شرح ابن ماجه لمغلطاي

162- باب الانصراف من الصلاة
حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا أبو الأحوص عن سماك عن قبيصة بن هلب
عن أبيه قال: " أمّنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان ينصرف عن جانبيه جميعا " (1) . هذا
حديث قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل عن أبيه: ورواه عمرو بن قيس عن
سماك بلفظ: " كان ليسلم عن يمينه، وعن يساره " (2) . ولم يتابع عليه إنَّما
كان يفعل عن يمينه، وعن شماله، وقد سبق في باب وضع اليمن على
الشمال وأنَ جماعة صححوه. حدثنا علي بن محمد ثنا وكيع وثنا أبو بكر
ابن خلاد ثنا يحيى بن سعيد قالا: ثنا الأعمق عن عمارة عن الأسود إن
عبد الله قال: " لا يجعل أحدكم للشيطان في نفسه جزاء برى أنّ حقًا لله
تعالى عليه أن لا ينصرف إلّا عن يمينه، قد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر انصرافه
عن يساره " (3) . هذا حديث خرجاه في صحيحيهما. حدثنا بشر بن هلال
الصواف ثنا يزيد بن زريع عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جدّه قال: " رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينفتل عن يمينه وعن يساره في
الصلاة " (4) . هذا حديث إسناده صحيح أبي عمرو، وقد تقدَّم الخلاف في
الاحتجاج بعمرو في أوائل الصلاة. حدثنا أبو بكر/بن أبي شيبة ثنا أحمد بن
عبد الملك بن واقد ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن هند بنت الحرث
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/929) ، وصححه الشيخ الألباني.
(2) تقدم، وهو حديث صحيح. رواه أبو داود (ح/996) ، والترمذي (ح/295) ، والنسائي
(3/61، 63) ، وأحمد (1/444، 5/390، 480) ، والطبراني (10/152، 153، 154) ، وشرح
السنة (3/205) ، وابن أبي شيبة (1/298) ، والكنز (22382) ، ومعاني (1/267) ، والمجمع
(2/146) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الآذان باب " 159 " ح/852) ومسلم في
(المسافرين، ح/59) ، وابن ماجة (ح/930) ، والدارمي (ح/1350) .
(4) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/931) . في الزوائد: رجاله ثقات. احتج مسلم برواية ابن
شعيب عن أبيه عن جدها فالإسناد عنده صحيح.

(1/1578)


عن أم سلمة قالت: لا كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سلم قام النساء حتى بقضي
تسليمة ثم يلبث في مكانه يسيرًا قبل أن يقوم " (1) . هذا حديث خرجه
البخاري في صحيحه، وفي لفظ عنده: " كان يسلم فينصرف النساء فيدخلن
بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". وفي الباب حديث أنس بن
مالك من عند مسلم قال: " أكسر هما رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ينصرف عن
يمينه " (2) .، وفي لفظ: " لا تسبقوني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالقيام،
ولا بالانصراف فإنى أراكم أمامي " (3) ، وقال مالك: لا يثبت الإمام بعد
سلامه، وقال أشهب: له أن ينِتقل من موضعه، وقال أبو حنيفة: كل صلاة
ينتقل بعدها يقوم ومالا نافلة بعده كالعصر والصبح لا يقوم، قال محمد:
ينتقل في الصلوات كلها ليتحقق المأموم أنه لم يبق عليه من سجوده سهو ولا
غيره، وقال الشافعي: يستحب له أن يثبت ساعة.
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/212، 220) ، وابن ماجة (ح/932) ، وأحمد (6/296) ،
وإتحاف (3/209) .
(2) صحيح. رواه مسلم في: المسافر، (ح/60) ،.
(3) رواه أحمد في " المسند " (3/154، 254) ، والكنز (20497) .

(1/1579)


163- باب إذا حضرت الصلاة ووضع العشاء
حدثنا هشام بن عمار ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس بن مالك
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا
بالعشاء " (1) . هذا حديث خرجاه في الصحيح بلفظ: " إذا قدم العشاء
فأبدعوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم " (2) . وعند
البستي: " إذا قرب العشاء وأحدكم صائم فليبدأ به قبل صلاة المغرب، ولا
تعجلوا عن عشائكم " (3) . وفي لفظ: " فليبدأ/بالعشاء قبل صلاة المغرب ".
ولما ذكره الدارقطني قال: ولو لم تصح هذه الزيادة مكان مظن سببًا من قاعدة
الشرع إلا من حضور القلب في الصلاة والإقبال عليها، وفي الأوسط: لم
يقل فيه وأحدكم صائم إلا عمرو بن حرث تفرد به موسى بن أعين. حدثنا
أزهر بن مروان ثنا عبد الوارث ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذا وضح العشاء وأقيمت الصلاة فأبدعوا بالعشاء " (4) . قال
ابن عمر: ليلة وهو يسمع الإقامة: هذا حديث خرجاه أيضًا بلفظ: " ولا
تعجل حتى يفرغ منه ". وفي لفظ عند البخاري: " إذا كان أحدكم على
الطعام فلا يعجل حتى يفرغ منه " (5) . وفي لفظ عند البخاري: " إذا كان
أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه، وإن أقيمت
الصلاة " (6) . حدثنا سهيل بن أبي سهل ثنا ابن عيينة وثنا على بن محمد ثنا
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/933، 934) ، والخطيب (8/167، 11/18) ، ومشكل
(2/400، 401) ، وابن عساكر في " التاريخ " (3/141) ، وإتحاف (3/93) ، والفتح (2/
159) ، والحميدي (181) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/171) ، ونصب الراية (1/231) ، والخطيب (3/
72) ، وإتحاف (3/93) ، ومسلم في (المساجد، ح/64) ، وفي لفظ مسلم " إذا قرب ".
(3) رواه أحمد (2/148) ، وأبو عوانة (2/15) ، وعبد الرزاق (2189) ، والكنز (20045،
20058) ، والفتح (2/159) .
(4) الحاشية رقم " 1 " السابقة.
(5) صحيح. رواه البخاري (1/172) ، والبيهقي (4/269) ، ومشكل (2/401) .
(6) المصدر السابق.

(1/1580)


وكيع عن هشام عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا حضر
العشاء، وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء " (1) . هذا حديث خرجاه أيضا في
صحيحيهما، وفي البخاري، وقال أبو الدرداء: " من فقه المرء إقباله على
حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ " (2) . وفي الأوسط للطبراني عن أبي
هريرة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة فابدءوا
بالطعام " (3) ، وقال: لم يروه عن سهيل عن أبيه إلا زهير تفرد به إسماعيل بن
عمرو، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن ابن أبي شيبة عن ابن علية عن ابن
إسحاق: ثنا عبد الله بن رافع عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا
حضر/العَشاء وحضرت العِشاء فأبدعوا بالعَشاء " (4) . وعن هاشم/بن قاسم
عن أيوب بن عتبة عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول: " إذا حضرت الصلاة والعشاء فابدءوا بالعشاء " (5) . وقال الطبراني: لا
يروى عن سلمة إلّا بهذا الإسناد تفرد به أيوب، وفي المصنف عن عبد
الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا حضر العشاء
وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء " (6) وعن وكيع عن مسعر عن أبي عاصم عن
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح/671) ، ومسلم في (المساجد ح / 64) ، والترمذي
(ح/353) ، والنسائي (2/111) ، وابن ماجة (ح/935) ، وأحمد (3/110، 231) ،
والدارس (ح/1280) ، وعبد الرزاق (167) ، وابن خزيمة (934، 1651) ، وشرح السنة (3/
355) ، ونصب الراية (2/101) ، ومشكل (2/401) ، والخطيب (8/101، 147) ،
وتلخيص (2/232) ، والحلية (8/212) ، والمغني عن حمل الأسفار (1/157، 175) ،
والمجمع (2/36، وإتحاف (3/89، 93، 181) ، والتمهيد (6/320) ، وابن عدي في
" الكامل " (3/1157) .
(2) صحيح. رواه البخاري في: الأذان، باب " 42 ".
(3) تقدم قريبًا. (4) رواه ابن عدي: (1/345) ،.
(5) رواه أحمد (6/303، 314) ، والفتح (2/164) ، وأزهر (33) ، والكنز (20057) ،
وابن عدي في " الكامل " (2/486) .
(6) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/64) ، والترمذي (353) ، والنسائي (2/111) ، وأحمد (3/
110، 231) ، والدارمي (1/293) ، وعبد الرزاق (167) ، وابن خزيمة (934، 1651) ، وشرح السنة
(3/355) ، ونصب الراية (2/101) ، ومشكل (2/401) ، الخطيب (8 / 101، 147) ، وتلخيص
(2/232) ، والتمهيد (6/320) ، وابن عدي في " الكامل " (3/1157) .

(1/1581)


يسار بن زهير قال: قال عمر بن الخطاب: " إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة
فابدءوا بالعشاء " قال ابن المنذر: قال فظاهر هذا (1) ابن عمر والنووي وأحمد
وإسحاق، وزاد القرطبي: وأبو الدرداء وابن حبيب المالكي، وزعم الثوري أنَّ
هذه الكراهة عند جمهور العلماء إذا صلى كذلك، وفي الوقت سعة فإن خاف
بحيث لو أكل خرج وقت الصلاة صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت،
ولا يجوز تأخيرها، وحكى المتولى وها أنه لا يصلى بحال بل يأكل وإن خرج
الوقت وإذا صلى على حاله، وفي الوقت سعة فقد ارتكب المكروه وصلواته
صحيحة عندنا وعند الجمهور ولكن يستحب إعادتها ولا يجب، وقال ابن
الجوزي: وهذا إنما ورد في حق الجائع الذي قد تاقت نفسه إلى الطعام، وقد
ظنّ قوم إن هذا من باب تقديم حق العبد على حق الحق تعالى، وليس كذلك
فإنما هو صيانة لحق الحق ليدخل العبد في العبادة بقلب غير مشتاق له، وعن
ابن المنذر، قال مالك: يبدأ بالصلاة إلّا أن يكون طعامًا خفيفًا، وقال ابن حزم:
فرض على العبد البداءة بالأكل ولو خشى فوات الوقت، وزعم ابن حبان: أنه
من الأعذار التي يباح فيها ترك حضور الجماعة، فإن قيل: قد روى أبو داود/
عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تؤخر الصلاة لطعام ولا لغيره " (2) .
قيل له: هذا حديث ضعيف؛ لاًن في سنده محمد بن ميمون الزعفراني
ومعلى بن منصور وهما ضعيفان، وقال ابن شاهين: كل منهما له معنى إذا
وجبت لا تؤخر وإذا كان الوقت ضيقا بدأ بالعشاء.
__________
(1) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".
(2) ضعيف. رواه أبو داود (ح/3758) .

(1/1582)


164- باب الجماعة في الليلة المظلمة الطيرة
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن خالد الحذاء عن
أبي المليح قال: خرجت في ليلة مطيرة فلما رجعت استفتحت فقال لي: من
هذا؟ قال: أبو الملح، قال: لقد رأيتنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الحديبية
وأصابتنا سماءكم قبل أسافل نعالنا فادى منادى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلوا في
رحالكم " (1) . هذا حديث خرجه أبو حاتم بن حبان في صحيحه، وكذلك
ابن خزيمة، وفي لفظ عند ابن خزيمة: أن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يوم حنين في
يوم مطير ... " الحديث، وفي الأوسط: غزوت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنينا سنة
ثمان من رمضان فوافق يوم الجمعة يوم مطير فأمّ المنادى الحديث، وقال لم
يروه عن أبي معاوية العباداني يعني عن أبي المليح إلا علي بن الجعد، ومن
حديث أشعث بن سوار عن الحذاء عن أبي المليح: " لقد رأيتني مع النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمان الحديبية ... " الحديث، وقال: لم يروه عن أشعث إلّا عبد الرحيم بن
سليمان، ولم يذكر أشعث في حديثه أبي قلابة، ورواه الثوري عن خالد عن
أبي قلابة عن أبي المليح عن أبيه. حدثنا/ْ محمد بن الصباح ابنا سفيان بن
عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينادى
مناديه في الليلة المطيرة والليلة الباردة ذات الريح: ". صلوا في رحالكم " (2) .
هذا حديث خرجاه في صحيحهما، وعن ابن القطان بسند صحيح: إذا كانت
الليلة الباردة المطيرة أهر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منادي أن ينادى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" لا جماعة صلوا في الرحال صلوا في الرحال "، وعند أبي حذيفة: فكانت
ليلة ظلماء أو مطيرة، وفي لفظ: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان إذا سافر ". حدثنا
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود في (الجمعة، باب " لم " والنسائي في (الإيمان، باب " 51 ") ، وابن
ماجة (ح / 936، 938) ، وأحمد (1/277، " / 4، 3/71، 158) ، والطبراني (1/155،
5/277، 11/942) ، والمجمع (2/47) ، وابن أبي شيبة (2/233) ، وابن سعد (2/1/76) ،
والطبراني في " الصغير " (1/228) ، والفتح (2/113) ، وعبد الرزاق (1903، 1924
و1926) ، وابن حبان (439) ، والإرواء (2/339، 343) .
(2) الحديث الأول من الباب.

(1/1583)


عبد الرحمن بن عبد الوهاب ثنا الضحاك بن مخلد عن عباد بن منصور
سمعت عطاء يحدّث عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه قال في يوم جمعة
مطيرة: " صلوا في رحالكم " هذا حديث خرجاه في صحيحيهما بلفظ: أن
ابن عباس قال للمؤذن في يوم مطير: إذا قلت أشهد أن محمدًا رسول الله،
فلا تقل حي على الصلاة: " صلوا في بيوتكم " (1) . قال فكأن الناس استنكروا
ذلك، فقال: أتعجبون من ذلك فقد فعل هذا من هو خير مني، إن الجمعة
عرفة وإنى كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والرحض، وهو عند ابن
ماجة أيضًا بنحوه من حديثه عن أحمد بن عبدة. ثنا عباد المهلبي ثنا عاصم
عن عبد الله بن الحرث بن نوفل عنه، وفي لفظ: " قد فعله من هو خير مني "
يعني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي رواية عند مسلم: " أذّن مؤذن ابن عباس يوم الجمعة
في يوم مطير "، وفي الباب حديث جابر عن عبد الله من عند مسلم: خرجنا
مع رسول الله / في سفر فمطرنا فقال: " يصلى من شاء منكم في رحله " (2) .
وحديث نعيم النحام قال: سمعت مؤذن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة باردة، وأنا في
لحافي فتمنيت أن يقول: صلوا في رحالكم فلما بلغ حي على الفلاح قال:
" صلوا في رحالكم " (3) ، ثم سألت عنها فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أمره بذلك.
وحديث سمرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم حنين في يوم مطير: " الصلاة في
الرحال " (4) ، رواهما أحمد في مسنده. وحديث أبي هريرة قال: " كان
__________
(1) صحيح. أورده الألباني في " الصحيحة " (ح/1910) ، والمذكور في " الفنن " طرفا منه.
وعزاه بلى مسلم (2/187) ، وأحمد (2/ 6، 123) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الأذان، باب " 40 ") ، ومسلم في (المسافرين
ح/25) ، والترمذي (ح/409) ، وقال: هذا حديث حسن صحيِح. وأحمد (3/
312، 327، 397، 5/ 62) .
(3) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/47) ، وعزاه إلى أحمد والطبراني في
" الكبير " وقال: رواه إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد الأنصاري المدني وروايته عن
أهل الحجاز مردودة، ورواه الطبراني من طريق آخر رجالها رجال الصحيح.
(4) رواه أحمد (2/63، 5/13، 15، 19، 22، 74، 75) ، والطبراني (7/241) ، وابن سعد (7/
30) وابن أبي شيبة (2/234) ، وابن خزيمة (1658) ، والفتح (157،2/97) ، والمجمع (2/
47)

(1/1584)


رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة أمر المؤذن فأذَّن الأذان الأول،
فإذا فرغ نادى الصلاة في الرحال أو في رحالكم ". رواه أبو أحمد بن عدي
من جهة محمد بن جابر وفيه ضعيف. وحديث أبي سعيد الخدري من عند
ابن خزيمة في حديث طويل ذكره في باب الأعذار عن التخلف عن الجماعة
فيه قال: " ثم هاجت السماء في تلك الليلة فلما خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برقت
برقة فرأى قتادة بن النعمان قال: " ما اليسرى يا قتادة " قال: علمت يا
رسول الله إنَّ شاهد الصلاة الليلة قليل فأحببت أن أشهدها ... " (1) ، الحديث.
وحديث غسان بن مالك وكان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في
بيتي في مكان اتخذه مصلى فجاءه فقال: " أين تحب أن أصلي ... " (2) .
الحديث ذكره البخاري في باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلى في رحله،
وذكر ابن بطال وغيره: أن فيه إباحة التخلّف عن الجماعة في شدة الظلمة
والمطر وشبهه، وهذا / إجماع، وفيه دلالة أنّ الجماعة سنة والله تعالى أعلم.
(1) لم نقف عليه.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/ 115، 116، 170، 175، 213، 2/ 75، 7/ 94)
ومسلم في (المساجد، ح/263) ، والنسائي (3/65 " والبيهقي (3/53، 71، 87، 96، 10/
124) ، وابن خزيمة (1673،1653، 1709) ، وشرح السنة (2/395) ، والتمهيد (1/1580) ،
وأبو عوانة (1/11، 2/12)

(1/1585)


165- باب ما يستر المصلى
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا عمرو بن عبيد عن سماك بن حرب
عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: كنا نصلى والدواب تمر بين أيدينا فذكر
ذاكر لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " مثل مؤخرة الرجل يكون بين يدي أحدكم
فلا يضرّه من مرّ بين يديه " (1) . هذا حديث خرجه مسلم بلفظ: " إذا وضع
أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرجل فليصل ولا يبال من مرّ من وراء
ذلك " (2) . وفي العلل لعبد الرحمن: قال أبو زرعة: رواه إسحاق الأزرق عن
شريك عن عثمان بن موهب عن موسى قال: وحديث سماك أشبه من حديث
عثمان إلا أن يكون رواه عنهما جميعًا. حدثنا محمد بن الصباح ثنا عبد
الله بن رجاء المكي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: " كان رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج له حربة في السفر فينصبها فيصلى إليها " (3) . هذا حديث
خرجاه في صحيحيهما بزيادة: " والناس ورآها، وكان يفعل ذلك في السفر
فمن ثم اتخذها الأمراء " وفي لفظ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يعرض راحلة
فيصلى إليها " (4) . قيل لها لابن عمر أفرأيت إذا هبت الركاب، قال: " كان
يأخذ الرجل فيعد له فيصلى إلى أخريه أو قال مؤخرة، وكان ابن عمر يفعله ".
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر عن عبيد الله بن عمر قال:
حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبي سلمة عن عائشة: " كان لرسول الله
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/940) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/241) ، والبيهقي (2/269) ، وشرح السنة (2/
449) ، والمشكاة (775) ، والكنز (7/192) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الصلاة، باب " 92،90 ") ، ومسلم في
(العيدين، ح/13، 14، والصلاة، ح/245، 246) ، وأبو داود في (الصلاة، باب " 101 ") ،
والنسائي في (القبلة، باب " 4 ") ، وابن ماجة (ح/941) ، وأحمد (18،2/13، 142) .
(4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/135) ، ومسلم في (الصلاة، ح/247) ، وأحمد
(2/141) ، والبيهقي (2/269) ، وأبو عوانة (2/51) ، والمشكاة (774) .

(1/1586)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حصير يبسطه/بالنهار ويحتجره بالليل يصلى إليه " (1) . هذا حديث
خرجاه أيضًا في كتابيهما، وعند النسائي بسند صحيح: سئل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
غزوة تبوك عن سترة المصلى فقال: " مثل مؤخرة الرجل " (2) . حدثنا بكر بن
خلف أبو بشر ثنا حميد بن الأسود ثنا إسماعيل بن أمية ح وثنا عمار بن
خالد ثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن ابن عمرو بن محمد بن
عمرو بن حريث عن جدّه حريث بن سليم عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه
قال: " إذا صلى أحدكم فيجعل تلقاء وجهه شيئًا، فإن لم يجده فلينصب
عصا، فإن لم يجد فليخط خطًا ثم لا يضره من مرَ بين يديه " (3) . هذا
حديث خرجه أبو حاتم بن حبان في صحيحه، وصححه أيضًا الإِمام أحمد بن
حنبل وابن المديني فيما ذكره عبد الحق، ويشبه أن يكون لما ذكره الخلال في
علله، قال أحمد: الخط ضعيف وأنا أرى من صلى في فضاء أجزأه، قيل له
بأي حديث: قال بحديث ليس بذاك. ثنا شعبة عن الحكم عن يحيى بن الجرار
عن صهيب رجل من أهل البصرة عن ابن عباس: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في
فضاء ليس بين يديه سترة " (4) ، ورواه الحاكم عن يحيى عن ابن عباس لم
يذكر صهيبا، وقال أبو حاتم في العلل: هذا زاد رجلا وهذا ينقص رجلا
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/186) ، ومسلم في (صلاة المسافرين، ح/
215) ، وابن ماجة (ح/942) ، وأصفهان (1/298) .
(2) إسناده صحيح. ورواه النسائي (2/62) ، ومسلم في (الصلاة، ح/242) ، وابن ماجة (ح/940) .
مؤخرة الرجل: الخشبة التي يستند إليها راكب البعير.
(3) ضعيف. رواه أبو داود (ح/689) ، وابن ماجة (ح/943) ، وأحمد (2/249) ، والبيهقي
(2/270) ، وشرح السنة (2/451) ، والمشكاة (781) ، ونصب الراية (2/80) ، والعلل (534) ،
وتلخيص (1/286) ، والمغني عن حمل الأسفار (1/190) ، وابن حبان (408،407) ، والميزان
(1791) ، والكنز (19213) ، والتمهيد (199) ، وضعيف ابن ماجة (ح/196) ، وضعيف أبي
داود (ح/196) . وكذا ضعفه الشيخ الألباني.
(4) حسن. رواه أبو داود (ح/718) ، وتمام لفظه: " أتانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن في بادية لنا
ومعه عباس، فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكلبة تعبثنا بين يديه، فما
بالى ذلك ".

(1/1587)


وكلاهما صحيح، وزعم الدارقطني أنه روى عن أبي هريرة من طرق، قال:
ولا يصح، ولا يثبت، وفال ابن عيينة: لم نجد شيئًا نشد به هذا الحديث ولم
يجيء إلا من هذا الوجه، وكان إسماعيل بن أمية إذا حدث به قال: عندكم
بشيء لتشدوا به، وقال: أشار الشَافعي إلى ضعفه بقوله/في سنن حرملة، ولا
يخط المصلى بين يديه خطا إلا أن يكون ذلك في حديث ثابت يتبع، قال
البيهقي: وإنما توقف الشَّافعي في صحة الحديث لاختلاف الرواة على إسماعيل
في أبي محمد بن عمرو بن حرب، قيل: هكذا، ونقل عن أبي عمرو وابن
محمد بن حريث عن جدّه، وقيل: عن أبي عمرو بن حريث عن أبيه وقيل
عن ذلك، قال البيهقي: ولا بأس به في هذا مثل الحكم، وقال أبو داود:
سمعت أحمد بن حنبل سئل عن وصف الخط غير مرة، فقال: هكذا أعرضا
مثل الهلال، قال أبو داود: سمعت مسددَا يقول: قال ابن داود: الخط بالطول.
وقال ابن عيينة: رأيت شريكا صلى بنا في جنازة العصر موضع قلنسوته
بين يديه يعني في فريضة حضرت، وقال سفيان: عدم هنا رجل بعدما مات
إسماعيل فطلب هذا الشيخ أبا محمد حتى وجده فسأله عنه فاختلط عليه،
وقيل لسفيان: إنّهم يختلفون فيه فقلت: ساعة، ثم قال: ما أحفظ إلّا أبا
محمد بن عمرو، وقال أبو بكر بن العربي: وقال قوم: رأينا أحمد يُحدِّث أبي
هريرة في الخط، واختلفوا في صورة الخط فمنهم من قال: يكون متقوسا
كهيئة محاربنا ومنهم من قال: يكون طولًا من المشرق إلى المغرب، ومنهم
من قال من الشمال إلى الجنوب، وهذا الحديث لو صحّ لقلنا إلَّا أنه معلول فلا
معنى للنصب فيه. وقال لي أبو الوفا بن عقيل، وأبو سعيد البزداني شيخا
مذهب أحمد: يرى أنّ ضعيف الأثر خير من قوي النظر انتهى.
وممن قال به أيضًا: الأوزاعي، وسعيد بن جبير، وأبو ثور، ومسدد وقال
الطحاوي: أبو عمرو، وعمر مجهولان، وفي كتاب التمهيد قال مالك والليث
وأبو حنيفة وأصحابه: الخط ليس بشيء وهو باطل، وفي الباب حديث سبرة/

(1/1588)


ابن معبد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا صلى أحدكم فليستتر لصلاته " (1) .
ذكره الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وأبيِ ذلك ابن القطان وردّه
بعيد الملك بن الربيع. وحديث سهل بن أبي خيثمة من عند أبي داود: " إذا
صلى أحدكم إلى سترة فليدنوا منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته " (2) ، وقال:
رواه واقد بن محمد عن صفوان عن محمد بن سهل عن أبيه أو عن محمد بن
سهل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال بعضهم عن نافع بن جبير عن سهل بن سعد:
وقد اختلف في إسناده، وفي لفظ عنده عن سهل: " كان بين مقام النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين القبلة ممر عنز " (3) وعند الحاكم أيضا من حديث أبي هريرة مرفوعا:
" يجزئ من السترة مثل مؤخرة الرجل، ولم يدق شعرة " (4) . وسيأتي ذكره
من عند مسلم أيضا إن شاء الله تعالى، وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم الفضل
ثنا مسعر عن الوليد بن أبي مالك عن أبي عبيد انتهى به أبي هريرة قال: يتم
المصلى مثل مؤخرة الرجل في مثل جلة السوط، قال أبو بكر: جلة السوط
غلظة، وثنا سفيان عن أبي إسحاق قال: ْ أخبرني المهلب بن أبي صغيرة قال:
أخبرني من سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا كان بينك وبن الطريق مثل مؤخر
الرجل لم يضرّك من مر بين يديك " (5) وثنا أبو خلدة، قال: قلت لأبي
__________
(1) رواه الحاكم: (1/251) .
(2) رواه أبو داود (ح/695) ، وأحمد (2/4) ، والنسائي (2/62) ، والبيهقي (2/272) ،
والطبراني (2/119، 146، 251) ، والمشكاة (782) ، ونسب الراية (2/82) ، وابن حبان
(409) ، والبخاري في " الكبير " (7/290) ، ومشكل (3/251) ، والحلية (3/165) ، والمجمع
(2/59) ، والكنز (19210، 19226) ، والتمهيد (4/195) ، والعقيلي (4/196) . قال أبو
داود عقبة: رواه واقد بن محمد بن صفوان عن محمد بن سهل عن أبيه أو عن محمد بن
سهل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال بعضهم: عن نافع بن جبير عن سهل بن سعد، واختلف في إسناده.
(3) رواه أبو داود (ح/696) .
(4) رواه الحاكم (1/252) ، والكنز (19232) ، وابن عدي في " الكامل " (6/2254) .
(5) رواه عبد الرزاق (2276) ، والكنز (19229) .

(1/1589)


العالية: ما يسترتي قال: طول الرجل والعرض ما اعرض (1) . وحديث أبي
جحيفة: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى هم بالبطحاء، وبين يديه عنزة الظهر والعصر
ركعتين تمر بين يديه المرأة والحمار " (2) . رواه الشيخان في صحيحيهما، وقال
مالك: يجزئ المصلي لم من السترة غلظ الرمح والعصا وارتفاع ذلك قدر
عظم الذراع، ولا تعتد صلاة من صلى إلى غير سترة، وإن كان مكروهًا وهو
قول الشَافعي، وقال أبو حنيفة، والثوري: أقل السترة قدر مؤخرة الرجل،
ويكون ارتفاعها ذراعا وهو قول عطاء، قال أبو عمرو، قال قتادة: ذراع وستر،
وكان الشافعي بالعراق يقول: بالخط، وأبى ذلك بمصر قال: إلا أن يكون من
ذلك حديث ثابت فيتبع، والله أعلم.
__________
(1) بياض " بالأصل ".
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح/499) ، ومسلم في (الصلاة، ح/503) ، وأبو
داود (ح/688) ، والنسائي في (الطهارة، باب الانتفاع بفضل الوضوء) ، والدارمي (ح/
1490) ، وأحمد (4/ 307، 308، 309)

(1/1590)


166- باب المرور ببن يدي المصلى
حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان بن عيينة عن سالم أبي النضر عن بشر بن
سعيد قال: أرسلوني إلى زيد بن خالد أسأنه عن المرور بين يدي المصلى،
فأخبرني عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لاًن يقوم أربعن خير له من أن يمر بين
يديه " (1) . قال سفيان: فلا أدري أربعين سنة، أو شهرَا، أو صباحَا، أو ساعة.
هذا حديث قال أبو عمر في التمهيد: رواه ابن عيينة مقلوبَا فجعل في موضع
زيد أبا جهيم زيد، والقول عندنا قول مالك، وقد تابعه الثوري وغيره، ولما
ذكر ابن القطان رواية البزار عن شبر، قال: أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد
أسأله عن الماء قال: قد خطىء فيه ابن عيينة، وليس خطىء بمتعين لاحتمال أن
يكون أبو جهيم بعث بشر إلى زيد، وزيد بعثه إلى أبي جهيم يسأله فيما
عنده، وخبر كلِّ واحد منهما محفوظ فشكً أحدهما، وجزم الآخر بأربعين
خريفَا يعني الذي في حديث البزار، واجتمع ذلك كلّه عند أبي النضر. قال
ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد ثنا وكيع بن سفيان عن سالم عن بشر بن
سعيد أن زيد بن خالد أرسل/إلى أبي جهيم يسأله ما سمعت من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول: " لو يعلم أحدكم ماله أن يمر بين يدي أخيه، وهو يصلي كان لأن
يقف أربعين، قال: لا أدري أربعين عاما، أو أربعن شهرَا، أو أربعين يومَا، خير
له من ذلك " (2) . هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم. حدثنا أبو
بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب عن عمه
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو يعلم أحدكم ماله من أن يمر
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/944) ، وأحمد (4/117) .
وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/136) ، ومسلم في (الصلاة، ح/261) ، وأبو
داود (ح/701) ، والترمذي (ح/336) ، والنسائي في (القبلة، باب " 8 ") ، وأحمد (4/169) ،
والبيهقي (2/268) ، والمجمع (2/61) ، والمشكاة (776) ، وأبو عوانة (2/44) ، وحبيب (1/
50) ، وتلخيص (1/286) ، وشرح السنة (2/454) ، والترغيب (1/376) ، وتجريد (140) ،
والمغني عن حمل الأسفار (1/183) ، والموطأ (154) .

(1/1591)


بين يدي أخيه معترضا في الصلاة كان، لأن يقيم مائة عام خير له من الخطوة
التي خطاها " (1) . هذا حديث إسناده صحيح على رسم البستي عبد الله بن
عبد الرحمن، وثقة يحيى في رواية إسحاق، وذكره ابن حبان وابن شاهين في
الثقات، وخرج حديثه في صحيحه، وقال ابن عدي: حسن الحديث، يكتب
حديثه، وقال الرازي: صالح الحديث، وعمه عبيد الله بن عبد الله بن موهب
أبو يحيى التيمي، ذكره ابن حبان البستي في كتاب الثقات، وزعم
الطحاوي: أن حديث أبي هريرة هذا متأخّر عن حديث أبي جهيم، قال:
وأولى الأشياء منّا أن نظنه بالله تعالى للزيادة في الوعيد للعاصي المار بين
المصلى لا التخفيف، وفي الباب حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الذي يمر بين يدي المصلى عمدا يتمنى يوم القيامة
أنه شجرة بالية " (2) . ذكره أبو القاسم في الأوسط، وقال: لا يروى هذا
الحديث عن عبد الله بن عمرو، تفرد به ابن وهب، يعني عن عبد الله بن
عياش عن أبي رزين الغافقي عنه، وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم: ثنا سليمان
أظنه/عن حميد بن هلال قال: فال عمر بن الخطاب: " لو يعلم المصلى ما
ينقص من صلاته، ما صلى أحدكم إلا إلى شيء يستره من الناس " (3) ، وفي
المصنف عن عبد الحميد عامل عمر بن عبد العزيز، قال عليه السلام: " لو
يعلم المار بين يدي المصلى لأحب أن ينكسر فخذه، ولا يمر بين يديه " (4) .
وعن ابن مسعود: " المار بين يدي انقص من الممر عليه، وكان إذا مر أحد
بين يديه التزمه حتى يروه ويقول: أنه ليقطع نصف صلاة المرء
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/946) . في الزوائد: في إسناده مقال؛ لأن عم عبيد الله بن
عبد الرحمن، اسمه عبيد الله بن عبد الله، قال أحمد بن حنبل: أحاديثه مناكير. ولكن ابن
حبان خص ضعف أحاديثه بما إذا روى عنه ابنه. والمشكاة (787) ، والتعليق الرغيب (1/
194،193) ، وصحيح أبي داود (698/ تحت الحديث الذي قبله) ، وضعيف ابن ماجة (ح/
197) .
(2) رواه الطبراني في " الأوسط ": (1/150) .
(3) لم نقف عليه.
(4) رواه ابن أبي شيبة: (1/282) .

(1/1592)


المار بين يديه ". قسم بعض الفقهاء المرور بين يدي المصلى على أربع صور:
الأول: أن يكون للمار من وجه من أن يمر بين يدي المصلى، ولم يتعرض
المصلى كذلك قالا: ثم في هذا خاص بالمار. الثاني: يكون المصلى قد تعرض
للمرور المار ليس له مندوحة عن المرور قالا: ثم خاص في هذا بالمصلى.
الثالث: أن يتعرض المصلى للمرور، ويكون للمار مندوحة فيأثمان. الرابع: أن
لا يتعرض المصلى ولا يكون للمار مندوحة فلا إثم عليهما، وهذا كله إنّما يأثم
مرتكبيه مع العلم بالنهى لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو يعلم المار ".

(1/1593)


167- باب ما يقطع الصلاة
حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله
عن عبد الله بن عباس قال: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى بعرفة فجئت أنا
والفضل على أتان فمررنا على بعض الصف فنزلنا عنها وتركناها ثم دخلنا في
الصف فنزلنا عنها " (1) . هذا حديث خرجه الستة، وعند أبي داود عن ابن
عباس بسند صحيح: " جئت أنا وغلام من بنى عبد المطلب على حمار،
ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/يصلي، فنزلنا وتركنا الحمار أمام الصف فما بالاه، وجاءت
جاريتان من بني عبد المطلب اقتتلتا، فأخذهما فنزع أحديهما من الأخرى فما
بالا ذلك " وعند النسائي: " فأخذتا بركبتي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ففرغ بينهما ولم
ينصرف ". وفي لفظ: " فلم يقل لفظ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا ". وفي لفظ
لمسلم: " وفي لفظ آخر في حجة الوداع أو يوم الفتح، وعند البخاري: " إلى
غير جدار " وعند الطبراني من حديث ابن عباس قال: " كان الفضل
يكرمني فكان يردفني فأكون بين يديه فارتدفت أنا وأخي حمارة، فانتهينا إلى
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي بالناس بعرفة، فنزلنا بين يديه فصلينا، وتركاه يرعى بين
يديه فلم يقطع صلاته " (2) . وقال: لم يروه عن الحكم عن مجاهد إلا
إسماعيل بن مسلم، وعنده أيضًا: " ومما رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، والحمر
تعترك بين يديه ". وقالا: لا نعلمه يروى إلا عن ابن عباس، وروى عنه من
غير وجه بألفاظ مختلفة، وعند ابن خزيمة: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي
بالناس (3) ، فجاءت جاريتان من بنى عبد المطلب اقتتلتا ففرغ النبي بينهما ثم ما
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (العلم، باب " 18 "،، والصلاة، باب " 9 "،
والأذان، باب " 161 ") ، ومسلم في (الصلاة، ح/254) ، وأبو داود في (الصلاة، باب
" 112 ") ، والنسائي في (القبلة، باب " 7 ") ، ومالك في (السفر، ح/38) ، وأحمد (1/
219، 464، 327، 342، 365) .
الأتان: الأنثى من جنس الحمير.
(2) قوله: " صلاته " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(3) قوله: " بالناس " سقطت من " الأصل " وكذا أثبتناه.

(1/1594)


قالا ذلك "، وقال أبو داود: " فنزع إحداهما من الأخرى " (1) . حدثنا أبو
بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع عن أسامة بن زيد عن محمد بن قيس هو قاضى
عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن أمه عن أم سلمة قالت: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يصلى في حجرة أم سلمة فمرَّ بين يديه عبد الله أو عمر بن أبي سلمة، فقال
بيده فرجع، فمرَّت زينب بنت أم سلمة، فقال بيده هكذى، فمضت، فلما
صلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: هذا غلب " (2) هذا حديث/قال ابن الحصار في
كتابه تقريب المدارك: صححه شيخنا أبو محمد عبد الحق، وعاب أبو
الحسن بن القطان عليه سكوته عنه، أورده في مصنف وكيع، وقال: أم محمد
لا تعرف ألبتة، فأمّا ابنها فإني لا أعرف من هو من جماعة مسمين بهذا
الاسم، وهي هذه الطبقة فالحديث على هذا ضعيف انتهى كلامه، وفيه نظر؛
من حيث قوله في محمد لا أعرف من هو؛ لما بيّنه ابن ماجة من أنّه قاضى
عمر بن عبد العزيز أبو عثمان، وقيل: أبو نعيم، وقيل: أبو أيوب الزيات المدني
مولى يعقوب القطيعي ووالد يحيى المكني بأبي زكير، روى عن جماعة من
الصحابة وغيرهم، وروى عنه حميد الطويل، وابن إسحاق، وسليمان التيمي،
والليث بن سعد، وابنه يحيى بن محمد لي جرير بن قيس، وعثمان بن عمر بن
فارس، وأبو عامر العقدي، وحماد بن سلمة، وزيد بن حبان، والحكم بن عبد
الله الأيلي، وأبو معشر، ومندل، وعبد العزيز بن عياش، وسعيد بن عبد
الرحمن وغيرهم، وقال يعقوب بن سفيان: هو عندي ثقة متقن روى له مسلم
في صحيحه، واستشهد به البخاري. حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي ثنا
يحيى بن سعيد ثنا شعبة عن قتادة ثنا جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض " (3) . هذا حديث
__________
(1) رواه أبو داود (ح/717)
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/948) . في الزوائد: في إسناده ضعف. ووقع في بعض
النسخ عن أمه بدل عن أبيه. وكلاهما لا يعرف.
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/198) .
(3) ضعيف. رواه أبو داود (ح/703) ، ورواه البيهقي (2/275) ، وأحمد (2/425، 5/
164، 6/230) ، والطبراني (2/161، 12/181) ، وعبد الرزاق (2348) ، والمجروحين (1/
215) ، والعلل (204) ، وابن حبان (411) ، ومعاني (1/458) ، وابن عدي في " الكامل " =

(1/1595)


قال الأثرم فيه عن أحمد: ثنا يحيى قال: رفعه شعبة، وهشام لم يرفعه، وكان
هشام حافظَا أحفظ من معمر، وقال أبو داود: رفعه شعبة ووقفه سعيد
وهشام، وهمام عن قتادة عن ابن عباس انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لما ذكره أبو
محمد بن حزم، وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان ثنا شعبة عن قتادة
سمعت/جابر بن زيد قال: قال ابن عباس: " يقطع الصلاة ... "، فذكره
موقوفا، ومن طريق الحجاج بن المنهال، أنبأ ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي
يزيد سمع ابن عباس به موقوفَا أيضَا وقال: وهذان إسنادان لا يوجد صحيح
منهما، وعند أبي داود: " صلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى فضاء ليس بين يديه
شيء " (1) ، وعنده أيضا من حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن يحيى عن
عكرمة عن ابن عباس قال: أحسبه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا صلى
أحدكم إلى غير سترة فإنه يقطع صلاته: الحمار، والخنزير، واليهودي،
والمجوسي، والمرأة، ويحذبني عنه إذا مروا بين يديه على قيد آخر الرجل " (2) .
قال أبو داود: وفي نفسي من هذا الحديث إذا كنت رأيت إبراهيم وغيره فلم
أر أحدا أجابه عن هشام، ولا يرفعه، ولا أر أحدَا يحدّث به عن هشام واجب
الوهم من ابن أبي ثميلة، والمنكر فيه ذكر المجوسي، وفيه على قذفة بحجر،
وذكر الخنزير وفيه نكارة لم أتسمع هذا الحديث إلا من ابن أبي ثميلة وأحسبه
وهم؛ لأنه كان يحدثنا من حفظه، ورواه هذا عثمان عن همام عن قتادة عن
صالح أبي خليل عن جابر بن زيد عن ابن عباس انتهى، وهو غير مؤثر في
الانقطاع؛ لأن ابن ماجة ذكر عن قتادة تصريحه بسماعه له من جابر فيحمل
هذا على أنّه سمعه عنه أولَا ثم سمعه منه، والله أعلم. وزعم ابن القطان: أن
علّة بادية، وهى الشكّ في رفعه فلا يجوز أن يقال أنّه مرفوع ورواته تاركين،
وأمَّا سنده فليس فيه متكلم فيه، وقد جاء هذا الخبر يذكر أربعة فقط عن ابن
عباس موقوفَا بسند جيّد، قال البزار: ثنا ابن جني ثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن
قتادة قال: قلت/لجابر بن زيد: ما يقطع الصلاة قال: قال ابن عباس:
لا الكلب الأسود، والمرأة الحائض " (3) . قال: قلت. قد كان يذكر الثالث قال:
__________
= (2/576، 5/2021، 7/2591، 6/2426)
(1) تقدم. رواه أبو داود (ح/718) . ص 1587
(2) رواه أبو داود (ح/702) .
(3) المصدر السابق.

(1/1596)


ما هو، قلت: الحمار، قال: رويدك الحمار، قال: قلت: قد كان يذكر الرابع
قال: ما هو؟ قال: العلج الكافر، قال: إن استطعت ألَّا يمرّ بين يديك كافر ولا
مسلم فافعل انتهى كلامه، ولقائل أن يقول باللفظ الثاني ليس فيه ما يدل أن
جابرًا رواه له عن عبد الله كالذين قبل إنما قال: رويدك يعني أصبر وهو
أصلها، ولم يبيِّن له بعد الصبر ما الأمر، والله تعالى أعلم. وفي العلل لعبد
الرحمن سئل أبو زرعة عن حديث رواه عبيس بن ميمونة عن يحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " يقطع الصلاة
الكلب، والحمار، واليهودي، والنصراني، والمجوسي، والخنزير " (1) . فقال أبو
زرعة: هذا حديث منكر، وعبيس شيخ ضعيف الحديث. حدثنا زيد بن أخرم
الطائي أبو طالب، ثنا معاذ بن هشام ثنا أبي عن قتادة عن زرارة بن أوفي عن
سعيد بن هشام عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقطع الصلاة: المرأة،
والكلب، والحمار " (2) . هذا حديث خرجه مسلم بزيادة، وبقى ذلك مثل
مؤخرة الرجل. حدثنا جميل بن الحسن عبد الأعلى، ثنا سعيد عن قتادة عن
الحسن عن عبد الله بن مغفل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقطع الصلاة: المرأة
والكلب، والحمار " (3) . هذا حديث إسناده صحيح متصل. حدثنا محمد بن
بشارتنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن حميد بن بلال عن عبد الله بن
الصامت عن أبي ذر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقطع الصلاة إذا لم يكن بين
يدي الرجل مثل مؤخرة الرجل/والمرأة، والحمار، والكنب الأسود شيطان " (4) .
هذا حديث رواه مسلم في صحيحه، وقال الشافعي في الجواب عن هذا فيما
حكاه البيهقي، ولا يجوز إذ روى حديث واحد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
__________
(1) الحاشية السابقة وهي: رواه أبي داود (ح/703) ، والمعاني (1/458) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/266) ، وأحمد (4/86، 5/57) ، والبيهقي (2/
274) ، ونصب الراية (2/78، 81) ، والكنز (19221، 19222) ، وابن كثير (1/3/29،30) ،
والقرطبي (14/331) ، والعلل (507، 606) ، والمعاني (1/458) .
(3) الحاشية السابقة.
(4) رواه مسلم في: الصلاة، (ح/265) .
قوله: " الكلب الأسود شيطان " سمى شيطانا لكونه أعقر الكلاب وأخبثها وأقلها نفعا وأكثرها
نعاسا.

(1/1597)


" يقطع الصلاة ... "، فذكره، وكان مخالفًا هذه الأحاديث، وكان كلّ واحد
منهما أثبت منه، ومعها ظاهر القرآن إنَّ متبرك إن كان ثانيًا إلّا بأن يكون
منسوخًا، ونحن لا نعلم المنسوخ حتى يعلم الآخر، ولسنا نعلم الآخر، ويراد
بأن يكون غرِ محفوظ، وهو عندنا غير محفوظ؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى وعائشة
بينه وبين القبلة، وصلى وهو حائل أمامه، ولو كان ذلك يقطع الصلاة لم
يفعل واحدًا من الأمرين، وصلى إلى غير سترة، وكل واحد من هذين الحديثين
يرد ذلك الحديث، وقد قضى الله تعالى أنه لا يزر وازرة وزر أخرى والله
أعلم. يدل على أنَّه لا يبطل عمل رجل عمل غيره، وأن يكون سعى كل
لنفسه، وعليها، فلما كان هذا كذا، لم يجز أن يكون مرور رجل يقطع صلاة
غيره، قال البيهقي: حديث أبي ذر صحيح إسناده، ونحن نحتج بأمثاله في
الفقهيات، وإن كان البخاري لا يحتج بدون شواهد عن أبي هريرة وابن عباس
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد اشتغل- يعني: الشافعي- بتأويله في رواية حرملة وهو به
أحسن، فقال في حديث: " يقطع الصلاة: المرأة، والكلب، والحمار " قال:
يقطع عن الذكر الشغل ما، والالتفات إليها؛ لأنها تفسد الصلاة، وذكر معناه
في سن حرملة، وقواه واحتج بحديث عائشة، وابن عباس والذي/يدلّ على
صحة هذا التأويل؛ أنَّ ابن عباس أحد رواة قطع الصلاة، بذلك روى عنه أنه
حمله على الكراهة، وذلك فيما رواه سماك عن عكرمة فقيل لابن عباس:
أيقطع الصلاة المرأة، والكلب، والحمار فقال: (إليه يصعد الكلم الطيب
والعمل الصالح يرفعه) (1) فما يقطع هذا ولكن يكره، وفي كتاب أبي نعيم
الفضل: ثنا ابن عيينة عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال: " ادرءا عن
صلاتكم ما استطعتم، وأشد ما يبقى عليها الكلاب " (2) . وثنا ابن عيينة عن
ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: " الكلب الأسود البهيم الشيطان، وهو يقطع
__________
(1) سورة فاطر آية: 10.
(2) بنحوه. رواه أبو داود (ح/720) ، والبيهقي (2/278) ، والتمهيد (4/190) . ولفظه:
" عن أني الوداك قال: مرَ شاب من قريش بين يدي أبي سعيد الخدري وهو يصلى فدفعه، ثم
عاد فدفعه، ثلاث مرات، فلما انصرف قال: إنّ الصلاة لا يقطعها شيء، ولكن قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادرؤا ما استطعتم فإنه شيطان " قال أبو داود: إذا تنازع الخبران عن رسول القه
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده ".

(1/1598)


الصلاة ". وعن ابن طاوس قال: كان أبي يسنده في الكلاب. ثنا ابن عيينة
عن أيوب عن بكر المزي! أنّ ابن عمر أعاد ركعة من كل مر بين يديه ".
قال البيهقي: وروينا عن عثمان، وعلي، وابن عمر، وعائشة وغيرهم: " لا
يقطع الصلاة بشيء مما يمر بين يدي المصلي " (1) . انتهى في كتاب أبي نعيم
عن سعد بن أبي وقاص لذلك، وكذلك هو أيضا عن الحسن، وحذيفة بن
اليمان، وعطاء، وسعيد بن المسيب وعبد الله بن عمرو بن العاص، والشعبي،
قال: ثنا يونس عن مجاهد عن عائشة أنها قالت: " لا يقطع صلاة المسلم إلا
الهر الأسود، والكلب البهيم " (2) . انتهى. وفي هذا ردّ لما ذكره البيهقي،
وقال الطحاوي: أجمعوا أن مرور بنى آدم بعضهم ببعض لا يقطع الصلاة،
وروى ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير وجه من حديث عائشة وأم سلمة
وميمونة: " أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي، وكلّ واحدة منهن معترضة بينه وبين
القبلة " (3) . وكلها ثابتة، وقد أفتى ابن عمر: " أنّ الصلاة لا يقطعها شيء ".
وقد روى عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمصلى " ردّ ما مر بين يديه/ ". قال أبو جعفر:
فدلّ ذلك على ثبوت نسخ عنه عليه الصلاة والسلام على وجه الكراهة،
وقال في المشكل: وأما حديث المطلب بن أبي وداعة قال: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مما يلي باب بنى سهم، والنَّاس يمرون بين يديه، وليس بينه وبن الطواف
سترة ". فليس مخالفا لما روى من النهى عن المرور بين يدي المصلي؛ لأنّه إنما
هو في الصلاة إلى الكعبة ومعانيها، والنهي عن المرور بين يدي المصلي إنّما هو
فيمن يتحرى الصلاة في الكعبة إذا غاب عنها، وزعم ابن شاهين: أنه ناسخ
__________
(1) رواه البيهقي (2/278، 279) ، والطبراني (18/93) ، والدارقطني (1/367، 368) ، وابن
أبي شيبة (1/280) ، والتمهيد (4/190) ، ونصب الراية (2/76) ، والكنز (19219،
19239، 19240) ، وأبو عوانة (20/46) ، والمجمع (2/62) ، وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "
وإسناده حسن.
(2) لم نقف عليه. وقد أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/63) ، من حديث أبي هريرة
قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقطع الهر الصلاة وإثما هو من متاع البيت " وعزاه إلى البزار
وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف.
(3) رواه ابن ماجة (ح/956) ، وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/62) ، وعزاه إلى
أحمد ورجاله ثقات.
وصححه الشيخ الألباني.

(1/1599)


لحديث النهي، وفي كتاب النسائي بسند منقطع عن العباس قال: " رأيت
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف بالبيت سبعًا ثم صلى ركعتين بحذاءه في حاشية المقام ليس
بينه وبن الطواف أحد " (1) . قوله " على أتان " وهي الأنثى من الحمار، وفي
رواية على حمار أتان ضبطه الأصيلي على النعت أو البدل منوبين، وقال ابن
سراج: أتان وصف الحمار، ومعناه صلب قوى مأخوذ من الأتن وهى الحجارة
الصلبة، والحمار يشمل الذكر والأنثى كالبعير، وقد يكون على الإضافة أي:
على حمار أنثى، وكذا وجد في بعض الأصول، وفي مختصر اَلسنن عن
يونس وغيره إبان، وإبانة، وعجوزه، وفرسه، وعقوبة، ودمشقة في دمشق،
وزعم ابن الأثير: أنَّ مراده تعيين الأتان ليعلم أن الأنثى من الحمر لا يقطع
الصلاة فكذلك المرأة، ولا يقال: أتانه، وإن كان قد ورد في بعض الأحاديث
وفي المحكم المجمع: أتن وأتن والمأتونا اسم للجمع، واستأتن الحمار صار أتانا،
واستأتن أتانا اتخذها، وأيوب البخاري لحديث ابن عباس: " سترة الإمام سترة
من خلفه " (2) /وقال الأبهري: " سترة المأموم سترة إمامه "؛ لأن المأموم
تعلقت صلاته بصلاة إمامه،/ولا يعارضه ما رواه أبو داود (3) عن مولى ليؤيد
عن يزيد بن نمران قال: رأيت رجلَا بتبوك مقعدا فقال: مررت بين يدي
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا على حمار وهو يصلى فقال: " قطع علينا صلاتنا قطع الله
أثره، فما مشيت عليها بعد " (3) . وعن سعيد بن غزوان عن أبيه أنّه قال:
نزلت بتبوك وأنا حاج فإذا رجل مقعد فسألته عن أمره فقال: سأحدثك حديثا
فلا يحدّث به ما سمعت به حى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل بتبوك إلى نخلة
فقال: " هذه قبلتنا ثم صلى إليها " فأقبلت وأنا غلام أسعى حتى مررت بينه
وبينها فقال: " قطع صلاتنا قطع الله أثره ". فما قمت عليها إلى يومي
هذا (4) ؛ لأن الأول في سنده رجل مجهول، والثاني: في غاية الضعف قاله ابن
__________
(1) بنحوه. رواه أبو داود (ح/1870) . قلت: وهذا حديث إسناده حسن.
(2) ضعيف. الكنز (19204) ، والخفاء (2/66) ، والمجمع (2/62) ، وعزاه إلى الطبراني في
" الاً وسط " وفيه سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف.
(3) ضعيف. رواه أبو داود (ح/705) ، والبيهقي (2/275) ، والشجري (8/365) ، والكنز
(35508) ، والنبوة (5/234) ، وابن أبي شيبة (1/284) ، والبداية (4/15) .
(4) ضعيف جدا. رواه أبو داود (ح/707)

(1/1600)


القطان وغيره، ونكارة المتن فإن دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن ليس له بأهل إنما هو زكاة
ورحمة، وفي كتاب الحازمي ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يقطع الصلاة
شيء، وقال جماعة منهم: هذه الأحاديث وإن حملناها على ظواهرها فهي
منسوخة بحديث ابن عباس؛ لأنه في حجة الوداع، فيكون بعد حديث ابن
نمران عدّة، ومن ذهب إلى هذا يقول: عثمان، وعلي، وعائشة، وابن عباس،
وابن المسيب، والشعبي، وعبيدة، وعروة، وإليه ذهب أبو حنيفة، وسفيان،
وأهل الكوفة، ومالك، وأهل المدينة، والشافعي، وأصحابه، وأكثر أهل الحجاز
انتهى كلامه، حكى الخطابي: أن عائشة ذهبت إلى أن الكلب الأسود يقطع
الصلاة، وبه قال أحمد وإسحاق، وروى أبو داود (1) عن الفضل بن عباس:
" أتانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن في بادية فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة،
وحمارة لنا وكلبة يغشان بين يديه/فما بالا ذلك "، قال الخطابي: في سنده
مقال، وضعفه أيضًا غير واحد منهم الإشبيلي وابن القطان، وعند الدارقطني:
" فصلى لنا العصر فما بالا بهما ولا ردَّهما "، وروى أيضًا من حديث
عمر بن عبد العزيز عن أنس: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بالناس، فمر بين أيديهم
حمار، فقال عباس بن أبي زمعة: سبحان الله سبحان الله فلما قضى رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من المسبح أيضًا. قال ياْ رسول الله: إنى سمعت أن الحمار
يقطع الصلاة. فقال: " لا يقطع الصلاة شيء " (2) . وقال: اختلف في
إسناده، والصواب: عن عمر مرسل، وروى الأشيب عن شعبة عن عبيد الله
عن سالم عن أبيه أنه قال: كان يقال لا يقطع صلاة المسلم شيء، وعند
الحاكم: وزعم أنله على شرط مسلم لاستشهاده بعبد الرحمن بن أبي الزياد عن
أبي هريرة مرفوعا: " الهرة لا تقطع الصلاة إنها من متاع البيت " (3) . وفي
سنن أبي الحسن من حديث صفين بن معدان، وهو ضعيف عن سليم بن عامر
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود (ح/716) .
(2) رواه البيهقي (278، 279) ، والطبراني (18/53) ، والدارقطني (1/367، 386) ، وابن أبي
شيبة (1/280) ، والتمهيد (4/190) ، ونصب الراية (2/76) ، والكنز
(19219، 19239، 19240، 11924) ، وأبو عوانة (20/46) ، والمتناهية (1/449) .
(3) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/369) ، والحاكم (1/255) ، وابن عدى في " الكامل " (4/
1586) ، وضعيف الجامع (6106) ، والضعيفة (1512) .

(1/1601)


عن أبي أمامة يرفعه: " لا يقطع الصلاة شيء " (1) . وفي الأوسط من حديث
علي سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يقطع الصلاة شيء إلا الحديث " (2) .
وقال لم يروه عن حصين بن المنذر إلا أبو سنان ضرار بن أمية، والله تعالى
أعلم بالصواب.
***
__________
= فال الشيخ الألباني " ضعيف "، وأعلْه ابن خزيمة بالوقف- تعليقي على ابن خزيمة
828، 829.
(1) الحاشية قبل السابقة.
(2) ضعيف. رواه البيهقي (1/221) ، والكنز (22408،19926) ، وابن عدي في " الكامل "
(835،2/805) ، وأحمد (1/138) ، والمجمع (1/243) ، وعزاه إلى أحمد في زيادته على أبيه،
والطبراني في " الأوسط "، وحصين، قال ابن معين: لا أعرفه.

(1/1602)


168- باب ادرأ ما استطعت
حدثنا أحمد بن عبدة، ثنا حماد بن زيد ثنا يحيى أبو المعلى عن الحسن
العربي قال: ذكر عند ابن عباس ما يقطع الصلاة فذكر: الكلب، والحمار،
والمرأة، فقال: ما يقولون في الجدى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يصلي يوما،
فذهب جدي يمر بين يديه/فبادره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القبلة " (1) . هذا حديث في
سنده انقطاع فيما بين الحسن بن عبد الله وابن عباس، قاله يحيى بن معين،
والإِمام أحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي زاد ولم يدركه، وفي صحيح ابن
حبان في باب الإباحة: للمرء أن يمنع الشاة إذا أرادت المرور بين يديه وهو
يصلى، وخرجه أيضًا الحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه
من حديث عكرمة عن عبد الله: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلى فمرت شاة بين
يديه فساعاها إلى القبلة حتى ألصق بطنها بالقبلة " (2) . وفي مسند ابن أبي
شيبة بسد صحيح عن يحيى بن الجزار عن أبي الصهباء عنه: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان يصلي فذهب جدي يمر بين يديه فجعل تبقيه " (3) . وفي لفظ فجعل
يقول: " يتقدم ويتأخر نرى الجدى " وفي أبي داود (4) . من حديث عمرو بن
شعيب عن أبيه: " فمازال مدارتها حتى لصق بطنه بالجدار فمرت من ورائه "،
وفي الأوسط (5) من حديث جابر: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائما يصلى فذهب شاة
تمر بين يديه فتابعها حتى ألزقها بالحائط "، ثم قال عليه الصلاة والسلام: " لا
يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم " (6) ، وقال: لم يروه عن محمد بن
__________
(1) إسناده صحيح. رواه ابن ماجه (ح/953) . في الزوائد: إسناده صحيح، إلا أنه منقطع.
(2) ضعيف، أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/62) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
وفيه يحيى بن ميمون التمار وهو ضعيف وقد ذكره ابن حبان في الثقات.
(3) رواه أبو داود (ح /709) .
(4) رواه أبو داود (ح/708) .
(5) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/62) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
وفيه يحيى بن ميمون التمار وهو ضعيف، وقد ذكره ابن حبان في الثقات.
(6) حسن. رواه أبو داود (719) ، وشرح السنة (2/461) ، والمشكاة (785) .

(1/1603)


المنكدر إلا جرير بن حازم تفرد به يحيى بن ميمون، وفيه: من حديث
مندل بن علي عن سليمان التيمي عن أنس قال: " بادر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا أن يمر
بين يديه من الصلاة ". وقال: لم يروه عن التيمي إلا مندل، وفي كتاب أبي
نعيم: ثنا حفص ليث عن الحكم: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي فأرادت شاة
أن / تمرّ بين يديه فأحال بينها وبن القبلة " (1) . حدثنا أبو كريب ثنا أبو خالد
الأحمر عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن
أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن
منها، ولا يدع أحدَا يمر بين يديه، فإن جاء أحد يمر فليقاتله فإنه شيطان " (2) .
هذا حديث حسن حتى جاءه في صحيحيهما بلفظ: " إذا صلى أحدكم إلى
شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإنْ أبى فليقاتله
فإنما هو شيطان " (3) . وفي لفظ لسلم: " فليدفع في نحوه ". وفي لفظ:
" وليدفعه، فإن أبي فليقاتله فإنَّما هو شيطان "، وفي لفظ لمسلم: " فليدفع في
نحره "، وفي لفظ: " وليدرأه بما استطاع "، وفي لفظ البخاري (4) : " إذا مرّ
بين يدي أحدكم شيء وهو يصلى فليمنعه فإن أبي فليمنعه، فإن أبي
فليقاتله "، وفي لفظ: " إنَّ أبا سعيد كان يصلى يوم جمعة فأراد شاب من
بنى أبي معيط أن يمرّ بين يديه " وعند أبي نعيم في كتاب الصلاة: " فأقبل
الوليد بن عقبة بن أبي معيط فأراد أن يمر بين يديه فدفعه ولطمه ". وفي
المصنف: " فجاء عبد الرحمن بن الحرث بن هشام يمر بين يديه فدفعه
وطرحه "، وقال: " لولا أن أخذ بشعره لأحدث "، وعند النسائي (5) : " فأراد
__________
(1) رواه الهيثمي: (2/97) .
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/699،698) ، وابن ماجة (ح/945) ، والبيهقي (2/
267، 272) ، والحاكم (1/251) ، وعبد الرزاق (2303، 2305) ، وابن خزيمِة (803، 840) ،
ونصب الراية (2/81) ، والكنز (19202، 19211، 19227،19224) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/136) ، ومسلم في (الصلاة، ح/259) ، وأبو داود (ح/
700) ، وأحمد (3/63) ، والبيهقي (2/267، 272) ، وابن خزيمة (817) ، وشرح السنة (ح/455) ،
والمشكاة (777) ، وتلخيص (28611) ، والكنز (19212) ، والترغيب (1/377) .
(4) صحيح. رواه البخاري (4/149) ، والبيهقي (2/268) ، والكنز (19245) .
(5) صحيح. رواه النسائي في: (القبلة، 8- باب التشديد في المرور بين يدي المصلى

(1/1604)


ابن لمروان أن يمرّ بين يديه "، ورواه عن أبي سعيد أيضَا عطاء فيما ذكره أبو
عمر قال: وحديثه عنه بهذا معروف، وحديث عبد الرحمن أشهر، وزعم ابن
الجوزي في التاريخ: أنَّ داود بن مروان بن الحكم، وقال أبو حاتم في كتاب
العلل: حديث عطاء خطأ، وقال أبو زرعة: حديث زيد صحيح، وحديث
عطاء بن يسار: لا أدرى أي شيء هو، وبنحوه ذكره الدارقطني وغيره، ومن
عند أبي داود (1) ، من حديث مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد: " لا/
يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان ". وفي كتاب العلل
لابن أبي حاتم قال أبى: حديث أبي ذر: " يقطع الصلاة الكلب
الأسود " (2) : أصح من حديث أبي سعيد، يعني: هذا، وفي صحيح ابن حبان
" فليدن منها فإن الشيطان يمر بينه وبينها "، وفي الأوسط: " فليجاهده "،
وقال: تفرد به القاسم عن مالك المزني. حدثنا هارون بن عبد الله الحمال
والحسن بن داود المنكدري قالا: ثنا ابن أبي فديك ثنا الضحاك بن عثمان عن
صدقة بن يسار عن عبد الله بن عمر أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان
أحدكم يصلى فلا يدع أحدَا يمر بين يديه فإن أبي فليقاتله فإن معه القرين ".
قال المنكدري: " فإن معه العُزَّى ". هذا حديث خرجه مسلم (3) في صحيحه،
ولفظه في الأوسط: " إذا كنت تصلى فأراد رجل أن يمر بين يديك فردّه، فإن
عاد فردّه، فإن عاد فردّه، فإن عاد الرابعة فقاتله فإنما هو الشيطان " (4) ، وقال:
لم يروه عن قتادة- يعني: عن نافع- إلّا ابن أبي عروبة تفرد به النضر بن
__________
= وبين سترته 2/66) .
(1) تقدم. رواه أبو داود (ح/1719) في ص 1604.
(2) تقدم. رواه البيهقي (2/275) ، وأحمد (2/425، 5/164، 6 / 230) ، وعبد الرزاق
(2350، 2351) ، وابن حبان (411) ، والطبراني (3/237) ، ومعاني (1/458) ، وابن عدي
في " الكاهل " (5.2/576/6/2426،7/2591،2021) .
(3) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/258، 697،260) ، والنسائي (2/66) ، وابن
ماجه (ح/955) ، وأحمد (3/34) ، والدارمي (1/328) ، والبيهقي (2/267) ، وابن خزيمة
(816، 833) ، ونصب الراية (2/84) ، والموطأ (154) ، والترغيب (1/377، 378) ، والتجريد
(82) ، ومشكل (3/250) ، وإتحاف (3/263) ، والتمهيد (4/183) ، والطبراني (12/428) (4) لم نقف عليه.

(1/1605)


كثير، وفي كتاب الدارقطني من حديث إبراهيم بن زيد عن سالم عنه أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر قالوا: " الا يقطع صلاة المسلم شيء، وادرءوا ما
استطعتم " (1) ، وفي المستدرك: وزعم أنّه على شرط مسلم: " الا تصلوا إلا
إلى سترة، ولا تدع أحدَا يمر بين يديك ... " (2) الحديث، وعند الدارقطني: من
حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو متروك عن زيد بن أسلم عن
عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا: " لا يقطع الصلاة كلب، ولا حمار،
ولا امرأة، وادرأ ما أمرَّ أمامك " (3) . وفي مراسيل أبي داود عن قبيصة بن
دوية بن قطاء: أراد أن يمر بين يدي/النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلى فحبسه برجله " (4) .
ولما ذكره ابن القطان أعلّه برواية عبد الله بن أبي مريم، قال: لأنّ حالي
مجهولة، وفي كتاب أبي نعيم: ثنا زهير عن سليمان التيمي عن أبي محليس:
" أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باد (5) زهرة أن تمرّ بين يديه وهو يصلي ". وثنا أبو خالد به،
قلت لأبي العالية: أصلى فيمر السنور بين يدي فهل يقطع الصلاة، فقال: إذا
صليت ما أحب أن يمر بين يدي شيء ولا فأرة، أن الإِنسان إذا صلى يكون
بين يديه ملك يكتب ما يقول، وفي مسند أحمد (6) من حديث عمرو بن
شعيب عن عبد الله بن عمرو قال: " بينا نحن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عصرَا
على الوادي يريد أن يصلي قد قام، وقمنا إذ خرج حمار من شعب أبي ذئب
شعيب أبي موسى، فأمسك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يكبر وأجرى إليه يعقوب بن زمعة
حتى ردّه ". وفي كتاب الصلاة للدكيني: ثنا بشير بن مهاجر قال: " رأيت
أنسَا وهو جالس في صلاته لم ينصرف، فجاء رجل يريد أن يمر بينه وبن
__________
(1) تقدم قريبا من حواشي في ص 1603.
(2) رواه الحاكم (1/251) ، والبيهقي (2/268) ، وابن خزيمة (841) ، ونصب الراية (2/85) ،
والكنز (19243) .
(3) رواه ابن عدي في " الكاهل ": (1/32) .
(4) فلت: ضعيف. وعلته عبد الله بن أبي مريم وهو أحد المجاهيل، وقد أورده أبو داود في
المراسيل.
(5) كذا في " الأصل " " باد ".
(6) لم نقف عليه.

(1/1606)


السارية فأماطه ". وثنا جعفر بن مروان عن يزيد الفقير قال: كنت أصلي إلى
جنب ابن عمر فلم أر رجلا أكره أن يمر بين يديه منه، وفي رواية صالح بن
كيسان عنه: " فلا يدع أحدا يمر بين يديه فيبادر برده ". قال عياض رحمه الله
تعالى: أجمعوا على أنّه لا يلزمه مقاتلة بالسلام، ولا ما يؤدي إلى هلاكه،
فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قود عليه باتفاق العلماء، وهل تجب
ديته أم لاهدراء (1) ، فيه مذهبان للعلماء: وهما قولان في مذهب مالك، وفي
كتاب ابن السني: قال ابن شعبان: عليه الدية كاملة في ماله / وقيل: الديّة على
قاتلته، قال عياض: واتفقوا على أنه لا يجوز له المشي إليه من موضعه وإنّما
يدافعه ويردّه من موقعه؛ لأنّ مفسدة المشي في صلاته أعظم من مروره من
بعيد بين يديه، وإنّما أهج له قدر ما يناله من موقفه، وإنّما يردّه إذا كان بعيدا
مه بالإشارة والتسبيح، واتفقوا على أنه إذا مر لا يردّه نسلا يصف مرورًا ثانيا
إلينا، َ وروى عن بعض السلف: أنَّه يردّه، واختلفوا إذا جاز بين يديه وأدركه
هل يرده أم لا؟ فقال ابن مسعود: يرده ويروى ذلك عن سالم والحسن، وقال
أشهب: يردّه بإشارة ولا يمشى إليه؛ لأن مشيه (2) مثل مروره بين يديه، فإن
مشى إليه ورده لم تفسد صلاته، وزعم ابن العربي أنّ بعض الناس غلط
فقال: إذا صلى إلى غير سترة فلا يدع أحدًا يمر بين يديه بمقدار رمية سهم،
وقيل: رمية حجر، وقيل: بمقدار المطاعة، وقيل: بمقدار المضاربة بالسيف، وحريم
المصلى سواء وضع بين يديه سترة أو لم يضعها بمقدار ما يشتغل قائمًا وراكعا
وساجدًا لا يستحق من الأرض كلّها سواها وسائر ذلك لغيره، وفي كتاب
المنذري: يحتمل أن يكون قوله فليقاتله يعني فليلعن، وقد جاءت المقاتلة بمعنى
اللعن فال تعالى: (قتل الخراصون) . وإلى هذا نحا غيره من الأئمة، وفي
كتاب ابن أنر قيل: معناه يؤاخذه على ذلك بعد إتمام الصلاة ومؤنته، وقيل:
يدفعه دفعا أشدّ من الردّ منكرا عليه، وحكى عن أبي حنيفة: إذا دفع المار
بطلان صلاته وهو قول الشافعي في القديم، وفي التمهيد: العمل القليل في
الصلاة جائز نحو قتل البرغوث، وحكّ الجسد، وقتل العقرب بما خفي من
__________
(1) قوله: " لاهدراء " كذا هي في " الأصل "، وكذا أثبتناها.
(2) قوله: " مشيه " غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.

(1/1607)


الضرب ما لم/تكن المتابعة والطول والمشي إلى الفرج إذا كان ذلك قريبًا ودرأ
المصلى، وهذا كله بما لم يكثر، وإن كثر أفسد، وضمن عمر بن عبد العزيز
رجلًا دفع آخر وهو يصلى فكسر الودمية ما حين (1) على أنه، والصحيح
عندنا: أنّ الصلاة لا يقطعها ما يمر بين يدي المصلى بوجه من الوجوه، ولو
كان خنزيرًا وإنما يقطعها ما يفسدها من الحدث وغيره مما جاءت الشريعة به،
وقال النووي: يمر الرجل بين يديّ يتبختر فأمنعه ويمر الضعيف فلا أمنعه.
__________
(1) كذا في " الأصل ": " الودمية ماحين "، وكذا أثبتناه.

(1/1608)


169- باب من صلى وينه وبن القبلة شيء
حدثنا أبو بكر بن أبي شَيبة، ثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة:
" أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلى من الليل وأنا معترضة بينه وبن القبلة كاعتراض
الجنازة " (1) . هذا حديث خرجه الأئمة الستة، وفي لفظ عند الشيخين: " ذكر
عندها- يعني: عائشة- ما يقطع الصلاة فذكر الكلب، والحمار، والمرأة،
فقالت: شبهتموا بالحمر والكلاب! لقد رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى وأنا على
السرير بينه وبين القبلة مضطجعة، فتبدوا له الحاجة، فاكره أن أجلس فأؤذي
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنسل من قبل رجليه " (2) . وفي لفظ: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يصلى بالليل ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزنى فقبضت رجلي وإذا قام
بسطتها ". قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح " (3) ، وفي لفظ: " كنت
أكون نائمة ورجلاي بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلى من الليل، فإذا أراد أن
يسجد ضرب رجلي فضمتها /فسجد " (4) ، وفي لفظ: " وأنا معترضة أمامه
في القبلة على الفراش الذي يرقد عليه هو، وأهله فيما بينه وبين القبلة " (5)
وفي مسند (6) أحمد بن حنبل: عن علي بن أبي طالب قال: " كان رسول
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/138) ، ومسلم في (الصلاة، ح/267) ، وابن
ماجة (ح /956) ، وأبو داود (ح/712) ، وأحمد (6/50، 86) ، والمشكاة (779) ، والكنز
(22604) ، وأبو عوانة (2/52) ، والمعاني (1/462) ، والمنتقى (169) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الصلاة، باب " 102، 105، 108 "، والاستئذان، باب
" 37 " (، ومسلم في) الصلاة، ح/268،267، 270) ، وابن ماجة (ح/956) ، والنسائي في (القبلة،
باب " 100 ") ، وأحمد (6/37، 50، 86، 94، 176، 192، 199، 200، 205، 231) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الصلاة، باب " 22 " (، ومسلم في) الصلاة،
ح/272) ، والنسائي في (الطهارة، باب " 119 ") ، ومالك في (صلاة الليل، ح/2) ، وأحمد
(255،6/225) .
(4) حسن. رواه أبو داود (ح / 712) .
(5) حسن. رواه بو داود (ح/711) .
(6) رواه أحمد (1/99) ، والمجمع (2/62) ، والكنز (22573) ، والبخاري في " الكبير " (1/
441) ، والعقيلي (4/155) .

(1/1609)


الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسبح من الليل وعائشة معترضة بينه وبين القبلة " (1) ، وفي لفظ عن
حذيفة: " قام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى وعليه طرف اللحاف، وعلى عائشة طرفه
وهى حائض لا تصلى " (2) . وفي كتاب أبي داود قال شعبة: أحسبها قالت:
" وأنا حائض "، وفي لفظ: " كنت وأنا معترضة في قبلة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيصلى
وأنا أمامه، فإذا أراد أن يوتر غمزني " (3) ، وفي لفظ: " ينحى ".
حدثنا بكر بن خلف، وسويد بن سعيد قالا: ثنا يزيد بن زريع ثنا خالد
الحذاء عن أبي قلابة عن زينب بنت أم سلمة عن أمها قالت: كان فراشها
بحيال مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (4) . هذا حديث إسناده صحيح على رسم
الشيخين، وقد تقدّم تصحيح الطحاوي له في ما أظن، والله أعلم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عباد بن العوام عن الشيباني عن عبد الله بن
شداد قال: حدثتني ميمونة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى
وأنا بحذاءه، وربما أصابني نومة إذا سجد " (5) ، هذا حديث خرجاه في
صحيحيهما، ولفظ البخاري: " أنها كانت تكون حائضَا لا تصلى وهى
مفترشة بحذاء مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي على خمرته إذا سجد
أصابني بعض ثوبه " (6) .
حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة ثنا زيد بن حبان حدثني أبو المقدام
عن / محمد بن كعب عن ابن عباس قال: " نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصلى
خلف المتحدّث أو النائم " (7) . هذا حديث إسناده ضعيف بضعف رواية ابن
__________
(1) رواه أحمد (1/99) ، والمجمع (2/62) ، والكنز (22573) ، والبخاري في " الكبير " (1/
441) ، والعقيلي (4/155) .
(2) رواه أحمد: (5/400، 6/32) . (3) حسن. رواه أبو داود (ح/714) .
(4) حسن. رواه أبو داو (ح/4148) .
(5) صحيح. رواه البخاري (1/136، 2/31) ، وشرح السنة (4/96) .
(6) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الصلاة، باب " 109،107 ") ، ومسلم في
(الصلاة، ح/273) .
(7) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/959) . وصححه الشيخ الألباني لطرقه. لكن ضعفه المصنف
بأبي المقدام. قلت: والحديث عندي صحيح لما في طرقه من حديث الاعتبار.

(1/1610)


المقدام هشام بن زياد بن هشام الأموي مولاهم البصري أخي الوليد، فإن ابن
المبارك ترك حديثه، وقال في موضع آخر: لزم به، وقال أبو حاتم الرازي: ليس
بالقوي، ضعيف الحديث، وكان جارًا لأبي الوليد الطيالسي، وكان لا يرضاه
ولم يرو عنه، وعنده عن الحسن أحاديث منكره وهو منكر الحديث، وقال
أبو زرعة: ضعيف الحديث، وقال أبو عيسى، والطوسي: يضعف في الحديث،
وقال ابن سعد: كان ضعيفا في الحديث، وقال البخاري: يتكلمون فيه في
موضع آخر ضعيف، وحدّث عنه ابن مهدى ثم تركه، وقال ابن خزيمة: لا
يحتج بحديثه، وقال ابن عدي: وأحاديثه تشبه بعضها بعضًا، والضعف بيّن
على رواياته، وقال البجلي: ضعيف، وفي موضع آخر: متروك الحديث، ولما
ذكره البجلي في جملة الضعف، فال أحمد بن حنبل: ليس حديثه بشيء
وفي موضع آخر: ليس بثقة، وفي كتاب الجرح والتعديل للنسائي: ليس
بشيء مدتي سكن البصرة، ضعيف، وفي موضع آخر: متروك الحديث،
وكذا قاله ابن الجنيد والأزدي، وفي كتاب الضعفاء لابن الجارود: ليس بشيء،
وذكره البرقي في جملة من ترك حديثه، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج
به، قال الدارقطني: ضعيف، والله أعلم، ولما رواه أبو داود عن القعنبي ثنا عبد
الملك بن أيمن عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عمّن حدّثه عن محمد بن
كعب القرظي قال: قلت له- يعني: لعمر بن عبد العزيز-: حدثني ابن عباس
به، قال فيما ذكره الحافظ الضياء: روى هذا الحديث/من غير وجه عن
محمد بن كعب وكلها واهية، وهذا أمثلها وهو ضعيف أيضًا، وقال الخطابي:
هذا حديث لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لضعف سده، وعبد الله بن يعقوب لم
بيمين من حدّثه عن ابن كعب، وإنّما رواه عن محمد بن كعب رجلان كلاهما
ضعيفان تمام بن مربع وعيسى بن ميمون تكلمّ فيهما يحيى والبخاري، ورواه
أيضًا عبد الكريم أبو أمية وهو متروك الحديث عن مجاهد عن ابن عباس، وقد
ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أنه صلى وعائشة قائمة معترضة بينه وبن القبلة " (1) .
وفي النسائي الكبير من حديث حازم بن مضرب عن علي قال: " لقد رأينا
__________
(1) تقدم. رواه أبو داود (ح/711) .

(1/1611)


ليلة بدر وما فينا إنسان قائم إلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه كان يصلى إلى
شجرة ... " (1) الحديث. فأما الصلاة إلى المتحدثين فقد كرهها أحمد،
والشافعي، وذلك أن كلامهم ليشغل المصلي عن صلاته: " وكان ابن عمر لا
يصلى خلف رجل يتكلم إلا يوم الجمعة "، وقال عبد الحق: خرجه- يعني:
أبا داود- بسند منقطع ولا يصح بغيره أيضا، قال أبو الحسن علي بن
القطان: ولو كان متصلًا ما يصح للجهل بحال عبد الملك بن محمد بن أيمن،
وعبد الله بن يعقوب فإنها لا تعرف أصلًا، وفي مراسيل أبي داود من حديث
بشر بن جبلة وهو ضعيف عن خير بن نعيم عن أبي الحجاج الطائي وحاله/
مجهول فيما ذكره ابن القطان قال: " نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتحدث الرجلان
وبينهما أحد يصلي، ومن يصلي " (2) . حديث عبد الأعلى الثعلبي وهو ضعيف
عن محمد بن الحنفية: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلا يصلي إلى رجل، فأمره
أن يعيد الصلاة قال: لم يا رسول الله إنى قد أتممت الصلاة؟ فقال: " إنك
صليت وأنت تنظر إليه مستقبله " (3) . وقال الدارقطني في العلل: رفعه عبد
الأعلى عن ابن الحنفية عن علي، وعبد الأعلى مضطرب الحديث، وقد روى
مرسلًا وهو أنسبه للصواب، وفي الذخيرة للمقدسي من حديث أبان بن
سفيان- وهو متهم بالوضع- عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر
قال: " نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصلى الإِنسان إلى نائم أو متحدث " (4) .
قال: هذا خبر موضوع، وفي الأوسط من حديث محمد بن عمرو عن أبي
سلمة عن أبي هريرة يرفعه: " نهيت أن أصلي خلف المتحدثين والنيام " (5) .
__________
(1) بنحوه. فتح الباري (1/580) .
(2) ضعيف. رواه ابن المبارك في " الزهد ": (6) .
(3) ضعيف. رواه الدارقطني (2/85) ، وابن المبارك في " الزهد ": (6) .
وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/62) ، وعزاه إلى البزار في " مسنده "، وفيه عبد الأعلى
التغلبي، وهو ضعيف.
(4) موضوع. العلل المتناهية: (1/434) .
(5) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/62) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "، وفيه
محمد بن عمرو بن علقمة، واختلف في الاحتجاج به.

(1/1612)


وقال: لم يروه عن محمد بن عمرو إلا شجاع بن الوليد. تفرد به سهل بن
صالح الأنطاكي، وفي البخاري: وَكَرِهَ عثمان أن يستقبل الرجل وهو يصلي،
قال البخاري: وإنما هذا إذا اشتغل به، فأمّا إذا لم يشتغل فقد قال زيد بن
ثابت: فأنا قلت إنّ الرجل لا يقطع صلاة الرجل، وفي سرح ابن بطال:
ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الرجل يستر الرجل إذا صلى إلّا أن أكثرهم
كره أن يستقبله بوجهه، قال النخعي، وقتادة: يستر الرجل إذا كان جالسا،
وعن الحسن: يستر المصلي، ولم يشترط الجلوس ولا تولية الظهر، وعن نافع:
كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلا إلى سارية المسجد قال لي: ولّنى ظهرك وهو
قول مالك/، وروى أشهب عنه لا بأس أن يصلي إلى ظهر رجل فأما إلى
جنبه فلا، وأجاز أبو حنيفة، والثوري، والأوزاعي، الصلاة خلف المتحدثين
وكرهه ابن مسعود، وعن سعيد بن جبير: إذا كانوا يتحدثون بذكر الله تعالى
فلا بأس، وقال ابن سيرين: لا يكون الرجل سترة للمصلى، وعن مالك: لا
يصلي إلى المتحلقين؛ لأن بعضهم يستقبله، وأرجو أن يكون واسعا، وفي
كتاب ابن السني ذكر ابن البحر في مسنده: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إني
نهيت أن أصلى إلى النيام والمتحدثين " (1) . وبه قال طاوس، وقال مجاهد:
أصلى وراء قاعد أحبّ أفي أن أصلى وراء نائم، قال ابن بطال: والقول قول
من أجاز ذلك للسنة الثابتة، وعند الطنافسي: كره كثير من العلماء أن يستر
الرجل بالمرأة، وإن كانت أمه أو أخته لما يخشى عليه من الفتنة المضادة لخشوع
الصلاة وانفصل بعضهم عن حديث عائشة بأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يملك إربة الجنازة ذكرها
ثعلب في باب المكسور قوله، وحكى في نوادره عن أبي زيد: الجنازة
مكسورة الجيم لا يفتح الميت نفسه، وحكى المطرز عن الأصمعي: الجِنازة
والجنَازة نعتان بمعنى واحد، وكذا قاله يعقوب في الاصطلاح، قال ابن سيده
في العويص: يعني هما النعش وعليه الميت إذا ستر به بالكفن، قال: والمختار
الكسر، وعن الفارسي: هو الجنازة، والنمش، والسرير، ولا يكون جنازة إلا
حتى يكون عليه ميت فأما اسم السرير والنمش فلا زمان له، وفي الليل:
__________
(1) المصدر السابق.

(1/1613)


النعش للمرأة والسرير للرجل، وعن الفراء: جنزوه إذا حملوه على الجنازة،
وفي المحكم: جَنَزَ الشيء يجنزه جنزًا إستي، وذكروا إن الترار لما احتضرت
أوصت أن يصلى عليها الحسن، فقال: إذا جنزتموها / فأذنوني، والجنِازة
والجنَازة: الميت، قال ابن دريد: زعم قوم أن اشتقاقه من ذلك، قال: ولا
أدري ما صحته، وقد قيل: هو نبطي، ورمى في جنازنه أي مات، وفي الغريبين
عن ابن الأعرابي: أنّ الجنازة بالكسر: السرير، وبالفتح: الميت ومرّ أعرابي بامرأة
ثكلى فقال: أثكلتها الجنائز، يعني: الموتى.

(1/1614)