شرح ابن ماجه لمغلطاي

84- باب ما جاء للرجل من امرأته إذا كانت حائضا
حدثنا عبد الله بن الجراح ثنا أبو الأحوص عن عبد الكريم عن عبد الرحمن
ابن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت: " كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تأتزر في فور حيضها ثم يباشرها، وأيكم ملك أربه كما كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يملك أربه " (1) . وحدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف ثنا
عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا جرير عن
منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: " كانت إحدانا إذا حاضت/
أمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تأتزر بإزار ثم يباشرها ". هذا حديث خرجه الأئمة
الستة (2) في كتبهم، ولفظ محمد: " كنت أغتسل أنا والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء
واحد كلانا جنب فكان يأمرني أن أأتزر فقلت: تأمرني وأنا حائض، وكان
يخرج رأسه وهو معتكف واغتسله وأنا حائض " (3) ، وفي لفظ: " أن تتزر في
فور حيضها ثم يباشرها، وفي لفظ أبي داود: (4) " ثم يضاجعها "، ولما ذكره ابن
عساكر أغفل ما صدر به ابن ماجة، وذكر السندين بعده وهو في جماعة من
الأصول كما تراه والله تعالى أعلم، ولما خرج أبو عبد الله في مستدركه:
" وأيكم يملك أربه " (5) . الحديث من حديث عثمان بن أبي شيبة نا جرير عن
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الحيض، باب " 5 "، والصوم، باب " 23 ") ، ومسلم في (الحيض، ح / 273) ، وأبو داود (ح / 273) وفيه " يأمرنا في فوح حيضنا " والفوح: بفتح الفاء وسكون الواو وآخره حاء مهملة. قال الخطابي: فوح الحيض: معظمه وأوله. والترمذي (ح / 132) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعين، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق. وابن ماجة (ح/635، 636) ، وأحمد (6 / 40، 42، 44، 98، 113، 126) .
غريبه: قوله: " أربه " بكسر فسكون أو بفتحتين بمعنى الحاجة. أي: إنه كان غالبا لهواه أو شهوته.
(2) انظر: الحاشية السابقة.
(3) رواه أبو عوانة: (1 / 313) .
(4) حسن. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، باب (106) ، (ح / 268) ولفظه: " كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يُضاجعها زوجها، وقال مرة يباشرها.
(5) قلت: وهذه لفظة من " حاشية الحديث " رقم " 1 " المتفق عليها.

(1/881)


الشيباني عبد الرحمن عن أبيه قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرجاه بهذا اللفظ؛ إنما أخرجا في الباب حديث منصور عن إبراهيم عن
الأسود عن عائشة: " كان النبي عليه الصلاة والسلام يأمر إحدانا إذا كانت
حائضا أن تتزر ثم يضاجعها " (1) . وما شعر أن مسلما روى هذا اللفظ من
حديث علي بن مسهر، أنبأ أبو إسحاق عن عبد الرحمن، به سواء في كتاب
ابن حزم عنها من طريق ضعيف: " كانت تنام مع النبي عليه الصلاة والسلام
وهي حائض وبينهما ثوب" (2) ، وفي لفظ عنها: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عما
يحل للرجل من امرأته قال: " ما فوق الإزار " (3) ، وفي الأوسط من حديث قُرة
عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: " طرقتنى الحيضة وأنا مع النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فراشه فانسللت حتى وقفت بالأرض فقال: ما شأنك؟ فأخبرته إنى
حضت فأمرني أن أشد على إزاري إلى أنصاف/فخذي وأن أرجع " (4) وفيه
من حديث ابن أبي مليكة عن عبيد بن عمير عنها قالت: " جاءت امرأة إلى
النبي عليه الصلاة والسلام فسألته ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض،
فقال: ما فوق السرة " (5) ، وقال: لم يروه عن ابن خيثم يعنى عن ابن أبي
مليكة إلا القاسم تفرد به مقدم بن محمد، وفي كتاب الدارمي من حديث
يزيد بن السرى عنها: " كان النبي عليه الصلاة والسلام يتوشّحني وأنا حائض
ويصيب من رأسي وبيني وبينه ثوب " (6) ، وفي كتاب التمهيد من حديث ابن
لهيعة أنّ قرط بن عون سألها: أكان النبي عليه الصلاة والسلام يضاجعك
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/268) والنسائي في (الطهارة، باب " 177 "، والحيض، باب
" 12 ") وأبو عوانة (1/309) ومعاني (2/165، 166) وابن عدي في " الكامل " (2/649)
والكنز (27713) .
(2) ضعيف. رواه ابن عبد البر في: " التمهيد ": (3/166) .
(3) صحيح. أورده الهيثم في " مجمع الزوائد " (1/281) وعزله إلى أبي يعلى ورجاله رجال
الصحيح.
(4) صحيح. رواه أحمد بنحو (4/65، 5/64، 378) وله شواهد صحيحة.
(5) صحيح. رواه الخطيب في " تاريخه " (6/139) . وله شواهد صحيحة.
(6) صحيح. رواه أحمد (6/ 187، 219) والبيهقي (1/312) . وله شواهد صحيحة.

(1/882)


وأنت حائض، قالت: نعم إذا شددت علي إزاري، وذلك إذ لم يكن لنا إلا
فراش واحد، فلما رزقنا الله تعالى فراشين اعتزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (1) ثم قال:
لا يروى إلا من طريق ابن لهيعة، وليس بحجة، وفي الموطأ (2) عن ربيعة: " أن
عائشة كانت مضطجعة مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثوب واحد، وإنها وثبت وثبة
شديدة فقال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مالك لعلك نفست ... " الحديث قال ابن الحصار:
هذا مقطوع لا تعذر على إسناده من حديث عائشة فيما علمت، وفي لفظ
للنسائي (3) : " تزر بإزار واسع ثم تلتزم خدرها وندبيها "، وفي الأوسط: " كنت
أغطّى سفلى ثم يباشرني " (4) ، وقال: لم يروه عن نافع إلا ابن أرطأة ولا عن
حجاج إلا عمرو بن أبي قيس وحفص بن غياث، وفي حديث آخر " يضاجعني
وأنا حائض ثم نغتسل جميعا من إناء واحد " (5) ، وقال: لم يروه عن يحيى السقا
إلا الحارث بن مسلم/حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر ثنا
محمد بن عمرو ثنا أبو سلمة قال، عن أم سلمة قالت: " كنت مع رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في لحافة فوجدت ما يجد النساء من الحيضة فانسللت من اللحاف فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنفست؟ قلت: وجدت ما يجد النساء من الحيضة قال: ذاك
ما كتب على بنات آدم، قالت: فانسللت فأصلحت من شأني ثم رجعت فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعالى فادخلي معى في اللحاف، قالت: فدخلت معه ". هذا
حديث خرجاه في صحيحهما (6) ، وفي كتاب الدارمي زيادة " وكانت هي
__________
(1) قلت: ذكره المصنف وعزاه إلى " التمهيد " وهو معلول؛ بابن لهيعة. انظر: التمهيد (3/161) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه مالك (ص 58، ح/94 من كتاب الطهارة والبخاري في
) الحيض، باب " 4 " ومسلم في (الحيض، ح/5) .
قول: " مالك " أي: أي شيء حديث لك حتى وثبت.
(3) رواه النسائي في: 1. كتاب الطهارة، 180. باب مباشرة الحائض 01/151) .
(4) ضعيف. تاريخ أصفهان: (1/268) .
(5) ضعيف. رواه ابن عبد البر في " التمهيد " (3/162) ، ولفظه: " كان يضاجع أم سلمة وهي
حائض ".
وراجع: سنن الدارمي (1/260، ح/1045) .
(6) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح / 298، 322، 323) ، ومسلم في (الحيض، ح/
62) ، والنسائي في (الطهارة، باب مضاجعة النساء) .

(1/883)


والنبي عليه السلام يغتسلان في الإناء الواحد من الجنابة وكان يقبلها وهو
صائم ". حدثنا الخليل بن عمرو ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن
يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عن معاوية بن
أبي سفيان عن أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سألتها كيف كنت تصنعين مع
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحيض قالت: " كانت إحدانا في فورها أوّل ما تحيض
تشدّ عليها إزارا إلى أنصاف فخذيها، ثم تضطجع مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
هذا حديث إسناده صحيح، وفيه طريقة ثلاثة من الصحابة يروى بعضهم عن
بعض، الخليل كتب عنه جماعة منهم: أبو حاتم الرازي، ومحمد بن هارون
الفلاس، وعلي بن إسحاق زاطيا وهاشم بن زكريا، ومحمد بن سلمة حديثه
في صحيح مسلم، وسويد بن قيس تقدّم ذِكْرنا له، وإن البستي: وثقة وفي
الباب غير ما حديث، من ذلك: حديث ميمونة: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا/أراد أن
يباشر المرأة من نسائه أمرها فأتزرت وهي حائض " (2) . وقع لنا عاليا أنبأ به
الإمام تاج الدين بن دقيق العيد أنبأ ابن الحميري، أمّا السلمي أنبأ الثقفي ثنا
ابن مأثومة ثنا محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن سمعان نا أسباط بن
محمد عن الشيباني عن عبد الله بن شدّاد عنها، وهو مخرج في الصحيح،
وفي كتاب النسائي (3) من حديث ندبة عن مولاتها ميمونة وهي مرسية
بالجهالة: " إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين والركبتين يحتجز به "، ولما
ذكر الحافظ ضياء الدين حديث ميمونة هذا في أحكامه أشار إلى أنّه عند
أحمد وأبي (4) داود والنسائي، وكذلك المنذري وغفلا عمّا أسلفناها وحديث
__________
(1) رواه ابن ماجة في: 1. كتاب الطهارة، 121. باب: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا،
(ح/638) . قال السنديْ: الحديث صحيح معنى، وإن بحث في الزوائد هذا الإسناد بأن فيه
محمد بن إسحاق، وهو يدلس، وقد رواه بالعنعنة.
(2) صحيح. رواه البخاري (1/83) ، وأبو داود (2167) ، وأحمد (6/336) ، والبيهقي (1/
311، 7/191) ، والطبري 02/227) ، وابن كثير (1/379) ، والمنثور (1/259) ، والتمهيد
(3/169، 5/262) ، والكنز (18340) .
(3) رواه النسائي في: 1. كتاب الطهارة، 180. باب مباشرة الحائض (1/151. 152) .
(4) رواه أبو داود في 1. كتاب الطهارة، باب قوله: " ندبة " بفتح نون ودال جميعا آخره=

(1/884)


عمير مولى عمر بن الخطاب قال: " جاء نفر من أهل العراق إلى عمر فقال لهم
عمر: أيأذن خيثم قالوا: نعم. قال: ما جاء بكم؟! قالوا: جئنا نسأل عن ثلاث،
قال: وما هن، قالوا: صلاة الرجل في بيته تطوعا ما هي؟ وما يصلح للرجل
من امرأته وهي حائض؟ وعن الغسل من الجنابة؟ فقال: لقد سألتموني عن
ثلاثة أشياء ما سألني عنهن أحد منذ سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهن، أما
الحائض: فما فوق الإزار وليس له ما تحته "، وذكر يأتي في الحديث وفي لفظ:
" ألا يطلعن إلى ما تحته حتى تطهر "، رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في
مسنده (1) وهو ضعيف، كذا قاله ابن حزم وهو غير صحيح؛ لأنه ممن وثقة
العجلي وأبو حاتم البستي وصحح أبو عيسى له حديثا، وخرّج له ابن الجارود
في منتقاه من طريق ضعيفه، ومن طريق أخرى منقطعة يقرّ على ذلك ابن
حزم، وحديث حكيم بن حزام عن عمه عبد الله بن سعد أنّه سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ما يحلّ لي من امرأتي وهي حائض قال:/ " لك ما فوق الإزار ". ذكره أبو
داود (2) وأصله عند ابن ماجة. وحديث عكرمة عن بعض أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا ". رواه أبو داود (3) إسناد
صحيح عن موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن أيوب عنه، وحديث عبد الله بن
عباس: " أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يباشر أم سلمة وعلى قبلها ثوب يعنى وهي
حائض ". أنبأ به المسد المعمر أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف المصري
أنبأ أم أحمد زينب الحرانية قرات عليها وأسمع أنبأ ابن طراز وأنبأ أبو غالب
إلينا أنبأ أبو الغنايم بن المأمون أنبأ أبو القاسم أنبأ أبو بكر عبد الله بن سليمان
__________
= موحدة، وقيل بسكون الذال، وحكى: بضم النون وسكون الدال. وقال ابن حزم في المحلى:
أبو داود يروى هذا الحديث عن الليث فقال: ندبة بفتح النون والدال، ومعمر يرويه ويقول: ندبة بضم النون وإسكان الدال، ويونس يقول: بدية بالباء المضمومة والذال المفتوحة والياء المشددة، وحكى المزي في التهذيب قولا آخر: أنها بدنة بفتح الباء الموحدة والدال المهملة بعدها نون.
(1) بنحوه أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/281) مختصرا، وعزاه إلى أبي يعلى من
حديث عاصم بن عمر. ورجاله رجال الصحيح.
(2) صحيح. رواه أبو داود (ح/212) والموضح (1/111) وإتحاف (10/230) والمنثور (1/
259) والبيهقي (1/312) . قلت: وأصله عند ابن ماجة.
(3) إسناد صحيح. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، باب: " 106 "، (ح/272) .

(1/885)


بن الأشعث ثنا هشام بن خالد عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى
ابن أبي كثير عن عكرمة عنه، وذكره ابن حزم من طريق عبد الرحمن بن
سليمان عن محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس، أنه سئل عما يحل من
المرأة الحائض لزوجها فقال: سمعنا والله تعالى أعلم إن كان قاله رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو كذلك " يحل له ما فوق الإزار "، ورد لعدم تحقق ابن عباس إسناده
وما أسلفناه يقضى عليه والله تعالى أعلم، وحديث معاذ سألت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض، فقال: " ما فوق الإزار والتعفف
عن ذلك أجل "، رواه أبو داود (1) من حديث بقية عن سعد الأفطس، وقال:
ليس بالقوي، وقال ابن حزم: هذا خبر لا يصح؛ لأنه عن بقية وليس بالقوى
عن الأعطش، وهو مجهول، ورواه أبو القاسم في الكبير (2) من حديث
إسماعيل بن عياش، قال حدثنى سعيد بن عبد الله/الخزاعي عن عبد الرحمن
ابن غنم عن معاذ به فخرجا من الإسناد، وحديث كريب مولى اين عباس قال
سمعت أم المؤمنين تقول: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضطجع معى وأنا حائض
وبيني وبينه ثوب " (3) . ذكره ابن وهب في مسنده من حديث مخرمة عن أبيه
عنه. وحديث أبي ميسرة قال: قالت أم المؤمنين: " كنت أتزر وأنا حائض، ثم
أدخل مع النبي عليه السلام في لحافه ". رواه الدارمي في مسنده (4) بإسناد
صحيح عن عبد الصمد ثنا شعبة عن أبي إسحاق عنه، وحديث زيد بن أسلم
أنّ رجلا سأل النبي- عليه الصلاة والسلام- ما يحل لي من امرأتي وهي
حائض، قال: " ليشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها " ذكره مالك في الموطأ (5)
(1) ضعيف. رواه أبو داود (ح/ 213) والمشكاة (552) والكنز (44896) والمنثور (1/260)
وابن كثير (1/379) قلت: وعلته بقية بن الوليد.
(2) قلت: ورواية الطبراني معلولة أيضا بإسماعيل بن عياش.
(3) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/4) والبيهقي (1/311) وأبو عوانة (1/310) .
(4) صحيح. رواه الدارمي في: كتاب الوضوء، 107. باب مباشرة الحائض، (ح/ 1048) .
(5) ضعيف. رواه مالك في: 2. كتاب الطهارة، 26. باب ما يحل للرجل من امرأته وهي
حائض، (ح/ 93) . قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا رواه بهذا اللفظ مسندا؛ ومعناه صحيح
ثابت.-

(1/886)


وقال أبو عمر في التمهيد: لا أعلم أحدا روى هذا الحديث مسندا بهذا اللفظ،
ومعناه صحيح ثابت والله تعالى أعلم، قوله: أنفست بفتح النون يعني. حضت
هكذا الرواية، قال الحري: نفست المرأة ونفست إذا ولدت ونفست بالفتح
أيضا لا غير حاضت، وفي أفعال ابن طريف عكسه نفست المرأة بضم النون
إذا ولدت، ونفست ونفست بضم النون وفتحها إذا حاضت، وكذا حكاه ابن
القوطية أيضا، وحكى الزمخشري أن اللحياني قال في نوادره: نفست المرأة
تنفس بكسر الماضي والمستقبل مثل حسب يحسب وإخواته وليس ذلك
بمعروف، فقال أبو علي الفارسي في التذكرة: وأصله من الشقق والانصداع،
فقال: تنفست القوس إذا تشققت، وقال ابن درستويه في شرحه للفصيح: إنمّا
سُمّى الدم نفسا لنفاسه في البدن وقوام الروح والبدن به، وحكى ابن عدليس
أنّ الحائط يقال لها نفسا، وبوّب البخاري على هذا باب من سمّى النفاس
حيضا ورد عليه،/وقيل: الصواب أن نقول: باب من سمّى الحيض نفاسا،
وكأنه أراد حكم هذا الحكم هذا في منع الصلاة أو لاشتراكهما لغة، كما
تقدّم قولها: إذ انسللت، قيل: لأنها خافت وصول شيء من الدم إليه، أو
تعددت نفسها ولم ترضها للمضاجعة عليه السلام، أو خافت نزول الوحي
وسفله يحركها عمّا هو فيه فلهذا أخفت انسلالها، والأرب فيه لغتان قال
الجوهري: أرب، وأربة، وإرب، ومأربه، وهي: الحاجة، زاد القزاز والجمع: آراب
ومشارب، ومنه قول عائشة: كان أملككم لاربه أي لحاجته، ولا رتبة وهي
الحاجة أيضا، زاد اللحياني في نوادره: والماربة بفتح الراء وكسرها وضمها
الحاجة، اختلف العلماء في مباشرة الحائض، فأجاز مالك وأبو حنيفة والشّافعي
في أصح الأقوال ما فوق الإزار، وهو قول ابن المسيب وسالم والقاسم وطاوس
__________
وقال الزرقاني: رواه أبو داود عن عبد الله بن سعد الأنصاري.
ورواه أبو داود بإسناد فيه ضعيف في: 1. كتاب الطهارة، باب (82) ، (ح/213) . وتقدمت
رواية أبي داود.

(1/887)


وشريح وقتادة وسليمان بن يسار والأوزاعي، وقال أحمد وإسحاق ومحمد بن
الحسن وداود وأصبع وبعض أصحاب الشافعي: ليستمتع منها بما دون الفرج،
وهو قول ابن عباس والنخعي والشعبي والحسن وعكرمة والثوري معلّقا- بقوله
عليه الصلاة والسلام- حديث أنس الذي في الصحيح: " اصنعوا كل شيء إلا
النكاح " (1) . قال ابن حزم: وأما حديث عائشة: " كنت إذا حضت نزلت عن
المثال إلى الحصير فلم تغرب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يدن منى حتى أطهر "، فخبر
ساقط وقوله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض) (2) . والمحيض في اللغة: قد
يكون موضع الحيضة، وهو الفرج وهذا فصيح معروف، فتكون الآية حينئذ
موافقة لخبر أنس، وهذا هو الذي صح عمن جاء عنه في ذلك شيء من
الصحابة، قال مسروق: سألت عائشة: ما يحل لي من/امرأتي وهي حائض
قالت: " كل شيء إلا الفرج ". وعن علي وابن عباس وأبي طلحة: " فاعتزلوا
النساء في المحيض " قال اعتزلوا نكاح فروجهن، وهو قول أم سلمة ومسروق
وعطاء وغيرهم، وأما مؤاكلة الحائض ومضاجعتها وقبلتها، فأمر مجمع عليه
فيما حكاه محمد بن جرير في كتاب تهذيب الآثار إلا ما شهد به عبيدة
السلماني.
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/16) ، وابن ماجة (ح/644) ، والمشكاة (525) ،
وأحمد (3/132) ، وتلخيص (1/164) ، وابن عساكر في " التاريخ " (3/58) ، وابن كثير (1/
378) ، ومعاني (3/38) ، والكنز (44894) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) سورة البقرة آية: 222.

(1/888)


85- باب النهي عن إتيان الحائض
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد ثنا وكيع ثنا حماد بن سلمة
عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهيجامي عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من أتى حائضا أو امرأة في دبرها، أو كاهنا فصدّقه بما يقول، فقد كفر بما
أنزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". هذا حديث لما خرجه أبو عيسى (1) قال: لا يعرف
إلا من حديث حكيم عن أبي تميمة عن أبي هريرة، وإنّما معنى هذا عند أهل
العلم على التغليظ، فقد روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من أتى حائضا
فليتصدق بدينار " (2) ، فلو كان إتيان الحائض كفرا لم يؤمر فيه بالكفارة،
وضعّف محمد هذا الحديث من جهة إسناده، وقال في العلل: سألت محمدا
عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من هذا الوجه، وضعف الحديث جدا، وقال
البخاري في التاريخ الكبير وذكر حكيما بهذا الحديث وهذا حديث لم يتابع
عليه ولا يعرف لأبي تميمة سماع من أبي هريرة، وفي كتاب العقيلي: هذا
رواه جماعة عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة موقوف، وقال
الطوسي في أحكامه: هذا حديث يضعف من قبيل إسناده، وقال/عبد الحق
في الكبرى: لا يصح، وقال أبو أحمد بن عدي: حكيم يعرف بهذا الحديث
وليس له غيره إلا اليسير، وقال البزار: حكيم بصرى حدّث عنه عوف وابن
سلمة ولكن في حديثه شيء؛ لأنه حدّث عن حماد بحديث منكر، قال ذلك:
في مسند عياض بن حماد، وقال محمد بن يحيى: قلت لابن المديني: حكيم
الأثرم من هو؟ قال: أعيانا هذا، وفي رواية عنه: لا أدرى من أين هو؟ روى
عنه عوف الأعرابي وسعيد بن عبد الرحمن، وفي كتاب ابن المرقى عن ابن
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/135) . وقال أبو عيسى: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث
حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة. وإنما معنى هذا عند أهل العلم على التغليظ.
وابن ماجة (639) ، وأحمد (2/408، 476) ، والدارمي (1/259) ، والترغيب (3/291) ،
والمشكاة (551) ، وإتحاف (5/3756) ، وتلخيص (3/180) ، والمنثور (1//260) وابن كثير
(11/386) ، والقرطبي (3/95) . قلت: والحديث إسناده متصل. وصححه الشيخ الألباني.
(2) انظر: سنن الترمذي: عقب الحديث السابق.

(1/889)


معين: هو ضعيف، رأى ذلك البستي فذكره في كتاب الثقات، وسمّى إياه
أيضا حكيما ونسبه بصريا وضعه بالرواية عن الحسن الهناد ذكر حديثه في
الصحيح وكذلك ابن الجارود، وفي كتاب الآجري سألت أبا داود عن حكيم
الأثرم فقال: ثقة حدّث يحيى بن سعيد عن حماد بن سلمة عنه، وقال
النسائي في كتاب التمييز: ليس به باس ولو سلم الحديث من شائبة الانقطاع
لكل قول من صححه صحيحا والله تعالى أعلم على أنّ ابن سعد يؤخذ من
كلامه اتصاله، وذلك؛ أنه لماّ ذكر طريق بن مجالد في الطبقة الثانية من
البصريين الذين رووا عن عثمان وعلي وطلحة والزبير وأبي بن كعب وأبي
موسى وصفه بالثقة، وقال توفي سنة سبع وتسعين في خلافة سليمان بن
عبد الملك ومن أدرك مثل هؤلاء فلا يبعد سماعه من أبي هريرة، على أنّ
البخاري لم يجزم بعد سماعه منه حرصا منه على قاعدته مع أنه ليس مدلسا،
ولقبه له ممكن فعنعنة تحمل على السماع حتى يأتي ما يمنع ذلك صريحا والله
تعالى أعلم، وسيأتي له إن شاء الله تعالى شواهد ومتابعات في كتاب النكاح
وكلام العقيلي لا يؤثر في صحة هذا الحديث فإنه غيره.

(1/890)


86- باب في كفارة من أتى حائضا
/حدثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد ثنا محمد بن جعفر وابن أبي
عدى عن شعبة عن الحكم عن عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال يتصدّق بدينار أو بنصف دينار ".
هذا حديث لما رواه أبو داود (1) قال: هكذا الرواية الصحيحة دينار أو نصف
دينار، وربما لم يرفعه شعبة ثنا عبد السلام بن مطهر نا جعفر يعنى سليمان عن
علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس قال:
" إذا أصابها في الدم فدينار وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار ". قال أبو
داود (2) وكذلك قال ابن جريج عن عبد الكريم عن مقسم، وعنه من حديث
شريك عن خصيف عن النبي عليه السلام: " إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض
فليتصدق بنصف دينار " (3) . وكذا قال علي بن بذيمة عن مقسم عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مرسل، وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن
عن النبي- عليه الصلاة والسلام- قال: " امرأتان تتصدق بخمس دينار يعنى
معضلا " (4) ، ولما خرجه النسائي في عشرة النساء فيما ذكره ابن عساكر، وجه
المزي ولم أره في المكان المذكور من المختار الكبير، قال شعبة: أمّا حفظي
فمرفوع، وقال: فلأنّ فلان لا يرفعه، وخرجه أيضا عن الحسن الزعفراني عن
محمد عن الصباح عن إسماعيل بن زكريا عن عمرو بن قيس عن الحكم بن
مقسم عن ابن عباس قال: " واقع رجل امرأته وهي حائض الحديث ... " /، وفي
لفظ إن كان الدم غبيطا، وفي كتاب الحيض لأحمد قال أبو عبد الله: لم
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 105. باب في إتيان الحائض، (ح/264) .
قال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة قال دينار أو نصف دينار، ورّبما لم يرفعه شعبة.
(2) حسن. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 105. باب في إتيان الحائض، (ح/265) .
قال أبو داود: وكذلك قال ابن جريج عن عبد الكريم عن مقسم.
(3) المصدر السابق: (ح/266) .
(4) المصدر السابق.

(1/891)


يرفعه عبد الرحمن ولا بهذا عن شعبة، وفي السنن للبيهقي في إسناده أبي
عبد الله قال أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه: جملة هذه الأخبار مرفوعة
وموقوفة يرجع إلى عطاء العطار وعبد الحميد وأبي أمية وفيهم نظر، وأمّا قول
البيهقي: وقيل عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس موقوفا فإن كان
محفوظا فهو من قول ابن عباس يصح ففيه نظر؛ لأنّ إسناده عنده صحيح
رواه عن أبي بكر القاضي عن أبي العباس الأصم عن محمد بن إسحاق
الصنعاني عن أبي الجواب عن الثوري عنه، وأبو الجواب حديثه في صحيح
مسلم. وفي كتاب للجوزقاني وذكره من حديث الوليد بن مسلم حدثنى
عبد الرحمن بن يزيد بن تميم عن علي بن بذيمة سمعت سعيد بن جبير
يحدّث عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " ضعيف نسمته هذا " (1) . حديث منكر
تفرد به عبد الرحمن وهو ضعيف جدا، وفي كتاب الحلال قال أحمد: لو
صح الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنّا نرى عليه الكفارة، قيل له: في نفسك منه
شيء؟ قال. نعم؛ لأنه من حديث فلان أظنه قال عبد الحميد: وقيل:
عبد الرحمن بن مهدى قيل لشبعة: إنك كنت ترفعه قال: إنى كنت مخبوبا
فصححت، ولما سأل ابن أبي حاتم أباه عنه قال: اختلفت فيه الرواية، ولم
يسمعه الحكم من مقسم، وسمعت أبا زرعة يقول: لا أعلم قتادة روى عن
عبد الحميد شيئا ولا عن الحكم، وقال أبو سليمان الخطابي: وقال أكثر
العلماء: لا شيء عليه وليستغفر الله، وزعموا: أنّ هذا الحديث مرسلا وموقوفا
على ابن عباس، ولا يصح متصلا مرفوعا، والذمم بريئة إلا أن تقوم الحجة
بشغلها،/وقال ابن المنذر: هذا حديث في سنده اضطراب، فإن ثبت قلنا به
وإن لم يثبت قلنا به وإن لم يثبت لم يقل به، وقال عبد الحق في الكبرى: لا
يصح، ولما ذكره في الوسطى عاب على أبي عيسى قوله روى موقوفا على ابن
__________
(1) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/282) من حديث ابن عباس، قال:
جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله أصبت امرأتي وهي حائض فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعتق نسمة، وقيمة النسمة يومئذ دينار. قال الهيثمي: ورواه الترمذي وغيره خلا عتق النسمة وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " وفيه عبد الرحمن بن يزيد بن تميم وهو ضعيف.

(1/892)


عباس، ولم يتعرض لضعفه وهو لا يروى بإسناد يحتج به، وقد روى فيه
يتصدق بخمس دينار وعند أبي داود: " يعتق نسمة " (1) ، قال: وفيه النسمة
يومئذ دينار ولم يخص في إتيان الحائض، وما من دم ذكره النسائي عن ابن
عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يصح في إتيان الحائض إلا التحريم، ولما ذكره أبو
محمد من حديث مقسم عن ابن عباس: " إن كان الدم غبيطا فدينار وإن كان
فيه صفرة نصف دينار ". ردّه؛ بأنّ مقسما ليس بالقوى فسقط الاحتجاج به،
ومن جهة شريك عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا: " فتصدّق
بنصف دينار "، ثم قال خصيف وشريك كلاهما ضعيف، ومن جهة الأوزاعي
عن يزيد أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن مرسلا يتصدّق بخمسي
دينار ردّه بالإرسال ورده البيهقي بالانقطاع، ومن جهة عبد الكريم أبي المخارق
قال: وهو حديث باطل، ومن جهة عبد الملك بن حبيب ثنا أصبع ابن الصّرح
عن الشعبي عن زيد بن عبد الحميد عن أبيه أنّ عمر وطئ جارية له فإذا بها
حائض فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تصدق بنصف دينار " (2) . وحديث عبد الملك
أيضا عن المكفوف عن أيوب بن حوط عن قتادة عن ابن عباس مرفوعا:
" فليتصدق بدينار أو بنصف دينار "، ثم قال كيف بهذا سقوطا كونهما من
رواية عبد الملك كيف وفيهما غيره، أما الشعبي فلا تدرى من هو وضع ذلك
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي: أبواب الحيض، 103. باب ما جاء في الكفّارة في ذلك، (ح/
137) . وقال: حديث الكفارة في إتيان الحائض قد رُوى عن ابن عبّاس موقوفا ومرفوعا. وهو
قول بعض أهل العلم. وبه يقول أحمد، وإسحاق. وقال ابن المبارك: يستغفر ربه، ولا كفّارة
عليه. وحديث ابن عباس هذا في كفّارة إتيان الحائض قد روى بأسانيد كثيرة، وبألفاظ مختلفة،
واضطربت فيه أقوال العلماء جدا. وقد وجدت له نحوا من خمسين طريقا أو أكثر، وذكرها
مفصلة يطول بها الأمر كثيرا. ومداره في أكثر الأسانيد على مقسم مولى ابن عباس عن ابن
عباس. وهو الجادة في روايته. ورواه بعضهم من طريق عكرمة عن ابن عباس، وليس بالثبت،
لضعف رواته عن عكرمة وقد يكون هذا شاهدا فقط لحديث مقسم.
قلت: ورواية الترمذي: " ليس بها غبيطا " وبلفظه: رواه الدارمي (ح/1111) .
(2) ضعيف. جامع المسانيد: (1/1096) .
قلت: به من لا يعرف.

(1/893)


فهو مرسل، وأمّا المكفوف فلا يعرف من هو وابن حوط/ساقط، ومن حديث
الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن علي بن بذيمة عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا: " يعتق نسمة "، ورد بأن رواية غير الوليد
موسى بن أيوب وهو ضعيف، وكذلك ابن جابر قال: فسقطت جمع الآثار
في هذا الباب. انتهى كلامه وفيه نظر: من حديث بن عبد الملك: ثم بابن أبي
المخارق، وإن كان له في ذلك سلف وهو ما رواه روح بن عبادة عند الطبراني
عن سعيد بن أبي عروبة عن عبد الكريم بن أبي أمية كما قاله أبو الوليد
الوتيتني وغيره من أنه الجزري لا ابن أبي المخارق والله تعالى أعلم، وقال أبو
عمر بن عبد البر: وهذا حديث مضطرب، ولا تقوم بمثله حجة، وقال الشافعي
رحمه الله: فإن أتى رجل امرأته حائضا أو بعد ولية الدم ولم يغتسل
فليستغفر الله تعالى ولا يعد، وقد روى فيه شيء لو كان ثبتا أخذنا به، لكنه لا
يثبت مثله، وفي المعرفة لأبي بكر: وذكر حديث مقسم فاعله لوقف شعبة له
ورواية شريك بقوله وكان شريكا شكّ في رفعه، ورواية عبد الكريم أبي أمية
تارة عن مقسم وتارة عن عكرمة وأبو أمية لا يحتج به، ورواه يعقوب بن
عطاء وهو لا يحتج به عن مقسم عن ابن عباس مرفوعا ورواه عطاء بن
عجلان، وهو ضعيف موقوفا يتصدّق بدينار وإن لم يجد بنصف دينار، وكذا
رواه علىّ بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجذري عن مقسم عن ابن عباس،
وضعّف ابن القطّان حديث خصيف به، ولما ذكر أبو الفرج: حديث ابن عباس
في تحقيقه، ضعفه، وقال الغزالي: هو حديث ضعيف، وقال الشيخ محى الدين
رحمه الله تعالى وذكره: هذا حديث ضعيف باتفاق الحفاظ، ولما ذكره أبو
الحسن في كتاب الغرائب قال: غريب من حديث عمرو بن/ قيس الملائي عن
الحكم عن عبد الحميد تفرد به عمر بن شهيب، وقد روى عن جماعة من
السلف ما يؤذن بأنه غير صحيح منهم الشعبي، وسئل عن فاعل فقال: ذنب
أتاه ليستغفر الله ويتوب إليه ولا يعود، وقال جبير: ذنب أتاه وليس عليه كذا
رواه، وقال القاسم: يعتذر إلى الله ويتوب، وقال عطاء: يستغفر الله وليس عليه
شيء، وكذا قاله ابن أبي ملكية، وعن أبي قلابة أن رجلا أتى أبا بكر فقال:

(1/894)


رأيت في المنام كأني أقول قال: تأتى امرأتك وهي حائض؟ قال: نعم قال: اتق
الله ولا تعدو عن ابن سيرين، وسئل عن ذلك قال: يستغفر الله تعالى، وقال
إبراهيم: ذكره الدارمي في مسنده (1) قال ابن المنذر به، وقال عطاء ومكحول
والزهري وأبو الزناد وربيعة وحماد بن أبي سليمان وأيوب ومالك والليث
والثوري والنعمان ويعقوب، وأما المصححون فالإمام أحمد بن حنبل في رواية
أبي داود عنه أنه قال: ما أحسن حديث عبد الحميد في كفارة الحيض، قيل
له: تذهب إليه؟ قال: نعم، وفي رواية الميموني عنه عبد الحميد ولى الكوفة
لعمر بن عبد العزيز والفاسي قديما قد حملوا عنه وليس به بأس، وقال الحربي:
هذا الحديث اختلف فيه أصحاب شعبة فرفعه يحيى وغندر ومعاذ ووهيب وابن
أبي عد ووثقه وكيع وابن مهدى، وحكى عنه ابن مهدى كتب في رفعه
كالمجنون، فصححت أنّى رجعت إلى الفاقة، فإن ذلك من قول شعبة صحيحا،
فكأنه رجع عن رفعه وبعض، يريد عبد الحميد ورفعه وبعض روح أيضا
عبد الحميد وافقه، وجعل مكان مقسم عكرمة، وعبد الحميد هو ابن أخي عمر
ابن الخطاب، أمّه: ميمونة بنت وهبة، ولاه عمر بن عبد العزيز الكوفة، وكان
أبو الزناد كاتبه، وكان من أحسن الناس وجها روى عنه بكر بن الأشج وزيد
ابن أبي أنيسة وغيرهما، وأمّا حديث/حماد بن الجعد عن قتادة عن الحكم
عن عبد الحميد عن مقسم، وحديث ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحكم عن
عبد الحميد عن مقسم لم يذكر عبد الحميد والحكم يوجب أن يكون القول
قول حماد بن الجعد؛ لأنّه زاد قال: واختلف أصحاب الحكم، فرفعه إسماعيل
ابن مسلم وسفيان بن حسين ورقية ووثقه الأعمش والمسعودي وأبو عبد الله
الشعرى وابن أبي ليلى وخالد، وأرسله خصيف فكان اتفاقه في هذا الحديث
أثبت عندي، واختلف أصحاب خصيف، فرفعه شريك وإسرائيل، وأوقفه ابن
سعيد ومعمر، وأرسله الثوري وابن جريج، وقول حماد عن عكرمة وهم بيّن
فالحكم يوجب أن يكون القول قول شريك وإسرائيل، واختلف أصحاب
عبد الكريم، فكان ممن وثقة ابن عيينة وأبان وحجاج وأبو جعفر وابن جريج
__________
(1) المصدر السابق للدارمي: (ح/1112) . قلد وهذا حديث صحيح.

(1/895)


وأرسله أبو الأحوص، فالقول قول من رفعه لكثرتهم، وعبد الكريم هذا غيره
أوثق منه، وأمّا حديث علي بن الحكم والثوري عن علي بن بذيمة عن مقسم
فأسده علي بن الحكم، وأرسله الثوري، ولما ذكره أبو جعفر في شرح المشكل
وذكر بعده حديث عمر أنه كانت له امرأة تكره الجماع فوقع عليها وهي
حائض فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تصدق بخمس دينار " (1) . قال: والأحاديث
الأولى أولى من هذا البيت رواتها ولتجاوزهم في المقدار، ولما ذكره الحاكم من
حديث مسدد ثنا يحيى عن شعبة عن الحكم مرفوعا ولفظه: " بدينار أو نصف
دينار " (2) . قال: هذا حديث صحيح فقد احتجا جميعا بمقسم، فأما عبد الحميد
فمأمون ثقة وشاهده ودليله ما ثناه علي بن حماد ثنا إسماعيل بن إسحاق
القاضي ثنا عبد السلام بن مطهر ثنا علي بن جعفر بن سليمان عن على بن
الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس قال:/ " إذا
أصابها في الدم فدينار وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار " (3) . قد أرسل
هذا الحديث وأوقف أيضا، ونحن أصلنا الذي أصلناه أنّ القول قول الذي
يسنده، ويصل إذا كان ثقة، وذكره أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الجوزقاني
الحافظ في باب صحاح الأحاديث ومشهورها، وكذلك ابن الجارود في منتقاه،
وقال ابن أبي داود في كتاب الطهارة: هذه سنة تفرد بها أهل المدينة
وعبد الحميد من ولد عمر بن الخطاب ثقة مأمون، وفي كتاب حرب الكرماني
قيل لإسحاق أو قال قائل: كيف يتصّدق بدينار ونصف دينار، قيل له في
ذلك في حديث ابن عبدة بيان ما سألت حيث قال: " إن كان الدم غبيطا
فدينار وإن كان فيه صفرة فنصف دينار فخمس دينار على قدر رقّة الدّم
وغلظه " (4) . وربّ طهارة من بعده، وفرق بينهما من لا يغلط ولا يسهو، فمن
__________
(1) صحيح. رواه الدارمي في: الوضوء112. باب من قال: عليه الكفارة، (ح/11110) .
(2) المصدر السابق: (ح/1106) ولفظه: " عن ابن عباس، في الذي يأتي امرأته وهي حائض
يتصدق بدينار. أو نصف دينار ". شك الحكم. قلت: وهذا حديث صحيح.
(3) صحيح. رواه الدارمي في: كتاب الوضوء " 112. باب من قال: عليه الكفارة، (ح/1108) .
(4) تقدم من أحاديث الباب.

(1/896)


رغب عن هذه السنة الصحيحة فقد أخطأ، وينبغي للمسلم إذ جاءه مثل هذا
وأشباهه عن النبي- عليه الصلاة والسلام- وأصحابه من سعده أن يقبله
بقبول حسن، وقال الحافظ أبو الحسن ابن القطان رحمه الله تعالى: وأمّا
زعمهم أن متن الحديث بالجملة لا بالنسبة إلا رواية راو بعينه مضطرب وذلك
عندي خطأ من الإعلال، والصواب هو أن ينظر رواية، وكل راو بحسبها
ويعلم ثنا يخرج عنه فيها فإن صح من طريق قبل، ولو كانت له طرق أخرى
ضعيفة، وهم إذا قالوا هذا روى فيه بدينار وروى بنصف دينار فباعتبار صفات
الدم، وروى باعتبار أوّل الحيض وأخره، وروى بخمس دينار وروى بعتق نسمة
والتحقيق لا يضرّه، ونحن نذكر الآن كيف/هو صحيح بعد أن قال يحتمل
قوله دينارا ونصف دينار ثلاثة أمور، أحدها: أن يكون تخييرا، ويبطل هذا بأن
يقال: إنّما يصح التخيير بين شيئين، أمّا من فعل الشيء أو بعضه فمحال أو
حكم التخيير أن يكون بين شيئين أو أشياء حكما واحدا، فإذا خيرّ من الشيء
بعضه كان بعض أحدهما متروكا بغير يدك، والأمر الثاني: أن يكون شكا من
الراوي، والثالث: أن يكون باعتبار حالتين وهذا هو الذي يتعين منها، وننبه بأن
عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب اعتمده أهل الصحيح، منهم
البخاري ومسلم، ووثّقه النسائي والكوفي وبحق له، فقد كان محمود السيرة
في إمارته على الكوفة لعمر ضابطا لما يرويه ومن دونه في السند لا يسأل
عنهم، ويستنكر على سمعك من بعض المحدّثين أنّ الحديث في كفارة من أتى
حائضا لا يصح فليعلم أنّ لا عيب له عندهم إلا الاضطراب زعموا، فمِمّن
صرح بذلك أبو علي بن السكن قال: هذا حديث مختلف في إسناده ولفظه،
ولا يصح مرفوعا ولم يصححه البخاري وهو صحيح من كلام ابن عباس
انتهى، فيقول: والرجال الذين رووه مرفوعا ثقات، وشعبة إمام أهل الحديث قد
ثبت في رفعه إيّاه، فمن رواه عنه مرفوعا يحيى القطّان وناهيك به وغندر، وهو
أخصّ النّاس به، ورواه سعيد بن عامر عن شعبة فقال: عن الحكم عن
عبد الحكيم عن مقسم عن ابن عباس قوله شعبة، أما فمرفوع وقال: فلان
وفلان إنه كان لا يرفعه فقال له بعض القوم: نا بسطام ثنا بحفظك ودعنا من

(1/897)


فلان وفلان، فقال: والله ما أحب لي حديث بهذا أو سئلت أو أن عمرت في
الدنيا عمر نوح عليه السلام في قومه، فهذا غاية التثبت أو أن أوثّق أهل
الأرض فخالفه/فيه فوقفه على ابن عباس كان ما إذا لبس إذا روى الصحابي
حديثا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجوز له بل يجب عليه أن يتقلّد مقتضاه فيقضى (1) به،
هذا قوة للخير لا توهين له فإن قلت: فكيف بما ذكر ابن السكن ثنا يحيى
وعبد الله بن سليمان وأوهم قالوا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة
بالإسناد المقدّم مثله موقوفا، وقال رجل: إنّك كنت ترفعه قال لي كنت مجنونا
فصححت، قلنا: نظن أنه لما أكثر عليه في رفعه إيّاه يؤتى رفعه لا لأنه موقوف
لكن أبعاد الثقة عن نفسه، وأبعد من هذا الاحتمال أن يكون شك في رفعه
في ثاني حال موقفه، فإن كان هذا فلا يبالى أيضا بل لو نسي الحديث بعد أن
حدّث به لم يضرّه، فإن أبيت إلا أن يكون شعبة رجع عن رفعه، فاعلم أنّ
غيره من أهل الثقة والأمانة قد رواه عن الحكم مرفوعا، كما رواه شعبة فيما
تقدّم وهو عمرو بن قيس الملائي قال فيه عن الحكم ما قال شعبة من رفعه إيّاه
إلى أن لفظ فأمره أن يتصدّق بنصف دينار ولم يذكر دينارا، وذلك لا يضرّه
فإنّه إنّما حكى قصة معينة قال فيه: " واقع رجل امرأته وهي حائض فأمره النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتصدّق بنصف دينار ". ذكره النسائي (2) فهذه حال يجب فيها
نصف دينار وهو مؤكد لما قلناه من أن دينار أو نصف دينار إنما هو باعتبار
حالين لا تخيير وشك، ورواه أيضا مرفوعا هكذا عن عبد الحميد بن
عبد الرحمن عن قتادة وهو من هو قال النسائي أنا حشيش بن أصرم ثنا روح
وعبد الله بن بكر ثنا ابن أبي عروبة عن قتادة عن عبد الحميد به مرفوعا،
بدينار أو بنصف دينار، إلا أنّ الأظهر في هذه الرواية أنه شك من الراوي في
هذه القضية بعينها فهذا شأن حديث مقسم،/وإن تقدّم عنه فيه وقفا وإرسالا
وألفاظا أخر لا يصح منها شيء غير ما ذكرناه، وأمّا ما روى عن خم دينار
__________
(1) قوله: " فيقضى " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) صحيح. رواه النسائي في: الطهارة، باب (182) ما يجب على من أتى حليلته في حال
حيضتها (1/153) .

(1/898)


أو عتق نسمة فما منها شيء يقول عليه فلا يعتمد في نفسه ولا يطعن به على
حديث مقسم، والله تعالى أعلم. انتهى كلامه. وفي قوله ابن حزم مقسم ليس
بالقوى فسقط الاحتجاج به نظر؛ لأنه من حديث في الصحيحين على سبيل
الاحتجاج وأثنى عليه غير واحد من الأئمة، وفي قول الدارقطني: تفرد به عمر
بن شبيب يعنى عن الملائي نظر لما أسلفناه من كتاب النسائي، وأما قول ابن
السكن فمردود؛ بأن البخاري لم يخرج ولم يصحح كل حديثه وقال:
أسقيت كتابي من مائة ألف حديث صحيحة، وإنما خرجت هنا ما أجمعوا
عليه فلا حجة إذا في عدم تصحيح البخاري له، وأمّا قول النووي فمردود بما
قدّمنه أيضا، وأما ما أعله به أحمد فمعارض بما تقدم ولعله ظهر له ذاك بعد
وأمّا تضعيف الجوزقاني؛ فلرواية خاصة بدليل ما ذكره بعد، ويؤكد صحته قول
جماعة من السلف به منهم الحسن قال: " عليه عتق رقبة أو عشرين صاعا
لأربعين مسكينا " (1) ، وقال عطاء: " يتصدق بدينار " (2) ، وفي رواية: " بنصف
دينار " (3) ، وقال الأوزاعي " بخمس دينار "، ذكره الدارمي (4) وزاد ابن المنذر
وقتادة وإسحاق والنخعي وسعيد بن جبير وهو قول محمد بن الحسن وأحمد
بن حنبل، وفي كتاب الماوردي قال أصحابنا: ولو اعتقد مسلم صار كافرا
مرتدا فإن فعله ناسيا أو جاهلا بتحريمه أو بوجود الحيض أو مكرها فلا إثم
عليه ولا كفارة، وإن تعمّدا الموطئ عالما بما سبق فقد ارتكب كبيرة يجب
عليها التوبة، وفي وجوب الكفارة قولان للشافعي رحمه الله تعالى: وليشبه أن
يكون خطره ذلك لما رواه الزهري عن سعيد بن المسيب عن/أبي هريرة قال
__________
(1) صحيح. رواه الدارمي في: الوضوء، باب " 112 "، (ح/1117) ، قلت: " ولم يذكر فيه أو
عشرين صاعا لأربعين مسكينا ".
(2) صحيح. المصدر السابق: (ح/1118) .
(3) حسن. رواه الترمذي (ح/136) ، وأبو داود (ح/264) ، والنسائي (1/153. كتاب
الطهارة، باب ما يجب على من أتى حيلته في حال حيضها. والدارمي (ح/ 1109) انظر
تعليق الشيخ شاكر على الترمذي 1/244 - 245. فقد أطال في تصحيحه وأجاد.
(4) صحيح. رواه الدارمي في: الوضوء باب " 112 " كحل/1110) .

(1/899)


عليه السلام: " من وطئ امرأة وهي حائض فقضى بينهما ولد فأتى به جزام فلا
يلومن إلا نفسه " (1) . قاله أبو القاسم في الأوسط ولم يروه عن الزهري إلا
الحسن بن الصلت من أهل الشّام تفرد به محمد بن أبي السدى.
__________
(1) ضعيف رواه أبو للعباس الأصم في " حديثه " (ج 2 رقم 147) ، والطبراني في " الأوسط " (1/ 169/ 1) وابن عدي في الكامل " 4/1454) ، والمجمع (4/299) . والحديث أعله الهيثمي (4/ 299) ببكر. وضعفه النسائي وقال الذهبي: " قد حمل النّاس عنه وهو مقارب الحديث ".
وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ح/757) .

(1/900)


87- باب في الحائض كيف تغتسل
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد ثنا وكيع عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها وكانت حائضا: " انقضي شعرك
واغتسلي " (1) ، وقال علي في حديثه: " انقضى رأسك" (2) . هذا حديث تقدم
ذكره، وأن إسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو في مسند العربي مطولا:
لأخرجنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة جميعا، قالت: فقدمت
بمكة وأنا حائض فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " انقضي رأسك ". وهو في الصحيح أيضا، حدثنا محمد بن
بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن إبراهيم بن مهاجر سمعت صفية تحدّث
عن عائشة أنّ أسماء سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الغسل من الحيض، فقال:
" تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها
فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شئون رأسها ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ
فرصة من مسكة فتطهر بها "، قالت أسماء كيف أتطهر بها قالت عائشة:
كأنها تخفي ذلك تتبعي بها أثر الدم. قالت/وسألت عن الغسل من الجنابة،
فقال: " تأخذ إحداكن ماءها فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ في الطهور حتى
تصب الماء على رأسها فتدلكه حتى يبلغ شئون رأسها ثم تفيض الماء على
جسدها. فقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن
في الدّين ". هذا حديث خرجاه في صحيحيهما (3) وفي لفظ مسلم: " أن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/641) ، وابن أبي شيبة (1/79) ، والكنز (27762) .
وصححه الشيخ الألباني. الصحيحة (188)
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/86، 2/172، 3/4، 5/5/221) ، ومسلم في
(الحج، ح/111، 113) ، وأبو داود في (المناسك، باب " 23 ") ، والنسائي (5/166) ، وابن
ماجة (641) ، وفيه " شعرك "، وأحمد (6/164، 246) ، والبيهقي (1/182، 4/346، 353،
05/15) ، وشرح السنة (781) ، وشفع (9122) ، وتجريد (41) ، وحبيب (2/14) ، والموطأ
(411) ، وتمهيد (8/198، 203، 204، 215، 225) ، وابن خزيمة (2788) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح/315) ، مسلم في (الحيض، ح/61) والنسائي في
(الطهارة، باب " 160 ") ، وابن ماجة (ح/642) ، وأحمد (6/147، 148، 188) .=

(1/901)


أسماء بنت شكل "، وتبعه على ذلك غير واحد، منهم: أبو العباس العراقي في
أطرافه، وابن بشكوال، وأبو الفضل بن طاهر في الإيضاح، وابن الأثير في
استدراكه على أبي عمرو، وابن ميمون، وأبو موسى المديني في معرفة
الصحابة، ولماّ ذكرها ابن فرقول ضبط اسم أمّها بكاف ساكنه، وأكثر النّاس
على فتحها، وأمّا ابن الجذري فإنّه اضطرب كلامه، فذكر في مشكل
الصحيحين: أنها ابنة شكل، وقال في التلقيح في بنت يزيد بن السكن: وقال
الخطيب أبو بكر: هي أسماء بنت يزيد بن السكن خطيبة النساء، وتبعه على
ذلك غير واحد، حتى قال الحافظ الدمياطي: هذا هو الصحيح؛ لأنه ليس في
الأنصار من اسمه شكل مستدلا بقول البخاري في هذا الحديث " أنّ امرأة من
الأنصار " وهي شهادة على النفي؛ لأنّ مسلما أثبتها، وتبعه من أسلفناه أو ظهر
لهم ما ظهر له فذكروه لا لمتابعته، وأيا ما كان فلا يدفع وإلا بدليل واضح،
وكون الخطيب خالف ذلك لا يقتضى له الاحتمال أن تكونا امرأتين سألتا عن
أمر واحد كما تقدّم نظائره، أو يكون الخطيب هو الواهم من اللام إلى النون
إلى غير ذلك من الاحتمالات، ويوضحه أنّ ابن سعد والطبراني وغيرهما
ذكروا ابنة يزيد بأحاديث ليس فيها هذا، وفرق ابن مندة بين أسماء بنت يزيد
وبين ابنة شكل، وكذا غيره، وذكر أبو موسى هذا الحديث في ترجمة/ابنة
شكل ويزيد ذلك وضوحا، وسترى مسلما في التفرد ما ذكره أبو بكر بن أبي
شيبة في مسنده، كرواية مسلم سواء في كتاب المستخرج لأبي نعيم الحافظ
كذلك عن أبي جعفر محمد بن محمد ثنا الحسن بن محمد بن حاتم ثنا
الوليد بن شجاع ثنا أبو الأحوص (1) عن إبراهيم بن مهاجر عن صفية عن
عائشة، قالت: دخلت أسماء بنت شكل " الحديث ". قال أبو داود في كتاب
التفرد عن إبراهيم بن مهاجر: فرصة ممسكة، قال مسدد كان أبو عوانة يقول:
فرصة، وكان أبو الأحوص (2) فرصة انتهى، وقوله: فرصة يعني: بكسر الفاء
__________
= وصححه الشيخ الألباني. قلت: وأسماء هي امرأة صحابية من الأنصار، يقال لها أسماء
بنت شكل، وليست بأسماء بنت أبي بكر أخت عائشة.
الفرصة: قطعة من قطن أو صوف. وممسكة: أي مطلية بالمسك.
(1) قوله: " الأحوص " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) و " الأحوص " هنا وردت " بالأصل " " الأخرص " وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.

(1/902)


وسكون الراء هذا هو المشهور، وهي القطعة من الصوف أو غيره، يقال:
فرصت الشيء بمعنى قطعه بالفراص، وأنكر أبو محمد بن قتيبة ذلك، وقال:
إنما هي قرضة بالقاف والضاد المعجمة وهي القطعة، وقال بعضهم: قرصة بفتح
القاف وسكون الراء ثم صاد مهملة، أي: شيئا يسيرا مثل القرصة بطرف
الإصبعين، وقوله. من مسك وهو دم الغزال المعروف، وقال بعضهم: من مسك
بفتح الميم أي جلّد عليه شعر، قال عياض: وهي رواية الأكثرين، وأنكرها ابن
قتيبة وقال: المسك لم يكن عندهم من السعد بحيث يمتهنونه في هذا، وليس
فيه ما يتميّز من غيره فيمضى به قال: وإنّما أراد فرصة من شيء صوف أو
قطن أو خرقة ونحوه، وقال بعضهم: أراد قطعة من جلد عليها صوف،
والصواب: الأوّل وتدلّ عليه الرواية الأخرى فرصة ممسكة بضم الميم الأولى
وفتح الثانية وتشديد السين مع فتحها أي: قطعة من صوف ونحوها مطيبة
بالمسك وروى بعضهم: ممسكة بضم الميم الأولى وسكون الثانية وسين مخففة
مفتوحة، وقيل: مكسورة أي من الإمساك، وفي بعض الروايات: خذي فرصة
ممسكة فتحمل بها وقيل: أراد/بالممسكة الحلق التي أمسكت كثيرا كان أراد
أن لا يستعمل الجديد من القطن وغيره للارتفاق به؛ ولأنّ الحلق أصلح لذلك،
ووقع في كتاب عبد الرزاق يعني بالفرصة، وقال بعضهم: هي الذريرة، وزعم
المحاملي الشافعي: أنه يستحب للمغتسلة من الحيض والنفاس أن تطيب جمع
المواضع التي أصابها الدم من بدنها، والحكمة في ذلك: تطييب المحل ورفع
الرائحة الكريهة، وقيل: لأنه أسرع إلى علوق الولد، واختلف في وقت
استعمالها لذلك، فقال بعضهم: بعد الغسل، وقال آخرون قبله، وفي صفة
الاغتسال أحاديث سبق ذكرها، ومنها حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن
سالم خادم النبي عليه السلام قال: " إنّ أزواج النبي عليه السلام تجعلن رؤوسهن
أربع فروق، فإذا اغتسلن جمعهن على وسط رؤوسهن ولم ينقضهن ". رواه في
الأوسط (1) ، وقال: لم يروه عن جعفر إلا عمرو بن هارون، ولا يروى عن
سالم إلا بهذا الإسناد.
__________
(1) تقدم في بابه. كما ذكر المصنف.

(1/903)


88- باب ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها
حدثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن المقدام بن شريح
عن أبيه عن عائشة قالت: " كنت أتعرّق العظم وأنا حائض، فيأخذ رسول
الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فيضع فمه حيث كان فمي وأنا حائض ".
هذا حديث أخرجه مسلم (1) في صحيحة وفي لفظ النسائي (2) : " يدعوني
فآكل معه وأنا عارك وكان يأخذ، العرق فيقسم على فيه فآخذه/منه ثم أضعه،
فيأخذه فيعترق منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق ويدعو
بالشّراب ". فذكر بقية ذلك. حدثنا محمد بن يحيى ثنا الوليد ثنا حماد بن
سلمة عن ثابت عن أنس " أن اليهود كانوا لا يجلسون مع الحائض في بيت
ولا يؤاكلوها ولا يشاربوها قال: قد قيل ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله عز وجل:
(ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) . فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اصنعوا كل شيء إلا الجماع ". هذا حديث خرجه مسلم (3)
بزيادة، فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا
فيه. فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالا: يا رسول الله:
إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا تنكحهن فتمعر وجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ظننا
أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلهما هديّة من لبن إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/14) .
غريبة: قوله: " أتعرق العرق " هو العظم الذي عليه بقية من لحم. هذا هو الأشهر في معناه. وقال أبو عبيد: هو القدر من اللحم. وقال الخليل: هو العظم بلا لحم. وجمعه: عُراق، بضم العين: ويقال: عرقت العظم وتعرقته واعترقته إذا أخذت عنه اللحم باسنانك.
(2) صحيح. رواه النسائي في: للطهارة، باب: " 177 "، والحيض، باب " 15 ".
ورواه أحمد: (6/127، 192) .
(3) صحيح. رواه مسلم في: الحيض، 1 ح/16) .
قوله: " المحيض " المحيض الأوْل المراد به الدم. والثاني قد اختلف فيه. فقيل: إنه الحيض ونفس الدم. وقال بعض العلماء هو الفرج. وقال الآخرون: هو زمن الحيض. وقوله: " قد وجد عليهما " أي: غضب عليهما، ولم يجد عليهما أي: لم يغضب.

(1/904)


فبعث في آثارهما فسقاهما فظننا أنه لم يجد عليهما، وذكر الإمام أبو الحسن
علي بن أحمد الواحدي في كتابه، أسباب النزول الذي قرأته على أبي الهون
القاهري رحمه الله تعالى عن ابن المعتز أنبأ أبو الفضل أحمد بن طاهر المنهى
عنه قال: أنبأ أبو بكر محمد بن عمر الخشاب أنبأ أبو عمرو بن حمدان أنبأ أبو
عمران موسى بن العباس ثنا محمد بن عبد الله بن زيد القردوانى حدثنى أبي
عن أبي سابق ابن عبد الله عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في قوله عز وجل:
(ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) . قال: وقال المفسرون: كانت العرب
في الجاهلية إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، ولم يسكنوها في
بيت كفعل المجوس، فسأل أبو الدحداح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله تعالى الآية، وفي
الباب حديث/عبد الله بن سعد، وسأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مؤاكلة الحائض، فقال:
" واكلها " رواه ابن ماجة (1) في موضع آخر، وقال فيه الطوسي: حسن غريب،
وهو قول عامة أهل العلم، واختلفوا في فضل طهورها، وأما العرق: فهو عظم
عليه لحم، وقيل. العرق الذي قد أخذ أكثر لحمه، والعراق: العظم بغير لحم،
والعرق القذرة من اللحم، وجمعها عراق وهو من الجمع العزيز، وله نظائر قد
أحصيتها في المخصص، وحكى ابن الأعرابي في جمعه عراق بالكسر وهو
أقيس وأنشد بيت ضيفي في عراق ملس، وفي شمول عرضت للنجس أي
بلس من الشحم والنجس الريح التي فيها غيره وعرق العظم يعرقه عرقا
واعتراقه لكل ما عليه ذكره ابن سيّده، وفي الجمهرة: وعرق العظم أعرقه
واعرقه، وفي الصحاح: والعرق بالفتح مصدر قولك عرقت العظم أعرقه بالضم
عرقا وتعرقا إذا أكلت ما عليه من اللحم.
وقال. اكف لساني عن صديقي فإن أحيا إليه فإنّى عارق كل معرقي،
وفي الجامع. عرقت العظم واللحم أعرقه عرقا، واعترقه اعتراقا مثله، وكذا
تعرقته تعرقا وأعرقت فلانا عرقا من لحم أعطيته إيّاه، والعراق الذي قد أخذ عنه
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/ 651) ، والترمذي (ح/ 133) ، وقال: هذا حديث حسن غريب
وأحمد (4/342، 5/293) ، والدارمي (ح/ 1073) ، والمنثور (1/259) ، والحلية (9/50،
51) ، وابن عساكر في " التاريخ " (7/437) ، والكنز (27704) . وصححه الشيخ الألباني.

(1/905)


اللحم هذا قول الخليل، وقال غيره: العراق القذرة من اللحم، وقيل: هو العظم
الذي عليه اللحم، يقال له: عرق وعراق، وكذا قال اللحتاني من اللحم عرق
وعراق، وقيل: العراق جمع العرق، كما قالوا: ظير وظوار، وهم يقولون: هذه
ثريدة كثيرة العراق يريدون قدر اللحم.. وهو غلط على قول من قال: العراق
العظم بغير لحم، وقال غيرهم: إذا كان في القطعة سميت عراقا، وإذا لم يكن
منها عظم فهي بضعة، وفي الحديث: " دخل على أم سلمة فتناول عرقا " (1) .
فدلّ على أنّ العرق عظم عليه لحم، ومما يدل على أنه يكون بغير لحم حديث
جابر:/ " فكأني أنظر إليه وفي يده عرق ينتهشه " (2) ، فالعراق هنا العظم وقد
عرى من اللحم، وقالوا: يدلّ على أنّ العراق العظم بغير لحم، وقول الراجز:
وهو يطير والطير عن زرع له: " عجبت من نفسي زمن أشقاقها " ومن طرأ
والطير عن أرزاقها في سنة قد كشفت عن ساقها حمرا يبدى اللحم عن
عراقها، والموت في عنقي وأعناقها، فإنّما يريد برئ اللحم عن عظامها، والعرب
تقول: هذا كلّه، تريد به مرّة اللحم بالعظم ومرة العظم بغير لحم كما تقول:
في العراق على ما قدمناه وأكثر قولهم أنّ العراق اللحم والعراق بعظم،
والمعارق من العظام الذي أكل لحمه، ولذلك قال الشاعر: ولا تهدى بعروق
العظام، وكذلك يقولون: رجل معروق ومعترق إذا لم يكن على وجهه لحم،
ويقال ذلك للمهزول، ومنه قول رؤبة: يذكر امرأة ورجلا غول نضدي بسنتي
معترق، فمعترق: شديد الغض من اللحم، وتعرقت ما على العظم مثل عرقت،
وقال: تعرقته إذا أخذت نسمة اللحم بأسنانك، وأما السؤر: بالهمزة فهو ما
بقى من الشراب وغيره في الإناء، كذا ذكره ثعلب، وذكر ابن درستويه: أنّ
العامة: لا تهمز، وتركها الهمز ليس بخطأ ولكن الهمز أفصح.
__________
(1) تقدم. في باب ترك للوضوء مما مست النار.
(2) بنحوه رواه أحمد: (6/319) .

(1/906)


89- باب ما جاء في الحائض ترى الكدرة، والصفرة بعد الطهر
حدثنا محمد بن يحيى، نا عبيد الله بن موسى عن شيبان النحوي عن
يحيى بن أبي بكر عن أبي سلمة عن أم بكر أنها أخبرته أنّ عائشة قالت: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر قال: " إنّما هي عرق أو
عروق " (1) ، قال محمد بن يحيى/يريد بعد الطهر بعد الغسل، هذا حديث لما
ذكره الإسماعيلي الحافظ في جمعه حديث يحيى بن أبي كثير، ورواه عن
الحسن بن سفيان، وابن أبي حسان، ثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم
الدمشقي، قال: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن
عائشة به، قال: أدخل بعضهم في هذا إلا بحديث ابن أبي سلمة، وعائشة أم
بكر انتهى، ويقال: أم أبي بكر مجهولة الحال، والعين، وأبو سلمة صحيح
السماع من عائشة لا ينكره أحد فلو صرح هنا بالسماع لكان الحديث
صحيحا، حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الرزاق ابنا معمر عن أيوب عن ابن
سيرين (2) ابن عن أم عطية قالت: " لم نكن نرى للصفرة والكدرة شيئا " (3) ثنا
محمد بن يحيى، ثنا محمد بن عبد الله الرقاشي، ثنا وهيب عن أيوب عن
حفصة عن أم عطية قالت: " كنّا لا نعد الصفرة، والكدرة شيئا " (4) قال محمد
ابن يحيى وهيب: أولاهما عندنا بهذا. هذا حديث رواه البخاري (5) في
صحيحه بالإسناد المتقدّم كما نراه موقوفا، وزاد أبو (6) داود، وبعد الطهر،
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في " سنه " (ح/646) . في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
ورواه البيهقي (1/337) .
وصححه الشيخ الألباني. غريبه: قوله: " يريبها " أي يوقعها في الشك، والاضطراب.
(2) قوله: " سيرين " سقطت من " الأصل "، وأثبتناه من " إسناد ابن ماجة ".
(4،3) صحيح. رواه ابن ماجة موقوفا في: 1. كتاب الطهارة، 127. باب ما جاء في الحائض
ترى بعد الطهر الصفرة، والكدرة، (ح/647) . وصححه الشيخ الألباني.
(5) صحيح. رواه البخاري في: الحيض، باب " 25 ".
(6) رواه أبو داود: (ح/307، 308) .
إسناده ضعيف.

(1/907)


وهذه الزيادة لما خرّجها أبو عبد الله حكم بصحتها على شرط الشيخين، ولما
ذكره أبو نعيم في مستخرجه عن أبي عمر، وابن حدران عن الحسن بن سفيان
عن إبراهيم بن الحجاج، ثنا وهيب عن أيوب موهما أن البخاري خرجه عن
حفصة، وقال: وعن محمد بن سيرين مثله، قال الأزدي: كذا قال مثله، ولم
يذكر النص، والحديث معروف عن ابن سيرين، وليس فيه بعد الطهر، وهو
الصحيح المشهور، وتكليف بعضهم الجواب عن عدم تخريج البخاري/لحديث
حفصة ما لا يجزئ شيئا قال: إمّا أن يكون لم تصل طريقه إليه من جهة
يرضاها، أو لأنّ طريق محمد أصحّ عندها وأما تخريج الحاكم حديث ابن
سيرين بلفظ البخاري في مستدركه فيشبه أن يكون وهما لما أسلفناه ولفظ
الدارقطني في السنن كما لا نرى التربة بعد الطهر شيئا، وهى الصفرة،
والكدرة، وفي كتاب ابن بطال بعد الغسل، وقال: رواه حماد بن سلمة عن
قتادة عن حفصة عنها، وفي الباب حديث عائشة- رضى الله تعالى عنها-:
" ما لنّا بعد الصفرة والكدرة شيئا "، خرجه البيهقي (1) في الكبير من حديث
محمد بن كثير عن الزهري عن عروة عنها ثم قال: وهذا إسناد ضعيف ذكره
وروى بإسناد أمثل من ذلك ثم ذكره من حديث أبي النضر عن محمد ابن
راشد عن سليمان بن موسى عن عطاء عنها: " إذا رأت المرأة الدم فلتمسك عن
الصلاة حتى تراه أبيض كالقصة فإذا رأت ذلك فلتغتسل، ولتصل فإذا رأت
بعد ذلك صفرة أو كدرة فلتتوضأ، ولتصل، فإذا رأت بعد ذلك صفرة أو
كدرة فلتتوضأ، ولتصل، فإذا رأت ماء أحمر فلتغتسل، ولتصل " (2) موقوف،
وذكره ابن حزم من حديث قاسم بن أصبع. ثنا ابن وضاح، ثنا موسى بن
معاوية، ثنا وكيع عن أبي بكر الهذلي عن معاذ عنها. ما كنا نعد الصفرة،
والكدرة حيضا " (2) ، وقال عبد الله بن أحمد حدثنى أبي، ثنا ابن مهدى عن
__________
(1) رواه البيهقي: (1/337) . وإسناده ضعيف.
(2) قوله: " موقوف " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(3) صحيح. وتقدم من حديث عائشة. فلت: ورواه الدارمي من حديث أم عطية: (ح/871،
865) وأبو داود (ح/308.307) والنسائي (1/186 - 187. " في كتاب الحيض، باب
الصفرة والكدرة ".

(1/908)


حماد بن سلمة عن قتادة عن أم الهذيل عن عائشة به، قال أبي: إنّما هي
حفصة عن أم عطية، وزعم بعض من ألّف شرط للبخاري أنّ أبا محمد بن
حزم ذكره في كتابه محتجا به، وقال هو في غاية الجلالة، ويشبه أن يكون
وهما منه على أبي محمد، وأتى له الاحتجاج به، ورواته عنده أبو بكر الهذلي
سلمى بن عبد الله بن سلمى، وهو كذاب متروك/ الحديث منكر لا يحتج به
قال ذلك غير واحد منهم غندر، والنسائي، وابن الجنيد، وإنّما قال أبو محمد
بن حزم ما نقله عنه في حديث أنس بن سيرين. " استحيضت امرأة من آل
أنس فأمروني فسألت ابن عباس فقال: ما أمارات الدم! فإذا كان الحمراني فلا
تصل فإذا رأت الطّهر، وله ساعة من نهار فلتغتسل، وتصلى "، وحديث أبي
بكر ذكره في معرض الخلاف لا الاحتجاج، وفي البخاري (1) معلّقا: " وكن
النساء يجئن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرفس فيه الصفرة فتقول لا تعجلن
حتى ترين القصة البيضاء، وفي الموطأ نسبه صحيح من رواية علقمة بن أبي
علقمة أبي علقمة بلال عن أمه مولاة عائشة عنها، وأمّه اسمها مرجانة، ذكرها
أبو حاتم في كتاب الثقات وأمّا قول النووي: هذا صحيح لكونه تعليقا عند
البخاري بغير كتاب كما بينّاه للناس في التعليق من الخلاف: اللهم إلا أن
يضم إليه ما ذكرناه من بيان سنده، وصحته، والله تعالى أعلم، وأمّا قول
صاحب تقرا المدارك إثر سند مالك هكذا أخرجه البخاري يعني مسندا
فوهم لما أسلفناه، وأما ابن حزم فقال: قد خولفت أم علقمة من ذلك عن
عائشة بما هو أقوى من روايتها، وفي الموطأ (2) بسند صحيح وهو عند
البخاري (3) علّق أيضا عن عبد الله بن أبي بكر عن عمته عن ابنة زيد بن
__________
(1) رواه البخاري تعليقا في: 6. كتاب الحيض، باب " 19 " إقبال المحيض وإدباره
غريبه: قوله: " القصة " بفتح القاف وتشديد المهملة هي النورة، أي حتى تخرج القطنة بيضاء نقية لا يخالطها صفرة، وفيه دلالة على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض. والقصة البيضاء علامة لانتهاء الحيض، ويتبيّن بها ابتداء الطهر، واعترض على من ذهب إلى انه يعرف بالجفوف بأنّ القطة قد تخرج جافة في أثناء الأمر فلا يدل ذلك على انقطاع الحيض.
قال مالك: سألت النساء عنه فإذا هو أمر معلوم عندهن يعرفنه عند الطهر.
(2) رواه مالك في: 2. كتاب الطهارة، 27. باب طهر الحائض، (ح/98) .
(3) رواه البخاري " تعليقا " في: 6. كتاب الحيض، 19. باب إقبال المحيض وإدباره.

(1/909)


ثابت: أنّه بلغها أنّ نساءكُن يدعون بالمصابيح في جوف الليل، ينظرنّ إلى
الطهر: فكانت تعيب ذلك عليهنّ وتقول: ما كان النِّساء يصنعن هذا، عمّة
ابن أبي بكر اسمها عمرة بنت حزم، قال ابن الحذاء: وإن كانت عمّة جدّه
فهي عمة له أيضا، وليشبه أن يكون لها صحبة، وقد روت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حديثا وذكرها أبو عمر في الاستيعاب، وابنه زيد ليشبه أن تكون أم سعد
المذكورة/عند ابن عبد البر في الصحابيات، وقد روى البيهقي ما يشدّه من
جهة محمد بن سليمان بن خلف عن علي بن حجر عن إسماعيل عن عبّاد
بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة: أنها كانت تنهى
النساء أن ينظرن إلى أنفسهن ليلا في المحيض " الحديث، وهذان الأثران ذكرهما
أبو عمر كما في الموطأ، ولم يتعرض للكلام بشيء عليهما بشيء ألبتة،
وحديث زينب: " كنا لا نعد الصفرة، والكدرة شيئا " (1) ، ذكره أبو حامد في
وسيطه، قال أبو عمر: اختلف قول مالك في الصفرة، والكدرة، ففي المدونة إذا
رأته في أيام حيضها، أو في غير أيّام حيضها فهو حيض، وإن لم تر ذلك دما،
وفي المجموع إذا رأته في أيّام الحيض أو في أيّام الاستظهار فهو كالدّم، وما
رأته بعد ذلك فهو استحاضة، وهذا قول صحيح إلا أنّ الأوّل أشهر، وقال
الشّافعي، والليث، وعبيد الله بن الحسن هما في أيام الحيض حيض، وهو قول
أبي حنيفة، ومحمد، وقال أبو يوسف: لا تكون الكدرة حيضا إلا بأثر الدم،
وهو قول داود أن الكدرة، والصفرة لا تعد حيضا إلا بعد الحيض لا قبله، قال
البيهقي: وروينا عن عائشة بنت أبي بكر أنها قالت: " اعتزلن الصلاة ما رأيتن
ذلك حتى ترين البياض خالصا "، وهذا أولى مما روى عن أم عطية؛ لأنّ عائشة
أعلم بذلك منها، ويحتمل أن يكون مراد أم عطية بذلك إذا زادت على أكثر
الحيض، انتهى. قد روينا. عن عائشة موافقتها والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب انظر ص 899.

(1/910)


90- باب النفساء تجلس
حدثنا نصر بن علي الجهضمي ثنا شجاع بن الوليد عن علي بن عبد الأعلى
عن أبي سهل عن مُسة الأزدية عن أم سلمة قالت: " كانت تجلس النفساء على
عهد رسول الله/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين يوما، وكنا نطلى وجوهنا بالورس من الكلف "،
هذا حديث رواه أبو داود (1) من حديث ابن المبارك عن يونس بن نافع عن
كثير بن زياد، قال: حدثتني الأزدية قالت: " حججت فدخلت على أم سلمة
فقالت يا أم المؤمنين إن سمرة بن جندب يأمر النساء يقضين صلاة المحيض
فقالت: لا يقضين، كانت المرأة من نساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقعد في النفاس أربعين
ليلة لا يأمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقضاء صلاة النفاس " (2) ، قال محمد بن حاتم: اسمها
مسّة، وتكنى أم بسة، وقال فيه أبو عيسى: لا يعرفه إلا من حديث أبيِ سهل
عن مسّه الأزدية عن أم سلمة، واسم أبي سهل كثير بن زياد، وقال محمد بن
إسماعيل: علي بن عبد الأعلى ثقة، وأبو سهل ثقة، ولم يعرف محمد الحديث
إلا من حديث أبيِ سهل، زاد في العلل: ولا أعرف لمسة غير هذا الحديث،
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه، ولا أعرف في معناه
غير هذا يعني حديث الأزدية قال: وشاهد بابناه أبو جعفر فذكر حديث مسّه،
وفي قوله: ولا أعرف في معناه غير نظرات أراد شيئا لما ذكره بعد هو من
الأحاديث، وإن أراد الصحة فالصحيح، والله تعالى أعلم، قال أبو علي
الطوسي: لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل، ولما ذكره البيهقي اتبعه تحسينا
بحاله، وكذلك الخطابي، وقال في الخلافيات: أبو سهل لي له ذكر في
الصحيحين، وذكره ابن حبان في المجروحين واستحب بجانبه ما انفرد به، وقال
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/311) من طريق زهير. وابن ماجة (ح/648) من طريق شجاع
ابن الوليد. وكلاهما من حديث أم سلمة رضى الله عنها. والترمذي (ح/139) ورواه أحمد
(6/303) وشرح السنة (2/136) والإرواء (1/222) وأصفهان (2/93) .
غريبه: قوله: " الورس " نبت أصفر يصبغ به، ويتخذ منه صباغ الوجه. و" الكلف بفتح الكاف
واللام. شيء يعلو الوجه كالسمسم.
(2) حسن. رواه أبو داود في. 1. كتاب الطهارة، 119. باب ما جاء في وقت النفساء، (ح/312) .

(1/911)


الأزدي: حديث مسة أحسنها يعني الأحاديث التي في الباب وعاب ذلك عليه
أبو الحسن القطان بقوله: أم مسة لا يعرف حالها ولا عينها، ولا يعرف في
غير هذا الحديث غيرها، وهذا ضعيف الإسناد وهى علّته/ومنكر المتن فإنّ
أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما منهنّ من كانت نفساء أيّام كنّ معه إلا خديجة وزوجيتها
كانت قبل الهجرة (1) فإذن لا معنى لقولها: " كانت المرأة من نساء النبي-
عليه الصلاة والسلام- تقعد في النفاس أربعين ليلة "، إلا أن تريد بنسائه غير
أزواجه من مات، وقريبات، وسرية، مارية- انتهى كلامه، وفيه نظر في
مواضع: الأوّل: قوله: أنّ مسّه لا يعرف عينها، وليس هو بأبي حذرة هذا
القول فقد سبقه إلى ذلك ابن حزم، وهو قول مردود بقول ابن حبان روى
عنها غير واحد منهم الحكم بن عيينة، وفي الخلافيات: روى عنها العزرمي،
وزيد بن علي بن الحسين، الثاني: عصبة الجنابة برأس مسّة، وسكوته عن
غيرها، وهو أبو سهل وإن كان ابن معين وثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به فقد
قال أبو حاتم بن حبان حين ذكره في كتابه يروى عن الحسن وأهل العراق
مقلوبات، الثالث: ما ادّعاه في مسّة من النكارة فمردود بمجيئه من غير طريقها
كما سنذكره بعد- إن شاء الله تعالى-، وفي لفظ الدارقطني (2) : " أنّ أم
سلمة سألته- عليه الصلاة والسلام- كم تجلس المرأة إذا ولدت؟ قال: أربعين
يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك "، رواه من حديث العزرمي عن الحكم عن
مسّه، ورواه ابن وهيب في مسنده عن الحارث بن نبهان عن محمد عن أبي
الحسن عنها، وفي كتاب الضعفاء لابن حبّان: روى كثير بن زياد عن الحسن
عن أم سلمة: " كان النساء يقعدن على عهد النبي- عليه السلام- بعد
نفاسهن أربعين ليلة وأربعين يوما، وكنّا نطلى على وجوهنا الورس من
الكلف " (3) ، وهو إسناد جيد، أو سلم من انقطاع ما بين الحسن وأم سلمة فإنّ
__________
(1) قلت: بل في الجاهلية قبل الوحي.
(2) رواه الدارقطني: (1/220) من طريق زهير عن علي بن عبد الأعلى، ورواه أيضا من طريق يعقوب بن إبراهيم عن شجاع بن الوليد.
(3) قلت: وقد زعم ابن حزم في المحلى (2/203) أن أكثر النفاس سبعة أيام فقط، وقاس ذلك
على أيام الحيض، وإن لم يعترف انه قياس، بل أغرب فزعم أن دم النفاس دم حيض!! =

(1/912)


أبا حاتم شكّ فيه، وكثير تقدم الكلام عليه،/حدثنا عبد الله بن سعيد ثنا
المحاربي عن سلام بن سليم عن حميد عن أنس قال: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقت للنفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك " (1) . هذا حديث رواه
أبو أحمد بن عدي عن سلام، وقال: هو متروك الحديث، وقْال عبد الحق هو
حديث معتل بسند متروك، وقال أبو الحسن الدارقطني في سننه: لم يروه عن
حميد غير سلام، هذا وهو سلام الطويل، وهو ضعيف يعني سلام بن سلم،
ويقال: ابن سليمان، ويقال: ابن سالم أبو عبد الله التميمي السعدي الخراساني
الطويل ساكن المدائن، وإن كان أبو عبد الله قد قال فيه: ثقة، وصحح حديثه
في مستدركه فقد قال فيه يحيى ضعيف لا يكتب حديثه، وقال مرّة: ليس
بشيء، وفي رواية ابن أبي شيبة عنه له أحاديث مناكير، وضعفه ابن المديني
جدا، وقال أحمد: منكر الحديث، وقال البخاري، والرازي: تركوه، وقال
عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: كذاب، وقال النسائي، وعلي بن الجنيد،
والأزدي متروك الحديث، وقال أبو حاتم بن حبّان: يروى عن الثقات
الموضوعات كأنه كان المتعمّد لها، وفي كتاب ابن العرب: قال أبو الحسن:
سلام ضعيف الحديث لا يكتب حديثه، وفي كتاب العقيلي عن الأعين قال:
سمعت أبا نعيم يضعفه، وذكره السيرفي في الضعفاء وكذلك الساجي، وأبو
القاسم البلخي، وقال البيهقي: لا يحتج بحديثه، وقال الحربي: غيره أوثق منه،
وذكره الفسوي فيمن يرغب عن الرواية عنهم، ولما ذكر ابن الجوزي هذا
الحديث في علله ردّه بسلام، وكذلك أبو الفضل بن طاهر في كتاب التذكرة،
وفي الباب حديث عائشة- رضى الله تعالى عنها- قالت: " وقت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنفساء أربعين يوما/إلا أن ترى الطهر قبل ذلك " (2) ، ذكره أبو الفرح
البغدادي في كتاب العلل من حديث حسين ابن عكوان عن هشام عن أبيه
عنها، وقال: لا يصح، وقال ابن حبان: حسين يضع على هشام وغيره لا يحل
__________
= وهذا الذي قاله لم نجد مثله عن أحد من العلماء.
(1) رواه الحاكم (1/176) والبيهقي (1/343) والمجمع (1/281) من حديث جابر، وعزاه
إلى الطبراني في " الأوسط " وفيه أشعث بن سوار، وثقة ابن معين واختلف في الاحتجاج به.
(2) انظر: الحاشية السابقة

(1/913)


كتب حديثه، وحديث عثمان بن أبي العاص قال: " وقت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
للنساء في نفاسهن أربعين يوما " (1) ذكره أحمد بن عدي، وقال: لا يصح فيه
أبو بلال، وعطاء بن عجلان وهما متروكان، وذكره أبو الحسن الدارقطني من
رواية عمر بن هارون عن أبي بكر الحنفي عن الحسن أن امرأة عثمان لما
خرجت من نفاسها تزيّنت فقال عثمان. أخبرك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرنا أن نعتزل
النساء أربعين يوما " (2) . ثم قال. رفعه عمر بن هارون، عنه وخالفه وكيع يعني:
فرواه موقوفا، وكذلك رواه أشعت ويونس، بن عبيد، وهشام، واختلف عن
هشام، ومبارك بن فضالة فرووه عن الحسن عن عثمان موقوفا، وكذلك روى
عن عمرو بن عباس، وأنس وغيرهم من قولهم، ولما ذكره في منتقاه موقوفا ثم
قال: وأسنده أبو بكر الهذلي عن الحسن، وقال الحاكم هذه سنة غريبة فإن
سلم هذا الإسناد من أبي بلال فإنّه مرسل فإن الحسن لم يسمع من عثمان بن
أبي العاص، وله شاهد بإسناد مثاله، وقال عبد الحق: حديث معتل بإسناده
متروك، وحديث معاذ بن جبل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نفاس دون أسبوعين
ولا نفاس فوق أربعين فإن رأت النفساء الطهر دون الأربعين صامت، وصلّت
ولا يأتيها زوجها إلا بعد الأربعين " (3) ، خرجه أبو أحمد من حديث محمد بن
سعيد المصلوب في الزندقة عن عبد الرحمن بن غنم عنه، وقال الدارقطني: لم
يروه غير ابن سعد، وهو متروك الحديث يريد الدارقطني/هذا المتن بطوله، وإلا
فقد رواه من طريق آخر مختصرا من غير رواية، ورواه الحاكم من حديث
محمد بن عبد السلام، ثنا بقية أخبرني الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن نسى
عن ابن غنم به ثم قال: قد استشهد مسلم، وفيه: وأمّا الأسود فإنه شامي
معروف، والحديث غريب في الباب وحديث عائشة أن النبي- عليه السلام-
قال: " وقّت للنفساء أربعين يوما " (4) ، خرجه أحمد بن حنبل في كتاب الحيض
عن حبار بن علي عن شيخ قد سمّاه عن ابن أبي مليكة عنها، وحديث
__________
(1) تقدما من أحاديث الباب.
(2) مرسل. رواه الدارقطني: (1/220) .
(3) ضعيف جدا. نصب الراية: (1/192) .
(4) صحيح. رواه الدارقطني: (1/221) .

(1/914)


عبد الله بن عمرو بن العاص قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تنظر النفساء أربعين يوما
فإن رأت الطهر قبل ذلك فهي طاهرة، فإن جاوزت الأربعين فهي بمنزلة
المستحاضة تغتسل وتصلّى فإن بان عليها الدم توضأت لكل صلاة " (1) ، ذكره
ابن عدى وردّه بابن علامة وغيره، ولما ذكره الحاكم قال عمرو بن حصين،
وابن علامة ليسا من شرطنا، وإنما ذكرت هذا الحديث شاهدا متعجبا، وقال أبو
محمد الأزدي حديث معتل بسند متروك، وحديث عابد بن عمرو، وكان ممن
بايع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت الشجرة: " أن امرأته نفست، وأنها رأت الطهر بعد
عشرين ليلة، فتطهرّت، ثم أتت فراشه، فقال: ما شأنك؟ قالت: قد طهرت،
قال: فضربها برجله. وقال: إليك فلست بالذي تقربيني عن ديني حتى يمضى
لك أربعون ليلة "، ذكره الدارقطني (2) من حديث الجلد بن أيوب، وهو ضعيف
عن أبي إياس عن معاوية بن قرّة عنه، وحديث جابر بن عبد الله قال: " وقت
للنفساء أربعين يوما "، ذكره أبو القاسم في الأوسط (3) عن أحمد بن حامد، ثنا
عبيد بن حيان، ثنا سليمان بن حبان أبوّ خالد الأحمر عن الأشعث بن سوار
عن أبي الزبير عنه، وقال: لم يروه/عن أشعث إلا ابن خالد، وحديث عمر بن
الخطاب بمثله، قال ابن حزم: في إسناده جابر الجعفي، وهو كذاب، وأثر عن
ابن عباس قال: " تنتظر النفساء أربعين يوما أو نحوها "، ذكره الدارمي (4) في
مسنده بسند صحيح عن أبي الوليد الطيالسي، ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن
يوسف بن ماهك عنه، وبنحوه ذكره ابن الجارود في منتقاه، وعن عطاء قال
إن كانت لها عادة وإلا جلست أربعين ليلة، وعن الحسن أنه قال: في النفساء
ترى الدم تتربص (5) أربعين ليلة ثم تصلى، وفي أحكام أبي على الطوسي أجمع
أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أنّ النفساء تدع الصلاة
__________
(1) ضعيف. رواه الدارقطني: (1/221) .
(2) ضعيف. رواه الدارقطني: (1/222) .
(3) تقدم من أحاديث الباب. والحديث ضعيف ص 914.
(4) صحيح. رواه الدارس في: 1. كتاب الوضوء، 98. باب وقت النفساء وما قيل فيه، (ح/
(5) قوله: " تتربص " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.

(1/915)


أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإنّها تغتسل وتصلى فإذا رأت الدم
بعد الأربعين، فإنّ أكثر أهل العلم قالوا لا تدع الصلاة بعد الأربعين، وهو قول
أكثر الفقهاء وبه يقول سفيان، وابن المبارك، وأحمد، ويروى عن الحسن أنه
قال: أنّها تدع الصلاة خمسين يوما إذا لم تر الطهر، ويروى عن عطاء بن أبي
رباح ستين يوما، وهو قول الشّافعي، وفي كتاب الإجماع لابن المنذر: وأكثر
النفاس عند أصحابنا شهران، وإن طهرت ليومين أو أقل من يوم اغتسلت
وصلّت، وحديث عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " النفساء إذا تطاول بها الدم
تمسك أربعين ثم تغتسل " ذكر البيهقي في الخلافيات (1) وقال: إسناده ضعيف،
وقال: وروى من وجه آخر ضعيف، وفي لفظ: أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أكثر
الحيض عشرة وأقلّه ثلاثة ذكره ابن حبان في كتاب الضعفاء (2) ورُدّ بالحسين
ابن عكوان، وحديث زيد بن ثابت قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا يكون الحيض
أقل من ثلاثة وأكثر من عشرة " ذكره الدارقطني في السنن (3) ، وحديث/معاذ
ابن جبل قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا حيض أقل من ثلاث ولا فوق عشرة "
ذكره العقيلي، وردّه محمد بن الحسن الصدفي بأنه مجهول وحديثه غير
محفوظ، وذكره ابن عدى أيضا من حديث محمد بن سعيد المصلوب، وفي
كتاب السنن الكبير البيهقي من حديث الأسود عن عبادة بن ليث عن
عبد الرحمن بن غنم عن معاذ مرفوعا: " إذا مضى للنساء سبع ثم رأت الطهر
فلتغسل ولتصل " (4) ، وفي رواية بقية، ثنا علي عن الأسود، وهو أصح وإسناده
ليس بالقوي، قال ابن مندة: واستدل بعضهم لقول النبي- عليه الصلاة
والسلام- قال الحافظ القشيري: وأما الذي يذكره الفقهاء من قعودها في رواية
أبي سعيد الخدري شطر عمرها أو شطر دهرها لا تصل فقد طالبته كسرا فلم
__________
(1) ضعيف راجع الخلافيات للبيهقي.
(2) ضعيف، انظره المجروحين (1/245) وابن القيسراني في " الموضوعات " (137) ونصب
الراية (1/192) .
(3) ضعيف. رواه الدارقطني: (1/209) .
(4) ضعيف رواه الحاكم (1/176) والدارقطني (1/221) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف الجامع (ص 101، ح/704) . وانظر: (الضعيفة: 633) .

(1/916)


أجده في شيء من الكتب الحديثة، ولم أجد له إسنادا بحال، ولما ذكره ابن
عدى حديث سليمان بن عمرو عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول
الحيض عشر، وحدّثنا آخر قبله، وهذان الحديثان رفعهما سليمان بن عمرو،
وإن كان إبراهيم كاتب ابن زكريا راوي الحديث الثانى فيه ضعف فإنّه خير
من سليمان بن بكير، وحديث مكحول عن زيد بن ثابت يرفعه لا يكون
الحيض أقل من ثلاث ولا أكثر من عشر، ذكره البيهقي في الخلافيات، وقيل:
عن مكحول، وحديث عبد الله بن مسعود قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الحيض
ثلاث وأربع " (1) ذكره سعيد بن عمرو البردعي في سؤاله لأبي زرعة. قلت:
هارون بن زياد الفسوي، قال: لا أعرفه، قلت: روى عن الأعمش عن إبراهيم
عن علقمة عن عبد الله فذكر هذا الحديث فقال: هذا باطل، وروى حديث
العلاء بن كثير عن مكحول عن أبي/الدرداء وأبي هريرة مرفوعا: " تنتظر
النفساء أربعين يوما "، ذكره ابن عدي (2) ، وردّه بالإرسال، وحديث عبد الله
بن عمرو قال- عليه السلام-: " الحائض تنتظر ما بينها، وبن عشر فإن رأت
الطهر، فهي طاهر، وإن جاوزت العشر، فهي مستحاضة تغتسل وتصلى "،
ذكره أبو القاسم عن الأوسط (3) وقال: لم يروه عن عبدة بن أبي لبابة يعني
عن عبد الله بن ماهان عن ابن عمرو إلا ابن علامة تفرد به عمرو بن حصين،
وأمّا أقلّ الحيض، وأكثره ففيه أحاديث منها حديث مكحول عن أبي أمامة
الباهلي، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يكون الحيض للجارية والثيّب التي قد
يئست من الحيض قال: من ثلاثة أيام ولا أكثر من عشرة أيام، فإذا رأت الدم
فوق عشرة أيام فهي مستحاضة فما زاد على أيام أقرائها مضت، ودم الحيض
أسود قاتم، ودم المستحاضة أصفر رقيق، فان بان عليها فلتحشى كرسفا "، رواه
الدارقطني (4) من حديث عبد الملك عن العلاء بن كثير، وقال عبد الملك:
__________
(1) ضعيف. رواه ابن عدى في " الكامل ": (2/598) .
(2) مرسل رواه ابن عدى في " الكامل " (5/1861) والحاكم (1/176) ونصب الراية (1/205، 206) .
(3) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/280) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
وفيه عمر بن الحصين وهو ضعيف.
(4) ضعيف. رواه الدارقطني: (1/209) .

(1/917)


مجهول، والعلاء ضعيف الحديث، ومكحول لم يسمع من أبي أمامة شيئا،
وقال البخاري: العلاء عن مكحول ينكر الحديث، وفي المعرفة: وروى من
أوجه كلّها ضعيفة، وقال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن مكحول إلا
العلاء وحديث مكحول عن واثلة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقل الحيض ثلاثة
أيام وأكثره عشرة أيام " (1) رواه أيضا، وقال حماد بن المنهال يعني راويه
مجهول، ومحمد بن أحمد بن أنس ضعيف، وحديث أنس بن مالك أنّ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الحيض ثلاثة أيام وأربعة وخمسة وستة وسبعة وثمانية
وتسعة، فإذا جاوزت العشر فهي مستحاضة "، ذكره ابن عدى في كامله (2) من
جهة الحسن بن شبيب عن أبي يوسف/عن الحسن بن دينار عن معاوية بن
قرّة عنه، وردّه بالحسن بن شبيب، وقال البيهقي في الخلافيات: هذا حديث
باطل، ورواه الدارقطني في سننه من حديث الجلد بن أيوب موقوفا، قال
المرادي: سئل أبو عبد عن حديثه هذا فضعفه وقال: هذا من قبيل الجلد ابن
أيوب قيل ده: فإن محمد بن إسحاق رواه عن أيوب عن أبي قلابة قال: لعلّه،
وليس هذا حديث الجلد ما أراده سمعه إلا من الحسن بن دينار، وقال
إسماعيل بن إبراهيم: ما سمعت ابن المبارك ذكر أحدا إلا يوم أن ذكره عنده
الجلد، فقال أنس: حديث الجلد وما الجلد ومن الجلد، وفي سؤالات حرب:
ورأيت أحمد لا يصحح حديث الجلد بن أيوب في الحيض، وكذلك كان
إسحاق يضعف (3) هذا الحديث ولا يذهب إليه ولا يذهب إليه، وقال ابن
المديني: قال حماد بن زيد: فإنّ هنا شيخ يعني الجلد لا يدري من الحائض من
المستحاضة حتى صحّ الحديث، وقوله: الثلث والخمس إلى العشر، وفي
سؤالات الميموني: قلت لأبي عبد الله ثبت عن أحد من أصحاب رسول الله
__________
(1) ضعيف، وتقدم. رواه الخطيب: (9/20) والمجمع: (1/280) ونصب الراية: (1/191،
192) والمنثور: (1/258) والطبراني: (8/152) والمتناهية: (1/384) .
(2) ضعيف. رواه ابن عدي في: " كامله ": (5/1861) .
(3) قوله: " يضعف " غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.

(1/918)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " في الحيض عشرة أيام أو خمسة عشر " (1) ؟ قال: لا يثبت عنه،
قلت: حديث أنس قال أمر يش قال سفيان بن عيينة حديث الجلد محدث لا
أصل له، وفي المعرفة للبيهقي، روى حديث الجلد من أوجه ضعيفة أخرى: عن
أنس مرفوعا وموقوفا، وليس له عن أنس أصل إلا من جهة الجلد، وفيه سرقة
هؤلاء الضعفاء، وقال الشّافعي لمن يناظره: نحن وأنت لا نثبت بمثل حديث
الجلد، ويستدل غلط من هو أحفظ منه بأقلّ من هذا، وفي تاريخ أبي زرعة:
أنّ أمّ ولد لأنس بن مالك استحيضت قال أنس بن سيرين: فأمروني أن أسأل
ابن عباس قال أبو زرعة: فسمعت أحمد بن صالح يحتج هذه القصة، ويرد
بها/ما يروى عن أنس ما رواه الجلد، وقال: ولو كان هذا صحيحا عن أنس
لم يؤمر ابن سيرين أن يسأل ابن عباس، قال أبو زرعة: قلت لأحمد بن أحمد
فحديث معاوية بن قرة عن أنس في الحيض صحيح، فلم يره صحيحا إذ ردّوا
المسألة إلى ابن سيرين ليسأل ابن عباس، ولم يدفع لقاء أنس بن سيرين،
وسؤاله ابن عباس وفي كتاب الدارمي (2) ، ثنا محمد بن يوسف قال سفيان:
بلغني عن أنس أنه قال: " أفي الحيض ثلاثة أيام "؟ فسأل عبد الله أنأخذ بهذا؟
قال: " نعم إذا كان عادتها "، وفي كتاب حرب قال إسحاق: معناه وإن لم
يكن الإسناد لما ضعفه حماد بن زيد وغيره، أنّه جعل الغالب من إقراء الحيض
دون العشر، وسيرها مستحاضة بعد العشر، ولم يجعل أيضا الحيض عشر أو
لكن جعل ذلك اختيارا على معنى الاحتياط، وكتب في حديث الجلد على
ضعفه لا يكون الحيض أكثر من العشر، وأحسن الناس سياقة له يسر عليه فإنه
قال: تغتسل وتقوم بعد العشر، ولم يقل إنها بعد العشر غير حائض ولا
حائض، ولما ذكر ابن الخدري من كتاب التعليق حديث أنس بن مالك، وأتى
أمامة وواثلة بن معاذ بن جبل قال: ليس فيها ما يصح، وحديث أبي سعيد
وعلي يرفعانه أقلّ الحيض ثلاث، وأكثره عشر وأقل ما بين الحيضتين خمسة
عشر ذكرها الخطيب من حديث أبي داود النخعي، وكان وضاعا أنه قيل له
أي شيء تعرف في أقلِّ الحيض وأكثره وما بين الحيضتين من الطهر؟ فقال: الله
__________
(1) قال المصنف: لا يثبت لا أصل له. قلت: يعني موضوع.
(2) تقدم من أحاديث الباب ص 916.

(1/919)


أكبر حدثنى يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثنا أبو
طوالة عن أبي سعيد وجعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه، وأمّا الورس فهو
نبت يزرع باليمن زرعا، ولا يكون بغيرها، ولا يكون شيء منه بريا، ونباته
مثل نبات السمسم فإذا جف عِنْد/ أدركه تفتت سنابله وهى خرائطه وأمكنته
فينفض منه الورس، ويزرع سنة فيجلس عشر سنين أي يقيم في الأرض ينبت
ويثمر، وأجوده حديثه، وسمّى الباردة، وهي التي لم يعتق شجرها، والعتيقة منه
ما تقادم شجره قال الشاعر:
يصف القطا كدر كان عيونها ... يداس بها روس حديث وكركم
فبين جودة حديثه، ومنه جنس يسمى الحبش، وفيه سواد، وهو أخر الورس
وللعرعر، ورس ولا يكون إلا في عرعرجفت من ذاقها فتؤخذ بين لحائها
وللصميم (1) ورس إذا فرك أنفرك ولا خير فيه، ولكنه يغشى به الورس
وللرمث (2) ورس وذلك في آخر الصيف إذا انتهى منتهاه اصفر صفرة شديدة
حتى يصفر منه ملابسة فيقال أورس الرمث فهو وارس، ولم يقولوا: ورس كما
لم يقولوا: مورس، وكان المراد بوارس أنه ذو ورس كما قيل في ذى التمر
تامر، وقد قيل: وريس كما قيل: وارس، قال الشاعر: "في مزبلات روحت
صفرته " بنواضح يقطرن غير وريس أي غضة حديثه النبات، وإنما يورس إذا بلغ
نهاية، وقال الأصمعي: أورس الشجر إذا ورق، وأنقل المرضع فهو ناقل، ولم
يعرف غيرهما، وزعم بعض الرواة أنه يقال: أورس فهو مورس، وهذا غير
معروف إنّما هو قياس، وقال بعض الثقات: ورس فهو وارس، وقال أبو عبيدة:
بلد عاشب، ولا يقولون أعشب، وناقل الرمث، وقد أنقل وأورس الرمث وقد
أورس فيقولون في النعت على فعل، وفي الفعل على أفعل وهكذا كما
تكلّمت به العرب قاله أبو حنيفة: وفيه نظر لما نذكره بعد ففي كتاب القانون
للشيخ الرئيس: هو شيء أحمر قاني شبيه بسحيق الزعفران، وطبعه حارا يابس
ينفع من الكلف والنمش، وفي كتاب الجامع / لابن البيطار، قال إسحاق بن
عمران: الورس صنفان حبشي وهندي فالحبشي أسود وهو مرذول والهندي
__________
(1، 2) الصميم والرمث: نباتات يخرج منهما الورس.

(1/920)


أحمر قان، ويقال: أن الكركم عروقه يؤتى بها من الصين، ومن بلاد اليمن،
وله حب كحب الماش، وأجوده الأحمر الجيّد القليل الحب اللين في اليد القليل
النخّالة، وما كان على لون البنفسج الجيّد الخارج عن الحمرة القليل شمه،
والشّم: شيء دقيق ليّن يتعلّق باليد إذا دخلت في وعائه، وقال: غير الورس
حار يابس في أوّل الثانية قابض له قوة صابغة، وصبغه أصفر بحمرة، ويجلو
وينقع الكلف إذا طلى به ومن البهق الأبيض، وقال غيره: كأنه نشارة روس
البابونج، لونه لون زهر العصفر، وأخبرني الثقة ممن سكن بلاد الحبشة أنه ينزل
على نوع من الشجر لم يعرفه، ويجمعونه في أوانه لقطا، ويستعملونه، وليس
بنبات مزروع كما زعم، والورس عندهم يأتي به الحبشان إلى مكة، ولا
يعرفون الورس في بلاد المغرب ألبتة، وإن الذي يسمى بالورس ببلاد الأندلس
وما والاها فليس من الورس سبب، ولا بسبب وإنّما هو شيء يتكوّن من خرائر
البقر.

(1/921)