شرح أبي داود للعيني

36- باب: الرجل يصلي وهو حاقن
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يصلي الصلاة والحال أنه
حاقن، والحاقن: الذي حبس بوله، والحاقن والحقنُ سواء، والحاقن:
الذي حبس غائطه، وفي بعض النسخ: " باب أيصلي الرجل وهو
حاقن؟ " وفي بعضها: " باب الرجل يُصلي وهو حقن ". وكان ينبغي
ذكر هذا الباب بين أبواب الاستنجاء، أو بين أبواب ما يكره في الصلاة.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1606) .
(3) المصدر السابق (9/1922) .

(1/243)


77- ص- حدّثنا أحمد بن يونس قال: نا زهير، قال: نا هشام بن
عروة [عن أبيه] ، عن عبد الله بن أرقم: أنه خرج حاجا أو معتمراً ومعه
الناسُ وهو يؤُمُهم، فلما كان ذات يومٍ أقام الصلاة: صلاة الصُّبْح ثم قال:
ليتقدمْ أحدُكُم وذهب الخلاء، فإني سمعتُ رسول الله يقول: " إذا أراد
أحدُكُمْ أن يذْهب الخلاء وقامت الصّلاةُ فليبدأ بالخلاء " (1) .
قال أبو داود: روى هذا الحديث / وهيب بن خالد وشعيب بن إسحاق،
وأبو ضمرة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن رجل حدثه، عن عبد الله بن
أرقم، والأكثر (2) الذين رووْهُ عن هشامٍ قالوا كما قال زهير.
ش- عبد الله بن أرقم بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زُهرة
القرشي الزهري، كتب للنبي- عليه السلام-، ثم لأبي بكر وعمر،
أسلم عام الفتح. روى عن النبي- عليه السلام- حديثاً واحداً وهو هذا
الحديث. روى عنه ابن الزبير. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه (3) .
ووهيب بن خالد بن عجلان.
وشعيب بن إسحاق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن راشد القرشي
مولاهم الدمشقي، سمع هشام بن عروة، والحسن بن دينار، وأبا حنيفة،
وابن جريج، وغيرهم. روى عنه: إبراهيم بن موسى الرازي، وداود
ابن رشيد، والليث بن سعد 0 قال أبو حاتم: صدوق. وقال
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء وإذا أقيمت الصلاة (142) ،
النسائي: كتاب الإمامة في الصلاة، باب: الغدو في ترك الجماعة
(1/110) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في النهي للحاقن أن
يصلي (616) .
(2) في سنن أبي داود: " والأكثرون ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3160) .

(1/244)


النسائي: ثقة. توفي في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة، وله اثنتان
وسبعون سنة. روى له الجماعة إلا الترمذي (1) .
وأبو ضمرة أنس بن عياض بن ضمرة أبو ضمرة المدني، أخو يزيد بن
عياض، سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأبا حازم الأعرج، وهشام
ابن عروة، وشريك بن عبد الله. روى عنه: بقية بن الوليد ومات قبله،
وأحمد بن حنبل، وقتيبة، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن إدريس
الشافعي، وغيرهم. قال أبو زرعة: لا بأس به. وقال ابن عدي:
ثقة. ولد سنة أربع ومائة، ومات سنة ثمانين ومائة 0 روى له الجماعة (2) .
قوله: " صلاة الصبح " منصوب على أنه بدل من قوله: " الصلاة ".
قوله: " فليبدأ بالخلاء " وذلك لأنه إذا صلى وهو حاقن لا يتفرغ للعبادة،
ويكون قلبه مشغولاً.
وأخرج هذا الحديث الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال
الترمذي: حديث عبد الله بن أرقم حديث حسن صحيح.
78- ص- حدّثنا أحمد بن محمد بن حنبل/ (3) ومحمد بن عيسى
المعنى ومسدد قالوا/: نا يحيى بن سعيد، عن أبى حزرة قال: نا عبد الله بن
محمد قال ابن عيسى: في حديثه ابن أبي بكر- ثم اتفقوا: أخو القاسم بن
محمد قال: كنا عند عائشة- رضي الله عنها- فجيء بطعامها، فقام القاسمُ
ابنُ محمد يُصلي فقالت: سمعت رسول الله- عليه السلام- يقولُ: " لا
يُصلى بحضرة الطعام، ولا وهو يدافُعُه الأخْبثان " (4) .
ش- أبو حزْرة اسمه يعقوب بن مجاهد القاص ويقال: كنيته
__________
(1) المصدر السابق (12/2742) .
(2) المصدر السابق (3/567) .
(3) في الأصل: " ومحمد بن عيسى ومسدد (بياض قدر سلمة) المعنى قال " كذا،
وما أثبتناه من سنن أبي داود.
(4) مسلم: كتاب الصلاة، باب: كراهية الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله
في الحال، وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين (67/560) .

(1/245)


أبو يوسف، وأبو حزْرة لقب له، مولى بني مخزوم المدني، روى عن:
عبادة بن الوليد بن عبادة، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق،
وعبد الرحمن بن جابر بن عبد الله. روى عنه: يحيى بن سعيد
الأنصاري، ويحيى القطان، وإسماعيل بن جعفر، وغيرهم. قال
أبو زرعة: لا بأس به. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي (1) .
وحزرة بفتح الحاء المهملة، وسكون الزاي بعدها الراء.
وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي المدني
التيمي، سمع عائشة أم المؤمنين، وعامر بن سعد بن أبي وقاص. روى
عنه: شريك بن عبد الله، وأبو حزرة، وخالد بن سعد، وغيرهم.
قال مصعب: كان امرءاً صالحاً، وكانت فيه دعابة. وقال أحمد بن
عبد الله: مدني ثقة. روى له مسلم حديثين، وروى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وابن عيسى هو: محمد بن عيسى الطّباع، وقد ذُكر.
والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصّدّيق أبو محمد، ويقال:
أبو عبد الرحمن التيمي المدني. روى عن: عبد الله بن عباس، وعبد الله
ابن عمر، وأبي هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان، وعائشة الصديقة،
وغيرهم. روى عنه: نافع، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري،
وأيوب السختياني، وجماعة آخرون كثيرة. مات سنة اثنتي عشرة ومائة،
وكان قد ذهب بصرُهُ، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. روى له الجماعة (3) .
قوله: " ابن أبي بكر " صفة لقوله: " محمد ".
وقوله: " قال ابن عيسى " معترض بين الصفة والموصوف.
قوله: " ثم اتفقوا " أي: أحمد ومحمد ومسدّد.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7102) .
(2) المصدر السابق (16/3530) . (3) المصدر السابق (23/4819) .

(1/246)


قوله: " أخو القاسم " صفة لقوله: " عبد الله بن محمد "، ولذا رفع
الأخ.
قوله: " لا يُصلّى بحضرة الطعام " أي: لا يصلي الرجل والطعامُ قد
حضر، وذلك لتأخذ النفس حاجتها منه فيفي بحقوق الصلاة، وهذا ما
لم يكن في ضيق من الوقت، ثم هذا اللفظ بعمومه يتناول سائر
الصلوات، ويشمل سائر أنول الأطعمة.
قوله: " ولا وهو يدافُعُه الأخبثان " أي: ولا يصلي والحال أنه يدافعه
الأخبثان، وهما البول والغائط، وذلك لعدم التفرغ إلى العبادة بقلب
فارغ.
وقوله: " وهو " مبتدأ/و " يدافعه الأخبثان ": خبره، والجملة محلها
النصب على الحال، وارتفاع الأخبثين على أنه فاعل " يدافعه "، وإنما
ذكر المدافعة من باب المفاعلة الذي هو لمشاركة اثنين فصاعداً؛ لأن كل
واحد من المصلي والأخبثين كأنه يدافع الآخر، فدفع المصلي بحبسه إياه،
ومنعه من الخروج، ودفع الأخبثين بطلب الخروج.
79- ص- حدّثنا محمد بن عيسى قال: نا ابن عياش، عن حبيب بن
صالح، عن يزيد بن شريح الحضرمي، عن أبي حي المؤذن، عن ثوبان قال:
قال رسول الله- عليه السلام-: " ثلاثٌ لا يحل لأحد أن يفعلهُن: لا يؤُمُّ
رجلٌ قوماً فيخص نفسهُ بالدعاء دونهُم، فإنْ فعل فقد خًانهُم، ولا ينظُرُ في
قعر بيت قبل أن يسْتأذن، فإنْ فًعل فقد دخل، ولا يُصفي وهو حاقنٌ (1)
حتى يتخًفف " (2) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " حقنٌ ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية أن يخص الإمام نفسه
بالدعاء (357) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ولا يخص الإمام
نفسه بالدعاء (923) ، وبعضه: " الجزء الأخير منه " ابن ماجه: كتاب
الطهارة وسننها، باب: ما جاء في النهي للحاقن أن يصلي (617) .

(1/247)


ش- ابن عياش: هو إسماعيل بن عياش، وقد ذكر.
وحبيب بن صالح الطائي أبو موسى الشامي، سمع عليّ بن أبي طلحة،
ويزيد بن شريح الحضرمي، وراشد بن سعد، وغيرهم. روى عنه:
بقية بن الوليد، وإسماعيل بن عياش، وصفوان بن عمرو، وغيرهم.
روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
ويزيد بن شريح الحضرمي الحمصي، سمع أبا حي (2) المؤذن. روى
عن: أبي أمامة الباهلي، وثوبان مولى النبي- عليه السلام- وسمع
كعب الأحبار، وعائشة الصديقة. روى عنه: حبيب بن صالح،
ومحمد بن الوليد، وثور بن يزيد، وغيرهم. روى له: أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (3) .
وأبو حي اسمه: شداد بن حي، أبو حي المؤذن الحمصي. روى عن
ثوبان. روى عنه: راشد بن سعد، ويزيد بن شريح. حديثه في أهل
الشام. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
وثوبان بن بُجدد ويقال ابن جُحدر القرشي الهاشمي، يكنى أبا عبد الله
مولى رسول الله، روي له عن رسول الله مائة حديث وسبعة وعشرون
حديثاً، انفرد به مسلم، فروى له عشرة أحاديث. روى عنه: معدان بن
أبي طلحة، وجُبير بن نفير، وأبو إدريس الخولاني، وأبو حي المؤذن،
وغيرهم. توطن بحمص ومات بها سنة خمس وأربعين. روى له الجماعة
إلا البخاري (5) .
وبُجْدُد بضم الباء الموحدة، وسكون الجيم، وضم الدال الأولى.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/1091) .
(2) في الأصل: " يحيى " خطأ.
(3) المصدر السابق (32/7002) .
(4) المصدر السابق (12/2705) .
(5) انظر ترجمته في: الاستيعاب (1/209) بهامش الإصابة، وأسد الغابة
(1/296) ، والإصابة (1/204) .

(1/248)


قوله: " ثلاث " أي: ثلاث خصال، وارتفاعه على أنه مبتدأ، وقد
ذكرنا وجه وقوعه مبتدأ.
وقوله: " لا يحل لأحد أن يفعلهن " خبره.
قوله: " لا يؤم رجلٌ قوماً " إحدى الخصال الثلاث.
وقوله: " فيخص " بالرفع عطف على قوله: " لا يؤم "، والمعنى: لا
ينبغي أن توجد من إمامة قوم وتخصيص نفسه بالدعاء دونهم، والمعنى لا
يحل اجتماعهما؛ لأن في ذلك توهم حصر الخير لنفسه وحجره عن غيره.
قوله: " فإن فعل " أي: فإن خص نفسه بالدعاء دونهم فقد خانهم؛
لأنه ضيع حقهم في الدعاء. والفاء في قوله: " فإن فعل " فاء التفسير،
والتي في قوله: " فقد خانهم " فاء الرابطة للجواب 0
قوله: " ولا ينظر في قعر بيت " الخصلة الثانية، وهو برفع الراء عطف
على قوله: " ولا يؤم ". والمراد من قعر البيت: أرضه، كما في قوله
- عليه السلام-: " والشمس لم تخرج من قعر حجرتها " أي: من
أرض الحجرة، وقعر كل شيء عمقه، ومنه قعر البئر، وقعر الإناء.
قوله: " فإن فعل فقد دخل " أي: فإن نظر في قعر بيت قبل الاستئذان
فقد دخل، أي: فقد صار داخلاً فيه بلا إذن، والدخول في بيت أحد بلا
إذن صاحبه حرام.
قوله: " ولا يُصفي " الخصلة الثالثة.
قوله: " وهو حاقن " جملة حالية في الضمير الذي في " لا يُصلي "،
وكلمة حتى لانتهاء الغاية، والمعنى: ترك الصلاة مغياه بالتخفيف،
والتخفيف كناية عن قضاء الحاجة.
ثم في هذا الحديث ثلاث منهيات، الأول: نهي تنزيه، والثاني: نهي
تحريم، والثالث: نهي شفقة، حتى لو صلى وهو حاقن صحت صلاته،
فإن قيل: كيف يجوز أن يفرق بين أشياء يجمعها نظم واحد؟ قلت: قد
جاء مثل ذلك كثيراً عند قيام دليل لبعضها بصفة مخصوصة، كما روي:

(1/249)


" أنه كره من الشاة سبعاً: الدم، والمرارة، والحياء، والغُدة، والذكر،
والأنثيين، والمثانة " والدم حرام بالإجماع،/وبقية المذكورات معه
مكروهة غير محرمة.
فإن قيل: وكيف يكون ذلك هاهنا، وقد نص- عليه السلام- بقوله:
" لا يحل لأحد أن يفعلهن "؟ قلت: هذا خارج مخرج البالغة في المنع،
وأمثال هذا كثيرة في النصوص. وحديث ثوبان أخرجه الترمذي وابن ماجه،
وحديث ابن ماجه مختصر. وقال الترمذي: حديث ثوبان حديث حسن،
وذكر حديث يزيد بن شريح عن أبي أمامة، وحديث يزيد بن شريح عن
أبي هريرة في ذلك قال: وكأن حديث يزيد بن شريح عن أبي حي المؤذن،
عن ثوبان في هذا أجود إسناداً وأشهرُ، والله أعلم.
80- ص- حدثنا محمود بن خالد بن أبي خالد السُلمي قال: حدثنا
أحمد بن علي قال: نا ثور، عن يزيد بن شريح الحضرمي، عن أبي حب
المؤذن، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال: [" لا يحلُّ لرجل
يُؤمنُ بالله واليوم الآخر أن يُصلي وهو حقنٌ حتى يتخفف " ثم ساق نحوه
على هذا اللفظ قال: " و] (1) لا يحل لرجلٍ يؤمنُ بالله واليوم الآخر أن يؤُم
قوماً إلا بإذنهم، ولا يختص نفسهُ بدعوة دونهم، فإنْ فعل فقد خانهُمْ " (2) .
ش- محمود بن خالد بن أبي خالدً يزيد أبو علي السّلمي الدمشقي،
سمع أباه، وعبد الله بن كثير القارئ، وخالد بن عبد الرحمن الخراساني،
ويحيى بن معين، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وابن
ماجه، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وجماعة آخرون. وقال أبو حاتم:
ثقة، وكذا قال النسائي. ولد سنة ست وسبعين ومائة، ومات سنة تسع
وأربعين ومائتين. والسُلمي نسبة إلى سُلمية الشام (3) .
__________
(1) زيادة من سنن أبي داود، وتحفة الأشراف (10/14879) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5813) .

(1/250)


وأحمد بن علي روى عن ثور بن يزيد. روى عنه محمود بن خالد.
روى له أبو داود (1) .
وثور هو ابن يزيد بن زياد الكلاعي، قد مر ذكره.
قوله: " يؤمن بالله واليوم الآخر " في محل الجر؛ لأنها وقعت صفة
للرجل، والمعنى: لا يحل لرجل التزم شرائع الإسلام؛ لأن كل من آمن
بالله وباليوم الآخر فقد التزم شرائع الإسلام.
قوله: " أن يؤمّ قوماً " في محل الرفع على أنه فاعل لقوله: " لا يحل "،
والتقدير: " (2) لا يحل إمامة رجل قوماً إلا بإذنهم، والمعنى: إذا لم
يكن بأقرئهم ولا بأفقههم لم يجزْ له الاستبداد عليهم بالإمامة، فأما إذا
كان جامعاً لأوصاف الإمامة، فهو أحقهم أذنوا له أو لم يأذنوا، وقد
قيل: إن النهي عن الإمامة إلا بالاستئذان إذا كان في بيت غيره، فأما في
سائر البقاع فلا حاجة به إلى الاستئذان إذا وجدت فيه أوصاف الإمامة ".
وعن هذا قال أصحابنا: إذا كره أهل حارة إمامهم لهم أن يستبدلوه
بغيره.
قوله: " ولا يختص نفسه بدعوة " يقال خصه بشيء واختصه به،
والدعوة بفتح الدال الدّعاء إلى الله تعالى، والدعاء إلى الطعام وغيره،
وبكسر الدال في النسب وبضمها في دار الحرب.
قوله: " فإن فعل " يشمل الفعلين جميعاً، والمعنى: فإن أمهم بلا
إذنهم، واختص نفسه بدعوة دونهم، فقد خانهم؛ لأنه ضيع حقهم،
وكل من ضيع حقوق الناس فهو خائن، والخيانة من أوصاف النفاق، فلا
يفعلها من يؤمن بالله واليوم الآخر.
__________
(1) المصدر السابق (1/83) .
(2) انظر: معالم السنن (1/39- 40) .

(1/251)


37- باب: ما يجزئ من الماء في الوضوء
أي: هذا باب في بيان ما يكفي من الماء في الوضوء.
81- ص- حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا همام، عن قتادة، عن
صفية بنت شيبة، عن عائشة- رضي الله عنها-: " أن النبي- عليه السلام-
كان يغْتسلُ بالصّاع ويتوضأ بالمُدّ ". قال أبو داود (1) : رواه أبان، عن قتادة
قال: سمعت صفية.
ش- محمد بن كثير البصري، وهمام بن يحيى بن دينار، وقتادة بن
دعامة ذكروا.
وصفية بنت شيبة الحاجب بن عثمان بن أبي طلحة. واسم أبي طلحة:
] عبد الله بن] عبد العزى بن عبد الدار بن قصي القرشية. روى عنها
ابنها منصور بن عبد الرحمن، والحسن بن مسلم، ومصعب بن شيبة.
روي لها عن رسول الله خمسةُ أحاديث اتفقا على روايتها عن عائشة.
روى لها: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
قوله: " بالصاع " فيه لغتان: التذكير والتأنيث، ويقال: صاع وصوع،
بفتح الصاد والواو، وصُواع ثلاث لغات، والجمع " أصْوع "، وإن
شئت أبدلت من الواو المضمومة همزة 0 قال ابن الأثير (3) : " الصاع:
مكيال يسع أربعة أمداد، والمُدُّ مختلف فيه، فقيل هو: رطل وثلث
بالعراقي، وبه يقول الشافعي وفقهاء الحجاز. وقيل: هو رطلان، وبه
__________
(1) البخاري: كتاب الطهارة (325) ، مسلم: كتاب الحيض، باب: القدر
المستحب في غسل الجنابة (53) ، الترمذي: كتاب الطهارة، باب: في
الوضوء بالمد (56) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: القدر الذي يكتفي به
الإنسان من الماء للوضوء والغسل (1/179) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: ما جاء في مقدار الماء للوضوء وللغسل من الجنابة (268) .
(2) انظر ترجمتها في: الاستيعاب (4/349) بهامش الإصابة، وأسد الغابة
(7/172) ، والإصابة (4/348) .
(3) نظر: النهاية (3/60) .

(1/252)


يقول أبو حنيفة وفقهاء العراق، فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثا أو ثمانية
أرطال ".
قلت: الصاع عند أبي يوسف خمسة أرطال وثلث رطل عراقية، وبه
قال مالك والشافعي/وأحمد. وقال أبو حنيفة ومحمد: الصاع ثمانية
أرطال. حجة أبي يوسف: ما رواه الطحاوي عنه قال: " قدمت المدينة
فاخرج إليّ من أثق به صاعاً وقال: هذا صاع النبي- عليه السلام-
فوجدته خمسة أرطال وثلثا. قال الطحاوي: وسمعتُ ابن عمران يقول:
الذي أخرجه لأبي يوسف هو مالك. وقال عثمان بن سعيد الدارمي:
سمعت عليّ بن المديني يقول: عيّرتُ صاع النبي- عليه السلام-
فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل، وأخرج الدارقطني في " سننه " (1)
عن عمران بن موسى الطائي: حدثنا إسماعيل بن سعيد الخراساني، ثنا
إسحاق بن سليمان الرازي قال: قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله،
كم وزن صاع النبي- عليه السلام-؟ قال: خمسة أرطال وثلث
بالعراقي، أنا حزْرتُه. قلت: يا أبا عبد الله، خالفت شيخ القوم.
قال: من هو؟ قلت: أبو حنيفة، يقول: ثمانية أرطال. فغضب غصباً
شديداً وقال: قاتله الله، ما أجرأه على الله، ثم قال لبعض جلسائه: يا
فلان، هات صاع جدك، ويا فلان، هات صاع عمك، ويا فلان،
هات صاع جدتك، فجمعت آصُع، فقال مالك: ما تحفظون في هذه؟
فقال أحدهم: حدثني أبي، عن أبيه: أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى
رسول الله. وقال الآخر: حدثني أبي، عن أخيه: أنه كان يؤدي بهذا
الصاع إلى رسول الله. قال مالك: أنا حزرْتُ هذه فوجدتها خمسة
أرطال وثلثا. وقال صاحب " التنقيح ": إسناده مظلم، وبعض رجاله
غير مشهورين. واحتج أبو حنيفة ومن معه بما أخرجه ابن عدي في
" الكامل " (2) عن عمر بن موسى أبي وجيه الوجيهي، عن عمرو. بن
__________
(1) (2/151)
(2) (6/23، ترجمة عمر بن موسى) .

(1/253)


دينار، عن جابر قال: " كان النبي- عليه السلام- يتوضأ بالمد رطلين،
ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال "، وعمر بن موسى ضعيف. وبما أخرجه
الدارقطني عن جعفر بن عون، ثنا ابن أبي ليلى، ذكره عن عبد الكريم،
عن أنس قال: " كان رسول الله- عليه السلام- يتوضأ بمد رطلين،
ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال " (1) . وأخرجه الدارقطني من طريقين
آخرين: من طريق موسى بن نصر الحنفي (2) ، ومن [طريق] صالح بن
موسى (3) ، وكلاهما ضعيفان. والبيهقي ضعف أسانيد الثلاثة (4) .
وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " (5) في كتاب الزكاة: حدثنا يحيى بن
آدم قال: سمعت حسن بن صالح يقول: صاع عمر ثمانية أرطال. وقال
شريك: أكثر من سبعة أرطال وأقل من ثمانية. وأخرج الطحاوي في
" كتابه " عن إبراهيم النخعي قال: عيّرنا صاعاً، فوجدناه حجّاجيا،
والحجاجي عندهم ثمانية أرطال بالبغدادي. قال: وصنع الحجاج هذه
على صاع عمر. وأما الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله
ابن جبر، عن أنس بن مالك قال: " كان النبيُّ- عليه السلام- يتوضأ
بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد " (6) فليس فيه الوزن. وأخرجه
مسلم من حديث سفينة بنحوه (7) ، وأخرج النسائي وابن ماجه مثل رواية
أبي داود، وأخرجه الدارقطني من رواية معاذ بن هشام، عن أبيه، عن
قتادة وقال: " بنحو المدّ وبنحو الصاع " (8) ، وأخرجه البيهقي من رواية
عفان، عن أبان، عن قتادة: حدثتني صفية فذكره (9) . وقال النووي:
حديث عائشة حديث حسن.
__________
(1) سنن الدارقطني (2/154) . (2)
(1/94) ، و (2/153) .
(3) (2/153) .
(4) (4/171) .
(5) (3/54) كتاب الزكاة.
(6) البخاري: كتاب الوضوء، باب: الوضوء بالمد (201) ، مسلم: كتاب
الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة (325/51) .
(7) مسلم (326/52، 53) .
(8) (1/94) .
(9) البيهقي (1/195) .

(1/254)


قوله: " قال أبو داود: رواه أبان، عن قتادة قال: سمعت صفية "
مقصوده: أن قتادة مُدلس، وقد اتفقوا على أن المدلس إذا قال: " عن "
لا يحتج به إلا أن يثبت من طريق آخر أنه سمع ذلك الحديث من ذلك
الشخص، وقد قال قتادة في الطريق الأول: عن صفية، فبين أبو داود
أنه سمعه من صفية، فصرح بلفظ السماع.
82- ص- حدّثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: نا هشيم قال: نا يزيد
ابن أبي زياد، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر قال: " كان النبيُّ- عليه
السلام- يغْتسلُ بالصّاع، ويتوضأ بالمُدّ " (1) .
ش- هشيم بن بشير قد ذكر، ويزيد بن أبي زياد، ويقال: يزيد بن
زياد القرشي الدمشقي. روى عن: الزهري، وسليمان بن حبيب،
وسليمان بن داود الخولاني. روى عنه: محمد بن ربيعة، ووكيع،
وأبو نعيم، ويحيى بن صالح. قال ابن نُمير: ليس بشيء. وقال
أبو حاتم: ضعيف الحديث، كأن أحاديثه موضوعة. وقال النسائي:
متروك الحديث. وقال الترمذي: ضعيف في الحديث. وقال ابن معين:
ليس بشيء. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي (2) .
وسالم بن أبي الجعد رافع الأشجعي، سمع أباه، وجابر بن عبد الله،
وأنس بن مالك. وروى عن: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو بن
العاص. روى عنه: أبو إسحاق الهمداني، وعمرو بن دينار، وقتادة،
والأعمش، وغيرهم. قال يحيى: ثقة. وقال أبو زرعة: كوفي ثقة.
مات سنة إحدى ومائة. روى له الجماعة (3) .
وجابر بن عبد الله الأنصاري قد ذكر، والحديث انفرد به أبو داود عن
بقية الستة، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه " بهذه الطريق (4) ،
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة، باب: ما جاء في مقدار الماء للوضوء
والغسل من الجنابة (269) من طريق أبي الزبير، عن جابر به.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/6990) .
(3) المصدر السابق (10/2142) .
(4) (1/66) .

(1/255)


وأخرجه الحاكم في " المستدرك " (1) بهذا اللفظ من طريق محمد بن
فضيل، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر به. قال
النووي: حديث جابر ضعيف، فيه يزيد بن أبي زياد ضعيف. وقال
المنذري: لا يحتج به.
قلت: قد تابعه عليه حصين كما رواه الحاكم في " المستدرك "، فيكون
حديثه حسناً بالمتابعة، على أن يزيد لم يُنسب للكذب، ولا للفسق، ولا
فحُش خطؤه عن سالم بن أبي الجعد، وهو مدلس كما قال الذهبي،
وقد عنعن.
قلت: لعل أبا داود اطلع على تصريحه بسماعه من جابر كما بين في
السابق تصريح قتادة بالسماع له من صفية.
83- ص- حدثنا محمد بن بشار قال: نا محمد بن جعفر قال: نا شعبة،
عن حبيب الأنصاري قال: سمعت عباد بن تميم، عن جدته وهي أم عمارة:
" أن النبي- عليه السلام- توضأ فأتي بإناء فيه ماءٌ قدْر ثُلُثي المدّ " (2) .
ش- محمد بن جعفر هذا هو الهذليً مولاهم البصري المعروف بغُندر،
يكنى أبا عبد الله، سمع ابن جريج، وسعيد بن أبي عروبة، والثوري،
وابن عيينة،/وشعبة، وغيرهم، وكان شعبة زوج أمه. روى عنه:
أحمد بن حنبل، وابن معين، وابن بشار، وابن المثنى، وابن الوليد،
ومسدد، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، وغيرهم. توفي سنة أربع
وتسعين ومائة. روى له الجماعة. وإنما سُمي غندراً لأنه كان يكثر الشّغْب
على ابن جريج فقال له: اسكت يا غندر (3) .
وأهل الحجاز يُسمون المشغب غُندر، والشغْب- بسكون الغين
المعجمة- تهييج الشر.
__________
(1) (1/161) .
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للوضوء
(1/57) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5120) .

(1/256)


وحبيب الأنصاري هو ابن زيد الأنصاري المدني. روى عن عباد بن
تميم، وليلى. روى عنه شعبة، وشريك النخعي. وقال أبو حاتم: هو
صالح. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وعباد بن تميم بن زيد بن عاصم بن غزيّة- بفتح الغين المعجمة، وكسر
الزاي، وتشديد الياء آخر الحروف- ابن عمرو بن عطية الأنصاري المازني
المدني. روى عن عمه عبد الله بن زيد، وأبي بشير الأنصاري 0 روى
عنه: الزهري، وحبيب بن زيد، ومحمود بن لبيد. قال عباد: أنا يوم
الخندق ابن خمس ستين، فأذكر أشياء وأعيها، وكنا مع النساء في
الآطام (2) . روى له الجماعة (3) .
وأم عمارة هي نسيبةُ بنت كعب بن عمرو بن عوف بن [عمرو بن [
مبذول بن عمرو بن غنم النجارية، وهي أم عبد الله وحبيب ابني زيد،
شهدت العقبة مع السبعين، وشهدت أحداً، وأبلت يومئذ بلاءً حسناً هي
وابنها عبد الله وزوجها، وجُرحت يومئذ أحد عشر جُرحاً، وشهدت بيعة
الرضوان، وشهدت اليمامة، وجُرحت أيضاً احد عشر جرحاً، وقطعت
يدها يومئذ. روى عنها عباد بن تميم، وهي جدته. روى لها: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
ونسيبة بفتح النون، وكسر السين المهملة، هذا هو الأشهر، ويقال:
اسمُها لُسينة باللام المضمومة والنون.
قوله: " توضأ فأتي بإناء " معناه: أراد الوضوء فأتي بالماء من قبيل قوله
تعالى: (فإذا قرأت القُران فاسْتعذْ) (5) أي: إذا أردت أن تقرأ القرآن.
__________
(1) المصدر السابق (5/1084) .
(2) الحصن المبني بحجارة، وقيل: كل بيت مربع مسطح.
(3) المصدر السابق (14/3075) .
(4) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/417) ، وأسد الغابة
(7/280) ، والإصابة (4/418) .
(5) سورة النحل: (98) .
517 شرح سنن أبي داوود 1

(1/257)


قوله: " فيه ماء " جملة في محل الجر على أنها وقعت صفة " للإناء ".
قوله: " قدر " منصوب على الحال، والتقدير: حال كونه مقدراً بهذا
المقدار، ويجوز أن ينتصب بنزع الخافض، والتقدير بمقدار ثلثي المد،
ويجوز الرفع على أن يكون صفة للماء، أو يكون خبر مبتدأ محذوف،
أي هو: قدر ثلثي المد. وأخرج هذا الحديث النسائي، وفيه قال شعبة:
" فأحفظ أنه غسل ذراعيه وجعل يدلكها، ومسح أذنيه باطنهما، ولا
أحفظ أنه مسح ظاهرهما ". ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " (1) عن
أبي كريب محمد بن العلاء، وابن حبان في " صحيحه " (2) من طريق
أبي كريب، والحاكم في " مستدركه " (3) من طريق إبراهيم بن موسى
الرازي كلاهما عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن شعبة، عن حبيب
ابن زيد، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد: " أن النبي- عليه
السلام- أُتي بثلثي مد من ماء فتوضأ، فجعل يدلك ذراعيه ". قال
الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال
النووي: حديث أم عمارة حديث حسن.
84- ص- حدّثنا محمد بن الصباح البزاز، قال: أخبرنا شريك، عن
عبد الله بن عيسى، عن عبد الله بن عبد الله بن جبْر، عن أنس قال: " كان
النبيُّ- عليه السلام- يتوضأ بإناء يسعُ رطلين، ويغتسلُ بالصاع " (4) .
قال أبو داود: رواه يحيى بن آدم، عن شريك، قال: عن ابن جبْر بن
عتيك. ورواه شعبة فقال: حدثني عبد الله بن عبد الله بن جبر قال: سمعت
أنساً إلا أنه قال: " يتوضأ بمكُوك " ولم يذكر " رطلين ". ورواه سفيان، عن
عبد الله ابن عيسى قال: حدثني جبر بن عبد الله.
__________
(1) (1/62) .
(2) (13/1083) .
(3) (1/161) .
(4) مسلم: كتاب الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة (326) ،
الترمذي: كتاب الطهارة، باب: في الوضوء بالمد (56) ، النسائي: كتاب
المياه، باب: القدر الذي يكتفي به الإنسان من الماء للوضوء والغسل (2/180) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في مقدار الماء للوضوء (267) .

(1/258)


ش- محمد بن الصباح الدولابي البغدادي البزاز- بالزاي المكررة-
صاحب السنن أبو جعفر مولى مزينة، سمع شريك بن عبد الله النخعي،
وزيد بن هارون، ومحمد بن عبيد، وسفيان بن عيينة، وابن المبارك،
ووكيعاً، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وابن معين،
ْوأبو زرعة، والبخاري، ومسلم، وأبو داود. روى له: ابن ماجه،
والترمذي عن البخاري عنه، وروى له النسائي أيضاً. قال ابن معين:
ثقة مأمون. مات في آخر المحرم سنة سبع وعشرين ومائتين (1) .
وشريك هو ابن عبد الله النّخعي.
وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي،
سمع جده عبد الرحمن بن أبي ليلى، والشعبي، وعطية، وسعيد بن
جبير، والزهري، وعبد الله بن عبد الله بن جبر، وغيرهم. روى عنه:
الثوري، وشعبة، وشريك بن عبد الله، وزهير بن معاوية، وغيرهم.
قال ابن معين: هو ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. مات سنة ثلاثين
ومائة. روى له الجماعة (2) .
وعبد الله بن عبد الله بن جبر- بفتح الجيم وإسكان الباء الموحدة- ابن
عتيك، وقيل: ابن جابر. سمع ابن عمر، وأنس بن مالك، وعتيك
ابن الحارث. روى عنه: مالك، ومسْعر، وشعبة، وعبد الله بن
عيسى. روى له: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (3) .
ويحيى بن آدم بن سليمان الكوفي أبو زكرياء الأموي، مولى خالد بن
خالد بن عمارة. سمع مالك بن أنس، ومالك بن مغول،/ومسعر بن
كدام، والثوري، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو بكر
وعثمان ابنا أبي شيبة، وابن معين، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة.
مات سنة ثلاث ومائتين بفم الصلح. روى له الجماعة (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5298) .
(2) المصدر السابق (15/3473) .
(3) المصدر السابق (15/3362) .
(4) المصدر السابق (31/6778) .

(1/259)


وسفيان هو الثوري.
قوله: " مكُوك " المكُّوك: إناء يسعُ الماء، معروف عندهم. وقال ابن
الأثير (1) : " المكُّوكُ: المُدُّ، وقيل: الصاع، والأول أشبه؛ لأنه جاء
في الحديث مفسراً بالمد. وقال أيضاً: المكوك اسم للمكيال، ويختلف
مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد، ويجمع على مكاكي،
على إبدال الياء من الكاف الأخيرة، ويجيء أيضاً على مكاكيك ".
وأخرجه النسائي ولفظه: " كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغتسلُ بمكُّوك،
ويغتسلُ بخمس مكاكي ". وأخرجه مسلم ولفظه: " كان رسولُ الله
- عليه السلام- يغتسلُ بخمس مكاكيك، ويتوضأ بمكُوكٍ ". وفي
رواية (2) : " مكاكيّ " والياء في مكاكي مشددة. وقال النووي: حديث
أنس إسناده صحيح، إلا أن فيه شريك بن عبد الله النخعي القاضي، وقد
ضعّفه الأكثرون. وقد ذكر أبو داود أن شعبة وسفيان روياه أيضاً، فلعله
اعتضد عنده، فصار حسناً، فسكت عليه.
[قال ابن الأعرابي] (3) : قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول:
الصاعُ خمسة أرطال. قال أبو داود: وهو صاع ابن أبي ذئب، وهو صاع
النبي- عليه السلام-.
ش- قوله: " قال ابن الأعرابي: ... " إلى آخره: ليس بموجود في غالب
النسخ.
وابن الأعرابي: اسمه أحمد بن محمد بن سعيد بن زياد بن بشر بن
الأعرابي أبو سعيد، حدث عن أحمد بن منصور الرمادي، والحسين بن
علي بن عفان، والترمذي. وحدث بالسنن عن أبي داود، وحدث عنه
جماعة منهم الخطابي. توفي بمكة يوم الأحد لتسع وعشرين خلت من ذي
القعدة، سنة أربعين وثلثمائة.
__________
(1) النهاية (4/350) .
(2) مسلم (325/50) .
(3) ساقط من سنن أبي داود.

(1/260)


وابن أبي ذئب اسمه محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن
أبي ذئب هشام بن شعبة (1) القرشي العامري المدني، سمع نافعاً،
والزهري، وعكرمة، وغيرهم 0 روى عنه: الثوري، ووكيع، وابن
المبارك، وغيرهم. قال أحمد: ثقة صدوق. مات بالكوفة سنة تسع
وخمسين ومائة. روى له الجماعة (2) .
***
38- باب: في إسباغ الوضوء (3)
أي: هذا باب في بيان إسباغ الوضوء. و " إسباغ الوضوء " إتمامه من
قولهم شيءٌ سابغ، أي: كامل وافٍ، وسبغت النعمة تسبغ- بالضم-
سُبُوغاً اتسبغت، وأسبغ الله عليه النعمة: أتمها.
85- ص- حدّثنا مسدد قال: نا يحيى، عن سفيان قال: حدثني منصور،
عن هلال بن يساف، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عمرو: أن النبيّ- عليه
السلام- رأى قوْماً وأعقابهم تلُوحُ فقال: " ويْل للأعْقاب من النار، أسْبغُوا
الوُضُوء " (4) .
ش- يحيى القطان، وسفيان الثوري، ومنصور بن المعتمر.
وهلال بن يساف بفتح الياء آخر الحروف، ويقال: إساف- بالهمزة-
أبو الحسن الأشجعي مولاهم الكوفي، أدرك عليّ بن أبي طالب. وروى
عن ابنه الحسن، وسمع أبا مسعود الأنصاري، وأبا عبد الرحمن
السلمي، وغيرهم. روى عنه: إسماعيل بن [أبي] خالد، ومنصور
__________
(1) في الأصل: " سعيد " خطأ.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5408) .
(3) في سنن أبي داود جاء هذا الباب بعد الباب الآتي: " باب الإسراف في الماء "،
وبالتالي اختلف ترتيب الأحاديث.
(4) البخاري: كتاب الوضوء، باب: غسل الأعقاب (166) ، مسلم: كتاب
الطهارة، باب: وجوب غسل الرجلين بكمالهما (241) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: إيجاب غسل الرجلين (111) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: غسل العراقيب (450) .

(1/261)


ابن المعتمر، وعمرو بن مرة، وأبو مالك الأشجعي، وغيرهم. قال
احمد بن عبد الله: كوفي ثقة. روى له الجماعة (1) .
وأبو يحيى اسمه: مصدع- بكسر الميم- الأعرج المُعرْقبُ- بفتح
القاف- الأنصاري، مولى معاذ بن عفراء، ويقال: اسمه زياد. روى
عن: عليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو،
وعائشة. روى عنه: شمر بن عطية، وهلال بن يساف، وسعيد بن
أبي الحسن، وغيرهم. روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
وعبد الله بن عمرو بن العاص قد ذكر.
قوله: " وأعقابهم تلُوح " جملة اسمية وقعت حالاً، والأعقاب جمع
" عقب " - بفتح العين وكسر القاف وسكونها- وهي مؤخر القدم، وهي
مؤنثة.
وقوله: " تلُوح " من لاح الشيء يلوح لوْحاً إذا لمع.
قوله: " ويل للأعقاب من النار " الويل في الأصل مصدر لا فعل له،
وإنما ساغ الابتداء به وهو نكرة؛ لأنه دعاء، والدعاء يدل على الفعل،
والفعل مخصص له؛ لأن المعنى في قولهم: " ويلٌ لزيد " أدعو عليه
بالتحسر أو بالهلاك، ومنه قوله تعالى: (ويْلٌ للمُطفّفين) (3) وأمثاله
كثيرة في القرآن، ويقال: أصله: وي لفلان أي: الحزن، فقُرن بلام
الإضافة تخفيفاً. والويل: الهلاك، وقيل: أشد العذاب، وقيل:
النداء بالخسار، وفيه دليل على وجوب تعميم الأعضاء بالمطهر، وأن ترك
البعض منها غير مُجزئ، وإنما نص في الأعقاب لأنه ورد على سبب؛
لأنه- عليه السلام- رأى قوماً وأعقابهم تلوح، فتكون الألف واللام في
الأعقاب للعهد، والمراد: الأعقاب التي رآها كذلك لم يمسها الماء.
ويحتمل أن لا تخص بتلك الأعقاب/التي رآها، وتكون الأعقاب التي
صفتها هذه، ولا يجوز أن تكون الألف واللام للعموم المطلق كما لا
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6634) .
(2) المصدر السابق (28/5978) .
(3) سورة المطففين: (1) .

(1/262)


يخفى على الفطن الذكي، وإنما خص العقب بالعذاب؛ لأنه العضو الذي
لم يغسل، وقيل: أراد صاحب العقب فحذف المضاف، وإنما قال ذلك
لأنهم كانوا لا يستقْصُون غسل أرجلهم في الوضوء.
قوله: " أسبغوا الوضوء " أي: أكملوه وأتموه كما مر أن الإسباغ الإتمام
وإنما ترك العاطف؛ لأن هذه الجملة وقعت كالبيان للجملة الأولى، فلا
يحتاج إلى العاطف. وأخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه، واتفق
البخاري ومسلم على إخراجه من حديث يوسف بن ماهك عن عبد الله بن
عمرو بنحوه (1) .
**
39- باب: الإسراف في الوضوء (2)
أي: هذا باب في بيان الإسراف في ماء الوضوء. و " الإسراف ":
التبذير. وفي بعض النسخ: " باب الإسراف في الماء "، وكلاهما قريب.
86- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد قال: أخبرنا سعيد
الجريري، عن أبي نعامة: أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: " اللهمّ إني
اً سْألُك القصْر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتُها. قال: يا بُنيّ (3) سل الله
- عزّ وجلّ- الجنة، وتعوذ به من النّار، فإنّي سمعتُ رسول الله يقول: " إنه
سيكونُ في هذه الأمّة قوم يعْتدُون في الطُّهُور والدُعاء " (4) .
ش- سعيد الجُريري- بضم الجيم- نسبة إلى جُرير- بالضم- هو
__________
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: غسل الرجلين، ولا يمسح على القدمين
(163) ، مسلم: كتاب الطهارة، باب: وجوب غسل الرجلين بكمالهما
(27/241) .
(2) في سنن أبي داود: " باب الإسراف في الماء "، وهي نسخة كما أوضحها
المصنف.
(3) في سنن أبي داود: " أي بني ".
(4) ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: كراهية الاعتداء في الدعاء (3864) .

(1/263)


ابن إياس أبو مسعود الجُريري البصري، وجُرير هو ابن عُباد- بضم العين
وتخفيف الباء- اخو الحارث بن عباد بن ضُبيْعة، ويقال: جُرير بن عبادة
ابن ثعلبة. روى عن: أبي الطفيل، وأبي نضرة، وأبي عثمان النهدي،
وعبد الله بن شقيق، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة،
والحمادان، وابن علية، وابن المبارك، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: تغير حفظه قبل موته، فمن كتب عنه قديماً فهو صالح،
وهو حسن الحديث. توفي سنة أربع وأربعين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وأبو نعامة- بفتح النون- اسمه قيس بن عباية البصري الحنفي. روى
عن: أنس بن مالك، وابن عبد الله بن مغفل (2) . روى عنه: الجُريري،
وزياد بن مخراق، وعثمان بن غياث، وأيوب السختياني، وغيرهم.
قال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه (3) .
وابن عبد الله بن مغفل هو سعيد وقيل زياد، ولم يُبين هاهنا. وذكر
المزي يحتمل أن يكون الداعي بهذا الدعاء يزيد، ويحتمل أن يكون غيره،
فقد ذُكر عن الحسن البصري أنه كان لعبد الله بن مغفل سبعة أولاد أسمى
بعضهم كلهم زياداً أو سعيداً.
قوله: " اللهم " معناه: يا الله، وقد ذكرناه.
قوله: " عن يمين الجنة " كلمة " عن " هاهنا ليست على حقيقته، وهو
إما بمعنى " على " نحو (فإنما يبْخلُ عن نفسه) (4) أي: على نفسه.
والمعنى: القصر الأبيض الذي على يمين الجنة، وإما بمعنى " في " كما في
قول الشاعر:
ولا تك عن حمل الرباعة وانياً
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2240) .
(2) في تهذيب الكمال: " وابنٍ لعبد الله بن مغفل ".
(3) المصدر السابق (24/4913) .
(4) سورة محمد: (38) .

(1/264)


قوله: " يا بني " تصغير الشفقة كما في قوله تعالى: (وإذْ قال لُقْمانُ
لابْنه وهُو يعظُهُ يا بُنيّ) (1) ، وأمثال ذلك كثيرة في القرآن، وأصل ابن
بنوً، فلما جيء بالهمزة في أوله حذفت الواو، وإنما صُغر على هذه
الصيغة لأن الهمزة غير معتد بها، فيبقى الاسم بعد التصغير على بنيو،
واجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، فأبدلت الواو ياء،
وأدغمت الياء في الياء، وصار " بُني "، فإن قيل: لم وجب حذف
الهمزة؟ قلت: لأنها إما أن تثبت وصلاً أو تحذف، فإن حذفت أُقبل بياء
فُعيل، فإن بقيت رجعت همزة الوصل قطعية، فإن قيل: من أين قلت:
إن أصل ابن بنو؟ قلت: لأنك تقول في مؤنثه بنت كما تقول في مؤنث
الأخ أخت، ولم نر هذه التاء تلحق مؤنثاً إلا ومذكره محذوف الواو،
يدل على ذلك أخوات، فافهم.
قوله: " سل اله " أصله " اسأل " فخفف بحذف الهمزة في الموضعين،
وحركت السن لتعذر الابتداء بالساكن، يقال: سألته الشيء، وسألته
عن الشيء سؤالاً ومسألة، وهو يتعدى إلى مفعولين؛ لأن الفعل لا يخ (2)
إما أن يتعدى إلى واحد أو اثنين أو ثلاثة كما عرف في موضعه. والجنة في
اللغة: البستان، سميت داراً لبقائها إما لاشتمالها على الجنان وهي
البساتين، أو لاستتارها عن أعين الناس.
قوله: " وتعوذ به " أي: بالله، من قولك: عُذت بفلان، واستعذت
به أي: لجأت إليه.
قوله: " فإني " الفاء فيه للتعليل.
قوله: " يقول " جملة حالية من الرسول.
قوله: " إنه " أي: إن الشأن.
قوله: " في هذه الأمة " الأمة في الأصل: الجماعة. قال الأخفش:
هو في اللفظ واحد، وفي المعنى جمع، وكل جنس/في الحيوان أمة.
__________
(1) سورة لقمان: (13) .
(2) كذا، ولعلها بمعنى " لا يخرج ".

(1/265)


وفي الحديث: " لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها " (1) .
والأمة: الطريقة والدين، يقال: فلان لا أمة له. أي: لا دين له.
والأمة: الحين. قال تعالى: (وادّّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) (2) والإمة بالكسر:
النعمة، والإمة أيضاً لغة في الأمة، وهي الطريقة.
قوله: " قوم " القوم: الرجال دون النساء، لا واحد له من لفظه.
وقال تعالى: (لا يسْخرْ قوْم مّن قوْم) ، (ولا نساءٌ من نساء) (3) ،
وربما دخل النساء فيه على سبيل الجمع؛ لأن قوم كل نبي رجال ونساء،
وجمع القوم " أقوام "، وجمع الجمع " أقاويم "، والقوم يذكر ويؤنث؛
لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كان للآدميين يذكر
ويؤنث، مثل: رهط، ونفر، وقوم. قال الله تعالى: (وكذب به
قوْمُك) (4) ، وقال: (كذبتْ قوْمُ نُوج) (5) .
قوله: " يعتدون " من الاعتداء، وهو التجاوز عن الحد. وقال ابن
الأثير (6) : " ومعنى يعتدون في الدعاء: هو الخروج فيه عن الوضع
الشرعي والسُّنّة المأثورة ".
وأما الاعتداء في الطهور أن يسرف في الماء، بأن يكثر صبه أو يزيد في
الأعداد، والطهور يحتمل فيه وجهان: ضم الطاء بمعنى الفعل، ويكون
المعنى: يعتدون في نفس الطهور بأن يزيدوا في أعداده، وذلك إما من
الإسراف وهو حرام، وإما من الوسوسة وهي من الشيطان. وفتحها
__________
(1) أبو داود في: كتاب الصيد، باب: في اتخاذ الكلب للصيد وغيره (845) ،
والترمذي في: كتاب الأحكام، باب: ما جاء في قتل الكلاب (1486) ،
والنسائي في: كتاب الصيد والذبائح، باب: صفة الكلاب التي أمر بقتلها
(7/185) ، وابن ماجه في: كتاب الصيد، باب: النهي عن اقتناء الكلب
إلا كلب صيد أو حرث أو ماشية (3205) من حديث عبد الله بن مغفل.
(2) سورة يوسف: (45) .
(3) سورة الحجرات: (11) .
(4) سورة الأنعام: (66) .
(5) سورة الشعراء: (105) .
(6) النهاية (3/193) .

(1/266)


بمعنى المطهر ويكون المعنى: يعتدون في الماء، بأن يكثروا صبه وسكبه.
وأخرجه ابن ماجه مقتصراً منه على الدعاء. وأخرجه الحاكم في " مستدركه "
عن أبي بكر بن إسحاق، عن محمد بن أيوب، عن موسى بن إسماعيل،
وأشار إلى صحته. وأخرجه البيهقي في " سننه " عنه، وابن حبان في
" صحيحه "، وصحّحه النووي في " شرحه ".
فإن قلت: الجُريري مشهور بالاختلاط، اختلط أيام الطاعون، وذلك
عام اثنتين وثلاثين ومائة 0 قلنا: أبو داود إمام عظيم الشأن، وسكت على
هذا، فدل على كونه مأخوذاً عن الجُريري قبل الاختلاط، وأيضاً فإن
حماد بن سلمة إمام ورع من شيوخ الإسلام، فلا يعتقد أنه يحدث عنه
بشيء سمعه منه بعد الاختلاط.
***
40- باب: الوضوء من آنية الصُّفْر
أي: هذا باب في بيان الوضوء من آنية الصُّفر- بضم الصاد وسكون
الفاء- وقال في الصحاح: " الضُفر بالضم: الذي يعمل منه الأواني،
ويقال: الشبه هو الصُفر، سمي به لأنه يشبه الذهب، ويعلم من هذا أن
الصفر النحاس الأصفر ".
87- ص- حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد، قال: أخبرني
صاحب لي، عن هشام بن عروة: أن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
" كُنتُ أغتسلُ أنا ورسول الله- عليه السلام- في توْرٍ من شبهٍ " (1) .
ش- أخرج الشيخ هذا الحديث من طريقين: أحدهما: منقطعة وفيها
مجهول. والأخرى: متصلة وفيها مجهول.
قوله: " ورسولُ الله " عطف على " أنا "، وقد مر نظيره مع الكلام فيه.
قوله: " في توْرٍ " التًوْرُ بفتح التاء المثناة من فوق، وسكون الواو وفي
__________
(1) تفرد به أبو داود.

(1/267)


آخره راء: إناء من صُفر أو حجارة كالإجانة وقد يتوضأ منه، وكلمة " في "
هاهنا بمعنى " من " أي: من تور، وقد ذكر مثل هذا مرةً.
قوله: " من شبه " بيان للتور، والشبه بفتح الشن المعجمة، والباء
الموحدة المخففة: هًو الصفر كما ذكرنا. ويستفاد من هذا الحديث فائدتان،
الأولى: جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد. والثانية: جواز
استعمال الأواني من النحاس.
88- ص- حدثنا محمد بن العلاء: أن إسحاق بن منصور حدثهم،
عن حماد بن سلمة، عن رجل، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة- رضي الله
عنها- عن النبي- عليه السلام- نحوه (1) .
ش- إسحاق بن منصور السلولي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي.
سمع إبراهيم بن سعد، وأسباط بن نصر، وداود الطائي، وغيرهم.
روى عنه: أبو كريب، وأبو نعيم، وعباس الدوري، وغيرهم 0 قال
ابن معين: ليس به بأس. مات سنة خمس ومائتْين. روى له
الجماعة (2) .
وهشام هو ابن عروة.
واعلم أن الرجل المبهم الذي بيْن حماد بن سلمة وهشام بن عروة (3)
قد فُسّر في رواية البيهقي وغيره لهذا الحديث من رواية حوثرة بن أشرس،
عن حماد بن سلمة، عن شعبة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن
عائشة- رضي الله عنها- قالت: " كنت أغتسل أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تور
من شبه يبادرني وأبادره " تبين أن الرجل المبهم شعبة. وحوثرة بالحاء
المهملة وًالثاء المثلثة، ثقة مشهور، ذكره ابن حبان في " الثقات ".
قوله: " نحوه " أي: الحديث المذكور.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/384) .
(3) في الأصل: " هشام بن سلمة " خطأ.

(1/268)


89- ص- حدثنا الحسن بن عليّ قال: نا أبو الوليد وسهل بن حماد
قالا: نا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه،
عن عبد الله بن زيد قال: " جاءنا رسولُ الله- عليه السلام- فأخرجنا له ماءً
في تورٍ [من صفرٍ] (1) فتوضأ " (2)
ش- الحسن بن علي الخلال، وقد ذُكر.
وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري. سمع شعبة،
والحمادين، وابن عيينة، وغيرهم. روى عنه: البخاري، وأبو زرعة،
وأبو حاتم، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم. قال أبو حاتم: إمام فقيه
ثقة حافظ. مات سنة سبع وعشرين ومائتين. روى له الجماعة (3) .
وسهل بن حماد أبو عتاب الدلال البصري العنْقزي بعين مهملة
ونون وقاف وزاي 0 سمع شعبة، وأبا مكين نوح بن ربيعة، وعيسى بن
عبد الرحمن السلمي. روى عنه: عديّ-بن المديني، ونصر بن علي،
وعمرو ابن علي (4) ، وغيرهم. قال أحمد: لا باس به. وقال أبو زرعة
وأبو حاتم: صالح الحديث. روى له الجماعة إلا البخاري (5) .
وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ميمون الماجشون أبو عبد الله
المدني/الفقيه، سكن بغداد. سمع محمد بن المنكدر، والزهري،
وعمه يعقوب بن [أبي] سلمة، ووهب بن كيسان، وعمرو بن أبي عمرو
__________
(1) ساقط من سنن أبي داود.
(2) البخاري: كتاب الوضوء، باب: مسح الرأس كله (185) ، مسلم: كتاب
الطهارة، باب آخر في صفة الوضوء (18/235) ، الترمذي: كتاب الطهارة،
باب: المضمضة والاستنشاق (28) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: حد
الغسل (1/71) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في مسح الرأس
(434) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6584) .
(4) في الأصل: " عُمر بن علي " حطأ، وإنما هو " الفلاس ".
(5) المصدر السابق (12/2608) .

(1/269)


[و] جماعة آخرين. روى عنه: الليث بن سعد، ووكيع بن الجراح،
وأبو داود الطيالسي، وغيرهم. قال أبو زرعة وأبو حاتم: ثقة. مات
ببغداد سنة أربع وستين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وعمرو بن يحيى بن عُمارة بن أبي الحسن الأنصاري المازني المدني،
روى عن أبيه، وعباد بن تميم، ومحمد بن يحي بن حبان، وعباس بن
سهل، وغيرهم. روى عنه: أيوب السختياني، ويحيى بن أبي كثير،
وابن جريج، وشعبة، والثوري، وابن عيينة، وعبد العزيز بن أبي سلمة،
وغيرهم. وقال أبو حاتم: ثقة. روى له الجماعة (2) .
ويحيى بن عمارة الأنصاري سمع أبا سعيد الخدري، وعبد الله بن زيد
ابن عاصم المازني. روى عنه ابنه عمرو، والزهري، ومحمد بن يحيى،
وغيرهم. قال عبد الرحمن بن خراش: ثقة. روى له الجماعة (3) .
وعبد الله بن زيد بن عاصم بن [كعب] بن عمرو بن عوف المازني
الأنصاري المدني، رويا له ثمانية أحاديث. روى عنه: سعيد بن المسيب،
وابن أخيه عباد بن تميم، ويحيى بن عُمارة، وواسع بن حبان. قُتل
بالحرة سنة ثلاث وستين، وهو ابن سبعين سنة. روى له الجماعة (4) .
قوله: " فتوضأ " أي: منه، وفي رواية ابن ماجه: " فتوضأ به " (5)
وكذا في رواية ابن أبي شيبة، وروى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير،
عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: " أنه كان لا يشرب في قدح
من صُفْر، ولا يتوضأ فيه ". وروى أيضاً عن وكيع قال: ثنا سفيان،
عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: " أنه كان يكره الصُّفْر، وكان لا
يتوضأ فيه ". وهذا محمول على أنه إنما كرهه لأنه كان يكره رائحة الصُفْر.
__________
(1) المصدر السابق (18/3455) .
(2) المصدر السابق (22/4475) .
(3) المصدر السابق (31/6889) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/312) ، وأسد الغابة
(3/250) ، والإصابة (2/302) .
(5) (471) .

(1/270)


41- باب: التسمية عند الوضوء على الوضوء (1)
أي: هذا باب في بيان التسمية عند الوضوء على الوضوء. و " على
الوضوء " متعلق بالتسمية، وفي النسخ الصحيحة: " باب في التسمية
على الوضوء ".
90- ص- حدثنا قتيبة بن سعيد قال: نا محمد بن موسى، عن يعقوب
ابن سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة لمن
لا وُضُوء له، ولا وُضُوء لمن لم يذْكر [اسم] الله عليه " (2) .
ش- محمد بن موسى هو: ابن أبي عبد الله الفطري- بالفاء
المكسورة- مولى أبي مخزوم. روى عن: عبد الله بن [عبد الله بن]
أبي طلحة، وعون بن محمد، ويعقوب بن سلمة، وغيرهم. روى
عنه: عبد الله بن نافع، وابن مهدي، وقتيبة، وغيرهم. وقال الترمذي:
ثقة. وقال الطحاوي: محمودٌ في روايته. روى له الجماعة إلا
البخاري (3) .
ويعقوب بن سلمة الليثي مولاهم. روى عن أبيه. روى عنه: محمد
ابن إسماعيل بن أبي فديك، ومحمد بن موسى، وأبو عقيل يحيى بن
المتوكل. روى له: أبو داود، وابن ماجه. وليس ليعقوب بن سلمة
وأبيه عندهما سوى هذا الحديث الواحد (4) .
وسلمة الليثي والد يعقوب. روى عن أبي هريرة. روى عنه ابنه
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب [في] التسمية على الوضوء "، وهي نسخة كما
ذكر المصنف.
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التسمية عند الوضوء (25) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التسمية عند الوضوء (399) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5639) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7089) .

(1/271)


يعقوب، ومحمد بن موسى الفطري، وأبو عقيل يحيى. روى له:
أبو داود، وابن ماجه (1) .
قوله: " لا صلاة لمن لا وضوء له " كلمة " لا " هاهنا لنفي الجنس،
وخبرها محذوف، والتقدير: " لا صلاة حاصلة لمن لا وضوء له ".
و" لا " الثانية بمعنى " ليس "، والمعنى: " لا صلاة أيُ صلاة كانت من
الفرض والنفل لمن ليس له وضوء موجود "، وهذا بإجماع المسلمين من
السلف والخلف، أن الصلاة لا تصح إلا بالوضوء. ثم الكلام في
التسمية فظاهر الحديث يقتضي أن لا يصح الوضوء إلا بالتسمية، وإليه
ذهب أهل الظاهر، وإسحاق بن راهويه. وقال إسحاق: إذا ترك
التسمية عامداً يجب عليه إعادة الوضوء. وعن أحمد أنها واجبة، وروي
عنه أنه قال: ليس في هذا حديث يثبت، وأرجو أن يجزئه الوضوء؛
لأنه ليس في هذا حديث أحكم به. وقال جماهير العلماء: إنها سُنّة أو
مستحبة، والأحاديث التي وردت في هذا كلها ليست بصحيحة، ولا
أسانيدها مستقيمة. وقال أحمد: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد
جيد، وأخرج الإمام أحمد في " مسنده " (2) هذا الحديث، ورواه عن
الشيخ الذي رواه أبو داود بسنده، وهو أمثل الأحاديث الواردة إسناداً.
مع أن البخاري ذكر في " تاريخه الكبير " (3) : " لا يعرف لسلمة سماع
من أبي هريرة، ولا ليعقوب من أبيه ". وأخرجه الترمذي، وابن ماجه
، من حديث سعيد بن زيد، عن رسول الله./وفي إسناده أبو ثفال،
عن رباح، أنه سمع جدته (4) . ورواه الحاكم أيضاً في " مستدركه "
وصححه (5) .
__________
(1) المصدر السابق (11/2477) .
(2) (2/418) .
(3) (4/ترجمة 2006) .
(4) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التسمية عند الوضوء (25، 26)
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التسمية في الوضوء (398) .
(5) (4/64) ، وفي النسخة المطبوعة سكت عنه الحاكم والذهبي.

(1/272)


وقال ابن القطان في كتاب " الوهم والإيهام " (1) : فيه ثلاثة مجاهيل
الأحوال: جدة رباح، ولا يُعرف لها اسم ولا حال، ولا تُعرف بغير
هذا، ورباح أيضاً مجهول الحال، وكذلك أبو ثفال مجهول الحال، مع
أنه أشهرهم لرواية جماعة عنه منهم الدراوردي. وقال ابن أبي حاتم في
كتاب " العلل ": هذا الحديث ليس عندنا بذاك الصحيح، وأبو ثفال
مجهول، ورباح مجهول " (2) .
ورواه ابن ماجه أيضاً من حديث كثير بن زيد، عن رُبيح بن
عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري: أن النبي
- عليه السلام- قال: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه " (3) .
ورواه الحاكم أيضاً في " مستدركه " وصححه (4) . وقال محمد بن
إسماعيل: " رُبيح بن عبد الرحمن منكر الحديث ". ورواه الطبراني
أيضاً من حديث أبي سبْرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة إلا
بوضوء، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه "، ولئن سلمنا صحة هذا
الحديث فهو محمول على نفي الفضيلة، حتى لا يلزم الزيادة على مطلق
الكتاب بخبر الواحد، وذلك نحو قوله- عليه السلام-: " لا صلاة
لجار المسجد إلا في المسجد " (5) .
فإن قيل: " (6) يشكل على أحاديث التسمية حديث أخرجه أبو داود
__________
(1) انظره في: نصب الراية (1/4) .
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(3) ابن ماجه (397) : كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التسمية في الوضوء.
(1/147) .
(5) روي من حديث أبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وعائشة مرفوعاً، وعن علي
موقوفاً. فأما حديث أبي هريرة فرواه الدارقطني (1/420) ، والحاكم
(1/246) ، والبيهقي (3/57) ، وأما حديث جابر فرواه الدارقطني أيضا
(1/420) ، وفيه زيادة، وأما حديث عائشة فأخرجه ابن حبان في " الضعفاء "،
وأما أثر علي فأخرجه الدارقطني (1/420) ، والحديث ضعفه الشيخ الألباني
في الإرواء (491) ، ومنه استفدت التخريجات، وكذا الضعيفة (103) .
(6) انظره في: نصب الراية (1/5، 6) .
18* شرخ سن أبي داوود 1

(1/273)


والنسائي وابن ماجه عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن حضين بن
المنذر، عن المهاجر بن قنفذ قال: " أتيتُ النبي- عليه السلام- وهو
يتوضأ (1) ، فسلمتُ عليه فلم يرد على، فلما فرغ قال: " إنه لم يمنعْني
أن أردّ عليك إلا أني كنتُ على غير وُضوء " (2) . ورواه ابن حبان في
" صحيحه "، والحاكم في " مستدركه " (3) وقال: إنه صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه.
والجواب عنه من وجهين، الأول: أنه معلول. والآخر: أنه معارض.
أما كونه معلولاً فقال ابن دقيق العيد في " الإمام ": سعيد بن أبي عروبة
كان قد اختلط في آخره، فيراعى فيه سماع من سمع منه قبل الاختلاط.
قال: وقد رواه النسائي من حديث شعبة (4) ، عن قتادة به، وليس فيه:
" إنه لم يمنعْني " إلى آخره. ورواه حماد بن سلمة، عن حميد وغيره عن
الحسن، عن مهاجر منقطعاً، فصار فيه ثلاث علل.
وأما كونه معارضاً مما رواه البخاري ومسلم من حديث كريب، عن ابن
عباس قال: " بت عند خالتي ميمونة ... " (5) الحديث، ففي هذا ما
يدل على جواز ذكر اسم الله تعالى، وقراءة القرآن مع الحدث " (6)
91- ص- حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: نا ابن وهب، عن
الدراوردي قال: وذكر ربيعة أن تفسير حديث النبي- عليه السلام-: " لا
وُضُوء لمن لم يذْكُر اسم الله عليه " أنه الذي يتوضأ أو يغتسلُ ولا ينوى
وُضُوءاً للصلاة، ولا غُسْلاً للجنابة (7) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " يبول " بدل " يتوضأ ".
(2) تقدم برقم (6) .
(3) (1/167) .
(4) قال الحافظ ابن حجر في النكت الظراف (8/11580 تحفة) : " وهو كذلك في
رواية ابن حيوية وابن الأحمر، وغيرهما- يعني: وجود سعيد في السند-
ولكن وقع في أصولنا من سنن النسائي رواية ابن السني " شعبة " وهو
تصحيف، فقد رواه أحمد بن حنبل في " مسنده " (4/345) عن محمد بن
جعفر، عن سعيد بن أبي عروبة ".اهـ.
(5) تقدم برقم (47) .
(6) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(7) تفرد به أبو داود.

(1/274)


ش- أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح أبو الطاهر
القرشي الأموي، مولاهم المصري، مولى نهيك مولى عتبة بن أبي سفيان.
سمع سفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، وبشر بن بكر، وغيرهم.
روى عنه: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأبو زرعة،
وأبو حاتم وقال: لا بأس به. توفي سنة تسع وأربعين ومائتين (1) .
-وعبد الله بن وهب بن مسلم المصري أبو محمد القرشي الفهري. سمع
مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وعبد العزيز
الماجشون، وغيرهم. روى عنه: الليث بن سعد، ويحيى بن بكير،
وأحمد بن عمرو، وأبو الربيع سليمان بن داود، وغيرهم. وهو من أجل
الناس وثقاتهم. توفي بمصر سنة سبع وتسعين ومائة. روى له الجماعة (2) .
والدراوردي هو عبد العزيز بن محمد، وقد ذكر.
وربيعة بن أبي عبد الرحمن المدني أبو عثمان القرشي مولاهم التيمي،
ويقال: أبو عبد الرحمن مولى آل المنكدر. سمع أنس بن مالك،
والسائب بن يزيد، ومحمد بن يحيى بن حبان، وسعيد بن المسيب،
وسليمان وعطاء ابني يسار، ومكحولاً الشامي، وغيرهم. روى عنه:
يحيى الأنصاري، وأخوه عبد ربه، ومالك بن أنس، والثوري،
وشعبة، والليث بن سعد، والأوزاعي، وغيرهم. وقال أحمد: ثقة.
وقال الحميدي: كان حافظاً. توفي بالمدينة سنة ست وثلاثين ومائة.
روى له الجماعة (3) .
قوله: " إنه " الضمير إلى الذي لا يذكر الله على الوضوء، وإنما حمل
ربيعة هذا الحديث على النية، وذلك لأن النسيان محله القلب/فوجب أن
يكون أيضاً محلاً للذكر الذي يضاد النسيان، وذكر القلب إنما هو النية.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/86) .
(2) المصدر السابق (16/3645) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1881/9) .

(1/275)


هذا توجيه كلام ربيعة، ولكن الذكر الذي يضاد النسيان هو بضم الذال؛
لأن ذكر القلب لا يجيء إلا بالضم، والذكر بالكسر يكون باللسان،
والمراد بالذكر المذكور في الحديث هو ذكر اللسان بالكسر، فكيف يلتئم
كلام ربيعة؟ والظاهر أن فيه تعسفاً وتأويلاً بعيداً لا يدل عليه قط قرينة من
قرائن اللفظ، ولا من قرائن الحال، ولا حاجة إلى هذا التكلّف إذا
حملناه على نفي الفضيلة كما ذكرنا.
***
42- باب: في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل إذا أدخل يده في الإناء قبل أن
يغسلها. وفي بعض النسخ: " باب: يدخل يده في الإناء قبل أن
يغسلها؟ ".
92- ص- حدثنا مسدد قال: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي رزين
وأبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قام أحدُكُمْ من
الليل فلا يغْمسْ يدهُ في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإنه لا يدْري أين
باتتْ يدُهُ " (1) .
ش- أبو معاوية الضرير، وسليمان الأعمش، وأبو رزين مسعود بن
مالك، وأبو صالح ذكوان السمان، كلهم قد ذكروا.
قوله: " من الليل " أي: من نوم الليل، وإنما قيد الليل لكونه الغالب،
__________
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: الاستجمار وتراً (162) ، مسلم: كتاب
الطهارة، باب: كراهية غمس المتوضئ وغير. يده المشكوك في نجاستها في
الإناء قبل غسلها ثلاثاً له (278) ، الترمذي: كتاب الطهارة، باب: إذا استيقظ
أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها (24) ، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: الوضوء من النوم (1/99) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة
وسننها، باب: الرجل يستيقظ من منامه هل يدخل يده في الإناء قبل أن
يغسلها؟ (395) .

(1/276)


وإلا فالحكم ليس بمخصوص بالقيام من النوم، بل المعتبر فيه الشك في
نجاسة اليد، فمتى شك في نجاستها كُره له غمسها في الإناء قبل غسلها،
سواء قام من نوم الليل أو من نوم النهار، أو شك في نجاستها من غير
نوم، وهذا مذهب الجمهور. وعن أحمد: أنه إن قام من نوم الليل
كرهه كراهة تحريم، وإن قام من نوم نهار كُره كراهة تنزيه، ووافقه داود
الظاهري اعتماداً على لفظ المبيت.
والجواب ما ذكرناه.
قوله: " فلا يغمسْ يده في الإناء " " (1) الجمهور على أن هذا نهي تنزيه
لا تحريم حتى لو غمس يده لم يُفسد الماء، ولم يأثم الغامس. وعن
الحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن جرير الطبري: إنه
ينجس إن قام من نوم الليل، وهذا ضعيف؛ لأن الأصل في الماء واليد
الطهارة، فلا ينجس بالشك، ولا يمكن أن يقال الظاهر في اليد النجاسة.
وقوله: " في الإناء " محمول على ما [إذا] كانت الآنية صغيرة
كالكُوز، أو كبيرة كالحُب ومعه آنية صغيرة، أما إذا كانت الآنية كبيرة،
وليس معه آنية صغيرة، فالنهي محمول على الإدخال على سبيل المبالغة،
حتى لو أدخل أصابع يده اليسرى مضمومة في الإناء دون الكف ويرفع الماء
من الحُب، ويصب على يده اليمنى، ويدلك الأصابع بعضها ببعض،
فيفعل كذلك ثلاثاً ثم يدخل يده اليمنى بالغاً ما بلغ في الإناء إن شاء.
وهذا الذي ذكره أصحابنا. وقال الشيخ محي الدين النووي: " وإذا كان
الماء في إناء كبير بحيث لا يمكن الصب منه، وليس معه إناء صغير يغترف
به، فطريقه أن يأخذ الماء بفمه، ثم يغسل به كفيه، أو يأخذه بطرف ثوبه
النظيف، أو يستعين بغيره " (2) .
قلنا: لو فرضنا أنه عجز عن أخذه بفمه، ولم يعتمد على طهارة
__________
(1) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/180- 181) .
(2) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".

(1/277)


ثوبه، ولم يجد من يستعين به، ماذا يفعل؟ وما قاله أصحابنا أحسن
وأوسع.
قوله: " فإنه لا يدري أين باتت يده " الفاء فيه للتعليل، وذلك
" (1) لأنهم كانوا يستنجون بالأحجار، وبلادهم حارة،. فإذا نام أحدهم
عرق، فلا يأمن أن تطوف يده على ذلك الموضع النجس، أو على بثرة أو
قذرٍ [أو] غير ذلك ".
وقوله: " أين باتت يده " كناية عن وقوعها على دبره أو ذكره، أو
نجاسة، أو غير ذلك من القذر (2) ، وإنما ذكر بلفظ الكناية تحاشياً من
التصريح به، وذلك من آداب النبي- عليه السلام-، ونظائر ذلك كثيرة
من القرآن والحديث. ويستفاد من هذا الحديث فوائد:
الأولى: أن الماء القليل تؤثر فيه النجاسة وإن لم تغيره، وهذا حجة
قوية لأصحابنا في نجاسة القلتين بوقوع النجاسة فيه وإن لم تغيره، وإلا لا
يكون للنهر فائدة. وجمهور أصحابنا استدلوا على نجاسة القلتين بهذا
الحديث الصحيح، الذي أخرجه الأئمة الستة وغيرهم، ولم يعملوا
بحديث القلتين لكونه ضعيفاً كما ذكرناه.
والثانية:/استحباب غسل النجاسة ثلاثاً لأنه إذا أُمر به في المتوهمة
ففي المحققة أوْلى، ولم يزد شيء فوق الثلاث إلا في ولوغ الكلب، وقد
ذكرنا فيه أنه- عليه السلام- أوجب فيه الثلاث وخيّر فيما زاد.
الثالثة: أن موضع الاستنجاء لا يطهر بالمسح بالأحجار، بل يبقى نجساً
معفواً عنه في حق الصلاة، حتى إذا أصاب موضع المسح بلل وابتل به
سراويله أو قميصه تُنجسه.
الرابعة: أن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسلُ، ولا يؤثر فيها الرّشُّ،
فإنه - عليه السلام - قال: " حتى يغسلها "، ولم يقل: " حتى يرُشها ".
__________
(1) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/179) .
(2) المصدر السابق (3/179- 181) .

(1/278)


الخامسة: استحباب الأخذ بالاحتياط في باب العبادات.
السادسة: أن الماء يتنجس بورود النجاسة عليه، وهذا بالإجماع، وأما
ورود الماء على النجاسة فكذلك عندنا. وقال الشافعي: لا ينجس. وقال
الشيخ محيى الدين في هذا الحديث: والفرق بين ورود الماء على النجاسة
وورودها عليه: أنها (1) إذا وردت عليه نجسته، وإذا ورد عليها أزالها،
فكأنه مشعر بذلك على الخلاف المذكور. قلنا: سلمنا أنها إذا وردت عليه
نجسته وسلمنا أنه إذا ورد عليها أزالها، ولكن لا نسلم أنه يبقى طاهراً بعد
أن أزالها.
السابعة: استحباب استعمال الكنايات في المواضع التي فيها استهجان.
واعلم أن هذا كله إذا شك في نجاسة اليد، أما إذا تيقن طهارتها وأراد
غمسها قبل غسلها ثلاثاً له الخيار، إن شاء غمسها قبل الغسل، وإن شاء
بعده، وهذا مذهب الجمهور؛ لأنه- عليه السلام- نبه على العلة وهي
الشك، فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة، ولو كان النهي عاما لقال: " إذا
أراد أحدكم استعمال الماء فلا يغمسْ يده حتى يغسلها "، وكان أعم
وأحسن. وعن بعض الشافعية: حكمه حكم الشك؛ لأن أسباب
النجاسة قد تخفى في حق معظم الناس فيسد الباب، لئلا يتساهل فيه من
لا يعرف " (2) ، وما ذكرناه يرد هذا.
وروى هذا الحديث البخاريُ من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن
الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله وقال: " إذا توضأ أحدُكُم
فليجعل في أنفه، ثم لينتثر (3) ، ومن استجمر فليوتر، وإذا استيقظ
أحدُكم من نومه فليغسلْ يده قبل أن يُدخلها في الإناء، فإن أحدكم لا
يفري أين باتت يدُهُ ". ورواه مسلم مثل رواية أبي داود، ورواه ابن ماجه
__________
(1) في الأصل: " وأنها ".
(2) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".
(3) في صحيح البخاري (162) : " ثم لينثر "

(1/279)


من حديث أبي الزبير، عن جابر مرفوعاً: " إذا قام أحدُكم من النوم،
فأراد أن يتوضأ، فلا يُدخل يده في وضُوئه حتى يغسلها، فإنه لا يدري أين
باتت يدُهُ، ولا على ما (1) وضعها ". ورواه الترمذي: " إذا استيقظ
أحدُكم من الليل، فلا يُدخلُ يده في الإناء حتى يُفرغ عليها مرتين أو
ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يدُهُ ". وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأما الذي رواه أصحابنا منهم صاحب الهداية: " فلا يغمسن " بنون
التأكيد المشددة لم يقع إلا في " مسند البزار "، فإنه رواه من حديث هشام
ابن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعاً: " إذا
استيقظ أحدُكم من منامه فلا يغمسن يده في طهُوره حتى يُفرغ عليها ... "
الحديث.
93- ص- حدُّثنا مسدد قال: نا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن
أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام-: " مرتين أو ثلاثا ... "
نحوه (2) . ولم يذكر أبا رزين.
ش- هذا الطريق فيه مسدد، عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق
السبيعي موضع أبي معاوية الضرير، عن سليمان الأعمش، عن أبي صالح
ذكوان السمان. وأسقط أبا رزين، بينهما، وذكر فيه الغسل مرتين أو ثلاثاً
نحو ما ذكره في الرواية الأولى. ويستفاد من هذه الرواية: أنه إذا اكتفى
بالغسل مرتين يجوز؛ لأنه مستحب ثلاثاً.
قلنا: إن هذا إذا شك في نجاسة اليد، أما إذا تحقق يجب عليه الغسل
إلى أن يطهر، سواء كان بالثلاث أو بما فوق ذلك.
94- ص- حدثنا أحمد بن عمرو بن السرج، ومحمد بن سلمة المرادي
قالا: نا ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبي مريم قال: سم ص.-
أبا هريرة يقول: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا استيقظ أحدُكُم من نومه
__________
(1) في الأصل: " م ".
(2) انظر تخريج الحديث (92) .

(1/280)


فلا يُدخلُ يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإن أحدكم لا يدري أين
باتتْ يدهُ، أو أين كانت تطُوفُ يدُهُ " (1) .
ش- ابن وهب هو عبد الله بن وهب.
ومعاوية بن صالح بن حُديْر أبو عمرو/الحمْصي الحضرمي، نزل
الأندلس، وكان قاضياً بها. سمع: شداداً، وسعيد بن سُويد، وزياد
ابن أبي سودة، وأيوب بن زياد الحمصي، وأبا مريم الأنصاري،
والأوزاعي، وغيرهم. روى عنه: الثوري، والليث بن سعد، وعبد الله
ابن وهب، والواقدي، وغيرهم. وقال أبو زرعة: ثقة محدث. وقال
أبو حاتم: صالحُ الحديث، حسنُ الحديث، يكتبُ حديثُه، ولا يحتج
به. وقال ابن معين: ليس برضى. توفي سنة ثمان وخمسين ومائة.
روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
وأبو مريم الأنصاري. روى عن أبي هريرة. روى عنه: معاوية
ابن صالح، ويحيى بن أبي عمرو السيباني. روى له: الترمذي،
وأبو داود (3) .
قوله: " أو أين كانت تطوفُ يدُه " شك من الراوي. والطوْفُ:
الدوران، والمعنى: فإن أحدكم لا يدري أين دارت يده: على موضع
النجاسة أو لا؟