شرح ابن ماجه لمغلطاي

79- باب ما جاء في المستحاضة إذا اختلط عليها الدم فلم تقف على أيام حيضتها
حدثنا محمد بن يحيى ثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي عن الزهري عن عروة بن
الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: استحيضت
أم حبيبة بنت جحش وهي تحت عبد الرحمن بن عوف سبع سنين فشكت
ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن هذه ليست بالحيضة، وإنما هو عرق فإذا
أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلى، قالت عائشة:
فكانت تغتسل لكل صلاة ثم تصلى، وكانت تقعد في مركن لأختها زينب
بنت جحش حتى أنّ حمرة الدم لتلعو الماء ". هذا حديث خرجه الأئمة
الستة (1) ، وفي كتاب الدارقطني وقال الليث بن سعد عن يونس عن الزهري/
عن عمرة عن أم حبيبة: لم يذكر عائشة، ولذلك رواه معاوية بن يحيى عن
ابن شهاب ورواه أبو داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب عنه بلفظ: " أن زينب
بنت جحش استحيضت ". ووهم في قوله زينب، ورواه إبراهيم بن نافع وجعفر
ابن برقان عن الزهري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا، ورواه سهيل عن الزهري عن
عروة عن أسماء بنت عميس أنها استحيضت وقال الإمام العلامة أبو إسحاق
إبراهيم الحربي الصحيح قول من قال أم حبيب ملاها وأنّ اسمها حبيبة بنت
جحش، ومن قال أم حبيبة (2) أو زينب فقد وهم، والحديث صحيح من
حديث الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة، وكذلك قاله أبو الحسن البغدادي
الحافظ وقبلهما قاله الواقدي: بعضهم يغلط فيروى أنّ المستحاضة حبيبة بنت
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح/327) ومسلم في (الحيض، ح/334) وأبو داود
(ح/ 288. 292) والترمذي (ح/129) وصححه. والنسائي (الحيض، باب ذكر الاستحاضة،
وإقبال الدم، وابن ماجة (ح/ 626) والدارمي (ح/ 768) وأحمد (6/194) والبيهقي (1/323،
325، 344) والدارقطني (1/206) والإرواء (1/213.146) .
غريبه: قوله: " مركن " إجانة يغسل فيها الثياب.
(2) قوله: " حبيبة " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(1/851)


جحش ويظن أنّ كنيتها أم حبيبة وهي يعنى المستحاضة حبيبة أم حبيب بنت
جحش، وفي صحيح الإسفراييني: أنّ هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق
فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة واذا أدبرت فاغتسلي ثم صلّى، قالت عائشة
فكانت تغتسل عند كلّ صلاة وكانت تقعد في مركن " كذا أورده من حديث
بشر بن بكر عن الأوزاعي، وقال عقيبه ثنا إسحاق الطحان أنبأ عبد الله بن
يوسف ثنا أهشم بن حميد ثنا النعمان بن المنذر والأوزاعي وأبو معبد عن
الزهري بنحوه، وفي كتاب أبي داود: زاد الأوزاعي في هذا الحديث عن
الزهري بسنده: " استحيضت أم حبيبة بنت جحش وهي تحت عبد الرحمن بن
عوف سبع سنين فأمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا
أدبرت فاغتسلي وصلى ". وقال أبو داود: لم يذكر هذا الكلام أحد/من
أصحاب الزهري غير الأوزاعي، وقد رواه عن الزهري عمرو بن الحارث
والليث ويونس وابن أبيِ ذئب ومعمر وإبراهيم بن سعد وسليمان بن كثير وابن
إسحاق وابن عيينة لم يذكروا هذا الكلام، وإّنما هذا لفظ حديث هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة قال: وزاد ابن عيينة فيه أيضا أمرها أن تدع الصلاة
أيّام إقرائها وهو وهم من ابن عينية،، وحديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه
شيء من الذي زاد الأوزاعي في حديثه، وتابعه على هذا البيهقي انتهى، وفيما
سقناه من عند أبي عوانة يرد قوله، وذلك أنّ النعمان وأبا معبد وافقا الأوزاعي
وإن لم يسق لفظهما؛ لأن قوله ونحوه ليس صريحا في ذلك فنظرنا فإذا
النسائي ذكر لفظ الهيثم فقال: أخبرني النعمان والأوزاعي وأبو معبد وهو
حفص بن غيلان عن الزهري أخبرني عروة وعمرة عن عائشة
قالت: " استحيضت أم حبيبة بنت جحش امرأة عبد الرحمن وهي أخت زينب
بنت جحش واستفتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه فقال لها: إن هذه ليست بالحيضة،
ولكن هذا عرق فإذا أدبرت الحيضة، فاغتسلي وصلى وإذا أدبرت اتركي لها
الصلاة، قالت عائشة: فكانت تغتسل لكل صلاة وتصلي، وكانت تغتسل
أحيانا في مركن في حجرة أختها فتصلى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما يمنعها ذلك من
الصلاة " (1) . وخرجه الطحاوي بنحوه وزاد ولكنه عرق متعة إبليس، وروى أبو
__________
(1) تقدّم وهو حديث الباب ص 843.

(1/852)


داود من حديث عكرمة أن أم حبيبة بنت جحش: " استحيضت فأمرها النبي
عليه السلام أن تنظر أيام إقرائها ثم تغتسل وتصلى فإن رأت شيئا من ذلك/
توضأت وصلت ". قال أبو داود: وقال القاسم بن مبرور: وهو ابن أخت طلحة
ابن عبد الملك الأيلي عن يونس عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة عن أم
حبيبة بشا جحش، وكذلك روى معمر عن الزهري عن عمرة عن عائشة
وربما قال معمر عن عميرة عن أم حبيبة بمعناه، ولذلك رواه إبراهيم بن سعد
وابن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة، وقال ابن عيينة في حديثه: لم
يقل أن النبي عليه السلام أمرها أن تغتسل نا محمد بن إسحاق بن المثنى ثنا
أبي عن زينب عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة: " أنّ أم حبيبة استحيضت
سبع سنين فأمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تغتسل فكانت تغتسل لكل صلاة ". ولذلك
رواه الأوزاعي قال فيه: قالت عائشة: " وكانت تغتسل لكل صلاة ". ورواه ابن
إسحاق عن الزهري به: " استحيضت أم حبيبة في عهد النبي عليه السلام فأمرها
بالغسل لكل صلاة ". ورواه أبو داود (1) والطيالسي، ولم أسمعه منه عن
سليمان بن كثير عن الزهري به فقال لها عليه السلام: " اغتسلي لكل صلاة ".
ورواه عبد الصمد عن سليمان قال: " توضئ لكل صلاة ". قال أبو داود: وهذا
وهم من عبد الصمد، والقول قول أبي الوليد، وفي المعرفة قال الليث: لم
يذكر ابن شهاب أنّ النبي أمر أم حبيبة أن تغتسل ولكنه شيء فعلته هي. قال
الشّافعي: ورواه غير الزهري فرفعه ولكنه عن عمرة والزهري أحفظ، وقد روى
فيه شيئا يدل على أن الحديث غلط وهو متروك الصلاة قدر إقرائها وعائشة
تقول: الاقراء طهارة وقد تقدم يعنى هذا عن أحمد من قبل، وقال الحربي:
روى هذا الحديث عن الزهري أحد عشر نفسا وقالوا: ستة أقاويل: الأول: قول
ليث وسليمان بن ليث/عن عروة عن عائشة، والثالث: قول ابن أبي ذئب:
__________
(1) رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، باب (109) ، (ح/292) . قال أبو داود ورواه أبو
الوليد الطيالسي ولم أسمعه منه: عن سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغتسلي لكل صلاة " وساق الحديث، قال أبو داود: ورواه عبد الصمد عن سليمان بن كثير قال: " توضئي لكل صلاة " قال أبو داود: وهذا وهم من عبد الصمد، والقول فيه قول أبي الوليد.

(1/853)


عروة وعميرة، والرابع: قول الأوزاعي عن عمرة عن عائشة، وقد اختلف
أصحاب الأوزاعي، فقال الوليد كما قال: ليث، وقال أبو المغيرة: عروة وعمرة
فقال ابن أبي ذئب، والخامس: قول عمرة عن أم حبيبة، والسادس: قول يونس
ومعاوية عن أم حبيبة وأرسله إبراهيم بن نافع وجعفر، واختلفوا في اسم هذه
المرأة فقال: ليست أم حبيبة، ووافقه الأوزاعي ومعاوية وإبراهيم ويونس، وهؤلاء
وهموا عن الزهري، وقال سفيان حبيبة ووافقه إبراهيم بن سعد وابن أبي ذئب
ومعمر، وهذا هو الصواب هي حبيبة بنت جحش تكنى أم حبيب أخت حمنة
بنت جحش، وكانت ممن أوهم في اسمها عرال عن عروة وقتادة عن عروة
وأبو بكر بن محمد عن عروة عرال وقتادة وهشام، فلم يختلف أصحاب عرال
يزيد بن أبي حبيب وجعفر بن ربيعة (1) أنهما قالا: أم حبيبة، وكذا قاله قتادة،
فأما هشام فقال: شعيب وحماد عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة أنها رأت
زينب بنت جحش التي كانت تحت ابن عوف وزينب لم تكن تحته إنّما كانت
تحت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم تستحاض، وقال ابن جريج عن هشام عن أبيه عن عائشة
عن زينب أنها رأت زينب بنت جحش مثل قول شعيب، وحماد زاد عن
عائشة، وقال المفضل عن هشام عن أبيه عن زينب عن أمها: أنّها رأت أم
حبيب بنت/جحش فزاد عن أنّها وأصاب في قوله أم حبيب، ورواه يزيد بن
حماد عن أبي بكر بن محمد عن عمرة فقال: أنّ أبي حازم عن أم حبيبة بنت
جحش، فأوهم أيضا وقال بكر بن نفير: عن أم حبيب فأصاب ووافقه ابن عمر
وعكرمة اللهم إلا أن تكون أم حبيبة وأم حبيب كان عندهم سواء، والصواب
من هذا كلّه قول من قال أم حبيب وهي زينب وحمنة المستحاضة أيضا إلا أن
أم حبيب حبيبة كانت لها أيّام معروفة، وحمنة ليست أيّامها أو اختلفت عليها،
وفي السنن للبيهقي عن عكرمة عن أم حبيبة أنها كانت تستحاض وكان
زوجها يغشاها، وعنه حمنة أنّها كانت مستحاضة وكانت زوجها يجامعها،
ويذكر عن ابن عباس أنه أباح وطئها وهو قول ابن المسيب أو الحسن وعطاء
وسعيد بن جبير وغيرهم، وقال عبد الله: سئل أبي عن وطئ المستحاضة فقال:
ثنا وكيع عن سفيان عن غيلان.
__________
(1) قوله: " ربيعة " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(1/854)


80 - باب ما جاء في البكر أن إذا ابتدأت مستحاضة وكان لها أيام حيض ونسيتها
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون أنبأ شريك عن عبد الله بن
محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمّه عن عمران بن
طلحة عن أمه حمنة بنت جحش أنها استحيضت على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فأتت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: إنى استحضت حيضة بكرة شديدة قال لها:
أحشى كرسفا قالت له إنّه أشدّ من ذلك إنّي أثج ثجا قال: تلجمي وتحيضي
في كل شهر في علم الله ستة أيام وسبعة أيام ثم اغتسلي غسلا فصلى
وصومي ثلاثة وعشرين أو أربعة وعشرين وأخرّى الظهر وقدمي العصر واغتسلي
لهما غسلا، وأخرى المغرب وعجلي العشاء واغتسلي لهما غسلا وهذا أحب
الأمرين/إلي " (1) . هذا حديث لما رواه أبو داود عن زهير بن محمد بن أبي
سمينة وغيرهما نا عبد الملك بن عمر وعن ابن عقيل بلفظ: " أو أربعا وعشرين
وأيامها وصومي فإنّ ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض
النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهنّ وإن قويته على أن تؤخِّري
الظهر وتعجلي العصر فتغتسلي فتجمعين الصلاتين الظهر والعصر وتؤخرين
المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين وتغتسلين مع الفجر
فافعلي وصومي إن قدرت على ذلك، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا أعجب
الأمرين إلي " (2) . قال: وروى هذا الحديث عمرو بن ثابت عن ابن عقيل
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/627) وأحمد (6/440) وابن أبي شيبة (1/128) ومشكل
(3/300) وصححه الشيخ الألباني.
غريبه: قوله: " احتشى كرسفا " أي ضعيه موضع الدم لعله يذهب. و" الأثج " من الثج وهو جرى الدم والماء جريا شديدا. وجاء متعديا أيضا بمعنى الصب. وعلى هذا يقدر المفعول. أي: صب الدم، وعلى الأول، نسبة إلى دم نفسها للمبالغة، كأن النفس صارت عن الدّم سائل. و" تلجم " أي اجعلي ثوبا كاللجام للفرس. أي اربطي موضع الدم بالثوب.
(2) رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 109. باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة،
(ح/287) . قال أبو داود: ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل قال: فقالت حمنة فقلت: هذا=

(1/855)


قال: قالت حمنة: فقلت: هذا أعجب الأمرين. أبي: لم يجعله قول النبي عليه
السلام، وسمعت أحمد بن حنبل يقول: في الحيض حديث ثالث في نفسي
منه شيء يعني هذا، قال أبو داود وعمرو بن ثابت بن أمضى: حبيب غيّر لغته
وابن عقيل ضعيف أنبأ أحمد بن صالح عن عتبة بن صالح عن عتبة بن سعد
عن يونس عن الزهري عن عمرة عن أم حبيبة هذا الحديث وهي حمنة، وعن
زياد بن أيوب عن هشام عن ابن بشر عن عكرمة أن أم حبيبة استحيضت
بنحوه، ولما رواه أبو عيسى (1) عن ابن بشار عن العقدي قال فيه حسن
صحيح، قال: ورواه عبيد الله بن عمرو البرقي وابن جريج وشريك وابن عقيل
إلا أن ابن جريج كان يقول: عمر بن طلحة والصحيح عمران، وسألت
محمدا عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن، وهكذا قال أحمد بن
حنبل: هو حديث حسن صحيح وهو معارض لما ذكرناه قبل، وفي العلل: قال
محمد إلا أنّ/إبراهيم بن محمد بن طلحة قديم ولا أدرى سمع منه ابن عقيل
أم لا، وسئل عنه الرازي ووهنه ولم يقو إسناده وخرجه الحاكم من حديث
عبيد الله البرقي وفيه: " صبي إذا رأيت أنّك قد طهرت واسعات تصل ثلاثا
وعشرين ليلة وأيامها وصومي " وفيه قال عليه السلام: " وهذا أعجب الأمرين
إلي ". ثم قال قد اتفق الشيخان على إخراج حديث المستحاضة عن عائشة
وليس فيه هذه الألفاظ التي في حديث حمنة رواية ابن عقيل، وهو من
أشراف قريش وأكثرهم رواية غير أنهما لم يحتجا به وشواهده حديث الشعبي
عن قمير عن عائشة، وحديث أبي عقيل عن لهيعة عنهما وذكرها في هذا
الموضع، وخرجه أبو الحسن الطوسي في أحداثه من حديث شريك وقال فيه:
__________
= أعجب الأمرين إلي، لم يجعله من قوله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعله كلام حمنة، قال أبو داود: وعمرو
بن ثابت رافضي رجل سوء، ولكنه كان صدوقا في الحديث، وثابت بن المقدام رجل ثقة،
وذكره عن يحيى بن معين. قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل في نفسه منه
شيء.
(1) صحيح. رواه الترمذي في: " أبواب الطهارة، 95. باب ما جاء في المستحاضة أنها تجمع
بين الصلاتين بغُسل واحد، (ح/ 128) . وقال: " هذا حديث حسن صحيح ".
العقدي: بالعين المهملة والقاف المفتوحتين.

(1/856)


حسن صحيح، وقال أبو جعفر في المشكل: هو من أحسن الأحاديث المروية
في هذا، وصححه أيضا أبو محمد الإشبيلي، وقال الخطابي: وهو قول بعض
العلماء القول بهذا الحديث؛ لأن ابن عقيل راويه ليس بذاك، وقال أبو بكر
البيهقي: تفرد به ابن عقيل وهو مختلف في الاحتجاج به، وقال ابن مندة:
وحديث حمنة تحيض في علم الله ستا أو سبعا لا يصح عندهم من وجه من
الوجوه؛ لأنه من رواية ابن عقيل، وقد أجمعوا على ترك حديثه. انتهى كلامه
وفيه نظر؛ لأن الترمذي ذكر أن الحميدي وأحمد وإسحاق كانوا يحتجون
بحديثه، وأي إجماع مع مخالفتهم، وقد أسلفنا قول البخاري وغيره في
تصحيح حديث مع تفرده به، وليس لقائل أن يقول كيف يحتج به أحمد وقد
قال إن في قلبه من حديثه شيء؛ لأنه لم يرد الاختلاف في الحكم إلا النظر
في/الإسناد قاله ابن عبد البر، وأمّا قول البخاري إبراهيم بن محمد قديم ولا
أدرى سمع منه ابن عقيل أم لا ففيه نظر؛ لأن ابن عقيل روى عن جماعة من
الصحابة، وتوفي سنة خمس وأربعين ومائة بعد سن عاليه، وإبراهيم توفي سنة
ست عشرة ومائة فيما حكاه غير واحد منهم علي ابن المديني وأبو عبيد بن
سلام وخليفة بن خياط فتبيّن ومالها ما ترى من العرب التسرع للرواية لا سيما
وبلدهما المدينة يجمهما والبخاري لم يقل لم يسمع منه خبرها إنما هو استبعاد
تفرد به ما ذكرنا، وأما قول أبي عمر بن عبد البر والأحاديث في إيجاب
الغسل على المستحاضة لكل صلاة، وفي الجمع بين الصلاتين وفي الوضوء
لكل صلاة مضطربة كلها فليس بشيء؛ لأن اضطراباتهما لا يضرّها لصحة
سندها، والحديث إذا صح من طريق لا يؤثر في صحته اختلاف لفظ من
طريق أخرى غير صحيحة، بل يكون الحكم للصحيحة على غيرها والله تعالى
أعلم، وأما قول علي بن المديني حمنة بنت جحش هي أم حبيبة تكنى بذلك
حكاه عنه عمرو بن سعيد الدارمي تابعه عنه أكثرهم بقوله: أحفظ أربع نسوه
في هذا من الزهري، وقد ركن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتبين من نسائه أم حبيبة وزينب
بنت جحش وتبين من تنبه زينب أم سلمة وحبيبة بنت أم حبيبة فقد خالفهما
يحيى بن معين فزعم: أن المستحاضة المكناه أم حبيبة بنت جحش ليست
بحمنة، وهذا عن الواقدي أنّ من قال: هذا غلط، ولذا قاله: أبو عمرو، وأما

(1/857)


قول البيهقي: وحديث ابن عقيل يدلّ أنّها غير أم حبيبة وكان ابن عيينة ربما
قال في حديث عائشة حبيبة بنت جحش، وهو خطأ إنما هي أم حبيبة لذلك
قاله أصحاب/الزهري سواه فكذلك أيضا لما قدمناه من كلام الحربي وغيره،
وأنّ الصواب ما خطأه هنا، وقد ذكر الحميدي عنه، وكذا قاله الطبراني في
المعجم الكبير، وحمنة هذه كانت تحت طلحة بن عبيد الله وأنها ولدت له
محمدا وعمران قاله الزبير بن بكار، وليست أخت أم حبيبة قاله الحاكم في
الإكليل، وبنحوه ذكره شيبان في كتاب الطبقات وأحمد بن يحيى البلاذري
وابن سعد والكلبي وأبو عبيد في كتاب النسب وغيرهم، وهو مما يصح قول
ابن عقيل عن أمه حمنة، وأمّا قول العسكري حمنة بنت جحش هي أم حبيبة
وأخت زينب بنت جحش كانت تحت ابن عوف وأنّها هي التي استحيضت
وأصحاب الحديث على أنّ حمنة هي التي استحيضت وهي أم حبيبة فيردّه ما
حكاه عن الجمحي وهي وإن تعمّدت وما أسلفناه والله تعالى أعلم، قال
الشّافعي: وإن روى في المستحاضة حديث مُعلق فحديث حمنة بيّن أنه اختيار
وأنّ غيره يجري منه، وفي باب الاستحاضة أحاديث: من ذلك حديث جابر
ابن عبد الله: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر المستحاضة بالوضوء عند كل صلاة ". قال أبو
القاسم في الأوسط (1) : لم يروه عن أبي أيوب الإفريقي يعنى عن ابن عقيل
إلا أبو يوسف القاضي، وحديث الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جدّه قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " المستحاضة تغتسل من قرء إلى قرء ". قال: لم يروه عن
الأوزاعي إلا مسلمة بن كلثوم تفرد به عبد بن جياد، وحديث فاطمة بنت
قيس قالت: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المستحاضة/فقال: " تعتد أيام أقرائها
ثم تغتسل لكل طهر ثم تحشى وتكلئ " (2) . قال: لم يروه عن ابن جريج يعنى
عن ابن الزبير عن جابر عنها إلا جعفر بن سليمان وقال: وهي فاطمة بنت أبي
حبيش قيس، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: ليس هذا بشيء، وقال البيهقي: لا
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثم في " مجمع الزوائد " (1/281) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وهو مختلف في الاحتجاج به.
(2) صحيح. رواه الطبراني في " الصغير " (1/86) . وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/
280) وعزاه إليه، ورجاله رجال الصحيح.

(1/858)


يقوم عليه الحجة، وتقدّم حديث عائشة أنّ فاطمة جاءت إليها، وقال فيه أبو
عبد الله: حديث صحيح ولم يخرجاه، وحديث سودة بنت زمعة قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تجلس فيها ثم
تغتسل غسلا واحدا ثم تتوضأ لكل صلاة " (1) قال: لم يروه عن الحكم يعنى
ابن عيينة عن أبي جعفر عنها إلا العلاء بن المسيب، ولا عن العلاء إلا حفص
بن غياث تفرد به الحسن بن عيسى، وحديث أسماء جاءت جارية إلى رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: " اشتكيت من حيض. قال: كيف؟ قالت: يأخذني فإذا
تطهرت منها عاودتني قال: إذا رأيت ذلك فامكثي ثلاثا " (2) . ذكره البيهقي من
حديث حرام بن عثمان عن ابن جابر عن أبيه وضعفه بحرام، قال الشّافعي:
الحديث عن حرام هو حديث لا يصح، وفي الاستذكار: لا يوجد إلا بهذا
الإسناد، وحرام متروك الحديث مجمع على طرحه، وفي رواية أبي بكر بنت
الجهم المالكي: جعله من مسند جابر بن عبد الله، وحديث زينب بنت أم
سلمة " أنّ امرأة كانت تهراق الدم وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلي " خرجه أبو داود (3)
عن أبي معمر عن عبد الوارث عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن
أبي سلمة قال: أخبرتني زينب قال البيهقي خالفه/يعني جسنا هشام
الدستوائي، فأرسله عن يحيى فجعل المستحاضة زينب، وأنّها كانت تعتكف
مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي تهريق الدم، قال: ويروى من وجه آخر عن عكرمة
بخلاف هذا أنّ أمّ حبيبة وهو منقطع، وقال الرازي: وقال المعلم عن أبي
سلمة: أخبرتني زينب بنت أم سلمة أنّ امرأة وهو مرسل، وفي المصنف: ثنا
عبدة عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة أنّ امرأة وهو مرسل، وفي
المصنف ثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة قالت: رأيت ابنة
__________
(1) ضعيف أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/281) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
وفيه جعفر عن سودة ولم أعرفه.
(2) تقدم من أحاديث الباب.
(3) حسن. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، باب (109) ، (ح/293) .

(1/859)


جحش، وكانت مستحاضة تخرج من المركن والدّم عاليه ثم تصلى، وحديث
زينب بنت جحش أنها قالت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّها مستحاضة فقال: " تجلس أيّام
أقرائها وتغتسل وتصليها جميعا وتغتسل للفجر ". رواه النسائي (1) عن سويد عن
ابن المبارك عن سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها، ولما ذكره
البيهقي أعلّه بامتناع عبد الرحمن من رفعه؛ وذلك أنه قيل له عن النبي عليه
السلام قال: لا أحدثك عن النبي عليه السلام بشيء قاله النضر بن شميل
وغيره عن شعبة انتهى، وحديث النسائي المذكور يقضى على قوله، وأمّا امتناع
عبد الرحمن من رفعه؛ فلأنّه سمع فأمرت فيما بقى له بأن يقول: فأمرها النبي
عليه السلام؛ لأنّ اللفظ الأول ليس بصريح في النسبة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل هو
مسند بطريق اجتهادي فليس له أن ينقله إلى ما هو صريح، ولا يلزم من
امتناعه من صريح النسبة إلى الشيء أن لا يكون مرفوعا على ما هو معروف
من أنّ هذه الصيغة مرفوعة، وفي صحيح البخاري (2) ما يوضحه عن عائشة أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اعتكف واعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فرّبما
وضعت الطست تحتها من الدم ". وكلام أبي داود/الكافة كما نقله الآحاد
العدول، ولا مخالف فيه إلا طوائف من الخوارج يرون على الحائض الصلاة،
وأمّا علماء السلف والخلف قاطبة بالأمصار: فكلّهم على أن الحائض لا تصلّى
ولا تقضى الصلاة أيام حيضها إلا أنّ من السلف من كان يأمر الحائض بأن
تتوضأ عند وقت الصلاة وتذكر الله تعالى، ولتستقبل القبلة ذاكرة لله جالسه
روى ذلك عن عقبة بن عامر، وقال: كان ذلك من هدى نساء المسلمين في
حيضهن، وقال عبد الرزاق: قال: نعم بلغني أنّ الحائض كانت تؤمر بذلك
عند كل وقت صلاة، وابن جريح عن عطاء لم يبلغن ذلك وإنه لحسن، قال
ابن عمرو: وهو متروك عند جماعة الفقهاء بل يكرهونه، قال أبو قلابة: سألنا
__________
(1) ضعيف. رواه النسائي في: 1. كتاب الطهارة، 135. باب ذكر الاغتسال من الحيض (1/
119.118) . قلت: والحديث معلول بالرفع.
(2) صحيح. رواه البخاري في (الحيض، باب " 10 " والدارمي (ح/ 877) وأحمد (6/131،
137، 172) .

(1/860)


عنه فلم نجد له أصلا، وقال سعيد بن عبد العزيز: ما نعرفه، وإنا لنكرهه. قوله:
فاغسل عنك الدم: هو أن تغتسل عند أدبار حيضها وإقبال استحاضتها كما
تغتسل الحائض عند رؤية كليهما؛ لأنّ المستحاضة طاهرة ودمها دم عرق كدم
الجرح السائل، وهذا إنّما يكون في امرأة تعرف دم حيضها من دم استحاضتها،
قال أبو عمرو: وكان مالك يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولا يوجبه عليها
كما لا يوجبه من سلس البول، وممن أوجبه الثوري وأبو حنيفة وأصحابه
والأوزاعي (1) وهؤلاء كلّهم ومالك منهم لا يرون عليها غسلا غير مرّة واحدة
عند إدبار حيضها وإقبال استحاضتها ثم تغسل عنها الدم وتصلى ولا تتوضأ إلا
عند الحدث عن مالك وهو قول عكرمة وأيوب، وكذلك التي تقعد أيامها
المعروفة ثم تستطهر عند مالك ولا تستطهر عند غيره تغتسل أيضا عند أيامها
واستطهارها،/ولا شيء عليها إلا أن تحدث حدثا يوجب الغسل، وأمّا عند
الشافعي وأبي حنيفة والثوري ومن ذكرنا معهم: فتتوضأ لكل صلاة على
حسب ما ذكرنا، وذهبت طائفة من العلماء: إلى أن الغسل لكل صلاة واجب
على المستحاضة للأحاديث السابقة؛ ولأنه لا يأتي عليها وقت صلاة إلا وهي
فيه شاكة هل هي حائض أو طاهر، مستحاضة أو هل طهرت في ذلك الوقت
بانقطاع دم حيضها أم لا فواجب عليها الغسل للصلاة، وهذا أيضا عن علي
وابن عبّاس وابن الزبير وسعيد بن جبير وهو قول ابن علية، وقال آخرون:
عليها أن تجمع بين كلّ صلاتين كما تقدم، وروى ذلك عن ابن عباس وعلي
وهو قول النخعي وعبيد الله بن شدّاد، وقال آخرون: تغتسل كل يوم مرة في
أي وقت شاءت من النهار أسنها، رواه معقل الخثعمي عن علي، وقال آخرون:
تغتسل من طهر، رواه مالك في الموطأ عن ابن المسيب، وكان مالك يقول: ما
أرى الذي حدثنى به من طهر أنّ طهر الآخر وهم، قال الخطابي: ما أحسن ما
قال مالك ولا أعلمه قولا لأحد (2) من الفقهاء وإنما هو من طهر إلى طهر،
وفيه نظر لما قال أبو عمر ليس لوهم؛ لأنه صحيح عن سعيد معروف من
__________
(1) قوله: " الأوزاعي " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) قوله: " لأحد " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه

(1/861)


مذهبه رواه عند جماعة، وهو قول سالم وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري
وروى مثله عن ابن عمرو أنس ورواه عن عائشة، وقد روى سعيد بن المسيب
في ذلك مثل قول مالك والفقهاء.

(1/862)


81- باب ما جاء في دم الحيض يصيب الثوب
حدثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدى قالا:
ثنا/سفيان عن ثابت بن هرمز أبي المقدام عن عدىّ بن دينار عن أم قيس بنت
محصن قالت: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن دم الحيض يصيب الثوب قال:
" اغسليه بالماء والسدر وحكيه ولو بضلع " (1) . هذا حديث خرجه أبو حاتم في
صحيحه عن محمد بن عمر الحمداني عنه، وقال: قوله عليه السلام: " اغسليه
بالماء " أمر فرضي، وذكر السدر والحك بالضلع أمر ندب وإرشاد، وقال أبو
الحسن ابن القطان: وهو حديث في غاية الصحة، وعاب على أبي مُحمد
قوله: الأحاديث الصحاح ليس فيها ذكر الضلع والسدر، قال: وهو قد يفهم
منه أنّ حديث أم قيس هذا يروى على وجهين: أحدهما: فيه ذكر الضلع
والسدر، والآخر: لا يذكر ذلك فيه وهي الطرق الصحيحة، والوجه الآخر: أنّ
الأحاديث الصحاح من غير روايتها ليس منها ذلك، فلو كان الأول كان مال
الحديث بالاضطراب وترجيح أحد روايته على الأخرى وإذ كان الوجه الثاني
فذلك لا يكون تضعيفا له إذا صح طريقه فاعلم إلا أن إنه إنما يعني هذا الوجه
أعني: أنّ غيره من الأحاديث كحديث أسماء ليس فيه ذلك، وحديث أم
قيس المذكور مثبت اللفظ صحيح الإسناد، ولا أعلم له علّة، والعجب أنه أورد
قبله حديث ابن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر، وهو عنى ما أنكر عليه زوجها
هشام فلم يقل أبو محمد فيه شيئا بل سكت عنه، ثم ذكر هذا بعده، وهو
أحق بأن يصحح فلم يبال: وقال فيه: ما ذكرناه والله تعالى أعلم، ولما ذكره
عبد الحق في الكبير أتبعه عدي: لا أعلم روى عنه إلا ثابت، وقد وثقة
النسائي فكان يلزم أبا الحسن ألا يصححه كما فعل في حديث عمرو بن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/ 628) ، والدارمي (1/240) ، وابن حبان (ح/ 235) ،
وعبد الرزاق (1226) وابن خزيمة (227) ، والحلية (7/123) ، والكنز (27283) .
وصححه الشيخ الألباني. (الإرواء: 1/197) .
غريه: قوله: " ولو بضلع " أي: بعود وهو في الأصل واحد أضلاع الحيوان. أريد به العود المشبه به.

(1/863)


نجدان ونظائره لكونهم لم يرو عنهم/إلا واحد، وإن كان قد وثّق كما سبق،
والله أعلم، ولفظ العسكري في كتاب الصحابة حليه بضلع واسقيه ماء
وسدر "، وفي لفظ: قال عبد الرحمن- يعني ابن مهدي- الحل مثل الغسل.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو خالد الأحمر عن هشام بن عروة عن
فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن
دم الحيض يكون في الثوب قال: " اقرضيه واغسليه وصلى فيه " (1) . هذا حديث
خرجه الأئمة الستة في كتبهم، ولفظ البخاري سألت امرأة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت:
يا رسول الله أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيض كيف تصنع؟
قال: " إذا أصاب إحداكن الدم من الحيض فلتقرضه ثم لتنضحه ثم لتصل
فيه " (2) . ولفظ مسلم (3) " يصيب ثوبها من دم الحيضة قال: تحته ثم لتقرضه
بالماء ثم تصلي فيه "، وفي لفظ لأبي داود (4) : من حديث محمد بن إسحاق
تصلى فيه: " قال: تنظر: فإن رأت فيه دما فلتقرضه بشيء من ماء، ولتنضح ما
لم ير ولتصلي فيه ". وفي لفظ حبيبة: " ثم اقرضيه بالماء ثم انضحيه "، وزعم في
الفرد أنه حديث تفرد به أهل المدينة، وفي لفظ الترمذي (5) : " اقرضيه بماء ثم
رشيه " ولفظ ابن خزيمة (6) : " كيف تصنع بثيابها التي كانت تلبس، يقال: إن
رأيت منها شيئا فلتحكه ثم لتقرضه شيء من ماء، وتنضح في سائر الثوب ماء
وتصلي فيه "، وفي لفظ: إن رأيت فيه ماء فحكِّيه "، وفي لفظ: " ثم رشي
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/629) ونصب الراية (1/207) وابن أبي شيبة (1/95) .
وصححه الشيخ الألباني.
غريبه: قوله: " اقرضيه " من القرض. وهو أن تقبض بإصبعين على الشيء ثم تغمز غمزا جيدا.
وفي النهاية: القرض الدلك بالأصابع، مع صب الماء عليه حتى يذهب أثره.
(2-3-4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الحيض، باب 300 "، والوضوء، باب " 63 ")
ومسلم في (الطهارة، ح/110) وأبو داود في (الطهارة، باب " 130 "، ح/360) .
(5) صحيح. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 104. باب ما جاء في غسل دم الحيض من
الثوب، (ح/138) . وقال: " هذا حديث حسن صحيح ".
(6) صحيح. رواه ابن خزيمة: (276) والدارمي (1/197، 239) .
وصححه الشيخ الألباني. (الصحيحة: 1/539) .

(1/864)


وصلى فيه "، وفي لفظ: " تنضحيه وتصلى فيه "، ولفظ أبي نعيم: " لتحكه ثم
لتقرضه بالماء، ثم لتنضحه، ثم لتقرضه بالماء، ثم تنضحه، ثم لتصلى فيه " (1) .
حدثنا حرملة بن يحيى، ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث/عن
عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قالت: " إن
كانت إحدانا لتحيض ثم لتقرض الدم من ثوبها عند طهرها فتغتسله وتنضح
على سائره ثم تصلى فيه ". هذا حديث تفرد ابن ماجة (2) به موقوفا وإسناده
صحيح، وفي الصحيحين (3) : " ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإن
أصابه شيء من دم بلّته بريقها ثم تضعه بظفرها "، وفي كتاب أبي داود (4)
بسند فيه ضعف: يغسله فإن لم يذهب أثره فليقرضه بشيء من صفرة قالت:
كنت أحيض عند النبي ثلاث حيضات جميعا لا أغسل لي ثوبا ". ورواه
الدارمي في مسنده بسند جيّد، وفي لفظ لأبي داود: " أخذ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكساء
فلبسه، ثم خرج يصلي الغداة، ثم جلس: فقال رجل: يا رسول الله هذه لمعة
من الدم، فقبض إلى يأتليها فبعث بها إلي مصروره في يد الغلام، فقال:
اغسلي هذه وأجفّيها ثم أرسلي بها إلي "، فقلت: فجاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصف
النهار وهي عليه " (5) . وحديث أبي هريرة: أنّ خولة بنت يسار أتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقالت: يا رسول الله: ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه، قال: " فإذا
طهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلى فيه، قالت يا رسول الله: إن لم يخرج
__________
(1) صحيح. رواه أحمد (6/345) ، والبيهقي (1/13) وأبو عوانة (1/206) .
(2) صحح. رواه ابن ماجة في: 1. كتاب الطهارة 1181. باب في ما جاء في دم الحيض
يصيب الثوب، (ح/630) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الحيض، باب " 9 ") ومسلم في (الطهارة، ح/110)
وأبو داود (ح/358) والترمذي (ح/138) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقد اختلف أهل
العلم في الدم يكون على الثوب فيصلى فيه قبل أن يغسله. ومالك في (الطهارة، ح/103) .
(4) حسن. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 130. باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في
حيضها، (ح/357) .
(5) حسن. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 140. باب الإعادة من النجاسة تكون في
الثوب، (ح/388) .

(1/865)


أثره؟ قال: يكفيك الماء ولا يضرك أثره ". ورواه الإمام أحمد (1) ، وفي تاريخ
ابن أبي خيثمة في الأوسط: ثنا أبو داود وثنا علي بن ثابت عن الوازع بن
نافع عن ابن سلمة عن خولة بنت يسار قالت: قلت: يا رسول الله، ست
جعله من مسنده، وفي كتاب الطبراني عن يحيى بن إسحاق عن عثمان بن
أبي شيبة ثنا علي بن ثابت الجوري عن الوازع عن أبي سلمة/عن خولة بنت
حكيم فذكره والله أعلم، والوازع تركه جماعة منهم النسائي، وحديث امرأة
من غفار قالت: أردفني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حقيبة رحله قالت: فوالله لتركب
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى الصبح فأناخ ونزلت عن حقيبة رحله، وإذا بها دم منى،
وكانت أول حيضة حضتها قالت: فتقبضت إلى الناقة أو استحييت، فلما
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي ورأى الدم قال: مالك لعلك نفست، قلت: نعم.
قال: " فأصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء واطرحي فيه ملحا، ثم
اغسلي ما أصاب الحيضة من الدم، ثم عودي لمركبك ". قالت: فلما أفتح
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر رضخ لنا من الفئ، قالت: وكانت لا تطهر إلا جعلت
في طهورها ملحا، وأوجبت به أن يجعل في غسلها حتى ماتت " (2) . أنبأ به
أبو الحسن بن الصلاح رحمه الله تعالى بقراءتي عليه، ثم الحافظ أبو علي
البكري، أنبأ أبو عبيد الله محمد بن محمد بن عاصم أنبأ الشيوخ أبو طاهر
روح وأبو الفضل بن عباس أنبأ أبو الرجاء الداري وأبو سعيد محمد بن
عبد الواحد قالوا: أنبأ الحافظ أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن مندة-
رحمه الله تعالى- بجميع كتاب المردفين، قال: أنبأ أبو الحسن على بن محمد
ابن على بن محمد السيرافي ثنا القاضي أبو عبد الله أحمد بن إسحاق بن
حرمان النهاوندي ثنا محمد بن عبد الرزاق، نا سليمان ثنا محمد بن عمرو
__________
(1) صحيح. رواه أحمد (364، 380) والبيهقي (8/402) والفتح (1/334) والإرواء (1/
189) والصحيحة (ح/298) .
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/313) والبيهقي (2/407) وبداية (4/204) .
غريبه: قوله: " حقيبة " بفتح الحاء المهملة هي كل ما شد في مؤخْر رحل أو قتب، والرحل: هو المركب للبعير، وهو أصغر من القتب، وقال ابن الأثير: الحقيبة: هي الزيادة التي تجعل في مؤخر القتب.

(1/866)


الرازي ثنا سلمة- يعني ابن فضيل- ثنا محمد يعنى ابن إسحاق عن سليمان
ابن سحيم عن آمنة بنت أبي الصلت عنها، قال ابن منده: وأنبأ محمد بن
أحمد بن محمد بن عبد الرحيم أنبأ عبد الله بن محمد المقري ثنا ابن أبي
عاصم، ثنا أحمد بن محمد بن مبارك/ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي
ثنا ابن إسحاق عن سليمان بن سحيم عن آمنة بنت أبي الصلت الغفارية
قالت: أتيت النبي عليه السلام في نسوة من بنى غفار فقلنا: يا رسول الله قد
أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا، وهو يسير إلى خيبر. فنداوي الجرحى
ونعين المسلمين ما استطعنا فقال: " على بركة الله " فخرجنا معه، وكنت جارية
حديثة السنن، فأردفني عليه السلام على حقيبة راحلته "، واعترض ابن القطّان
على سكوت أبي محمد عنه وإبرازه من إسناده منه بقوله، ولم يتقدّم له فيها
شيء ولا يعرف لها غير هذا، ولا هي مذكورة في غيره، وزعم بعضهم: أنها
آمنة بنت الحكم كان الحكم اسم لأبي الصلت، وأنها أم سليمان كذا قاله أبو
الوليد بن الفرض في كتابه، ولم يحصل بهذا كله في حدّ من يحتج برواية،
وضبط اسمها آمنة بألف مطولة قبلها همزة مفتوحة وميم مكسورة بعدها نون،
وكذا وقع ذكرها في سير ابن إسحاق وكتاب أبي داود، وخالف في ضبط
اسمها أبو بكر بن ثابت فقال في كتابه التلخيص، باب الفرق بالتذكير
والتأنيث مع الاتفاق في الحروف، فذكر في هذا الباب: أمية بن أبي الصلت
الشاعر وآمنة بنت أبي الصلت هذه، وروى حديثها المذكور من عند ابن
إسحاق، ثم من طريق الواقدي بزيادة أم علي بن أبي الحكم في نفس الإسناد
بين سليمان بن سحيم وأمية المذكورة، ثم جعله من روايتها عن النبي ولم
يذكر الجارية إلا أنها صاحبة القصة فكان أمية على رواية الواقدي صحابية،
وشيء من هذا لم يثبت، ولو جهدت جهدك لم تجد فيه إلا ما قلناه من أنّها
مجهولة، وكذلك الغفارية المذكورة ليس ينبغي أن يقبل قولها عن نفسها أنها
صحابية، كما لا تقبل قول أحد عن/نفسه أنه ثقة والله تعالى أعلم. انتهى
كلامه وفيه نظر من وجوه: الأوّل: قوله: ولا يعرف لها غير هذا، ولا أنها
مذكورة في غيره وليس كذلك؛ لأنّ ابن عبد البر ذكر أنّ لها حديثا عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير هذا في القدر رواه عنها ابنها سليمان، الثاني قوله: أنّها مجهولة،

(1/867)


مردود بأمرين: الأوّل: برواية اثنين عنها، سليمان ابنها، وأمّ علي الثاني: كونها
صحابية (1) معروفة بالصحبة، قال النسوي: أمية بنت قيس أبي الصلت الغفارية
لها صحبة، وهي ممن بايعت النبي- عليه الصلاة والسلام-، وكذا ذكرها
البلاذري في تاريخه وابن حبان والدارمي في أنسابه، ولما ذكرها ابن سعد في
الطبقات الكبرى، قال: أسلمت وبايعت بعد الهجرة، وشهدت مع النبي-
عليه الصلاة والسلام- خيبر، وزاد في حديثها بعد قولها: وصح لنا من الفئ
ولم يسهم لنا وأخذ هذه القلادة التي في عنقي وأعطانيها وعلقها بيده في
عنقي، فوالله لا تفارقني أبدا، فكانت في عنقها حتى ماتت وأوصت أن تدفن
معها.
الثالث: قوله: اسمها كذلك وقع في سير ابن إسحاق، والذي رأيت في
السير بخط عبد الله بن ربيع الحافظ شيخ أبي محمد بن حرام مضبوطا بياء
مثناة من تحت، وقد كتب أحمد بن دراح العطلى في الحاشية عن آمنة- يعني
بنون- وفي نسخة أخرى بخطه أمية بن أبي الصلت من غير تسمية، وكذا هو
في نسخة أخرى مغربية جيّدة الضبط قديمة بياء مثناة من تحت، وكذا هو في
كتاب الإكليل لأبي عبد الله الحاكم النسخة التي عليها خطّه وقرأها عليه
البيهقي وغيره من العلماء، الرابع: قوله في الغفارية إنّها مجهولة لا يقبل قولها
عن نفسها غير جيد؛ لأنها صحابية معروفة الصحابة، والاسم سماها السهيلي
ليلى،/قال: ويقال: هي امرأة أبي ذر فلئن كانت ليلى فقد روى عنها غير آمنة
وهو برئ من القسم الثعلبي فيما ذكره أحمد بن أبي خيثمة في تاريخه وأبو
القاسم في معجمه الكبير، وقال أبو حاتم البستي في كتاب الصحابة: وشرطه
ذكر من روى دون غيرهم ليلى الغفارية كانت تغزو مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولما
ذكرها أبو عمر في استيعابه بنحوه زاد راويا آخر وهو محمد بن القاسم
الطائي، وذكر لها حديث غير المذكور، وهو قول النبي- عليه الصلاة
والسلام- لعائشة: " هذا علي بن أبي طالب أوّل النّاس إيمانا " ولئن كانت امرأة
أبي ذر، فلا حاجة لنا إلى تعريفها لشهرتها الخامس: ترك إعلاله الحديث
__________
(1) قوله: " صحابية " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(1/868)


بدخلو على بين سليمان وأمه إذ هي مجهولة العين والحالة، وأظنّه إنما ترك ذاك
لكونه جاء على لسان بن أبي سيرة وهو ممن لا يعتمد على قوله ولو كان ثقة
لكان إعلاله الحديث بهذه العلّة حسن، وليس لقائل أن يقول سليمان ثقة
مجمع عليه، وروى عن أمه وليس مدلسا فلا اعتبار ممن أدخل بينهما راويا
لاحتمال أن تكون ماتت وهو صغير كما جرى (1) لأبي عبيدة بن عبد الله
وغيره، أو يكون سمع منها ولم يسمع هذا بعينه فسمعه عنها هذا إذا صرّح
بالسماع منها، وهنا فلم يصرح به والله تعالى أعلم، السادس: قوله أنّ الغفارية
صاحبة القصة، وقد قدمنا عن ابن مندة أنها هي صاحبتها لا غيرها وهذا كلّه
مشيا على مذهبه، وما استلزمه وإلا فلنحن في غنية عن هذا جميعه؛ لأنّ من
كان مذكورا في كتب الصحابة كفينا مؤنته سواء شهد له التابعي بالصحبة أو
لم يشهد له، وسواء روى عنه واحد أو أكثر، هذا هو المعمول عليه والجاري،/
وأمّا إعراض المنذري عن كلّ من تقدّم ذكره وتضعفيه لحديث محمد بن
إسحاق فغير حسن؛ لأنه ممن لا يضعف به الأحاديث لا سيّما هو فإنّه فعل
ذلك في غير حديث صححه أو سكت عنه، وهو من روايته وأحيانا ينبّه عليه
فما أدرى ما يوجب ذاك وليس بقائل أن يقول العلة بصحته بما عضده من
متابعات وشواهد؛ لأنّه لم يقل ذلك ولو قاله ما قبل منه إلا بإبرازه ذكر ذاك
لكي يعلم هل المتابع أهل لذلك أم لا، هذا هو الاصطلاح ولسنا من يحسن
الظن به أو الحرص في إبرازه ولا صدوره والله تعالى أعلم، وحديث الحسن
عن أبيه عن أم سلمة: " أنّ إحداهن يتبعها القطرة من الدم فإذا أصاب إحداكن
ذلك فلتنفثه برقيها ". رواه الدارمي (2) من حديث أبي بكر الهذلي وهو ضعيف
وفي الأوسط (3) لأبي القاسم من حديثه عن أحمد بن زهير ثنا علي بن
السكن ثنا محمد بن ربيعة العلائي ثنا المنهال بن خليفة عن خالد بن سلمة
__________
(1) قوله: " جرى " سقطت من " الأصل " وكذا أثبتناه.
(2) قوله: " الدارمي " والحديث الذي رواه بإسناده سقط من " الأصل " إلا كلمات بسيطات،
وعليها أتممنا لفظ الحديث.
(3) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/282) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
ورجاله موثقون.

(1/869)


عن مجاهد عنها قالت: " كانت إحدانا تحيض في الثوب وإذا كان يوم طهرها
غسلت ما أصابه ثم صلت فيه، وإنّ إحداكن اليوم تفرغ خادمها فتغسل ثوبها
يوم طهرها ". لم يروه عن مجاهد إلا خالد تفرد به المنهال، ورواه ابن خزيمة
في صحيحه عن أحمد بن أبي شريح الرازي أنبأ ابن أحمد ثنا المنهال بلفظ،
وقيل لهما: " كيف كنتن تضعن ثيابكن إذا أطمثت على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قالت: " إنّ كنا لنطمث في ثيابنا أو في دروعنا فما نغتسل منه لا أثر ما أصابه
الدم " الحديث. غريبه، قوله: تضلع بضاد معجمة، قال ابن الأعرابي: الضلع
العود هاهنا، وقال الأزهري: الأصل ضلع الجنب، ويقال للعود الذي فيه عرض
واعوجاج ضلع شبيها / بالضلع، وفي ديوان الأدب: في باب فعل بكسر بالفاء
وفتح العين الضلع واحد الأضلاع والضلع أيضا الجبيل (1) المنفرد، وأنبأ ابن
سيده فقال: هو الجبيل الصغير الذي ليس بالطويل: وقيل: هو جبل مسروق
طويل وقيل: هو الحبل مشد وأمّا قول القشيري في روايتنا يخطئ من جهة
ابن حيوة عن النسائي بصلع بالصاد المهملة، وفي الحاشية: الصلع بالصاد
المهملة المجرد وقع في مواضع بصاد معجمة ولعلّه تصحيف؛ لأنه لا معنى
يقتضى تخصيص الضلع وأمّا الحجر فيحتمل أن يحمل ذكره على غلبة الوجود
واستعماله في الحك فيشبه أن يكون وهما انتهى ما ذكرنا قبل يوضح ذلك،
ويبين أنّه غير مصحف والتصحيف ما أجده وبخط غير معروف ولعلّه إن صحّ
كون الصلع بضم الصاد المهملة، وذلك أنّ أبا نصر حكى في صحاحه
والصلاع بالضم والتشديد العريض من الصخرة الواحدة، وكذلك الصلع لأنه
مقصود منه، وقال الأصمعي: الصلع الذي لا ينبت وأصله من صلع الرأس،
وكذا ذكره ابن سيدة في محكمه، وفي الجامع: والضلع الحجر والذي في
الحديث رقاع يصلح، قيل: هو الحجر، وقيل: هو الأرض التي لا تنبت فتعيّن
أن المرتع للكاتب ما فسر به هذا الحديث هنا فيوهمه هناك أيضا، وليس
صحيحا؛ لأنّ عامة الأصول إنما فيها ضلع بالمعجمة كما سبق فإنه ليس بالضلع
الذي هو العظم والله تعالى أعلم أما قوله اقرضيه، قال أبو موسى المديني-
__________
(1) قوله: " الجبيل " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(1/870)


رحمه الله تعالى- يعني ادلكيه بأطراف أصابعك وأظفارك مع صب الماء حتى
يذهب أثره وقرضه إذا قبضته بإصبعك على جلده ولحمه فأملنه وقصوصه
شتمته وتناولته باللسان، وقال المرى: سألته امرأة عن دم الحيض قرصة بالماء
أي/قطعة، قال المنذري: وقد روى مخففا ومثلا ومعناهما واحد قوله حبسته
بتاء مثناه من فوق معنى الحك والقشر والحيض أصله عند اللغويين السيلان،
يقال: حاض الوادي إذا سال، قال الأزهري: وغيره الحيض جريان دم المرأة في
أوقات معلومة مرضية رحم المرأة بعد بلوغها، ومخرجه عقب الدم، يقال:
حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا: فهي حائض كذا ذكره أبو
العباس في صحيحه وفي الصحاح: يالها قال الشاعر:
* كحائضة يرى بها غير طاهر *
وفي كتاب السبكي عن كتاب الراعي: هو اجتماع فرج المرأة، وفي شرح
الصحيح الترمذي: سمى بذلك تشبيها بالحيض وهو ماء أحمر يخرج من شجر
السمر يقال من ذاك حاضت السمرة، وفي المحكم يجمع على حيض
وحوائض، ويقال: امرأة طامث بالمثلثة والمثناة وطامث ودارس وعارك وضاحك
وضاحك وكابر ومعصر ونافث وطامي بالهمزة بمعنى واحد، حكاه الهروي
والقاضي أبو بكر بن العربي وغيرهما، وذكر الجاحظ في كتاب الحيوان: أنّ
الأرنب يحيض، وكذلك الخفاش واختلف النّاس في أول من حاض فزعم
بعضهم: أنّ أوّل ما كان على بنى إسرائيل ورد لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا شيء
كتبه الله على بنات آدم " (1) وقال تعالى: (وامرأته قائمة فضحكت) قال قتادة
وغيره: حاضت.
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحج، ح/120) والفتح (1/400) .

(1/871)


82- باب الحائِض لا تقضى الصلاة
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا علي بن مسهر عن سعيد بن عروبة عن/
قتادة عن معاذة عن عائشة: أن امرأة سألتها أتقضى الحائض الصلاة؟ قالت لها
عائشة: أحرورية أنت قد كنا نحيض عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم نطهر ولم يأمرنا
بقضاء الصلاة ". هذا حديث اجتمع على تخريجه الأئمة الستة (1) بلفظ: " فكنا
نؤمر بقضاء الصوم ولم نؤمر بقضاء الصلاة "، وفي كتاب البخاري: ثنا موسى
بن إسماعيل ثنا همام ثنا قتادة قال: حدثتني معاذة فهذا يوضح لك صحة
سماع قتادة من معاذة، خلافا لمن أنكره وهو شعبة وأحمد وابن معين كما
أسلفناه قبل، وفي صحيح مسلم ما يوضح أنّ السائلة هي معاذة نفسها، وفي
الباب حديث أبي سعيد الخدري المذكور في الصحيحين (2) مرفوعا وفيه:
" أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم قلنا بلى قال: فذاك من نقصان دينها "
وحديث ابن عمر مرفوعا من عند مسلم (3) بنحوه وفيه: " تمكث الثلاثة والأربع
لا تصل "، وقال فيه حسن صحيح غريب، قولها: أحرورية تعني: الخوارج،
ويسمون المرأة والمحكمة والمارقة، قال الإمام أبو الحسن بن أحمد بن إسحاق
البشري في كتابه افتراق الأمة: وهي ترضى بجميع هذه الألقاب إلا
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الحيض، باب " 20 "، ومسلم في (الحيض، ح/68)
وأبو داود (ح/ 262) والترمذي (ح/ 130) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في
(الحيض، باب " 17 ") ، والصيام، باب " 64 ") ، وابن ماجة (ح/631) ، والدارمي (ح/988) ،
وأحمد 06/32، 94، 97، 120، 143، 185، 231) .
غريبه: قوله: " أحرورية أنت " أي خارجية أنت. والحرورية: طائفة من الخوارج نسبوا إلى حروراء، وهو موضع قريب من الكوفة وكان عندهم تشدّد في أمر الحيض. شبهتها بهم في تشددهم في أمرهم وكثرة مسائلهم وتفننهم بها. وقيل: أرادت أنها خرجت عن السنة كما خرجوا عنها أ. هـ السندي.
(2) صحيح. رواه البخاري في (الحيض، باب " 6 "،، والصوم، باب " 41 ") .
(3) لم أقف في مسلم هذا اللفظ. ولكنه في (الإيمان ح/132) بلفظ: " تمكث الليالي ما
تصل ". وأورده ابن حجر في الفتح (4/192) وتلخيص (1/163) .

(1/872)


بالمسارقة (1) فإنها تأباه وهم الذين خرجوا على علي- رضي الله عنه-
بحروراء ممدودة، وحكى بعضهم القصر أيضا بعد مناظرة ابن عباس إيّاهم
ورجوع الغين فقال: على ما نسميكم قال: أنتم الحرورية لاجتماعكم بحروراء،
قال أبو العباس في الكامل: والنسبة إلى مثل حروراء حروراوى وأحكم،
ولذلك كل ما كان في آخره ألف التأنيث الممدودة، ولكنه ينسب إلى البلد
يجدن الزوائد فقيل الحروري، قال الصلتان العبدي: يعنى فيما أرى أمه شهرت
سبقها وقد زيد في شرطها الأصبحي،/وحرورية وأزرق يدعو إلى الزرقي،
فمثلنا ابنا مسلمون على دين صديقنا والنبي وذكر الشهرستاني أنهم كانوا
بحروراء من ناحية الكوفة، ورأسهم عبد الله بن الكوار عتاب بن الأعور،
وعبد الله بن وهب الراسبي، وعروة بن جرير، ويزيد بن عاصم، وحرقوص بن
زهير البجلي، وكذا ذكر جماعة من العلماء: أنّ حروراء قرب الكوفة منهم أبو
الحسن بن المدائني في كتاب أخبار الخوارج، وأبو جعفر الطبري، وابن أعثم في
كتاب الفرج تأليفه، وأبو محمد الرباطي، وابن أبي حازم وابن الخزار، وزاد
السمعاني على ميلين من الكوفة، وأمّا ما ذكره إمام الإسلام أبو القاسم
عبد الرحمن بن محمد في كتاب الفرق بين الفرق من أنّ حروراء موضع
بالشّام فيشبه أن يكون وهما لما أسلفنا من كلام الأئمة، وتفرده فيما أعلم هذا
القول؛ ولأنّ عليا إنّما كان بالكوفة وقتالهم له كان هناك ولم يأت أنّه قاتلهم
بالشام؛ ولأنه بعد فراغه إنّما كان يرسل إليهم رجلا بعد آخر ليظهر لهم
شبهتهم والله تعالى أعلم، وأمّا قول الشهرستاني أن رأسهم كان ابن الكوار
وغيره فهو غير صواب لما ذكره من أسلفنا قوله كان رئيسهم ابن الكوار
وحرقوص، وإنما الذين عددهم كانوا رؤوسا في قومهم كبارا، قال الشهرستاني:
وكبار فرقهم ستة الأزارقة، والصغرية، والنجدات، والفجاردة، والإماضية،
والثعالبة والباقون فروع وهم البيهية، والضليّة، والميمونية، والحمرية، والخلفية،
والأطرافيّة، والشّيعية، والحازمية، والأحبشة، والمعتدية، والراشدية، والشيبانية،
والمكرمية، والمعلومية، والحفصية، والحارثية، واليزيدية، والزيادية، ويجمعهم القول
__________
(1) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".

(1/873)


عن عثمان/وعلي ومقدمون ذلك على كل طاعة يصححون المناكحات إلا
على ذلك، ويكفرون أصحاب الكبائر ويرون الخروج على الإمام إذا خالف
السنة، وجوزوا أن لا يكون في العالم إمام أصلا وإن احتيج إليه فيجوز أن
يكون عبدا أو حرا أو نبطيا، أو فارسيا، وحكى القرطبي أنهم يرون على
الحائض قضاء الصلاة إذ لم تسقط عنها في كتاب الله تعالى على أصلهم في
ردّ السنة على خلاف بينهم في هذه المسألة، وقد أجمع المسلمون على
خلافهم وأنه لا صلاة تلزمها، ولا قضاء عليها، وقيل: أنّ عائشة إنما قالت لها
ذلك لمخالفتهم السنة وخروجهم عن الجماعة، فخافت عليها عائشة فقالت لها
ذلك؛ لأنّ السنّة بخلاف ما سألت، وحكى عن سمرة أّنه كان يأمر أهله
بقضاء الصلاة في الحيض فأنكرت عليه أم سلمة، وذكر النووي رحمه الله
تعالى إنّها لا تقضى في زمنه الحيض شيئا إلا ركعتي الطواف.

(1/874)


83- باب الحائض تتناول الشيء من المسجد
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عائشة
قالت: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ناوليني الخمرة من المسجد فقلت إنى حائض
فقال: ليست حيضتك في يدك ". هذا حديث خرجه مسلم (1) في صحيحه
وخرّج أيضا حديث أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا عائشة ناوليني
الخمرة " (2) الحديث، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث ثابت بن عبيد
عن القاسم عنها/أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ناوليني الخمرة " قال ورواه البيهقي عن
عائشة فقال حديث ثابت عن القاسم أحب إلي، وذلك أن البيهقي يدخل بيته
وبين عائشة عروة، وربّما قال: حدّثتني عائشة وبين البيهقي لا يحتج بحديثه
وهو مضطرب الحديث حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد نا وكيع
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدنى رأسه إلي
وأنا حائض وهو مجاور تعنى معتكفا فأغسله فأرجّله ". هذا حديث خرجه
الجماعة (3) في كتبهم من حديث الزهري عن عروة حدثنا محمد بن يحيى ثنا
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/12) والنسائي (1/146، 192) وابن ماجة (ح/
632) وحبيب (2/38) .
وصححه الشيخ الألباني.
(2) المصدر السابق لمسلم: (ح/13) .
غريبه: قوله: " الخمرة " قال الهروي وغير هذه هي السجادة، وهو ما يضع عليها الرجل جزء
وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة من خوص. وقال الخطابي: هي السجادة يسجد عليها
المصلى. وسميت خمر لأنها تخمر الوجه، أي: تغطيه. وأصل التخمير التغطية، ومنه خمار
المرأة. والخمر؛ لأنها تغطى العقل.
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الحيض، ح/2،، والاعتكاف، باب 3،25 "،،
ولباس، باب " 76 " ورواه مسلم في (الحيض، ح/6، 7، 9) وأبو داود (ح/ 2469.2467)
والترمذي (ح/ 804) وصححه. والنسائي في (الحيض، باب ترجيل الحائض رأس زوجها وهو
معتكف في المسجد، وباب غسل الحائض رأس زوجها) ، ومالك في (الطهارة، باب " 28 "، ح/ 102) وابن ماجة (ح/ 633، 1778) واحمد (6/262) والطبري (6/102) وابن كثير (1/
325) وابن أبي شيبة (02/21) والتمهيد (8/322) والمسانيد (2/748) .

(1/875)


عبد الرزاق أنبأ سفيان عن منصور بن صفية عن أمه عن عائشة قالت: " كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضع رأسه في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن ". هذا حديث
خرجاه في صحيحهما (1) ، وفي الباب حديث ميمونة بنت الحارث: " كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضع رأسه في حجر إحدانا فتتلو القرآن وهي حائض ويقوم
إحدانا لخمرته إلى المسجد فتبسطها وهي حائض ". رواه أبو عبد الرحمن من
حديث سفيان عن منبوذ بن أبي سليمان، ويقال ابن سليمان الموثق عبد بن
معين البستي (2) عن أمه وهي مجهولة الحال لم يرو عنها غير ابنها فيما أعلم،
ولفظ أبي قرة السكسكي في مسنده: ذكر ابن جريج في حديثه أخبرني منبوذ
عن أمه أنها أخبرته عن ميمونة سمعتها تقول لابن عباس: " أي بني وأين
الحيضة من اليد كانت إحدانا ". الحديث وحديث أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" كان في المسجد فقال يا عائشة ناوليني الثوب فقالت: إني/حائض فقال: إن
حيضتك ليست في يدك " (3) . ذكره في المحلى من حديث يحيى بن سعيد عن
يزيد بن كيسان وأبي حازم عنه وصححه، وحديث أم سلمة قالت: " دخل
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صرحه بالمسجد مناديا بأعلى صوته إنّ المسجد لا يحل لجنب
ولا حائض ". ذكره ابن ماجة (4) بعد هذا في باب اجتناب الحائض المسجد
فقال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن يحيى ثنا أبو نعيم ثنا ابن أبي عيينة
عن أبي الخطاب الهجري عن مجدوح الهذلي عن جسرة قالت: أخبرتني أم
سلمة به وذكرته هنا اختصارا، وهو حديث قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا
زرعة وذكره بلفظ: " لا يصلح هذا الجنب ولا حائض إلا للنبي وأزواجه وعليّ
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الحيض، باب " 3 ") ومسلم في (الحيض، ح/15)
وأبو داود (ح/ 260) ، وابن ماجة (ح/ 634) ، وأحمد (6/68، 254) ، وعبد الرزاق (1252)
والمسانيد (2/453) ، والكنز (27445) .
(2) قوله: " البستي " وردت " بالأصل " " البنى " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.
(3) تقدم من أحاديث الباب ص 867.
(4) ضعيف. رواه ابن ماجة في " سننه " (ح/645) . في الزوائد: إسناده ضعيف. محدوج لم
يوثق، وأبو الخطاب مجهول. وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/137) ، وضعيف أبي داود (ح/31) .

(1/876)


وفاطمة ". قال: يقولون: عن خيرة عن أم سلمة، والصحيح عن عائشة، قال أبو
محمد: وقد روى قلت عن جدّه عن عائشة غير أنه لم يذكر النبي وأزواجه،
وقال البخاري في تاريخه: محدوج عن جسرة فيه نظر، وقال ابن جرير: أما
محدوج فساقط يروى المعضلات عن جسرة، وأبو الخطاب، مجهول فسقط
هذا الجند، ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن يحيى ثنا معلى بن
أسد ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا إلا قلت ابن خليفة. حدثتني جسرة بنت
دجانة قالت: سمعت عائشة تقول: جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووجوه بيوت أصحابه
شارعة في المسجد فقال: " دعوا هذه البيوت عن المسجد ثم دخل النبي عليه
السلام فلم يصنع القوم شيئا وجاء أن ينزل فيهم رخصه، فخرج إليهم فقال:
دعوا هذه البيوت عن المسجد، فإنى لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ". ولما
رواه أبو داود (1) قال: هو فليت العامري، ورواه محمد في تاريخه الكبير/عن
موسى ثنا عبد الواحد عن فليت أبي حسان عن جسرة بزيادة إلا لمحمد وآل
محمد، وقال يحيى بن سعيد: عن سفيان عن فليت العامري، وقال ابن
مهدي: عن سفيان عن فليت سمع جسرة ودهثمة وعند جسرة عجائب، وقال
عروة: عن عائشة عن النبي عليه الصلاة والسلام: " سدوا الأبواب إلا باب أبيِ
بكر " (2) . وهذا أصح، وقال ابن حزم: فليت غير مشهور ولا معروف بالثقة،
وفي موضع آخر وحديثه بمعنى هذا باطل، وقال أبو سليمان الخطابي وضعفوا
هذا الحديث فقالوا فليت روايته مجهولة، ولا يصح الاحتجاج بحديثه (3) ، وقال
البغوي في شرح السنة: بحديثه، وقال البغوي في شرح السنة: ضعف أحمد
هذا الحديث؛ لأن رواية فليت وهو مجهول انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لرواية
الثوري وعبد الواحد اللذين سبق ذكرهما عنه، وقال الإمام: ما أرى به بأسا،
وهو معارض لما ذكره البغوي، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال البرقاني: وقلت له
يعنى الدارقطني: فليت بن خليفة عن جسرة، قال: من أهل الكوفة صالح،
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 92. باب في الجنب يدخل المسجد، (ح/ 232)
(2) رواه ابن أبي عاصم (2/579) وتغليق (1085، 1086) .
(3) قوله: " بحديثه " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(1/877)


وذكره ابن حبان في كتاب الثقات فهاتان الجهالتان الحال والعين قد زالتا ولله
الحمد، وقال أبو محمد الأشبيلي: وذكر حديث عائشة لا يثبت من قبل
إسناده، قال ابن القطّان: ما رآه عنى في تضعيفه هذا الحديث إلا فليت، وذكر
بعض ما أسلفناه من تحسين حاله، وجسرة وثّقها الكوفي فقال تابعية ثقة، وقول
البخاري: عندها عجائب لا يكفي لمن يسقط بها ما روت، ويجئ على نظر
أبي محمد أن تكون مشهورة مقبولة لرواية اثنين عنها فليت وقدامة بن عبد الله
العامري الهزلي، ولم أقل فيه صحيح، وإنّما أقول إنّه حسن، وكلامه يعطى أنّه
ضعيف فاعله انتهى وزاد عبد الغني بن سرور في/الرواة عنها محدوجا،
وذكرها ابن حبان في كتاب الثقات فهو إذا صحيح على شرطه أيضا والله
تعالى أعلم، وأما قول البزار أثر حديث: " إن تعذّبهم فإنهم عبادك " (1) . ومن
حديث قدامة العامري عن جسرة عن عائشة لا تعلم حدّث عن جسرة غير
قدامة مردود بما قدّمناه، ودجانة بكسر الدال المهملة لا غير قاله ابن حبيب في
كتاب العقل من الزمخشري في كتابه المستقصى في الأمثال، بخلاف النظائر
فإنه مثلث الدال حكاه الليلي، وحديث كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لم يكن لأحد أن يجلس في المسجد ولا يمرّ فيه إذا
كان جنبا ". ذكره ابن حزم وضعّفه بمحمد بن الحسن من رمى له وكثير بقوله
هما مذكوران بالكذب، وليس كما زعم أبو محمد؛ لأنّ كثيرا ممن وثّقه أبو
زكريا يحيى بن معين في رواية ابن أبي حمزة وفي رواية معاوية بن صالح،
وخرّجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة له حديثا في صحيحه وكذلك الحاكم، وقال
محمد بن عبيد الله بن عمار: هو ثقة، وذكره البستي في الثقات، وخرّج له
حديثا في صحيحه، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ما أرى به بأسا، وقال
أبو الحسن فيما نقله عنه أبو العرب: حجازي ثقة ولم أر أحدا رماه بكذب،
ولا شدُّوا القول فيه والّذي رمى به قول أبي عبد الرحمن في تمييزه وذكره
وهو ضعيف، وقال أبو زرعة: ليّن، وفي رواية عن ابن معين ليس بشيء، وفي
رواية: ليس بذاك القوي، وقال ابن جرير الطبري هو عندهم لا يحتج بنقله،
__________
(1) صحيح. رواه الطبراني (10/177) والمسير (2/566) وشرح السنة (4/26) .

(1/878)


وحديث أنس بن مالك قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سدوا هذه الأبواب فإني لا أحل
المسجد " (1) ... الحديث وفيه فقال بعض الناس: " سدوا الأبواب إلا باب أبي
بكر " (2) ،/فقال: " إنى رأيت على أبوابهم ظلمة وعلى باب أبي بكر نورا قال:
فكانت الأخيرة أعظم عليهم من الأولى " (3) . ذكره ابن عدى من حديث
كاتب (4) الليث وهو منكر الحديث عنه عن يحيى بن سعيد عن أنس، وقد
جاءت أحاديث معارضة هذه: منها حديث عائشة: " أن سعدا رمى في الحلة
فضرب له النبي- عليه السلام- جنبا في المسجد ليعوده من قرب، وإنّ دمه
سال من خرجه حتى دخل حيا القوم " (5) . وحديثها عن وليدة " كان لها في
المسجد جنبا أو خفش " وهما في الصحيح، وكذا حديث ابن عمر: " كنت
شابا عزبا وكنت أبيت في المسجد في عهد النبي عليه السلام "، وحديث
عثمان ابن أبي العاص: " أنّ وفد ثقيف قدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتى لهم
المسجد حتى تكون أرق لقلوبهم ". خرجه ابن خزيمة (6) في صحيحه، وكذا
حديث جابر بن عبد الله يقول في قوله تعالى: (إنما المشركون نجس فلا
يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) (7) . إلا أن يكون عبد الواحد من أهل
الذمة، وحديث عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال عليه
الصلاة والسلام: " لا يصلح في المسجد مقيما ولا ضيفا ". ذكره الحافظ أبو
نعيم في كتاب المساجد (8) من تأليفه، وحديث: " المؤمن لا ينجس جعلت لي
الأرض مسجدا وطهورا ". وقد تقدم (9) ذكرهما، وذكر زيد بن أسلم: أن
الصحابة كانوا يجنبون وهم في المسجد، ذكره ابن المنذر، وعن عطاء بن يسار
__________
(1، 2) تقدما من أحاديث الباب.
(3) انظر: الكنز: (35686) .
(4) أورد المصنف " كلمة " تحت هذا الرقم " غير واضحة " وقال: هذا منكر.
(5) قوله: " القوم " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(6) وكذا قوله: " ابن خزيمة " كما سبق في حاشية " 3 ".
(7) سورة التوبة آية: (28) .
(8) انظر: كتاب المساجد لأبي نعيم.
(9) تقدم في بابه.

(1/879)


قال: رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجلسون في المسجد مجنبون
فيتوضئوا وضوءهم للصلاة، وعن جابر قال: كان يمر أحدنا في المسجد جنبا
محتارا، ذكرهما سعيد بن منصور في سننه، وحديث ثمامة وقال: " /وربطه
مشركا في المسجد "، عند مسلم: " وأنّ أهل الصفة كانوا يبيتون في المسجد "،
ولا شك أنّ فيهم من يحتلم، ولم يأت أنهم نهوا عن ذلك وفي المصنف ثنا
هشيم، عن العوام: " أنّ عليا كان يمِر في المسجد وهو جنب "، وعن أبي
عبيدة يمِر ولا يجلس فيه ثم فسر: " ولا جنبا إلا عابري سبيل " وعن هشام
الجنب والحائض يمران في المسجد، وقال بكر: قلت للحسن: تصيبني الجنابة
فاستطرق المسجد أو آخذ من قبل دار عبد الله بن عمر قال: بل استطرق إذا
كان أقرب، وفي الأشراف: ورخّص في المرور ابن مسعود وابن عبّاس وابن
المسيّب وابن جبير، وهذا هو الملجى لأهل الظاهر بأن جوّزوا لهما دخول
المسجد وكذلك النفساء، قال أبو محمد؛ لأنه لم يأت نهي عن شيء من
ذلك، وأمّا الشافعي ومالك وأبو حنيفة: فمنعوهم مطلقا، قال أبو حنيفة: وإن
اضطروا إلى ذلك تيمموا ومروا، وقال أحمد وإسحاق: الجنب إذا توضأ لا
بأس أن يجلس في المسجد.

(1/880)