شرح ابن ماجه لمغلطاي

123- باب النوم في المسجد
حدثنا إسحاق بن منصور، ثنا عبد الله بن غير، أنبأ عبيد الله بن عمر عن
نافع عن ابن عمر قال:"كنا ننام في المسجد على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
هذا حديث خرجاه في الصحيح (1) ، وفي الباب أحاديث، منها: حديث
سهل بن سعد: جاء إلى بنت فاطمة فقال: اين ابن عمك؟ فقالت:"كان
بيني وبيته شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي فقال النبي لإنسان: انظر أين
هو فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد/فجاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو
مضطجع وقد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب" (2) . الحديث روياه أيضا،
وحديث أبي هريرة قال:"لقد رأيت سبعين من أهل الصفة في المسجد ما
منهم رجل عليه رداء"رواه البخاري (3) ، وحديث عائشة:"ضرب رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسعد خيمة في المسجد يعوده من قريب فلم يدعهم في المسجد إلّا
والدم يسيل". رواه في الصحيح (4) ، وحديث المرأة التي كان لها خفش في
المسجد، وحديث ربطه يمامة بن أسال في المسجد، وهما في الصحيح،
وحديث عثمان بن أبي العاص:"أن وفد ثقيف أمر لهم النبط صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد
ليكون أرق لقلوبهم". رواه أبو داود (5) ، وحديث عبد الله بن زيد:"أنه
رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستلقيا في المسجد". عند البخاري (6) ، وفيه عن سعيد قال:
كان عمر، وعثمان يفعلان ذلك، والله تعالى أعلم.
__________
(1) صحيح. رواه للبخاري (ح/440) ، وللترمذي (ح/321) ، وقال: هذا حديث حسن
صحيح. وابن ماجة (ح/75) ، وأحمد (2/12) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/120،8/77) ، ومسلم في (فضائل الصحابة،
ح/38) ، والبيهقي (2/446) .
(3) صحيح. رواه البخاري (ح/442) .
(4) صحيح. رواه البخاري (ح/463) .
(5) حسن. رواه أبو داود (ح/1393) .
(6) صحيح. رواه البخاري (ح/475) .

(1/1254)


124- باب أي مسجد وضع أول؟
حدثنا علي بن ميمون الرقط، ثنا محمد بن عبيد وثنا علي بن محمد، ثنا
أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر، قال: قلت
يا رسول الله أي مسجد وضع أوّل؟ قال:"المسجد الحرام"قلت: ثم أي؟
قال:"ثم المسجد الأقصى"قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون عاما، ثم
الأرض لك مُصفى فصل حيث أدركتك الصلاة". هذا حديث خرجاه في
الصحيح (1) ، وفي صحيح ابن خزيمة (2) ثنا يوسف بن موسى، ثنا جرير عن
الأعمش عن إبراهيم التيمي قال:"كنت أنا وأبي نجلس في الطريق فيعرض
علي القرآن وأعرض. قال: فتمر السجدة/فيسجد فقلت له: أتسجد في
الطريق؟ قال: نعم سمعت أبا ذر يذكره". وفي حديث عبد الأعلى عن
إبراهيم عند أبي نعيم الحافظ قلت كم بينهما؟ قال: أربعون سنة قلت: ثم
أي؟ قال:"أينما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد" (3) . وقال ابن حبان
في صحيحه: ذكر الخبر المرخص قول من زعم أنّ بين إسماعيل وداود ألف
سنة، فذكر حديث أبي ذر وتتبع ذلك عليه الحافظ ضياء الدين المقدسي في
كتابه المسمى: علل التقاسم، والأنواع بقوله: طن أبو حاتم وتوهم أنّ أول
وضع البيت لما بناه إبراهيم وإسماعيل، عليهما السلام، وقد روى أنّ آدم-
عليه السلام- حجّ البيت فقالت له الملائكة: قد حججنا هذا البيت قبلك
بألفي سنة، أو ما هذا معناه ثم إن بين إسماعيل، وداود- عليهما السلام-
من القرون ما لا يخفي على المميز وذلك أكثر من أربعين سنة، فإن داود كان
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (4/197،177) ، ومسلم في (المساجد، ح 1، 2)
وابن ماجة (ح/753) ، والنسائي (2/32) ، وابن أني شيبة (16/114) ، وعبد الرزاق (1578) ،
وأبو عوانة (1/392) ، والتمهيد (10/34) ، والبيهقي (2/433) .
(2) رواه ابن خزيمة: (787) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (4/177) ، ومسلم في (المساجد، ح 1) وأحمد (5/
160) ، والبيهقي (2/433) ، وابن أبي شيبة (2/204) ، ومشكل (1/32) ، والقرطبي (5/
233) ، وأبو عوانة (1/392) .

(1/1255)


بعد موسى- عليه السلام، ووجه الحديث أن هذين المسجدين وضعا قديما ثم
خربا ثم بنيا، والله تعالى أعلم. وزعم القرطبي أنّ بين إبراهيم، وسليمان-
عليهما السلام- أيام طويلة قال أهل التاريخ: أكثر من ألف سنة، قال: ويرتفع
الإشكال؛ بأن يقال: أن الآية والحديث لابد أن على إبراهيم وسليمان ابتداء
وضعهما بعد ذلك تجديدا أما كان أسسه غيرهما، وقد روى أنّ أوّل من بني
البيت آدم، عليه السلام، وعلى هذا فيجوز أن يكون غيره من ولده وضع بيت
المقدس بعده بأربعين سنة، وبنحوه قاله ابن الجوزي في مشكله. انتهى
كلامهم- وفيه نظر؛ من حيث أنّ ابن هشام في كتاب البخاري أن آدم-
عليه السلام- لما بني البيت أمره جبريل بالمسير إلى بيت المقدس/، وأمره بأن
يبنيه فبناه ونسك فيه. انتهى. وقد ورد عن علي- رضى الله تعالى عنه- ما
يبين هذا الإشكال، ويوضِّحه إيضاحًا لا حاجة لنا معه إلى هذا التحرص
والحسبان أنبأ به المسند المعمر بدر الدين يوسف بن عمر التركي- رحمه الله-
قراءة عليه وأنا أسمع أنبأ المسند أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم الأرناحي قراءة
عليه عن الحافظ أبي محمد المبارك بن علي أنبأ أبو الحسن عبيد الله بن
محمد بن أحمد أنبأ الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي أنبأ أبو عبد الله
الحافظ ثنا بكر بن محمد القتيمة في نمرة، ثنا أحمد بن حبان بن ملاعب ثنا
عبيد الله بن موسى ومحمد بن سابق قالا: ثنا إسرائيل ثنا سماك بن حرب عن
خالد بن عرعرة قال: سئل علبا- عليه السلام- عن أول بيت بني في
الأرض قال:"لا كان نوح قبل، وكان في البيوت، وكان إبراهيم قبله،
وكان في البيوت، ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة والهدى، ومقام
إبراهيم، ومن دخله كان آمنا ... ". الحديث فهذا علي- رضى الله تعالى
عنه- بيّن أن المراد بالوضع غير البناء، وإذا كان هكذا فلا إشكال، إذ مفهوم
حديثه يقتضى وضع ذلك فيه من الله تعالى قبل أن يضع مثله في مكان
المسجد الأقصى، وسياق الآية الكريمة يدل عليه أيضا فيزيد وضوحا بما ذكره
في تاريخ بيت المقدس تأليف محمد بن محمد بن عبدك الكنجي، ومن خطّه
نقلت: أنّ أبا عمرو الشيباني قال: قال علي بن أبي طالب: كانت الأرض
ماء فبعث الله ريحًا فمسحت الأرض مسحًا فطهرت على الأرض زبدة

(1/1256)


فقسمها الله أربع قطع فخلق من قطعة مكة، ومن الثانية المدينة، ومن الثالثة
بيت المقدس/، ومن الرابعة مسجد الكوفة وعن كعب قال: بني سليمان بيت
المقدس أسسه سام بن نوح، عليه السلام، وأماما ورد أيضا، قال ابن حبان:
بأنّ آدم عليه السلام حج البيت وليس فيه تصريح بكونه مبنيًا يومئذ لاسيما
على رواية من روى، أنه كان إذ ذاك الوقت خيمة أو ياقوتة. انتهى. من وجه
الدلالة من هذا أن الأنام التي خلقت فيها السموات والموجودات كل سهم
منها ألف سنة على ما رجحه أبي جرير واحتج له فيحتمل أن يكون خلق
البيت قبل خلق المسجد الأقصى بهذا المقدار من سني الدنيا، والله تعالى أعلم.
* * *

(1/1257)


125- باب المساجد في الدور
حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني، ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن
شهاب عن محمود بن الربيع الأنصاري:"وكان جعل مجة مجّها رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من دلو في بئر لهم" (1) . عن عتبان بن مالك السالمى وكان إمام قومه
بني سالم، وكان شهد بدرًا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"جئت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله إنى قد أنكرت من بصري، وأن السيل يأتيني
فيحول بيني وبين مسجد قومي، ويشق علي اجتيازه فإن رأيت أن يأتيني
فيصلى في بيتي مكانا اتخذ مصلى فافعل؟ قال: افعل، فعدا على رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر بعد ما أشهد النهار، فاستأذن فأذنت له فلم يجلس حتى قال:
أين تحب أن أصلى لك من بيتك؟ فأشرت له إلى المكان الذي أحبّ أن أصلّى
فيه/فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلّى بنا ركعتين ثم احتبسه على خزير يصنع لهم"
هذا حديث خرجاه مطولا في الصحيح (2) ، ورواه أبو الشيخ من حديث
النّضر بن أنس عن أبيه قال: لما أصيب عتبان فجعله من مسند أنس. حدثنا
يحيى بن الفضل المقري، ثنا أبو عامر، ثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي
صالح عن أبي هريرة:"أن رجلا من الأنصار أرسل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن
يقال فخطّ لي مسجدا في دارى أصلى فيه، وذلك بعدما عمى فجاء
ففعل" (3) . هذا حديث إسناده صحيح، وكأنه اختصار من الحديث الأول،
والله تعالى أعلم. حدثنا يحيى بن حكيم، ثنا بن عدي عن ابن عون عن
أنس بن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن أبي الجارود عن أنس بن مالك
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (ح/6354) ، وأحمد (5/321) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/115، 116، 170، 175، 213، 2/75، 7/94) ،
ومسلم في (المساجد، ح/263) ، والنسائي (3/65) ، والبيهقي (3/53، 87،71، 96، 10/
124) ، وابن خزيمة (1709،1673،1653) ، وشرح السنة (2/395) ، والتمهيد (10/158) ،
وأبو عوانة (1/11، 2/12) ، وابن المبارك فما"الزهد" (323) ، وابن عساكر في"التاريخ"
(7/55) .
(3) قلت: إسناده صحيح كما ذكر المصنف، وهو اختصار للحديث الأول.

(1/1258)


قال:"صنع بعض عمومتي للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعامًا فقال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنى أحب
أن جمل في بيتي وتصلى فيه. قال: فأتاه في البيت فحلّ من هذه الفحول
فأمر بناحية منه فكنس ورشق فصلى وصلينا معه، قال ابن ماجة: الفحل الحصير
الذي قد اسود" (1) . هذا حديث إسناده صحيح، وقد تقدم في كتاب
الطهارة صلاته عليه السلام في بيت أم سليم، وفي كتاب الصلاة صلاته عليه
السلام في الأماكن التي اتخذت مساجد. غريبة: الدار مؤنثة، وإنّما قال الله
تعالى:"ولنعم دار المتقين" (2) فذكر على معنى المثوى، والموضع كما قال:
"نعم الثواب وحسنت مرتفقا" (3) فأنث على المعنى واد في العدد أدر،
والكثير ديار مثل جبل وجبيل/وجبال، ودور أيضًا مثل: أسد وأسيد ذكره
الجوهري، وفي الجامع: الدار: الأرض، والدور القبائل، وفي الحديث:"ما
بقيت دار إلا بني فيها مسجد" (4) ، وفيه قوله عليه السلام:"ألا أنبئكم بخير
دور الأنصار، والخزيرة اللحم يقطع صغارًا ثم ينطبخ بالماء والملح، فإذا انتهيت
طبخًا درّ عليه الدقيق فقصر به ثم أدم بأي أدام شيء، ولا يكون الخزيرة إلا
وفيها لحم" (5) . وقيل: الخزيرة: مرقة، وهو أن تصفي بلالة النخالة ثم تطبخ،
وقيل: الخزيرة: الحساء من الدسم والدقيق، قال: فتدخل في حناجر أقنعت
لعاوتها من الخزير المعرف. ذكره ابن سيده. وفي الصحاح: الخزير والخزيرة أن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/756) في الزوائد: إسناده حسن، وله أصل في الصحيح.
وصححه الشيخ الألباني.
قال أبو عبد الله بن ماجة: الفحل هو الحصير الذي قد اسود.
(2) سورة للنحل آية: 30.
(3) سورة الكهف آية: 31.
(4) بنحوه. رواه أبو داود في: الصلاة، باب"46". والنسائي في: الإِمامة، باب"50".
(5) صحيح. رواه البخاري (ح/541) .
غريبة: قوله:"الخزيرة"، بخاء معجمة مفتوحة ثم زاي مكسورة وبعد التحتانية الساكنة راء
هي ما يتخذ من الدقيق على هيئة العصيدة لكنه أرق منها. قاله الطبري. وقال ابن فارس:
دقيق يخلط بشحم، وقال القتبي وتبعه الجوهري: الخزيرة: أن يؤخذ اللحم فيقطع صغارا،
ويصب عليه ماء كثير فإذا نضج در عليه للدقيق، فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة، وقيل
مرق يصفي من بلالة النخالة ثم يطبخ، وقيل حساء من دقيق ودسم.

(1/1259)


ينصب القدر بلحم يقطع صغارا فإذا طبخ درّ عليه الدقيق وإن لم يكن فيها
لحم فهي عصيدة، وفي غريب ابن قتيبة: وقيل: وهي حساء من دقيق ودسم،
وفي البخاري عن النضر، والتهذيب للأزهري، عن أبي الهيثم: إذا كان من
دقيق فهي خزيرة، وإذا كان من نخالة فهي خزيرة، وقال ابن سيده: وقيل
الجريرة: هي الدقيق الذي يطبخ بلبن، والفحل: حصير ينسج من فحال
النخل- يعني: ذكره- والجمع فحول، وزعم أبو حنيفة: أن أبا عمرو
الشيباني قال: لا يقال فحل إّلا في ذي الزوج، وكذلك قاله أبو نصر، قال أبو
حنيفة: والناس على خلاف هذا، وقال أبو عبيد: هو الحصير المعمول من
سعف النخل، وقال سمر: قيل له ذلك؛ لأنه مستوى من الفحل من النخيل
فتكلّم به على التجّوز كما قالوا يلبس الصوف، والقطن، وإنّما بني بباب بقول
منها، وأما منزل غسّان فكان في بني سالم بن عوف، وفي كتاب الطبراني
من حديث ابن أي أويس عن أبيه عن ابن شهاب عن محمود عنه:"أنّ
النبي- صلى الله عليه وآله/وسلم- أتاه يوم السبت، ومعه أبو بكر وعمر" (1) .
وفي رواية:"فأتاني ومن شاء من أصحابه". وأما ما ورد في بعض الطرق أنه
لقى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له" إنى أحبّ أن تأتيني"، وفي بعضها:"بعث إليه"؛
فيحتمل أنه أرسل إليه أولا ثم مشى إليه بعد قوله:"أنكرت من بصري"،
وفي رواية:"أنا خزير البصر"، وفي رواية:"أعمى"، وفي رواية:"أصابني
في بصرى بعض الشيء" يحتمل أن يريد ما نكرت، وأصابني في بصري
بعض الشيء ذهاب البصر كلّه، ويحتمل أنه ذهب بعظمه، وسمّاه عمى لقربه
منه، ومشاركة إيّاه في فوات بعض ما كان حاصلا في حال السلامة، وأمّا
قوله: السيل يحول بيتي وبن مسجد قومي: حمله بعضهم على جواز الصلاة
في المساجد التي حول المدينة زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي كتاب الطبراني ما يدفع
هذا التأويل، وإن كان الأوّل جائزا لكن من غير هذا الحديث يؤخذ، وهو
ما رواه من طريق أبي بكر بن أنس بن مالك فلا أستطيع أن أُصلِّى بعدك في
مسجدك، وفي قوله اتّخذه يصلي: إباحة له في أن يُصلِّي في بيته لعذره،
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/11) بنحوه من حديث جابر، وعزاه
إلى"أحمد" وفي الصحيح طرف منه.

(1/1260)


وفي تعيينه عليه السلام موضعا للصلاة إشعار بأن قوله: ولا يوطن الرجل
موضعا في المسجد، محمول على من فعل ذلك رياء وسمعة، والله تعالى
أعلم.
* * *

(1/1261)


126- باب تطهير المساجد، وتطييبها
حدثنا هشام بن عمار، ثنا عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون، ثنا
محمد بن صالح المدني، ثنا مسلم بن أبي مريم عن أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من أخرج أذى من المسجد بني الله له بيتا في
الجنة" (1) هذا حديث/إسناده صحيح، وقد تقدم لفظه من كتاب أبي نعيم
مطولا من حديث عبد الله بن محمد بن وهب، ثنا عبد الله بن مصعب
الزبيري، ثنا عيسى بن المغيرة، ثنا خالد بن إلياس، حدثني يحيى بن عبد
الرحمن بن حاطب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنه، حدثنا عبد الرحمن بن
بشر بن الحكم، وأحمد بن الأزهر، ثنا مالك بن سعيد، ثنا هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة:"أن رسول الله أمر بالمساجد أن تبني في الدور، وأن
تطهر" (2) . وثنا رزق الله، ثنا يعقوب الحضرمي، ثنا زائدة عن هشام به مرفوعا
هذا حديث رواه ابن خزيمة في صحيحه عن عبد الرحمن بن بشر بلفظ:"أمر
ببناء المساجد في الدور" (3) . وعن أحمد بن الأزهر بزيادة:"وأن تطهر
وتطيب". فهذا ابن ماجة كما ترى أدرج لفظ أحد شيخيه عن لفظ الآخر
داخل بلفظ أحدهما مع ذلك، ورواه ابن حبان في صحيحه (4) عن الحسن بن
سفيان، ثنا أبو كريب، ثنا الحسين بن علي عن زائدة عن هشام بلفظ:"وأن
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/757) . في الزوائد: إسناده فيه انقطاع، ولين. فإن فيه
سلمان بن يسار، وهو ابن أبي مريم، لم يسمع من أبي سعيد. ومحمد بن صالح فيه لي.
والترغيب (1/198) والكنز (20726) والقرطبي (12/266) وابن القيسراني في"الموضوعات"
وضعْفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة: (ح/166) والتعليق الرغيب (1/119) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/759) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه أبو داود (ح/455) والترمذي (ح/594) وابن عدي في"الكامل" (5/
1738) . والعقيلي (3/309) .
قلت: والحديث رواه ابن ماجة وأبو داود وابن حبان هو موصولا في صحيحه.
(4) صحيح. رواه ابن حبان: (3/76) من حديث عائشة.

(1/1262)


تطيب وتنطف"وذكر5 ابن حزم محتجًا به، وقال أبو الحسن بن القطان:
لاشكّ في صحة رفعه، وأبي ذلك جماعة، منهم ابن أبي حاتم، إذ سأل أباه
عنه فقال: إّنما يروى عن عروة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسل، ولما رواه أبو عيسى عن
محمد بن حاتم عن عامر بن صالح عن هشام مرفوعا اتبعه، ثنا هناد، ووكيع،
وابن أبي عمر كلهم عن سفيان عن هشام عن أبيه: أن النبي ... فذكره،
وقال: هذا أصح من الأوّل، قرأت على المسند بقية السلف أبي العباس أحمد
الخطوي، أنبأ به عبد اللطيف بن عبد المنعم عن يوسف بن المبارك/قال: أنبأ
سعد الخير قراءة عليه وأنا سمع في شوال سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، أنبأ
الإمام أبو سعيد عبد الرحمن بن عبد العزيز الأبحري، أنبأ الشيخان أبو بكر
محمد ابن الحاجب، وأبو حفص عمر بن حمارة عن أبي سعيد القيم بن
علقمة قال: سمعه الخير أنبأ أيضًا أبو المحاسن عبد المحسن بن عبد العزيز بن
عبد السلام الأبحري، أنبأ أبو حفص، أنبأ أبو سعيد بن علقمة، أنبأ الحافظ أبو
الحسن بن علي بن نصر بن منصور الطوسي، قال: وقد روى عامر الزبيري
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره مرفوعا قال:
وروى وكيع، وعبدة جميعًا عن هشام عن أبيه مرسلا هذا أصح من حديث
الزبيري، وقال عبد الحق: إسناده مشهور وإن كان قد روى مرسلا، وهذا
العمري أوّل إذا حقق لم يحقق؛ لأنّ هذا الحديث أسنده جماعة من أصحاب
هشام، منهم سفيان بن سعيد الثوري من رواية علي بن الحسن بن أبي عيسى،
ثنا عبد الله بن الوليد عنه، ويحيى بن هاشم من رواية أبي بكر عن خلاد عن
الحارث بن أبي أسامة عنه فيما ذكره أبو نعيم الحافظ، وقال الفضل بن دكين:
ثنا سفيان عن هشام فذكره مرفوعاً، وزعم أبو الحسن علي بن عمر أنّ عبد
الله بن المبارك، وابن عيينة، وعبد الله بن عروة، ويونس وحبان بن علي رووه
عن هشام عن أبيه عن عائشة، والصحيح عن جميع من ذكرناه عن غيرهم
عن هشام مرسلًا. انتهى كلامه. ولو رأى حديث الثوري سفيان لأذعن له
كل الإذعان؛ لأنه مسند كالشمس مرية في صحته، ولا لبس ولقائل أن
يقول: هب أنّ سائر المخلوقين خالفهم ولم يتابعه/أحد له عارفه فكان ماذا
أليس قوله أولى بالصواب؟ وإليه في الحفظ والإتقان: المرجع، والمآب لا سيما،

(1/1263)


ولم يرد خلاف قوله إلا عن ابن عيينة، وقد تقدّم الخلاف عليه في ذلك،
وهذه مسألة اختلف فيها: هل الحكم للمسند أو المرسل؟ وهل يعتبر فيهما
الأحفظ أو الأكثر؟ وهل الحكم للزائد أو للناقص؟ وهل إذا تساويا يكون علّة
مؤثرة أم لا؟ وههنا يترجح الأخلف في هذا الحديث؛ لأنّ الذين أسندوه كثر
وأحفظ من الذين أرسلوه، ولأنّ الزيادة من الثقة الحافظ مقبولة إجماعا، والله
تعالى أعلم.
وقد روى أبو داود في سننه حديثا شاهدا له من حديث سمرة بن جندب،
وكنب إلى بنيه أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في
ديارنا، ونصلح صفتها، ونطهّرها" (1) . ولفظ أحمد (2) في مسنده:"وأمرنا
أن ننظفها ". وما ذكره أبو محمد الأشبيلي بعد حديث عروة قال: الأول
أشهر إسنادا، قال ابن القطان: يقتضى ظاهر كلامه أن حديث عائشة وهذا لا
شيء؛ لأنه إسناد مجهول النية فيه جعفر بن سعد بن سمرة وحبيب بن
سليمان، وما من هؤلاء من يعرف له حاله، وقد جهد المحدثون فيهم جهدهم،
وهو إسناد يرى به جملة أخبار ذكر البزار منها نحو المائة، ولما ذكر عبد الحق
حديث سمرة بهذا الإسناد فيمن نسى صلاة أو نام عنها كذا قال: في هؤلاء
ولم ينتهي كلامه، وفيه نظر؛ من حيث أنّ هؤلاء ليسوا كما قال؛ بل حالهم
معروفة لا مجهولة، أنبأ جعفر، فروى عنه جماعة منهم: سليمان بن موسى
ومحمد بن إبراهيم بن حبيب وعبد الجبار بن العباس الشامي، وصالح بن أبي
عتيقة الكاهلي/، وسليمان بن سمرة روى عنه ابنه حبيب وعلي بن ربيعة
الوالي، وحبيب بن سليمان ذكرهم ابن حبان البستي في الثقات، وروى أبو
بكر الإسماعيلي في جمعه حديث يحيى بن أبي كثير عن القاسم المطر، وثنا
العلاء بن سالم، ثنا حفص بن عمر، ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن
أبي الزبير عن جابر:"كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يأمر باتخاذ المساجد في
الدور " (3) . رواه أبو نعيم عن عمر بن أحمد القاضي، ثنا العباس بن علي، ثنا
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/11) وعزاه إلى "أحمد " وإسناده صحيح.
(2) إسناده صحيح. رواه أحمد: (5/371) .
(3) حسن. رواه أبو داود (ح/456) والطبراني: (6/303) .

(1/1264)


العلاء بن سالم فذكره، وفي علل الدار قطي: روى قران بن تمام عن هشام بن
عروة عن أبيه عن الفرائضة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أنه أمر ببناء المساجد في الدور
وأن تطبّب" (1) ، ولا يصح، وقد قدمنا ذكر المساجد التي كانت في الدور،
حدثنا أحمد بن سنان، ثنا أبو معاوية عن خالد بن إياس عن بحر بن عبد
الرحمن بن حاطب عن أبي سعيد الخدري قال:"أو نتخذ سرج في
المساجد" (2) . تميم الداري هذا: أثر إسناده ضعيف؛ لضعف رواية أبي الهيثم
خالد بن إياس بن صخر العدوي القرشي، ويقال: الأسلمي، وقال مسلمة بن
قاسم في كتاب الصلة: كان مدنيًا روى عنه العقيلي، وفي قوله نظر إن أراد
أبا جعفر الحافظ؛ لتأخره عن إدراكه وأظنه يريد غيره، والله تعالى أعلم. قال
فيه الإمام أحمد: هو منكر الحديث، وقال عباس عن يحيى: ليس بشيء، ولا
يكتب حديثه، وفي كتاب ابن البرقي عنه: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه،
وقال أبو حاتم الرازي: هو ضعيف الحديث منكر الحديث، وقال عبد الرحمن:
فقلت يكتب حديثه فقال: رحنا، وسئل عنه أبو زرعة فقال: ليس بقوى
سمعت أبا نعيم يقول: لا يسوى حديثه وسلب، وذكر بعد لا يسوى حديثه
فليستبين، وقال/النسائي متروك الحديث، وقال ابن عدي: أحاديثه كلها
غرائب إفرار عمن يحدّث عنهم، ومع ضعفه يكتب حديثه، وقال البخاري:
ليس بشيء، وقال الساجي: منكر الحديث، وذكره العقيلي، وأبو العرب في
كتاب الضعفاء، وقال الحافظ ابن سعيد محمد بن علي بن عمر بن مهدى
النقاش في كتاب الضعفاء تأليفه: روى عن ابن المنكدر، وغيره أحاديث
موضوعة، وفي كتاب الصحابة للمديني من حديث محمد بن الحسن: هو
ابن قتيبة، ثنا سعيد بن زياد بن فايد عن أبيه عن جدّه عن أبي هند قال:
حمل تميم الداري معه من الشام إلى المدينة زيتًا، وقناديل، ومعطا، فلما انتهى
__________
(1) الحاشية السابقة.
(2) إسناده صحيح ورواه أبو داود في سننه: 2- كتاب الصلاة، 13- باب في السرج في
المسجد، (ح/457) .
ولفظه:"عن ميمونة مولاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قالت: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس،
فقال"ائتوه فصفوا فيه- وكانت البلاد إذ ذاك حربا- فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت
يسرج في قناديله".

(1/1265)


إلى المدينة وافق ذلك ليلة الجمعة، فأمر غلاما يقال له: أبو البراد فقام فشدّ
المعطُ، وعلّق القناديل، وصب فيها الماء، والزيت، وجعل فيها الفتيل، وأمر أبا
البراد فأسرجها، فقال: من فعل هذا؟ "قالوا: تميم يا رسول الله قال:"نوّرت
الإسلام نوّر الله عليك في الدنيا والآخرة أما أله لو كانت لي ابنة لزوجتها"،
فقال نوفل بن الحارث بن عبد المطلب: لي ابنة يا رسول الله تسمى أم المغيرة،
فافعل فيها ما أردت، فأنكحه إياها على المكان. حدثنا إسماعيل بن عبد الله
الرفي، ثنا عيسى بن يونس عن ثور بن يزيد عن زياد عن أخيه عثمان بن أبي
سودة عن ميمونة مولاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قالت: يا رسول الله ائتنا في بيت
المقدس فقال:"ائتوه فصلوا فيه، وكانت البلاد إذ ذاك حربًا، فإن لم تأتوه
وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله " (1) . هذا حديث إسناده صحيح
عثمان روى عنه جماعة منهم: الأوزاعي، وزيد بن واقد الدمشقي، وأبو سنان
عيسى بن سنان/، وحماد بن واقد، وشبيب بن شيبة،
وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ورجاء بن أبي سلمة، وعبيد الله بن حبان،
وشعيب بن رزين الطائفي، وأخوه زياد، قال صاحب تاريخ بيت المقدس:
روى عنه: سعيد بن عبد العزيز، ومعاوية بن صالح، زاد ابن حبان: وزيد بن
واقد، وأهل الشام حين ذكره، وأخاه في كتاب الثقات، وصحح ابن البيع
حديثا روياه، وقال أبو زرعة البصري في تاريخه: حدثني هشام، ثنا مغيرة عن
رجاء بن أبي سلمة عن عطاء الخراساني قال: كان إذا ذكر ابن محيرز،
وها نيء بن كلثوم، ورجاء بن حيوة، وابن الديلمي، وابن أبي سودة يقول: قد
كان في هؤلاء من هو أشد اجتهادا من هانىء، ولكنه كان يفضلهم بحسن
الخلق، وثنا محمد بن المبارك، ثنا صدقة بن خالد عن زيد بن واقد قال: قال
زياد بن أبي سودة: كانت أمي مولاة لعبادة بن الصامت، وأبي مولى
لعبد الله بن عمرو بن العاص، وأنبأ هشام، ثنا يحيى بن حمزة قال: قال
الأوزاعي: عثمان قد أدرك عبادة وكان مولاه، ثنا محمود بن خالد سمعت
مروان بن محمد يقول: عثمان بن أبي سودة، وزياد من أهل بيت المقدس
ثقتان ثبتان، وأبنا محمود بن خالد قال: سمعت أبا مسهر يقول: عثمان أبي
__________
(1) الحاشية السابقة.

(1/1266)


سودة أسنّ من زياد، وقد أدرك عثمان عبادة، ولفظ أحمد بن حنبل في
مسنده: يا رسول الله ائتنا في بيت المقدس، قال:"أرض المحشر، والمنشر
ائتوا فصلوا فيه؛ فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره"قالت: أرأيت إن لم
نطق أن نتحمل إليه؟ قال: " فليهدله زيت يسرج فيه فإن من أهدى له كمن
صلى فيه" (1) . ولفظ ابن أبي خيثمة في تاريخه الأوسط:"ائتوه فصلوا فيه
قلت: كيف؟ وبيننا وبينه الدوم/"، وفي آخره قال الأوزاعي: أوحى الله تعالى
إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن أمر بني إسرائيل أن يكثروا في مساجدهم
النور قال: فطنوا أنه أّمما يراد به المصابيح فأكثروها، وإنما يراد به العمل
الصالح، ولا التفات إلى قول عبد الحق في الوسطى، وذكره من عند أبي
داود من حديث عثمان بن أبي سودة عنها ليس بهذا الحديث بقوي؛ فإنه وهم
من وجوه:
الأول: جعله إياه عن عثمان، فإن الحديث عند أبي داود الذي من عنده
نقله هكذا: ثنا النفلي، ثنا مسكين عن سعيد بن عبد العزيز عن ابن أبي سودة
عن ميمونة كذا الصفة في رواية اللؤلوي، وابن العبد، وابن داسة الرملي،
وكذا ذكره عنه أيضا أصحاب الأطراف.
الثاني: نقضه هذا القول بغيره وهو أنه سمّاه في الأحكام الكبرى زيادا،
وكذلك لما ذكره من عند أبي داود بسنده إلى ابن أبي سودة، قال ابن أبي
سودة: هذا هو زياد أخو عثمان بن أبي سودة، وهذا وإن كان أيضا خطأ فهو
إلى الصواب أقرب؛ لأن سعيدا إنّما عهدناه يحدّث عن عثمان بوساطة زياد
أخيه لو ذكره ابن أبي خيثمة، وأبو علي بن السكن، والإمام أحمد، والطبراني،
وغيرهم، وأمّا زياد: فإنّ حديثه عن ميمونة لا يتصل إّلا بوساطة أخيه عثمان
كما جوده ابن ماجة، وأبو علي بن السكن من حديث ثور بن يزيد عن زياد
عن أخيه عثمان، ولما عرف أبو حاتم الرازي، وغيره زياد: أوصفوه بالرواية عن
أخيه، فإن قلت: لعل الإشبيلي قد علم أنه إنّما رواه عن ميمونة عثمان لا زياد
تفرد به، فالجواب أنه إنما نسب الحديث إلى أبي داود، ولم يقع عنده إلّا
مبهما، فإن كان علمه عن عثمان فليس له/أن يعزوه كذلك إلى أبي داود،
__________
(1) تقدْم في ص 1265.

(1/1267)


ولئن أغصنا عما قاله فليس يقل بتفسيره إياه بزيادة بعد، وهو تناقض طاهر لا
شك فيه، والله تعالى أعلم.
الثالث: قوله ليس بقوي، وقد بينا قوته، وأمّا قول ابن القطان هو خبر غير
صحيح؛ للجهل بحال زياد، وأخيه كذلك أيضا، وتفْسير الأوزاعي يردّ عليه
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يزيت يسرج في قناديله"ويزيده وضوحا ما رواه أبو نعيم الحافظ
عن أبي بكر بن خلاد، ثنا الحارث بن أبي أسامة، أنبأ إسحاق بن بشر
الكاهلي، ثنا مهاجر بن كثير عن الحكم بن مسقلة العبدي عن أنس بن مالك:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل
الملائكة، وحملة العرش يستغفرون له مادام في ذلك المسجد ضوء من ذلك
السراج" (1) .
***
__________
(1) ضعيف. المنثور (3/217) والقرطبي (12/275) والخفاء (2/313) وأحاديث القصاص
(74) والفوائد (26) .

(1/1268)


127- باب كراهية النخامة في المسجد
حدثنا محمد بن عثمان العثماني أبو مروان، ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن
شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عون عن أبي هريرة، وأبي سعيد
الخدري أنهما أخبراه:"أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى نخامة في جدار المسجد
فتناول حصاة فحكها، ثم قال: إذا تنخم أحدكم فلا يتنخم قبل وجهه، ولا
عن يمينه، وليبزق عن شماله أو تحت قدمه اليسرى" (1) . هذا حديث اتفقا
على تخريجه، زاد أبو داود (2) من حديث أبي سعيد بعد:"فحكها بحصاة
ثم أقبل على الناس مفضيا فقال: أيحب أحدكم أن يبصق في وجهه؟ إنّ
أحدكم إذا استقبل القبلة فإنما يستقبل ربّه، والملك عن يمينه فلا يستقبل عن
يمينه"، وفيه:"فإن عجل به أمره فليفعل هكذا يعني: يتفل/في ثوبه". وفي
لفظ البخاري (3) من حديث أبي هريرة:"إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا
يبصق أمامه فإنما يناجى الله تعالى مادام في صلاته ولا عن يمينه فإن عن يمِينه
ملكا". وفي لفظ لمسلم (4) :"ما بال أحدكم يقوم يستقبل ربه فيتنخّم أمامه،
أيحبّ أن يستقبل فيتنخّم في وجهه، فإذا تنخّم أحدكم فليتنخم عن يساره أو
تحت قدمه؛ فإن لم يجد فليفعل هكذا: يعني: يتفل في ثوبه ثم يِمسح بعضه
على بعض". قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرد ثوبه بعضه
على بعض، ولفظ الكجي من حديث سليمان بن حرب، ثنا شعبة عن
القاسم بن مهران عن أبي رافع عنه."أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى نخامة في قبلة
المسجد فأمرني فحتها، وقال مرة فقمت فحتها، وفي آخره: فإن لم يستطع
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الصلاة، باب"4"،، والأذان، باب"94"،،
والأدب، باب"75" (ومسلم في:) المساجد، ح/53) وابن ماجة: (ح/761) وأحمد (2/
44،34،29،6) .
(2) رواه أبو داود: (ح/480) .
(3) صحيح. رواه البخاري: (1/113) والفتح: (1/5/12) والمشكاة (710) .
(4) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، باب"13"، ح/53) ، وأحمد (2/250) ، وابن أبي
شيبة: (2/364) والترغيب: (1/200) ، والكنز (19945) ، والإرواء (1/198) .

(1/1269)


ففي ثوبه" (1) . وفي صحيح أبي بكر بن خزيمة (2) :"من دخل هذا المسجد
فبزق فيه أو تنخم فيه فليحصر فيه فليبعد فليدفنه، فإن لم يفعل فليبزق في ثوبه
لم يخرج به"، وعند أبي نعيم:"ثم ليخرج به". رواه سليمان بن حرب عن
شعبة عن القاسم بن مهران عن رافع عنه بلفظ:"فلا يبزق عن يمينه، ولا
عن يساره، ولا بين يديه، ولكن تحت قدمه اليسرى"قال أبو زرعة: ما روى
بأن يبزق عن يساره أصح من هذا، وقال أبو حاتم: أخطأ فيه سليمان بن
حرب، وفي رواية عند أبي نعيم:" البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها
دفنها" (3) .
حدثنا محمد بن طريف، ثنا عابد بن حبيب عن حبيب عن أنس أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"رأى نخامة في قبلة المسجد فغضب حتى احمر وجهه فجاءته امرأة
من الأنصار فحكتها/وجعلت مكانها خلوقاً فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أحسن
هذا". هذا حديث اتفقا عليه وللبخاري (4) :"فقام يحكه بيده، وقال: إن
أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجى ربه أو إن ربه بينه وبن القبلة فلا يبزقن
أحدكم قبل القبلة، ولكن عن يساره أو تحت قدمه، ثم أخذ طرف ردائه
فبصق فيه ثم ردّ بعضه على بعض فقال: أو يفعل هكذا"، وفي لفظ
عندهما (5) :"فلا يبزقن بين يديه، ولا عن يمينه، ولكن عن شماله تحت
قدمه"، وفي لفظ:"البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها" (6) ، وعند
__________
(1) لم نقف على هذا اللفظ.
(2) صحيح، رواه ابن خزيمة: (1310) ، والكنز (20815) ، وأحمد (2/324) .
(3) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/113) ، ومسلم في (المساجد، ح/55) ،
والترمذي (ح/572) ، وصححه. وأحمد (3/232، 274، 277) ، والبيهقي (2/291) ، والمجمع
(2/18) ، وأبو عوانة (1/405) ، والمنثور (5/51) ، والمنحة (350) ، والقرطبي: (12/278) ،
والمشكاة (708) ، وابن خزيمة (1309) ، وللكنز (20805، 20816) والجوامع (10304)
والطبراني (8/341) وشرح السنة (2/380) وابن عساكر في"التاريخ" (6/124) وصفة
(433) الخطيب في "التاريخ" (2/85، 9/396) .
(4) صحيح. رواه البخاري (ح/405)
(5) المصدر السابق للبخاري، ورواه مسلم في (المساجد، ح/54) .
(6) الحاشية رقم (2) للسابقة.

(1/1270)


النسائي (1) :"بزق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثوبه، وحك بعضه ببعض"، وعند أبي
خزيمة (2) :"عرضت علي أجور أُئتي حتى القذاة يخرجها الرجل من
المسجد"، وفي لفظ: التفل في المسجد ما ذكره الترمذي استغربه، وفي
كتاب أبي نعيم من حديث عبد الله بن جرار بن عمرو عن أبيه عن قتادة عن
أنس يرفعه:"من ابتلع أربعة أعظاما للمسجد ولم يمح اسمًا من أسماء الله
تعالى ببزاق كان من ضنا بين عبد الله تعالى"، وفي لفظ:"النخامة كفارتها
أن تواريها" (3) ، وفي لفظ:"فاٍن أخرجه من المسجد كتب له حسنة".
حدثنا محمد بن رمح المصري، ثنا الليث بن سعد عن نافع عن عبد الله بن
عمر قال: رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نخامة في قبلة المسجد وهو يصلي بين يدي
الناس فحتها، ثم قال حين انصرف من الصلاة:"إن أحدكم إذا كان في
الصلاة فاٍن الله قبل وجهه فلا يتخمن أحد قبل وجهه في الصلاة" (4) . هذا
حديث خرجاه في صحيحيهما بلفظ:"رأى بصاقًا في جدار القبلة فحكه،
ثم أقبل على الناس فقال: إذا كان أحدكم يصلي/فلا يبصق قبل وجهه؛ فإن
الله عز وجل قبل وجهه إذا صلى". ورواه جويرية ابن أسماء بنت نافع عن
ابن عمر عند أبي نعيم بلفظ:"بينما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى بأصحابه فرأى نخامة
في قبلة المسجد فحكها بيده، فلما قضى صلاته ... " (5) . قال: الحديث ففي
هذا أنّ الحك كان وهو يصلي، وتعلّق بعضهم باْن هذا ليس عملا كثيرًا
__________
(1) صحيح. رواه النسائي في: المساجد، باب"31"النهى عن أن يتنخم الرجل في قبلة للمسجد (51
(2) حسن. رواه ابن خزيمة (1297) ، وأبو داود (461) ، والترمذي (2916) ، وقال: غريب
لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والطبراني في"الصغير" (1/189) ، وعبد الرزاق (5977) ،
والمشكاة (720) ، والترغيب (1/197، 2/359) والأذكار (99) ، وأصفهان (2/12) .
(3) رواه أحمد (3/109، 209، 277) وعبد للرزاق (1697) ، وأصفهان (1/981) ، بلفظ:
"النخامة في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها".
(4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/112) ، ومسلم في (المساجد، ح/50) ،
والنسائي (2/51) ، والبيهقي (2/293) ، وشرح السنة (2/284) ، وإتحاف (3/310) ، والموطأ
(194) ، وتجريد (517) ، والكنز (19949) .
(5) الحاشية السابقة.

(1/1271)


يفسد الصلاة، فأردنا أن نعرف حقيقة ذلك، فوجدنا أبا داود بين أنه كان
يخطب وأن البزاق أثناء الخطبة، فهذا إذا قلنا إنها واقعة واحدة، ولفظه:
"بينما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب يومًا إذ رأى نخامة في قبلة المسجد فتغيظ على
الناس، ثم حكها، وقال عز وجل أن الله تعالى قال واحسبه" (1) . قال: فدهن
يزعفران فتحته به قيل وجهه، وقال:"إذا صلى أحدكم فلا يبزق بين يديه" (2) .
وفي مسند الدارمي (3) :"فتغيظ على أهل المسجد فعال لا تنخمن، ثم أمر
بها فحك مكانها، وأمر بها فلطخت"، قال حماد بن زيد: لا أعلم أيوب إلا
قال: بزعفران، وفي صحيح ابن خزيمة من حديث عاصم بن عمر عن ابن
سوقة عن نافع عنه قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"ولم يرفعه إلا من تنخم في قبلة
السجد بعث وهو في وجهه"ثنا الزعفراني، ثنا شبابة، ثنا عاصم بن محمد
عن ابن سوقة عن نافع عنه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يبعث صاحب النخاعة في القبلة يوم
القيامة وهي في وجهه" (4) ، قال أبو بكر: الأول: عاصم بن عمرو، وهو
عندي أخو عبد الله، وعبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمرو. الثاني:
عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فلما تدمّرت فإذا
عاصم بن محمد غير عاصم بن عمر على ما بينت/من نسبتهما، وقال
البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلّا عن ابن سوقة، وعند ابن
خزيمة: فجاء الرجل الذي نخع فحكمنا ثم طلى مكانها بالزعفران، وفي لفظ:
فحكّها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، وعند أبي نعيم من حديث مسعود بن سعد عن ابن
إسحاق عن نافع عنه: فأخذ حصاة فقام فحتها ثم قال:"إذا قام أحدكم
__________
(1) كذا كلام المصنف، والسياق صحيح.
(6) صحيح رواه النسائي (1/163) ، وأبو داود (ح/478) ، والبيهقي (2/291) ، والكنز
(3) صحيح، متفق عليه. رواه الدرامي (ح/1397) ، والبخاري (ح/406) ، ومسلم في
(المساجد، ح/547) ، وأبو داود (ح/479) ، والنسائي في (المساجد، باب النهي على أن
يتنخم الرجل في قبلة المسجد، ح/4) ، وابن ماجة (ح/763) .
(4) ضعيف. رواه ابن خزيمة (1313) ، والترغيب (1/201) ، وأورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/
19) وعزاه إلى"البزار"وفيه عاصم بن عمر ضعفه البخاري وجماعة وذكر5 ابن حبان في الثقات.

(1/1272)


يصلى فإنما يناجى ربه" (1) ، وفي لفظ:"من تنخم في قبلة المسجد جاء يوم
القيامة وهى في جبينه معلّقة" (2) ، وعند البيهقي قال أبو الوليد: قلت لابن
عمر:"ما كان بدّ وهذا الزعفران في المسجد فقال: خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى
نخامة ... لما الحديث، وفيه"وطلى بزعفران"، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"هذا أحسن
من الأول" (3) ، فصنعه الناس، وحدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة:"أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكّ بزاقا في قبلة المسجد". هذا
حديث خرجاه في الصحيح (4) بلفظ:"رأى في جدار القبلة مخاطا أو بزاقا
أو نخامة فحكّه"، وفي الباب حديث أبي ذر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"عرضت
علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن
الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن"،
رواه مسلم (5) ، وكذا حديث عبد الله بن السحر وصلى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
"تنخع فدلكها بنعله اليسرى"، وعند النسائي:"برجله اليسرى"، وحديث
سعد بن أبي وقاص سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:"إذا تنخم أحدكم في
المسجد فليغب نخامة أن يصيب جلد مؤمن/أو ثوبه فتؤذيه لما (6) . رواه ابن
خزيمة في صحيحه، وحديث جابر بن عبد الله قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفْي يده عرجون
أبي طالب، فنطر فرأى في قبلة المسجد نخامة فأقبل عليها بالعرجون، ثم قال:
"أيكم يحب أن يعرض الله عنه إن أحدكم إذا قام يصلى بوجهه فإن الله
تعالي قبل وجهه، فلا يبصقن قبل وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره،
تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادره فليتفل بثوبه هكذا، ووضعه على
فيه، ثم قال: أروني عبيرا، فقام فتى من الحي يشتدْ إلى أهله، فجاء بخلوق في
__________
(1) تقدم ص 1270.
(2) العلل المتناهية: (1/417) .
(3) رواه البيهقي: (2/440) .
(4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في "الصلاة"، باب"33"،، والأذان، باب (94") ، ومسلم في
(المساجد، ح/50) ، والنسائي في المساجد، باب "31" (، وأحمد! 2/66، 3/65، 6/148)
(5) صحيح. رواه مسلم في: المساجد، (ح/57) .
(6) صحيح. رواه ابن خزيمة (1311) ، والمجمع (8/114) ، وعزاه إلى البزار ورجاله ثقات.
ورواه أحمد: (3/88) .

(1/1273)


راحته فاً خذه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعله على رأس العرجون، ثم لطخ به على أثر
النخامة، قال جابر: فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم". رواه
مسلم (1) ، وحديث طارق بن عبد الله المخاربي: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إذا
قام الرجل إلى الصلاة، أو إذا صلى أحدكم، فلا يبزق أمامه ولا يمينه، ولكن
عن تلقاء يساره إن كان فارغا، أو تحت قدمه اليسرى ثم ليتفل به" (2) ، قال
الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وحديث أبي سهلة السائب بن خلاد،
وله صحبة أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر فقال
رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين فرغ:"لا يصلي لكم"، فأراد بعد ذلك أن يصلى
لهم فمنعوه، وأخبروه بقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:"نعم وحسبت أنه قال:
إنك آذيت الله ورسوله". رواه أبو داود (3) بسند صحيح عن أحمد بن صالح،
ثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن بكر بن سوادة الجذامي عن صالح بن خيوان
عنه، صالح هذا وثقة أبو حاتم ابن حبان، وذكر أبو الحسن بن القطان/: أن
العجلي أيضًا وثقة، ولم أره في نسختي فالله أعلم. وزعم ابن ماكولا في
باب المختلف فيه: أن أبا صالح قال فيه ابن يونس: بالحاء المبهمة وقاله البخاري
كذلك، ولكنه وهم، كذا ذكره عن ابن يونس، وليس هو بأبي عذرة هذا
القول بل تبعه على ذلك الدارقطني، ويشبه أن يكون وهمًا؛ لأن ابن يونس
لم يقل شيئا من ذلك، ونص ما عنده ذكره من اسمه صالح، فذكر صالح بن
أصرم ثم قال: صالح بن خيوان الشيباني يروى عن ابن عمرو بن السائب بن
خلاد، وعقبة بن عامر روى عنه بكر بن سوادة اللهم إلا لو نقل كلام أبي
داود هو بالحاء المهملة، ومن قاله بالحاء المنقوطة، فقد أخطأ لكان صوابا، وأما
ابن أبي حاتم فذكر بالحاء المنقوطة، ويشبه أن يكون سبب الخلاف في هذا ما
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في: (الزهد، ح/74) ، وأبو داود (ح/485) .
غريبة: قوله:"عرجون علي بن أبي طالب " قال العيني: العرجون هو العود الذي فيه
الشماريخ إذا يبس وأعوج، وابن طاب: رجل من أهل المدينة ينسب إليه نوع من تمرها.
(2) صحيح. رواه البخاري (1/113) والفتح (1/512) والمشكاة (710) والترمذي (ح/
571) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(3) إسناده صحيح. رواه أبو داود (ح/481) .

(1/1274)


ذكره أبو الوليد بن القرضي قال سعيد بن كثير بن عفير: من نسبه إلى حولان
قاله بالخاء المعجمة، ومن قاله الساجي فبالحاء- يعني: المهملة، وأما قول عبد
الحق في الكبرى: صالح لا أعلمه روى عنه إلّا ابن سوادة فصحيح، وأمّا قوله
في الوسطى: صالح هذا لا يحتج به فيشبه أن يكون قاله من قبله، ولا أعلم له
فيه سلفا، وأما قول ابن القطان: وزعم ابن يونس أله ليس له إلّا هذا الحديث
فيما أعلم، ويأتي ذلك عليه أنّ البخاري قال: أله روى أيضا عن ابن عمر،
يشبه أن يكون وهما؛ لأن ابن يونس لم يقل شيئا سوى ما أسلفناه فْبل،
والله تعالى أعلم. وحديث ابن عمرو بن العاص قال: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رجلا يصلى بالناس صلاة الطهر فتفل في القبلة وهو يصلى فلما كان صلاة
العصر أرسل إلى آخر فأشفق الأوّل فجاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يا/رسول الله
أنزل في؟ قال:"لا، ولكنّك تفلت بين يديك، وأنت تؤمّ الناس فآذيت الله
ورسوله" (1) . ذكره ابن القطان، ثنا هارون بن سعيد، ثنا ابن وهب قال:
حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن عنه وصححه، وحديث أبي
سعيد قال:"رأيت واثلة بن الأسقع في مسجد دمشق بصق في البوادي ثم
مسحه برجله فقيل له: لم فعلت هذا؟ قال: لأني رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يفعله". خرجه أبو داود (2) من حديث فرج بن فضالة عنه، قال الأشبيلي:
وهو ضعيف، وأيضا لم يكن في مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حصر، والصحيح أنه
عليه الصلاة والسلام إّنما بصق على الأرض ودلكه بنعله اليسرى، ولعل واثلة
إنّما أراد هذا فحمل الحصير عليه، قال ابن القطان: وبقى عليه أن ينبه على أبي
سعيد فإنه لا يعرف من هو، ووقع في رواية لابن الأعرابي أبو سعيد،
والصواب سعد، وهو شامي مجهول الحال، وتعليل الحديث به أدنى من تحليله
بفرج، فإنه- وإن كان ضعيفا- معروف في أهل العلم، أخذ الناس عنه، وقد
روى عنه شعبة وهو من هو، وقال يزيد بن هارون: رأيت شعبة يسأله عن
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/20) وعزاه إلى الطبراني في"الكبير"،
ورجاله ثقات.
(2) ضعيف. رواه أبو داود (ح/484) .

(1/1275)


حديث من حديث ابن عباس، وهو صدوق، وإنّما أنكروا عليه أحاديث رواها
عن يحمى بن سعيد الأنصاري معلومة، وقال أبو حاتم: وهو في غيره أحسن
حالا وهو بالجملة ضعيف، ورواه الساجي فلم يذكر الثوري مؤيّدًا لما أوّله أبو
محمد فقال: حدثنا محمد بن عبد الله فيما كتب أبي، ثنا الحماني، ثنا فرج
بلفظ: رأيت واثلة بزق ودلك برجله، وحديث أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"من تنخم في المسجد فلم يدفنه فسيئة، ومن دفنه/فحسنة" (1) . رواه أبو
نعيم من حديث أبي نميلة عن الحسن بن واقد، ثنا أبو غالب عنه، وذكر أبو
عبيد بن سلام في غريبه: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"إن المسجد يروى من النجاسة
كما يروى الجلد على النار"، قال ابن سيده: النخاعة ما تفله الإِنسان
كالنخامة تنخع الرجل، وفي نخامته قال: نخم الرجل نخما، وتنخم وقع
بشيء من صدره أو أنفه، واسم ذلك الشيء النخامة، وقال الجوهري: النخامة
بالفم، وفى الجامع تنخم الرجل إذا تنخع، وقال عياض: النخامة من الصدر
وهو البلغم اللزج، وقال أبو موسى المديني: مخرجها من الخيشوم، وقال ابن
الأثير: يخرج من أصل الحلق من مخرج الخاء المعجمة، وقيل التي بالعين من
الصدور والتي بالميم من الرأس، وأما البزاق فحكوا فيه الصاد والسين، وهو
لغة ردية، قال عياض: البزاق في المسجد ليس بخطيئة إلا في حقّ من لم
يدفنه، وأما من أراد دفنه فليمر بخطيئة، واختلف العلماء في كيفية الدفن،
فالجمهور على دفنها في أرض المسجد، وإن كان ممكنا، وحكى الروياني: أنّ
المراد إخراجها مطلقا، ويشهد له ما أسلفناه من عند ابن خزيمة وغيره، قال
القرطبي: فيه دليل يعني قوله:"أيحب أحدكم أن يبصق في وجهه" (2) ؟
على تحريم البصاق في القبلة، وإن الدفن لا يكفره، ويؤيّده ما أسلفنا من
الأحاديث، والله تعالى أعلم. وسمعت شيخنا قاضى القضاة بدر الدين بن
جماعة- تغمّده الله تعالى برحمته- يسأل يوما في منزله عن البزاق في شباك
المسجد إن كان له فقال: لا يجوز؛ لأنه يجر في المسجد، قال: اللهم إلّا أن
__________
(1) أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/8) وعزاه إلى الطبراني في"الكبير"، ورجاله موثقون.
(2) مسند الحميدي: (729، 1219) .

(1/1276)


يخرج رأسه منه فلا حرج إذاً، والله تعالى أعلم. وفي قوله: وليبصق عن/
يساره: دليل على أن المصلى لا يكون عن يساره ملك لا يجد ما يكتب
لكونه في طاعة الله تعالى؛ لأنه عليه الصلاة والسلام علل منع البصاق على
اليمنى لكون الملك هناك وإباحته على اليسار، ومن المعلوم أن هناك ملكا،
وأمّا حديث:"الكرام الكاتبين لا يفارقان العبد إلا عند الخلاء والجماع" (1) .
ضعيف لا يخدش في هذا الدليل، والله تعالى أعلم.
__________
(1) ذكر المصنف ضعفه

(1/1277)


128- باب النهى عن إنشاد الضوال في المسجد
حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع عن أبي سنان سعيد بن سنان عن
علقمة بن مرثد عن سليمان بن يزيد عن أبيه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل: من دعا إلى
الجمل الأحمر فقال النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-:" لا وجدته إنما
بنيت المساجد لما بنيت له". هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه (1) ،
وحديث عمرو بن شعيب تقدّم ذكره، حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب،
أنبأ عبد الله بن وهب، أخبرني حيوة بن شريح عن محمد بن عبد الرحمن
الأسدي أبي الأسود عن أبي عبد الله مولى شدّاد بن الهاد أنه سمع أبا هريرة
يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:"من سمع رجلًا ينشد ضالة في
المسجد فليقل لا رد الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا". هذا حديث
خرجه مسلم في صحيحه (2) أيضا، وزاد الترمذي:"إذا رأيتم من يبيع أو
يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك" (3) . وفي الباب حديث جابر
قال: جاء رجل ينشد ضالة/في المسجد، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لا
وجدت"، رواه النسائي (4) عن محمد بن وهب، ثنا محمد بن سلمة عن أبي
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/80، 81) ، وابن ماجة (ح/765) ، وأحمد (5/
361) ، والترغيب (1/203) ، وإتحاف (5/92) ، وابن أبي شيبة (2/419) ، والبيهقي (2/
447، 6/196، 10/103) ، والكنز (20819) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/79) ، وأحمد (2/349) ، والبيهقي (2/447، 6/
196، 10/102) ، وشرح السنة (2/374) ، وإتحاف (5/92) ، والترغيب (1/202) ، وأذكار
(34) ، وابن ماجة (767) .
(3) صحيح. رواه الترمذي (ح/1321) وقال: هذا حديث حسن غريب. وروى مسلم السطر الثانى منه
في (المساجد، ح/79) . والنسائي في (عمل اليوم والليلة، باب ما يقول لمن يبيع أو يبتاع في المسجد،
(ح/176) ، والدارمي (ح/1401) ، وابن حبان في"موارد الظمآن" (ح/313) ، والحاكم (2/56)
وقال: صحيح على شرط مسلم. وأقره الذهبي. والطبراني في"الكبير" (ح/1454) . وانظر الدراية (1/
289) . وصححه الشيخ الألباني. صحيح الجامع (1/217) .
(4) صحيح. رواه النسائي (2/48) ، وأحمد (5/361) ، والبيهقي (2/196؛ 447؛10/103)

(1/1278)


عبد الرحيم، حدثني زيد عن أبي الزبير عنه، وحديث جبير بن مطعم قال:
"نهى رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- أن ينشد في المسجد
الضالة" (1) . رواه أبو نعيم من حديث سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق
قال: حدّثنى أبي عنه وحديث ابن مسعود:"وسمع رجلًا ينشد ضالة في
المسجد فغضب وسبه فقال رجل: ما كنت فحاشًا قال: إنا كنا نؤمر
بذلك" (2) . رواه ابن خزيمة، وصحيحه في حديث عاصم عن أني عثمان عنه،
وحديث أنس بن مالك أنّ رجلا دخل المسجد ينشد ضالة، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لا وجدت" (3) . رواه أبو قرّة موسى بن طارق السلمي في سننه عن
موسى بن عقبة عن عمرو بن أبي عمرو وعنه يقال: نشده الضالة إذا طلبتها
وأنشدتها إذا عرفتها هذا هو الفصيح، وحكى اللحياني في نوادره نشدت
الضالة نشدة ونشدة وينشد أنا أي: طلبتها، وأنشدتها، ونشدتها إذا عرفتها،
وقال الأصمعي: في كل شيء رفعت به صوتك فقد أنشدت به ضالة كانت
أو غيرها، وفي المجراد: الكراع نشدت الضالة طلبتها، وأنشدتها بالألف عرفتها
لا غير، وكذا قال أبو عبيد في الغريب المصنف وأنشد بيت ألي داود، ويصح
أحيانًا كما أسمع المضل لصوت ناشد، كذا ذكره، ولم أجده في نسختي من
شعر أبي داود التي هي بخط ابن الطبال، قال الأصمعي: يقال في الناشد هنا
أنه المعرف، ويقال ابن الطبال؛ لأنّ المضل يشتهى أن يجد/مضلًا مثله ليتعزى
به، وفي المحكم أنشدها اضطر شدّ عنها زاد القاضي أن نشدتها نشدا، وأنا
__________
وابن أبي شيبة (2/419) ، والمجمع (2/24) وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط" ورجاله
ثقات، ورواه البزار بإسناد ضعيف. وإتحاف (5/93،92) ، والبخاري في"التاريخ الكبير"
(1/112) ، وأبو حنيفة (442،438،1) .
(1) ضعيف. بنحوه. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/25) ، وعزاه إلى الطبراني في
"الكبير"من حديث ابن مسعود، وابن سيرين لم يسمع من ابن مسعود.
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/25) ، وعزاه إلى الطبراني في"الكبير"
وابن سيرين لم يسمع من ابن مسعود.
(3) تقدم الحاشية رقم (4) السابقة.

(1/1279)


ناشد، واًنشدتها إنشادا، وأنا منشد، وأما من قال في بيت أبي داود أنه
العرف، فليس كذلك؛ وإنما هو الطالب، واستدل قوم على أن المنشد الطبال
بقوله عليه السلام وذكر مكة شرّفها الله تعالى، ولا تحل لقصتها إلّا المنشد،
قالوا: معتاد لا تحل لقطتها إّلا لطالبها وهو ربها وهؤلاء يصح الأعلى ما
ذكرنا؛ لأنّ الطالب إنما يقال له ناشد، ولا يقال له ينشد فدل على ذلك قوله
عليه السلام، وسمع رجلا ينشد ضالة في المسجد أيّها المسجد غيرك الواجد،
ومعنى الأول عند بعض اللغويين: أن لقطة مكة لا تحل أبدا، فكان قوله لا تحل
لقطتها يريد ألبتة فلقن إلّا المنشد وهو يريد المعنى الأول، ومثل هذا يقول
الرجل: والله لا أكلمك فيقول الآخر: إن شاء الله تعالى، فيقول ذلك وهو لا
يريد فينفسخ يمينه، ولكن لقِّن شيئا فلقّنه، ومعناه: لا تحل للملتقط منها إلّا
إنشادها، وذكر بعضهم أنّ معناه لا تحل إلّا لعرف بها، وهذا لا فضل فيه لمكة
إذ كلّ لقطة لا تحل حتى يعرف بها، والأول أحسن، وأمره عليه الصلاة
والسلام بأن يقال: ثنا ذلك عقوبة له على مخالفته، وعصيانه، وفعله بما نهى
عنه من ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

(1/1280)


129- باب الصلاة في أعطان الإِبل
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون، وثنا أبو بشر بكر، ثنا
يزيد/بن زريع قالا: ثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إن لم تجد إلّا مرابض الغنم، وأعطان الإِبل" (1) ،
هذا حديث قال فيه أبو عيسى: حسن صحيح، وخرجه ابن حبان (2) في
صحيحه عن أبي يعلي، ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا ابن زريع، وثنا
إسحاق، ثنا يزيد بن نصر، أنبأ عبد الله بن المبارك عن هشام عن ابن سيرين
عنه زاد أبو عبد الله الحاكم في تاريخ نيسابور من حديث أبي حيان عن أبي
زرعة عنه مرفوعا: " الغنم من دواب الجنة فامسحوا رعاتها وصلّوا في
مرابضها " (3) ، وفي كتاب البزار:"أحسنوا إليها وأميطوا عنها الأذى فإنّها
من دواب الجنة"، قال البيهقي: روى عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا وهو
أصح.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا هشيم عن يونس عن الحسن عن عبد
الله بن معقل المزني: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"صلّوا في مرابض الغنم، ولا
تصلوا في أعطان الإِبل فإنها خلقت من الشياطين" (4) . هذا حديث إسناده
صحيح متصل، قال البيهقي: كذا رواه جماعة عن يونس بن عبيد، وقال
يزيد بن زريع عن يونس: كذا روى، ولم يذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورواه النسائي
عن عمرو عن يحيي عن أشعث عن الحسن مرفوعا، وفي حديث ابنه كرير
__________
(1) رواه الترمذي: (ح/348) وقال:"هذا حديث حسن صحيح".
(2) روا. ابن حبان: (335) .
(3) الكنز (35229) ، والخطيب في"تاريخه" (7/432) ، والعلل (380) .
(4) صحيح. رواه الترمذي (ح/348) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة (ح/
769) ، في الزوائد: إسناد المصنف فيه مقال، وأصل الحديث رواه النسائي مقتصرا على النهي
عن أعطان الإِبل. وأحمد (2/509، 4/86، 150، 352،5/57،55) ، والطبراني 1/176،17
340) ، وللشكاة (739) ، وابن أبي شيبة (1/384) ، وأبو عوانة (2/401) ، والتمهيد (5/
303) ، والكنز (19172، 19174) ، والمعاني (1/384، 14/149) .

(1/1281)


عن الحسن عند البيهقي مرفوعا:"إذا أدركتم الصلاة وأنتم في أعطان الإِبل
فاخرجوا منها فإنها جنّ من جنّ خلقت ألا ترى أنها إذا نفرت كيف تمسح
بأنفها؟ " (1) ، ورواه أبو نعيم الفضل بن المبارك بن فضالة عن الحسن مرفوعا،
وفي مسند ابن وهب مسند منقطع:"نهى أن/يصلى في معاطن الإِبل" (2)
زاد"كان يصلى في مراح البقر والغنم" (3) .
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن الحباب، ثنا عبد الملك بن الربيع بن
سبرة بن معبد الجهني قال: أخبرني أبي عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"لا
يصلى في أعطان الإِبل، ويصلى في مراح الغنم" (4) . هذا حديث إسناده
صحيح، على ابن سير مسلم وقد تقدّم في كتاب الطهارة جملة من معنى هذا
الحديث، وكذا حديث أنس في بنيان المسجد، وفيه:"كان يصلى في
مرابض الغنم" (5) في كتاب الصلاة، وحديث عقبة بن عامر يرفعه:"صلوا
في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل"، قال أبو القاسم: لا يروى عن
عقبة إلّا بهذا الإِسناد، تفرد به ابن وهب، يعني: عن عاصم بن حكم عن إلي
عمرو الشيباني عن أبيه عنه، وحديث ابن عمر ويرفعه:"لا تصلوا في
أعطان الإبل وصلوا في مراح الغنم" (6) ، وقال: لم يروه عن هشام بن عروة-
يعني: عن أبيه- إلّا يونس بن بكير، قال الشّافعي- رحمه الله تعالى-: تجوز
__________
(1) رواه البيهقي: (2/449) .
(2) رواه أحمد (3/405) ، والدارقطني (1/267،265، 275، 276) ، وابن عدي في"الكامل"
(3) صحيح. رواه البيهقي (2/449) ، والكنز (19176) ، وصححه الشيخ الألباني.
الصحيحة: ح/1128) .
(4) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/770) ، وابن أبي شيبة (14/150) ، والكنز (19171) ،
وعبد الرزاق (1595) . وصححه للشيخ الألباني.
(5) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/117) ، ومسلم في (المساجد، باب"1"رقم
"10" (، والترمذي (ح/350) ، وصححه. وأحمد (2/178، 3/131) ، والبيهقي (2/438)
والمجمع (2/26) ، وأبو عوانة (1/396) ، وابن أبي شيبة (1/385) .
(6) رواه الطبراني: (7/136) .

(1/1282)


الصلاة في الموضع الذي يقع عليه اسم مراحها الذي لا بعد فيه ولا بول
وأكره له الصلاة في أعطان الإِبل، وإن لم يكن فيها قدر فإن صلّى أجزاه كان
النبي- عليه الصلاة والسلام- يُصلِّي فمر به شيطان فخنقه حتى وجد برد
لسانه على يده، ولم يفسد ذلك صلاته، وقد صلى النبي- عليه السلام-
إلى بعير، وهذا وإن لم يكن صلاة في موضع الإِبل فهي صلاة تقرب الإِبل،
وكانت جائزة بطهارة المكان كما كره الصلاة قرب الشيطان في موضع ومر
به الشيطان في حين آخر فلم يفسد صلاته، وزعم القرطبي: أنّ الصلاة
كرهت في المعاطن، وهي موضع إقامتها/عند الماء واستيطانها تفردها وبيتها
أولا فإنهم كانوا يختلفون بينها مستترين بها أو لخوف نفارها فيذهب خشوع
المصلي، وزعم ابن حزم: أن الصلاة في المعاطن لا تحل، فإن كان لرأس أو
الرأسين فالصلاة فيه جائزة، وإنّما تحرم الصلاة إذا كان لثلاثة فصاعدا، قال ابن
سيده: والعطن للإبل كالوطن للناس، وقد غلب على مبركها حول الحوض،
والجمع أعطان، وعطنت، ويعطن عطونا فهي عواطن وعطون، ولا يقال إبل
عطان وأعطنها جلسها عند الماء فبركت بعد الورد، قال لبيد: عافتا الماء فلم
يعطها، إنّما يعطن أصحاب العلل، والاسم: العطنة، وأعطن القوم عطت إبلهم،
وقوم عطان، وعطون، وعطنة نزلوا في أعطان الإبل، وقول أبي محمد
الحديلي: وعطن الدبان في قمقامها لم يفسده ثعلب، وقد يجوز أن يكون
عطن اتخذ عطنا كقولك عشعش الطائر إذا اتّخذ عشا، وفي الجامع قال
الخليل: العطن ما حول البئر والحوض من مبارك الإبل ومناخ القوم، وقالوا:
كل للمبارك ماء، وقال: لا تكون الأعطان إلّا على الماء، وفي غيره المأوى
والمراح.

(1/1283)


130- الدعاء عند دخول المسجد
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل بن إبراهيم وأبو معاوية عن ليث
عن عبد الله بن الحسن عن أمه عن فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل المسجد قال:"بسم الله والسلام على رسول الله
اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك"/وإذا خرج قال:"بسم
الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك" (1) .
هذا حديث لما رواه أبو عيسى عن علي بن حجر عن إسماعيل بلفظ: إذا
دخل المسجد صلى الله عليه وآله وسلم- قال ابن حجر: قال إسماعيل:
فلقيت عبد الله بن الحسن بمكة فسألته عن هذا الحديث فحدثني به فقال:
كان إذا دخل قال:"رب افتح لي باب رحمتك، وإذا خرج قال: رب افتح
لي باب فضلك" (2) ، قال: وحديث فاطمة حديث حسن، وليس إسناده
بمتصل وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى، إنّما عاشت فاطمة بعد
النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أشهرًا، وذكر الإسماعيلي في كتاب
مسند فاطمة- رضي الله تعالى عنها- أنّ سعيد بن الحسن رواه عن عبد
الله بن الحسن بلفظ:"إذا دخل المسجد حمد الله وسمى"، وقال:
"الحمد لله". قال: ورواه عنه أيضًا قيس بن الربيع، وعاصم بن سليمان
بلفظ: إذا دخل المسجد قال:"السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك"، وإذا خرج قال:"السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رزقك" (3) ،
ورواه الدراوردي فأرسله عن فاطمة بنت حسن أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لابنته
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/771) ، وأحمد (6/282) ، وإتحاف (5/91) ، وابن السني
(85) ، والكنز (17962،23109) ، وابن أبي شيبة (10/406) . ورواه الترمذي (ح/
314) . وصححه للشيخ الألباني.
(2) حسن. رواه للترمذي (ح/315) ، وأحمد (6/283) .
(3) الحاشية قبل السابقة.

(1/1284)


فاطمة:"إذا دخلت المسجد فقولي: بسم الله اللهم اغفر لي ذنوبي وسهّل
لي أبواب رحمتك، وإذا خرجت فقولي: بسم الله الحمد لله اللهم اغفر لي
ذنوبي، وافتح لي/أبواب رزقك " (1) . قال الإسماعيلي: قال شيخنا المنسي:
رواه صالح بن موسى الطلحي عن عبد الله بن حسن عن أمّه قاطمة عن ابنها
كن علي، ورواه روح بن القاسم عن عبد الرحمن بن الحسن عن أمه فاطمة
مرسلا، وفي كتاب العلل عن أحمد، قال عبد الله: حديث أبي بحديث
حسان بن إبراهيم الكرماني عن عاصم عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة
بنت حسين بن علي عن أمها قاطمة الحديث فقال أبي: ليس هذا من حديث
عاصم هذا من حديث ليث، وقال الدارقطني في كتاب العلل: وحدّثنا به ابن
صاعد، ثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي، ثنا سعيد بن الحمصي عن عبد الله بن
الحسن فذكره. حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي،
وعبد الوهاب بن الضّحاك قالا: ثنا إسماعيل بن عياش عن عمارة بن غزية عن
ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد عن سويد الأنصاري عن
أبي حميد الساعدي: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إذا دخل أحدكم المسجد
فليسلم ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إنِّي
أسألك من فضلك" (2) . هذا حديث إسناده ضعيف، لضعف ابن عياش، وهو
في صحيح مسلم (3) عن يحيى بن يحيى، ثنا سليمان عن ربيعة عن عبد
الملك بن سعيد عن أبي حميد- أو عن أبي أسيد- إلا أنه لم يقل فليسلم،
وعن حامد بن عمر عن بشر بن المفضل، ثنا عمارة فذكر فيه الشكر والسلام،
ورواه الدراوردي عن أبي داود عن ربيعة عن عبد الملك قال: سمعت أبا
__________
(1) تقدم بنحوه الحاشية رقم (1) السابقة.
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/772) .
وصححه الشيخ الألباني. قلت وقد ذكر المصنف ضعفه؛ لضعف ابن عياش، عالم أهل حمص
صدوق في حديث أهل الشام، مضطرب جدا في حديث أهل الحجاز. قال أحمد: ما روى
عن الشاميين صحيح، وما روى عن الحجازيين فليس بصحيح، وقال ابن حبان: لا يحتج
بحديثه، وضعفه النسائي. ووثقه ابن معين. (الضعفاء الكبير للذهبي: 1/85/697) .
(3) صحيح. رواه مسلم في:) المسافرين، ح/68) ، وأحمد (5/425) ، والنسائي (2/23) ،
والدارمي (2/293) ، وابن كثير (4/275، 6/70) ، وإتحاف (5/90) ، والكنز
(20784، 20788) .

(1/1285)


حميد أو أبا أسيد لما سئل أبو زرعة عنه/قال: اختلف على ربيعة؛ فروى
بشر بن المفضل عن عمارة عن غزية عن أبي حميد عن أبي أسيد عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورواه سليمان بن بلال عن ربيعة عن عبد الملك بن سعيد عن أبي
حميد، وأبي أسيد عن النبي، كلاهما أصح، قال ابن أبي حاتم: لم يكن
اخرج أبو زرعة من حالف بشرًا عن عمارة، وأجر أنه لم يكن وقع عنده، أنبأ
يونس قراءة عليه عن ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن عمارة عن
ربيعة عن عبد الملك بن سعيد عن أبي حميد، وأبي أسيد، كما رواه سليمان
فدلّ أنّ الخطأ من بشر بن المفضل، والله تعالى أعلم. ويشبه أن يكون المجيء
لابن ماجة أن يرويه عن إسماعيل سلامة رواية من الشك، والله تعالى أعلم.
حدثنا محمد بن بشار، ثنا أبو بكر الحنفي، ثنا الضحاك بن عثمان، حدثني
سعيد المقبري عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"إذا دخل أحدكم
المسجد فليسلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا
خرج فليسلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليقل: اللهم أعصمني من الشيطان الرجيم" (1) .
هذا حديث خرجه الحافظان ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، زاد البزار
في آخره:"وليقل: اللهم اعصمني من السوء"، ولفظ الحاكم:"اللهم
أجرني من الشيطان"، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم
يخرجاه، وفي الباب حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:"إذا
دخل أحدكم المسجد فليتعوذ بالله العظيم وبوجهه/الكريم وسلطانه القديم من
الشيطان الرجيم، قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ منى سائر اليوم.
رواه أبو داود بسند صحيح عن إسماعيل بن بشر، ثنا ابن مهدى عن ابن
المبارك عن حيوة بن شريح عن عقبة بن مسلم عنه، وفي كتاب الفضل بن
دكين، ثنا زهير عن أبي إسحاق عن سعيد بن ذي حذان قال: قلت لعلقمة:
ما يقول الرجل إذا دخل المسجد قال: يقول: السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته صلى الله وملائكته على محمد.
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود "ح/465) ، وابن ماجة (ح/737،772) ، في الزوائد: إسناده
صحيح، ورجاله ثقات. والدارمي (1/324) وابن خزيمة (425، 2706) ، والحاكم (1/
207) ، والبيهقي (2/442،441) .

(1/1286)