شرح أبي داود للعيني

26- باب: الرجل يجدد الوضوء من غير حدث
أي: هذا باب في بيان الرجل المتوضئ جدد وضوءه من غير حدث،
طلباً لزيادة الثواب.
51- ص- حدّثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا عبد الله بن يزيد
المقرئ ح، وحدثنا مسدد قال: نا عيسى بن يونس قالا: نا عبد الرحمن بن
زياد- يعني: ابن أنعم (1) -، عن أبي غطيف (2) . وقال محمد بن يحيى
ابن فارس: عن أبي غُطيف الهذلي قال: كنتُ عند عبد الله بن عُمر، فلما
نُودي بالظهر توضأ فصلى، فلما نودي بالعصر توضأ، فقلتُ له؟ فقال:
كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " منْ توضأ على طُهْرٍ كتب اللهُ له عشْر
حسناتٍ " (3) . قال أبو داود: وحديث مسدد أتم.
__________
(1) في سن أبي داود بدلاً من هذه الجملة: " قال أبو داود: وأنا لحديث ابن
يحيى أتقن ".
(2) في سنن أبي داود: " عن غطيف "، وهو الأقرب للصواب
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء لكل صلاة (59) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: الوضوء على الطهارة (512) .

(1/185)


ش- محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي أبو عبد الله
النيسابوري الإمام، وقد ذكرناه.
وعبد الله بن يزيد المقرئ المدني المخزومي، مولى الأسود (1) بن
عبد الأسد، سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن عبد الرحمن
ابن ثوبان، وأبا عياش. روى عنه: يحيى بن أبي كثير، ومالك بن
أنس، وأسامة بن زيد. وقال أحمد بن حنبل: هو ثقة. روى له الجماعة
إلا النسائي (2) .
وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم- بفتح الهمزة، وسكون النون،
والعين المهملة- ابن ذري- بفتح الذال المعجمة، وكسر الراء- ابن
محمد بن معدي كرب الشعباني أبو أيوب الأفريقي قاضيها، عداده في
أهل مصر، سمع أبا عبد الرحمن الحُبُلي، وعبد الرحمن بن رافع
التنوخي، وبكر بن سوادة، وعمارة بن راشد، وغيرهم. روى عنه:
الثوري، وعبد الله بن وهب، وابن المبارك، وعيسى بن يونس،
وغيرهم. وقال يحيى بن سعيد القطان: ثقة. وقال ابن معين: ضعيف
ويكتب حديثه. توفي سنة ست وخمسين ومائة. روى له أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (3) .
وأبو غُطيْف- بضم الغين المعجمة، وفتح الطاء المهملة، وسكون الياء
آخر الحروف، وبعدها فاء- سئل أبو زرعة عن اسمه فقال: لا أعرف
اسمه. روى عن عبد الله بن عمر. روى عنه: أبو خالد عبد الرحمن
ابن زياد الأفريقي. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
قوله: " فلما نُودي بالظهر " أي: فلما أُذن بصلاة الظهر،/يجوز أن
تكون " الباء " بمعنى " في " أي: أُذن في وقت الظهر، ويُحتملُ أن
__________
(1) في الأصل: " الأسد " خطأ.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3664) .
(3) المصدر السابق (17/3817) . (4) المصدر السابق (34/7566) .

(1/186)


تكون للسببية، أي: فلما أذن بسبب صلاة الظهر، كقوله تعالى:
(ظلمْتُمْ أنفُسكُم باتخاذكُمُ العجْل) (1) .
قوله: " فقلت له " فيه حذف، أي: فقلت لابن عمر- رضي الله
عنه- في صلاته العصر بوضوء جديد.
قوله: " على طُهر " أي: طهارة، يعني: من توضأ وهو على وضوء.
قوله: " عشر حسنات " الحسنات جمع حسنة، وهي الفعلة الحسنة من
الحُسْن خلاف القبح، وسقوط " التاء " من " عشر " لكون مفسرها جمع
مؤنث، وهذا من باب المقابلة والمشاكلة؛ لأن الحسنة هي الخصلة التي
يعملها العبد، والذي يعطيه ربه عليها تُسمى جزاء وثواباً، فحق المعنى:
كتب الله له عشر ثوابات، أو عشر أجزية، ولكنها ذكرت بالحسنات
للتشاكل والتقابل، ومعنى قوله: " كتب الله له " قدر الله له فيما عنده،
أو يكتبه في اللوح. وحديث علي هذا أخرجه الترمذي وابن ماجه، وقال
الترمذي: وهو إسناد ضعيف، والله أعلم.
***
27- باب: ما ينجس الماء
لما فرغ عن بيان فرضية الوضوء، شرع يذكر أحوال المياه، لتقدم معرفة
المياه على معرفة الوضوء.
52- ص- حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة والحسن بن علي
وغيرهم قالوا: أنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن
الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه: " سُئل النبيُ- عليه
السلام- عن الماء وما ينُوبُهُ من الدواب والسباع، فقال: إذا كان الماءُ قُلتيْن
لم يحمل الخبثً " (2) [قال أبو داود:] وهذا لفظ ابن العلاء. وقال
__________
(1) سورة البقرة: (54) .
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب منه آخر (67) ، النسائي: كتاب المياه،
باب: التوقيت في الماء (1/175) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: مقدار=

(1/187)


عثمان والحسن بن علي: محمد بن عباد بن جعفر. قال أبو داود: وهو
الصواب.
ش- محمد بن العلاء بن كريب قد ذكر، وكذلك عثمان، والحسن
أبو محمد الخلال، وأبو أسامة حماد بن أسامة.
والوليد بن كثير أبو محمد القرشي المخزومي مولاهم المدني، روى
عن: محمد بن كعب القرظي، وعبد الله بن عبد الله بن عمر، ووهب
ابن كيسان، ونافع مولى ابن عمر، وجماعة آخرين. روى عنه:
إبراهيم بن سعد، وأبو أسامة، ومحمد الواقدي، وسفيان بن عيينة،
وغيرهم. وقال ابن معين: هو ثقة. مات بالكوفة سنة إحدى وخمسين
ومائة (1) .
وعبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن المدني،
سمع أباه، وأوصى إليه أبوه. روى عنه: الزهري، ونافع، ومحمد بن
عباد بن جعفر، ومحمد بن جعفر بن الزبير. وقال وكيع: هو ثقة.
توفي في أول خلافة هشام بن عبد الملك. روى له: البخاري، ومسلم،
وأبو داود، والنسائي (2) .
ومحمد بن عباد بن جعفر بن رفاعة بن أمية بن عابد- بالباء الموحدة-
ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي المكي، وأمه زينب بنت
عبد الله بن السائب بن أبي السائب المخزومي. سمع عبد الله بن عمر،
وأبا هريرة، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله
ابن المسيب العابدي. روى عنه: ابن جريج، وعبد الحميد بن جبير
__________
- الماء الذي لا ينجس (517) ، أحمد (2/27) ، ابن خزيمة (1/49، رقم
92) ، ابن حبان (4/1249، 1253) ، الدارقطني (1/13) ، وانظر ما بعد
الحاكم (1/132) ، البيهقي (1/260، 262) .
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6733) .
(2) المصدر السابق (15/3366) .

(1/188)


ابن شيبة، وزياد بن إسماعيل. قال ابن سعد: كان ثقة، قليل
الحديث. روى له الجماعة (1) .
قوله: " وما ينُوبُه من الدواب " أي: سئل أيضاً عن الماء الذي ينوبه
الدواب، أي: تقصده، يقال: نابه ينوبه نوباً، وانتابه إذا قصده مرة بعد
أخرى، ويقال: معنى تنوبه الدواب أي: تنزل به للشرب، والدواب
جمع " دابة "، وهو اسم ما يدب على وجه الأرض في اللغة، وفي
العرف: الدابة تطلق على ذوات الأربع مما يركب. وقال في " الصحاح ":
الدابة التي تركب. والسباع جمع " سبع "، وهو كل حيوان عادٍ مفترس
ضار ممتنع.
قوله: " فقال " أي- عليه السلام-: " إذا كان الماء قلتين " القلتان
تثنية قلة، وهي الحُب (2) العظيم، والجمع قلال، واختلفوا في تفسير
القلة، فقيل: خمس قرب، كل قربة خمسون منا (3) . وقيل: القلة:
جرة تسع فيها مائة وخمس وعشرون منا. وقيل: القلتان: خمسمائة
رطل بالبغدادي وقيل: القلتان خمسمائة منٍّ.
وقال الخطابي (4) : " قد تكون القلة الإناء الصغير الذي تنقله الأيدي،
ويتعاطى فيه الشراب كالكيزان ونحوها، وتكون القلة الجرة الكبيرة التي
ينقلها القوي من الرجال، إلا أن مخرج الخبر قد دلّ على أن المراد ليس
النوع الأول؛ لأنه إنما سئل عن الماء الذي يكون بالفلاة من الأرض في
المصانع والوهاد والغدران/ونحوها، ومثل هذه المياه لا تُحدُّ بالكوز
والكوزين في العرف والعادة، لأن أدنى النجس إذا أصابه نجسهُ، فعلم أنه
بمعنى الثاني، وقد روي في غير طريق أبي داود من رواية ابن جريج: " إذا
__________
(1) المصدر السابق (25/5320) . (2) الجرةُ.
(3) معيار قديم كان يكالُ به أو يوزن، وقدره إذ ذاك رطلان بغداديان، والرّطل
عندهم اثنتا عشرة أوقية بأواقيهم.
(4) معالم السنن (1/30- 31) .

(1/189)


كان الماء قلتين بقلال هجر " (1) ، وقلال هجر مشهورة الصنعة، معلومة
المقدار، وهي أكبر ما يكون من القلال وأشهرها، ولذلك قيل: قلتين
على لفظ التثنية، ولو كان وراءها قلة في الكبر لأشكلت دلالته، فلما
ثناها دل على أنه أكبر القلال؛ لأن التثنية لا بد لها من فائدة، وليست
فائدتها إلا ما ذكرناه ". انتهى كلامه.
وهجر التي ينسب إليها قرية كانت ببلاد البحرين، ويقال: إنها تنسب
إلى هجر التي باليمن، وهي قاعدة البحرين، وهي إما أن تكون عملت
بها، وجلبت إلى المدينة، وإما أن تكون عملت في المدينة على مثلها.
قوله: " لم يحمل الخبث " بفتح الخاء والباء، أي: لم يحمل النجس،
واحتج الشافعي وأصحابه بهذا الحديث على أن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجس
إلا بالتغيير، وهو مذهب أحمد وأبي ثور، وفسروا قوله- عليه السلام-:
" لم يحمل الخبث " أي: يدفعه عن نفسه، كما يقال: فلان لا يحمل
الضيم إذا كان يأباه ويدفعه عن نفسه، ويؤكد ذلك الرواية الأخرى: " فانه
لا ينجس "، وروى هذا الحديث أيضاً الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن
حبان في " صحيحه " في القسم الثاني منه، وأعاده في القسم الثالث،
ولفظه: " لم ينجسه شيء ".
ورواه الحاكم في " مستدركه " وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه، وأظنه لاختلاف فيه على أبي أسامة، عن الوليد بن كثير.
وقال البيهقي (2) : " باب قدر القلتين " أسند فيه عن الشافعي، أخبرنا
مسلم بن خالد، عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني ذكره، أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان الماءُ قلتين لم يحملْ خبثاً "، وقال في الحديث:
__________
(1) أخرجه البيهقي (1/263) من طريق ابن جريج، وابن عدي في الكامل
(8/82- ترجمة المغيرة بن سقلاب) من طريق المغيرة، وذكر ابن عدي أن
هذه الزيادة غير محفوظة، وكذا الحافظ في " التلخيص "، والشيخ الألباني في
" الإرواء " (23) .
(2) السنن الكبرى (1/263) .

(1/190)


" بقلال هجر ". قال الشافعي: كان مسلم يذهب إلى أن ذلك أقل من
نصف القربة، أو نصف القربة، فيقول: خمس قرب [هو] (1) أكثر ما
يسع قلتين، وقد تكون القلتان أقل من خمس قرب، فالاحتياط أن تكون
القلة قربتين ونصفاً، فإذا كان الماء خمس قرب لم يحمل نجساً في جر كان
أو غيره، إلا أن يظهر في الماء منه ريح أو طعم أو لون، وقربُ الحجاز
كبار، فلا يكون الماء الذي لا يحمل النجاسة إلا بقرب كبار.
ثم أسند البيهقي عن محمد، عن يحيى [بن عقيل، عن يحيى] (1)
ابن يعمر: أنه- عليه السلام- قال: " إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجساً
ولا بأساً ". قال: فقلت ليحيى بن عقيل: قلال هجر؟ قال: [قلال
هجر. قال:] (1) أظن أن كل قلة تأخذ فرقيْن ". زاد أحمد بن علي
في روايته: " والفرقُ ستة عشر رطلاً ". ثم ذكر البيهقي عن محمد بن
يحيى المذكور قال: فرأيت قلال هجر، فأظن أن كل قلة تأخذ قربتين.
قال البيهقي: كذا في كتاب شيخي " قربتين "، وهذا أقرب مما قال مسلم
ابن خالد " (2) .
وقال أبو حنيفة وأصحابه: كل ماء وقعت فيه النجاسة لم يحز الوضوء
به قليلاً كان أو كثيراً، لقوله- عليه السلام-: " لا يبولن أحدكم في
الماء الدائم، ولا يغتسلن فيه من الجنابة " (3) من غير فصل بين القليل
والكثير، والقلتين وغيرها، وأما حديث القلتين ففيه اضطراب لفظاً ومعنى،
" (4) أما اضطرابه في اللفظ فمن جهة الإسناد والمتن، أما إسناده فمن
ثلاث روايات: أحدها: رواية الوليد بن كثير، رواها أبو داود عن محمد
ابن العلاء إلى آخره، ورواه هكذا عن أبي أسامة، عن الوليد، عن
محمد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله جماعة منهم: إسحاق بن
راهويه، وأحمد بن جعفر الوكيعي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو عبيدة
__________
(1) زيادة من سنن البيهقي. (2) إلى هنا انتهى كلام البيهقي.
(3) يأني تخريجه برقم (58، 59) .
(4) انظر: نصب الراية (1/105- 112) .

(1/191)


ابن أبي السّفر، ومحمد بن عبادة- بفتح العين-، وحاجب بن سليمان،
وهناد بن السري، والحسين بن حريث، وذكر ابن منده أن أبا ثور رواه
عن الشافعي، عن عبد الله بن الحارث المخزومي، عن الوليد بن كثير
قال: ورواه موسى بن أبي الجارود، عن البويطي، عن الشافعي، عن
أبي أسامة وغيره، عن الوليد بن كثير، فدل (1) روايته على أن الشافعي
سمع هذا الحديث من عبد الله بن الحارث، وهو من الحجازيين، ومن
أبي أسامة وهو كوفي، جميعاً عن الوليد بن كثير، وقد اختلف الحُفّاظ
في هذا الاختلاف بين محمد بن عباد ومحمد بن جعفر، فمنهم من ذهب
إلى الترجيح، فنقل عن أبي داود أنه لما ذكر حديث محمد بن عباد قال:
هو الصواب. وذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم في " كتاب العلل " /عن
أبيه أنه قال: محمد بن عباد ثقة، ومحمد بن جعفر ثقة، والحديث
لمحمد بن جعفر أشبه، وكذلك ابن منده صوّب أن يكون لمحمد بن
جعفر، والدارقطني جمع بين الروايتين، وكذلك البيهقي، وحكى البيهقي
في كتاب " المعرفة " عن شيخه أبي عبد الله الحافظ، أنه كان يقول: الحديث
محفوظ عن عبيد الله بن عبد الله وعبد الله بن عبد الله، كلاهما رواه عن
أبيه، وذهب إليه كثير من أهل الرواية، وهذا خلاف ما يقتضيه كلام
أبي زرعة، فيما حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سألت أبا زرعة
عن حديث محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، فقلت
له: تقول عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي- عليه
السلام-، ورواه الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن
عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- قال:
" إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء " قال أبو زرعة: ابن إسحاق ليس
يمكن أن يقضى له. قلت له: ما حال محمد بن جعفر؟ فقال: صدوق.
والرواية الثانية: رواية محمد بن إسحاق لهذا الحديث، وقد أخرجه
الترمذي من حديث هناد (2) ، وأبو داود من حديث حماد بن سلمة ويزيد
__________
(1) كذا.
(2) (67) .

(1/192)


ابن زريع (1) ، وابن ماجه من حديث/يد بن هارون وابن المبارك (2) ،
كلهم عن ابن إسحاق. ورواه أحمد بن خالد الوهبي، وإبراهيم بن سعد
الزهري، وزائدة بن قدامة. ورواه عبيدا الله بن محمد ابن عائشة، عن
حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق بسنده، وقال فًيه: " إن رسول الله
سئل عن الماء يكون بالفلاة وترده السباع والكلاب فقال: إذا كان الماء قلتين
لا يحمل الخبث ". رواه البيهقي وقال: كذا قال: " السباع والكلاب "
وهو غريب، [وكذا قاله موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة [ (3) .
وقال إسماعيل بن عياش: عن محمد بن إسحاق: " الكلاب والدواب ".
ورواه محمد بن وهب، عن ابن عباس، عن ابن إسحاق، عن
الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عر أبي هريرة، عن النبي- عليه
السلام-: " أنه سئل عن القليب يلقى فيه الجيف، وتشرب منه الكلاب
والدواب، فقال: ما بلغ الماء قلتين فما فوق ذلك لم ينجسه شيء " رواه
الدارقطني.
والرواية الثالثة: رواية حماد بن سلمة، عن عاصم بن المنذر،
واختلف في إسنادها ومتنها، أما الإسناد فرواه أبو داود وابن ماجه عن
موسى بن إسماعيل، عن حماد، عن عاصم، عن عبيد الله بن عبد الله
ابن عمر قال: حدثني أبي: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان الماء قلتين
فإنه لا ينجس "، وخالف حماد بن يد (4) ، فرواه عن عاصم بن
المنذر، عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبدا الله موقوفاً. قال الدارقطني:
وكذلك رواه إسماعيل ابن علية، عن عاصم بن المنذر، عن رجل لم
يسمه، عن ابن عمر موقوفاً أيضاً.
وأما الاختلاف في اللفظ فإن يزيد بن هارون رواه عن حماد بن سلمة،
فاختلف فيه على يزيد، فقال الحسن بن محمد الصباح عنه، عن حماد،
عن عاصم قال: دخلت مع عبيد الله بن عبد الله بن عمر بستاناً فيه
__________
(1) (64) . (2) (517) .
(3) زيادة من نصب الراية. (4) في الأصل: " سلمة " خطأ.
13* شرح سنن أبي داوود 1

(1/193)


مقراةُ (1) ماءٍ، فيه جلد بعير ميت، فتوضأ فيه، فقلت له: أتتوضأ منه
وفيه جلد بعير ميت؟ فحدثني عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- قال:
" إذا بلغ الماء فلتين أو ثلاثاً لم ينجسه شيء ". أخرجه الدارقطني.
وكذلك رواه وكيع، عن حماد بن سلمة وقال: " إذا بلغ الماء قلتين أو
ثلاثة لم ينجسه شيء " رواه ابن ماجه في " سننه ".
وأما الاضطراب في متنه فما (2) تقدم، وروى الدارقطني في " سننه "
وابن عدي في " الكامل "، والعقيلي في كتابه عن القاسم بن عبيد الله
العمري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قال
رسول الله- عليه السلام-: " إذا بلغ الماء أربعين قلة فإنه لا يحمل
الخبث ". وقال الدارقطني: القاسم العمري وهم في إسناده، وكان
ضعيفاً، كثير الخطأ. وروى الدارقطني أيضاً من جهة بشر بن السرى،
عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سليمان بن سنان، عن
عبد الرحمن بن أبي هريرة، عن أبيه قال: " إذا كان الماء قدر أربعين قلة
لم يحمل خبثاً " قال: وخالفه غير واحد رووه عن أبي هريرة فقالوا:
" أربعين غرباً "، ومنهم من قال: " أربعين دلواً ".
وأيضاً الاضطراب في معناه، فقيل: إن " القلة " اسم مشترك يطلق
على الجرّة، وعلى القربة، وعلى رأس الجبل، وروى الشافعي في
تفسيرها حديثاً، فقال في " مسنده ": أخبرني مسلم بن خالد الزنجي،
عن ابن جريج/بإسناد لا يحضرني ذكره: أن رسول الله- عليه السلام-
قال: " إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثاً "، وقال في الحديث: " بقلال
هجر ". قال ابن جريج: وقد رأيت قلال هجر، فالقلة تسع قربتين،
أو قربتين وشيئاً. قال الشافعي: فالاحتياط أن تجعل القلة قربتين ونصفاً،
فإذا كان الماء خمس قرب كبار كقرب الحجاز، لم تحمل نجساً، إلا أن
يظهر في الماء ريح أو طعم أو لون.
__________
(1) في الأصل: " مقرا ".
(2) كذا، وفي نصب الراية: " فقد ".

(1/194)


والجواب عن ذلك: أن في هذا الحديث ثلاثة أشياء:
أحدها: أن مسلم بن خالد ضعفه جماعة، والبيهقي أيضاً في " باب
من زعم أن التراويح بالجماعة أفضل ".
الثاني: أن الإسناد الذي لم يحضره ذكره مجهول، فهو كالمنقطع،
فلا تقوم به حجة.
الثالث: أن قوله: " وقال في الحديث: " بقلال هجر " يوهم أنه من
لفظ النبي- عليه السلام-، والذي وجد في رواية ابن جريج أنه قول
يحيى بن عقيل " (1) .
والجواب عما أسنده البيهقي عن محمد، عن يحيى بن يعمر الذي
ذكرناه في أول الكلام، أن فيه أشياء: الأول: أنه مرسل.
والثاني: أن محمداً المذكور ويحيى على ما قال أبو أحمد الحافظ:
يحتاج إلى الكشف.
الثالث: أنه ظن في غير جزم.
الرابع: أنه إذا كان " الفرقُ " ستة عشر رطلاً يكون مجموع القلتين
أربعة وسنين رطلاً، وهذا لا يقول به البيهقي وإمامه، ولما وضح هذا
الطريق، وعُرف أن حجة أصحابنا هي أقوى من حجة الخصوم، أوَّلنا
قوله- عليه السلام-: " لم يحمل الخبث " بمعنى: تضْعُفُ عن احتمال
النجاسة، يريد أنه لقلته يضْعف عن احتمال الخبث، كما يقال: فلان لا
يحتمل الضرب، وهذه الدابة لا تحتمل هذا المقدار من الحمل، وهذه
الأسطوانة لا تحتمل ثقل السقف.
53- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد. ج ونا أبو كامل
قال: نا يزيد- يعني: ابن زريع-، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن
جعفر.- قال أبو كامل: ابن الزبير-، سنن عبيد الله بن عبد الله بن عمر،
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(1/195)


عن أبيه: " أن رسول الله- عليه السلام- سُئل عن الماء يكونُ في الفلاة "
فذكر معناه (1) .ً
ش- أبو كامل فضيل بن الحسين بن طلحة أبو كامل الجحْدري
البصري. روى عن: حماد بن زيد، وأبي عوانة، وحماد بن سلمة،
ويزيد بن زريع، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، والبخاري تعليقاً،
ومسلم، وأبو داود، والنسائي عن رجل عنه، وغيرهم. مات سنة سبع
وثلاثين ومائتين (2) .
والجحْدري بفتح الجيم وإسكان الحاء.
ويزيد بن زريع البصري أبو معاوية العائشي، سمع هشام بن عروة،
وأيوب السختياني، وعبد الله بن عون، وحميداً الطويل، والثوري،
وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وبهز بن
أسد، وأبو كامل الجحْدري، وقتيبة بن سعيد، وغيرهم. وقال ابن
معين: يزيد بن الزريع الصدوق الثقة المأمون. توفي بالبصرة سنة اثنتين
وثمانين ومائة، روى له الجماعة (3) .
قوله: " في الفلاة " وهي الصحراء.
54- ص- وحدثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد قال: أنا عاصم بن
المنذر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال: حدثني [أبي] : أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان الماءُ قُلتين فإنه لا ينْجُسُ " (4) .
ش- عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي الحجازي،
روى عن جدته أسماء بنت أبي بكر الصديق، وسمع عروة بن الزبير،
وعبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. روى عنه: هشام بن عروة،
__________
(1) انظر التخريج السابق.
(2) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (23/4758) .
(3) المصدر السابق (7/6987) . (4) انظر التخريج قبل السابق.

(1/196)


وحماد بن سلمة. قال أبو زرعة: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح
الحديث. روى له أبو داود وابن ماجه (1) .
وقد ذكرنا هذه الطرق كلها بوجوهها مستوفاة، والله أعلم.
***
28- باب: في بئر بُضاعة (2)
أي: هذا باب في بيان أحكام بئر بُضاعة، وهي بكسر الباء وضمها.
وقال ابن الأثير (3) : " المحفوظ ضم الباء، وحكى بعضهم بالصاد
المهملة ".
وقال زكي الدين عبد العظيم: " بئر بضاعة دار لبني ساعدة بالمدينة،
وبئرها معلوم، وبها مال من أموال أهل المدينة ".
55- ص- حدّثنا محمد بن العلاء والحسن بن علي ومحمد بن سليمان
الأنباري قالوا: ثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن كعب، عن
عُبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج، عن أبي سعيد الخدري: أنه قيل
لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئرٌ يُطرح فيها الحيضُ،
ولحم الكلاب والنتْنُ؟ فقال رسولُ اله- عليه السلام-: الماءُ طهورٌ، لا
يُنجسهُ شيءٌ ج (4) .
ش- الحسن بن علي هو الخلال/وقد ذكر
ومحمد بن سليمان الأنباري، وهو ابن أبي داود. روى عن:
أبي أسامة، وأبي معاوية الضرير، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن
] مهدي، وعبد الوهاب بن] عطاء، د. أبي عامر العقدي. روى عنه:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/3013) .
(2) في سنن أبي داود: " باب ما جاء في بئر بُضاعة ".
(3) انظر: النهاية (1/134) .
(4) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء (66) ،
النسائي: كتاب المياه، باب: ذكر بئر بضاعة (1/174) .

(1/197)


أبو داود، ويعقوب بن شيبة. وكان ثقة. مات سنة أربع وثلاثين
ومائتين (1) .
ومحمد بن كعب بن مالك بن أبي القيْن الأنصاري السلمي المدني.
روى عن أخيه عبد الله، روى عنه الوليد بن كثير. روى له: مسلم،
وأبو داود، وابن ماجه (2) .
وعبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج أبو الفضل، يروي عن أبيه،
وأبي رافع. روى عنه سليط بن أبي أيوب، وغيره (3) .
وأبو سعيد الخدري هو: سعد بن مالك، وقد ذكر مرة.
قوله: " أنتوضأ " خطاب للنبي- عليه السلام-.
قوله: " يطرح فيها الحيض " الحيضُ- بكسر الحاء، وفتح الياء-:
جمع حيْضة- بكسر الحاء، وسكون الياء-، وهي: خرقة الحيض،
ويقال لها أيضاً المحيضة، وتجمع على المحايض.
قوله: " والنتْنُ " الرائحة الكريهة، ويقع أيضاً على كل مستقْبح، وبهذا
الحديث استدل مالك [على] أن الماء لا يتنجس بوقوع النجاسة- وإن كان
قليلاً- ما لم تتغير أحد أوصافه.
والجواب عن هذا: " (4) أن هذه البئر كانت في حدور من الأرض،
والسيول كانت تكسح هذه الأقذار من الطرق والأفنية، وتحملها فتلقيها
فيها، وكان الماء لكثرته لا يؤثر فيه وقوعُ هذه الأشياء، ولا تغيره،
فسألوا رسول الله- عليه السلام- عن شأنها، ليعلموا حكمها في
الطهارة والنجاسة، فكان في جوابه- عليه السلام- لهم: أن الماء لا
ينجسه شيء، يريد الكثير منه، الذي صفته صفة ماء هذه البئر في
غزارته؛ لأن السؤال إنما وقع عنها، فخرج الجواب عليها ". على أن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5264) .
(2) المصدر السابق (26/5574) . (3) المصدر السابق (19/3657) .
(4) انظر: معالم السنن (1/32- 33) .

(1/198)


بعضهم قد تكلم في هذا الحديث، منهم ابن القطان في كتابه " الوهم
والإيهام " ضعفه وقال: " (1) إن في إسناده اختلافاً: فقوم يقولون:
عبيد الله بن عبد الله بن رافع، وقوم يقولون: عبد الله بن عبد الله بن
رافع، ومنهم من يقول: عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، ومنهم من
يقول: عبد الله، ومنهم من يقول: عن عبد الرحمن بن رافع. قال:
فيحصل فيه خمسة أقوال، وكيف ما كان فهو لا يعرف له حال ". وقال
أحمد بن حنبل: حديث بئر بضاعة صحيح. وأخرجه الترمذي والنسائي.
ص- قال أبو داود: وقال بعضهم: عبد الرحمن بن رافع.
56- نا أحمد بن أبي شعيب وعبد العزيز بن يحيى الحرّانيان قالا: نا
محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق/عن سليط بن أيوب، عن عبيد الله
ابن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري ثم العدوي، عن أبي سعيد الخدري
قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقال له: " إنه يُسْتقى لك من بئر بضاعة،
وهي بئرٌ يُلقى فيها لُحومُ الكلاب، والمحايضُ، وعذرُ الناس، فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الماء طهور لا يُنجسُهُ شيء " (2) .
ش- عبد الرحمن بن رافع مولى النبي- عليه السلام-، روى عن
عبد الله بن جعفر، وعمته سلمى. روى عنه حماد بن سلمة. قال ابن
معين: هو صالح. روى له أبو داود، وابن ماجه (3) .
وأحمد بن أبي شعيب هو: أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني
أبو الحسين القرشي الأموي، مولى عمر بن عبد العزيز، واسم
أبي شعيب مسلم، سمع زهير بن معاوية، وموسى بن أبي الفرات،
ومحمد بن سلمة، وموسى بن أعين. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم،
والبخاري، وأبو داود، والنسائي، وروى الترمذي والنسائي عن
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/113) . (2) انظر التخريج السابق.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/3812) وفيه: " عبد الرحمن بن
أبي رافع، روى له الأربعة ".

(1/199)


رجل عنه. وقال أبو زرعة: صدوق ثقة. مات سنة ثلاث وثلاثين
ومائتين (1) .
وعبد العزيز بن يحيى بن يوسف أبو الأصبغ الحراني، مولى بني
البكاء. سمع عيسى بن يونس الكوفي، ومحمد بن سلمة، وعتاب بن
بشير، والوليد بن مسلم، وغيرهم. روى عنه: البخاري في غير
الصحيح، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي عن رجل
عنه، وقال: صدوق. وقال البخاري: لا يتابع عليه. وقال ابن عدي:
لا بأس برواياته توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين (2) .
ومحمد بن سلمة بن عبد الله أبو عبد الله الباهلي الحراني، مولى بني
قتيبة. سمع هشام بن حسان، ومحمد بن إسحاق بن يسار، ومحمد بن
عبد الله بن علاثة. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو داود، وعبد العزيز
ابن يحيى، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة فاضلاً عالماً. توفي سنة
إحدى وتسعين ومائة، روى له الجماعة إلا البخاري (3) .
ومحمد بن إسحاق بن يسار قد ذكر.
وسليط بن أيوب، عن ابن أبي سعيد الخدري، عن أبيه. وعن
عبيد الله بن عبد الله بن رافع. روى عنه محمد بن إسحاق، وخالد بن
أبي نوف. أخرج له أبو داود/والنسائي (4) .
وعبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج الأنصاري العدوي.
روى عن أبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله. روى عنه: سليط بن
أيوب، وهشام بن عروة، والوليد بن كثير. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي (5) .
قوله: " وقال بعضهم: عبد الرحمن بن رافع " يعني: قال بعض الرواة:
__________
(1) المصدر السابق (1/61) . (2) المصدر السابق (18/3480) .
(3) المصدر السابق (25/5255) (4) المصدر السابق (11/2480) .
(5) المصدر السابق (19/3657) ، وقد تقدمت ترجمته تحت الحديث قبل السابق.

(1/200)


عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع موضع عبيد الله بن عبد الله بن رافع،
وهو قول هشام بن عروة. وقول الوليد: عبيد الله بن عبد الله بن رافع.
وقال عبد الله بن أبي سلمة: عبد الله بن عبد الله بن رافع، كلاهما
مكبر، وقد ذكرنا الاختلاف فيه.
قوله: " وهو يقال له " جملة اسمية وقعت حالاً من قوله: " رسول الله "،
أي: والحال أنه يقول له قائل كذا وكذا.
قوله: " إنه يستقى لك " مقول قوله: " وهو يقال له "، والضمير في
" إنه " للشأن، و " يستقى " من الاستقاء، وهو النزح.
قوله: " والمحايض " جمع محيضة، وهي خرقةُ الحيض، وقد قلناه.
قوله: " وعذرُ الناس " العذرُ- بفتح العين، وكسر الذال المعجمة-:
جمع " عذرة ".
قوله: " إن الماء طهور " أكد الكلام في هذه الرواية بـ " إن " التي هي
للتأكيد، وقد قلنا: إن ماء هذه البئر كان جارياً في البساتين، وذكرت عن
عائشة- رضي الله عنها- أنها كانت قناة، ولها منفذ إلى بساتينهم،
ويسقى منها خمسة بساتين أو سبعة.
وقال الخطابي (1) : " قد يتوهم من سمع حديث أبي سعيد أن هذا كان
منهم عادة، وأنهم كانوا يأتون هذا الفعل قصداً وتعمداً، وهذا ما لا يجوز
أن يظن بذمي، بل وثني، فضلاً عن مسلم، ولم يزل من عادة الناس
قديماً وحديثاً، مسلمهم وكافرهم، تنزيه المياه، فكيف يظن بأعلى طبقات
الدين، وأفضل جماعة المسلمين، والماء ببلادهم أعز، والحاجة إليه
أمس، أن يكون صنيعهم به هكذا؟ وقد " لعن رسول الله- عليه السلام-
من تغوط في موارد الماء ومشارعه "؟ فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه
رصداً للأنجاس؟ ومطرحاً للأقذار؟ مثل هذا الظن لا يليق بهم،
__________
(1) انظر: معالم السنن (1/32- 33) .

(1/201)


ولا يجوز فيهم، وإنما كان ذلك من أجل أن هذه البئر موضعها في حدور
من الأرض، وأن السيول كانت تكسح هذه الأقذار من الطرق والأفنية،
فتحملها فتلقيها فيه، وكان الماء لكثرته لا يؤثر فيه وقوعُ هذه الأشياء، ولا
تغيره، فسألوا رسول الله عن شأنها، ليعلموا حكمها في الطهارة
والنجاسة، فكان من جوابه لهم: " إن الماء لا ينجسه شيء " يريد الكثير
منه، الذي صفته صفة ماء هذه البئر في غزارته، لأن السؤال إنما وقع
عنها نفسها، فخرج الجواب عليها ".
قلت: على هذا التقرير انظر إلى حديث القلتين ما يكون حكمه؟
ص- قال أبو داود: سمعت قتيبة بن سعيد يقول: سألت قيم بئر بضاعة
عن عمقها، قلت (1) : أكثر ما يكون فيها [الماء] (2) ؟ قال: إلى العانة،
قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة. قال أبو داود: وقدرتُ بئر بضاعة
بردائي، مددته عليها، ثم ذرعتُه، فإذا عرضها ستة أذرع. وسألت الذي فتح
لي باب البستان فأدخلني إليه: هل غر بناؤها عما كانت عليه؟ فقال: لا،
ورأيت فيها ماءً متغير اللون.
ش- غرض أبي داود من هذا الكلام أن يبين أن ماء هذه البئر
كثيراً، لا يؤثر فيه وقوع الأشياء المذكورة، والإجماع على أن الماء الكثير
إذا لم يتغير طعمه ولونه وريحه، لا يتنجس بوقوع الأشياء؛ لأنه ح (3)
حكمه حكم الجاري، وهذا الكلام أيضاً مما يضعف حكم حديث القلتين،
فافهم!
قوله: " قيم بئر بضاعة " القيمُ- بفتح القاف، وكسر الياء آخر الحروف
المشددة-: الذي يقوم بأمور الشيء، ومنه قيم المسجد، وقيّم الحمام،
وأصله قيوم، اجتمعت الواو والياء، فسبقت أحدهما بالسكون، فقلبت
الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء.
قوله: " مددتُّه عليها " جملة حالية بتقدير " قد "، والتقدير: قد مددته
__________
(1) في سنن أبي داود: " قال ". (2) زيادة من سنن أبي داود 0
(3) كذا، وهي بمعنى: " حينئذ ".

(1/202)


عليها، وقد عُرف أن الجملة الفعلية إذا وقعت حالاً، وكان فعلها ماضياً
مثبتاً، لا بد فيه من " قد " إما صريحاً أو مقدراً.
قوله: " ثم ذرعته " أي: ثم قست الرداء بالذراع، و " الفاء " في قوله:
" فإذا عرضها " فاء المفاجأة، مثل قولك: خرجت فإذا السبعُ واقفاً،
والضمير في " عرضها " /راجع إلى البئر. ويقال: كان وسع البئر
ثمانية في ثمانية.
57- ص- حدثنا (1) مسدد قال: نا أبو الأحوص قال: نا سماك، عن
عكرمة، عن ابن عباس قال: " اغتسل بعضُ أزواج النبي- عليه السلام-
في جفْنة، فجاء النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليتوضأ منْها- أو يغتسل- فقالتْ له: يا رسول الله
إني كنت جُنباً، فقال رسولُ الله: إنّ الماء لا يُجْنب " (2) .
ش- أبو الأحوص اسمه: عوف بن مالك بن نضلة بن خديج الكوفي
التابعي، لأبيه صحبة، سمع أباه، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن
مسعود. روى عنه: الحسن البصري، وعطاء بن السائب، والشعبي،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري- رحمه
الله (3) .
وسماك هو ابن حرب بن أوس بن خالد بن نزار بن معاوية بن حارثة
الذهلي البكري، وقيل: الهذلي أبو المغيرة الكوفي، أخو محمد
وإبراهيم ابني حرب. سمع جابر بن سمرة، والنعمان بن بشير، وأنس
ابن مالك، وسعيد بن جبير، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وغيرهم.
قال سماك: أدركت ثمانين من أصحاب النبي- عليه السلام-، وكان قد
ذهب بصري، فدعوت الله- عز وجلّ- فرد علي بصري. روى عنه:
__________
(1) وقع هذا الحديث في سنن أبي داود تحت " باب الماء لا يجنب ".
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الرخصة في ذلك (65) ،
النسائي: كتاب المياه (1/173) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب:
الرخصة بفضل طهور المرأة (370) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4548) .

(1/203)


إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، والثوري، وشعبة، وأبو الأحوص،
وغيرهم وقال أبو حاتم: صدوق. وقال ابن معين: ثقة. روى له
الجماعة إلا البخاري (1) .
وعكرمة هو القرشي الهاشمي أبو عبد الله المدني، مولى عبد الله بن
عباس بن عبد المطلب، أصله من البربر من أهل المغرب، سمع ابن
عباس، وأبا قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري، وعبد الله بن عمر
وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري،
ومعاوية بن أبي سفيان، وغيرهم. روى عنه: عمرو بن دينار، والشعبي،
والزهري، وقتادة، وسماك بن حرب، والأعمش، والسدي، وغيرهم
من خلق كثيرين. وقال ابن معين: ثقة. وقال ابن سعد: كان كثير
العلم، بحراً من البحور، وليس يحتج بحديثه، ويتكلم الناس فيه.
وقال [أبو] أحمد بن عدي: إذا روى عنه الثقات فهو مستقيم الحديث،
إلا أن يروي عنه ضعيف فيكون قد أتى من قبل الضعيف، لا من قبله،
ولم يمتنع الأئمة من الرواية عنه. توفي سنة سبع ومائة، روى له
الجماعة (2)
قوله: " في جفنة " الجفنة- بفتح الجيم-: القصعة الكبيرة، وكلمة
" في " هاهنا بمعنى " من "، أي: اغتسلت من جفنة كان فيها ماء؛ لأنه
لا يتصور أن يجعل " في " على حقيقته، وقد جاء " في " بمعنى " من "
في قول الأغر:
وهل يعمنْ من كان أحدثُ عهده ... ثلاثين شهراً في ثلاثة أحوال
قوله: " إني كنت جنباً " الجنب: الذي يحب عليه الغسل بالجماع
وخروج المني، ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد،
وقد يجمع على أجناب وجُنُبين، وأجنب يجنب إجناباً، والجنابة الاسم،
__________
(1) المصدر السابق (12/2579) .
(2) المصدر السابق (20/4009) .

(1/204)


وهي في الأصل البعد، وسمي الإنسان جنباً؛ لأنه نُهي أن يقرب مواضع
الصلاة ما لم يتطهر، وقيل: لمجانبته الناس حتى يغتسل.
قوله: " إن الماء لا يُجنب " بضم الياء وكسر النون، أي: لا يتنجس،
والمعنى: إن الماء لا يصير نجساً لملامسة الجنب إياها، والحاصل أن مثل هذا
الفعل لا يؤدي الماء إلى حالة يُجتنب عنه، فلا يستعمل منه، " (1) وقد
روي: " أربع لا تنجس: الثوب، والإنسان، والأرض، والماء "
وفسروه أن الثوب إذا أصابه عرق الجنب والحائض لم ينجس، والإنسان إذا
أصابته الجنابة لم ينجس، وإن صافحه جنب أو مشرك لم ينجس، والماء
إن أدخل يده فيه جنب، أو اغتسل منه لم ينجس، والأرض إن اغتسل
عليها جنب لم تنجس ". وقوله- عليه السلام-: " إن الماء لا يُجْنب "
من قبيل المشاكلة والمقابلة، فافهم! وأخرج هذا الحديث الترمذي والنسائي
وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
***
29- باب: البول في الماء الراكد
أي: هذا باب في بيان حكم البول في الماء الراكد، أي: الواقف،
من ركد يركد إذا أقام، من باب نصر ينصر.
58- ص- حدثنا أحمد بن يونس قال: نا زائدة في حديث هشام، عن
محمد، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال: " لا يبولن أحدُكُم
في الماء الدائم، ثم يغتسل منه " (2) .
__________
(1) انظر: معالم السنن (1/33) .
(2) البخاري: كتاب الوضوء، باب: البول في الماء الدائم (239) ، مسلم:
كتاب الطهارة، باب: النهي عن الاغتسال في الماء الراكد (283/97) ،
الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد
(68) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: النهي عن البول في الماء الراكد
(1/125) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: النهي عن البول في الماء
الراكد (344) .

(1/205)


ش- أحمد بن يونس بن زهير أبو العباس الضبي قد ذكر مرة.
وزائدة بن قدامة الثقفي أبو الصلت الكوفي، سمع هشام بن عروة،
وسعيد بن مسروق، وأبا الزناد، وسماك بن حرب،/وغيرهم. روى
عنه: سليمان التيمي (1) ، وابن المبارك، وأبو داود الطيالسي، وابن
عيينة، وغيرهم. قال أبو زرعة: هو صدوق من أهل العلم. توفي في
أرض الروم عام غزا الحسن بن قحطبة سنة ستين ومائة روى له
الجماعة (2) .
وهشام هو ابن عروة بن الزبير، وقد ذكر.
ومحمد هو ابن سيرين أبو بكر الأنصاري مولاهم البصري، أخو معبد
وأنس ويحيى وحفصة وكريمة بني سيرين، وسيرين يكنى أبا عمرة، وهو
من سبْي عين التمر، أسرهم خالد بن الوليد، وهو مولى أنس بن مالك
خادم النبي- عليه السلام- دخل على زيد بن ثابت، وسمع عبد الله بن
عمر بن الخطاب، وجندب بن عبد الله، وأبا هريرة، وعبد الله بن
الزبير، وأن بن مالك، وعمران بن حصين، وعدي بن حاتم،
وسلمان بن عامر، وأم عطية الأنصارية، ومن التابعين: مسلم بن يسار،
وعبد الرحمن بن أبي بكرة، ويونس بن جبير، وغيرهم. وروى عن
عبد الله بن عباس، والصحيح أن بينهما عكرمة. روى عنه: الشعبي،
وأيوب السختياني، وقتادة، ويحيى بن عتيق، وجماعة آخرون كثيرة.
وقال ابن سعد: كان ثقة مأموناً، عالياً رفيعاً، فقيهاً إماماً، كثير العلم
ورعاً، وكان به صمم. وقال أحمد ويحيى: هو من الثقات. مات سنة
عشر ومائة، بعد الحسن بمائة يوم. روى له الجماعة (3) .
قوله: " لا يبولن " نهي مؤكد بنون التأكيد الثقيلة، وأصله: لا يبل
أحدكم، فلما دخلت نون التأكيد عادت الواو المحذوفة.
__________
(1) في الأصل: " التميمي ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/1950) .
(3) المصدر السابق (25/5280) .

(1/206)


قوله: " في الماء الدائم " أي: الواقف الذي لا يجري، من دام يدوم،
إذا طال زمانه.
قوله: " ثم يغتسل منه " برفع اللام؛ لأنه خبر مبتدأ محذوف،
والتقدير: ثم هو يغتسل منه، ويجوز الجزم عطفاً على محل " لا يبولن "،
لأنه مجزوم، وعدم ظهور الجزم لأجل نون التوكيد، وقد قيل: يجوز
النصب بإضمار " أنْ "، ويعطى لـ " ثم " حكم " واو الجمع ".
فلت: هذا فاسد؛ لأنه يقتضي أن المنهي عنه الجمع بينهما دون إفراد
أحدهما، وهذا لم يقله أحد، بل البول فيه منهي [عنه] ، سواء أراد
الاغتسال فيه، أو منه، أو لا، فافهم.
واحتج أصحابنا بهذا الحديث [على] أن الماء إذا لم يبلغ الغدير العظيم
إذا وقعت فيه النجاسة، لم يجز به الوضوء، قليلاً كان أو كثيراً،
واستدلوا به أيضا على أن القلتين تحمل النجاسة؛ لأن الحديث مطلق،
فبإطلاقه يتناول الماء القليل والكثير، والقلتين والأكثر، ولو قلنا: إن
القلتين لا تحمل النجاسة لم يكن للنهي فائدة، على أن هذا أصح من
حديث القلتين، وقد رواه البخاري ومسلم من حديث أبي الزناد، عن
الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم
الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه "، وفي لفظ: " ثم يغتسل منه "،
ورواه الترمذي ولفظه: " ثم يتوضأ منه "، وكذا أخرجه النسائي، وروى
البيهقي (1) من حديث ابن عجلان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن
أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام-: " أنه نهى أن يبال في الماء
الراكد، وأن يغتسل فيه من الجنابة "، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه" (2)
من طريق جابر قال: " نهى رسول الله أن يبال في الماء الراكد "، ومن
طريق أبي هريرة: " لا يبل أحدكم في الماء الدائم، ثم يغتسل منه ".
__________
(1) السنن الكبرى (1/238) .
(2) المصنف (1/141) .

(1/207)


ويستفاد من هذا الحديث فوائد: الأولى: حرمة البول في الماء الواقف
مطلقاً.
الثانية: جواز البول في الماء الجاري، ولكن الأولى اجتنابه، ومنهم
من فصله فقال: إن كان جارياً كثيراً جاز البول فيه، وإن كان قليلاً لا
يجوز.
الثالثة: فيه دلالة على تنجيس البول.
الرابعة: يفهم منه أن التغوط فيه أيضاً حرام؛ لأنه كالبول، بل هو
أقبح، وكذلك يحرم أن يبول في إناء، ثم صبه فيه، وكذا إذا بال بقرب
الماء ثم جرى إليه، فاختلط به.
الخامسة: فيه دليل على أنه إذا بال فيه ثم اغتسل [منه] لا يجوز،
وكذا قال الشافعي، حتى صرح بقوله: وسواء قليل الراكد وكثيره لإطلاق
الحديث. ومن الشافعية من يقول: إنما ينجس الماء بالبول فيه إذا كان دون
القلتين، وكذا قال الخطابي (1) .
قلت: هذا تحكم بلا دليل، وترك لإطلاق الحديث، وكيف يعار [ض [
به حديث القلتين مع الكلام فيه كما ذكرناه؟
59- ص- حدثنا مسدد قال: ثنا يحيى، عن محمد بن عجلان قال:
سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- عليه السلام-:
" لا يبولن أحدُكم في الماء/الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة " (2) .
ش- يحيى هذا هو يحيى بن سعيد بن فرُوخ القطان الأحول أبو سعيد
التميمي، مولاهم البصري، سمع يحيى بن سعيد الأنصاري، ومحمد
ابن عجلان وابن جريج، ومالك بن أنس، وشعبة، وابن عيينة،
وغيرهم. روى عنه: ابن معين، والثوري، ومسدد، وغيرهم. وقال
__________
(1) معالم السنن (1/34) .
(2) ابن ماجه في كتاب الطهارة (343) .

(1/208)


أبو زرعة: من الثقات الحُفاظ. توفي في صفر سنة ثمان وتسعين ومائة.
وولد سنة عشرين ومائة. روى له الجماعة (1) .
ومحمد بن عجلان ذكر مرة.
وعجلان والده مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة. روى عن أبي هريرة،
وروى عنه ابنه محمد، وبكير بن عبد الله [بن] الأشج. روى له:
مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
قوله: " ولا يغتسل " بالرفع والجزم كما ذكرناه الآن، وأخرجه ابن ماجه
ولفظه: " لا يبولن أحدكم في الماء الراكد ".
***
30- باب: الوضوء بسؤر الكلب
أي: هذا باب فيه بيان الوضوء بسؤر الكلب، والسؤر: بقية الماء التي
يبقيها الشارب، والجمع " أسار "، والنعت سئار، مثل حبّار على غير
قياس؛ لأن القياس مسئر؛ لأنه من اسأر، يقال إذا شربت فاسْئر، أي:
أبق شيئاً من الشراب في قعر الإناء.
60- ص- حدثنا أحمد بن يونس قال: نا زائدة في حديث هشام، عن
محمد، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال: " طُهُورُ إناء
أحدكُمْ إذا ولغ الكلبُ فيه أن يُغْسل سبع مرارٍ، أولاهن بالتراب " (3) .
قال أبو داود: وكذلك قال أيوب وحبيب بن الشهيد عن محمد.
ش- أيوب هذا ابن [أبي] تميمة، واسمه: كيسان أبو بكر السختياني
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6834) .
(2) المصدر السابق (19/3878) .
(3) البخاري: كتاب الطهارة، باب: إذا شرب الكلب ما في الإناء بأطراف لسانه
سبعاً (172) ، مسلم: كتاب الطهارة (279) ، الترمذي: كتاب الطهارة
(91) ، النسائي: كتاب الطهارة (1/52- 53) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة
(363) .
14. شرح سنن أبي داوود 1

(1/209)


البصري، مولى جهينة، رأى أنس بن مالك، وسمع عمرو بن سلمة،
وأبا عثمان النهدي، ومحمد بن سيرين، ومجاهد بن جبر، وسعيد بن
جبير، والزهري، وجماعة آخرين. روى عنه: قتادة، ويحيى بن
أبي كثير، والثوري، وابن عيينة، والحمادان، وجماعة آخرون كثيرة.
قال ابن معين: ثقة. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وحبيب بن الشهيد البصري أبو شهيد الأزدي، مولى قُريْبة. روى
عن: الحسن، ومحمد وأنس ابني سيرين، وعكرمة مولى ابن عباس،
وغيرهم. روى عنه: شعبة، ويحيى بن سعيد، وإسماعيل ابن علية،
وغيرهم. قال أحمد: ثقة مأمون، وهو أثبت من حميد الطويل. وقال
ابن معين وأبو حاتم: ثقة. توفي سنة خمس وأربعين ومائة. روى له
الجماعة (2) .
قوله: " طُهورُ إناء أحدكم " الطُهور- بضم الطاء- وهو الأشهر،
ويقال بفتحها أيضاً لغتان، وقد مر الكلام فيه، وارتفاعه على أنه مبتدأ
وخبره قوله: " أن يغسل "، و " أن " هاهنا مصدرية، والتقدير: طهارة
إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه غسلها سبع مرار.
قوله: " إذا ولغ " يقال: " (3) ولغ الكلب في الإناء، يلغ- بفتح
اللام فيهما- ولوغاً، إذا شرب بأطراف لسانه. قال أبو زيد: يقال:
ولغ الكلب بشرابنا وفي شرابنا ومن شرابنا ".
وقال ابن الأثير: وأكثر ما يكون الولوغ من السباع.
قوله: " أولاهن بالتراب " جملة محلها النصب من الإعراب؛ لأنها
وقعت صفة لقوله: " سبع مرار "، والأولى تأنيث الأول، وإنما أنثه
باعتبار المرة، واحتج الشافعي بهذا الحديث [على] أن الكلب إذا ولغ في
الإناء لا يطهر إلا بالغسل سبع مرات، إحداهن بالتراب، وهو مذهب
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/607) .
(2) المصدر السابق (5/1090) . (3) انظر: شرح صحيح مسلم (3/184) .

(1/210)


أحمد أيضاً، وبه قال مالك لكن استحباباً، وعن الشافعي يغسل سبعاً
أُولاهن أو أخراهن (1) بالتراب، وعن أحمد ثمانية.
وقال أصحابنا: " (2) يغسل ثلاثاً لا غير، واحتجوا بما رواه الدارقطني
في " سننه " (3) عن عبد الوهاب بن الضحاك، عن إسماعيل بن عياش،
عن هشام بن عروة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثاً، أو خمساً،
أو سبعاً ". وقال الدارقطني: تفرد به عبد الوهاب عن ابن عياش وهو
متروك، وغيره يرويه عن ابن عياش بهذا الإسناد: " فاغسلوه سبعاً " وهو
الصواب. وأخرج الدارقطني (4) أيضاً عن عبد الملك بن أبي سليمان،
عن عطاء، عن أبي هريرة قال: " إذا ولغ الكلب في الإناء فأهرقه، ثم
اغسله ثلاث مرات "، وأخرجه بهذا الإسناد عن أبي هريرة: " أنه كان إذا
ولغ الكلب في الإناء أهراقه، وغسله ثلاث مرات ".
وقال الشيخ تقي الدين في " الإمام ": " هذا سند صحيح ". وجه
استدلال أصحابنا بهذا ظاهر، ووجه الاستدلال بحديث الدارقطني: أنه
- عليه السلام-/خيّر فيما زاد على الثلاث، والتخيير ينافي الوجوب،
وما ورد من الأمر فيه محمول على الندب.
والجواب عن الأحاديث التي يحتج بها الخصوم، وهي التي رواها (5)
الأئمة الستة في كتبهم من حديث أبي هريرة، فرواية البخاري ومسلم من
حديث الأعرج عن أبي هريرة: أن النبي- عليه السلام- قال: إذا
شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " (6) ، ورواية مسلم من
حديث عبد الله بن مغفل: أن رسول الله- عليه السلام- قال: " إذا
__________
(1) في الأصل: " وأخراهن " خطأ.
(2) انظره في: نصب الراية (1/131- 132) . (3) (1/65) .
(4) (1/66) . (5) في الأصل: " رواه ".
(6) البخاري (172) ، مسلم (279/90) .

(1/211)


ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، والثامنة عفروه بالتراب " (1) ،
وأخرجه أيضاً أبو داود والنسائي وابن ماجه، ورواية أبي داود من حديث
محمد عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال: " طُهورُ إناء
أحدكم " (2) الحديث، وأخرجه مسلم والنسائي، وأخرجه الترمذي (3)
وفيه: " أولاهن أو أخراهن بالتراب، وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة "
وقال: هذا حديث حسن صحيح. أنها محمولة على ابتداء الإسلام،
قلعاً لهم عما ألفوه من مخالطة الكلاب، فقال النبي- عليه السلام-
هذا القول للتغليظ عليهم، ولهذا أمر بقتل الكلاب أيضاً، ثم رخص في
كلب الصيد وفي كلب الغنم، كما روي في البخاري مثله.
وقال الطحاوي- وهو إمام في الحديث، عالم بمعانيه وعلله-: ثبت
بذلك- أي: بما روي عن أبي هريرة من حديث عبد الملك- نسخ السبع؛
لأنا نحسن الظن بأبي هريرة، ولا يجوز عليه أن يترك ما سمعه من النبي
- عليه السلام-، وإلا سقطت عدالته، ولم تقبل روايته، بل كان يجب
على الخصم المخالف أن يعمل بحديث عبد الله بن المغفل، عن النبي-
عليه السلام-: " إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، والثامنة
عفروه بالتراب "؛ لأنه قد زاد على السبع، والأخذ بالزائد أوجب عملاً
بالحديثين، وهم لا يقولون به، فثبت أنه منسوخ ".
وقال الخطابي (4) : " فيه دليل على أن الكلب نجس الذات ".
قلنا: نسلم أن فيه دليلاً على أن الكلب نجس، ولكن لا نسلم أنه نجس
الذات؛ لأن هذا قدر زائد ليس في الحديث دلالة عليه، وفرغ على كلامه
أن بيع الكلب حرام.
وقال أيضاً (4) : " وفيه البيان الواضح أنه لا يطهره- أي الإناء- أقل
من عدد السبع، وأن تعفيره بالتراب واجب ".
__________
(1) مسلم (93/280) ، أبو داود (74) ، النسائي (1/54) ، ابن ماجه (365) .
(2) مسلم (91/279) .، أبو داود (72، 73) ، النسائي (1/177- 178) .
(3) الترمذي (91) . (4) معالم السنن (1/34- 35) .

(1/212)


قلنا: كما ورد السبع ورد الثلاث كما بينا، والأمر بالتعفير محمول
على الندب.
وقال (1) : " وفيه دليل على أن الماء المولوغ فيه باق على طهارته، إذ
لم يأمره بإراقته، وقد يكون لبناً وزيتاً ".
قلنا: لا نسلم ذلك؛ لأن الإناء إذا تنجس بملاقاة لسانه، فالماء بطريق
الأولى.
فإن قيل: جاز أن يكون المراد بغسل الإناء التعبد لا التنجس.
قلنا: هذا لا يصح؛ لأن الجمادات لا تلحقها حكم العبادات؛ ولأنه
لو كان تعبداً لوجب غسل غير موضع النجاسة كما في الحدث، ولا يقال
الحجر الذي استعمل في رمي الجمار يغسل ويرمى ثانياً؛ لأنا نقول: إن
الحجر لإقامة القربة
وذهب أهل الظاهر إلى أن الماء طاهر، وأن غسل الإناء تعبدٌ، وهذا
فاسد كما قررنا، وذهب مالك إلى أنه إذا لم يجد ماء غيره توضأ به،
وزاد الثوري: ثم يتيمم.
ثم قوله- عليه السلام-: " إذا ولغ الكلب " معرف باللام يتناول
جنس الكلاب، سواء كان كلب البدوي، أو الحضري، أو كلب الصيد،
أو كلب الزرع، أو غير ذلك. وعن مالك أربعة أقوال: طهارته،
ونجاسته، وطهارة سؤر المأذون في اتخاذه دون غيره، وهذه الثلاثة عن
مالك. والرابع عن عبد الملك بن الماجشون: أن يفرق بين البدوي
والحضري، والخنزير كالكلب عندنا. وقال مالك: سؤر الخنزير أيضاً
طاهر.
61- ص- نا مسدد قال: نا المعتمر بن سليمان. قال: ونا محمد بن
عبيد قال: نا حماد بن زيد جميعاً عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة
بمعناه ولم يرفعاه، وزاد: " وإذا ولغ الهر غُسل مرةً " (2) .
__________
(1) معالم السنن (1/34- 35) . (2) انظر تخريج الحديث رقم (71) .

(1/213)


ش- معتمر بن سليمان بن طرخان أبو محمد التيمي البصري، سمع
أباه، وعبد الملك بن عمير، وعاصماً الأحول، وأيوب السختياني،
وشعبة، وجماعة آخرين. روى عنه: ابن المبارك، ومسدد، وأحمد بن
حنبل، وعبد الأعلى بن حماد، وغيرهم. قال محمد بن سعد: كان
ثقة. ولد سنة ست ومائة، ومات سنة سبع وثمانين ومائة بالبصرة، روى
له الجماعة (1) .
ومحمد بن عبيد بن حساب/الغُبري- بالغين المعجمة- البصري،
سمع حماد بن زيد، ومعاوية بن عبد الكريم، وعبد الوارث بن سعيد،
وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود، والنسائي عن رجل عنه،
وأبو يعلى الموصلي، وغيرهم. مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين (2) .
وحماد بن زيد بن درهم قد مر ذكره، وأيوب هو السختياني، ومحمد
هو ابن سيرين، وأبو هريرة عبد الرحمن، وقد ذكروا.
قوله: " بمعناه " أي: بمعنى الحديث الذي سبقه.
قوله: " لم يرفعاه " الضمير المرفوع الذي فيه يرجع إلى المسدد وإلى
محمد بن عبيد، بمعنى: أن كلا منهما روى هذا الحديث موقوفاً على
أبي هريرة، وزاد فيه: " وإذا ولغ الهر غسل مرة ".
وقال البيهقي (3) : " أدرجه بعض الرواة في حديثه عن النبي- عليه
السلام-، ووهموا فيه، الصحيح أنه في ولوغ الكلب مرفوع، وفي
ولوغ الهرة موقوف ".
وقوله: " الهر " بكسر الهاء وتشديد الراء، وجمعه " هررةٌ "، كقرد
وقردة، والأنثى هرة وجمعها " هررٌ "، مثل قربة وقرب.
62- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: نا أبان قال: نا قتادة: أن
محمد بن سيرين حدثه عن أبي هريرة: أن نبي الله- عليه السلام- قال:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/6080) .
(2) المصدر السابق (26/5441) . (3) السنن الكبرى (1/247) .

(1/214)


" إذا ولغ الكلبُ في الإناء فاغْسلُوه سبْع مرار (1) ، السابعة بالتراب " (2) .
قال أبو داود: وأما أبو صالح وأبو رزين والأعرج وثابتٌ الأحنفُ وهمام بن
منبه [أخو وهب بن منبه] (3) وأبو السدي عبد الرحمن رووه [كلهم] (3)
عن أبي هريرة فلم يذكروا التراب.
ش- أبان هو أبان بن يزيد العطار البصري، يكنى أبا يزيد، سمع
قتادة، وغيلان بن جرير، ويحيى بن أبي كثير، وأبا عمران الجوْني.
روى عنه: الطيالسي، وحبان بن هلال، ويزيد بن هارون، وموسى بن
إسماعيل. روى له مسلم، وأبو داود، واستشهد به البخاري في غير
موضع (4) .
وأبو صالح ذكوان السمان قد ذكر.
وأبو رزين اسمه: مسعود بن مالك أبو رزين الكوفي الأسدي أسد
خزيمة، مولى أبي وائل شقيق بن سلمة. روى عن: علي بن أبي طالب،
وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة. روى عنه:
إسماعيل بن سميع، وإسماعيل بن أبي خالد، وابنه عبد الله بن مسعود،
والأعمش. قال أبو زرعة: ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (5) .
والأعرج هو عبد الرحمن، وقد ذكر.
وثابت الأحنف هو ابن عياض الأعرج الأحنف القرشي العدوي، مولى
عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب. وقال ابن سعد: ثابت بن الأحنف بن
عياض سمع عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير،
(1) في سنن أبي داود: " سبع مرات ". (2) انظر تخريج الحديث رقم (60) .
(3) غير موجود في سنن أبي داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/143) وفيه: " روى له الجماعة إلا
النسائي ".
(5) المصدر السابق (27/5912) .

(1/215)


وأبا هريرة. روى عنه: عمرو بن دينار، ويحيى بن سعيد الأنصاري،
وسليمان الأحول، وغيرهم. قال أبو حاتم: لا بأس به روى له:
البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (1) .
وهمام بن منبه أبو عقبة قد ذكر.
وأبو السدي عبد الرحمن بن أبي كريمة، روى عن أبي هريرة- رضي
الله عنه-. وقال الحافظ الذهبي في " تذهيب التهذيب ": عبد الرحمن
ابن أبي كريمة عن أبي هريرة، وعنه ابنه إسماعيل السدي حديث: " الإيمانُ
قيدُ الفتْك، لا يفتكُ مؤمن " (2) .
قوله: " رووه كلهم " أي: رووا هذا الحديث كل هؤلاء المذكورين،
فلم يذكروا في روايتهم " التراب "، ومعنى قوله: " السابعة " أي: المرة
السابعة بالتراب،. وهذه جملة لا محل لها من الإعراب؛ لأنها وقعت
كالتفسير لقوله: " سبع مرار "، والأولى أن تكون صفة للسبع، ويكون
محلها النصب، و " (3) معنى الغسل بالتراب: أن يخلط التراب بالماء
حتى يتكدر، ولا فرق بين أن يطرح الماء على التراب، أو التراب على
الماء، أو يأخذ الماء الكدر من موضع فيغسل به، فأما مسح موضع
النجاسة بالتراب فلا يجزئ. وقال الشيخ محيى الدين: ولا يحب إدخال
اليد في الإناء، بل يكفي أن يلقيه في الإناء ويحركه، ويستحب أن يكون
التراب في غير الغسلة الأخيرة، ليأتي عليه ما ينظفه، والأفضل، أن يكون
في الأولى " (غ) .
قلت: هذه الرواية تدل على أن يكون التراب سابع سبعة " فكيف
يكون الأولى هو الأفضل؟ وأما الرواية الأخرى تدل على أن تكون السابعة
__________
(1) المصدر السابق (4/825) . (2) المصدر السابق (17/3940) .
(3) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/186) .
(4) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".

(1/216)


هي الأولى، فح (1) لا يترجح أحدهما على الآخر، بل له أن يجعل
التراب إما أولاً، وإما آخراً من غير ترجيح أحدهما على الآخر.
وقال أيضاً: " ولا يقوم الصابون والأشنان وما أشبههما/مقام التراب
على الأصح " (2) .
63- ص- حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: نا يحيى بن سعيد،
عن شعبة قال: نا أبو التياح، عن مطرف، عن ابن مغفل: " أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بقتل الكلاب "، ثم قال: " ما لهم ولها؟ فرخّص في كلب الصيد،
وفي كلب الغنم "، وقال: " إذا ولغ الكلبُ في الإناء فاغسلُوه سبع مرار،
والثامنة عفًرُوه بالتراب " (3) ، (4) .
ش- يحيي بن سعيد هو القطان، وقد ذكر.
وأبو التياح- بتاء مثناة من فوق، بعدها ياء آخر الحروف مشددة، وفي
آخره حاء مهملة- اسمه: يزيد بن حميد الضبعي من أنفسهم، سمع
أنس بن مالك، وعمران بن حصين، وأبا جمرة نصر بن عمران،
وأبا زرعة، وغيرهم روى عنه: شعبة، والحمادان، والحسن بن
دينار، وغيرهم. قال أحمد: ثبت ثقة. مات سنة ثمان وعشرين ومائة.
روى له الجماعة (5) .
ومطرف بن عبد الله بن الشخير بن عوف بن كعب أبو عبد الله
البصري. روى عن عثمان بن عفان، وسمع عليّ بن أبي طالب،
وعمران بن الحصين، وعبد الله بن مغفل، وغيرهم. روى عنه: أخوه
أبو العلاء، والحسن البصري، ومحمد بن واسع، وأبو التياح، وغيرهم.
مات سنة خمس وتسعين. روى له الجماعة (6) .
__________
(1) أي: " فحينئذ ". (2) انظر المصدر السابق.
(3) زيد في سنن أبي داود بين معقوفتين: " قال أبو داود: هكذا قال ابن مغفل ".
(4) مسلم: كتاب الطهارة (28) ، النسائي: كتاب الطهارة (1/54) ، ابن ماجه:
كتاب الطهارة (365) ، وفي كتاب الصيد (3200، 3201) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/6978) .
(6) المصدر السابق (28/6001) .

(1/217)


وابن مغفل هو: عبد الله بن مغفل المزني الصحابي، وقد ذكر.
قوله: " أمر بقتل الكلاب " إنما أمر بذلك تغليظاً عليهم؛ لأنهم كانوا
متولعين بها، وهذا منسوخ؛ لأنه- عليه السلام- أمر بذلك مرة، ثم
صح أنه نهى عن قتلها، ثم إن كان الكلب عقوراً يجوز قتله، لقوله
- عليه السلام-: " خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم ... "
وعد منها " الكلب العقور " (1) ، وإن لم يكن عقوراً لم يجز قتله
مطلقاً، سواء كان للصيد أو الزرع، أو غير ذلك.
قوله: " ثم قال: ما لهم ولها؟ " أي: ما حالهم وحال الكلاب، وهذا
إشارة إلى النهي عن اقتنائها، " (2) واتفقوا على أنه يحرم اقتناء الكلاب
لغير حاجة، مثل أن يقتني كلباً إعجاباً لصورته أو للمفاخرة به، فهذا
حرام بلا خلاف، وأما الحاجة التي يجوز الاقتناء لها فقد رخص فيه
- عليه السلام-، وهو قول عبد الله بن مغفل: " فرخص في كلب
الصيد، وفي كلب الغنم "، وفي الرواية الأخرى: " وكلب الزرع "،
وهذا جائز بلا خلاف، وفي هذا المعنى من اقتناه لحراسة الدُّور والدُّرُوب،
واختُلف فيمن اقتنى كلب صيدٍ وهو لا يصيد ".
قوله: " والثامنة عفروه " أي: المرة الثامنة عفروا الإناء بالتراب. وقال
في " المطالع ": معناه: اغسلوه بالتراب، وهو من العفر- بالتحريك-
وهو التراب، يقال: عفرهُ في التراب يُعفّرُهُ عفْراً وعفرهُ تعْفيراً، أي:
مرغه، وشيء معْفُورٌ ومُعفرٌ مُترّبٌ.
وقال الشيخ محيي الدين (3) : " وأما رواية: " وعفروه الثامنة بالتراب "
__________
(1) البخاري: كتاب جزاء الصيد، باب: ما يقتلُ المحرمُ من الدواب (1829) ،
مسلم: كتاب الحج، باب: ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل
والحرم (1198/66) من حديث عائشة.
(2) انظره في شرح صحيح مسلم (3/186) .
(3) انظر: شرح صحيح مسلم (1/185) .

(1/218)


فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه سبعاً، واحدة منهن تراب مع
الماء، فكان التراب قائم مقام غسلة، فسميت ثامنة لهذا ".
قلت: هذا مخالف لصريح الحديث؛ لأن صريحه يدل على أن يكون
الغسل بالماء سبع مرات، ويكون التعفير بالتراب مرة ثامنة، وكذا روي
عن الحسن البصري أنه قال: يفتقر إلى دفعة ثامنة، وهي رواية عن الإمام
أحمد على ما ذكرناه وأخرج هذا الحديث مسلم والنسائي وابن ماجه.
***
31- باب: سؤر الهر
أي: هذا باب في بيان أحكام سؤر الهر.
64- ص- حدثنا عبدُ الله بن مسلمة القعْنبي، عن مالك، عن إسحاق
ابن عبد الله بن أبي طلحة، عن حميدة بنت عُبيد بن رفاعة، عن كبشة بنت
كعب بن مالك- وكانت تحت ابن أبي قتادة-: أن أبا قتادة دخل عليها (1)
فسكبت له وضوءاً، فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها الإناء حتى
شربت. قالت كبشة: فرآني انظر إليه، فقال: أتعجبين يا بنت أخي (2) ؟
فقلت: نعم، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنها ليستْ بنجسٍ، إنها من
الطوافين عليكم والطوافات " (3) .
ش- عبد الله بن مسلمة قد ذكر. ومالك هو مالك بن أنس الإمام،
وقد ذكر أيضاً.
وإسحاق بن عبد الله بن زيد أبي طلحة بن سهل الأنصاري النجاري
المدني، سمع أباه، وعمه أنس/بن مالك، وأبا صالح ذكوان، ورافع
ابن إسحاق، وغيرهم. روى عنه: مالك بن أنس، وابن عيينة،
__________
(1) ساقط من سنن أبي داود. (2) في سنن أبي داود: " يا ابنة أخي ".
(3) الترمذي: كتاب الطهارة (92) ، النسائي: كتاب الطهارة (1/55) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة (367) .

(1/219)


ويحيى بن سعيد الأنصاري، وغيرهم. قال أبو زرعة: هو ثقة. توفي
سنة اثنتين وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وحميدة- بفتح الحاء- بنت عُبيد بن رفاعة الأنصارية الزرقية،
روت عن كبشة بنت كعب، روى عنها إسحاق بن عبد الله، روى لها:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وكبشة بنت كعب بن مالك، روت عن أبي قتادة، روت عنها حميدة
المذكورة، روى لها: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وابن أبي قتادة اسمه: عبد الله، وأبو قتادة الحارث بن ربعي،
وكلاهما قد ذكرا.
قوله: " وضوءاً " بفتح الواو، وهو الماء الذي يتوضأ به.
قوله: " فأصغى لها الإناء " أي: أماله، ليسْهُل عليها الشربُ.
قوله: " نعم " بفتح النون، وكنانة تكسرها، وبها قراءة الكسائي،
وهي حرف تصديق ووعد وإعلام، فالأول بعد الخبر، والثاني بعد " افْعل "
و" لا تفعل "، والثالث بعد الاستفهام.
قوله: " إنها ليست بنجس " بفتح الجيم، يقال لكل مستقذر نجسٌ، قال
الله تعالى: (إنّما المُشْركُون نجس) (4) ، وهذا تعليل لإصغائه الإناء
لها.
وقوله: " إنها من الطوافين عليكم " تعليل لقوله: " إنها ليست بنجس "،
والطوافون هم بنو آدم، يدخل بعضهم على بعض بالتكرار، والطوافات
هي المواشي التي يكثر وجودها عند الناس، مثل الغنم والبقر والإبل،
وجعل النبي- عليه السلام- الهر من القبيلين، لكثرة طوافه واختلاطه
بالناس، وأشار إلى الكثرة بصيغة التفعيل؛ لأنه للتكثير والمبالغة،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/366) .
(2) المصدر السابق (35/7822) . (3) المصدر السابق (35/7916) .
(4) سورة التوبة: (28) .

(1/220)


وموصوف كل واحد من الطوافين والطوافات محذوف، أقيمت الصفة
مقام موصوفها، ويقدر ذلك بحسب ما يليق له، مثل ما يقال: خدمٌ
طوافون، وحيوانات طوافات، وقد قال الله تعالى: (طوافُون عليكم
بعْضُكُمْ على بعْض) (1) يعني المماليك والخدم الذين لا يُقْدر على
التحفظ منهم غالبا، ويروى: " والطوافات " بواو العطف كما وقع
هاهنا، ويروى بأو التي للشك وغيره، وروي الوجهان عن مالك- رحمه
الله-، واحتج بذلك أبو يوسف من أصحابنا على أن سؤر الهر طاهر
غير مكروه، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، وقال أبو حنيفة ومحمد:
طاهر مكروه، واحتجا بقوله- عليه السلام-: " السنور سبُع " رواه
الحاكم في " مستدركه " من حديث عيسى بن المسيب، ثنا أبو زرعة، عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السنور سبُع ". قال الحاكم:
حديث صحيح ولم يخرجاه (2) .
ورواه أيضاً الدارقطني في " سننه " في حديث طويل آخره: " السّنّورُ
سبُع "، ثم أخرجه مختصراً من جهة وكيع ومحمد بن ربيعة كلاهما عن
عيسى بن المسيب (3) ، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
- عليه السلام-: " السنور سبُع " وقال وكيع: " الهر سبُع " (4) .
ووجه الاستدلال: أن المراد منه بيان الحكم لا بيان الخلقة؛ لأنه- عليه
السلام- مبعوث لبيان الأحكام والشرائع، لا لبيان الحقائق، فيكون
حكم الهر كحكم السباع في النجاسة، ولكن النجاسة سقطت بعلة
الطّوْف، فانتفت النجاسة، وبقيت الكراهة عملاً بالحديثين. وقال بعض
أصحابنا: إن حديث الطوْف محمول على ما قبل التحريم فح (5) يكون
هذا الحديث منسوخا، فلم يبق العمل إلا بالحديث الثاني. وحديث
الطوْف أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا
__________
(1) سورة النور: (58) . (2) (1/183) .
(3) في الأصل: " سعيد بن المسيب " خطا (4) سنن الدارقطني (1/63) .
(5) أي: " فحينئذٍ ".

(1/221)


حديث حسن صحيح. وقال: وهذا أحسن شيء في هذا الباب، وقد
جود مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يأت
أحد أتم من مالك، وقال البخاري: جود مالك بن أن هذا الحديث،
وروايته أصح من رواية غيره.
65- ص- حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: [ثنا] عبد العزيز، عن داود
ابن صالح بن دينار التّمار، عن أمه، أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة
- رضي الله عنها- فوجدتها تُصلي، فأشارت إليّ أن ضعيها، فجاءت هرةٌ
فأكلت منها، فلما انصرفتْ أكلت من حيث أكلت الهرةُ، فقالت: إن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنها ليستْ بنجس، إنما هي من الطّوافين عليكم،
/وقد رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ بفضْلها " (1) .
ش- عبد العزيز بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي أبو محمد
الجهني مولاهم المدني، وقد ذكر مرة.
وداود بن صالح الأنصاري مولاهم التمار، قيل: إنه مولى أبي قتادة
الأنصاري، سمع أبا أمامة بن سهل، وسالم بن عبد الله، وأباه صالحاً،
وروى عن أمه. روى عنه: عبد العزيز الدراوردي، وهشام بن عروة،
والوليد بن كثير، وغيرهم. قال أحمد: لا أعلم به بأساً. روى له
أبو داود (2) .
قوله: " بهريسة " الهريسةُ: طعام من قمح ولحم مدقوق، من الهرْس
وهو الدق.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد: الأولى: جواز الإهداء بالطعام وقبوله.
والثانية: جواز إشارة المصلي بيده أو عينه.
والثالثة: جواز أكل سؤر الهرة.
والرابعة: جواز التوضئ بسؤر الهرة.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1764) .

(1/222)


وروى هذا الحديث الطحاوي في " شرح الآثار "، والدارقطني في
" سننه " ثم قال: تفرد به عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن داود بن
صالح، عن أمه بهذه الألفاظ (1) ، والله أعلم.
***
32- باب: الوُضوء بفضل وضوء المرأة
أي: هذا باب في بيان أحكام الوُضوء بفضل وضوء المرأة. الوُضوء
الأول بضم الواو اسم للفعل، والثاني بفتح الواو اسم الماء الذي يتوضأ
66- ص- حدثنا مسدد قال: ثنا يحيى، عن سفيان قال: حدثني
منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
" كُنتُ أغتسلُ أنا ورسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إناء واحد ونحنُ جُنُبان " (2) .
ش- مسدد بن مسرهد، ويحيى القطان، وسفيان الثوري، ومنصور
ابن المعتمر، وإبراهيم النخعي، والأسود بن يزيد، كلهم ذكروا.
قوله: " ورسول الله " عطف على قوله: " أنا "، وقد علم أن العطف
على المرفوع المتصل لا يجوز إلا إذا أكد بمنفصل، نحو: ضربت أنا
وزيد، ولا يجوز: ضربت وزيد، وذلك لأن المتصل المرفوع لما تأكد
اتصاله صار كالجزء، فإذا عطفت عليه توهم عطف الاسم على الفعل.
قوله: " ونحن جنبان " جملة اسمية وقعت حالاً من المعطوف والمعطوف
__________
(1) سنن الدارقطني (1/70) .
(2) البخاري: كتاب الغسل، باب: غسل الرجل مع امرأته (250) ، مسلم:
كتاب الطهارة، باب: القدر المستحب في غسل الجنابة (319) ، الترمذي:
كتاب الطهارة، باب: ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد (62) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر اغتسال الرجل والمرأة من نسائه في إناء
واحد (1/129) .

(1/223)


عليه، وقوله: " جنبان " على إحدى اللغتين في الجنب، أنه يثنى ويجمع
فيقال: جنبان وجنبون وأجناب، واللغة الأخرى: رجل جنب، ورجلان
جنب، ورجال جنب، ونساء جنب، بلفظ واحد، قال الله تعالى:
(وإن كُنتُمْ جُنُباً) (1) ، وقال: (ولا جُنُباً إلا عابري سبيل) (2) ، وهذه
اللغة أفصح وأشهر. ويستفاد من هذا الحديث فوائد:
الأولى: أن الجنب ليس بنجس.
والثانية: أن فضل وضوء المرأة طاهر.
والثالثة: جواز اغتسال الاثنين أو أكثر من إناء واحد.
وأخرج النسائي هذا الحديث مختصراً، ومسلم من حديث أبي سلمة بن
عبد الرحمن، عن عائشة، والبخاري من حديث عروة، عن عائشة
قالت: " كنت أغتسلُ أنا ورسولُ الله- عليه السلام- من إناء واحد من
جنابة ".
67- ص- حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: نا وكيع، عن أسامة بن
زيد، عن ابن خربوذ، عن أم صُبية الجهنية قالت: " اختلفتْ يدي ويدُ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الوُضوء من إناء واحد " (3)
ش- أسامة بن زيد الليثي مولاهم أبو زيد المدني، روى عن: يعقوب
ابن عبد الله بن أبي طلحة، وأبي سعيد مولى عبد الله بن عامر بن كريز،
ونافع، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، والزهري، وغيرهم.
روى عنه: الثوري، وابن المبارك، وابن وهب، ووكيع، وغيرهم.
قال ابن معين: هو ثقة حجة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج
به. وقال النسائي: ليس بالقوي. روى له الجماعة، واستشهد به
البخاري (4) .
__________
(1) سورة المائدة: (6) . (2) سورة النساء: (43) .
(3) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الرجل والمرأة يتوضأن من إناء واحد
(382) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/317) .

(1/224)


وابن خربوذ هو سالم بن سرْج- بالجيم-، وهو ابن خرّبُوذ
أبو النعمان، ويقال سالم بن النعمان، مولى أم صُبية الجهنية، روى عن
مولاته أم صُبية ولها صحبة. روى عنه أسامة بن زيد المدني وغيره. وثقه
ابن معين وغيره. روى له البخاري في " الأدب "، وأبو داود، وابن
ماجه (1) .
و" خربُوذ " بفتح الخاء المعجمة، والراء المشددة،/وضم الباء
الموحدة، وفي آخره ذال معجمة، وهو لا ينصرف للعلمية والعجمة.
وأم صُبية اسمها: خولة بنت قيس بن قهد بن قيس بن ثعلبة بن غنم بن
مالك بن النجار. روى عنها معروف (2) بن خربوذ، روى لها أبو داود،
وابن ماجه (3) .
و" أم صُبية " بضم الصاد، وفتح الباء الموحدة، وتشديد الياء آخر
الحروف وفتحها، وبعدها تاء تأنيث.
قوله: " اختلفت يدي ويدُ رسول الله " بمعنى: أنها كانت تغرف هي مرة
ورسول الله مرة. ويستفاد من هذا فائدتان: الأولى: جواز توضئ
الاثنين من إناء واحد.
والثاني: جواز توضئ الرجل والمرأة من إناء واحد.
وأخرج هذا الحديث ابنُ ماجه.
68- ص- حدّثنا مسدد قال: نا حماد، عن أيوب، عن نافع ج، وحدثنا
عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: " كان الرجالُ
والنساءُ يتوضوءُون في زمان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". قال مسدد: " من الإناء
الواحد جميعاً " (4) .
__________
(1) المصدر السابق (10/2147) . (2) كذا (3) المصدر السابق (35/7987) .
(4) البخاري: كتاب الوضوء، باب: وضوء الرجل مع امرأته (193) ، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: وضوء الرجال والنساء جميعاً (1/57) ، ابن ماجه:
كتاب الطهارة، باب: الرجل والمرأة يتوضأن من إناء واحد (381) .
15. شرح سنن أبي داوود 1

(1/225)


ش- حماد بن زيد، وأيوب السختياني، ونافع مولى ابن عمر،
ومالك بن أنس ذكروا كلهم.
روى أبو داود هذا الحديث من طريقين كما ترى.
قوله: " جميعاً " حال من الرجال والنساء، والمعنى مجتمعين.
وأخرجه النسائي وابن ماجه، وأخرجه البخاري وليس فيه: " من الإناء
الواحد ".
69- ص- حدّثنا مسدد قال: ثنا يحيى، عن عبيد الله قال: حدثني نافع،
عن عبد الله بن عمر قال: " كنا نتوضأ نحنُ والنساءُ ونغتسلُ من إناء واحد
على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " زاد فيه: " نُدْلي فيه أيدينا " (1) ، (2) .
ش- يحيى هو القطان، وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص بن عاصم
ابن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أبو عثمان المدني، أخو عبد الله
وأبي بكر وعاصم، سمع أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص،
وسالم بن عبد الله، وكريباً مولى ابن عباس، وسعيداً (3) المقبري،
ونافعاً مولى ابن عمر، وعمرو بن الدينار وغيرهم. روى عنه: أيوب
السختياني، وحميد الطويل، وابن جريج، والثوري، والليث بن
سعد، ويحيى القطان، وابن المبارك، وجماعة آخرون كثيرة. روى له
الجماعة (4) .
قوله: " والنساء " عطف على قوله: " نحن "، وقد قلنا: إن الضمير
المرفوع المتصل لشدة اتصاله بالفعل، لا يعطف عليه إلا بضمير منفصل،
حتى لا يتوهم عطف الاسم على الفعل.
قوله: " ندلي " من الإدلاء، والإدلاء: هو إرسال الدلو في البئر،
__________
(1) في سنن أبي داود: " كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء
واحد، ندلي فيه أيدينا " كذا.
(2) انظر التخريج السابق. (3) في الأصل: " وسعيد ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3668) .

(1/226)


يقال: اً دْليْتُ الدلو ودلّيْتُها إذا أرسلتها، ودلوْتُها أدْلُوها فأنا دال إذا
أخرجتها، والمعنى هاهنا: إرسال أيديهم في الإناء مثل ما يرسلُ الدلو.
ويستفاد من هذا الحديث جواز توضئ الرجال والنساء واغتسالهم من
إناء واحد، ولكن المراد من هذا توضؤُ النساء واغتسالهن مع أزواجهن لأن
" الألف واللام " في قوله: " والنساء " بدل من المضاف إليه، والتقدير:
نتوضأ نحن ونساؤنا، يعني: أزواجنا، وذلك لأن الأجنبية لا يجوز لها
أن تغتسل مع الرجل من إناء واحد؛ لأن الاختلاء بها حرام والاغتسال لا
يكون إلا في الخلوة، لاحتياج الإنسان إلى كشف البدن، يدل على ذلك
ما مر من حديث عائشة- رضي الله عنها-، وأما توضؤ المرأة مع الرجل
الأجنبي من إناء واحد، فظاهر حديث أم صُبية يدل على جوازه، ولأن
فيه لا يحتاج إلى الاختلاء، ولا كشف العورة، ووجه الحرة ويداها ليست
بعورة، وفي قدمها روايتان.
***
33- باب: النهي عن ذلك
أي: هذا باب في بيان حكم النهي عن توضئ الرجل واغتساله بفضل
المرأة.
70- ص- حدثنا أحمد بن يونس قال: نا زهير، عن داود بن عبد الله.
ج وحدثنا مسدد قال: نا أبو عوانة، عن داود بن عبد الله، عن حُميد
الحمْيري قال: لقيتُ رجلاً صحب رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع سنين- كما صحبهُ
أبو هريرة- قال: " نهى رسولُ الله أن تغتسل المرأةُ بفضل الرجل، أو يغتسل
الرجلُ بفضل المرأة "، زاد مسدد: " وليغْترفا جميعاً " (1) .
ش- زهير هو ابن معاوية، وداود بن عبد الله الأودي، وأبو عوانة
اسمه: الوضاح، وحميد بن عبد الرحمن، ذكروا كلهم.
__________
(1) النسائي: كتاب الظهارة، باب: ذكر النهي عن الاغتسْال بفضل الجنب
(1/130) .

(1/227)


/قوله: " بفضل الرجل " أي: بالماء الذي فضل من الرجل، وبالماء
الذي فضل من المرأة. " (1) وجه الجمع بين أحاديث هذا الباب وأحاديث
الباب الذي قبله أن النهي هاهنا إنما وقع عن التطهر بفضل ما تستعمله المرأة
من الماء، وهو ما سال من أعضائها دون الفضل الذي تُسْئرُهُ في الإناء،
وجواب آخر: أن النهي محمول على الاستحباب، وجواب آخر: أن
إسناد عائشة في الإناء أجود من إسناد خبر النهي. وقال محمد بن
إسماعيل البخاري: حديث الأقرع لا يصح، والصحيح في هذا الباب
حديث عبد الله بن سرجس، وهو موقوف، ومن رفعه فقد أخطأ ".
والإجماع على أن تطهر الرجل والمرأة من إناء واحد جائز، وكذلك
تطهر المرأة بفضل الرجل جائز بالإجماع، وأما تطهر الرجل بفضلها فهو
جائز عند جماهير العلماء منهم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي سواء
خلت به أو لم تخلْ، وذهب أحمد بن حنبل وداود إلى أنها إذا خلت
بالماء واستعملته لا يجوز للرجل استعمال فضلها، وروى هذا عن عبد الله
ابن سرجس، والحسن البصري، ورُوي عن أحمد كمذهب الجمهور،
ورُوي عن الحسن، وسعيد بن المسيب كراهة فضلها مطلقاً، والمختار ما
قاله الجماهير للأحاديث الصحيحة التي وردت في تطهره- عليه السلام-
مع أزواجه، وكل واحد منهما مستعمل فضل صاحبه، ولا تأثير للخلوة،
وقد ثبت في الحديث الآخر: " أنه- عليه السلام- اغتسل بفضل بعض
أزواجه " رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي وأصحاب السنن. قال
الترمذي: هو حديث حسن صحيح.
قوله: " وليغترفا جميعاً " أي: ليغترف الرجل والمرأة مجتمعين في حالة
واحدة، وهذه الزيادة في رواية مسدد. وأخرج هذا الحديث النسائي.
71- ص- حدثنا ابن بشار قال: ثنا أبو داود قال: ثنا شعبة، عن عاصم،
__________
(1) انظر: معالم السنن (1/36) .

(1/228)


عن أبي حاجب، عن الحكم بن عمرو- وهو الأقرع-: " أن النبي- عليه
السلام- نهى أن يتوضأ الرجلُ بفضْل طهور المرأة ".
ش- ابن بشار هو محمد بن بشار بُنْدار، وقد ذكر.
وأبو داود هذا هو سليمان بن داود بن الجارود أبو داود الطيالسي
البصري، أصله فارسي، مولى القريش (1) . وقال ابن معين: مولى
لآل (2) الزبير بن العوام، سمع الثوري، وشعبة، وأبان العطار،
وهشاماً الدسْتُوائي، وأبا عوانة، وابن المبارك، وجماعة آخرين. روى
عنه: أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه عثمان، ومحمد
ابن بشار، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن سعد، وجماعة آخرون.
وعن عمرو بن علي: ما رأيت في المحدثين أحفظ من أبي داود الطيالسي
سمعته يقول: أسردُ ثلاثين ألف حديث ولا فخر. وقال يونس بن
حبيب: قدم علينا أبو داود فأملى علينا من حفظه مائة ألف حديث، أخطأ
في سبعين موضعاً فأصلحوها، مات سنة أربع ومائتين وهو ابن إحدى
وسبعين، روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه (3) .
وشعبة هو ابن الحجاج، وعاصم بن سليمان الأحول.
وأبو حاجب سوادة بن عاصم العنزي أبو حاجب، وليس بأخي نصر
ابن عاصم. روى عن: الحكم بن عمرو الغفاري، وعائذ بن عمرو.
روى عنه: سليمان التيمي، وعاصم الأحول، وشعبة. قال ابن معين:
ثقة. روى له: الترمذي، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه (4) .
والحكم بن عمرو بن مُجْدح (5) بن حذْيم بن حُلْوان بن الحارث
__________
(1) في الأصل: " لقريش ". (2) في الأصل: " مولى ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2507) .
(4) المصدر السابق (12/2635) .
(5) كذا بالحاء، وفي أسد الغابة والإصابة وتهذيب الكمال: " مُجدع " بالعين=

(1/229)


الغفاري ويقال له: الحكم بن الأقرع. قال ابن سعد: صحب النبي
- عليه السلام- حتى قبض ثم تحول إلى البصرة فنزلها. انفرد به البخاري
فروى له حديثاً واحداً. روى عنه: عبد الله بن الصامت، وسوادة بن
عاصم، وابن سيرين، وغيرهم. توفي بمرو سنة خمسين، ودفن هو
وبريدة الأسلمي الصحابي في موضع واحد. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " بفضل طهور المرأة " بفتح الطاء، وقد ذكرنا حكم هذا
الحديث، وقد قال جماعة من المحدثين: إن هذا الحديث لا يصح، ومنهم
البخاري كما ذكرنا. وقال البخاري: سوادة بن عاصم أبو حاجب
العنزي لا أراه يصح عن الحكم بن عمرو. وأخرج الترمذي وابن ماجه
هذا الحديث. وقال الترمذي: " هذا حديث حسن "، ولو كان صحيحاً
لنص عليه، وأشار الخطابي أيضاً إلى عدم صحته.
***

/34- بابُ: الوضوء بماء البحر
أي: هذا باب في بيان حكم التوضئ بماء (2) البحر.
72- ص- حدّثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن صفوان بن سليم،
عن سعيد بن سلمة بن الأزرق من آل (3) ابن الأزرق: أن المغيرة بن أبي بردة
- وهو من بني عبد الدار- أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: سأل رجلٌ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا رسول الله، إنّا نركبُ البحر، ونحملُ معنا القليل
__________
= المهملة، وقال محققه: " جاء في حاشية نسخة المؤلف بخطه: كذا قيده ابن
ماكولا (7/223) ، وقال غيره: مجدح بالحاء ". قلت: وكذا هو في
الاستيعاب، إلا أنه تصحف إلى " محدج " بالجيم.
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب (1/314) بهامش الإصابة، وأسد الغابة
(2/40) ، والإصابة (1/346) .
(2) في الأصل: " بباب ". (3) في الأصل: " مولى " خطأ.

(1/230)


من الماء، فإن توضأ نا به عطشْنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" هو الطهُورُ ماؤُه، الحل ميتتهُ " (1) .
ش- مالك هو: ابن أنس الإمام.
وصفوان بن سليم المدني أبو عبد الله، ويقال: أبو الحارث الزهري
أبوه سُليم مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف. روى عن: عبد الله
ابن عُمر، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر، وسمع أنس بن
مالك، وحميد بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري،
وغيرهم. روى عنه: مالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وزياد بن
سعد، وجماعة آخرون. قال أحمد: ثقة، من خيار عباد الله. توفي
بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وسعيد بن سلمة المخزومي من آل بني (3) الأزرق، روى عن المغيرة بن
أبي بردة. روى عنه: صفوان بن سليم، روى له أبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه (4) .
والمغيرة بن أبي بردة رجل من بني [عبد] الدار، روى عن أبي هريرة 0
روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وصفوان بن سليم، وأبو مرزوق
التُجيبي، وغيرهم. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه (5) .
قوله: " وهو من بني [عبد] الدار " أي: المغيرة بن أبي بردة رجل من
بني [عبد] الدار.
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في ماء البحر أنه طهور (69) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: في ماء البحر (1/50) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: الوضوء بماء البحر (386) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/2882) .
(3) كذا.
(4) المصدر السابق (10/2289) .
(5) المصدر السابق (28/6123) .

(1/231)


قوله: " هو الطهور ماؤه " " هو " مبتدأ، و " الطهور " مبتدأ ثان، و " ماؤه"
خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول.
ويجوز أن يكون ارتفاع " ماؤه " بإسناد " الطهُور " إليه، ويكون الفاعل
مع فعله خبراً للمبتدأ؛ لأن الطّهور اسم بمعنى المطهّر، واسم الفاعل
يعمل عمل فعله كما عرف في موضعه، وهذا التركيب فيه القصر؛ لأن
المبتدأ والخبر وقعا معرفتين، وهو من جملة طرق القصر، وهو من قبيل
قصر الصفة على الموصوف؛ لأنه قصر الطهورية على ماء البحر، وقصر
الصفة على الموصوف أن لا تجاوز الصفة ذلك الموصوف إلى موصوف
آخر، لكن يجوز أن يكون لذلك الموصوف صفات أخر، وهذا قصر
ادعائي، وهو يكون فيما إذا قصد به المبالغة لعدم الاعتداد بغيره؛ لأنه لا
يجوز أن يكون قصراً حقيقيا؛ لأن الطهورية ليست بمقصورة على ماء البحر
فقط، ولكن النبي- عليه السلام- لشدة اعتنائه ببيان طهورية ماء البحر
قصرها عليه مبالغة " وادعاء، وهذا من قبيل القصر القلب؛ لأن السائل كان
في اعتقاده أن التوضأ بماء البحر غير جائز، فأثبته- عليه السلام- بعكس
ما في قلبه، ويجوز أن يكون قصر تعيين؛ لأنه كان يتردد بين جواز
الوضوء به، وبن عدمه من غير علم بالتعيين، فعينه- عليه السلام-
بقوله: " هو الطهور ماؤه "، وهذا أولى من الأول، فافهم.
قوله: " الحل ميتته " التقدير: هو الحل ميتته، والكلام فيه مثل الكلام
في " هو الطهور ماؤه "، والحل- بكسر الحاء- بمعنى الحلال ضد
الحرام، من حلّ يحلُّ من باب ضرب يضرب ويقال: رجل حلال وحل
وحرام وحرم، و " الميتة " بفتح الميم، وعوام الرواة يكسرون الميم وهو
خطأ، ولما كان بين الجملتين اتصالاً ومماسه في الحكم فصل بينهما ولم
يوصل بالعاطف، لئلا يُشعر إلى المغايرة.
واحتج مالك والشافعي وأحمد بهذا الحديث على أن جميع ما في البحر
حلال إلا الضفدع في رواية عن أحمد وقول الشافعي، وعنهم: لا يحل
في البحر ما لا يحل مثله في البر. وقال أصحابنا: لا يؤكل من حيوان

(1/232)


الماء إلا السمك بأنواعه لقوله تعالى: (ويُحرّمُ عليْهمُ الخبائث) (1) وما
سوى السمك خبث، والجواب عن الحديث: أن الميتة فيه محمولة على
السمك بدليل قوله- عليه السلام-: " أحلت لنا ميتتان ودمان، أما
الميتتان: فالسمك والجراد " (2) الحديث.
ويستفاد من هذا الحديث/فوائد:
الأولى: أن العالم والمُفْتي إذا سئل عن شيء وهو يعلم أن بالسائل
حاجة إلى معرفة ما وراءه من الأمور التي تتضمنها مسألته كان مستحبا له
تعليمه إياه، ألا ترى أن السائل سأله - عليه السلام- عن ماء البحر لا
رأى تغيره في اللون، وملوحته في الطعم؟ أجابه- عليه السلام- وزاد
فائدة أخرى، وهي كون ميتته حلا، وذلك لاحتياجه إليه أو كأنه- عليه
السلام- علم بالوحي أنه كان يسأل عن ميتته أيضاً، فأجابه قبل السؤال
إسراعاً إلى فضيلة التعليم.
الثانية: أن العالم إذا تفرد بالجواب يتعين عليه ذلك.
الثالثة: أنه يحب على كل أحد أن يسأل أهل العلم عما لا يعلمه أو
يتردد فيه.
الرابعة: فيه دليل على أن الماء لا يفسد بموت السمك فيه، وعلى قول
الخصوم لا يفسد بموت جميع ما فيه من الحيوان، ومنهم من استثنى
الضفدع لأنه- عليه السلام- ينهى عن قتله.
الخامسة: فيه دليل على أن ماء البحر يجوز به التوضؤ والاغتسال.
السادسة: فيه دليل على أن السمك يجوز أكله بجميع أنواعه إلا الطافي
منه، لورود النهي عن الطافي.
السابعة: فيه دليل على أن السمك لا ذبح فيه، لإطلاق اسم الميتة عليه.
__________
(1) سورة الأعراف: (157) .
(2) ابن ماجه: كتاب الأطعمة، باب: الكبد والطحال (3314) .

(1/233)


وأخرج هذا الحديث الترمذيُّ، والنّسائيُّ، وابن ماجه. وقال
الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الترمذي: سألت محمد بن
إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: هو حديث صحيح.
قال البيهقي: وإنما لم يخرجه البخاري ومسلم في " صحيحيهما "
لأجل اختلاف وقع في اسم سعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بردة.
***
35- باب: الوضوء بالنبيذ
أي: هذا باب في بيان حكم الوضوء بنبيذ التمر. النبيذ: ما يعمل من
الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير، وغير ذلك. يقال:
نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذاً، فصُرف من مفعول
إلى فعيل. وانتبذته: اتخذته نبيذاً، وسواء كان مسكراً أو غير مسكر فإنه
يقال له: نبيذ، ويقال للخمر المعتصر من العنب نبيذ، كما يقال للنبيذ
خمرٌ.
73- ص- حدّثنا هناد وسليمان بن داود العتكي، قالا: ثنا شريك، ص 0
أبي فزارة، عن أبي زيد، عن عبد الله بن مسعود: أن النبيّ- عليه السلام
قال [له] (1) ليلة الجنّ: " ما في إداوتك؟ " قال: نبيذٌ، قال: " تمْرةٌ طيبّة
وماءٌ طهور ". قال أبو داود: قال سليمان بن داود: عن أبي زيد أو زيد قال:
كذا قال شريك، ولم يذكر هناد " ليلة الجن " (2) .
ش- هناد هو ابن السرى، وسليمان بن داود، وشريك بن عبد الله
النخعي، قد ذكروا.
وأبو فزارة راشد بن كيسان العبسي أبو فزارة الكوفي، روى عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى، وميمون بن مهْران، ويزيد بن الأصم، وأبي زيد
__________
(1) زيادة من سنن أبي داود.
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء بالنبيذ (88) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: الوضوء بالنبيذ (384) .

(1/234)


] مولى] عمرو بن حريث. روى عنه: جرير بن حازم، وسفيان
الثوري، وشريك، وحماد بن زيد، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: صالحٌ. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي،
وابن ماجه (1) .
وأبو زيد مولى عمرو بن حريث، ولا يُعرف له اسم (2) .
وزيد بن وهب الجهني، وقد ذكر.
قوله: " في إداوتك " الإداوة بكسر الهمزة: إناء صغير من جلد يُتخذ
للماء كالسطحة ونحوها، وجمعها " أداوى "، ويجوز أن تكون كلمة
" ما " في قوله: " ماذا (3) في إداوتك؟ " استفهاماً، و " ذا " إشارة نحو:
ماذا التواني؟ ويجوز أن تكون " ما " استفهاماً و " ذا " موصولة،
والمعنى: ما الذي في إداوتك؟ ويجوز أن تكون " ماذا " كله استفهاماً على
التركيب، ويجوز أن تكون " ما " استفهاماً و " ذا " زائدة، والتقدير: ما
في إداوتك؟ وقد أجاز هذا الوجه جماعة منهم: ابن مالك.
قوله: " نبيذ " مرفوع على الابتداء وخبره محذوف، والتقدير: فيها
نبيذ؟، والنكرة تقع مبتدأ إذا كان خبره ظرفاً مقدماً نحو: في الدار رجل،
وهو من جملة المخصصات.
قوله: " تمرة طيبة " ارتفاع " تمرة لما على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي:
هو تمرة. وارتفاع " طيبة " على أنها صفة للتمرة، والطيب خلاف
الخبيث، والطهور بفتح الطاء.
/وقد احتج أبو حنيفة بهذا الحديث أن الرجل إذا لم يجد إلا نبيذ التمر
يتوضأ ولا يتيمم. وقال أبو يوسف: لا يتوضأ به ويتيمم (4) ، وهو قول
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/1828) .
(2) المصدر السابق (33/7375) .
(3) كذا، ولفظ الحديث: " ما ".
(4) في الأصل: " يتوضأ ولا يتيمم به " خطأ، وانظر: المجموع للإمام النووي
(1/93) .

(1/235)


أبي حنيفة المرجوع إليه، وقول مالك والشافعي وأحمد وزفر، وقال
محمد: يجمع بين الوضوء به والتيمم، وقد دفعوا هذا الحديث بثلاثة (1)
علل: " (2) الأولى: جهالة أبي زيد، فقد قال الترمذي: أبو زيد رجل
مجهول لا يعرف له غير هذا الحديث. وقال ابن حبان في كتاب
" الضعفاء ": أبو زيد شيخ يروي عن ابن مسعود وليس يُدرى من هو،
ولا يعرف أبوه ولا بلده، ومن كان بهذا النعت، ثم لم يرو إلا خبرا
واحداً خالف فيه الكتاب والسُّنة والإجماع والقياس، استحق مجانبته.
وقال ابن أبي حاتم في " كتاب العلل ": سمعت أبا زرعة يقول: حديث
أبي فزارة في الوضوء بالنبيذ ليس بصحيح، وأبو زيد مجهول، وذكر ابن
عدي عن البخاري قال: أبو زيد الذي روى حديث ابن مسعود في
الوضوء بالنبيذ مجهول لا يعرف بصحبة عبد الله، ولا يصح هذا الحديث
عن النبي- عليه السلام-، وهو خلاف القرآن.
والعلة الثانية: هي التردد في أبي فزارة، فقيل: هو راشد بن كيسان،
وهو ثقة أخرج له مسلم، وقيل: هما رجلان، وهذا ليس براشد بن
كيسان، وإنما هو رجل مجهول، وقد نقل عن الإمام أحمد أنه قال:
أبو فزارة في حديث ابن مسعود رجل مجهول، وذكر البخاري أن أبا فزارة
العبسي غير مسمى فجعلهما اثنين.
العلة الثالثة: هي إنكار كون ابن مسعود شهد ليلة الجن، وذلك لما
روى مسلم من حديث الشعبي عن علقمة قال: " سألت ابن مسعود هل
كان منكم أحد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا ... " (2) الحديث، وفي
لفظ له قال: " لم أكن مع النبي- عليه السلام- ليلة الجن، ووددت
أني كنت معه " (3) . وما روى أبو داود عن علقمة قال: قلت لعبد الله
ابن مسعود: من كان منكم مع النبي- عليه السلام-؟ قال:
__________
(1) كذا.
(2) انظر: نصب الراية (1/138- 139) .
(3) مسلم (: كتاب الصلاة، باب: الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن (450) .

(1/236)


" ما كان معه منا أحد ". ورواه الترمذي أيضاً في تفسير سورة
الأحقاف " (1) .
والجواب عن العلة الأولى: أن هذا الحديث رواه جماعة عن أبي فزارة،
فرواه عنه شريك كما أخرجه الترمذي وأبو داود، ورواه سفيان، والجراح
ابن مليح كما أخرجه ابن ماجه، ورواه عنه إسرائيل كما أخرجه عبد الرزاق
في " مصنفه " (2) ، ورواه عنه قيس بن الربيع كما أخرجه عبد الرزاق (2) ،
والجهالة عند المحدثين نزول برواية اثنين فصاعداً، فأين الجهالة بعد ذلك؟
إلا أن يراد جهالة الحال، هذا وقد صرح ابن عدي بأنه راشد بن كيسان
فقال: مدار هذا الحديث على أبي فزارة عن أبي زيد، وأبو فزارة اسمه
كيسان، وهو مشهور، وأبو زيد [مولى] عمرو بن حريث مجهول،
وحكي عن الدارقطني أنه قال: أبو فزارة في حديث النبيذ اسمه: راشد
ابن كيسان. وقال ابن عبد البر في كتاب " الاستيعاب ": أبو فزارة العبسي
راشد بن كيسان ثقة عندهم.
والجواب عن العلة الثالثة: أن هذا الحديث له سبعة طرق جميعها أن
ابن مسعود كان مع النبي- عليه السلام- " (3) الأول: ما رواه أحمد في
" مسنده "، والدارقطني في " سننه ": عن سعيد مولى بني هاشم، عن
حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن ابن مسعود: أن
النبي- عليه السلام- قال له ليلة الجن: " أمعك ماء؟ " قال: لا.
قال: " أمعك نبيذ؟ " قال: أحسبه قال: نعم فتوضأ به " (4) .
__________
(1) يأني برقم (74) ، وإلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) (1/179) .
(3) انظر هذه الطرق والروايات بالتفصيل في: نصب الراية (1/141- 147) .
(4) أحمد (1/455) ، الدارقطني (1/77) ، وقال الدارقطني: " علي بن زيد
ضعيف، وأبو رافع لم يثبت سماعه من ابن مسعود، وليس هذا الحديث في
مصنفات حماد بن سلمة، وقد رواه أيضاً عبد العزيز بن أبي رزمة، وليس هو
بقوي ".

(1/237)


الثاني: ما رواه الدارقطني من طريق محمد بن [عيسى بن] حيان،
عن الحسن بن قتيبة، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن
أبي عبيدة وأبي الأحوص، عن ابن مسعود قال: مر بي رسول الله- غليه
السلام- فقال: " خذ معك إداوة من ماء "، ثم انطلق وأنا معه، فذكر
حديثه ليلة الجن، وفيه (1) : " فلما أفرغت عليه من الإداوة إذا هو نبيذ،
فقلت: يا رسول الله، أخطأت بالنبيذ، فقال: تمرة حلوة وماء عذب " (2) .
الثالث: ما رواه الدارقطني أيضاً عن معاوية بن سلام عن أخيه زيد،
عن جده أبي سلام، عن ابن غيلان الثقفي: أنه سمع عبد الله بن مسعود
يقول: " دعاني رسول الله ليلة الجن بوضوء، فجئته بإداوة فإذا فيها نبيذ،
فتوضأ رسول الله- عليه السلام- " (3) .
الرابع: ما رواه الدارقطني أيضاً عن الحسين بن عبيد الله العجلي، ثنا
أبو معاوية، عن الأعمش،/عن أبي وائل قال: سمعت ابن مسعود
يقول: " كنت مع النبي- عليه السلام- ليلة الجن، فأتاهم فقرأ عليهم
القرآن، فقال لي رسول الله في بعض الليل: أمعك ماء يا ابن مسعود؟
قلت: لا والله يا رسول الله إلا إداوة فيها نبيذ، فقال- عليه السلام-:
تمرة طيبة، وماء طهور، فتوضأ به " (4) .
الخامس: ما رواه الطحاوي في " كتابه ": حدثنا يحيى بن عثمان، ثنا
أصبغ بن الفرج وموسى بن هارون البردي قالا: ثنا جرير بن عبد الحميد،
عن قابوس، عن أبيه، عن ابن مسعود قال: " انطلق رسول الله إلى
البراز فخط خطا وأدخلني فيه، وقال: لا تبرح حتى أرجع إليك،
__________
(1) غير واضحة في الأصل، وغير موجودة في سنن الدارقطني.
(2) الدارقطني (1/78) وقال: " تفرد به الحسن بن قتيبة، عن يونس، عن
أبي إسحاق، والحسن بن قتيبة ومحمد بن عيسى ضعيفان ".
(3) الدارقطني (1/78) وقال: الرجل الثقفي الذي رواه عن ابن مسعود مجهول.
قيل: اسمه عمرو، وقيل: عبد الله بن عمرو بن غيلان.
(4) الدارقطني (1/78) وقال: " الحسن بن عبيد الله يضع الحديث على الثقات ".

(1/238)


ثم أبطاً فما جاء حتى السّحر، وجعلت أسمع الأصوات، ثم جاء
فقلت: أين كنت يا رسول الله؟ قال: أُرْسلت إلى الجن، فقلت: ما
هذه الأصوات التي سمعت؟ قال: هي أصواتهم حين ودعوني وسلموا
علي ". قال الطحاوي: ما علمنا لأهل الكوفة حديثاً يثبت أن ابن مسعود
كان مع النبي- عليه السلام- ليلة الجن مما يقبل مثله إلا هذا.
السادس: ما رواه ابن عدي في " الكامل " من حديث أبي عبد الله
الشقري عن شريك القاضي، عن أبي زائدة، عن ابن مسعود قال: " قال
لي رسول الله: أمعك ماء؟ قلت: لا، إلا نبيذٌ في إداوة، قال: تمرة
طيبة وماء طهور فتوضأ " (1) .
والسابع: ما رواه أبو داود هذا، وأخرجه الترمذي، وابن ماجه،
وفي حديث الترمذي: " قال: فتوضأ منه " (2) .
فإن قلت: هذه الطرق كلها مخالفة لما في " صحيح مسلم " أنه لم
يكن معه. قلت: التوفيق بينها أنه لم يكن معه- عليه السلام- حين
المخاطبة، وإنما كان بعيداً منه. وقد قال بعضهم: إن ليلة الجن كانت
مرتين، ففي أول مرة خرج إليهم ولم يكن مع النبي- عليه السلام- ابن
مسعود ولا غيره كما هو ظاهر حديث مسلم، ثم بعد ذلك خرج معه ليلة
أخرى كما روى ابن أبي حاتم في " تفسيره " في أول سورة الجن من
حديث ابن جريج قال: قال عبد العزيز بن عمر: أما الجن الذين لقوه
بنخلة فجن نينوي. وأما الجن الذين لقوه بمكة فجن نصيبين!. وقد
علمت الصحابة بهذا الحديث على ما في " سنن الدارقطني " عن عبد الله
ابن محرر (3) ، [عن قتادة] ، عن عكرمة، عن ابن عباس' قال:
" النبيذ وضوء من لم يجد الماء " (4) .
__________
(1) الكامل (9/194) ترجمة أبي زيد مولى عمرو بن حريث.
(2) تقدم برقم (73) .
(3) في الأصل: " محرز " خطأ.
(4) الدارقطني (1/76) وقال: " ابن محرر متروك الحديث ".

(1/239)


وأخرج أيضاً عن الحارث، عن علي: " أنه كان لا يرى بأساً بالوضوء
بالنبيذ " (1) . وأخرج أيضاً عن مزيدة بن جابر عن علي- رضي الله
عنه- قال: " لا باًس بالوضوء بالنبيذ " (2) . وروى الدارقطني أيضاً في
" سننه " من حديث مُجاعة عن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا لم يجد أحدكم ماء ووجد النبيذ فليتوضأ " (3) .
74- ص- حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا وُهيب، عن داود، عن
عامر، عن علقمة قال: قلت لعبد الله بن مسعود: من كان منكم مع رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجن؟ فقال: ما كان معه منا أحد (4) .
ش- وهيب هو ابن خالد بن عجلان، وقد ذكر.
وداود هو ابن أبي هند، واسم أبي هند دينار بن عُذافر ويقال: اسمه
طهمان البصري أبو بكر، رأى أنس بن مالك، وسمع أبا العالية،
والحسن البصري، وابن سيرين، والشعبي، وعكرمة، وغيرهم. روى
عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وقتادة، والثوري، وابن جريج،
وشعبة، ووهيب، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. توفي سنة سبع
وثلاثين ومائة بطريق مكة. روى له الجماعة [إلا] البخاري استشهاداُ (5) .
وعامر هو عامر بن شراحيل بن عبد ابن أخي قيس الشعبي الكوفي من
شعب همْدان. روى عن: علي بن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين،
وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم. وقال منصور بن عبد الرحمن: قال
__________
(1) الدارقطني (1/79) وقال: " تفرد به حجاج بن أرطأة، لا يحتج به ".
(2) الدارقطني (1/79) .
(3) الدارقطني (1/76) وقال: " أبان بن أبي عياش متروك الحديث، ومُجاعة
ضعيف، والمحفوظ أنه رأي عكرمة غير محفوظ ". (1) هـ. وإلى هنا انتهى
النقل من نصب الراية.
(4) مسلم: كتاب الصلاة، باب: الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن
(450) ، الترمذي: كتاب التفسير، باب: ومن سورة الأحقاف (3258) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1790) .

(1/240)


الشعبي: أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله يقولون: علي وطلحة
والزبير في الجنة. روى عنه: عبد الله بن بريدة، وقتادة، وداود بن
أبي هند، والأعمش، وجماعة آخرون. قال ابن معين: ثقة. توفي
سنة أربع ومائة، وبلغ ثنتين وثمانين سنة. روى له الجماعة (1) .
وعلقمة بن قيس بن عبد الله بن [مالك بن] علقمة بن سلامان بن
كُهيل بن بكر بن عوف بن النخع النخعي. روى عن أبي بكر الصّديق.
وسمع عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب،
وعبد الله بن مسعود، وغيرهم. روى عنه: أبو وائل، والشعبي،
والنخعي،/ومحمد بن سيرين، وعبد الرحمن بن الأسود، وغيرهم.
قال ابن معين: ثقة. توفي سنة اثنتين وستين. روى له الجماعة إلا ابن
ماجه (2) .
وأخرج مسلم هذا الحديث، والترمذي مطولاً 0
75- ص- حدّثنا محمد بن بشار قال: نا عبد الرحمن قال: نا بشر بن
منصور، عن ابن جريج، عن عطاء: " أنهُ كره الوُضُوء باللبن والنبيذ،
وقال: إن التيمم أعجب إلي منهُ " (3) .
ش- محمد بن بشار هو بندار.
وعبد الرحمن هو ابن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن أبو سعيد
العنْبري، وقيل: الأزدي، مولاهم البصري اللؤلؤي، سمع أبا خلدة،
ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وشعبة، وغيرهم. روى عنه:
عبد الله بن وهب، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وغيرهم. توفي سنة
ثمان وتسعين ومائة، وهو ابن ثلاث وستين سنة. روى له الجماعة (4)
وبشر بن منصور السلمي أبو محمد البصري، سمع أيوب السختياني،
__________
(1) المصدر السابق (14/3042) . (2) المصدر السابق (20/4017) .
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/3969) .
16* شرح سنن أبي داوود 1

(1/241)


وابن جريج، والثوري، ومحمد بن عجلان، وغيرهم. روى عنه:
عبد الرحمن بن مهدي، وسليمان بن حرب، وشيبان بن فروخ،
وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. روى له مسلم، وأبو داود،
والنسائي (1) .
وعطاء بن أبي رباح، واسم أبي رباح: أسلم المكي أبو محمد
القرشي، ولد في آخر خلافة عثمان، ونشأ بمكة، ورأى عقيل بن
أبي طالب، وأبا الدرداء. وسمع عبد الله بن عباس، وابن عُمر، وابن
عمرو، وابن الزُّبير، وأبا هريرة، وغيرهم. روى عنه: عمرو بن
دينار، والزهري، وأيوب السختياني، وابن جريج، وجماعة آخرون
كثيرة. وقال ابن معين وأبو زرعة: ثقة. مات سنة أربع عشرة ومائة.
روى له الجماعة، وكان أسود أعور أفطس أشل أعرج، ثم عمي بعد
ذلك، وكان فقيهاً عالماً كثير الحديث (2) .
قوله: " باللبن وبالنبيذ " أما التوضؤ باللبن فلا يخ (3) إما أن يكون بنفس
اللبن أو بماء خالطه لبن، فالأول لا يجوز بالإجماع، وأما الثاني:
فيجوز عندنا خلافاً للشافعي. وأما التوضؤ بالنبيذ فقد ذكرنا أنه يجوز عند
أبي حنيفة، ولكن بشرط أن يكون حلواً رقيقاً، يسيل على الأعضاء
كالماء، وما اشتد منها صار حراماً لا يجوز التوضؤ به، وإن غيرته النار
فما دام حلواً فهو على الخلاف ولا يجوز التوضؤُ بما سواه من الأنبذة جرياً
على قضية القياس.
قوله: " وقال: إن التيمم أعجب إلي منه " أي: من الوضوء باللبن
وبالنبيذ، وهذه العبارة تشعرُ أن التوضأ بهما يجوز عند العلماء، ولكن
الأولى التيمم.
76- ص- حدثنا محمد بن بشار قال: نا عبد الرحمن قال: نا أبو خلدة
__________
(1) المصدر السابق (4/708) .
(2) المصدر السابق (20/3933) .
(3) كذا، ولعلها بمعنى: " يخرج ".

(1/242)


قال: سألت أبا العالية عن رجل أصابته جنابة وليس عنده ماء وعنده نبيذ
أيغتسل به؟ قال: لا (1) .
ش- عبد الرحمن هو ابن مهدي.
وأبو خلدة خالد بن دينار التميمي السّعدي أبو خلدة البصري الخيّاط.
روى عن: أنس بن مالك، وأبي العالية، والحسن البصري، ومحمد بن
سيرين. روى عنه: يحيى القطان، ووكيع، ويزيد بن زريع، وأبو نعيم،
وغيرهم. قال أحمد: شيخ ثقة. روى له: البخاري، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وأبو العالية رُفيع- بضم الراء- بن مهران البصري الرياحي، مولى
أُمية امرأة من بني رياح من يربوع حي في بني تميم، أعتقته سائبة، أدرك
الجاهلية، وأسلم بعد موت النبي- عليه السلام- بسنتين. وروى عن:
علي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وأبي هريرة، وغيرهم. روى
عنه: قتادة، وعاصم الأحول، وأبو خلدة، وغيرهم. قال ابن معين:
وأبو زرعة وأبو حاتم: ثقة. روى له الجماعة (3) .
قوله: " وليس عنده ماء " جملة وقعت حالاً عن " رجل "، أي: ماء
مطلق، والهمزة في قوله: " أيغتسل " للاستفهام.
***