبل الحاشية السابقة ص 828.
(2) تقدم. قبل الحاشية السابقة ص 829.
(3) ضعيف. بلفظه. العلل (237) وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/89) بلفظ: " كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يصلى وهو يجد من الأذى شيئا ". وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " وعلته أبو معشر السندي وهو:
نجيح أبو معشر السندي، مشهور، عن أصحاب أبي هريرة مشهور، ليس بالعمدة قال ابن معين: ليس بالقوي، كان أميا يُتقى من حديثه بالسند، وقال أحمد: " كان بصيرا بالمغازي ". وقال ابن مهدي " تعرف وتنكر ". وقال النسائي والدارقطني: " ضعيف ". وقال البخاري " منكر الحديث ". وروى عنه محمد بن بكار، وقال: تغير حتى كان يخرج منه الريح ولا يدرى. وقال ابن معين: " ليس بشيء ".

(1/831)


يعني عن هشام بن عروة عن أبيه عنها- إلا محمد بن بكار الزبرقان، وحدث
المسور بن مخرمة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا يصلين أحدكم وهو يجد من الماء
شيئا ". يعني: الغائط والبول. رواه أبو القاسم في الأوسط (1) من حديث
الزهري/عن عبد الله بن عبيد الله عنه قال: لم يروه عن الزهري إلا ابن أخيه
محمد بن عبيد الله تفرد به الواقدي. وحديث ابن موسى موقوفا: " لا يدافعن
أحدكم الغائط والبول " (2) . قال ابن أبي حاتم: أتاه عنه وابن أبي بكر بن عياش
رواه عن سليمان التيمي عن أسلم قال: قعد أبو موسى بحد سنذكرها فقال
أبي: أبو بكر يخطىء في هذا الحديث، إنما هو أسلم العجلي عن أبي قال:
فرأيته جعل أبو موسى يعلّم الناس سننهن ودينهم فقال: فرأيته (3) ولا يدافعن
أحدكم في بطنه غائطا ولا بولا فذكره مطولا، أنبأ به الشيخان فخر الدين
المعاري ونور الماراني قراءة عليهما، أنبأ عبد الرحمن بن مكي قراءة عليه أنا
جدي الحافظ قرأة عليه أنا أبو القاسم محمد بن محمد بن مخلد قراءة عليه،
أنبأ أبو علي الصفار ثنا الحسن بن عرفة ثنا ابن علية فذكره. وحديث عمران
القطان عن هشام عن ابنه قال: أقام عبد الله بن عمر ذات يوم الصلاة فقال
لرجل من القوم: تقدّم فصلّ فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا كان
أحدكم زر فلينصرف فليتوضأ " (4) . ذكره أيضا وقال: لم يروه عن عمران إلا
محمد بن بلال. وحديث ثوبان عند أبي داود، ومن حديث حبيب بن صالح
عن يزيد بن شريح عن أبي حيي عنه بنحو حديث أبي هريرة وقال فيه
الترمذي: حسن. وقال في كتاب الفرد: الذي تفرد به من هذا الحديث أن
__________
(1) ضعيف أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/89) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " وفيه الواقدي وهو ضعيف.
(2) بنحوه رواه ابن عدي في " الكامل ": (6/2413) .
(3) قوله: " فرأيته " وردت " بالأصل " " قرأته " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتاه.
(4) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/89) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
و" الصغير " ورجاله موثقون.
غريبه: قوله: " زرا " أي: الذي حبس بوله.

(1/832)


يخص نفسه بالدعاء، ورواه ثور عن يزيد عن أبي هريرة عن النبي- عليه
السلام، ورواه معاوية بن صالح عن السفر عن يزيد عن أبي أمامة. وحديث
أنس بن مالك/أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يصل أحدكم وهو يدافع
الأخبثين " (1) . ذكر أبو عمر في التمهيد: أنه روى عن مالك عن الزهري عنه
مناكير، وهو حديث لا أصل له من حديث مالك وهو باطل موضوع الإسناد.
وحديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وجد في بطنه زرا
فلينصرف حتى يفرغ من حاجته ثم يعود إلى صلاته ". ذكره الإمام أحمد في
مسنده (2) وقال ابن أبو حاتم: أما أرضى أن يكون هذا من كلام علي موقوف،
وقال أبو القاسم في الأوسط لا يروى عن على ولا هذا الإسناد تفرّد به ابن
لهيعة. وحديث سلمان قال: " من وجد في بطنه زرا من بول أو غائط
فلينصرف غير متكلم ولا واغ ". ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه، قال: وقال: هو
إسناد مقلوب، قال أبو عمر: اختلف العلماء فيمن صلى وهو حاقن فقال ابن
القاسم- عن مالك-: إذا شغله ذلك فصلى كذلك فإنى أحبّه أن يعيد في
الوقت وبعده، وقال الشافعي وأبو حنيفة وعبيد الله بن الحسن: يكره أن يصلى
وهو حاقن، وصلاته مع ذلك جائزة إن لم يترك شيئا من فراغها، وقال الثوري:
إذا خاف ألا يسبقه البول قدم رجلا وانصرف، وقال الطحاوي: لا يختلفون
انه لو شغل عليه بشيء من أمر الدنيا لم يستحب له الإعادة، وكذلك إذا
شغله البول، قال أبو عمر: أحسن شيء روى مسندا في هذا حديث ابن أرقم،
وحديث عائشة يعنى: " لا يصلى أحدكم بحضرة طعام " (3) وسيأتي في موضعه
إن شاء الله تعالى، قال: وحديث أبي حيي المؤذن- إن صحّ- كان معناه حاقنا
__________
(1) رواه البيهقي (3/72) والكنز (20072) . ورواه أبو داود (ح/89) وحسنه. بلفظ " لا
يصلى بحضرة الطعام ولا وهو يُدافعه الأخبثان ".
(2) العلل: (185، 590) . وراجع الحاشية قبل السابقة.
(3) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/67) والبيهقي (3/73) والفتح (2/242) والمشكاة (1057)
وتلخيص (2/321) ونصب الراية (2/101) وإتحاف (3/89، 39، 98، 181) والفتح (2/160، 9/
247) والمغني عن حمل الأسفار (1/156) ، 175) والمسير (9/167، 197)

(1/833)


جدا لم يتهيأ له أكمل صلاته على/وجهها، وقد أسلفنا قبل من عنده نقطة
حاقنا جدا فلا حاجة إلى التحرص، وعن ابن عباس قال: لئن صلى وهو في
ناحية مني أحب إلي من أن أصلي وأنا أدافعه، ذكره الترمذي وجاءت فيه
رخصة عن النخعي وطاوس وقال ابن عمر: الذي يقول به أنه لا ينبغي لأحد
أن يفعله فان فعله وسلمت له صلاته أجزأت عنه وبئس ما صنع، والله تعالى
أعلم.

(1/834)


78- باب في المستحاضة التي قد عدّت أيام أقرائها قبل أن يستمر لها الدم
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قال: أنبأ أبو أسامة عن عبيد الله
بن عمر عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة قالت: " سألت امرأة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقالت: إني استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: لا، ولكن دعى قدر الأيام
والليالي التي كنت تحيضين " قال أبو بكر في حديثه: " وقدرهنّ من الشّهر ثم
اغتسلي، واستنفري بثوب وصلّى " (1) هذا حديث ظاهر إسناده صحيح لا علّة
فيه، وذاك أوقع المنذري حتى سكت عنه ولم يتكلّم إلا على رواية إذا خلفت
ذلك وحضرت الصلاة فلتغتسل، قال: وفي إسناد هذه الرواية رجل مجهول،
وأنا أعلم غفر الله له أن الحديث كله معلول بما رمى به هذه الرواية لا سيّما
وهو على كتاب أبي داود يتكلم وأبو داود هو المعلل للحديث يبيّن لك ذلك؛
ليسوق لفظه ثنا عبد الله بن سلمة عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار
عن أم سلمة: أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فاستفتت/لها أم سلمة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لتنظر عدد الليالي والأيام التي
كانت تحيض من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك
من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستنفري بثوب ثم لتصل " (2) . ثنا
قتيبة ويزيد بن خالد بن عبد الله نا وهب ثنا الليث بن سعد عن نافع عن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1. كتاب الطهارة، 115. باب ما جاء في المستحاضة التي قد
عدى أيام إقرائها قبل ان يستمر بها الدم (ح/623) . وصححه الشيخ الألباني.
غريبه: قوله: " واستنفري " الاستنفار: هو أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا،
وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها. فتمنع بذلك سيل الدم. وهو مأخوذ من ثفر الدابة،
الذي يجعل تحت ذنبها.
(2) صحيح. رواه أبو داود (ح/274) والنسائي في (الطهارة، باب " 133، والحيض، باب " 3 ")
وأحمد (6/320) والدارمي (1/200) والبيهقي (1/332، 333، 334) والدارقطني (1/207،
217) وشرح السنة 2/142) وشفع (114) والمشكاة (559) وتلخيص (1/169) والحلية (9/
157) والشافعي (216، 311) .

(1/835)


سليمان بن يسار: " أن رجلا أخبره عن أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدم فذكر
معناه قال: فإذا خلفت ذلك وحضرت الصلاة فلتغتسل ". ثنا عبد الله بن سلمة ثنا
أنس الناس- يعني: ابن عياض- عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن
رجل من الأنصار: " أن امرأة كانت تهراق الدماء- قدر يعني: الليث- قال: فإذا
خلفهن وحضرت الصلاة فلتغتسل ". وساق معناه ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا ابن
مهدي، ثنا صخر بن جرير به عن نافع إسناد الليث بمعناه، قال: " فلتترك الصلاة
قدر ذلك، ثم إذا حضرت الصلاة فلتغتسل ولتسد فرجها بثوب ثم تصل ". ثنا
موسى بن إسماعيل ثنا وهيب ثنا أيوب عن سليمان عن أم سلمة بهذه القصة
قال فيه: " فلتدع الصلاة وتغتسل فيما سوى ذلك تسد فرجها بثوب وتصل "،
قال أبو داود: سمى المرأة التي كانت استحاضت حماد بن زيد عن أيوب في
هذا الحديث قال: فاطمة بنت أبي حبيش فهذا كما رواه أبو داود (1) من أن
الحديث من طرقه كلها منقطع فيما بين سليمان وأم سلمة، وأنه لم يسمعه
منها فيختص بعض أنقاطه لعلة هي شاملة له كله لا وجه له والله تعالى أعلم،
وهذا هو الاصطلاح في الحديثين فإن الحكم للزائد؛ ولهذا أن أبا عمر لما ذكر
حديث مالك رواية/الليث في الصواب، وقال البيهقي: هذا حديث مشهور
أودعه مالك في الموطأ إلا أن سليمان لم يسمعه من أم سلمة، وقال الطحاوي:
هو حديث فاسد الإسناد لم يسمعه سليمان من أم سلمة، إنما حدثه عنها به
رجل مجهول، وفي علل الدارقطني: رواه عبيد الله ومالك عن سليمان عن أم
سلمة، ورواه موسى بن عقبة وابن أخيه عن إسماعيل بن إبراهيم عن نافع عنه
أن رجلا أخبره عن أم سلمة، ورواه إبراهيم بن طهمان عن موسى عن عقبة
عن مرجانة عن أم سلمة، وقال لصخر بن جويرية عن نافع عنه عمن لم يسمه
عن أم سلمة، ورواه ابن أرطأة عن نافع عنه مرسلا ورواه حماد بن زيد وابن
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 107. باب في المرأة تستحاض، ومن قال:
تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض، (ح/275) .
قلت: وعلته: (1) الانقطاع فيما فين سليمان وأم سلمة.
(2) وأن سليمان لم يسمع من أُم سلمة.

(1/836)


علية عن أيوب عنه أنّ فاطمة لم تذكر أم سلمة، ورواه قتادة عنه أن فاطمة بنت أبي
حبيش أسنده عنها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي سننه رواه عبد الوارث عن أيوب عنه بغير
واسطة قال: ورواه وهب عن أيوب كذلك، وكذا ذكره ابن الحصار في تقريب
المدارك. وحديث هشام عن أبيه (1) عن عائشة في شأن فاطمة بنت أبي حبيش
أصح من هذا، وأمّا قول الدارقطني: عن صخر عمن لم يسمه بعد قوله: ورواه
ابن عقبة، وابن أخيه عن رجل مميزا بين اللفظين وإن كان لعلهما واحدا، فقد
وقع لنا حديث صخر في كتاب مسائل عبد الله لأبيه أحمد ثنا بن مهدى عن
صخر ابن جويرية عن نافع عن سليمان: أنه حدّثه رجل عن أم سلمة فذكره،
وبنحوه ذكره ابن الجارود. وأما قوله: أنّ موسى أدخل في حديثه عن نافع
رجلا فقد أبى ذلك أبو العباس السراج، فذكره في مسنده/عن إسحاق بن
إبراهيم قال: قلت لأبي قرة: اذكر موسى بن عقبة عن نافع عن سليمان عن أم
سلمة الحديث فأقر به؟ وقال: نعم، كذا نقله من أصلنا الذي هو بخط ابن
الجيّار الحافظ واستظهرت (2) شيخه أخرى قديمة، والذي في سنن قرة
السكسكي كما قاله الدارقطني، والله تعالى أعلم. قال البيهقي: وحديث
هشام عن أبيه عن عائشة في شأن فاطمة بنت أبي حبيش أصح من هذا يعني:
قول أبي داود هما حماد والمرأة فاطمة، قال له البيهقي: وفيه دلالة على أنّ
المرأة التي استفتت لها أم سلمة غيرها، ويحتمل إن كانت تسميتها صحيحة
في حديث أم سلمة أنّها كانت لها حالتان في مدة استحاضتها حالة يميز فيها
بين الزمنين، وحالة لا تميز فيها بين الزمنين، وروى أبو سلمة هذا الحديث عنها
دون التسمية أنبأ أبو عبد الله ثنا أبو بكر بن إسحاق أنبأ إسماعيل بن إسحاق
ثنا إسحاق بن محمد العزرمي أنبأ عبد الله بن عمر عن النّضر عن أبي سلمة
عنها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال في المستحاضة: " تنظر عدد الأيام التي كانت
تحيضهن ثم تغتسل وتصلى " (3) . وبنحوه قال الخزرجي في كلامه على الموطأ،
__________
(1) قوله: " أبيه " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".
(3) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، باب (107) ، (ح/274) .

(1/837)


وذكر القشيري: أنّ أسد بن موسى رواه عن الليث كرواية مالك، ورواه أسد أيضا
عن أبي خالد الأحمر عن ابن أرطأة عن نافع كذلك، وهو مخالف لما أسلفناه عن
حجاج من عند الدارقطني، وأما اقتصار الدارقطني أنّ مالكا، وعبيد الله روياه عن
نافع عن سليمان عنها، فقد ذكر ابن الجارود: أنّ يحيى بن سعيد وغيره تابعوا
مناكير عبيد الله، وذكر ابن وهب في مسنده ثنا مالك والليث بن سعد وابن
سمعان عن نافع عن سليمان عن أم سلمة/فذكره، وذكر الحربي في علله: أنّ
تسعة من أصحاب نافع رووه، فأدخل ليث وجرير به وصخر وموسى بن عقبة
ابن سليمان وأم سلمة رجلا مجهولا، ولم يذكر هذا الرجل عبيد الله ومالك
وحجاج وجرير، ورواه أيوب عن سليمان ورواه عن أيوب خمس لم يقل عن
أم سلمة- إلا وهب وابن أبي عروبة- وأرسله الباقون، ولم يسمعه سليمان
من أم سلمة بينهما رجل مجهول لم يسم إلا أنهم ذكروا الإقراء- وجعلوه
حيضا وذكرو الأسفار، وأمّا قول ابن ماجة: وقال أبو بكر في حديث إلى
آخره، فقد أخلّ من حديثه بشيء وذلك أنه رواه عن المصنف والمسند عن ابن
نمير وأبي أسامة ثم قال: إلا ابن نمير وأنه قال: أنّ أم سلمة استفتت النبي
فقالت: امرأة تهراق الدم فقال: " تنظر قدر الأيام والليالى التي كانت تحيض أو
قدرهن من الشهر ". ثم ذكر مثل حديث أبي أسامة حدثنا علي بن محمد وأبو
بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن
الزبير عن عائشة قالت: " جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت:
يا رسول الله إنّى امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ ما إنّما ذلك عرق
وليس بالحيضة فاجتنبي الصلاة أثر محيضك ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة
وإن قطر الدّم على الحصير " (1) . حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسماعيل بن
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/84) ومسلم في الحيض، ح/62) وأبو داود (ح/
282) والترمذي (ح/125) والنسائي (1/124، 184، 186) وابن ماجة (621) وعبد الرزاق
(1165) وابن أبي شيبة (1/125، 126) ومعاني (1/103) والحاكم (4/56) وشفع (115)
وتلخيص (1/167) وابن سعد (8/17) والحميدي (160) والجوامع (7700) وأبو عوانة (1/
319) والموطأ (61) والصحيحة (301) .
غريبه: قوله: " استحاض " الاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه. وانه يخرج من عرق يقال له: العاذل. و" عرق " هذا العرق هو المسمى بالعاذل. و" أدبرت " المراد بالإدبار=

(1/838)


موسى ثنا شريك عن أبي القطان عن عديّ بن ثابت عن أبيه عن جدّه عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة
وتصوم وتصلى ". هذان الحديثان لماّ خرجهما أبو داود (1) قال: وحديث
عدي،/والأعمش عن حبيب وأيوب أبي العلاء- يعني: عن ابن شبرمة- عن
امرأة مسروق عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل حديث حبيب كلها ضعيفة لا
تصحّ، ودلّ على ضعف حديث الأعمش عن حبيب؛ أنّ هذا الحديث أوقفه
حفص ابن غياث، وأنكر حفص بن غياث هذا الحديث مرفوعا، وأوقفه أيضا
أسباط عن الأعمش موقوفا على عائشة، ورواه أبو داود عن الأعمش مرفوعا
أوّله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء عند كلّ صلاة، ودلّ على ضعف حديث
حبيب هذا؛ أنّ رواية الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فكانت تغتسل لكل
صلاة في حديث المستحاضة، وروى أبو اليقظان عن عدى عن أبيه عن أمّه،
وفي كتاب ابن العبد: ورواه أبو اليقظان عن أبيه وهو ضعيف جدا وعمار
مولى بنى هاشم عن ابن عباس، وروى عبد الملك بن ميسرة وبيان ومغيرة
وفراس ومجالد عن الشعبي حديث قمير (2) عن عائشة تتوضأ لكل صلاة.
ورواه داود وعاصم عن الشعبي عن قمير عن عائشة تغتسل كل يوم. وروى
هشام عن عروة عن أبيه: " المستحاضة تتوضأ لكل صلاة " " (3) . وهذه الأحاديث
كلها ضعيفة زاد ابن العبد أحاديث الوضوء- إلا حديث قمير وحديث عمار
مولى ابن هشام وحديث هشام بن عروة عن أبيه- والمعروف عن ابن عباس
الغسل، وفي موضع آخر قال يحيى ابن سعيد لرجل: احك عنى أنّ هذا
__________
انقطاع الحيض.
قلت: وقد علق الشيخ الألباني في " ضعيف الجامع " (ص 84، ح/624) وقال: " صحيح " إلا
قوله: " وإن قطر ... " انظر: الإرواء 208، وصحيح أبي داود 280، 312: ق.
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/281) من حديث طويل. وابن ماجة (ح/625) وابن عدي في
" الكامل " (4/1327، 5/1814) والمجمع (1/281) ونصب الراية (1/201، 202) .
وصححه الشيخ الألباني. قوله: " إقرائها " أي أيام حيضتها.
(2) قوله: " قمير " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(3) مسند ابن حبيب (2/40) ونصب الراية (1/202) .

(1/839)


الحديث لا شيء يعنى حديث حبيب عن عروة، ولما خرج أبو عيسى (1) حديث
عدي قال: هذا حديث تفرد به شريك عن أبي اليقظان، وسألت محمدا عن هذا
الحديث فقلت: جدّ عدى ما اسمه، فلم/يعرف محمد اسمه وذكرت له قول
يحيى بن معين أنّ اسمه دينار فلم يعبأ به، وقال في التاريخ الأوسط: حديث
عدي عن أبيه عن جدّه وعن أبيه عن على في المستحاضة لا يصح، وقال أبو
زرعة البصري في تاريخ دمشق: عمرو بن أخطب هو جدّ عدي بن ثابت
وعروة بن ثابت، وقال في العلل: سألت محمدا عنه فقال: لا أعرفه- إلا من
هذا الوجه وقلت لابن معين: هو عدى بن ثابت بن دينار فلم يعرفه ولم يعدّه
شيئا، وفي كتاب الاستيعاب: دينار الأنصاري أفرد الرواية عنه ثابت وهو جدّ
عدى بن ثابت حديث في المستحاضة يضعفونه، وفي كتاب الطوسي: جدّ
عدي مجهول لا يعرف، ويقال اسمه دينار ولم يصح، قال الحافظ ضياء
الدين: وقد ضعف غير واحد هذا الإسناد لأجل أبي اليقظان، وفي كتاب
الطهارة لابن أبي داود قال: حديث عدى بن ثابت معلول، وفي أفراد
الدارقطني تفرد به شريك عنه، وفي إيضاح الأشكال لأبي الفضل المقدسي أنبا
أبو سعد أنبا البرقاني (2) قال: قلت لأبي الحسن شريك عن أبي اليقظان عن
عدى بن ثابت عن أبيه عن جدّه كيف هذا الإسناد قال: ضعيف قلت من
جهة من؟ قال: أبو اليقظان ضعيف، قلت: فترك، قال: لا يخرج ورواه الناس
قديما قلت له: عدي بن يزيد الخطمي وثابت من قال قد قيل ابن دينار، وقيل:
انه، يعني جدّه أبو أمّه عبد الله بن يزيد الخطمي، لا يصح من هذا كلّه شيء،
قلت: فيصح أنّ جدّه أبا أمّه هو عبد الله، بن يزيد الخطمي قال: كذا زعم
ابن معين. انتهى كلامه، ويفهم منه تفرد ابن معين بما ذكره وليس كذلك
لمتابعته على قوله من ذلك أنّ ابن حبان لما ذكره قال عدي بن/ثابت
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/126) وابن ماجة (ح/625) عن أبي بكر بن أبي شيبة
وإسماعيل بن موسى. والدارمي (1/202) عن محمد بن عيسى. وأبو داود (1/120.119)
عن محمد بن جعفر بن زياد وعثمان بن أبي شيبة: كلْهم عن شريك، وهو شريك بن عبد الله
النخعي قاضي الكوفة. وصححه الشيخ الألباني.
(2) قوله: " البرقاني " وردت " بالأصل " " البراني " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.

(1/840)


الأنصاري: يروى عن البراء إلى أمه عبد الله بن يزيد، وقال ابن أبي حاتم عدي بن
ثابت الأنصاري وجده أبي أمّه عبد الله بن يزيد ومعهما على ذلك غير واحد.
منهم الباجي والكلاباذي، وأما قول ابن الجسد فيما ذكره أبو موسى المدني في
كتاب الصحابة من تأليفه عندما يرجم بابن ثابت وقال: هو عدي بن ثابت بن
عازب بن أخي البراء بن عازب فلم يصنع شيئا؛ لأنه لم يجد له متابعا، ولأنّ
جماعة مثيرة في بنى طفر من ولد قيس بن الخطيم الشّاعر كذا ذكره الكلبي
وأبو عبيد بن سلام وابن حزم وأبو عمر والمبرد، وزعم أبو نعيم الحافظ: أن
اسم جده قيس الخطمي وهو على مخالفة الحماء الفقير أقرب إلى الصواب،
وأما ذكره الحافظ المنذري أنّه لا يعلم جدّه قال: وكلام الأئمة يدل على ذلك
فغير صواب، وأمّا ما قاله الحافظ الدمياطي أنّ صوابه عدى من أبان بن ثابت
فلعمري يحتمل أن يكون جيدا لولا قول ابن سعد في كتاب الطبقات، وولد
ثابت بن قيس بن الخطيم أبانا وأمّه أم ولد وعمر أو محمد أو يزيد قتلوا يوم
الحرة جميعا، وليس لهم عقب، فهذا كما ترى ابن سعد جزم بأن أبانا لا
عقب له، وبمثناه ذكره ابن الكلبي في جمهرة الجمهرة، ثم ذكر ابن سعد عديا
في طبقات الكوفيين وسمى إياه ثابت إلا الجماعة، وخرج ابن ماجة حديثا في
كتاب الصلاة عن عدى بن ثابت عن أبيه عن جدّه، وقال: أرجو أن يكون
متصلا وهذا قال الحربي في كتاب العلل ليس لجد عدى بن ثابت صحة،
وقال السرى في تاريخه: لم نجد من يعرف جدّه معرفة صحيحه ذكر بعضهم
أنّه عدى بن ثابت بن قيس بن الخطمي وقيس لا يعرف له/إسلام، وقيل: إنّ
جدّه لأمه عبد الله بن يؤيد الخطمي، كذا جاء في الحديث، ولا ينبغي أن
ينسب إلى جدّه لأمّه، فينبغي أن يوقف وينسب ويترك الحديث على ما روى
والله تعالى أعلم، ولا معدل عن هذه الأقوال إلا بقولين لا يتطرّق إليه
الاحتمال، ويشبه أن يكون الموضع له رواية عن أبيه عن جدّه، وجدّه على هذا
يكون قيسا الشاعر ولم يسلم هو أيضا عدل، يعارضه قول ابن سعد المذكور،
وأبي عمر: لا أعلم لثابت هذا رواية، ويؤيّده عدم وجداني أبانا في كتاب من
الكتب مذكورا، والذي يتجه من هذه الأقوال على ما فيه قول أبي نعيم أو
قول ابن معين كلاهما، ولأن قيسا الخطمي معروف في الصحابة ويعرب بجد

(1/841)


عدي، وكذلك دينار فيما ذكره أبو عمر وابن رافع وابن أبي حاتم الرازي وفي
كتاب الحيض لأحمد أنبأ شريك عن أبي اليقظان عن عدى عن أبيه عن على
مثله، وكذا هو في كتاب المصنف، وفي سؤالات مهنأ سألت أبا عبد الله عن
حديث الأعمش عن حبيب عن عروة في المستحاضة فقال ليس بصحيح، قال
قلت: من قبل من الخطأ، قال: من قبل الأعمش؛ لأن حبيبا لم يحدّث عن
عروة بن الزبير بشيء. قال: قلت لأحمد: قال يحيى بن سعيد هو شبه لا
شيء، قال: نعم هو كذلك، وقال الدوري: سمعت يحيى قال أبو بكر بن
عياش بالكوفة- إلا ثلاثة أنفس حبيب وحماد بن أبي سليمان- قلت ليحيى:
حبيب قال: نعم. إنّما روى حديثين أظن يحيى يريد معد ويعني المستحاضة
والقبلة، وفي كتاب السنن الكبير للبيهقي، وأمّا رواية حبيب في شأن فاطمة
فإنها ضعيفة، وقال في المعرفة: وهذا حديث ضعيف ضعّفه يحيى بن سعيد
القطّان وابن المديني وابن معين وسفيان الثوري (1) ، وحبيب لم يسمع من عروة
بن الزبير شيئا، وقد تقدم في باب القبلة من أمر هذا الحديث شيء كثير، وأنّ
أبا داود ثبت لحبيب سماعا/من عروة بن الزبير عن عائشة، ولذا شبه وكيع
عند ابن ماجة عن الأعمش وإن ثبت هذا فيكون إسناده صحيحا على شرط
الشيخين، وأصله في الصحيحين بلفظ: أن فاطمة سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت:
" إنى استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة. قال: لا إنّ ذلك عرق ولكن دعى
الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلى " (2) . وفي لفظ:
" ما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب
قدرها فاغسلي عنك الدم وصلى ". وذكر الدارقطني أنّ محمد بن عمرو بن
علقمة رواه عن الزهري، فأتى به بلفظ أغرب فيه وهو قوله: " ان دم الحيض دم
أسود يعرف " (3) . وفي كتاب المسائل لعبد الله قال: سمعت أبي يقول: كان
ابن أبي عدي ثنا بهذا عن عائشة ثم تركه بعد، وقال الحاكم: هذا حديث
__________
(1) قوله: " للثوري " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) صحيح. متفق عليه. وقد تقدم من أحاديث الباب.
(3) ضعيف. رواه النسائي (1/123، 185) ومشكل (3/306) والدارقطني (1/207)
والبيهقي (1/325) بلفظ: " ان دم الحيضة أسود ".

(1/842)


صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال أبو حاتم: لم يتابع ابن عمرو على هذه
الرواية، وقال ابن القطان: وهذا فيما أرى منقطع، وذلك أنه حديث انفرد بلفظ
محمد بن عمرو عن الزهري عن فاطمة: " إنها كانت تستحاض ". فهو على هذا
منقطع؛ لأنّه قد حدّث مرة أخرى من حفظه، فزادهم فيه عن عائشة فيما بين عروة
وفاطمة فاتصل، فلو كان بعكس هذا كان أبعد من الريبة، أعني. أن يحدّث به من
حفظه مرسلا ومن كتابه متصلا، فأمّا هكذا فهو موضع نظر، وأبو محمد إنّما ساق
الرواية المنقطعة؛ فإنّه ساقه عن فاطمة فالمتصلة إنما هو عن عائشة أنّ فاطمة، وإذا
نظر هذا في كتاب أبي داود وتبيّن منه أنّ عروة إنّما أخذ ذلك عن عائشة/لا من
فاطمة، هذا ولو قد رأى أنّ عروة يسمع من فاطمة، وقد يظن به إسماع منها
بحديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكر بن عبيد الله عن المنذر عن
عروة أنّ فاطمة حدّثته أنها سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشكت إليه الدم فقال لها:
" إنما ذلك عرق ". الحديث، وهذا لا يصح فيه سماعه منها؛ للجهل بحال
المنذر، وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عنه فقال: مجهول ليس بالمشهور، ذكره
هكذا أبو داود وهو عند غيره معنعن لم يقل عنه أنّ فاطمة حدّثته، ولذلك
حديث سهل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة قال حدثتني فاطمة أنها
أمرت أسماء أو أسماء حدثتني أنها أمرت فاطمة الحديث فإنه مشكوك في
سماعه إياه من فاطمة أو أسماء وفي متن الحديث ما أنكر على سهل وعدمها
ساقه حفظه وطهر أثر بغيره عليه وكان قد تغيّر ذلك أنه أحال فيه على الأيام،
وذلك أنّه قال: فأمرها أن تقعد، والمعروف في قصة فاطمة الإحالة على الدم
والقروء عن عروة فيه رواية أخرى لم يشك فيها بأن التي حدّثته بنى أسماء
رواها علىّ بن عاصم عن سهيل عند الدارقطني فيرى قصتها إنّما يرويها عروة
أما عن عائشة وإمّا عن أسماء، وقد قلنا أنه ولو صح أنّ عروة بينها وبينه فيه
عائشة، وزعم ابن حزم: أنّ عروة أدرك فاطمة ولم يستبعد أن يسمعه من حاله
ومن ابن عمه، وهذا عندي غير صحيح، ويجب أن يزاد في البحث عنه،
وفاطمة بنت أبي حبيش بن المطلب ابن أسد وعروة بن الزبير بن العوام بن
__________
= قلت: وقد ذكره المصنف قوله ابن القطان في هذا الحديث وقوله: أنه يرى أنه حديث
منقطع الإسناد.

(1/843)


خويلد بن أسد فهي في تعدد (1) الزبير انتهى كلامه وفيه نظر من حيث غصبه
الجناية برأس سهيل في الإحالة/على الأيّام وليس هو بمنفرد بذلك لما في
صحيح البخاري (2) ثنا أحمد بن أبي رجاء أبو أسامة سمعت هشام بن عروة
أخبرني عن عائشة أنّ فاطمة سألت وفيه: " تدع الصلاة قدر الأيّام التي كنت
تحيضين فيها ". الحديث ... فهذا كما ترى الإحالة على الأيام من غير رواية فلا
مدخل لسهيل في هذا السند، وأمّا حجّه ابن حزم فليست جيدة؛ لأنه لم يرد
الحقيقة لتعزرّها والله تعالى أعلم، وفي رواية عند أبي داود عن أسماء قالت:
" قلت يا رسول الله: إنّ فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت ". الحديث قال أبو
داود (3) . رواه مجاهد عن ابن عباس لما اشتد عليها الغسل أمرها أن تجمع بين
الصلاتين وفي سؤالات أبي طالب قال أحمد: وقيل له في حديث عائشة قال
عليه السلام لفاطمة: " وفي الصلاة أيّام اقرائك " (4) . فقال: هذا خطأ، كل من
روى أيام اقرائك فقد أخطأ، وعائشة تروى عن النبي عليه السلام اقرائك،
ومعنى الإقراء: الإطهار، وإّنما روى علقمة على ما سمع من عمرو أن أهل
الكوفة لا يعرفون إلا قول عبد الله فجعلوه الإقراء، والأعمش كان يضبط هذا
كأنّ الحيض عندهم الاقراء فرووه، وأمّا أهل المدينة فلا يقولون الاقراء إّنما
يقولون أيام حيضك: " وما كانت تحبسك حيضتك " (5) . وأمّا ما زعمه ابن
عساكر ومن بعده كالمنذري والقشيري وغيرهما: من أنّ ابن ماجة خرج
حديث عائشة هو والجماعة من حديث هشام عن أبيه عنها في الطهارة فيه
__________
(1) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".
(2) تقدّم من أحاديث الباب ص 842.
(3) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 110. باب من قال تجمع بين الصلاتين
وتغتسل لهما غسلا، (ح/296) .
قال أبو داود: ورواه إبراهيم عن ابن عباس وهو قول إبراهيم النخعي وعبد الله بن شداد.
(4) تقدم. رواه القرطبي في " تفسيره " (2/10) وتلخيص (1/170) وابن كثير (1/397)
وكشاف (19) وشرح السنة (9/207) والدارقطني (1/212) .
(5) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/65، 66) وأبو داود (ح/279) والنسائي في
(الطهارة، باب " 331 "،، والحيض، باب " 3 ") .

(1/844)


نظر؛ لأنّ ابن ماجة/يخرج فيه إلا حديث حبيب عن عروة المذكور قبل، وقال
ابن عبد البر: هذا الحديث أصح حديث روى في هذا الباب، وقاله أيضا أبو محمد
الإشبيلي، وقال ابن مندة في صحيحه بعد إخراجه/من حديث مالك عن هشام:
هذا إسناد مجمع على صحته، قال: وهو حديث مشهور عن هشام صحيح رواه
أيوب والثوري وشعبة وزائدة وابن نمير وسعدان بن يحيى وكلّها مقبولة على ذم
الجماعة، وقال أبو معاوية وحماد في حديثهما: قال عروة: يغتسل الغسل الأول، ثم
يتوضأ لكل صلاة، ولفظ أبي عوانة: " فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب
قدرها فاغسلي عنك الدم " (1) . وفي لفظ لابن مندة: " اغتسلي وصلى " (2) . وعند
الترمذي قال أبو معاوية في حديثه فقال: " توضئ لكل صلاة حتى يجيء ذلك
الوقت " (3) . وقال فيه: حسن صحيح، وعند الدارقطني: " فإذا أدبرت فاغسلي
عنك الدم ثم اغتسلي " (4) . زاد أبو معاوية قال هشام قال لي ثم: " توضئ لكل
صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ". وفي لفظ لأبي عبد الرحمن: " فإذا أدبرت
فاغسلي عنك الدم وتوضئ، فإنما ذلك عرق وليس بالحيضة ". قيل له: فالغسل،
قال: ذلك لا شك فيه، وفي لفظ البيهقي: " فاغسلي عنك أثر الدم وتوضئ ".
وضعف هذه اللفظة لمخالفة سائر الرواة عن هشام قال: ولم يذكر أحد عن
هشام وتوضئ إلا حماد بن زيد، وفي موضع آخر: ليس محفوظة، وفيه نظر لما
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/84، 87، 90) ومسلم في (الحيض، ح/62) وأبو
داود في (الطهارة، باب " 9 ") والنسائي (1/117) وأحمد (6/83 ن، 194) والبيهقي (1/
324، 325، 327، 329، 330، 136، 170، 331، 343) والحاكم (1/174) وتلخيص
(1/133) وإتحاف (2/384) والشّافعي (310) ومعاني (03/11) وابن أبي شيبة (1/125) .
(2) فتح الباري: (1/425) .
(3) صحيح. رواه الترمذي (ح/125) . وقال: هذا حديث حسن ورواه مالك في الموطأ (1/79
800) والبخاري من طريق مالك (1/308) . ورواه ابن سعد (8/178) عن وكيع بن الجراح،
والدارمي (1/198) عن جعفر بن عون. ورواه البخاري أيضا من طريق ابن عيينة وأبي أسامة
وزهير بن معاوية (1/357، 360، 363) كلهم عن هشام بن عروة. ورواه مسلم بأسانيد من
طريق هشام (1/103) . ورواه أبو داود (1/114.113) من طريق زهير ومالك عن هشام.
ورواه النسائي (1/45، 65) عن إسحاق بن إبراهيم عن عبدة ووكيع وأبي معاوية.
(4) رواه النسائي (1/181) ونصب الراية (1/203) وإتحاف (2/384) .

(1/845)


ذكره ابن حبان في صحيحه من حديث أبي حمزة فذكر حديث أبو عوانة عنه
بها، ورواه من حقه أبي حمزة عن هشام به ثم قال: ذكر الخبر المرخص قول ابن
عمر: أن هذه اللفظة تفرد بها أبو حمزة، فذكر حديث أبو عوانة عنه بها، ورواه من
حفظه أبي حمزة السكرى عن هشام عن أبيه مرسلا بلفظ " فاغتسلي عند طهرك
وتوضئ عند كل صلاة " (1) . وروى الحسن بن زياد هذه اللفظة عن أبي حنيفة عن
هشام مرفوعا، قال البيهقي: والإشكال فيما حكاه عنه ابن الجوزي في التحقيق،
والصحيح أن هذه الكلمة من قول عروة مستدلين/بقول هشام قال: أي بم يتوضأ،
وليس ذلك بينّ في الأدراج لما أسلفنا قبل من حديث النسائي وغيره، ولما يأتي بعد
من عند الدارمي أيضا مقرون لا يمكن أن يقول هذا من نفسه، إذ لو قاله هو كان
لفظه: ثم يتوضأ لكل صلاة، ولم يقل توضئ مشاكلا لما قبله من لفظ الأمر والله
تعالى أعلم، ويفهم من قول البيهقي وروى اللؤلؤي تفرده بذلك، وليس الأمر على
توهمه كلامه فقد تابعه عن أبي حنيفة المقري " وأبو نعيم فيما ذكره الطحاوي
بلفظ: " فاغتسلي لطهرك ثم توضئ عد كل صلاة " (2) . وزر بن الهذيل فيما
ذكره الحافظ أبو الشيخ في فوائد الأصبهاني عن سالم بن عصام عن عمه
محمد بن المغيرة عن الحكم بن أيوب عنه، وتابع أبا حنيفة عليها أيضا يحيى
بن هاشم ورواه الحارث بن أبي أسامة عنه ثنا هشام وقال أبو عمر في التمهيد:
ورواية أبي حنيفة عن هشام عن أبيه عن عائشة مرفوعا لرواية يحيى بن هاشم
سواء، قال أبو عمر في التمهيد: " وتوضئ لكل صلاة " ولذلك " رواه حماد بن
سلمة عن هشام أيضا بإسناده مثله، وحماد في هشام ثبت، وفي موضع آخر:
وحديث فاطمة فيه ردّ على من أوجب الوضوء على المستحاضة، فإذا أحدثت
المستحاضة (3) حدثا معروفا لعقاد لزمها له الوضوء وأما دم استحاضتها فلا
يوجب وضوءا لأنه لدم الجرح السائل، وكيف يجب من أجله وضوء وهو لا
ينقطع، ومن كانت هذه من سلس البول والمذي لا يرتفع لوضوئه حدثا؛ لأنه
__________
(1) رواه البيهقي: (1/344) .
(2) الإرواء: (1/146) .
(3) قوله: " الاستحاضة " وردت " بالأصل " " الإحاضة " وهو تحريف والصحيح ما أثبتناه.

(1/846)


لا يتهمه إلا وقد حصل ذلك الحدث في الأغلب انتهى كلامه، وفيه تناقض لما
أسلفنا من قوله: أن الوضوء في حديث عائشة صحيح، وهو من أطراف
حديث عائشة المذكور فلا يزداد/على من قال به والله تعالى أعلم، وأمّا قول
البيهقي أنّ أبا حمزة السكرى رواه عن هشام مرسلا فيشبه أن يكون وهما؛
لأن البستي ذكره في صحيحه فقال: ثنا محمد بن على بن الحسن سمعت
أبي ثنا أبو حمزة عن هشام عن أبيه عن عائشة أنّ فاطمة بنت أبي حبيش
فذكرها وفيه " فإذا أدبرت فاغتسلي وتوضئ لكل صلاة ". ثم قال: وروى ذكر
الحسين المرخص قول من زعم أنّ هذه اللفظة تفردّ بها أبو حمزة وأبو حنيفة،
أنبأ محمد بن أحمد بن النصر في عقب خبر أبي حمزة ثنا محمد بن علي
بن سفيان سمعت أبي ثنا أبو عوانة هشام عن أبيه عن عائشة سئل عليه
الصلاة والسلام عن المستحاضة فقال: " تدع الصلاة أيامها ثم تغتسل غسلا
واحدا ثم تتوضأ عند كل صلاة " (1) . وفي لفظ الإسماعيلي في صحيحه فإذا
أقبلت الحيضة فلتدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وتتوضئي لكل صلاة
ولفظ الدارمي وخرجه في مسنده عن حجاج بن منهال ثنا حماد بن سلمة:
" فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وتوضئ وصلى ". قال هشام وكان أبي
يقول: " تغتسل الغسل الأوّل ثم ما يكون بعده ذلك فإنها تطهر وتصلى "، وفي
لفظ لأحمد (2) : " ثم اغتسلي وتوضئ لكل صلاة وصلى ". وأمّا قول الشّافعي
ذكر الوضوء عندنا غير محفوظ، ولو كان محفوظا كان أحب إلينا من
القياس، ذكره البيهقي وقال: هو كذلك ففيه نظر لما أسلفناها ولما في الأوسط
لأبي القاسم نا محمد بن المرزبان ثنا محمد بن حكيم الرازي نا هشام بن
عبيد الله نا ابن معاذ خالد البلخي عن محمد بن عجلان عن هشام عن أبيه
عن عائشة قال عليه السلام: " المستحاضة تغتسل مرة ثم تتوضأ يعنى لكل
__________
(1) تقدّم. رواه الترمذي (ح/126) والبيهقي (1/346) والمشكاة (560) ونصب الراية (1/
201، 202، 204) والطبراني في " الصغير " (2/149) والمسير (1 / 258) . ولفعل:
" تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها، ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة، وتصوم
وتُصلى " وبلفظ المصنف. انظر: الكنز (26747) .
(2) رواه أحمد: (6/204) .

(1/847)


صلاة " (1) . وقال: لم يروه عن ابن عجلان إلا ابن معاذ تفرد به هشام، قال أبو
عمر: فيه دليل على أنّ المستحاضة لا يلزمها غير ذلك الغسل؛ لأن النبي لم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لا يأمرها بغيره، وفيه ردّ لمن رأى عليها الجمع بين الظهر والعصر بغسل واحد،
والمغرب والعشاء بغسل واحد، ويغتسل للصبح؛ لأنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمر حابش
من ذلك في هذا الحديث، وفيه ردّ لمن قال بالاستظهار يومين أو ثلاثا وأقل أو
أكثر، غريبه أمّا القرء فذكر الأصمعي أن الحجازيين من الفقهاء ذهبوا إلى أنه
الطهر، وفي مذهب العراقيين: إلى أنه الحيض، وكل واحد من القولين شاهد
من الحديث واللغة، أمّا حجة الحجازيين من الحديث: فما روى عن عمر
وعثمان وعائشة وزيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنهم- أنهم قالوا: الاقراء
الاطهار، وأمّا حجتهم من اللغة فقول ميمون:
وفي كل عام أنت جاسم ... غزوة تُشد لأقصاها غيرهم
غير إنكار مورثه مالا وفي الحي ... رفعة لما ضاع فيها من قروء لنا
وأمّا حجة العراقيين من الحديث بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمستحاضة: " اقعدي عن
الصلاة أيّام اقرائك". وأما حجتهم من اللغة فقول الزاجر: مأرب ذى ضعن
على فارض له قروء كقروء الحائض، قال ابن السيد وحكى يعقوب بن السكين
وغيره من اللغويين أنّ العرب تقول: أقرأت المرأة إذا طهرت وأقرأت إذا
حاضت، وذلك أنّ القرء في كلام العرب معناه الوقت، فلذلك صلح للطهر
والحيض معا، ويدل على ذلك قول مالك بن خالد الهذلي: شيت سيت القصر
عقر بيني شليل إذا هبت لقاربها الرياح، وقد احتج بعض الحجازيين لقولهم
بقوله تعالى: (ثلاثة قروء) فأثبت لها في ثلاثة، فدل ذلك على أنّه أراد
الاطهار، ولو أراد الحيض فقال ثلاث قروء فأثبت لها في ثلاثة فدّل ذلك على
__________
(1) رواه ابن عدي في " الكامل ": (6/2431) بلفظ: " المستحاضة تغتسل من طهر إلى طهر ".
والطبراني في " الصغير " وفيه " من قرء إلى قرء ". وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " بلفظ الطبراني (1/281) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " و" الصغير " من حديث ابن عمرو بن العاص، وفيه بقية بن الوليد وهو مدلس.
وقوله: " القرء " من الأضداد، يقع على الطهر وعلى الحيض، ولذلك اختلف الفقهاء فيه.

(1/848)


أنّه أراد الاطهار، ولو أراد الحيض لقال تعالى ثلاث قروء من الحيض مؤنثة،
وهذا لا حجة فيه عند أهل النظر، إنما الحجة لهم فيما قدمناه/وإنما لم يكن
فيه حجة؛ لأنه لا شكّ أن يكون القرء لفظا يذكر يعنى به المؤنث، ويكون
يذكر ثلاثة محلا على اللفظ دون المعنى، كما يقول العرب: جاء في ثلاثة
أشخاص وهم يعنون نساء العرب فحمل الكلام تارة على اللفظ وتارة على
المعنى ألا ترى إلى قراءة " القرابلي قد جاءتك أيأتي بكسر القاف وفتحها، وفي
كتاب الأضداد ليعقوب: وقال أبو عمرو الشيباني: فقال دفع فلان إلى فلان
خازت مقبرها مشدّد مهموز يعنى أن تحيض عنده ويطهر للاستبراء وجمعه:
قروء، قال الأصمعي: ومنه يقال أقرأت الريح: إذا جاءت لوقتها، وأهل الحجاز
يقولون: ذهبت عنك القرء مخففة بغير همز يريدون وقت المرض، قال: ومن
جعله الطهر، احتج لقول أبي عبيدة: أقرأت النجوم بالألف معناه: غابت، وفيه
قروء المرأة فيمن زعم أنه طهرها لغيبة الدّم عند الطهر، لأنها خرجت من
الحيض إلى الطهر كما خرجت النجوم بين الطلوع إلى المغيب، وقالوا: ما
قرأت الناقة مدّا قط مقصور بغير ألف، ومنه قرأ ومن ذلك قرء المرأة فيمن زعم
أنه طهرها، قال يعقوب: وسمعت أبا عمرو الشيباني يقول: الاقراء أن يقرى
الحية سمها، وذلك إنّما تصونه أي تجمعه شهرا فإذا وفي لها شهرا قرأت
ومحت سمها، ولو أنها لدغت شيئا في أقرائها لم يظنه ولم يبل سمّها،
ويقال: قد أقرأ سُمّها إذا اجتمع وقوله: يستنفر قال الجوهري: استنفر الرجل
بثوبه إذا ردّ طرفه بيّن رجليه إلى حجرته واستنفر الكلب بدنه أي: جعله بين
فخذيه، قال الزبرقان بن بدر: تعدو الذباب على من لا كلاب له/ويبقى
مريض المستنفر الحامي، وقال الهروي: هو أن تشد فرجها بخرقة عريضة توثق
طرفها من حقب تشدّه على وسطها بعد أن تحثي كرسفا فيمنع بذلك الدم،
ويحتمل أن يكون مأخوذا من نقر الدابة تشدّه كما يشدّ الثفر تحت الذنب،
ويحتمل أن يكون مأخوذا من الثفر يريد به فرجها وإن كان أصله للسباع فإنه
استعير والله تعالى أعلم، وفي الإلباس أثفر الدابة مثفار يرمى لسرجه (1) إلى

(1/849)


مؤخره، ومن المجاز استثفرت المستحاضة تلجمت، قال ابن عباس: والاستحاضة
هو جريان الدم من الفرج في غير أوانه من عرق يقال له العازل بخلاف
الحيض لخروجه من قعر الرحم.
__________
(1) قوله: " لسرجه " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(1/850)